تفسير رسالة العبرانيين أصحاح 10 للقديس يوحنا ذهبي الفم
الأصحاح العاشر
العظة السابعة عشر (عب10: 1-7)
” لأن الناموس إذ له ظل الخيرات العتيدة لا نفس صورة الأشياء” (عب 10: 1).
بمعني أن الناموس لا يمثل الحقيقة ذاتها، أي بقدر ما يُبرز المرء شكل الألوان بفرشاة أو ريشة، بقدر ما تكون بعض الظلال هي المعبرة عن الشيء الموصوف لكن عندما يرسم أحد شكل الزهرة ويضع فوقها الألوان حينئذ تصبح هناك صورة للزهرة. هكذا الناموس أيضاً. لأنه يقول : “لأن الناموس إذ له ظل الخيرات العتيدة لا نفس صورة الأشياء” أي الذبيحة والغفران.
” لا يقدر أبداً بنفس الذبائح كل سنه التي يقدمونها علي الدوام أن يكمل الذين يتقدمون. وإلا أفما زالت تقدم من أجل أن الخادمين وهم مطهرون مرة لا يكون لهم ضمير خطايا لكن فيها كل سنه ذكر خطايا. لأنه لا يمكن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا. لذلك عند دخوله إلي العالم يقول ذبيحة وقربانا لم ترد ولكن هيأت لي جسداً بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر. ثم قلت هانذا أجي في درج الكتاب مكتوب عني لأفعل مشيئتك يا الله ” (عب 10: 3-7).
أرأيت مقدار الإميتاز مرةً أخري؟ يقول إن هذه الذبيحة (ذبيحـة المسـيح) هــي واحدة، بينما ذبائح العهد القديم هي كثيرة، ولهذا فهي ليست ذبائح قوية، لأنها كثيرة.
3- لماذا كانت الحاجة إلي ذبائح كثيرة، طالما أن ذبيحة واحدة كانت كافية؟ لأنه من خلال الذبائح الكثيرة وتقديمها المستمر، يُظهر أن هؤلاء لم يتطهروا أبداً. لأنه تماماً مثل الدواء، عندما يكون قوياً، وقادراً علي إسترداد صحة المريض فإنه يستطيع أن يقضي علي المرض كلية ويتمم الشفاء الكامل إذا أستخدم مرة واحدة وبذلك يكون قد حقق النتيجة المرجوة وأظهر فاعليته، وبذلك لا يكون هناك حاجة لتناوله مرة أخري. أما إذا استخدم بإستمرار، فإن هذا يُعد دليل علي ضعفه في أن يمنح الشفاء، لأن سمة الدواء أن يُستخدم مرة واحدة، وليس مرات عديدة، هكذا هنا أيضاً (فيما يتعلق بالذبيحة). بمعني أنه لماذا كانوا يحرصون دائماً علي تقديم الذبائح؟ لأنه إذا كانوا قد تخلصوا بالفعل من كل الخطايا بالذبائح ما كانوا ليقدموها كل يوم. كذلك كان هناك بعض الذبائح التي كانت تقدم كل يوم عن كل الشعب في المساء، وفي الصباح. إذا فما كان يحدث، هو بمثابة إعتراف بوجود الخطايا وليس بمحوها ، كان إعترافاً بالضعف، وليس دليل قوة. لأن الذبيحة الأولي لم يكن لها حقيقةً أي قوة، ولهذا قدمت الذبيحة الثانية (ذبيحة المسيح)، ولأن الذبيحة الأولي لم تنفع مطلقاً ، فقد تبعتها ذبيحة أخري، إلا أن كثرة هذه الذبائح كان يُعد دليلا علي وجود الخطايا. بينما تقدمتها بشكل مستمر كان دليل ضعفها.
أما بالنسبة للمسيح فقد حدث العكس، فهو قد ذبح مرة واحدة، وذبيحته ذات فاعلية دائمة إلى الأبد. وبالصواب قال إن تلك الذبائح ظلال، إذا الذي كان لديهم هو المثال فقط، و هذه الذبائح لم يكن لها قوة، تماماً كما هو الوضع بالنسبة للأيقونات. فإن الأيقونة تحمل المثال للإنسان، لكنها لا تحمل القوة (قوة الأصل). وهكذا فإن الحقيقة والمثال يجمع بينهما عناصر مشتركة، لأن المثال يشبه الحقيقي، لكنه لا يحمل قوته. هذا ينطبق علي السماء، والخيمة، المثال كان متماثلاً، لأنه كان مقدساً، بينما من حيث القوة والأمور الأخري، لم يكن هكذا. ماذا يعني بقوله : ” أظهر ليبطل الخطية بذبيحة نفسه؟ ” وماذا تعني كلمة “يُبطل؟” تعني إحتقاراً أو إزدراءاً ، أي لم يعد للخطية بعد جرأة، لأنها أُحتقرت. كيف ؟ فبينما كان يجب أن يُدان، إلا أنه لم يقع تحت الدينونة. وفي الوقت الذي كان متوقعاً أن تسود الخطية علي الجميع، نجد أنها هُزمت. يقول “بذبيحة نفسه” لقد ” أُظهر” أي أُظهر أمام الله ، وظهوره هذا كان لأجلنا. إذاً لا تعتقد أنه نظراً لأن الكاهن كان يصنع هذا يقدم ذبيحة مرات كثيرة كل سنه، أن هذا كان يحدث هكذا ببساطة، وليس بسبب الضعف، وكأن الأمر طبيعي، فإن كان ذلك لم يحدث بسب الضعف، فلماذا كانت الذبيحة تقدم مراراً كثيرة؟ لأنه ما دام لا توجد جروح، فلا ينبغي علي المرء أن يفكر في تناول الدواء. ولهذا يقول إن الله أوصي أن تقدم هذه الذبائح دوماً بسبب ضعفهم، حتى يصيره هناك تذكرة لخطاياهم.
ماذا إذاً ؟ هل نحن لا نقدم (ذبيحة) كل يوم؟ بالتأكيد نقدم، ولكن نحن نصنع هذا لكي نتذكر موت المسيح، وهذه التقدمة واحدة وليست كثيرة. ولماذا هي واحدة وليست كثيرة؟ لأن المسيح قدم نفسه مرة واحدة، تماماً مثل تلك الذبيحة التي كانت تقدم في قدس الأقداس. وهذا كان مثالاً لذبيحة المسيح، لأننا نقدم دائماً نفس الذبيحة، فلا نقدم اليوم خروفاً ، وغداً نقدم ذبيحة أخري، بل نقدم دائماً الذبيحة نفسها، إذاً فالذبيحة هي واحدة. إن تقديم الذبيحة في أماكن كثيرة، لا يعني أن هناك مسحاء كثيرون، بل أن المسيح واحد في كل مكان، فهو هنا بكامله، وهناك بكامله أيضاً، هو جسد واحد. إذا بالرغم من أنه يُقدم في أماكن عديدة، إلا أنه جسد واحد ، وليس أجساداً كثيرة، هكذا فالذبيحة هي واحدة أيضاً. ورئيس كهنتنا هو ذاك الذي قدم هذه الذبيحة، والذي يُطهرنا من الخطايا. هذه الذبيحة التي نقدمها الآن هي التي قدمت آنذاك، الذبيحة غير المتغيرة. وهذا يمثل تذكرة لما حدث (حين قدم المسيح نفسه ذبيحة). لأنه يقول : اصنعوا هذا لذكري ” هذا لا يمثل ذبيحة آخري كما كان يصنع رئيس الكهنة في العهد القديم، بل إننا نقدم نفس الذبيحة، وهذا هو معنى الذكرى[1].
4ـ لكن لأنني ذكرت هذه الذبيحة، أريد أن أتكلم معكم قليلاً، بالطبع هو كلام قليل من حيث الوقت المستغرق، لكنه كثير من حيث القوة والمنفعة، لأن الكلام الذي سيقال ليس هو كلامنا ، بل هو كلام الروح الإلهي. إذاً ما هذا هو الكلام ؟ إن كثيرين يتناولون هذه الذبيحة (الأفخارستيا ) مرة واحدة في العام بينما آخرون مرتين وآخرون مرات عديدة. هذا الكلام موجه لنا جميعاً، وليس فقط للمجتمعين معنا الآن، بل ولأولئك الذين يعيشون في البرية، لأن هؤلاء يتناولون مرة في العام، ومرات كثيرة، كل عامين. ماذا إذاً ؟ من سنقبل ؟ أولئك الذين يتناولون مرة واحدة ( في العام أم أولئك الذين يتناولون مرات عديدة أم أولئك الذين يتناولون مرات قليلة ؟ لا الذين يتناولون مرة واحدة ولا مرات عديدة، ولا مرات قليلة، بل الذين يتناولون بضمير نقي بقلب طاهر، وحياة بلا لوم. من يكونوا مثل هؤلاء فليقترب من التناول دوماً، ولكن الذين ليسوا هكذا، فينبغي ألا يأتوا ولا حتى لمرة واحدة لماذا يا تري ؟ لأنهم يأخذون لأنفسهم دينونة، ولوماً، وجحيماً، وعقوبة.
ينبغي ألا تتشكك، فكما هو الحال بالنسبة للطعام والذي من طبيعته الحفاظ علي الصحة ، فإذا كان فيه جزء يصعب هضمه، فإنه يدمر ويفسد كل شيء، ويصير سبباً للمرض، هكذا يحدث مع هذه الأسرار المخوفة. أفأنت تشارك في المائدة الروحية، المائدة الملوكية، وتلوث فمك أيضاً بالقذارة ؟ تدهنه بالميرون، وتملأه أيضاً بالعفونة ؟ أخبرني من فضلك هل تتناول بعد سنة، وتعتقد أن الأربعين يوماً تكفيك لتطهير خطايا سنة كاملة؟ ثم بعد مرور أسبوع تعود مرة أخري للأمور السابقة ؟ أخبرني إذاً ، لو أنك، بعدما إسترجعت عافيتك بعد أربعين يوماً من المرض، هل تعود مرة أخري إلي تلك الأطعمة التي سببت لك المرض، ألم تفقد الطاقة التي كنت تتمتع بها من قبل؟ من الواضح جداً أنك قد فقدتها. ومادامت الأمور الطبيعية هي متغيرة، فكم بالأكثر جداً، أمورنا الإختبارية.
وأعني بما أقوله الآتي : نحن بطبيعة تكويننا، لنا أعين سليمة نستطيع أن نري بها الأشياء، ولكن كثيراً ما تصاب بمرض ما يتسبب في ضعف نظرنا. إذا إن كانت خلقتنا الطبيعة هكذا متغيرة، ألا تكون بالأكثر جداً هي متغيرة أيضا تلك الأمور التي تعتمد علي رغباتنا ؟
هل تخصص أربعين يوماً لصحة النفس، وقد لا تكون هذه الفترة كافية، وتنتظر المغفرة من الله؟ أنت تعبث أيها الإنسان أقول هذا لا لكي أمنعكم من مجيئكم للتناول مرة واحدة في السنة، بل أريد أن تأتوا بإستمرار لتناول القدسات ولهذا فإن الكاهن ينادي ويدعو القديسين، وبهذه الكلمات يلوم الجميع، حتى لا يأتي أحد وهو غير مستعد لأنه كما يحدث في قطيع الأغنام، عندما يكون هناك خراف كثيرة صحيحة، وخراف كثيرة مملوءة بالجرب فإنه ينبغي أن تُعزل المصابة بالمرض عن الخراف الصحيحة، هكذا توجد في الكنيسة خراف صحيحة، وخراف أخري تعاني من مرض ما ، ووفقاً لهذا الكلام يجب أن تعزل هذه الخراف عن تلك، وهكذا يسترعي الكاهن الإنتباه وتسمع في كل مكان هذه الصرخة المخوفة، داعياً المؤمنين لتناول القدسات. لأنه من غير الممكن أن يعرف أحد الأمور التي لقريبه، لأنه يقول : “لأن مَنْ مِن الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه ” ، إنه يقول هذا الكلام بعد أن تكون الذبيحة مهيأة للتناول، حتى لا يأتي أحد إلي النبع الروحي هكذا بدون إستعداد لا يوجد شيء يمكن أن يعوقنا عن استخدام نفس المثل مرة أخري، إن الخراف المريضة لابد لنا أن نحتجزها بالداخل، ونحفظها في مكان مظلم وتعطيها طعاماً خاصاً ، ولا نسمح لها أن تتمتع لا بهواء نقي ولا بخضرة بسيطة ولا أن تشرب ماء من بئر خارجي. إن هذا الكلام يبدو هنا وكأنه عائق ما ، لا يمكن أن تقول إنني لم أكن أعرف، وكنت أجهل أن هذا يُشكل أخطاراً معينة، ألم يبشر الرسول بولس بهذا الكلام، لكنك ستقول لم أقرأه؟ هذا ليس مبرراً، بل إن ما يستحق الإدانة، هو أن رسائل بولس تُقرأ كل يوم في الكنيسة وأنت بعد تجهله؟.
