تفسير رسالة العبرانيين اصحاح 6 كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة
الأَصْحَاحُ السَّادِسُ
الحذر من الارتداد والتمسك بالأعمال الصالحة والرجاء
(1) الارتداد عن الإيمان (ع1-8):
1 لِذَلِكَ وَنَحْنُ تَارِكُونَ كَلاَمَ بَدَاءَةِ الْمَسِيحِ لِنَتَقَدَّمْ إِلَى الْكَمَالِ، غَيْرَ وَاضِعِينَ أَيْضًا أَسَاسَ التَّوْبَةِ مِنَ الأَعْمَالِ الْمَيِّتَةِ، وَالإِيمَانِ بِاللهِ، 2 تَعْلِيمَ الْمَعْمُودِيَّاتِ، وَوَضْعَ الأَيَادِي، قِيَامَةَ الأَمْوَاتِ، وَالدَّيْنُونَةَ الأَبَدِيَّةَ – 3 وَهَذَا سَنَفْعَلُهُ إِنْ أَذِنَ اللهُ. 4 لأَنَّ الَّذِينَ اسْتُنِيرُوا مَرَّةً، وَذَاقُوا الْمَوْهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ وَصَارُوا شُرَكَاءَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، 5 وَذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ وَقُوَّاتِ الدَّهْرِ الآتِي، 6 وَسَقَطُوا، لاَ يُمْكِنُ تَجْدِيدُهُمْ أَيْضًا لِلتَّوْبَةِ، إِذْ هُمْ يَصْلِبُونَ لأَنْفُسِهِمُ ابْنَ اللهِ ثَانِيَةً وَيُشَهِّرُونَهُ. 7 لأَنَّ أَرْضًا قَدْ شَرِبَتِ الْمَطَرَ الآتِيَ عَلَيْهَا مِرَارًا كَثِيرَةً، وَأَنْتَجَتْ عُشْبًا صَالِحًا لِلَّذِينَ فُلِحَتْ مِنْ أَجْلِهِمْ، تَنَالُ بَرَكَةً مِنَ اللهِ. 8 وَلَكِنْ إِنْ أَخْرَجَتْ شَوْكًا وَحَسَكًا، فَهِيَ مَرْفُوضَةٌ وَقَرِيبَةٌ مِنَ اللَّعْنَةِ، الَّتِي نِهَايَتُهَا لِلْحَرِيقِ.
ع1-3:بداءة المسيح: أساسيات الحياة المسيحية.
الكمال : النمو الروحي.
غير واضعين : غير منشغلين.
الأعمال الميتة : الخطايا التي تستوجب الموت.
المعموديات : يقصد سر المعمودية بتفاصيل صلواته وأنواعه للأطفال أو الكبار.
وضع الأيادى : وضع ايدى الرسل والأساقفة لإعطاء الروح القدس بعد المعمودية (أي سر الميرون).
يدعو الرسول بولس المؤمنين إلى ترك الحديث عن أساسيات الحياة المسيحية للتقدم في النمو الروحي وهذه الأساسيات هي:
- التوبة والإيمان ويمثلان أساس استعداد الإنسان للدخول إلى المسيحية.
- المعمودية والميرون وهما أول سرّين يهبهما الله للمقبلين على المسيحية.
- القيامة والدينونة وهما رجاء الذين بدأوا في الحياة المسيحية، أي قيامة أجسادهم في اليوم الأخير واجتياز الدينونة الأخيرة لدخول الملكوت.
هذه الأساسيات كلها قد انتهى من الكلام عنها ويحتاجون أن ينشغلوا بالنمو الروحي. هذا ما يشير إليه الرسول أنه الأهم وسيفعله، أي سيتكلم عن كيفية النمو الروحي للتمتع بعشرة الله.
ع4-6: استنيروا مرة : نالوا سر المعمودية.
الموهبة السماوية : سر الميرون أي حلول الروح القدس.
قوات الدهر الآتي : صنعوا معجزات واختبروا الله في حياتهم بمشاعر روحية عميقة هي بصيص من نور الأبدية.
