تفسير رسالة تيموثاوس الأولى أصحاح 2 للقمص أنطونيوس فكري
شرح تيموثاوس الأولى – الإصحاح الثانى
آية 1 :- فأطلب أول كل شيء أن تقام طلبات و صلوات و إبتهالات و تشكرات لأجل جميع الناس.
فأطلب =” ف” هي راجعة لما سبق، فهو طلب في الآيات السابقة من تيموثاوس أن يجاهد في خدمته، وكيف يجاهد ؟ أولاً، بالصلاة عن رعيته وهذه هي رسالة الكنيسة أن تصلي، هي جماعة متعبدة لله لأجل تقديس العالم. طلبات = هى السؤال عن الإحتياجات الضرورية. صلوات = أى الإلتصاق بالله والدخول معه في صلة عميقة وحب لأجل الله ذاته. ابتهالات المعني في الترجمة الإنجليزية صلوات وتشفعات عن الآخرين، لا يطلب الإنسان ما لنفسه بل لأجل الآخرين. التشكرات وهذه هي الحياة الملائكية التي تقوم علي الشكر الدائم بلا إنقطاع والتسبيح لله بغير إنقطاع، الشكر هو العرفان بالجميل مع صلاة بسبب عطية الله وبركاته، ونلاحظ هنا التدرج فالإنسان يبدأ حياته مع الله بأن يطلب عن نفسه ثم يصلي لأنه أحب الله ثم إذ يحب الله ينسي نفسه ويطلب عن الآخرين ثم يدخل فى حياة التسبيح الدائم. أول كل شيء = قبل أي خدمة، قبل أي وعظ لا بد من الصلاة، قبل أن نبدأ أي عمل في الصباح علينا بالصلاة. وإذا كان مطلوباً منا أن نصلي عن الآخرين فبالأولي نحن مطالبون بأن نفعل الخير للآخرين ونحب الجميع. ولاحظ فالصلاة لأجل جميع الناس هذه ضد رأي اليهود والغنوسييين الذين يحصرون الخلاص علي فئات معينة.
آية 2 :- لأجل الملوك و جميع الذين هم في منصب لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى و وقار.
الكنيسة تصلي لأجل الرؤساء في أوشيه السلامة وأوشية الرئيس ولاحظ أن هذه الرسالة كتبت في أيام الطاغية نيرون. إذاً فلنصلي حتي لأشر الحكام:
1. حتي ننعم بالسلام.
2. صلاتنا عنهم تجعل الثورة ضدهم التي في داخلنا تختفي. وهذه صورة الحياة التي يريدها لنا بولس ويقول سليمان في الأمثال “قلب الملك في يد الرب حيثما شاء يميله كجداول مياه” (أم 21 : 1).
آية 3 :- لأن هذا حسن و مقبول لدى مخلصنا الله.
أن نصلي للآخرين ونحمل حباً لهم حسن ومقبول عند الله لكل الناس.
آية 4 :- الذي يريد أن جميع الناس يخلصون و إلى معرفة الحق يقبلون.
الله يريد أن جميع الناس يخلصون، فلتكن إرادتنا كإرادة الله، بولس هنا يطلب أن نتشبه بالله ولا نحمل في قلبنا ولا في صلواتنا أي مشاعر رديئة لأحد، وحذار أن تصلي ضد أحد فهذا ضد مشيئة الله، الصلاة من أجل أعدائك كفيلة بأن تجذبهم إليك في حب، علي الأقل ستزيل عنك مشاعر الكراهية المعطلة لحياتك الروحية. والله يريد أن الجميع يخلصون فهل يخلص الجميع ؟ قطعاً لا فإن كانت إرادتنا غير ذلك لن نخلص، كما قال المسيح كم مرة أردت… لكنكم لم تريدوا… هوذا بيتكم يترك لكم خراباً (مت 23 : 37) فالذي يخلص هو الذي بإرادته يحيا في إيمان وتوبة ومحبة وطاعة.
آية 5 :- لأنه يوجد إله واحد و وسيط واحد بين الله و الناس الإنسان يسوع المسيح.
الله يريد أن الجميع يخلصون لذلك أرسل. ابنه ليفدي الجميع ويكون إبنه وسيطاً بين الله والناس، والله يسر بأن نكون في نفس الاتجاه ونريد أن الجميع يخلصون ونصلي لأجل كل الناس حتي أعدائنا. يوجد إله واحد = هذا ما نبدأ به قانون الإيمان نؤمن بإله واحد. ونحن بإتحادنا بالمسيح يكون لنا نفس أهدافه أن نصلي للجميع ونهتم بالجميع حتي يكمل إتحادنا به. وقول الرسول هنا. وسيط واحد = هو رد علي الغنوسيين الذين يقولون أن المسيح هو أول أيون ويقودنا إلى أيون أعلي منه وهكذا… حتي نصل لله. ولكن هل قول الرسول وسيط واحد ينفى الشفاعة التوسلية للقديسين ؟ قطعاً لا فالشفاعة التوسلية هي محور الآيات السابقة أن نصلي لأجل بعضنا البعض، وبالذات هذا ما نص عليه في آية 1 (ابتهالات) فلماذا ينكرون علي السمائيين أن يصلوا عنا، المسيح هو شفيع كفارى وحيد ولكن القديسين شفاعتهم توسلية. العمل الكفاري لا يمكن أن يقوم به سوي المسيح، أما صلواتنا بعضنا لبعض فهذه تطبيق لقول الرسول هنا، وقول معلمنا يعقوب (يع 5 : 16) والقديسين في السماء هم أحياء (مت32:22) وهم يفرحون بخاطئ واحد يتوب (لو 15 : 7) والسمائيين يفرحون لأجل خلاصنا ويسبحون علي هذا الخلاص (رؤ 5 : 9) + (تك 26 : 24) وقوله وسيط فيها إستجابة لطلب أيوب (33:9) الذى إشتهى مُصالح يضع يده على الله وعلى أيوب.
الإنسان يسوع المسيح = لا وسيلة للمصالحة بين الله والناس سوي بتجسد المسيح فالوسيط يتصل بالطرفين ليتوسط بينهما، فالمسيح لا يمكن يتوسط لدي الآب وهو منفصل عنه ولا يتوسط عن الناس وهو منفصل عنهم، وهو حمل الوحدة مع الآب فى الجوهر كما يحمل الوحدة مع الطبيعة البشرية. وقول الرسول الإنسان يسوع المسيح هو رد علي إدعاء الغنوسيين أن جسد المسيح خيالي وأنه عبر في بطن العذراء دون أن يأخذ لحماً ولا دماً وإنما كان له جسد روحي أخذه من السماء.
آية 6 :- الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع الشهادة في أوقاتها الخاصة.
المسيح أخذ جسداً كاملاً وقدمه فدية ليصالح البشرية مع الآب ومرة ثانية يقول لأجل الجميع (ليس لليهود فقط وليس للكاملين دون البسطاء كما يقول الغنوسيين). وإذا كان المسيح قد قدم حياته لأجل الجميع فنحن ملزمين بأن نصلي لأجل الجميع.
الشهادة = الشهادة للحق التي ظهرت في الصليب والحب الإلهي الذي ظهر فى الصليب أوقاتها الخاصة = الأوقات المناسبة (ملء الزمان) التي عينتها الحكمة الإلهية للتجسد.
آية 7 :- التي جعلت أنا لها كارزا و رسولا الحق أقول في المسيح و لا أكذب معلما للأمم في الإيمان و الحق.
فداء المسيح، تجسده وصليبه ليخلص البشر هو موضوع كرازة الرسول وأن هذا الفداء هو لجميع البشر، فبولس هو رسول الأمم.
آية 8 :- فأريد أن يصلي الرجال في كل مكان رافعين أيادي طاهرة بدون غضب و لا جدال.
فأريد = كلمة فيها سلطان رسولي. الرجال = قطعاً المقصود الرجال والنساء ولكن خصص الآية الآتية للنساء حتي لا يظهرن في وسط الرجال فى إجتماعات الصلاة في مظهر يفتقد الحشمة. بل هو يريد أن الجميع يكونون رجالاً في صلواتهم (اكو 16 : 13) أي في منتهى الجدية والنضج الروحي.
رافعين = علي مثال الصليب أيادي طاهرة = تعمل أعمالاً صالحة مع قلب مخصص لله، أما الأيادي الملوثة بالأثم والظلم والنفاق والنجاسة والغش والشهوات فهي أيادى غير مقبولة. بدون غضب = صلاة القلب الغضوب هي ضد ناموس المحبة ولذلك فهي مرفوضة ولا جدال = قد يكون المقصود الشك وعدم الإيمان (كما جاءت في الانجليزية) أو الشجار بين الناس الذي ينتج النفور والشقاق والمطلوب هو روح السلام و الألفة.
في كل مكان = هذه ليست ضد وصية الصلاة في المخدع (مت 6 : 5، 6) فهناك صلوات فردية وهناك صلوات جماعية، والمهم هو عدم وجود رغبة فى التظاهر أمام الناس، بل لا تعرف شمالك ما تفعل يمينك (مت 6 : 3).
آية 9 :- و كذلك أن النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة مع ورع و تعقل لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن.
الرسول يريد أن تهتم النساء بالزينة الداخلية وليس بالخارجية حتي لا تلفت الأنظار وبهذا تهتم هي بالله ولا تشغل من يريد أن يصلي. وإذا إهتمت المرأة بزينتها الداخلية تفرح قلب الله. نقطة الضعف عند الرجل هى إنشغاله بعمله فطلب منهم فى الآية السابقة أن يصلوا، ونقطة الضعف عند المرأة ملابسها فطلب منهن الرسول أن ينشغلن بهذا (ابط 3 : 3 -6) إذاً ليجد الرجل وقتاً للصلاة ولتأت المرأه للصلاة دون بهرجة.
آيات 10، 11 :- بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله بأعمال صالحة. لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع.
الرسول كما رفض البهرجة حتي لا يتشتت فكر أحد أثناء الصلاة يرفض هنا أن تقوم المرآة بدور المعلم حتي لا يشتت شئ أذهان السامعين ويبلبل أفكارهم ويقلل من وقار الاجتماعات الكنسية للعبادة، فالمرآة مجالها البيت والرجل مجاله العالم الخارجي. فالتعليم مظهر من مظاهر السلطة ومرفوض أن تتسلط المرآة علي الرجل في الكنيسة، فالرجل هو راس المرآة. وهو خُلق ليتسلط علي كل الخليقة، وآدم خلق أولاً ثم حواء فآدم مقدم علي المرأة ولكن علي المرآة أن تعلم أولادها في البيت وتعلم الحدثات (2تي 1 : 5 + 3 : 14، 15)+ (تي2:3،4). وبعد القيامة فلا فرق بين الرجل والمرأة ولكن الرسول يود أن لا يكون هناك أسباب للعثرة فى الكنيسة، والمرأة الخاضعة لزوجها في المنزل لا معني لأن تكون هي معلمته في الكنيسة. في كل خضوع = لزوجها في المنزل وللمعلم في الكنيسة.
آيات 13، 14 :- إن آدم جبل أولا ثم حواء. و أدم لم يغو لكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي.
هنا يورد الرسول أسبابه لما سبق أن آدم جبل أولاً فهو الرأس والرأس هو المدبر للجسد. وهذا لا يعني أفضلية الرأس علي الجسد بل لكلٍ دوره، فلا كيان للرأس منفصلاً عن الجسد ولا عمل له بدونه. وآدم لم يغو لكن المرأة أغويت = فالمرآة أكثر تعرضاً للخداع لذلك فعليها أن لا تعلم الرجل. ولكن في الأمجاد السمائية فلا ضعف ولا خداع ولا تمييز في الجنس والكنيسة تضع العذراء مريم فوق الجميع شهداء وقديسين.
آية 15 :- و لكنها ستخلص بولادة الأولاد إن ثبتن في الإيمان و المحبة و القداسة مع التعقل.
المرآة تنال إكليلها خلال تربية أولادها في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل، فالله زود المرآة بمواهب تربية الأطفال والصبر في ذلك وهي تقبل أوجاع الولادة ثم تربية أولادها، فإن عملت هذا وقامت بتربية أولادها تربية صالحة لقدمت خدمة للمجتمع والكنيسة وقد تفهم الآية (وهذا أوقع) إن المرأة التي تثبت في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل وتربي أولادها حسناً تخلص. فقول الرسول إن ثبتن، الأكثر منطقية هو إن ثبتت النساء علي إيمانهن…… الخ وليس إن ثبت الأولاد، فإن المرآة لو قامت بدورها ولم يثبت أولادها يكون العيب في أولادها وتخلص هي ويهلك العصاة وهذا يتفق مع (حز 18 : 5 – 13) + (حز 3 : 19). وربة البيت المثالية هي التي تهب حياتها وجهدها لزوجها وأولادها. فالمرآة لا تعلم في الكنيسة ولكن عملها تعليم أولادها في البيت. والعذراء مريم بولادتها للمسيح خلصت هي وخلص العالم كله معها.
وبمقارنة آية 9 مع 15 نفهم أن المرآة تخلص لو إهتمت ببيتها وأولادها عوضاً عن الاهتمام بزينتها فبيتها وأولادها هم رسالتها.