حياة الرجوع إلى الله

 

قبل أن نتحدث عن حياة الرجوع إلى الله لابد أن نعرف ما هو المقصود بالإنفصال؟التوية

قصة الإنفصال عن الله

علاقة الإنسان بالله بدأت طيبة جدًا كلها محبة، فالله خلق الإنسان على صورته ومثاله، ونفخ فيه نفخة الحياة، وسلطه على كل الخليقة التى خلقها الله من أجل أن يتمتع بها، فكان الإنسان صديقاً لله يتمتع برؤياه، ولكن حدث أن الحية (الشيطان) جعلت آدم وحواء يخطئان، وأدخلت الكبرياء فى قلبيهما.. فحدث السقوط، بل الإنفصال عن الله

فما نتيجة إنفصال الإنسان عن الله؟

1- انفصل عن عشرة الله والتمتع برؤياه.  
2- انفصل عن المعرفة المستمدة من الله
3- انفصل عن تنفيذ وصايا الله
4- انفصل عن الحق ودخل فى الباطل. 
5- انفصل عن معطى الحياة “أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ” (يو6:14). 
6- انفصل عن مصدر القوة، فصار ضعيفاً وسهل الانتصار عليه من قوى الشر. 
7- انفصل عن السلام ودخل دائرة الخوف المستمرة “فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ وَجَدَنِى يَقْتُلُنِى” (تك 14:4). 
8- وقع الانسان فى سلسلة من الفساد: فبالخطية يولد، وبالأمراض يهان، وبالشيخوخة يضعف، وأيضًا صار الموت حتمى على كل إنسان..

وما هو الحل إذن

الحل الوحيد هو: الرجوع إلى الله وتكوين علاقة قوية معه، والإنفصال عن الخطية ليس فقط لأجل أنها أتعبتك، ولكن من أجل أنها أيضًا فصلتك عن مصدر فرحك الوحيد.

