تفسير إنجيل يوحنا ١٠ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح العاشر

 

فصل إنجيل الراعي الصالح يقرأ كلما إحتفلت الكنيسة بتذكار أحد البطاركة أو الأساقفة القديسين وفي يوم سيامة أو تجليس البطريرك فالمسيح يرعى كنيسته عن طريقهم. (لذلك يقرأ هذا الإنجيل 38مرة في السنة). ولاحظ أن الآيات (1-6) هي مثل يضربه السيد المسيح أما بعد ذلك فليس مثلاً.

 

الآيات (1-6): “الحق الحق أقول لكم إن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف بل يطلع من موضع آخر فذاك سارق ولص. وأما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف. لهذا يفتح البواب والخراف تسمع صوته فيدعو خرافه الخاصة بأسماء ويخرجها. ومتى اخرج خرافه الخاصة يذهب أمامها والخراف تتبعه لأنها تعرف صوته.وأما الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه لأنها لا تعرف صوت الغرباء.هذا المثل قاله لهم يسوع وأما هم فلم يفهموا ما هو الذي كان يكلمهم به.”

الحديث هنا هو إمتداد للإصحاح التاسع. فالأعمى الذي أبصر قد أخرجوه خارج الجماعة لكنه دخل بإيمانه لحظيرة الخراف التي راعيها هو الرب يسوع. واليهود طردوا هذا الإنسان البسيط لأنه آمن بالمسيح فصاروا رعاة فاسدين للحظيرة اليهودية (أر1:23-6+ حز34+ زك11+ أر6:50). هم طردوه ففتش عنه الراعي الصالح حتى وجده. والمسيح ألقى بتعاليمه عن الراعي الصالح لعلهم يتذكرون ما قاله الأنبياء. والمسيح قدم نفسه بكونه النور والخبز والكرمة.. وهنا يقدم نفسه بكونه الراعي الصالح.

الراعي والرعية:

الراعي في فلسطين غير الرعاة في مصر وأوروبا. فهم في فلسطين يربون الأغنام لا ليأكلوها، بل من أجل صوفها، ولذلك كانوا يربونها لفترات طويلة، فيكون هناك عشرة طويلة بين الراعي وخرافه. فينشأ نوع من المودة والألفة والحب بين الراعي والرعية.

والأرض في فلسطين أرض تلال ومناطق وعرة بها وحوش لذلك تحتاج ليقظة من الراعي في النهار والليل، وهم دائماً في نوبات حراسة، ولنسمع في (لو8:2) “رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم”. ولأن الماء قليل في فلسطين فالرعاة يأخذون خرافهم للماء. ومن أجل هذه الرعاية صار يطلق على الملوك والبطاركة والأساقفة لقب راعي، بل أطلق الإسم على الله، فهو راعي إسرائيل. ومن أجمل المزامير عن ذلك (مز23) “الرب راعيَّ فلا يعوزني شئ” فهو المسئول عن حياتي وحمايتي وكل أعوازي “على ماء الراحة يوردني” فالخروف يخاف من المياه الجارية لئلا يبتل ويثقل صوفه فيغرق. لذلك يشرب من المياه الراكدة. فيأتي الراعي ويضع حجراً كبيراً في طريق المياه الجارية فتهدأ سرعتها فتشرب الخراف، وبهذا تسمى المياه، مياه الراحة. والراعي له عصا يطرد بها الوحوش والذئاب وله عكاز (عصا طويلة مثنية في نهايتها حتى لا يؤلم الخروف) يرد بها الخروف لطريقه إذا ضل وهذا العكاز يستعمله الراعي في أن يمرر خرافه من تحتها لتدخل الحظيرة مساءً فيعرف عددها وبذلك لا يضيع خروف، وإن ضل خروف، يذهب وراءه ليرد هذا الخروف الضال.

ومناسبة تشبيه المسيح نفسه بالراعي، طرد المولود أعمى من المجمع وقسوة الرعاة من اليهود الفريسيين عليه. فهو كان أمامهم يستعطي، ماذا صنعوا له وماذا قدموا له من رحمة. والآن إذ رحمه المسيح وشفاه طردوه، فهم رعاة قساة القلوب. ولذلك أتى المسيح الراعي الصالح. والمسيح بتشبيه نفسه بالراعي الصالح يذكرهم بالنبوات السابقة عن رفض الرعاة السابقين لعدم أمانتهم، ومجيء راعي صالح هو المسيح. وراجع (أر1:23-6) “ويلٌ للرعاة الذين يهلكون ويبددون غنم رعيتي يقول الرب.. هأنذا أعاقبكم.. ها أيام تأتي يقول الرب وأقيم لداود غصن بر..” والمسيح هو غصن البر. ومعنى الكلام.. أنتم أيها الفريسيون يا من تدعون المعرفة والبر وتتهمونني بأنني خاطئ، قارنوا بين موقفكم وموقفي كرعاة ستجدوا أنني الراعي الصالح لهذا الخروف المسكين.

وأذكروا النبوات فأنتم دارسين للكتاب، فستكتشفوا أنني من تنبأ عنه الأنبياء بأنني الراعي الصالح. أنتم أيها الفريسيون طلبتم أن تخدمكم الرعية، أما أنا فأتيت لأَخْدِم لا لأُخْدَم. راجعوا النبوات فستكتشفوا أن الله أوقفكم عن الرعاية. وسأكون أنا من تنبأ عنه الأنبياء بأنني الراعي الجديد الصالح= “عبيد داود يرعاها” وطبيعة الحظائر في فلسطين (للغنم) تكون عبارة عن أرض مربعة يحيط بها سور منخفض من الخشب لا تستطيع الخراف أن تقفز من فوقه، ولها باب واحد. والراعي أو البواب ينام بجسمه ليسد مدخل الباب ليلاً ليشعر بأي خروف يحاول الخروج أو أي وحش يريد الدخول. فيكون الراعي هو الباب وهو البواب. أي يكون هو راعي الغنم وهناك بواب ينام في مدخل الباب. وهذا البواب لا يُدْخل للحظيرة سوى الراعي. ولاحظ أن السراق واللصوص يقفزون من على السور.