سقطوا : ارتدوا عن الإيمان المسيحي.
لا يمكن تجديدهم: لا يمكن إعادة معموديتهم إن تابوا ورجعوا للإيمان.
يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانيةً ويشهرونه : المُعَمَّد يموت مع المسيح بدفنه في ماء المعمودية ثم يقوم معه، فالذى يعتمد ينال قوة صلب المسيح وموته وقيامته وهذا يحدث مرة واحدة ولا يمكن أن يصلب المسيح مرتين للإنسان المُعَمَّد، فإذا أعيدت المعمودية كأننا نصلب المسيح مرة أخرى ونشهر به أي نلبسه العار بعد أن قام من الأموات.
في هذه الأعداد يجيب بولس الرسول عن سؤال بخصوص من ارتدوا عن الإيمان، بعد نوالهم سر المعمودية والميرون ومواهب الروح القدس وتمتعهم بكلام الله بل وعمل المعجزات واختبار عمل الله فيهم، فهل تعاد معموديتهم؟ فيقول أنه لا يمكن إعادة معموديتهم لأن التجديد معناه المعمودية وليس التوبة في سر الاعتراف، والتجديد يحدث مرة واحدة لأنه موت وقيامة مع المسيح الذي مات وقام مرة واحدة، فيحدث ذلك في الإنسان مرة واحدة وينال طبيعة جديدة، فإن اتسخت بالخطية حتى ولو كان الإرتداد عن الإيمان تعالج بالتوبة والاعتراف. هذا الرأي السابق هو رأى القديس يوحنا ذهبي الفم.
وهناك آراء لآباء آخرين مثل ترتليانوس وهي أنه يُقصَد بهذه الآيات اليهود الذين تنصروا ثم عادوا إلى حياتهم اليهودية ومصرّين على عدم الرجوع للمسيحية، أو كل من يصرّ على خطاياه ولا يريد التوبة والرجوع للمسيح، فيفسروا كلمة سقطوا بمعنى الإصرار والإستمرار في الخطية طوال العمر وبالتالي عدم تجديدهم ونوالهم الغفران في سر الاعتراف راجع لرفضهم وليس رفض الله لهم، وهم بخطاياهم يصلبون المسيح مرة ثانية ويلبسونه العار والخزى لرفضهم التوبة.
ع7: يشبه الإنسان الروحي الثابت في الإيمان بأرض ينزل عليها المطر أي بركات الله من خلال التعاليم الروحية وعطايا الروح القدس، فتعطى نباتات جيدة أي ثمار للروح القدس يتمتع بها المؤمنون ويفرح الله بهم ويعطيهم أمجاد الملكوت.
ع8: يكمل التشبيه فيقول ولكن هذه الأرض إن لم تنتج ثمارًا صالحة بعد نوالها الأمطار الكثيرة، ويقصد الذين آمنوا وعاشوا مع المسيح فترة ثم ارتدوا وسقطوا في خطايا مختلفة، فإنهم مرفوضون من الله وقريبون من الهلاك والحل هو توبتهم ورجوعهم للإيمان الذي ارتدوا عنه فيغفر لهم الله ويستعيدون عضويتهم في الكنيسة.
† ليتك تستفيد من بركات الله المستمرة لك التي تنالها من الكنيسة في الأسرار المقدسة ووسائط النعمة، فلا تأخذها بشكل سطحى فتفقد عملها فيك، وسر التوبة يعيد لك حماسك الروحي لتنشط من جديد وتتعمق في علاقتك مع الله.
(2) التشجيع على الأعمال الصالحة (ع9-12):
9 وَلَكِنَّنَا قَدْ تَيَقَّنَّا مِنْ جِهَتِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ أُمُورًا أَفْضَلَ، وَمُخْتَصَّةً بِالْخَلاَصِ، وَإِنْ كُنَّا نَتَكَلَّمُ هَكَذَا. 10 لأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَالِمٍ حَتَّى يَنْسَى عَمَلَكُمْ وَتَعَبَ الْمَحَبَّةِ الَّتِي أَظْهَرْتُمُوهَا نَحْوَ اسْمِهِ، إِذْ قَدْ خَدَمْتُمُ الْقِدِّيسِينَ وَتَخْدِمُونَهُمْ. 11 وَلَكِنَّنَا نَشْتَهِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يُظْهِرُ هَذَا الاِجْتِهَادَ عَيْنَهُ لِيَقِينِ الرَّجَاءِ إِلَى النِّهَايَةِ، 12 لِكَيْ لاَ تَكُونُوا مُتَبَاطِئِينَ بَلْ مُتَمَثِّلِينَ بِالَّذِينَ بِالإِيمَانِ وَالأَنَاةِ يَرِثُونَ الْمَوَاعِيدَ.
ع9: يستدرك الرسول كلامه فيشجِّع المسيحيين من أصل يهودي بثقته في تمتعهم بالحياة المسيحية وبركات الخلاص في الكنيسة وأنه يقصد بكلامه السابق التحذير من الإرتداد عن المسيح، ولو سقط أحد فيهم فيمكن قبول توبته في سر الاعتراف. فهو يهتم بتشجيعهم حتى لا يسقطوا في صغر النفس أو اليأس بسبب ضعفاتهم.
ع10: لأن الله غير ظالم لكي يغفل عن الأعمال الصالحة وحبهم الصادق الذي أظهروه في الأتعاب لأجل اسمه له المجد، إذ أنهم لم يتوقفوا عن خدمة المؤمنين بل ومستمرون في ذلك إلى هذا الوقت.
ع11: أظهر بعض المسيحيين إهتمامهم بخدمة المحتاجين، فيتمنى بولس أن يهتم كل المؤمنين بهذه الخدمات ويشجعهم على الإستمرار والإهتمام بالأعمال الصالحة طوال حياتهم، فهي دليل إيمانهم ورجائهم في الله.
ع12: يواصل تشجيعهم لرفض الكسل والتشبه بالآباء القديسين، مثل إبراهيم، في التمسك بالإيمان والصبر على الشدائد ومواصلة الجهاد حتى ينالوا مواعيد الله ويرثوا الملكوت.
† إهتم بتشجيع الآخرين فهو في معظم الأحيان أكثر قبولا وفاعلية في الناس من العتاب والتوبيخ. وإن كان التوبيخ والعقاب هام في بعض الأحيان ولكن بسبب المعاناة من كثرة الضيقات والتي تؤدى إلى التهاون والتكاسل أحيانًا، يحتاج الناس لاستعادة ثقتهم بأنفسهم وبمحبة الله من خلال كلماتك الطيبة. وهذا التشجيع يعطيك أنت أيضًا حماسًا ورجاءً.
(3) الرجاء في مواعيد الله (ع13-20):
13 فَإِنَّهُ لَمَّا وَعَدَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْظَمُ يُقْسِمُ بِهِ، أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ، 14 قَائِلًا: «إِنِّي لَأُبَارِكَنَّكَ بَرَكَةً وَأُكَثِّرَنَّكَ تَكْثِيرًا». 15 وَهَكَذَا إِذْ تَأَنَّى نَالَ الْمَوْعِدَ. 16 فَإِنَّ النَّاسَ يُقْسِمُونَ بِالأَعْظَمِ، وَنِهَايَةُ كُلِّ مُشَاجَرَةٍ عِنْدَهُمْ لأَجْلِ التَّثْبِيتِ هِيَ الْقَسَمُ. 17 فَلِذَلِكَ إِذْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُظْهِرَ أَكْثَرَ كَثِيرًا لِوَرَثَةِ الْمَوْعِدِ عَدَمَ تَغَيُّرِ قَضَائِهِ، تَوَسَّطَ بِقَسَمٍ، 18 حَتَّى بِأَمْرَيْنِ عَدِيمَيِ التَّغَيُّرِ، لاَ يُمْكِنُ أَنَّ اللهَ يَكْذِبُ فِيهِمَا، تَكُونُ لَنَا تَعْزِيَةٌ قَوِيَّةٌ، نَحْنُ الَّذِينَ الْتَجَأْنَا لِنُمْسِكَ بِالرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، 19 الَّذِي هُوَ لَنَا كَمِرْسَاةٍ لِلنَّفْسِ مُؤْتَمَنَةٍ وَثَابِتَةٍ، تَدْخُلُ إِلَى مَا دَاخِلَ الْحِجَابِ، 20 حَيْثُ دَخَلَ يَسُوعُ كَسَابِقٍ لأَجْلِنَا، صَائِرًا عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ، رَئِيسَ كَهَنَةٍ إِلَى الأَبَدِ.