5. ولكي لا يكون لك ولا حتى هذا العذر فإن الكاهن يقف رافعاً يده عاليا ليراه الجميع ويصرخ بصوت مدويا في ذلك الهدوء الشديد يدعو البعض، ويمنع البعض الآخر، دون أن يصنع هذا بيده بل بلسانه، فما يتحقق باللسان يُعد أفضل مما يتحقق بالأيدي، فالصوت يدخل إلي أسماعنا مثل يد تستبعد البعض وتخرجهم إلي خارج ، وتُدخل البعض الآخر وتقودهم إلي الشركة في الأسرار الإلهية. فلتخبرني إذا ألا يقف المنادي في الألعاب الأولمبية وينادي بصوت عظيم وقوي، لربما يقع إتهام من أحد ، علي أحد الرياضيين بأنه عبد ، أو سارق، أو يتسم بصفة مشينة[2]؟ بالرغم من أن تلك المسابقات لم تكن بالطبع مسابقات للنفس، ولا تحمل صفة الفضيلة، بل هي للقوة البدنية والجسد الطبيعي فإذا كان التدريب الجسدي، يتطلب هذا القدر من الإختبار الصفات المتسابق، فكم يكون الأمر هنا، حيث الجهاد روحي والمنافسات روحية؟ إن نذيرنا (المنادي الخاص بنا)، يقوم الآن دون أن يمسك كل واحد من رأسه ويقوده بشكل منفرد ، بل يجمع الكل معاً بالإيمان، ولا يعين آخرين للإدانة، بل هم أنفسهم الذين يقومون بهذا، لأنه لم يقل ربما يدين أحد ذاك، لكن ماذا قال؟ “إن أدان نفسه”. لأنه عندما يقول القداسات للقديسين”، فهذا ما يعنيه فمن هو ليس قديسا، لا يقترب (من التناول) لا يقول طاهر من الخطية فحسب، بل قديس”، لأن القديس لا يصنعه مجرد التحرر من الخطايا، بل حضور الروح القدس، وغني الأعمال الصالحة.
هكذا يقول لا أريد أن تكونوا متحررين فقط، بل عليكم أن تكونوا أنقياء وفي بهاء. فإن كان ملك بابل قد أختار من بين أولئك الذين وقعوا في الأسر فئة الشباب وفضل المتميزين في الشكل، وذوي الجمال في المظهر، فبالأكثر جداً نحن الذين نقترب إلى المائدة الملوكية، يجب أن نكون أنقياء النفس وأن تكون زينة النفس من ذهب لباسنا نقيا أحذيتنا ملوكية، وأن يكون وجه أنفسنا جميلا، بعد أن تكون نفوسنا محاطة بالزينة الذهبية وبحزام الحقيقة من هو هكذا فليقترب، وليلمس الكؤوس الملوكية. لكن إن أراد أحد، وهو مرتديًا لملابس مهلهله ومملؤة بالقذارة أن يقترب بهذه الحالة إلى المائدة الملوكية، فكم سيعاني، حيث لن تكفي الأربعين يوماً لإزالة الذنوب التي ارتكبت خلال مدة السنة كلها. لأنه لو أن جهنم لا تكفي، وإن كانت بالطبع هي أبدية (وهي لهذا السبب أبدية)، فبالأكثر جداً لا يكفي هذا الزمن القصير. لأننا لا نسعى نحو توبة قوية، بل توبة ضعيفة. فالخصيان يجب عليهم أساسا أن يقفوا بجوار الملك، وأنا ادعوا الذين هم أنقياء الفكر، والذين لا يحملون دنساً أو وسخاء الذين لهم رؤية واعية، والذين هم مستنيري الفكر وودعاء النفس، ولهم بصيرة، ونظرة بعيدة وثاقبة، وليست خاملة، ولا ،متوانية بل مملوءة بحرية كبيرة، وهي بعيدة في كل الأحوال عن أعمال السفاهة والأعمال البذيئة، متيقظة صحيحة، وليست متجهمة ولا مكتئبة، ولا هي أيضاً مُبتهجة بشكل مبالغ فيه، ولا شهوانية. هذه الرؤية نحن قادرون أن نخلقها، ونجعلها بعيدة النظر ،وحسنة، عندما لا نحولها إلي دخان أو بخار (لأن الأمور الإنسانية هي هكذا). بل حين نقودها إلي الهواء النقي إلي الأمور السامية والعالية، المملوءة بالكثير من الهدوء والنقاوة، والإبتهاج الكثير، سننعشها سريعاً وستقويها بالفرح الذي سينتج عن ذلك.
هل رأيت شخصا طماعا وذو ثراء فاحش؟ لا تحوّل نظرك إلي هناك، فإن ذلك يعتبر وحل ،ودخان وبخار ماكر، ظلمة وضيق كثير، وإهتمامات خانقة. هل رأيت إنسانا ،عادلا، مكتفيا بما لديه، وسعيدا بما يمتلك، ولا يهتم ولا يعتني أبداً بأمور هذه الحياة الحاضرة ؟ حوّل نظرك وثبته هناك (أي نحو حياة الدهر الآتي) وستجعله حينئني أفضل بكثير وأكثر إشراقاً، حتى أنه يفرح، ليس بزهور الأرض، بل بزهور الفضيلة والتعقل والرأفة، وكل الأمور الآخرى. لأنه ليس هناك أمر آخر يزعج الفهم الجيد بهذا القدر الكبير، أكثر من الضمير الشرير. يقول المرنم ” ساخت من الغم عيني، لا يوجد شيء يُظلمها بهذا القدر (أكثر من الضمير الشرير). عليك أن تحررها من هذا التأثير المخيف، عندئذ ستجعلها مشرقة وقوية، وستتغذي دوماً علي الرجاء الصالح نرجوا جميعاً من خلال رؤيتنا ورغبات النفس الآخري، أن نجعلها هكذا، كما يريدها المسيح، حتى بعدما نصبح مستحقين للرأس الذي يوجد فوقنا (أي المسيح له المجد)، نذهب إلي حيث يريد المسيح لأنه يقول: “أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي. ذلك المجد الذي ليتنا أن نتمتع به جميعاً بنعمة ربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والقوة والكرامة الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور آمين
العظة الثامنة عشر (عب10: 8-18)
” إذ يقول آنفا إنك ذبيحة وقربانا ومحرقات وذبائح للخطية لم ترد ولا سررت بها. التي تقدم حسب الناموس ثم قال هانذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله ينزع الأول لكي يثبت الثاني. فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة. وكل كاهن يقوم كل يوم يخدم ويقدم مراراً كثيرة تلك الذبائح عينها التي لا تستطيع البتة أن تنزع الخطية . وأما هذا فبعد ما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلي الأبد عن يمين الله منتظراً بعد ذلك حتى توضع أعداءه موطنا لقدميه” (عب 10: 8-13).
1- لقد أظهر بالكلام السابق أن الذبائح كانت بلا فائدة من حيث تحقيق النقاوة الكاملة، وأنها ضعيفة جداً. بل أن الواحدة قد أتت ضد الآخري، فإن كانت هذه الذبائح أمثلة، وظلال فكيف، بعدما أتت الحقيقة، لم تتوقف ولا تراجعت، بل كانت تُمَارَس ؟ هذا بالضبط ما يظهره هنا، أنها لم تعد تقدم بعد ، ولا حتى كمثال، لأن الله لا يقبلها. وهذا أيضاً يُبرهن عليه ليس من العهد الجديد ، بل من الأنبياء، مقدماً منذ البداية أقوي شهادة، أن الذبائح القديمة قد أنقضت وأنتهت ، وأنه ليس من المقبول القول بأنها تصنع كل شيء، فهي تأتي بإستمرار في تعارض مع الروح القدس. ويُظهر بكل وضوح أن هذه الذبائح لم تتوقف اليوم فقط، بل منذ ظهور المسيح، بل الأفضل أن نقول، بل وقبل ظهوره، وأن المسيح لم يُبطلها مؤخراً، بل توقفت قوتها أولاً ثم أتي بعد ذلك، فقد أبطلت سابقاً وحينئذ آتي المسيح. إذا لكي لا يقولوا أنه بدون هذه الذبيحة، كان يمكن أن ترضي الله، فقد إنتظر من هؤلاء أن يزدروا بأنفسهم، وحينئذ يأتي المسيح، لأنه يقول ” ذبيحة وقرباناً لم ترد.
لقد نقض كل شيء بهذا الكلام، وبعدما تكلّم بشكل عام، نجده يتكلم بشكل خاص يقول لم تُسر بالمحرقات التي كانوا يقدمونها ، من أجل غفران الخطايا. التقدمة . هي : كل شيء كانوا يقدمونه، بخلاف الذبيحة. ثم قلت ها أنذا أجيء. عمن قيل هذا الكلام؟ لم يُقل عن أي شخص سوي المسيح. أنه هنا لا يدين هؤلاء الذين قدموا الذبائح، مظهراً أن الله لا يقبلها ، لا بسبب شرورهم، كما يقول في موضع آخر، بل لأن الذبيحة قد أبطلت بعد ، ومن المسلم به أنها ليس لها أي قوة، ولا تتناسب مع الحياة الحاضرة ما علاقة هذا الكلام، بقوله أن تلك الذبائح كانت تقدم مرارا كثيرة؟ لم يتضح أنها ضعيفة وأنها لم تفد أبداً، من حيث أنها كانت تُقدم مراراً كثيرة وفقط، بل ومن حيث إن الله لا يقبلها، لأنها زائدة، وبلا فائدة. هذا تحديدا هو ما يعلن عنه في موضع أخر، فيقول: “لا تسر بذبيحة وإلا فكنت أقدمها”. إذا بحسب هذا الكلام هو لا يريد ذبيحة. فالذبائح ليست هي بحسب إرادة الله، بل هو يريد إبطالها، وبناء علي ذلك، فهي تقدم بحسب إرادة الذين يقدمونها.
ماذا تعني عبارة “لأفعل مشيئتك؟ ” تعني أسلّم لك ذاتي، هذه هي مشيئة الله. فبهذه المشيئة نحن مقدسون. وأيضاً بهذا الكلام، يُظهر وبطريقة أخري، أن الذبائح لا تُطهر البشر، بل مشيئة الله هي التي تطهرهم. إذا تقديم الذبائح لا يعبر عن مشيئة الله. ولماذا تشك إن كان هذا الآن لا يتفق مع مشيئة الله، في الوقت الذي لم يكن هذا ، وحتى منذ البداية، يعكس مشيئة الله؟ لأنه يقول” من طلب هذا من أيديكم .. فكيف يكون قد طلبها آنذاك، حتى يغفر له الله، وهذا ما يتضح من قول بولس أيضاً أريد أن يكون جميع الناس كما أنا (طاهر) وأيضاً ينصح في موضع آخر ويقول : ” فأريد أن الحدثات يتزوجن ويلدن الأولاد … فهو يذكر تدبيرين لا يخصانه في شيء، حتى وإن كان يطلبهما، إلا أن التدبير الأول يتعلق به، ولذلك يتكلم عن هذا الأمر ليس في شكل نصيحة، بينما الآخر لم يكن يخصه، وإن كان يريده ، ومن أجل هذا فإنه يُقدمها ناصحا أو مرشداً. أي بعدما إنتقدهم قبلا ، بأنهم سلكوا بجحود وإهانة تجاه المسيح، حينئذ يقول “فأريد أن الحدثات يتزوجن ويلدن الأولاد”. هكذا هنا أيضاً يسمح له الله (أن يقول هذا) لأجل المغفرة ولم تكن مشيئته منذ البداية تقديم الذبائح ( كشرط المغفرة). وبنفس الطريقة، يقول عن الموت ” هل مرة أُسر بموت الشرير.. إلا برجوعه عن طرقه فيحيا … ويقول في موضع آخر، إنه ليس فقط يريد هذا الأمر، بل ويشتهيه ، وإن كانت هذه الأمور متضادة فيما بينها، لأن الرغبة الأقوى تتمثل في الإرادة. إذا كيف بينما أنت لا تريد تشتهي في موضع آخر، وهو الأمر الذي هو دليل علي المشيئة القوية ؟. هذا ما نستطيع قوله هنا. يقول فبهذه المشيئة نحن مقدسون لكن كيف تقدسنا ، هذا ما سيفسره لنا الرسول بولس من خلال ما أضافه إذ يقول:
“نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة. وكل كاهن يقوم كل يوم يخدم ويقدم مراراً كثيرة تلك الذبائح عينها ” (عب10: 10 – 11).
إذا من حيث أنه يقف أمام المذبح فهذا دليل علي تقديم ذبيحة، وبناء علي ذلك فكونه يجلس فهذا إشارة إلي أنه ينتظر تقديم ذبيحة.
” أما هذا (المسيح)، بعدما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة، جلس إلي الأبد عن يمين الله منتظراً بعد ذلك حتي توضع أعداؤه موطئاً لقدميه لأنه بقربان واحد قد أكمل إلي الأبد المقدسين. ويشهد لنا الروح القدس أيضا” (عب 10: 12- 15).
قال الرسول بولس أن تلك الذبائح ( ذبائح العهد القديم ) لم تعد تقدم بعد ، وقد برهن علي هذا من خلال الأسفار المقدسة وبدونها أيضا، ومن ناحية أخري فقد عرض هذا الأمر أيضاً بواسطة القول النبوي الذي يقول ذبيحة وقرباناً لم ترد”. لقد أكد بشهادة كتابية علي أنه قد غفر الخطايا. لأنه يقول ويشهد لنا الروح القدس”. بعد أن قال قبلاً “هذا هو العهد الذي أعهده معهم بعد تلك الأيام يقول الرب أجعل نواميسي في قلوبهم وأكتبها في أذهانهم ولا أذكر خطاياهم وتعدياتهم فيما بعد “. وحيث لا يوجد بعد غفران للخطايا ، لا تكون هناك حاجة لتقديم ذبيحة عن الخطايا. وبناء علي ذلك فهو غفر الخطايا عندما أعطي العهد، والعهد أعطاه بذبيحة نفسه. إذا فطالما أنه قد غفر الخطايا بتقديم ذبيحة واحدة، فليس هناك حاجة لذبيحة ثانية.
يقول “جلس إلي الأبد عن يمين الله . وما هو سبب التأجيل؟ “حتى توضع أعداءه موطئا لقدميه لأنه بقربان واحد قد أكمل إلي الأبد المقدسين”، لكن من الممكن أن يقول المرء، ولماذا لم يضعهم تحت قدميه منذ البداية ؟ هذا بسبب المؤمنين الذين سيولدون ويأتون إلي العالم في المستقبل. إذاً من أين يتضح أنهم سيوضعون تحت قدميه ؟ يتضح مما قاله أنه ” جلس “. فقد ذكر مرة أخري بتلك الشهادة التي تقول ” حتى توضع أعداءه موطئاً لقدميه “. وأعداوئه هم اليهود. وقد قال “حتى توضع أعداءه موطئاً لقدميه “، لأنهم تحولوا بشكل زائد عن الحد ، وبسبب هذا فهو يُضيف كل الجوانب الباقية المتعلقة بالإيمان. ومن هم الأعداء سوي عديمي الإيمان والشياطين ؟ أليس هم اليهود فقط؟ وعندما أشار إلي مدي مذلتهم، لم يقل “حتى يخضعون” بل قال “حتى تُوضع أعداءه موطئاً لقدميه”.
إذاً لا يجب أن نكون نحن أيضاً أعداءه، لأنه ليس فقط عديمي الإيمان واليهود هم أعداءه، بل أيضاً أولئك المملؤون بحياة دنسه. “لأن اهتمام الجسد هو عداوة الله إذ ليس هو خاضعاً لناموس الله لأنه أيضاً لا يستطيع “ ماذا إذا ؟ ألا يستحق الشرير هذه الإدانة ؟ أجل بل هو مستحق لإدانة قوية، لأنه بقدر ما يبقي شرير، لا يمكنه أن يخضع إلا أنه من الممكن أن يتغير ويصير صالحاً.
2- إذا فلنطرد الأفكار الجسدية. وما هي الأفكار الجسدية ؟ هي كل ما يجعل الجسد يزهر أو ينتعش ، ويبتهج، لكنها تضر النفس. أعني بما أقوله الآتي: إن الغني، والتنعم والمجد (الدنيوي)، كل هذه أمور تخص الجسد ، (أي الإهتمام بالجسد). إذاً لا يجب أن نشتهي أن يكون لدينا الكثير (من هذه الأمور)، بل نسعى دوماً نحو الفقر (بإختيارنا)، لأن الفقر (الإختياري) هو أعظم صلاح. إن هذا الفقر يجعل الإنسان متضعاً وزاهداً، وهذا ما نحتاج إليه لأنه يُعيننا جداً. خشوع المساكين فقرهم. وأيضاً يقول المسيح” طوبي للمساكين بالروح .. فهل يصح لك أن تشكو لأنك تجيد الطريق الذي يقود للفضيلة ؟ ألا تعلم أن الفقر يعطينا دالة كبيرة (أمام الله)؟ لكنه يقول “أما حكمة المسكين محتقرة ” ويقول شخص أخر “لا تعطيني فقراً ولا غني أطعمني خبز فريضتي ٤٠٦ لكن كيف للغني والفقر أن يُمثلان شرا ، إذا كانا يأتيان من الله؟ ولأي سبب قيلت هذه الأمور؟
هذه الأمور قيلت في العهد القديم، حيث كان للغني إعتباراً كبيراً، إذ كانوا يحتقرون الفقر، وإعتبروه لعنة، بينما الغني بركة. أما الآن فلا يحدث هذا ، بل هل تريد أن تسمع مدحاً للفقر ؟ المسيح عاش هذا الفقر (بإختياره)، يقول “أما إبن الإنسان فليس له أين يسند رأسه ” ، وأيضاً قال لتلاميذه “لا تقتنوا ذهباً ولا فضة…. ولا ثوبين. ويكتب الرسول بولس قائلاً ” كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء ، وق. بطرس قال للمقعد منذ ولادته “ليس لي فضة ولا ذهب . بل وفي العهد القديم، حيث كان الغني موضع إعجاب أخبرني من هم الذين كانوا ينالون إعجاب الناس؟ ألم يكن أيليا، الذي لم يكن يمتلك شيئاً آخر سوي فروة خروف؟ ألم يكن أليشع ؟ ألم يكن يوحنا المعمدان؟ إذا ينبغي ألا يشعر أحد بالمهانة بسبب الفقر، لا يوجد فقر يهين أو يذل الإنسان، بل الغني هو الذي يجعلنا عبيداً لإحتياجات كثيرة، ويُجبر كثيرين علي أن يعتبروه هاما وضروريا.
أخبرني من كان أكثر فقراً من أيوب، الذي قال “الله .. أعطاني خبزاً أكل وثياباً لألبس . ألم يكن الذين كانوا حول إيليا ويوحنا المعمدان يتمتعون بالشجاعة والجرأة ، ألم يتصدي إيليا لآخاب، ويوحنا ، لهيرودس؟ قال يوحنا “لا يحل أن تكون لك امرأة أخيك” ، بينما إيليا بجرأة قال لآخاب : لم أكدر إسرائيل بل أنت وبيت أبيك. أرأيت أن الفقر علي كل حال يُعطي الجرأة ؟ لأن الغني يعتبر عبداً، طالما أنه معرض للخسائر، ويعطي الفرصة للآخر أن يلحق به الأذى، بينما الذي لا يملك شيئاً، لا يخاف ولا حتى من مصادرة الثروة، ولا المحاكمة. وبالطبع لو أن الفقر يحرم الناس من الجرأة ما كان المسيح قد أرسل تلاميذه، وأوصاهم أن يكونوا فقراء، وليقوموا بعمل يحتاج الكثير من الجرأة بالحق الفقير هو شخص قوي جداً، ولن يتعرض للظلم أو الاساءه عكس ذلك هو الغني يُهزم بسهولة و يتحطم من كل جانب، ويحدث نفس الأمر مع الذي يرتدي ثياباً فاخره تتسدل خلفه أهدابها الطويلة والتي تسهل عمليه الإمساك به، بينما العريان فلا يسهل أن ينال منه أحد. هذا ما يحدث هنا مع الغني، فهو يمتلك عبيداً، ذهباً، فضة، وآلاف من المقتنيات وإهتمامات لا حصر لها وإحتياجات كثيرة، الأمر الذي يجعله يخضع للجميع بسهوله.
إذا من الآن فصاعداً لا يجب أن يعتبر أحد الفقر سبباً للخزي. لأنه إن وُجدت الفضيلة مع الفقر فإن كل غني المسكونة، بالمقارنة بالفقر، لن يصل ولا حتى أن يكون وحلاً أو تبناً أو قشاً أمامه. إذاً فلنسعى نحو هذا الفقر، إذا كنا نريد أن ندخل ملكوت السموات. لأنه يقول: “بع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنزاً في السماء ” و ” يعسر أن يدخل غني إلي ملكوت السموات. أرأيت أنه بينما هذا الفقر هو أمر واقع، إلا أنه يجب علي المرء أن يكتسبه؟ يا لعظمة صلاح هذا الفقر، لأنه يقود الإنسان في مسيرته نحو السماء، فهو بلسم شاف للمجاهدين نسك كبير ومدهش، وميناء للهدوء. لكنه يقول يعوزني الكثير، ولا أريد أن أقبل أي شيء كعطية أو هبة من الناس ومع هذا فإن الغني من جهة هذا الوضع يظل محروما مقارنة بك. لأن أنت ربما تطلب المعونة لأجل طعامك، بينما الغني يسلك بلا خجل في أمور كثيرة، وهذا بسبب جشعه.
إن الأغنياء هم أولئك الذين يحتاجون لأمور كثيرة. ماذا أقول، ألا يحتاجون لأمور كثيرة؟ وفي مرات كثيرة ليست لازمة أو ضرورية بالنسبة لهم. أعني بما أقوله الآتي: كثيراً ما يحتاجون إلي حراس وعبيد لكي يخدمونهم. بينما الفقير ليس له إحتياجاً ولا حتى للملك، وإن إحتاج شيئًا، ستكون لأمور مثاراً للإعجاب، لأنه جعل نفسه فقيراً، بينما كان يستطيع أن يكتسب غنى.
إذاً لا يجب أن يدين أحد الفقر كسبب لشرور كثيرة، ولا أن يعترض علي المسيح الذي وصفه ككمال الفضيلة، قائلاً ” إن أردت أن تكون كاملاً “. لأن هذا ما عبر عنه المسيح بالكلام، وقد برهن عليه بالعمل، وعلّمه لتلاميذه. فلنسعى في أثر الفقر، لأن الفقر يعد أعظم صلاح لأولئك الذين هم متيقظين دوما. ربما يعتبر بعض السامعين الفقر شيئاً سيئاً. لا أشك في هذا ، فإن هذا الداء الذي يصيب الكثيرين من البشر كبير، وهوس سلطان المال كبير جداً، حتى أنهم لا يريدون ولا حتى أن يسمعوا كلمة فقر، بل ويعتبرونه كارثة كبيرة. هذه الأمور هي بعيدة عن نفس المسيحي، لأنه لا أحد أغني من ذاك الذي يُفضل الفقر بإرادته ورغبته. كيف يحدث هذا ، أنا سأقول لك ، وإن أردتم سوف أبرهن لكم علي أن من يفضل الفقر بإرادته هو أغني من الملك ذاته. لأن الملك يحتاج لأمور كثيرة، ودائماً ما يكون منشغلاً وقلقاً، ويخشي عدم توفير طعام الأجساد، بينما الفقير فلديه كل شيء، ولا يخاف شيئاً، بل وإن خاف، فلا يخاف أموراً كثيرة بهذا القدر.
إذا فلتخبرني من هو الغني، هل هو ذاك الذي يطلب ويحاول أن يجمع أشياء كثيرة كل يوم، والذي يخشي ربما تنقصه أو تغيب عنه ذات يوم، أم الذي لا يجمع شيئاً ، بل تكون لديه وفرة كبيرة، وليس له إحتياج لأي شيء ؟ لأن الشجاعة التي يتحلي بها يكتسبها من الفضيلة ومخافة الله، وليس من المال، كذلك فإن المال يجعله عبداً أيضاً ، لأن الكتاب يقول “الهدايا والرشي تعمي أعين الحكماء وكلجام في الفم تحجز توبيخاتهم.
لاحظ القديس بطرس ذلك الفقير كيف عاقب حنانيا الغني، ألم يكن حنانيا غني وبطرس فقير؟ بل أنتبه كيف تكلم بطرس بسلطان، قائلا: “أبهذا المقدار بعتما الحقل ” ، بينما تلك (أي سفيرة) فقد أجابت بخوف، قائلة: ” نعم بهذا المقدار . . ومن سيتركني أن أصير مثل بطرس هكذا بقول المرء؟ من الممكن أن تصير مثل بطرس، إن رغبت في أن تُبعد عنك ما تملك، وزّعه، فرّقه علي الفقراء، إتبع المسيح، وستصير هكذا مثل بطرس). كيف؟ يقول أن ذاك (أي بطرس) صنع معجزات أخبرني، إذا هل هذا هو ما جعل بطرس موضع تقدير أم هي الجرأة التي نتجت عن الطريق الذي أختاره لحياته؟ ألم تسمع المسيح الذي يقول “لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم ؟ ” و ” إن أردت أن تكون كاملا فأذهب وبع أملاكك وأعط للفقراء فيكون لك كنزا في السماء”.
إسمع ماذا يقول القديس بطرس : ” ليس لي فضة ولا ذهب ولكن الذي لي فإياه أعطيك ” . من يمتلك ذهب وفضه ليس له تلك المواهب ماذا إذا ، هكذا يقول المرء، إن كثيرين ليس لهم لا الأموال ولا المواهب ؟ يحدث هذا لأنهم فقراء دون إرادتهم، أما أولئك فهم فقراء بإرادتهم، لذلك يمتلكون كل الخيرات. وإن كانوا بعد لا يقيموا أموات ولا مقعدين، لكن لديهم ما هو أسمي من كل شيء، الدالة أمام الله، هؤلاء سيسمعون في يوم الدينونة، ذلك الصوت الطوباوي، القائل ” تعالوا يا مباركي أبي .. وهل هناك ما هو أفضل من هذا ؟ رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم. لأني جعت فأطعموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريباً فـآويتموني عرياناً فكسوتموني. مريضاً فزرتموني. محبوساً فأتيتم إلي، لهؤلاء يقول “رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم”.
إذا فلنتجنب الجشع، حتى نربح ملكوت السموات، فلنطعم الفقراء، لكي نطعم المسيح، لكي نصير وارثين معه، بمعونة ربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والقوة والكرامة الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور أمين.
العظة التاسعة عشر (عب10: 19-25)
” فإذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلي الأقداس بدم يسوع طريقاً كرسه لنا حديثا حيا بالحجاب أي جسده. وكاهن عظيم علي بيت الله لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي لنتمسك بإقرار الرجاء راسخا …” (عب 10: 19-23).
1 – بعدما أظهر الفارق الكبير بين رئيس الكهنة وبين الذبائح والخيمة والعهد، والوعد بخيرات الدهر الآتي، وأن هذه الأمور تختلف بعضها عن بعض للغاية، طالما أنها وقتية بينما تلك أبدية أمور تقترب من الإختفاء أو التلاشي بينما الخاصة بالعهد الجديد ثابتة أمور العهد القديم هي أ أمور زهيدة إذ هي تنتمي لعهد عتيق، بينما تلك التي تختص بالعهد الجديد فهي كاملة، ما يتعلق بالعهد القديم لا يتعدي كونها نماذج أو أمثلة، بينما الخاصة بالعهد الجديد، فهي الحقيقة، لأنه يقول : ” قد صار ليس بحسب ناموس وصية جسدية بل بحسب قوة حياة لا تزول ” ، وأيضاً “أنت كاهن إلي الأبد” (ها هو كاهن أبدي)، وعن العهد القديم يقول إنه “عتيق”، لأن ما عتق وشاخ فهو قريب من الإضمحلال. أما هذا العهد، فهو عهد جديد ويمنح غفراناً للخطايا، بينما العهد القديم فليس لديه تلك الإمكانية. لأنه يقول إن الناموس لا يُكمل شيئاً. وأيضاً ” بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر . وذبيحة العهد القديم كانت تُذبح باليد، بينما ذبيحة العهد الجديد ليست هكذا، أيضاً ذبيحة العهد القديم تحمل دم ثيران، بينما ذبيحة العهد الجديد تحمل دم المسيح أيضًا الكاهن الذي يُقدم ذبيحة العهد القديم يجب أن يكون واقفاً، بينما ذبيحة العهد الجديد فيقدمها الكاهن جالساً. إذاً فنظراً لأن كل تلك الأمور الخاصة بالعهد القديم كانت أدني ، بينما أمور (العهد الجديد)، كانت أسمي لهذا يقول: ” فإذ لنا أيها الأخوة ثقة “. من أين أتت هذه الثقة؟ من غفران الخطايا. لأنه تماماً كما أن الخطايا تسبب خجلا للإنسان، هكذا فإن غفران كل الخطايا يعطينا ثقة، ونتمتع بمحبة غنية وفائقة للغاية.
“بالدخول إلي الأقداس”. ما الذي يدعوه “دخول” هنا؟ إنه الدخول إلي السماء ودخولنا إلي الأمور الروحية. ثم يقول “طريقاً كرسه”، أي الذي أعده والذي بدأه المسيح أولاً. إن التدشين أو الإفتتاح يُقال عن بداية الإستخدام في المستقبل، وهذا الدخول، أعده المسيح، وصار فيه هو نفسه. “طريقاً.. حديثاً حياً وهو يظهر بهذا يقين الرجاء. يقول “حديثاً”. إنه يسرع لاطلاعنا علي كل تلك الأمور العظيمة جداً، مادامت أبواب السموات قد فتحت الآن، الأمر الذي يُشير إلي أن هذا لم يحدث حتى في أيام إبراهيم. وبالصواب يدعوه “طريقاً حديثاً ، لأن الأول كان طريقا يؤدي إلي الموت، إذ كان يقود إلي الجحيم، بينما هذا الطريق هو طريق للحياة. ولم يقل ” للحياة “، بل دعاه “حيا”، لكي يعلن ديمومته.
يقول “بالحجاب أي جسده” هذا الجسد شق و إخترق هذا الطريق الذي يتكلم عنه، وكرّسه وأعده بالسير فيه. وبالصواب دعي الجسد “بالحجاب”، لأنه حين صعد بالجسد إلي السماء، حينئذ كانت الأمور التي في السموات قد أصبحت واضحة. ثم يضيف لنتقدم بقلب صادق”، من الذي يقول عنهم لنتقدم؟” كل من هو قديس من جهة الإيمان، ومن جهة العبادة الروحية بقلب صادق في يقين الإيمان”. أي لأنه لا شيء مرئي، بل وليس ظاهرا ، لا الكاهن، ولا الذبيحة، ولا المذبح، وإن كان بالطبع ذلك الكاهن ( في العهد القديم) لم يكن مرئياً، بل كان يقف داخل الهيكل، بينما كان كل الشعب، يقف خارجاً. لكن هنا لا يُظهر هذا فقط، أي أن الكاهن دخل إلى الأقداس، لأن هذا يعلن عنه بقوله وكاهن عظيم علي بيت الله”، بل نحن أيضاً سندخل إلي الأقداس). لهذا يقول : ” في يقين الإيمان” لأنه هناك إيمان متذبذب، كما أن هناك كثيرون الآن أيضاً يقولون أن البعض سيقومون، والبعض لن يقوموا غير أن هذا لا يعد إيماناً ثابتاً، لأنه هكذا يجب أن نؤمن (إيمان ثابت)، كما أن الموضوع يتعلق بأمور مرئية، بل وأكثر من مجرد مرئية بكثير. كذلك هنا فيما يختص بالأمور المرئية من الممكن أن يخطئ الإنسان، بينما هناك (أي في الأمور غير المرئية) لا يخطئ، وهنا (في الحياة الحاضرة)، نصدق كل شيء عن طريق الحواس، بينما هناك (أي في الأمور السمائية)، بالروح.
” مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير”
أنه يوضح هنا أن الأمر يحتاج ليس فقط إلي إيمان، بل يتطلب أيضاً حياة فاضلة، وضمير نقي ، لا يبكتنا علي ما فعلناه من جهة الخطية شرير. لأنه لا يُسمح بالدخول إلي الأقداس لأولئك الذين ليس لديهم هذا اليقين من جهة الضمير، خاصة وهي أقداس، بل قدس الأقداس إذاً لن يدخل إنسان دنس (إلي الأقداس السماوية). كان اليهود ينظفون الجسد بالرش أما نحن فتنقي الضمير، فمن الممكن الآن أيضاً أن يُرش المرء وأن يتنقي، ولكن عن طريق الفضيلة.
ومغتسلة أجسادنا بماء نقي”، أنه يقصد هنا الإغتسال والذي ليس هو وسيلة تنظيف الأجساد، بل النفس. ” لنتمسك بإقرار الرجاء راسخاً لأن الذي وعد هو أمين”. ولأي وعد هو أمين؟ الوعد بأننا سننتقل إلي هناك وندخل ملكوت السموات. إذاً لا تفحص الأمور بلا هدف، ولا تطلب براهين زائدة، فأمورنا تحتاج إلي إيمان.
” ولنلاحظ بعضنا بعضاً للتحريض علي المحبة والأعمال الحسنة غير تاركين إجتماعنا كما لقوم عادة بل واعظين بعضنا بعضا وبالأكثر علي قدر ما ترون اليوم يقرب” (عب 10: 24 – 25) .