اللصوص= هم من يسرقون علانية وبوضوح.

السراق= من يسرقون في الخفاء.

وهؤلاء هم الأنبياء الكذبة وهؤلاء الفريسيين الحاليين.

وحينما يقول السيد في مثله الذين أتوا قبلي فهو يقصد هؤلاء. وقطعاً هو لا يقصد الأنبياء الحقيقيين، الذين دخلوا من الباب. فالأنبياء الحقيقيين كان المسيح هو رجاءهم وهم تنبأوا عن المسيح. والمسيح هو الذي أرسلهم وتكلموا بإسمه.

وفي الصباح يترك الرعاة كل قطعانهم في مكان واحد فتختلط كل الخراف مع بعضها البعض، وفي المساء يقف كل راعي في مكان ويصدر صوتاً مميزاً فتجتمع خرافه حوله، لأن الخراف تعرف صوت راعيها وتميزه من طول مدة العشرة معه، هي ألفت صوته وتدربت على سماعه. ونحن لكي نميز صوت المسيح علينا أن نعاشره فترات طويلة. وأما من لا يعاشر الله لن يستطيع أن يميز صوته فسيقع في حيرة.

وكلمة صالح هنا تشير لمن يعطي بلطف وإحسان وبطريقة لطيفة جميلة. ولا تعني الصلاح بمعنى البر والتقوى والفضيلة.

ولاحظ أن المسح كراعٍ للخراف صار من نفس طبيعتنا أي خروف مثلنا ليشعر بكل ما نشعر به من ضعف (رؤ17:7+ رؤ6:5).

والمعاني التي في المثل الذي ضربه يسوع :

الحظيرة= هي إسرائيل قديماً والكنيسة حالياً. هي ملكوت الله.

الباب= باب الحظيرة هو المسيح الموصِّل للآب (رؤ1:4+ تك12:28-17) فالمسيح هو السلم، هو على الأرض ورأسه في السماء. نرى المسيح ونلمسه إذ صار منظوراً لنا فنعرف الآب وندخل الحظيرة. والباب هو الإيمان بالمسيح. والرعاة السارقين هم من يدخلون بتعاليم غير تعاليم الكنيسة. الباب هو التعليم الصحيح عن الله.

راعي الخراف= الذي هو ليس سارقاً أو لصاً وهو يدخل من الباب أي المسيح. وكل الأنبياء والرسل هم رعاة صالحون. وكل خادم إن دخل من الباب يكون راعي صالح والمسيح هو راعي الرعاة ورئيس الرعاة (1بط4:5) وراعي الخراف العظيم (عب20:13). هو الوحيد الذي قَدَّم نفسه عن خرافه لذلك هو صالح.

البواب= هو حارس يحمل سلاحاً، فهو المسيح الديَّان الذي يغلق ولا أحد يفتح (إش22:22) أو هو الروح القدس الذي يفتح قلوبنا لنقبل التعليم الصحيح فنقبل صوت الراعي وكلمته ويسكن فينا المسيح، والروح يقود الكنيسة. ويشير البواب للخادم الأمين الذي يقود النفوس للمسيح. وقد يشير البواب لأسقف إذا وجد خادم تعليمه صحيح يسمح له بالدخول والتعليم. وإذا وجد خادم منحرف في عقيدته يمنعه.

الخراف= هم شعب الله. والله يدعو خرافه للإيمان ويخرجها للإنطلاق إلى ملكوته.

يذهب أمامها= هذا عكس الرعاية الطبيعية لأن الراعي يسير خلف الغنم ليراها ويحميها ولكن المسيح كل شئ مكشوف أمامه. والمسيح سار أمامنا وإفتتح الطريق إلى السماء ودخل كسابق، بل هو الطريق. هو ذاق الموت وعرف القيامة والصعود كسابق لنا.

الراعي الغريب= الذي لم يدخل من الباب، هذا لم يرسله الله، ليس له التعاليم الصحيحة أو هم من رفضوا المسيح كالفريسيين. ولنلاحظ أن خدمة الرعاية هي دعوة من الله (عب4:5). والغريب لو دخل لحظيرة الخراف يحدث هياج للخراف. أما مع الراعي الحقيقي فهدوء وإطمئنان.

يطلع من موضع آخر= لأن سور الحظيرة (حظيرة الخراف) منخفض الإرتفاع فالسارق لا يدخل من الباب بل يقفز من على السور. إشارة للهراطقة.

تعرف صوته= كما عرفت المجدلية المسيح من صوته. وفي المجيء الثاني سيعرف المسيح من عرفوا صوته أي عرفوه من قبل. الآخرين سيخدعوا بمعجزات كاذبة. أما الخراف الحقيقية فهي تعرف المعلم الذي عنده التعليم الصحيح وتنفر من المعلم الذي عنده تعليم خاطئ.

يدعو خرافه بأسمائها= الرعاة يعطون خرافهم أسماء للتدليل، والراعي يعرف كل واحد من خرافه بإسمه ويناديه به وفي أثناء السير إلى المرعي، لو حدث، وشرد خروف في طريق خطر يناديه الراعي بإسمه فيعود إلى طريقه مع القطيع. هو يدعوها بأسمائها وليس بصفاتها أو ألوانها أو إحتياجاتها. وهذا دليل على العلاقة الشخصية للمسيح بكل نفس ” دعوتك بإسمك” (إش1:43). “قبلما صورتك في البطن عرفتك” (أر5:1)

–   في الشتاء يلبس الرعاة عباءات ثقيلة لها أحزمة من الجلد يضعون فيها الخراف الصغيرة لتدفئتها. والراعي يعطي رعاية خاصة للخراف الضعيفة المرتعشة.