ع13: أراد الله تأكيد وعده لإبراهيم بقسم كما اعتاد الناس أن يؤكدوا كلامهم، وإذ لم يجد شخصًا أعظم منه يقسم به أقسم بنفسه ليؤكد صدق ما يعد به.
ع14: وعد الله إبراهيم ببركات كثيرة ونسل يصعب إحصاءه لكثرته.
ع15: آمن إبراهيم وصبر في احتمال الآلام وعاش حياة صالحة فنال مواعيد الله عندما ولد إسحق وهو في عمر المائة عام وسارة في عمر التسعين، وكان هذا مقدمة لبركات الله التي سينالها إبراهيم في السماء.
ع16: لأنه من عادة الناس عند تأكيد حقائق لسامعيهم في حالة حدوث أي خلاف بينهم أن يقسموا بأعظم ما يعرفوه لكي يؤكدوا إتفاقهم وعهودهم. وقد سمح الله بالقسم باسمه في العهد القديم لإعلان أنه الإله الواحد وليس آلهة الأمم الوثنية، أما في العهد الجديد فنهى عنه لأنه لم تكن حاجة إليه بعد استقرار الإيمان به.
ع17: لذلك عندما أراد الله تأكيد وعده لإبراهيم ولأولاده، الذين هم نحن المؤمنين، استخدم القسم.
ع18: لكي يفرِّحنا الله ويثبِّت رجاءنا فيه أكدِّ صدق كلامه بأمرين هما:
- وعده بالبركة.
- القسم.
ع19، 20: مرساة: الهلب الذي يُلقى في البحر ليثبت في قاعه ويثبت السفينة فلا تبعدها الأمواج عن الشاطئ، وهو يرمز للرجاء الذي يثبت الإنسان الروحي في الحياة مع الله.
الحجاب : الستر الذي يفصل بين القدس وقدس الأقداس ولا يجتازه إلا رئيس الكهنة مرة واحدة كل عام ومعه دم ليكفر به أمام تابوت العهد الموجود في قدس الأقداس. واجتياز الحجاب يرمز إلى اجتياز المسيح وصعوده إلى السموات كرئيس كهنة ليشفع فينا ويعدّ لنا مكانًا هناك.
يشبه الرسول الرجاء بمرساة تثبت الإنسان الروحي في محبة الأبدية، التي أعدَّها لنا المسيح واجتاز كنائب عنا إليها بصعوده بعد قيامته ويظل هناك يشفع فينا إلى الأبد لأنه كاهن على رتبة ملكى صادق أي الكهنوت الأبدي وليس كهنوت هرون المؤقت الرمزي والمستخدم فيه الذبائح الدموية.
† أنظر إلى رجاء الحياة الأبدية ووعود الله لك لكي تتشجع مهما أحاطت بك الضيقات، فهي مؤقتة، وثق من محبة الله الذي يحوِّل الضيقات إلى بركات ويعطيك بدلًا منها أمجادًا في السماء.
تفسير عبرانيين 5 | عبرانيين 6 | تفسير رسالة العبرانيين | تفسير العهد الجديد | تفسير عبرانيين 7 |
كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة | ||||
تفاسير عبرانيين 6 | تفاسير رسالة العبرانيين | تفاسير العهد الجديد |