وأيضاً يقول في موضع آخر ” الرب” قريب لا تهتموا بشيء ، وأيضاً ” فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا “. وأيضاً ” الوقت منذ الآن مقصر”. ماذا يعني بقوله : وغير تاركين إجتماعنا ؟ ” إنه يعرف أن هناك قوة كبيرة تخرج من الألفة وشركة المؤمنين، لأنه يقول: “لأنه حيثما إجتمع أثنان أو ثلاثة بإسمي فهناك أكون في وسطهم، وأيضاً ” ليكونوا واحد كما نحن، وأيضاً ” وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة “. وليس لأجل هذا فقط، ولكن لأن أعمال المحبة تزداد بالعشرة والألفة والتجمع في نفس المكان، وطالما أن المحبة تزداد، فبالضرورة يتبع ذلك تطبيق وصايا الله. يقول : ” وأما الكنيسة فكانت تصير منها . كما إعتاد البعض أن يفعل. إنه هنا لم يحثهم فقط، بل كان صلاة بلجاجة ” يلومهم أيضاً.
” ولنلاحظ بعضنا بعضاً للتحريض علي المحبة والأعمال الحسنة” (عب 10: 24).
لقد أدرك أن هذا أيضاً سينتج عن شركة المؤمنين معاً. لأنه كما أن الحديد يسن الحديد ، هكذا فإن الألفة أيضاً تُزيد من المحبة. أي لو أن الحجر في إحتكاكه بحجر أخر ينتج لهباً ، فكم بالحري النفس التي ترتبط بنفس أخري ؟ ولا حظ أنه لا يقول هذا للتحريض علي الغيرة، بل قال ” ولنلاحظ بعضنا بعضاً للتحريض علي المحبة.. ماذا يعني بقوله ” للتحريض علي المحبة ؟ ” يقصد أن تحبوا أكثر، وأن تكونوا موضع محبة أيضًا. ويضيف “والأعمال الحسنة”، حتى يخلق رغبة، وهذا صواب. لأنه يقول لو أن الأعمال تحمل قوة أكبر من الكلام بالنسبة للتعليم، فأنتم أيضاً لكم معلمين كثيرين وسط جموع المؤمنين، الذين يُعلمون بإعمالهم. ماذا يعني بقوله ” لنتقدم بقلب صادق ؟ أي بدون نفاق. لأنه ” ويل للقلوب الهيابة وللأيدي المتراخية.
لا يجب أن يوجد بينكم من يقول الكذب، ولا يجب أن نقول أشياء تناقض ما نفكر فيه، لأن هذا كذب، ولا أن تُصاب بصغر نفس، لأن صغر النفس ليست سمة القلب الصادق. فصغر النفس يأتي بالحق من عدم الإيمان و الجحود. وكيف سنحقق هذا ؟ نحقق هذا لو أننا إكتسبنا إيماناً ثابتاً “مرشوشة قلوبنا” لماذا لم يقل “بنظافة” بل “مرشوشة” لأنه يريد أن يُظهر الفرق في الرش، فأحدهما يصير من الله، بينما الأخر هو عملنا بالحق أن غسل ونقاوة الضمير هو عمل الله، بينما الإيمان الصادق والثابت هو عملنا نحن. ويأتي الإيمان بعد ذلك ليقوي النفس من خلال الحقيقة التي تقدمها الوعود . ماذا تعني عبارة ومغتسلة أجسادنا بماء نقي؟” أي أن هذا الماء لديه قوة أن ينقي البشر ، حتى مع كونه ماء وليس دما. ثم يضيف بعد ذلك الأمر الأكمل وهو المحبة. إذ يقول:
“غير تاركين إجتماعنا كما لقوم عادة ” (عب 10: 25 ) .
إن هذا ما يمنعهم من فعله. لأن “الأخ أمنع من مدينة حصينة” بل واعظين بعضنا بعضاً (بالمحبة)”. ماذا تعني عبارة ” واعظين بعضنا بعضاً؟” تعني لو أن شخصاً يعيش بالفضيلة فلنتمثل به ولنحوّل أنظارنا إليه ، حتى نحبه أيضاً ويحبنا هو، لأن الكلام الحسن هو ثمر للمحبة.
2- إن إجتماع المؤمنين هو صلاح كبير، لأنه يجعل المحبة أكثر دفئاً، ومن المحبة تأتي كل الخيرات حقاً لا يوجد خير أو صلاح ينبع من المحبة. إذا فلنقوي هذه المحبة فيما بيننا، لأن ” المحبة هي تكميل الناموس ” ” . إن الأمر لا يتطلب منا أن نتعب ونعرق حتى يحب الواحد الأخر، لأن المحبة هي في ذاتها الطريق الذي يقودنا إلى الفضيلة، تماماً مثلما يحدث في حالة الشارع الكبير الممتد، الذي إذا وجد أحد بدايته فإنه يقوده ولا يحتاج لمرشد ، هكذا يحدث مع المحبة، عليك أن تعثر فقط علي بدايتها، وعلي الفور سترشدك، وتقودك بشكل صحيح. يقول الرسول بولس “المحبة تتأني وترفق.. ولا تظن السوء .. فإذا فحص شخص نفسه، وأدرك كيف يتعامل معها، فيجب أن يسلك بنفس الطريقة تجاه قريبه لا يوجد أحد يحقد علي نفسه، بل يتمني لها كل الخيرات، يُفضلها علي الجميع، ويريد أن ينفصل عن كل شيء من أجل نفسه. إذاً لو أننا فعلنا هكذا تجاه الآخرين أيضاً، ستتلاشي كل المصاعب، ولن يكون هناك أعداء ، ولا طمع أو جشع، لأنه من سيُفضل الجشع علي حساب نفسه؟ لا أحد، بل سيرغب في العكس علي كل الأحوال.
إذا فلنقتني كل شيء بشكل مشترك، ولا نتوقف عن أن نجتمع معاً ، فإن فعلنا هذا فإن تذكر الإساءة لن يجد مكاناً بيننا، بل سيُفضل الإنسان أن يلقي بالملامة علي نفسه. فهل يوجد من يود أن يغضب علي نفسه عند مواجهتها؟ ألا نسامح أنفسنا أكثر من الجميع ؟ فإن سلكنا هكذا تجاه أقربائنا ، فلن يكون هناك مكانا علي الإطلاق لتذكر الإساءة. وكيف يكون ممكناً أن تحب قريبك كنفسك؟ وقد يكون لك العذر إن اعتبرت ذلك أمرًا مستحيلا، إذا ما رأيت الآخرين لا ينفذوه، ولكن طالما أنهم قد حققوه، فمن الواضح أننا لم ننفذه، بسبب تهاوننا. كذلك فإن المسيح لم يطلب قط شيئاً مستحيلا ، بل أن كثيرين هم الذين قد تجاوزوا وصاياه. إذاً من هم الذين عاشوا هذه المحبة؟ هم بولس، بطرس، وكل خورس القديسين. لكن إذا قلت أنهم أحبوا أقرباءهم، فأنا لا أقول شيئاً مهماً ، فإنهم أحبوا أعداءهم بنفس القدر الذي به يُحب أحد أصدقاءه، بل وأكثر منه. لأنه مَنْ مِنا سيُفضل أن يُقاد إلي الجحيم بسبب أصدقائه، بينما هو مؤهل أن يدخل ملكوت السموات ؟ لا أحد لكن الرسول بولس فَضَلَ هذا لأجل أعدائه، لأجل أولئك الذين رجموه، والذين جلدوه.
أي صفح سنناله، وأي نعمة سنحصل عليها ، إن لم نظهر لأصدقائنا حتى القدر اليسير من تلك المحبة التي أظهرها القديس بولس نحو أعدائه، بل أن الطوباوي موسي، أراد المحبة لأعدائه الذين رجموه أراد أن يُمحي إسمه من كتاب الله. وداود أيضاً وهو يري الذين قاوموه وهم يقاتلون، يقول: “أنا أخطأت وأنا أذنبت وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا”. وشاول أيضاً وإن كان قد قبض عليه أسيراً ، لم يُرد أن يقتله، بل حرَّره، وكل هذا رغم تعرّضه هو نفسه للخطر. إذا إن كانت هذه الأمور قد حدثت في العهد القديم، فأي غفران سنناله نحن الذين نحيا في زمن العهد الجديد، ولا نستطيع أن نصل ولا حتى لمستوي رجال العهد القديم ؟ أي أنه “إن لم يزد بركم علي الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات، عندما يكون برنا أقل من الكتبة والفريسيين، فكيف سندخل ملكوت السموات؟
يقول المسيح له المجد أحبوا أعداءكم… لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات. إذا فلتحب عدوك ، لأنه حين تحبه، فأنت لا تُحسن إليه، بل إلي نفسك. كيف ؟ لأنه عندما تفعل هذا تصير مثل الله. فذاك إن صار محبوباً منك فلن يكون قد ربح شيئاً مهماً، لأنه صار محبوباً من شريك له في العبودية، بينما أنت إن أحببت شريكاً في العبودية، ستنال ربحاً عظيماً ، لأنك ستصير شبيه بالله. أرأيت كيف أنك لا تقدم خدمة لذاك، بل لذاتك ؟ لأن المكافأة لا يعطيها له، بل لك أنت. لكنه يقول ماذا أفعل لو أنه شرير ؟ إن قدّمت له محبة، فإن الأجر سيكون أعظم بكثير، بل وبسبب شره، يجب أن يُحسن إليه، حتى وإن ظل شريراً بعد، رغم إحساناتك الكثيرة له لأنه إن لم يكن شريراً للغاية ما كان أجرك ليرتفع إلي هذا الحد الكبير. فلا يجوز تبرير عدم محبتك له بإعتباره شريراً ، فهذا تحديداً يعتبر دافعاً لأن تحبه. إذا فأنت تُجهض الدافع لنوال الأكاليل، حين ترفض الجهاد من أجل محبة عدوك.
ألم تري الرياضيين كيف يتدربون يملأون أكياسا صغيرة بالرمال؟ أما أنت فلا تحتاج لمثل هذا التدريب، فالحياة مملوءة من أولئك الذين سيملئونك، وسيجعلونك قوياً. ألا تري أن الأشجار بقدر ما . هي معرضة للرياح أكثر، بقدر ما تصير أقوي وأكثر كثافة؟ إذاً فنحن أيضاً، إذا كنا طويلي الأناة سنصبح أقوياء، لأنه يقول ” بطئ الغضب كثير الفهم وقصير الروح مُعلي الحمق”. أرأيت كم هو عظيم مدح طول الأناة ؟ أرأيت مقدار إدانة صغير النفس أو قصير الروح؟ إنه “أحمق بشدة، أي أحمق تماماً.
إذا ينبغي ألا نكون هكذا فيما بيننا، كذلك فإن صغر النفس لا يأتي من العداوة، بل من أننا نحمل نفس الروح الزهيدة، لأنه إن كانت النفس قوية، فإنها ستحتمل كل شيء بسهولة، ولا شيء سيستطيع أن يؤثر فيها أو يؤلمها، بل سيقودها إلي المواني الهادئة، والتي ليتنا جميعاً نصل إليها بالنعمة ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والقوة والكرامة الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور أمين.
العظة العشرون (عب10: 26-31)
” فأنه إن أخطأنا بإختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق لا تبقي بعد ذبيحة عن الخطايا ” (عب 10: 26).
1- إن كـل مـا زرع من الأشجار ونمي ونال رعاية بأيدي الفلاحين، تقتلع من جذورها، تُسلّم للنار إن لم تعوضهم أو تكافئهم عن أتعابهم. ويحدث مع الاستنارة الروحية شيء مشابه. فبعدما غرسنا المسيح، وبعدما تمتعنا بالإرتواء الروحي، فإن حدث وأظهرنا بعد ذلك حياة غير مثمرة، فإن نار الجحيم واللهيب الذي لا يطفئ ينتظرنا. إذاً فالقديس بولس بعدما حثنا علي المحبة، وعلي الأعمال الصالحة المثمرة، فإنه يبدأ بما هو أفضل هو أننا سندخل إلي الأقداس الحقيقية، وسنسير في الطريق الجديد الذي دشنه المسيح لأجلنا. نفس الأمر يفعله أيضاً مع أكثر الأمور المحزنة، قائلاً الآتي : فبعدما قال “غير تاركين إجتماعنا كما لقوم عادة بل واعظين بعضنا بعضاً وبالأكثر علي قدر ما ترون اليوم يقرب ” لأن هذه (المحبة) أيضاً هي قادرة أن تحثكم علي ممارسة الأعمال الصالحة. أضاف “إن أخطأنا بأختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق”. الأمر كما يقول يحتاج لأعمال صالحة وبكثرة ” إن أخطأنا بإختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق لا تبقي ذبيحة عن الخطايا “. ما يقوله يعني الآتي : أنك تنقيت من الخطايا، صرت إبناً. أما إن رجعت إلي قيئك السابق، فسينتظرك أيضاً الرفض و الإدانة والنار والأمور المماثلة، لأنه لا توجد ذبيحة ثانية.
أيضاً يقدم لنا هنا أولئك الذين يرفضون التوبة، والذين يترددون في الإقبال علي المعمودية، هؤلاء يقدمون المبرر بأن قبولهم للمعمودية لا يمنحهم الأمان والسلامة، طالما أنه لا يوجد غفران ثان، بينما هؤلاء يقولون أن ممارسة الأسرار لا تفيد شيئاً، بالنسبة للذين أخطأوا ، طالما أنه لا يوجد غفران ثان إذاً ماذا سنقول في مواجهة الأثنين ؟ نقول أنه لا يتكلم هنا بهذا الغرض، فهو لا يُبطل التوبة، ولا الصفح الذي يأتي عن طريق التوبة، ولا يصد الخاطئ ويقوده للموت عن طريق اليأس، فهو ليس عدواً لخلاصنا. لكنه ماذا يفعل؟ يُبطل المعمودية الثانية. لأنه لم يقل “لا توجد بعد
توبة”، ولا قال “لا يوجد بعد غفران”، بل قال “لا تبقي بعد ذبيحة”، أي لا يوجد صليب ثان بعد ، لأن الصليب يدعوه ذبيحة” يقول لأنه بقربان واحد قد أكمل إلي الأبد المقدسين”. ليس كما كان يحدث مع الذبائح اليهودية، ولا حتى حين كانت تقدم مرات عديدة و لهذا السبب تحديداً، تكلم من قبل بإسهاب شديد عن موضوع الذبيحة، وأنها ذبيحة واحدة ومتفردة، ليس فقط لأنه أراد أن يظهر إنها تختلف عن الذبائح اليهودية، بل لكي يجعل الناس أكثر أماناً، حتى لا ينتظروا ذبيحة أخري بحسب الناموس اليهودي.
يقول: ” فإن أخطأنا بإختيارنا “. أرأيت كم هو مستعد لأن يغفر؟ يقول فإن أخطأنا بإختيارنا”. حتى أنه يوجد غفران لأولئك الذين يخطئون بدون إرادتهم. ” بعدما أخذنا معرفة الحق”. إما أنه يقصد معرفة المسيح، أو معرفة جميع العقائد. لا تبقي بعد ذبيحة عن الخطايا “. لكن ماذا ؟
بل قبول دينونة مخيف وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين” (عب 10: 27).
لا يدعو فقط الجاحدين أو غير المؤمنيين بالمضاديين، بل والذين يفعلون كل ما هو ضد الفضيلة، وأن المسيحيون ستأكلهم نفس النار، تماماً مثل غير المؤمنين (إن عاشوا في الخطية). بعد ذلك لكي يعلن عدم شبع النار، كما لو كان الأمر يتعلق بشخص حي قال : ” وغيره نار عتيدة أن تأكل المضادين ( لإرادة الله ) “. لأنه تماماً مثل وحش هائج وثائر للغاية وغاضب لن يتوقف حتى ينقض علي فريسته، هكذا تلك النار ، تماماً مثل شخص مدفوع من قبل شهوته الجامحة، لا يترك ما إختطفه أن يهرب منه بل ينقض عليه ويمزقه.
بعد ذلك يستعرض التهديد بمعني أنه بالصواب والعدل يحدث هذا، لأنه يقول:
” من خالف ناموس موسي فعلي شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة”(عب 10: 28).
يقول “بدون رأفة”. حتى أنه لا يوجد هناك غفران، ولا شفقة، برغم أن الناموس هو لموسي، لأن موسي هو الذي كتب أكثر الوصايا. ماذا يعني بقوله “فعلي شاهدين أو ثلاثة؟ يعني لو أن شاهدين أو ثلاثة أكدوا المخالفة، فعلي الفور يُدان المذنبون. إذا فإن كان في العهد القديم، حيث يُخالف الناموس الموسوي، توجد هذه العقوبة الكبيرة، فكم تكون العقوبة هنا ؟ ولهذا يقول:
” فكم عقابا أشر تظنون أنه يحسب مستحقاً من داس إبن الله وحسب دم العهد الذي قدس به دنسا وأزدري بروح النعمة” (عب 10: 29).
2 ـ وكيف يدوس أحد إبن الله ؟ إذا كان مَنْ يُشارك معه في الأسرار، يُمارس الخطية، أخبرني ألا يكون قد داسه؟ وإزدري به ؟ لأنه تماماً كما أننا نحن لا نهتم بأي شيء ندوسه ، هكذا هم أولئك الذين يخطئون، لا يظهرون أي إهتمام بالمسيح، ولهذا هم يرتكبون الخطية بهذه الطريقة. لقد صرت ( عضواً ) في جسد المسيح، فكيف تسلّم نفسك للشيطان لكي يدوسك؟ ثم يقول: “وحسب دم (المسيح) العهد دنساً (مشاعاً). ماذا يعني بكلمة “مشاعاً ؟ يعني دنساً، أو أنه لا يختلف عن دم البشر الآخرين. ” وإزدري بروح النعمة “. لأن ذاك الذي لا يقبل الإحسان، يهين المحسن إليه. لقد جعلك إبنا، فهل تريد أن تصير عبداً ؟ أراد أن . يضرب خيمته فيك ) يقيم داخلك ) ، وأنت تُدخل أفكاراً شريرة إلي داخلك ؟ أراد المسيح أن يستقر فيك، وأنت تدوسه بالفسق والفساد والسكر؟ فلنسمع هذا نحن غير المستحقين لشركة الأسرار المقدسة، وغير المستحقين لأن نقترب من المائدة (الإلهية). “لا تعطوا قدسكم للكلاب ولا درركم للخنازير لئلا تدوسها بأرجلها ” لربما تحتقرها أو تزدري بها. لكنه لم يقل هذا ، بل قال ما هو أكثر فزعاً ، لأن النفوس تنقبض من الأمر المخيف، كذلك فإن هذا أيضاً قادر أن يحدث تغييراً ليس بأقل مما للنصائح من تأثير.
وفي نفس الوقت يستعرض الفروق، مشيراً إلي العقاب، وإلي الدينونة، كما لو كان الأمر واضحاً تماماً. يقول : ” فكم عقاباً أشر تظنون أنه يُحسب مستحقاً ؟”. يبدو لي هنا أنه يُشير إلي الأسرار . وبعد ذلك يقتبس الشهادة التي تقول:
” فإننا نعرف الذي قال لي الإنتقام أنا أجازي يقول الرب وأيضا الرب يدين شعبه. مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي” (عب 10: 30، 31).
يقول سنقع في يدي الرب، وليس في يدي البشر. لكن إن لم تتوبوا ستقعون في أيدي الله الحي، وذلك أمر مُخيف. أن تقعوا في أيدي البشر، لا يعد شيئاً بالمقارنة بالوقوع في يدي الله يقول الكتاب: “إن رأيت ظلم الفقير ونزاع الحق والعدل في البلاد فلا ترتع من الأمر لأن فوق العالي عاليًا يلاحظ والأعلى فوقهما”. وفي ذات الوقت يُشير إلي موضع آخر هنا، قائلاً : “لي الإنتقام أنا أجازي يقول الرب “. هذا قيل للإعداء، الذين يسيئون، وليس لأولئك الذين يُساء إليهم. هنا أيضاً يعزيهم بما يقول، إن الله يبقي ويحيا للأبد، حتى أنه وإن لم يُعَاقَب الأشرار الآن، فإنهم سيُعاقبون مؤخراً . هؤلاء يجب أن يتنهدوا ، وليس نحن، لأننا سنقع في أيدي البشر، بينما أولئك في يدي الله. كذلك فإنه لا يُعاقب ذاك الذي يساء إليه، بل ذاك الذي يسيء. ولا المحسن إليه هو الذي سيستحق النعمة، بل المحسن.
إذا ونحن عارفون بهذه الأمور لنكن محتملين، لا نحمل شراً في مواجهة ضربات الشر التي ننالها، ولنكن مستعدين لفعل الخير. وهذا سيحدث إن إحتقرنا المال والمجد، والذي تحرر من كل هذه الشهوات، هو أكثر حرية من البشر كافة، وأكثر غني ممن يرتدي الأرجوان. ألا تري كم الشرور التي تحدث بسبب المال؟ لا أقول كم الشرور التي تحدث بسبب الطمع، بل التي تحدث أثناء محاولة تجميع الأموال. أقصد بما أقوله الآتي: إذا خسر شخص مالاً، فإنه سيعيش حياة أكثر حزناً من حزن الموت (أي فراق الأحباء). علي ماذا تتألم أيها الإنسان؟ لماذا تبكي؟ هل لأن الله خلصك من الحرص الزائد علي هذه الأموال؟ هل لأنك تجلس دون أن ترتعب أو تخاف؟ بعد ذلك، فلو أن شخصاً ألزمك بحراسة كنز، وأمرك أن تجلس هناك بإستمرار، وأن تسهر علي حراسة أشياء لا تعنينا، ألا تتألم وتتضايق، إلا أنك قد ربطت نفسك برباطات مُخيفة فهل من الصواب أن تتألم عندما تتخلص من العبودية (للمال)؟ حقاً إن الأحزان والأفراح هي أمور نقبلها دون أن نفحصها بعمق هكذا فلنكن حذرين، كما لو كنا نحرس أشياء لا تخصنا.
والآن فإن حديثي موجه إلي النساء. مرات كثيراً ما يكون لدي امرأة رداءً مطرزاً بالذهب، ونجد أنها تحفظه داخل أقمشة كتانية خوفا عليه تؤمنه، دون أن تتمتع أن به، إما لأنها تكون قد ماتت أو ترملت، وإما إنه لم يحدث أي شيء من كل هذا ، بل خوفاً عليه من أن يستهلك سريعاً بسبب كثرة الاستخدام وتُحرم منه، وإن لم يحرمها آخر منه هي تحرم نفسها منه، بسبب بخلها. لكن هل تمنحه لإمرأة أخري ؟ وهذا أيضاً غير مؤكد، وحتى وإذا منحته بعد ، فإن الأخرى أيضاً ستستخدمه بنفس الطريقة. ولو أن شخصاً يبحث في كل ما هو موجود في المنازل، سيجد هو أكثر فخامة من الملابس والأشياء الأخري التي تفوق من حيث القيمة، والتي تستحق أن تكون موضع عناية منها، تماماً مثلما تفعل السيدات الأحباء، فإنهن لا يستخدمنها بشكل مستمر، بل وترتعين، وتحفظها بعيداً . العثة، والأشياء الأخري التي عادةً ما تأكلها، والأكثر من هذا، فأنهن يضعهن في مواد عطارة وأطياب، ولا تسمحن للجميع برؤيتها ، وكثيراً ما يشاركها زوجها أيضاً في الإعتناء بها.
3- أخبرني ألم يُسمي الرسول بولس الطمع، عبادة أوثان وهو محق في هذا؟ لأنه بقدر ما ينسب الوثنيون من كرامة للأوثان، بقدر ما ينسب هؤلاء من كرامة كبيرة للملابس والذهب إلي متى سنحرك الوحل ؟ إلى متى سنكون ملتصقين بالطين وصناعة الطوب ؟ لأنه كما أن العبرانيين تعبوا في خدمة ملك المصريين هكذا نحن أيضاً نعمل لحساب الشيطان، ونجلد أنفسنا، بأسوأ أنواع السياط. ولا تعتبر أن هذا الكلام مُبالغ فيه، لأنه بقدر سمو النفس علي الجسد ، بقدر قسوة السياط الجلدية التي تجلدها بها كل يوم، إننا نحيا مملوءين بالخوف والقلق. لكن إن أردنا أن نتنهد ، إن أردنا أن نوجه أنظارنا إلي الله، فسيرسل لنا ليس موسي، ولا هرون، بل كلمته. إذا فإن أتي ذلك أي الكلمة)، وساد علي نفوسنا، فإنه سيحررنا من العبودية تماماً، وسيخرجنا من مصر، ومن الإهتمامات الباطلة وغير النافعة، من العبودية التي لا طائل من ورائها عندما خرج العبرانيون من مصر، أخذوا معهم بعض قطع الذهب والتي كانت أجر البناء، بينما نحن لم نأخذ شيئاً، ويا ليت لا نأخذ شيئا، أما الآن فنحن نأخذ ليس ذهبا ، بل شرور المصريين نأخذ خطايا، وجحيما، وعقوبات.
إذاً فلنتعلم أن تفيد أنفسنا، لنتعلم أن نصبر علي التجارب، هذه هي سمة المسيحي فلنحتقر الملابس المذهبة، ولنحتقر المال، لكي لا نزدري بخلاصنا ، ولا نحتقر النفس، لأنها هذه هي المدانة، هذه هي الخاضعة للعقوبة، هذه الأشياء المادية تبقي هنا، أما هذه النفس تنتقل إلي هناك (إلي حياة الدهر الآتي). أخبرني لماذا تقطع أو تعزل نفسك ولا تشعر بذلك؟ إنني أوجه كلامي هذا للطماعين. لكن من الأفضل أن أتوجه به إلي ضحايا طمع هؤلاء الطماعين. إنهم إحتملوا الطمع بنبل وشهامة، هؤلاء هم الذين يقتلون أنفسهم وليس أنتم ، بالطبع هم يسلبون أموالكم أما بالنسبة لأنفسهم، فهم يجردونها من عطف الله ومعونته، ومن يتجـرد مـن هـذا العطف وهذه المعونة الإلهية، فإنه حتى وإن كان محاطا بكل غني المسكونة، فهو أفقر من الجميع، كما أن الأفقر من الجميع إذا كان يحظي بعطف الله ومعونته، يصبح أغني من الجميع، لأنه يقول “الرب راعي فلا يعوزني شيء”.
أخبريني إذاً لو أن لك زوج عظيم وموضع إعجاب، ويحبك ويرعاك بشكل فائق، ثم علمت بعد ذلك أنه سيحيا علي الدوام، وأنك لن تموتين قبله، وأن كل ماله سيمنحه لك بأمان، حتى أنك ستتمتعين به كما لو كان ملكك، هل يا تري سترغبين في إكتساب شيء (بعد ذلك)؟ يا تري لو أنك تجردت من كل شيء، ألا تعتقدين أنك أكثر غني لأجل هذا؟ إذا لماذا تحزنين؟ هل لأن ليس له أموال؟ لكن فكري أنك قد تخلصت من أصل الشرور. هل تنوحين لأنكِ حُرمت من ثروتك؟ لكنك ربحت رضي الله. وكيف ربحتينه؟ قال ” لماذا لا تُظلمون بالحري ، وقال “أشكروا في كل شيء ، وقال “طوبي للمساكين بالروح”. فكر إذا في مدي العطف (الإلهي) الذي ستتمتع به إن أظهرت كل هذه الأمور في حينها. شيء واحد فقط يُطلب منا ، أن نشكر الله علي كل شيء، وسنحصل كل شيء بوفرة. أعني بما أقوله : إن خسرت كميات كبيرة من الذهب فيجب أن تشكرين الله علي الفور، إن ربحت كميات ضخمة من الذهب فيجب أن يكون لك نفس الشكر. أخبرني متى طُوب أيوب، هل عندما كان لديه الكثير من الجمال، وقطعانا من الأغنام والأبقار، أم عندما قال : ” الرب أعطي الرب أخذ ؟”. حقاً إن الشيطان لأجل هذا يُسبب لنا خسائر، ليس فقط عندما يجردنا من المال، لأنه يعرف أن هذا لا يُمثل شيئاً، بل حين يجعلنا نجدف من خلال فقدان ما نملك ، هذا هو ما سعي إليه مع المطوب أيوب (أي أن يجعله يُجدف)، ليس فقط أن يجعله فقيراً، بل يقدمه كمجدف. إذاً عندما نزع عنه كل شيء، لاحظ ماذا قال له من خلال زوجته ” بارك الله ومت. لكن أيها المنفر، لقد جردته من كل خيراته. لكنه (أي الشيطان) يقول، لم أسعي إلي هذا، فذلك الذي لأجله فعلت كل شيء، لم أنجح فيه، لأنني حاولت أن أجرده من معونة الله، ولهذا فقد جردته من ثروته. هذا هو مقصدي أن أجرده من معونة الله، الأمر الأخر (أي تجريده من ثروته)، لا يمثل أي شيء، إن لم أنجح فيما سعيت إليه إنه لم يُظلم، بل قد إنتفع أيضاً.
4 – أرأيت كيف أن هذا الشيطان الشرير يعرف مقدار الضرر أو الخسارة التي تقع من جراء ذلك؟ ولهذا تراه يحيك الخيانة ضد الله. من خلال زوجته أيضاً. إسمعوا يداً ، أن كل من لهم زوجات ممن يحببن المال، ويجبرونكم علي التجديف علي لله، تذكروا أيوب. لكن إن تصورتم (أمراً أخر ) ، فلننظر إلي أخلاقه العظيمة و أدبه الجم وكيف ألجم (زوجته) لأنه يقول : “تتكلمين كلاماً كإحدى الجاهلات ” حقاً إن “المعاشرات الرديئة تُفسد الأخلاق الجيدة” بالطبع تفسدها، ولكن بصفة خاصة في فترة الكوارث، عندئذ يكون لدي هؤلاء الذين يُجربون بالشرور ، قوة ( في داخلهم). لأنه إن كانت النفس تقاد إلي اليأس من ذاتها، فكم بالحري حين يكون هناك من يقودها (إلي فعل ذلك)؟ ألم تدفع نحو الوحل؟ خير وصلاح عظيم هي المرأة، كما أنها شر عظيم في ذات الوقت. ولاحظ من أين شرع أن يزلزل الحائط القوي. لأنه لم يكفيه نزع الأموال، ولا آثارت فقدانها لديه أي شر عظيم، بل زعمه تبرهن علي أنه باطل، لأنه يقول ” في وجهك يجدف عليك ” ، ولهذا نجد الشيطان يُسلّح زوجته ضده. أرأيت كيف يبث أفكاره ؟ لكنه لم ينجح في شيء أكثر من هذه الحيلة.
إذا فإن كنا نحن نحتمل الحرمان من الخيرات المادية بشكر فإننا سننال هذه الخيرات، وإن لم ننلها (الآن) ، فإن مكافأتنا ستكون أعظم. هذا ما حدث مع الإنسان الصلب المشرق. بعدما جاهد أيوب بشهامة نفس، وأعطاه الله هذه الخيرات المادية)، التي فقدها عندما برهن للشيطان أنه يعبد الله، ولكن ليس لأجل هذه الماديات، وعندئذ قد أعطاه الخيرات (التي فقدها). حقاً هذا هو الله، فعندما يري أننا لسنا ملتصقين بالأمور الحياتية، عندئذ يعطيها لنا أيضاً، وعندما يري أننا تفضيل الروحيات، يعطينا الجسديات أيضاً، ولا يُعطيها لنا مُسبقاً، لكي لا نبتعد عن الروحيات. ونظراً لأنه يهتم بنا ، فهو لا يُعطينا الجسديات لكي يبعدنا عنها وبدون إرادتنا أيضاً. وقد يقول أحد إلا أنني إذا نلتها ، أشبع وأشكر الله أكثر. أيها الإنسان أنك ستصير أكثر خمولاً وقد يتساءل البعض، لماذا يعطي كثيرين؟ نجيب ومن أين يتضح أنه يُعطي هذه الخيرات؟ لكنه يقول من الذي يُعطي ، هل أحد آخر يعطيها ؟ إنه طمعهم ورغبتهم في السلب. وكيف يسمح أن تحدث هذه الأمور؟ كما يسمح في حالات القتل والسرقات والعنف. إذا ماذا تقول بالنسبة لهؤلاء الذين يرثون ثروات من والديهم، وهم مملؤون بشرور لا حصر لها ، هكذا يقول؟ وكيف، يتركهم الله ليتمتعوا بها؟ كما يترك السارقين، والقتلة والمجرمين الآخرين. وللرد علي ذلك نقول إن الوقت الآن ليس هو وقت الدينونة، بل وقت حياة الفضيلة.
ما قلته سابقاً، هذا أقوله الآن، أنهم سيدانون بالأكثر، لأنه برغم أنهم تمتعوا بكل الخيرات، لم يصيروا أفضل. كذلك فإنهم لن يُدانوا جميعاً بالتساوي، بل سيدان أكثر أولئك الذين ظلوا أشراراً حتى بعد أن نالوا الإحسان، كل من كان فقيراً لن يُعاقب بنفس القدر. ومن جهة أن هذا أمر حقيقي، إسمع ماذا يقول داود النبي ” وأعطيتك بيت سيدك ” . إذاً عندما تري شاباً ، وقد أخذ الميراث الأبوي بدون جهد ، وظل شريراً، فلتعرف جيداً أن عذابه سيكون أكبر، وأن عقوبته ستكون أكثر. إذاً لا ينبغي أن نغار منهم أو نحسدهم، بل نغار ممن عاش حياة فاضلة، أي الذي ربح الغني الروحي. إن المرنم يقول ” ويل للذين يتكلون علي ثروتهم وبكثرة غناهم يفتخرون، وأيضاً ” طوبي لمن يتقي الرب”. أخبرني إلي أي جماعة تريد أن تنتمي؟ بالطبع إلي أولئك المطوبين. إذا فلتتمثل بهؤلاء، وليس بالأشرار، لكي تنال الخيرات المعدة لهم، والتي ليتنا ننالها جميعاً بالنعمة ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والسلطان والكرامة الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور آمين.
العظة الواحدة والعشرون (عب10: 32-35)
” ولكن تذكروا الأيام السالفة التي فيها بعدما أنرتم صبرتم علي مجاهدة الأم كثيرة من جهة مشهورين بتعييرات وضيقات ومن جهة صائرين شركاء الذين تصرف فيهم هكذا . لأنكم رئيتم لقيودي أيضا وقبلتم سلب أموالكم بفرح عالمين في أنفسكم أن لكم مالاً أفضل في السموات وباقيا ” (عب 10: 32-34) .
1. المتميزون من الأطباء عندما يُجرون قطع عميق ( في جسم المريض)، فإن هذا يزيد من مقدار ألم المرضي بسبب الجرح، إلا أن هدفهم هو تخفيف الموضع الذي يتألم، وتهدئة وإنعاش النفس المضطربة، لكنهم لا يجرون قطع آخر بالقرب من القطع الأول، بل القطع الأول يلطفونه بالأدوية المناسبة، ويحاولون أن يزيلوا الألم الشديد [1]. هذا قد صنعه الرسول بولس أيضًا، فبعدما أقلقهم، وقادهم إلي الحزن، بواسطة التذكير بالجحيم، وبعدما أكد لهم أن ذاك الذي أهان نعمة الله سيقاد علي كل حال إلي الهلاك، وقد برهن علي هذا من ناموس مؤسي ، وسيدانون أكثر، وبعدما ختم كلامه بشهادات أخرى، وقال “مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي، إلا أنه يعود فيهدئهم بالمديح، وبكلام التعزية، ويظهر غيرتهم التي هي كامنة في أنفسهم حتى لا تفقد النفس رجاءها بسبب الخوف الكبير.
يقول ” ولكن تذكروا الأيام السالفة التي فيها بعدما أنرتم صبرتم علي مجاهدة آلام كثيرة ” (عب 10: 32).
عظيم هو العزاء الذي نأخذه من أعمالنا، لأن الذي يبدأ عمل ما يجب مع مرور الزمن أن يُحسنه. كما لو أنه قال عندما كنتم مبتدئين، عندما كنتم في مقعد التلاميذ، أظهرتم رغبة كبيرة جدا، وسخاء كبير، إلا أن الأمر ليس هكذا الآن. وذاك الذي ينصح ، ينجح أكثر في نصائحه بواسطة أعماله ذاتها. وإنتبه لم يقل فقط “صبرتم علي مجاهدة، بل أضاف كلمة “كثيرة”. ولم يقل “تجارب” بل قال “مجاهدة”، الأمر الذي يُعد صفة مديح، ومدح عظيم جداً. بعد ذلك يُحصي إنجازاتهم واحدة تلو الأخرى، مسهبًا في حديثة ومُفرطاً في المديح. كيف؟ يقول:
” من جهة مشهورين بتعييرات وضيقات” (عب 10: 33).
لأن التعيير يلمس القلب بشكل مخيف، وهو قادر أن يجرح النفس، ويُظلِم الذهن. إسمع ماذا يقول النبي صارت لي دموعي خبزا نهارا وليلا إذ قيل لي كل يوم أين إلهك، وأيضا “ليس عدو يعيرني فأحتمل” . لأن الجنس البشري مغرور بشكل مبالغ فيه، ولهذا فإنه من السهل أن يُحبَّط من التعييرات. ولم يقل فقط “بتعييرات”، بل ما يشدد عليه، هو لفظه “مشهورين”. لأنه حين يُعيّير شخص بمفرده (أي ليس أمام أحد) ، فبالطبع هو أمر مؤسف، فبالأكثر جدا يكون تعييره أمام الجميع. تأمل من فضلك مقدار الشر العظيم الذي أصاب أولئك الذين ابتعدوا عن منهج الخضوع اليهودي، وأتوا إلي حياة مُميزة في كل شيء، وإزدروا بتقليدات آبائهم، وصاروا هدفًا لأهانات مواطنيهم، دون أن يكون لهم أي عون أو مساعدة.
لا أستطيع أن أقول أنكم عانيتم من هذه الأمور، لكن تألمتم، بل وفرحتم بشكل فائق. وهذا قد أعلن عنه قائلاً : ” من جهة صائرين شركاء الذين تُصرف فيهم هكذا . لأنكم رثيتم “لقيودي” ، وهو هنا يقدم الرسل أنفسهم، فلم يقل “لم تخجلوا من آلامكم” بل قال “صائرين شركاء الذين تُصرف فيهم هكذا “. هذا الكلام قد عزّاهم أيضًا. لم يقل صبرتم علي آلامي شاركتم في آلامي، بل فقط رثيتم لقيودي” (أي لقيود الرسل أيضاً). أرأيت أنه يتكلم عن نفسه، وعن المقيدين الآخرين؟ هكذا لم تعتدوا بالقيود ، بل نظرتم للمقيدين كمجاهدين أقوياء، ووقفتم بصلابة، لأنه ليس فقط لم تحتاجوا عزاء لآلامكم، بل كنتم سبب عزاء للآخرين.
“وقبلــتـم سـلب أموالكم بفرح” يا للعجب لمقدار هذا الإيمان الراسخ بعد ذلك يضيف السبب، ليس فقط لكي يحثهم على الجهاد، بل لكي لا يهتز إيمانهم. وبينما نظرتم أموالكم وهى تُسلب، فقد احتملتم، لأن الغنى غير المرئي قد رأيتموه بالفعل وكأنه مرئي، الأمر الذي كان نتيجة لإيمان واضح وراسخ. ومن خلال أعمالكم ذاتها أظهرتم إيمانكم. بمعنى أن سلب الأموال ربما كان نتيجة لعنف السالبين، ولم يكن في تفكير أحد أن يمنع هذا العمل، حتى أنه قد صار واضحاً أنكم احتملتم السلب بسبب إيمانكم. ومن الواضح، أنه كان بالإمكان إن أردتم ألا تسلب أموالكم في حالة عدم إيمانكم ، لكنكم فعلتم ما هو أعظم من هذا، أنكم احتملتم وصبرتم على آلامكم بفرح، الأمر الذي كان يُعد سمة رسوليه ومستحقة لتلك النفوس السخية والتي كانت تفرح وهي تجتاز آلام تشبه آلام الولادة، لأنه يقول ” فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل أسمه فذاك الذي يتألم بفرح يُظهر أنه له أجر وأن هذا الأمر لا يعد خسارة، بل هو ربح. و كلمة “قبلتم”، تُظهر صبرهم الإرادي. إذا كيف فضلتم (سلب الأموال)، وقبلتموه؟ يقول:
” عالمين في أنفسكم أن لكم مال أفضل في السموات وباقيا” (عب 10: 34).
ماذا تعنى بكلمة “باقياً؟” تعنى أنه دائم لا ينتهي فهو ليس مثل المال الدنيوي.
2-وبعدما مدحهم، يقول:
” فلا تطرحوا ثقتكم التي لها مجازاة عظيمة” (عب 10: 35)
ماذا تقول؟ لم يقل ” فقدتم أموالكم، ويجب أن تستردوها، حتى لا يُصابوا باليأس ، بل قال ” أن لكم مالاً أفضل فلا تطرحوا ثقتكم”، وهو الأمر الذي قد شجعهم بالأكثر وقواهم لأنه يقول “لكم”، كذلك فإن استعادة ذلك المال (الدنيوي)، والذي فقد يحتاج لجهد أكبر من المحافظة على المال الموجود. بينما يكتب العكس إلى أهل غلاطية قائلاً : ” يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيكم * وهذا صواب، لأن أولئك كانوا أكثر خمولاً، ولهذا كانوا في احتياج إلي كلام أكثر قسوة، بينما هؤلاء كانوا أكثر إتضاعاً، ولهذا كانوا في احتياج إلي كلام يعالجهم إذ يقول: “فلا تطرحوا ثقتكم”. فقد كانت لهم ثقة كبيرة أمام الله. ثم يُضيف: “التي لها مجازاة عظيمة ” ماذا يعنى هذا؟ يعنى أننا سننالها في الدهر الآتى، إذاً فإن كانت المكافأة مستقبلية، فلا يجب أن نطلبها هنا.
بعد ذلك، ولكي لا يقول أحد ، ها أن كل ما كان ينبغي أن نفعله قد فعلناه فإنه يتدارك هذا الفكر ويوقفه كما لو كان يقول لهم، إن عرفتم أن لكم مالاً أفضل في السموات، لا تطلبوا شيئاً هنا.
“لأنكم تحتاجون إلى الصبر” (عب 10: 36).
فليس هناك مجاهدة أخري يمكن أن تُضاف، وذلك لكي تبقوا ثابتين في جهادكم هذا، لكي لا تفقدوا هذا الذي تعهدتموه أنكم لا تحتاجون إلى شيء، سوى أن تبقوا راسخين في الإيمان، كما بقيتم ثابتين حتى الآن، طالما أنكم ستنالوا في النهاية المجازاة التي وعد بها الله. يقول “لأنكم تحتاجون إلى الصبر حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون المزيد “. إذاً فأنتم تحتاجوا إلى أمر واحد فقط، أن تنتظروا حياة الدهر الآتي وليس أن تجاهدوا أيضا. يقول أنتم قائمون أمام الفوز بالإكليل، لأنكم صبرتم على كل المتاعب والقيود، والضيقات، بعد أن سلبت أمولكم. إذاً ماذا تبقى؟ الثبات في الإيمان لكي تتوجوا، ولهذا وحده أظهرتم صبراً واحتمالاً، منتظرين زمن منح الإكليل يا للعجب أي عزاء عظيم هذا ! هكذا يحثهم، كما لو أن شخصاً تكلم عن رياضي فاز على كل منافسيه، ولم يكن هناك من ينافسه أو يُجاريه، وبينما هو مهيئ للفوز حتى يتوج، تجده لا يحتمل أن ينتظر اللحظة التي يأتي فيها الحكم الذي يمنح الجوائز) ويُلبسه التاج، فهو إذاً لا يحتمل الانتظار، ويشعر أنه يريد أن يخرج ويرحل، لأنه لا يحتمل العطش و شدة الحر. إذاً هذا ما يُشير إليه الرسول بولس أيضاً ، ماذا يقول؟ يقول:
” لأنه بعد قليل جداً سيأتي الآتي ولا يُبطئ ” (عب 10: 37).
أي لكي لا يقولوا ومتى سيأتي؟ فهو يعزيهم من الكتب المقدسة ذاتها. لأن عبارة ” فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان”، التي يقولها في موضع آخر، تعزيهم، لأنها تُظهر أن الزمن المتبقي قليل وهذا لا يقوله من نفسه، بل يأخذه من الكتب المقدسة، وطالما أن عبارة ” لأنه بعد قليل جداً سيأتي الآتي ولا يبطئ”، قيلت في الكتب المقدسة فيصبح من الواضح جداً أنه (أي يسوع) قريب منا الآن. حتى أن إنتظار الشخص يُعد مجازاة ليست بالقليلة. ثم يقول:
” أما البار فبالإيمان يحيا وإن أرتد لا تسر به نفسي وأما نحن فلسنا من الارتداد للهلاك بل من الإيمان لاقتناء النفس” (عب 10: 38-39 ).
هذا الشكل من التعزية هو عظيم جداً، حين يُظهر أحد أولئك الذين حققوا أسمى شيء، ومع هذا فهم معرضون أن يفقدوا ما وصلوا إليه، حتى وإن كان عن طريق إهمال بسيط.
- كلمة ذكرى تعني الحضور الحي لذبيحة المسيح الواحدة ونحن بالحري نشترك في هذه الذبيحة أثناء القداس الإلهي (المترجم).
- هذه الفئات التي أشار إليها القديس يوحنا ذهبي الفم لم يكن لها الحق في المشاركة في مثل هذه المسابقات آنذاك، بحكم القانون.
- ما يقوله القديس يوحنا ذهبي الفم في هذا الصدد كان يتناسب مع معطيات عصره الطيبة في ذلك الزمان.
تفسير رسالة العبرانيين 9 | رسالة العبرانيين 10 | تفسير رسالة العبرانيين | تفسير العهد الجديد | تفسير رسالة العبرانيين 11 |
القديس يوحنا ذهبي الفم | ||||
تفاسير عبرانيين 10 | تفاسير رسالة العبرانيين | تفاسير العهد الجديد |