ما معنى الرجوع إلى الله؟ 

 معناه بإختصار… 
1- تكوين علاقة حقيقية قلبية معه: ولاحظ أننا نقول علاقة وليس مجرد مظاهر خارجية أو ممارسات، فالبعض منا يظن أن الرجوع إلى الله معناه برنامج صوم وصلاة وتداريب روحية وإجتماعات كل ذلك حسن وجميل ومطلوب… ولكن هل يوجد فى كل ذلك علاقة حب لله حقيقية أم لا؟ فالقلب أولاً ومنه تصدر تلك الممارسات. ولهذا يقول الرب فى سفر يوئيل النبى: “ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ” (يؤ 12:2). إذن المطلوب هو القلب. 
القلب إذن هو الحكم، والله يريد رجوعك إليه بقلبك وليس بممارسات شكلية لا حب فيها. 
2- رجوعك إلى الله لابد أن يكون دائم وثابت: أى لا يكون رجوعًا وقتيًا، أو فى المناسبات أو بعد فترات تدريب أو إرشاد روحى فقط، ثم بعد ذلك تعود بعده إلى خطاياك السابقة منفصلاً مرة أخرى عن الله. وخذ لنفسك درسًا فى الرجوع إلى الله من قصص القديسين… 
+ القديس موسى الأسود: مثلاً حينما رجع بالتوبة إلى الله رجع بكل قلبه ولم يعد إلى خطاياه الأولى مرة أخرى، بل ظل ينمو وينمو حتى تحول إلى مرشد روحى لأكثر من 500 راهب حقاً بالتوبة يتحول الزناة إلى بتوليين. 
+ القديسة بيلاجية: عاشت فى أنطاكية فى القرن الخامس، وكانت وظيفتها ممارسة الشر، وكانت تسير فى شوارع المدينة بموكب.. خاصة وأن الله أعطاها قدرًا من الجمال عالى، وبسبب مجمع عقد فى إنطاكية وكان حاضرًا أسقف مدينة الرها فكانت كلها تتحدث عن هذه الفتاه التى حطمت نفوس كثيرين، فظل الأسقف يصلى طوال الليل من أجل بيلاجية التى أستخدمها عدو الخير كثيرًا، وفى الليل نام فحلم أنه يخدم (القداس الإلهى) وإذا به يرتبك لأن طائرًا قبيح المنظر صار يحوم حول المذبح، وعندما اعلن الشماس للموعوظين عند بدء قداس المؤمنين، إنطلق أيضًا الطائر، لكنه دخل إلى غرفه المعمودية عند باب الكنيسة ثم غطس فى المياه ليخرج حمامة بيضاء كالثلج، إنطلقت نحو السماء وإختفت، وفى الصباح كان يوم الأحد، ووقف الأب الأسقف ليعظ عن الدينونة الرهيبة، وإذ كانت بيلاجيه حاضرة مع إنها لم تكن قد أنضمت إلى صفوف الموعوظين، فشعرت كأن الله يوبخها ويرسل لها كلمة وعظ شخصية، فبكت بدموع مرة، وبعد العظة ذهبت إلى الأسقف وقدمت توبة وقبلها وعمدها، ثم لبست زى رجل وإنطلقت إلى أورشليم تحمل إسم (بيلاجوس) وسكنت مغارة فى جبل الزيتون، وتنيحت بعد ثلاث سنوات من الصلاة الدائمة والتوبة المستمرة، وعلم الجميع سيرتها عند تكفينها وعرفوا أمرها. “انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ” (عب 7:13). 
3- والله يريد أيضًا الرجوع بقلب جديد : لأن الله نفسه يقول: “وَأُعْطِيكُمْ قَلْباً جَدِيداً, وَأَجْعَلُ رُوحاً جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ” (حز 26:36). 
والقديس بولس الرسول يقول أيضًا: “تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ
(رو 12:2). 
والله ينتظر رجوعك فى أى وقت تجده فاتح ذراعيه كما يقول: “لأنى لا أسر بموت من يموت يقول السيد الرب: “فَارْجِعُوا وَاحْيُوا” (حز 18:32). 
4- ويكون الرجوع إلى الله بالصوم والتذلل: كما رجع أهل نينوى ولبسوا المسوح وتابوا وندموا على خطاياهم فرحمهم الله ورفع غضبه عنهم. وفى نفس الوقت نراه فى صوم دانيال النبى وتذللـه لله: فيقول “فَوَجَّهْتُ وَجْهِى إِلَى اللَّهِ السَّيِّدِ طَالِباً بِالصَّلاَةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ بِالصَّوْمِ وَالْمَسْحِ وَالرَّمَادِ. وَصَلَّيْتُ إِلَى الرَّبِّ إِلَهِى وَاعْتَرَفْتُ” (دا 3:9، 4). 
5- الرجوع إلى الله لابد أن يتميز بالحرص والجدية والتدقيق: الذى يرجع إلى الله يكون فرحًا جدًا برجوعه، حريصًا على هذا الصلح الذى تم بينه وبين الله
لذلك كن يا أخى مدققاً مع كل فكر، ومع جميع حواسك، كما يقول الروح القدس فى سفر النشيد: “خُذُوا لَنَا الثَّعَالِبَ الثَّعَالِبَ الصِّغَارَ الْمُفْسِدَةَ الْكُرُومِ” (نش2: 15).. وبهذا التدقيق تختبر أمانتك فى الرجوع، لأنك إن تساهلت مع الخطية تكون غير أمينًا فى رجوعك إلى الله، فتسقط سريعاً. 
6- الرجوع الحقيقى إلى الله يكون رجوعاً قوياً: رجوعك يمنحك قوة تلمسها فى كل نواحى حياتك الروحية: قوة فى الانتصار على الخطية، وقوة فى النمو الروحى، كما يقول الروح القدس فى سفر أشعياء: “يُعْطِى الْمُعْيِىَ قُدْرَةً… فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ” (إش 29:40- 31). 
7- الرجوع الحقيقى هو الذى يأتى بعده تقدم ونمو روحى كما يقول بولس الرسول: 
+ “إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ” (فى 13:3). 
+ الله يريدنا أن نرجع: إنه ينادينا فى حب عميق: “ارْجِعُوا إِلَيَّ أَرْجِعْ إِلَيْكُمْ” (ملا 7:3): 
1- الله يذكرنا بأصلنا، نحن المخلوقين على صورته ومثاله فى القداسة والبر، والخطية دخيلة علينا، لذلك يقول لنا أرجعوا وليس تعالوا. 
2- تحمل دليلاً على حنو الله: فمن نحن التراب والرماد وصنعة يديه حتى يدعونا للرجوع إليه؟ 
3- الجميل فى الموضوع أن المبادرة ليست منا ولكنها من الله كما يقول: “َارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلَهِكُمْ لأَنَّهُ رَأُوفٌ رَحِيمٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ” (يؤ 13:2). 
4- رجوعكم مضمون.. والمهم أن ترجعوا أنا واقف على أبواب قلوبكم أقرع لكى تفتحوا لى (رؤ3: 20) فإن فتحنا له يدخل إلينا ونتعشى معه وهو معنا. 
5- عبارة “ارجعوا إلىً” تعنى أن الله يريدنا أن نسير معه بكامل إرادتنا ومن كل القلب، وبكل الحب.. لأن الله خلقنا أحرار نختار بكامل حريتنا الطريق الذى نريده.

ما معنى رجوع الله لنا إذا رجعنا إليه ؟

ليس رجوع الله هو الذى نفتقده، إنما يلزمنا إحساسنا بوجوده معنا، فأحيانًا نظن أن الله قد تركنا، بينما فى الحقيقة نكون نحن الذين تركناه. “إن الله ثابت الَّذِى لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ” (يع1: 17).. فاللههُوَ هُوَ أَمْساً وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ” (عب 8:13). 
إن رجعت إلى الله تنحل كل مشاكلك لأنك سوف تحيا فى سلام مع الله، وسلام مع نفسك ومع الآخرين.. فلا غنى ولاسلطة، ولا مركزيمنحك السلام، بل بالعكس يمكن أن يكون كل هذه سبب فى القلق والتوتر وعدم السلام. فلا سلام حقيقى إلا الذى مصدره المسيح “أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَتُرْسٌ لِى. مَجْدِى وَرَافِعُ رَأْسِى” (مز3:3) 
“لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: بِالرُّجُوعِ وَالسُّكُونِ تَخْلُصُونَ. بِالْهُدُوءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ” (أش30: 15) 
إذن فالله يريدنا أن نرجع لأجل صالحنا، والله أيضًا يريد رجوعك أكثر مما تريد أنت ولكنه منتظر منك الخطوة الأولى (توبة حقيقية) من كل القلب، وقرارصادق قوى وأكيد على عدم الرجوع للخطية مرة أخرى. ثم الأعتراف والتناول.

 كيف أرجع إلى الله؟

 الصلاة هى وسيلة الرجوع إلى اللهألق بنفسك أمام الله وصارع معه لتستريح، وقل له: “لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِى” (تك26:32)، لست أريد فقط المغفرة ولكنى أريد منك أن تنزع من قلبى حب الخطية، لتقودنى فى موكب نصرتك كل حين. 
 أن الإنسان الناجح فى صلاته ناجح أيضًا فى توبته،  الآية  تقول: “ﭐسْأَلُوا تُعْطَوْا” (مت 7:7). “إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ الآبِ بِاسْمِى يُعْطِيكُمْ” (يو 23:16).


فاصلالمصدر
كتاب الرجوع إلى الله لقداسة البابا شنودة الثالث

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى