تفسير رسالة تيموثاوس الأولى أصحاح 3 للقمص أنطونيوس فكري
شرح تيموثاوس الأولى – الإصحاح الثالث
آية 1 :- صادقة هي الكلمة أن ابتغى أحد الأسقفية فيشتهي عملا صالحاً.
المقصود ليس الأسقفية فقط بل أي درجة من درجات الخدمة، أن يشتهي الإنسان أن يخدم الله، أن يتشبه بالمسيح الذي أتي ليخدم لا ليخدم ويبذل نفسه فدية عن الآخرين، وكان الأسقف هو أول من يتعرض للإضطهاد وبهذا هي ليست شهوة للكرامة والسلطة والسيطرة بل هي شهوة خدمة وغسل أقدام، وبذل ذات وفيما يلي المواصفات المطلوبة للأسقف.
آيات 2 – 7 :- فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم بعل إمراة واحدة صاحيا عاقلا محتشما مضيفا للغرباء صالحا للتعليم. غير مدمن الخمر و لا ضراب و لا طامع بالربح القبيح بل حليما غير مخاصم و لا محب للمال. يدبر بيته حسنا له أولاد في الخضوع بكل وقار. و إنما أن كان احد لا يعرف ان يدبر بيته فكيف يعتني بكنيسة الله. غير حديث الايمان لئلا يتصلف فيسقط في دينونة إبليس. و يجب أيضا ان تكون له شهادة حسنة من الذين هم من خارج لئلا يسقط في تعيير و فخ إبليس.
بلا لوم = ليراه الناس ويرون في حياته نموذجاً لهم. بعل إمراة واحدة = لا تعني أنه يجب أن يكون بعل إمرآة واحدة، بل أن لا يكون له أكثر من إمراة واحدة، فاليهود كانوا يسمحون بالزواج من اكثر من إمراة، وكان اليهودي إذا آمن بالمسيحية يظل محتفظاً بزوجتيه. أما الأسقف فلا يجب أن يكون له أكثر من زوجة وإن ماتت زوجته الأولى لا يكون متزوجاً بامرأة ثانية، الرسول يريد لمنصب الأسقفية أكثر الناس عفة. والكنيسة فضلت أن يكون منصب الأسقف للرهبان البتوليين بعد ذلك. وبولس نفسه كان بتولا غير متزوج.
صاحياً = ساهراً يقظا فهو ناظر (ابيسكوبوس لغوياً تعني ناظر) فهو ينظر من أعلي ويري الأخطار المحدقة بشعبه وينذر ويعلم. والأسقف كراع له عصا يبعد بها غنمه عن الضلال. وصاحياً تعني له بصيرة متقدة ساهراً علي خلاص شعبه
عاقلاً = ضابطاً لتصرفاته يتصرف بحكمة غير متطرف، يوازن بين الأمور الروحية والاحتياجات النفسية والاجتماعية والجسدية لشعبه. محتشماً = في أقواله وأعماله، الاحتشام صفة ليست في الملبس فقط بل هي صفة تمس القلب ومن الأمثلة، الفكاهات غير اللائقة هى ضد الاحتشام. مضيفاً للغرباء = في ذلك الزمان كان الهاربين من الاضطهاد يلجأون للأساقفة. صالحاً للتعليم = ليحمي كنيسته من الهراطقة. غير مدمن للخمر = الذي يشبع من خمر الروح القدس أي الفرح الروحي لن يبحث عن الخمر العالمي. إن ساعة واحدة من الخلاعة جعلت نوح يتعري بعد ما أستتر 600 عام بوقار غير ضراب = لا يستعمل العنف مع رعيته، حتي يتحقق الإصلاح الداخلي بكامل حرية الإنسان. غير طامع بالربح القبيح ولا محب للمال = هذا يفسد الشعب ويجعله يهرب منه. بل عليه أن يكون باذلاً لنفسه وأمواله حليماً غير مخاصم = يحمل روح سيده (مت 12 : 19) فالأسقف عليه أن يقدم صورة للمسيح أمام الناس. يدبر بيته حسنا = هذا لمن هو متزوج، فعلي من يختار الأسقف أن يختار من عرف كيف يربي أولاداً حسنا. غير حديث الإيمان = لم يقل غيرحديث السن فتيموثاوس كان حديث السن لكنه كان ناضجاً في أيمانه، حداثة الإيمان ربما تحمل غيرة متقدة نحو الخدمة، لكنها تحمل خطر الإعتداد بالذات والتصلف خصوصاً لما يحيط به من مظاهر التكريم، وقد يظن أنه لولا أهميته للكنيسة وحاجة الكنيسة له لما أختاروه أسقفاً، فيسقط في الكبرياء ويهلك ويهلك معه الناس له شهادة من الذين من الخارج = لا يكفي شهادة المسيحيين عنه فقد يشهد المسيحيون لعضو بينهم شهادة حسنة، ولكن من المهم جداً شهادة الآخرين.
الآيات 8 – 10 :- كذلك يجب أن يكون الشمامسة ذوي وقار لا ذوي لسانين غير مولعين بالخمر الكثير و لا طامعين بالربح القبيح. و لهم سر الإيمان بضمير طاهر. و إنما هؤلاء أيضا ليختبروا أولا ثم يتشمسوا أن كانوا بلا لوم.
هنا نسمع عن مواصفات الشماس ولم يذكر مواصفات القسيس، فلقب قسيس ولقب أسقف كان متبادلان في الكنيسة الأولي، راجع (تي1: 5، 7) (شيوخاً = قسوساً) + (أع 20:17، 28) فمواصفات الأسقف هي هي نفسها مواصفات القسيس. وعمل الشماس الأول هو الخدمة الاجتماعية ولكن رأينا أن اسطفانوس وفيلبس كان لهما عمل الكرازة.
لا ذوي لسانين = يتكلمون مع واحد بلسان ويتكلمون مع الآخر بلسان ثان وهذا خداع ويحط من شأن الإنسان. سر الإيمان بضمير طاهر = هو سر إذ كان الإيمان بالمسيح وعمل المسيح وفدائه وخلاصه للأمم، كل هذا كان غامضاً في العهد القديم ومازال غامضاً لغير المؤمنين. ولكن من يختار لكى يصير شماساً يجب أن يكون له دراية بهذا السر. وأن يكون إيمانه عن إخلاص لا رياء، وهو ما يظهر عملياً في تصرفاته، فهو لا يتاجر بالدين لينال مكسباً مادياً أو شهرة بين الناس. وإنما هؤلاء ليختبروا أولاً = هذه لم تذكر عن الأسقف فالأسقف قد تم اختباره من قبل في درجة كهنوتية أقل.
آية 11 :- كذلك يجب أن تكون النساء ذوات وقار غير ثالبات صاحيات أمينات في كل شيء.
يري القديس يوحنا ذهبي الفم أن الحديث هنا هو عن الشماسات ويري البعض أنه علي زوجات الشمامسة. أمينات في كل شئ = من نحو الله ونحو أزواجهن ونحو الفقراء، ولا بد أن يكن أمينات فهم بحكم خدمتهن سيطلعن علي أسرار البيوت ولا بد أن يكن أمينات في توزيع الصدقات.
آيات 12، 13 :- ليكن الشمامسة كل بعل إمرأة واحدة مدبرين أولادهم و بيوتهم حسنا.لأن الذين تشمسوا حسنا يقتنون لأنفسهم درجة حسنة و ثقة كثيرة في الإيمان الذي بالمسيح يسوع.
ما يشير لأن آية 11 هي علي الشماسات أنها دخلت وسط آيات تتكلم عن مواصفات الشمامسة. يقتنون لأنفسهم درجة حسنة = من يجدونه صالحاً في رتبة الشموسية فليحصل علي درجة القسيسية وهكذا.
آيات 14، 15 :- هذا أكتبه إليك راجيا أن أتي إليك عن قريب. و لكن إن كنت أبطئ فلكي تعلم كيف يجب أن تتصرف في بيت الله الذي هو كنيسة الله الحي عمود الحق و قاعدته.
ربما خشي الرسول أن يصاب تيموثاوس بشئ من الضيق، فقد وعده بالحضور إليه، لذلك يطمئنه بأنه سيحضر. ولكن إلي أن يحضر علي تيموثاوس أن يعرف المبدأ الأساسي الذي به يقود الكنيسة، فمهمة الكنيسة أن تدعو للحق وتدافع عن الحق وتحامي عنه فهى عمود الحق وقاعدته بالمسيح الحق الذي فيها. لقد أوضح الرسول فيما سبق نظام الخدمة في الكنيسة وإختيار الأساقفة والشمامسة، وهنا يظهر أن عملهم الأساسي أن يشهدوا بالحق. بيت الله = هي (الكنيسة) مكرسة لخدمة الله وفيها تظهر صورة الله غير المنظور الحي = الله حي في الكنيسة يثبت وجوده (مت 28 : 20) لذلك لا تقوي عليها أبواب الجحيم (مت 16 : 18). العمود والقاعدة هما الأساس فى البناء. والحق أساس تمت عليه بناء الكنيسة، فالكنيسة مؤسسة علي المسيح الحق (1كو 3 : 11) + (يو 14 : 6).
آية 16 :- و بالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الأمم أؤمن به في العالم رفع في المجد.
في هذه الآية يظهر الرسول ترتيباً معيناً يبدأ في دائرة صغيرة وهي المسيح ظاهراً في الجسد أمام الناس، ثم دائرة أكبر وهم الملائكة الذين عرفوا حقيقته، ثم انتشار الإيمان به وسط الأمم ثم المسيح في مجده.
بالإجماع = تعني بدون أي خلاف فقد ظهر أن :-
عظيم هو سر التقوي. الله ظهر في الجسد = أي أن سر القداسة موجود في الكنيسة لأن سر القداسة هو المسيح والكنيسة جسد المسيح. ظن الغنوسيين أن الكنيسة أو أن الحياة المسيحية هي معرفة عقلانية للحق. والرسول يشرح هنا أن الحياة المسيحية هي دخول عملي إلي الحق خلال الحياة التقوية التي صارت لنا بالتجسد الإلهي، فسر التقوي هو سر التجسد، اتحادنا مع الله الآب في ابنه هو الذي يعطينا الحياة التقوية، هذا هو الحق الذي تدافع عنه الكنيسة، ولا طريق آخر للحياة التقوية سوي الاتحاد بالمسيح (بالمعمودية والتناول والإعتراف أي بالأسرار والأسرار هي الكنيسة). لقد أنكر الغنوسيون حقيقة التجسد برفضهم أن المسيح يحمل جسداً حقيقياً، وبهذا ينكرون الحياة التقوية لتي صارت لنا فيه ويحولون الحق إلي معرفة نظرية عقلانية بلا حق ولا حياة، بمعني آخر فالتجسد الإلهي ليس عقيدة فلسفية تعتنقها الكنيسة للمجادلة وإنما سر حياتها التقوية وأمجادها الداخلية وأمجادها المستقبلية. صار المسيح حياة لنا باتحاده بنا بالأسرار. فهو أعطانا حياته (وكان هذا بالتجسد) وحياته هي سر التقوى. فالمسيحية ليست ديانة تعلم تابعيها الأخلاقيات فقط بل هي تعطى حياة المسيح لكل من يؤمن ويعتمد فيحيا في تقوى (غلا 2: 20) + (في 1: 21) “ليّ الحياة هي المسيح“.
تبرر في الروح = طالما اتهموا المسيح في حياته بالجسد باتهامات كثيرة، حقاً لقد ظهر بره في أعماله وأقواله ومعجزاته. ولكن بره بدا للجميع خاصة بعد موته إذ لم يجد فيه إبليس شيئاً يمسكه عليه ” رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شئ (يو 14 : 30)، بل فتح الجحيم وهو في الروح، بل فتح الفردوس لمن أخرجهم من الجحيم. ثم قام من الأموات وصعد إلي السماوات، وأعطانا حياته وبره لتحيا بهما الكنيسة، لقد حمل خطايانا لنتبرر نحن فيه (2كو21:5). والكنيسة الآن مملوءة من الروح القدس الذي وهبه لنا الله باستحقاقات عمل المسيح والروح القدس هو الذي يدخل بنا إلي الثبوت في المسيح يسوع لا لنغتسل بدمه الكريم من خطايانا فحسب، إنما نحمل بر المسيح فنحسب في عيني الآب أبراراً (1كو 6 : 11) “كان روح المسيح الذي فتح الفرودس متحداً بروحه القدس أي لاهوته“.
تراءى لملائكة = الملائكة كانوا يعرفون مجده قبل التجسد، والآن قد أدركوه بمفهوم جديد خلال تجسده في كنيسته، رأوه في كمال حبه الفائق خلال الصليب وعمله الإلهي العجيب في المؤمنين الذين كانوا قبلاً أعداء بسبب خطاياهم. وقد تقدسوا فيه وتبرروا وصاروا أبناء أحباء وممجدين فيه.
كرز به بين الأمم = الكل صار ينعم بعطيته حتي الأمم الأشرار.