–   والرعاة إعتادوا أن يسيروا في بعض الأحيان أمام الخراف خاصة في الأماكن الوعرة والقطيع يسير خلف الراعي منكس الرأس شاعراً بالأمان طالما الراعي أمامه، وإذا حدث وسمعوا صوتاً مخيفاً يرفعون رؤوسهم لينظروا ماذا سيفعل الراعي، فهم يتبعونه في السلام وفي المخاطر. وروحياً نفهم هذا أن القطيع يسير وراء الراعي منكس الرأس، أننا نسير وراء المسيح دون أن نحمل هماً لشئ فالمسيح أمامنا يقودنا وإذا حدث شئ مخيف لننظر إليه للمعونة.

–   والخراف تتبع الراعي وفي بعض الأحيان يعجبها نوع من الخضرة فتتعطل لكنها ترفع رأسها لتنظر أين الراعي وتعود ثانية للقطيع وأكثر ما يحزن الراعي أن تنكسر رجل خروف من قطيعه أثناء إبتعاده.

–   والراعي يكون مسلحاً دائماً لرد أي خطر عن خرافه من أي عدو، بل ويعرض حياته للخطر لأجلها (داود حارب أسداً ودباً لينقذ خرافه). وفي بعض الأحيان إذ يشرد الخروف يرمي الراعي حجراً عليه بمقلاع فيخاف ويرجع للقطيع (هذه فائدة التجارب التي يسمح بها المسيح). ونلاحظ أن عادة ما يسير الراعي في فلسطين وراء قطيعه وفي الأماكن الخطرة يسير أمام قطيعه كدليل.

والمؤمن يشبه بالخروف في :

1) عدم الأذى                                  2) الوداعة

3) الطاعة (هي منقادة بالكامل للراعي)         4) الضعف (الراعي هو يحميها)

5) إحتياجه للراعي (هو يغذيها ويرويها)               6) قبول التعليم

7) النفع للآخرين والخدمة (صوف ولبن)

لم يفهموا= أن المسيح هو الراعي الصالح وأن الأجراء هم من يهتمون بمصالحهم الشخصية ونفعهم أو بالمديح والسراق هم الهراطقة المخادعون والرعاة القساة القلوب والأنبياء الكذبة ومثيري الفتن.

 

الآيات (7-10): “فقال لهم يسوع أيضاً الحق الحق أقول لكم أني أنا باب الخراف. جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص ولكن الخراف لم تسمع لهم. أنا هو الباب إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى. السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم افضل.”

هنا المسيح يطبق ما قاله من قبل على نفسه. باب الخراف= ولم يقل باب الحظيرة، فالمسيح يهتم بخروف واحد ليدخله، لقد إنتقل من عهد مع شعب لعهد مع نفس، فهو يبحث عن الخروف الواحد الضال، ومن يؤمن يدخل من الباب، باب الحياة ليجد حياة سماوية مع الآب في مرعى دسم، وبهذا ألغى عمل الكاروبيم الماسك سيفاً الواقف على باب الجنة. لن يدخل أحد للكنيسة أو للسماء إلاّ بالمسيح (يو6:14) المسيح حين يأتي بنا للآب يسمى نفسه (باباً) وحين يرعانا يسمى نفسه (راعي). أنا هو الباب= أي قبول المسيح شخصياً.

سرّاق ولصوص= (مثل الكرامين يفسر من هم السراق واللصوص). الفريسيين الذين تجاهلوا المسيح بأعماله وأقواله ليفرضوا عوائدهم وليستمروا في مكاسبهم فهم يريدون أن يسرقوا شعب المسيح، وينطبق لفظ سراق ولصوص علىمن إدَّعوا أنهم مرسلين من الله ليقودوا ثورات دموية ضد الرومان مثل يهوذا الجليلي وثيوداس. وهؤلاء إدعى كل منهم أنه المسيا. جميع= هنا يقصد بها من قال عنهم سابقاً “من يطلع من موضع آخر” (1:10).

لم تسمع لهم= لأن لهم أذن يميزوا بها صوت الراعي (يو31:3-34+ 1يو5:4،6). وهؤلاء مثل سمعان الشيخ وحنة النبية وزكريا والتلاميذ والرسل السبعين وبعض الشعب بل والجنود فرحوا بالمسيح بالرغم مما قاله الفريسيين.

إن دخل أحد= يدخل كالعذارى الحكيمات ولا يكون كالجاهلات ينتظرن حتى ينتهي الوقت. ومن يؤمن به يدخل ويجد الخلاص.

ويخرج= لينطلق إلى المراعي الحقة السماوية. يدخل للعمق ويخرج ليخبر الآخرين وفي الحالتين يتغذى فالمروِي هو أيضاً يُروَى= يجد مرعى= غذاء روحي للحياة. ويدخل ويخرج تشير للحرية، يخرج من الحظيرة للمرعى تابعاً الراعي أو داخلاً للحظيرة آخر النهار. وكلمة يخرج قيلت عن الأعمى إذ أخرجوه خارج المجمع، والمسيح يدعونا لنخرج من العالم وندخل إلى حظيرته. والمسيح أدخل الأعمى لحظيرة المؤمنين وهكذا يدخل كل من ترك العالم وفي نهاية رحلة حياتنا على الأرض نخرج من العالم فعلاً لندخل للسماء. والدخول يكون من خلال الباب الذي هو المسح والخروج يكون في الطريق الذي هو المسيح إلى السماء. فلا دخول للآب السماوي إلاّ بالمسيح (أف18:2،19). وكل راعي لا يقدر أن يدخل الغنم إلى المرعى الدسم يكون سارقاً لوظيفة الراعي. والمسيح يكرر نبوة زكريا (زك4:11،5). السارق لا يأتي إلاّ ليسرق ويذبح= يستغل رعيته. والشيطان ينطبق عليه أنه سارق ولص (2كو13:11-15). فهناك فارق شاسع بين راعي يعطي حياته لرعيته (كالمسيح) ورعاة هدفهم هو الإستفادة من رعيتهم.

أما أنا فأتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل= هو أتى لا ليأخذ بل يبذل نفسه عن الخراف ويعطيها حياة هي حياته هو. في مقابل الذبح والهلاك عند السرّاق واللصوص يقدم المسيح الحياة والأفضل، أي ملكوت الله (رو2:5) يأخذون الحياة بفيض وغزارة (حب الترجمة اليونانية) وهي صفة الملكوت. فالحياة التي يعطيها المسيح تنبع إلى حياة أبدية وليس حياة جسدية تموت بموت الجسد. هو يعطي حياة لها شبع السرور بالروح والنعمة وهي نفسها تبلغ إلى الملء هناك في الأبدية. حياتهم حياة روحية على الأرض ستكون لهم أفضل من الحياة المادية وحياتهم الأبدية هناك ستكون أفضل من الهلاك الأبدي. ولاحظ ماذا يعطي الراعي الصالح [1] حرية= يدخل ويخرج. [2] شبع= يجد مرعى. [3] خلاص= فيخلص. لذلك قال المسيح للمولود أعمى “أتؤمن بإبن الله” لأن هذا هو طريق الخلاص الوحيد.

صفات الرعي الصالح:

1-   يبذل نفسه عن الخراف                                                             آيات 11-13

 فهو الذي بذل حياته عن خرافه

2-   يعرف خرافه الخاصة وخرافه تعرفه                                               آية 14

 وهو يعرف إحتياجها فهو خروفاً مثلها. وهي تعرفه فهو يتعايش معها وفي وسطها وينتمي لها.(2تي12:1)

3-   يضع نفسه عن الخراف                                                            آية 15

 هو يضع نفسه مكاني في كل شئ(حياة/ موت/ ضعف/ عبودية/ ألم/ جوع وعطش/ فقر/ استهزاء/ لعنة/ دينونة)

4-   لا يلتزم بحظيرة معينة بل يجمع خرافاً أُخَر لتكون له رعية واحدة.                         آية 16

 هو أتي ليجعل الإثنين واحداً. يجمع الكل فيه (يهوداً وأمما)

 

الآيات (11-13): “أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. وأما الذي هو أجير وليس راعياً الذي ليست الخراف له فيرى الذئب مقبلاً ويترك الخراف ويهرب فيخطف الذئب الخراف ويبددها. والأجير يهرب لأنه أجير ولا يبالي بالخراف.”

هنا نرى تحقيق نبوات أرمياء (1:23-8) + حز (34). فحينما فشل الرعاة الذين أقامهم الله في رعاية شعبه أتي هو الراعي الصالح ليرعى شعبه. والصالح هنا في أصلها اللغوي تعنى (جميل/ طيب/ حسن/ جيد). والمعنى أنه راعي له شخصية جميلة النفس. هو يحب خرافه محبة شديدة ويبذل نفسه عنها. وهو له شخصية جميلة محببة عند خرافه، وإذا تعرفه خرافه تحبه تاركة الرعاة الغرباء.

أنا هو= إسم الله، فالمسيح هو الراعي الصالح وهو الحامل لإسم الله. والله كان له رعاة كثيرون مثل داود، ولكن داود كراعٍ إفترس نعجة من قطيعه (التي لأوريا) وموسى كان راعٍ ولكنه تذمر من حمل المسئولية (عد11:11-15) وبالنسبة لهم يصير المسيح هو الراعي الصالح صلاحاً مطلقاً عدا أن موسى وداود كانوا أيضاً خرافاً عند الراعي الأعظم. وأفضل الرعاة لم يقدم نفسه للموت عن رعيته والمسيح فعل ليعطي حياة لخرافه (زك7:13+ مت31:26،32) وصاحب الخراف يرعاها لأنه يمتلكها ويحبها. وهو صالح لأنه يطلب لها الصلاح. أمّا الأجير فهو يرعى الخراف لأجل نفسه ويأخذ أجرة وهو غير مستعد أن يموت لأجل الخراف. ولو ظهر خطر مفاجئ كظهور ذئب (الذئب هناهو أي ضيقة أو أي آلة يستخدمها الشيطان أو الشيطان نفسه أو أي إضطهاد في العالم) فهو يهرب بحياته فيفتك الذئب بالخراف ويبددها، لأن الخراف إذ ترى الذئب يخطف واحداً واحداً منها تجري وتهرب فتتبدد الرعية. والراعي الصالح يكلف رعاة أمناء لرعاية رعيته (أر4:23+ 15:3+ 1بط1:5-4). ولنلاحظ أن الأجير ليس هو من يتقاضى أجراً عن خدمته فالفاعل مستحق أجرته وخادم الإنجيل من الإنجيل يعيش. ولكن الأجير هو من يفضل الأجرة على الخدمة وعلى محبته لرعيته.

 

الآيات (14،15): “أما أنا فإني الراعي الصالح واعرف خاصتي وخاصتي تعرفني. كما إن الآب يعرفني وأنا اعرف الآب وأنا أضع نفسي عن الخراف.”

المسيح نزل من السماء ومعه ذخيرة من العلاقة الفعالة التي تربطه وتجمعه بأبيه. يريد أن يجعلها هي نفسها فعالة في علاقته بالذين أحبوه وآمنوا به لنصير نحن مربوطين فيه وفي الآب. هنا المسيح يرفع مستوى المعرفة بينه وبين خرافه. والمعرفة وحدة. ومعنى كلامه كما أنا منتمياً لأبي في الألوهية فأنا سأنتمي لخرافي بجسدي البشري. كما أنني من خاصة الآب فيحبني هكذا هي العلاقة بيني وبين خاصتي. ولكن لنفهم أن العلاقة بينه وبين الآب هي علاقة جوهرية شخصية أقنومية بلا حدود ولا فواصل. ولكن العلاقة بيننا وبينه يحدها إننا محدودين فهو يحبنا بلا حدود لكننا نحبه على قدر إستطاعتنا كذلك في المعرفة فهو يعرف معرفة مطلقة. ومعرفتنا نحن محدودة بحدود قدرتنا الهزيلة، وحدتنا معه محدودة، هي جزئية وتنمو “إنمو في معرفة ربنا يسوع المسيح” (2بط18:3+ يو26:17). هو يعطي ونحن نأخذ فإن كان تعوزنا معرفة لله فهذا راجع لنقص محبتنا (أف17:3-19). الأصل هو علاقة المسيح بالآب وصورة لها علاقة المسيح بخاصته. ولنلاحظ أن محبة المسيح للآب ظاهرة في طاعته وبذله نفسه حتى الصليب= أنا أضع نفسي عن الخراف. أي هو يضع نفسه للموت عن خرافه. ومن أحبه كالشهداء وضعوا أنفسهم لأجله. والمسيح وضع نفسه لمحبته لخرافه ولطاعته للآب. والطاعة ناشئة عن المحبة. فلا معرفة حقيقية لله بدون محبة وبذل.

 

آية (16): “ولي خراف آخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن أتى بتلك أيضاً فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد.”

المسيح بموته جذب إليه الجميع (يو32:12). وإتسعت دائرة الرعية. فلم تعد مقصورة على اليهود بل صارت الحظيرة تضم العالم كله (يو51:11،52). لاحظ أنه لم يقل من “حظائر أخرى” فالأمم كانوا مشتتين وسط الأوثان وبلا حظائر فلا حظيرة سوى حظيرة واحدة لله.

رعية واحدة= كل فرد من الرعية يتحد بالمسيح وبعد ذلك يتحد الكل معاً. والراعي الواحد= هو الرب يسوع.

تسمع صوتي= سماع صوت االرب هو خبرة روحية وهو الإيمان والقبول والإنجذاب للمخلص. هو حب للمخلص كخاصة له. الخراف تصير خاصة له. وكان آدم يسمع صوت الله ويطيعه قبل السقوط. ثم بعد السقوط كلمه الله لكنه كان يسمع ويخاف ويختبئ والآن فالتائب يصير له صوت الله للفرح عِوَضْ الخشية. ولكن لكل إنسان حاسة يسمع بها صوت الله ولكن يتوقف سماع صوت الله على حالة كل إنسان وخضوعه لله، ويتغير صوت الله في شدته وحنانه وقربه حسب حالة الإنسان. والخاطئ يسمع صوت الله فإن قرر أن يستجيب يحيا. والموتي في اليوم الأخير سيسمعون صوت الله فيقومون. وخراف المسيح تميز صوته عن صوت العالم والخطية. فصوت الراعي يتميز بأنه هادئ ومفرح للنفس. وكان الرعاة في فلسطين يجمعون قطعانهم المختلفة داخل حظيرة عامة عند الغروب حتى تسهل حراستها. وفي الصباح يأتي كل منهم وينادي على قطيعه بأصوات معينة فتخرج أغنامه وحدها على صوته. وهكذا في المساء أيضاً فبعد أن تكون الأغنام قد إختلطت في المرعى بغيرها يقف الراعي في ناحية وينادي عليها بصوته فيتجمع قطيع كل راعٍ عند راعيه فيقودها للحظيرة.

 

الآيات (17،18): “لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضاً. ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها أيضاً هذه الوصية قبلتها من أبي.”

المسيح ببذل نفسه، فرح الآب= لهذا يحبني الآب= لأنه جعل محبة الآب للإنسان محسوسة.

لهذا يحبني الآب= هنا ذبيحة المسيح هي موضع فرح الآب ومحبته للإبن كإنسان أطاع حتى الموت ليفدى البشر. الإبن موضع حب الآب أزلياً لكنه هنا يعلن فرحة الآب بعودة البشر لأحضانه بعمل المسيح الفدائي. بهذا الآية يعلن [1] حب الآب لنا [2] علاقته بالآب فلا يتشككوا فيه [3] سلطانه المطلق إذ هو في محبته أسلم نفسه لأجلنا [4] الفداء موت وقيامة= أضع نفسي لآخذها= فهو لن يرى فساداً. هنا الراعي لا يموت فقط لأجل الخراف بل يقوم ليقيمها معه. هنا نرى سلطان المسيح وأنه يبذل ذاته بإرادته حباً للآب ولرعيته. قيمة ذبيحة المسيح أنها طوعية. هو الراعي الذي أتى ليفتش على خروفه الضال ليرده، أتى إليه حتى أعماق الموت ليقيمه حياً، لقد صار الراعي هنا ذبيحة. الموت هو الذئب الذي كان يخافه الرعاة السابقون. ولكن الراعي الصالح أتي ليفترس هذا الذئب أو ليميت الموت (عب14:2،15). وهنا يلتفت المسيح نحو الآب ليقدم له ذبيحته التي هي ذبيحة حب وطاعة للآب فهي إستجابة لوصية الآب. ونرى هنا سلطان المسيح على الموت والحياة معاً. والمسيح يضع هذا السلطان في توافق مع الآب= هذه الوصية قبلتها من أبي= الوصية هي الموت عن العالم في حب للعالم وبذل نفس عن العالم. وهنا نرى التساوي والوحدة بين الآب والإبن فلأنهما واحد فما يريده الآب يريده الإبن= لي سلطان أن.. فالإنسان العادي له سلطان أن يضع نفسه للموت ولكن ليس لإنسان أن يقيم نفسه. ولكن للمسيح هذا السلطان فكل ما هو للآب هو للإبن. في هذه الآية نرى موت المسيح وقيامته بسلطانه وإرادته. فهو يريد أيضاً أن يموت عن العالم. لكن الآب يريد والإبن ينفذ.

 

الآيات (19-21): “فحدث أيضاً انشقاق بين اليهود بسبب هذا الكلام. فقال كثيرون منهم به شيطان وهو يهذي لماذا تستمعون له. آخرون قالوا ليس هذا كلام من به شيطان ألعل شيطاناً يقدر أن يفتح أعين العميان.”

بعد كل تعليم للمسيح ينقسم السامعون إلى من يؤمن ومن يرفض.

 

الآيات (22-24): “وكان عيد التجديد في أورشليم وكان شتاء. وكان يسوع يتمشى في الهيكل في رواق سليمان. فاحتاط به اليهود وقالوا له إلى متى تعلق أنفسنا إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً.”

موسم عيد التجديد هو موسم أمطار في شهر ديسمبر لذلك كان المسيح يتمشى في الهيكل في رواق سليمان= ورواق سليمان كان في دار الأمم وهو مسقوف دخله السيد ليحتمي من المطر والبرد. وسمى هكذا فكان هو كل ما بقى بعد أن خرب هيكل سليمان على يد البابليين. هذه الآيات وما بعدها تقرأ في عيدي الصليب. فبالصليب تجددت أورشليمنا الداخلية أي حياتنا وصرنا هياكل لله، المسيح فينا حياتنا. بينما هناك شتاء خارجنا أي برودة روحية وعيد التجديد هو إحتفال وضعه يهوذا المكابي يوم جدد الهيكل الذي خربه أنطيوخس إبيفانيوس اليوناني (رمز لتجديد الإنسان بالمسيح بعد أن إستعبده إبليس وأفسد طبيعته). وهذا العيد يأتي في 19ديسمبر، وهو إحتفال بتجديد الهيكل والإنتصار على اليونانيين. ولذلك كانت خيالات اليهود في هذا اليوم أن يعيد المسيح هذه الإنتصارات ويهزم الرومان هذا العيد يثير فيهم ذكريات سياسية فظنوا أن المسيح يفعل هذا. واليهود أمورهم الدينية كانت متداخلة مع الأمور الوطنية.إلى متى تعلق أنفسنا= هم في عيد التجديد تلتهب خيالاتهم بأن يعيد المسيح أمجاد المكابيين. ولذلك ألحوا عليه أن يكشف عن شخصه ويمسك راية القائد المحرر. فهم كانوا على إستعداد أن يثوروا ضد الرومان وراءه حتى إلى الموت ولكنهم لم يكونوا على إستعداد للتوبة وتجديد حياتهم. ولو المسيح أجاب على سؤالهم بأنه هو المسيح لقالوا حررنا من الرومان ولو قال لا أنا لست المسيح لكان كاذب لذلك فبينما أجاب بوضوح للسامرية وللمولود أعمى أنه إبن الله، لم يجب هنا بوضوح وإلاّ حدثت ثورة ضد الرومان.

تعليق على آية (22):

الملك أنطيوخس إبيفانيوس اليوناني الذي حكم الشام سنة 174-164ق.م. إستولى على أورشليم وخربها وقتل 40.000 يهودي وباع 40.000 آخرين عبيداً، وذبح خنزيرة على باب الهيكل لينجسه وكان يقتل من لا يأكل الخنزير أو يختن طفله. ولما قامت ثورة المكابيين تخلصت من حكم اليونان وطهرت الهيكل. وكان عيد التجديد تذكاراً لهذا التطهير.

 

آية (25): “أجابهم يسوع أني قلت لكم ولستم تؤمنون الأعمال التي أنا اعملها باسم أبي هي تشهد لي.”

كلام المسيح سيكون دينونة لمن يرفض، فكلامه كان مسنوداً بأعماله، وكلها تشهد بأنه من عند الآب فلا داعي أن يتكلم الآن جهراً. ومن يرفضه سيدان، لكنهم يريدون مسيحاً بحسب فكرهم (لو21:24). السيد وضع يده على المشكلة فهم لا تنقصهم المعرفة بل الإرادة أن يؤمنوا.

 

الآيات (26-28): “ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافي كما قلت لكم. خرافي تسمع صوتي وأنا اعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي.”

لكل إنسان أذن روحية يسمع بها صوت الله وهي إمّا تنشغل بصوت الله وتتمرن على تمييزه فتتعرف عليه بسهولة وتطيعه، وإمّا تنشغل بملاهي الدنيا ولا تعود تسمع صوت الله ولا تطيعه. وهؤلاء اليهود سلموا أنفسهم وأذانهم لمجد الدنيا وإعلاء شأن الوطن ومحبة المال وحسدهم للمسيح وعنادهم لهذا ضعفت حاسة السمع عندهم لذلك حين ظهر المسيح لم يتعرفوا عليه ولم يفهموه لذلك صاروا ليسوا من خرافه. أما الخراف فتعرف راعيها الذي يرعاها ويقودها لمراعٍ خضر فهي قد إختبرته لذلك تتبعه فالخراف تميز صوت راعيها فتتبعه، والشرط لهذا أن تكون منشغلة بالله وبخلاص نفسها وليس بملذات وخطايا العالم، أما الشهوات فتغلق الأذان الروحية، وحتى لو سمع الإنسان ذو الأذن المغلقة فإنه لن يطيع. ولنرى ماذا يعطي الراعي الصالح لمن يسمع [1] حياة أبدية [2] لن تهلك إلى الأبد [3] لا يخطفها أحد فهو قادر أن يحفظها.

ونلاحظ أن الخراف تسمع صوت المسيح راعيها، وتسمع أي تؤمن وتقبل المسيح وتطيعه. وتسمع بالأذن الداخلية ولاحظ الترتيب [1] تسمع صوتي [2] أنا أعرفها= أعطيها من محبتي فتكتشف محبتي وتعرفها [3] فتتبعني.

لستم من خرافي= هو رأي أن لا نصيب لهم في الحياة الأبدية لإصرارهم على عدم الإيمان وليس لهم عذر لكبريائهم. ولكن منهم من سمع وآمن. خرافي تسمع صوتي. فصاروا بنو الله الحي وأبناء للملكوت. هؤلاء هم البسطاء.

 

آية (29): “أبي الذي أعطاني إياها هو اعظم من الكل ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي.”

أبي الذي أعطاني إياها= كانوا لك وأعطيتهم لي (يو6:17). فالفريسيون يدعون السيادة على الشعب لأنهم تسلموها من أبائهم الذين تتلمذوا على موسى. ولكن المسيح يُعلن هنا أن خرافه هو قد إستلمها ممن هو أعظم من موسى أي من الآب أبيه. وهذه النفوس إنتقلت من يد المالك إلى يد الفادي ليخلصها. الإبن خلقها، فبه كان كل شئ. (يو3:1) والآب إجتذبها (يو44:6) وأعطاها للإبن (هذه الآية) ليجعلها الإبن جسده وهو رأسها (اف30:5) وبجسده يعيد الخضوع للآب (1كو28:15) والروح يثبتنا في الإبن.

لا يقدر أحد أن يخطف= الذين فداهم المسيح قدّسهم بالروح القدس وقدمهم للآب (أف18:2،19). هؤلاء صاروا محفوظين في يد الآب لا يستطيع الشيطان أن يمسهم. والله الآب يحفظ أولاده بوسائل نعمته الكثيرة. ولكن هناك من يسقط لإستهانته بخديعة الخطية، فالله لا يحفظ الإنسان ضد مشيئة الإنسان ولكن من يتمسك بإيمان في وسائل حماية الله ونعمته تحفظه نعمة الله. وكل من هو من رعية المسيح تحفظه نعمة الله الآب. ومن يتمسك بهذه الوعود بإيمان سيشعر بالإطمئنان والسلام. المسيح هنا يربط بين عمله وعمل الآب ليظهر الوحدة بينهما. فالمسيح أمامهم إنسان عادي، ولم يتصوروا أنه إبن لله. لذلك يربط المسيح أمامهم بينه وبين الآب. فالآب أعطاه النفوس ليحفظها ويخلصها. فالآب يحفظ الخراف والمسيح يحفظها إذاً هم واحد.

 

الآيات (30-33): “أنا والآب واحد. فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه. أجابهم يسوع أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي بسبب أي عمل منها ترجمونني. أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف فانك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً.

أنا والآب واحد= آية تشهد بلاهوت المسيح، وأن الآب والإبن طبيعة واحدة، وهكذا فهمها اليهود الذين سمعوا فأرادوا رجم المسيح. والمسيح قال هذا في ختام كلامه السابق، أي أن عمل الفداء والرعية والحفظ وإعطاء الحياة الأبدية متكامل بينه وبين الآب، الآب يريد والإبن ينفذ ويأتي بالمفديين للآب. هم رعية الإبن والآب يحفظهم، هي قوة واحدة لله مشيئة وعملاً. فالآب يحفظ والمسيح يحفظ، نحن في يد المسيح كما في يد الآب قارن آية (28،29) نجد الآب والإبن يحفظاننا. وهذا تعبير عن وحدة القوة الإلهية. واليهود حين فهموا من كلامه أنه جعل نفسه إلهاً لم يقل لهم أنتم فهمتم كلامي بطريقة خطأ. بل أكمل كلامه، فهو فعلاً واحد مع أبيه. وهنا نرى أن اليهود فهموا ما لم يفهمه الأريوسيون وأمثالهم من شهود يهوه وأدفنتست وغيرهم. من عند أبي= تأكيد أنه والآب يعملان معاً. الآب يريد والإبن ينفذ. أعمالاً كثيرة= هذه الأعمال تشهد أنها من عند الآب. لأجل تجديف= إذاً اليهود فهموا الكلام كما أراده المسيح تماماً. تجعل نفسك= تدعي الألوهية.

 

الآيات (30-33): “أجابهم يسوع أليس مكتوباً في ناموسكم أنا قلت أنكم آلهة. إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله ولا يمكن أن ينقض المكتوب. فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له انك تجدف لأني قلت أني ابن الله.

ناموسكم= كلمة ناموس تطلق على العهد القديم كله. وقد تطلق على أي جزء. ولكن الأساس هو سفر التثنية، ثم صارت عامة المسيح يستشهد بمزمور (82). والوحي الإلهي هنا يعطي صفة الآلهة للمجمع الذي يجتمع على أساس الحكم بكلمة الله (القضاة) وموسى سُمِّى إلهاً (خر16:4). آلهة= قضاة يحكمون بحسب كلمة الله التي أعطاها لهم. وإله حين تقال عن قاضٍ أو عن موسى تعني أنه له سلطان على الآخرين وهم تحت أمره. فالذي أُعِطى كلمة الله ليعيش ويحكم بها كمدعو من الله (عب4:5) هو في الناموس اليهودي محسوب بصفة إله من نحو الناس. وهذا يرفع شأن الناموس، وأن له قيمة إلهية كعهد الله مع الناس حتى بالرغم من أن الناس أي القضاة نقضوا عهد الله (مز1:82-8) لذلك قيل عنهم “مثل الناس تموتون” أي بسبب خطيتهم يفقدون ميراث الحياة الأبدية. وسيكونون مثل الشيطان “كأحد الرؤساء تسقطون” ورد المسيح على اليهود يعني إن كان القضاة الأشرار الذين صارت إليهم كلمة الله قيل عنهم آلهة فلماذا ينكرون عليه اللقب (بينما هو كلمة الله لكنهم لا يدرون). والمسيح إستخدم أيضاً من المزمور قوله وبنو العلي كلكم فلماذا ينكرون عليه قوله إني إبن الله. والناموس بهذه الآيات “ألم أقل إنكم آلهة.. وبنو العلي تدعون” سبق ومهد للأذهان إمكانية دعوة إنسان هو يسوع المسيح لحمل صفة اللاهوت. وأعطت للإنسان الذي هو أنا وأنت أن نكون أولاداً لله. وقول الكتاب عن البشر أنهم بنو العلي كما قيل عن أولاد شيث أنهم أولاد الله= بنو الله (تك1:6)، هي بنوة نسبية. وبمقارنة قول المسيح أنا والآب واحد وأنه إبن الله قال اليهود للمسيح وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً. بهذا نرى إبن الله المساوي له والواحد معه في جوهره وقد صار إنساناً ليعطينا التبني لله عوضاً عن العبودية. الذي قدسه= خصصه وكرسه وأرسله لفداء العالم.

 

الآيات (37،38): “إن كنت لست اعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي. ولكن إن كنت اعمل فان لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا إن الآب في وأنا فيه.”

الرب يسوع هنا ينتقل من الإقناع الفكري حينما لجأ لتفسير (مز82) إلى الإقناع العملي، أي ليحكموا عليه من أعماله. فأعماله واضح أنه يعملها بالآب (يو24:15). ولكن المسيح يُطوِّب من يؤمن بكلامه فقط دون رؤية المعجزات (يو29:20) “طوبى لمن آمن ولم يرى” والتلاميذ صاروا أنقياء بسبب الكلام (يو3:15). وهم آمنوا بسبب الكلام (يو8:17) والعجيب أن اليهود حين يصنع المسيح آية يطلبون منه كلاماً (قل لنا إن كنت أنت المسيح 24) وإن تكلم يطلبون آية (30:6) وهكذا دائماً يقفون الموقف المعاكس.

آمنوا بالأعمال= أي صدقوا أنها من عند الآب. ولو الإنسان حسن النية سيؤدي إيمانه بالأعمال إلى إيمانه بشخص المسيح وأن الآب فيه وهو في الآب. الإيمان بالأعمال سيعطي إستنارة ووعي داخلي تؤدي للإيمان بشخص المسيح= تعرفوا وتؤمنوا أي إيمان يقيني يصل إلى درجة أن الشخص يكون كمن يرى.

 

آية (39): “فطلبوا أيضاً أن يمسكوه فخرج من أيديهم.”

إلحاحهم على قتل المسيح يظهر مدى الضيق الذي ألّم بهم بسبب الحق الظاهر في حياته وأعماله. ولأن ساعته لم تكن قد جاءت كانت يدهم تعجز عن الإمساك به.

 

الآيات (40-42): “ومضى أيضاً إلى عبر الأردن إلى المكان الذي كان يوحنا يعمد فيه أولاً ومكث هناك. فآتى إليه كثيرون وقالوا إن يوحنا لم يفعل آية واحدة ولكن كل ما قاله يوحنا عن هذا كان حقاً. فآمن كثيرون به هناك.

هنا يعود يوحنا ويذكر شهادة المعمدان عن المسيح، وأنها كانت مع أعماله سبباً في إيمان البعض. وبسبب شدة مقاومة اليهود ذهب المسيح إلى عبر الأردن ليخفف من غيظهم وهناك بعيداً عن مقاومة اليهود والفريسيين آمن به كثيرون. وبلاد عبر الأردن هي بلاد بيرية (هي مملكة الأردن حالياً) (مت1:19+ مر1:10) وهناك تقاطرت حوله الجموع تستمع إليه وذلك بسبب شهادة المعمدان له والتي كانت لا تزال تملأ أسماعهم وقلوبهم، ومما زاد من قوة أعمال المسيح أن يوحنا المعمدان لم يكن يعمل أعمالاً إعجازية. فالجماهير قارنت المسيح بمعجزاته مع المعمدان الذي لم يعمل معجزات فآمنت. وهذا الكلام يمهد لأعظم آية صنعها المسيح وهي إقامة لعازر والتي مهد بها الرب لإستعلان سلطانه على الموت والحياة بالقيامة من الأموات. وهناك في بيرية تذكروا كل نبوات المعمدان التي تحققت والتي ستتحقق بالصليب “هوذا حمل الله الذي يحمل خطية العالم”. إذاً: يوحنا لم يفعل آية واحدة= هذه تعني [1] المسيح أفضل من يوحنا [2] يوحنا شهد للمسيح

فاصل

فاصل

تفسير يوحنا 9 تفسير إنجيل القديس يوحنا
القمص أنطونيوس فكري
تفسير يوحنا 11
تفسير العهد الجديد

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى