تفسير رسالة تيموثاوس الأولى أصحاح 3 للقديس يوحنا ذهبي الفم
الموعظة العاشرة 1تي3: 1-8
إن ابتغى أحد الأسقفية فيشتهى عملا صالحا، فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم بعل إمرأة واحدة، صاحيا، عاقلاً، محتشماً، مضيفاً للغرباء، صالحاً للتعليم، غير مدمن للخمر، ولا ضراب، ولا طامع بالربح القبيح بل حليما غير مخاصم، ولا محب للمال، يدبر بيته حسنا، له أولاد في الخضوع بكل وقار. (1:3 – 4 حتى 8)
التحليل
1- عن الأسقفية والصفات الضرورية للأسقف.
2- يجب ألا يكون الأسقف حديث الإيمان أى متنصرا حديثا، ويجب أيضا أن يكون متمتعا بسمعة جيده، حتى بين الملحدين.
3- أمثلة حسنة، لماذا لا يتنصر إلا القليل من الأمم. 1-
1- الأسقفية والصفات الضرورية للأسقف :-
قبل الدخول في تفاصيل واجبات الأساقفة، يشرح الرسول بإيجاز ما يجب أن يكون عليه الأسقف، ليس في شكل تحذير لتيموثيئوس، بل قصد الرسول من ذلك تحديد قواعد السلوك التي يجب أن يتحلى بها جميع الرعاة عن طريق تعليمه لشخص واحد . ماذا يقول ؟ إذا اشتهى أحد الاسقفية فلا يكون مخطئا في ذلك، لأنه لم يشته السيطرة والسلطة فقط، إنما قبل أن يحمل عبء الرعاية ومسئولية الوصاية. وأنا لا ألومه على ذلك لأنه يشتهي عملا صالحا” وبالفعل فإن موسى النبي قد اشتهى العبء وتحمل المسئولية وليست السلطة إلى درجة احتمال تجريح شعبه له بقولهم: “من أقامك رئيسا وقاضيا علينا (خر 2: 14) الذي يرغب في الأسقفية بهذه الكيفية يمكنه أن يرغبها، إذ أن الأسقفية تحمل من خلال مدلول إسمها معنى التدبير والرعاية يواصل الرسول بولس حديثه فيقول: فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم بعل إمرأة واحدة لا يقصد الرسول بهذا النص أن يضع قانونا يحتم الزواج على الأسقف بل لردع الإفراط فيه؛ لأنه عند اليهود كان مسموحا بالزواج الثاني، والإبقاء على زوجتين في نفس الوقت. ليكن الزواج مكرماً” (عب 13: 4).
والبعض يؤكد أن الرسول بهذا القول، يتطلب فى الأسقف أن لا يكون قد تزوج بأكثر من زوجة واحدة. – “بلالوم” بأستخدام هذه العبارة، قد أفصح الرسول عن كل الفضائل. فالذي يبكته ضميره على بعض الخطايا، يكون مخطئا إذا رغب فى الأسقفية التى استبعد نفسه منها بسبب أعماله. وفي الواقع هذا يجب أن يكون محكوما وليس حاكما للآخرين، لأن الحاكم يجب أن يكون ألمع من المصباح، وحياته لا تشوبها شائبة، إذ أن الأنظار تتجه نحوه لمراقبة حياته. وليس دون تخطيط يسجل الرسول رأيه هذا ، بل لكى يوجه تميوثيئوس الذي بدوره سيقيم أساقفة كما أعطى هذه التعليمات لتيطس لأنه أدرك أن كثيرين سيبتغون الأسقفية لذلك أوضح هذه التعليمات. ويقول “معتدلاً صاحياً” أي مليئا بالذكاء، عينه على كل مكان، ونظرته ،ثاقبة، لأنه توجد أسباب كثيرة تظلم عين الذكاء، الحماس الخاطئ، والهموم، إزدحام الأعمال، وأشياء أخرى كثيرة تظهر فجأة من كل جانب. الأسقف يجب أن يكون الشخص الدائم السهر على رعيته الشخص الذى لا يقلقه فقط ما يمسه، بل ما يمس الآخرين. يجب أن يكون ساهرا على الدوام، له روح متوهجة، روح الرئيس الحربي الذي يتفقد جيشه ليلا ونهارا، يجب أن يتعب ويهتم بالجميع. “صاحيا، عاقلا، مضيفا للغرباء ولما كانت هذه الصفات تناسب أيضا عامة المؤمنين البسطاء، وبذلك يكون هؤلاء مُساوين للأساقفة، لذلك أراد الرسول أن يميزه بصفة يشترطها فيه لتتوافر عنده دون الآخرين فقال: أن يكون صالحا للتعليم هذه الصفة لا يطالب بها المؤمن من أفراد الرعية، وإنما خص بها من أخذ على عاتقه أمانة الاسقفية. غير مدمن للخمر أي غير سكير ومستسلم للخمر، فالسكر يؤدى بصاحبه إلى الوقاحه والشراسه. ولا ضراب” لايقصد الرسول هنا الضرب بالأيدى. إذا ماذا يعنى بهذه العبارة؟ يوجد أناس يصدمون ضمائر إخوتهم ويلطمونها بلاسبب، وأعتقد أن هذا ما يقصده من هذه العبارة “ولا طامع بالربح القبيح بل حليما غير مخاصم ولا محب ! للمال . يدبر بيته حسنا، له أولاد في الخضوع بكل وقار إذا كان الإنسان المتزوج يهتم بأمور العالم، فإن الأسقف على عكس ذلك يجب ألا يهتم بهذه الأمور، فكيف يقول الرسول: “بعل إمرأة واحدة.
كثيرون يؤكدون أنه يعنى ألا تكون للأسقف سوى زوجة واحدة. وإذا ما وجد ماهو خلاف ذلك، فلا يفوتنا أن نعرف أن هناك من هم متزوجون ولكنهم يعيشون كما لو كانوا غير متزوجين والرسول كان محقا فيما قاله لملائمته مع الأوضاع التى كانت قائمة حينذاك؛ ويمكن بالإرادة الحسنة ألا يؤخذ من الأمور سوى الحسن منها . كما هو الحال بالنسبة للأغنياء الذين قد يصعب دخولهم ملكوت السموات، إلا أنه رغم ذلك كثيرون منهم قد دخلوا الملكوت . هذا ما يمكن حدوثه أيضا في مجال الزواج.
ماذا تقول يا بولس ؟ عندما تكلمت عن واجبات الاسقف، قلت أنه يجب ألا يكون مدمنا للخمر بل مضيافا وقد كنت تعنى صفات أكبر وأسمى من ذلك بكثير. لماذا لم تقل إن الإسقف يجب أن يكون ملاكا ولا يهتم بأي أمر عالمي، وأن يسلك حسب التعاليم العظيمة التي للسيد المسيح والتي تتفق مع منصبه، كأن يكون مصلوبا ونفسه دائما بين يديه ؟ ويلاحظ هذه العبارات الراعى الصالح يبذل نفسه من أجل خرافة (يو 10: 11) وأيضا “من لا يحمل صليبه ويتبعنى فلا يستحقني (مت 10: 38) لماذا لم تقل له إنه يجب أن يكون خارجا عن العالم؟ لماذا لم تطلب منه ما تطلبه من أهل العالم ؟ إذ تقول لهم أميتوا أعضاءكم التي هي على الأرض (كو 3: 5) وأيضا لأن” الذي مات قد تبرأ من الخطية (رو 6: 7) وأيضا ولكن الذين هم للمسيح يسوع قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات (غلا 5: 24) وماقاله السيد المسيح نفسه فكذلك كل واحد منكم لا يترك جيمع أمواله لايقدر أن يكون لى تلميذا (لو 14: 33). حقا إنها كلها أمال جميلة يحب الرسول أن تكون متوافره جميعها لدى الأسقف، إلا أنه لم يقدر أن يتمسك بطلبها ، إذ أنه يعرف وقتذاك أنها لاتتسنى إلا لنفر قليل من هذه النماذج، والمطلوب عدد كبير من الأساقفة لإدارة الكنائس ورعايتها في كل مدينة، وكانت الكنائس معرضة للفخاخ لذلك أكتفى بطلب فضائل متوسطة عادية وليست ساميه ولاسمائية، فكون الإنسان يكون معتدلا حذرا ، ذا أخلاق حميدة، فهذه كلها في عداد الفضائل العامة.
“له أولاد في الخضوع بكل وقار” لأن بيته يجب أن يكون هو القدوة والمثل الذي يقتدى به. لأن الأسقف الذي لا يطاع من أبنه، هل يمكن أن يصدق أنه يطاع من الغرباء ؟ يدبر بيتا حسنا الوثنيون أنفسهم يقولون: إن من يعرف أن يسوس بيته يستطيع سريعا أن يكون رئيسا ناجحا . وكما أنه بالمنزل، الأولاد، الزوجة، والزوج فوق الكل يشكلون سلطة متدرجة هكذا فى الكنيسة ، يوجد فى كل مكان أولاد ونساء، وخدم. وإن كان الرئيس الكنيسة شركاء تحت سلطته، فرئيس العائلة له زوجته أيضا. وكما أنه من أعمال الراعى فى الكنيسة رعاية وتدبير معيشة الأرامل والعذراى هكذا رئيس العائلة أيضا تقع عليه مسئولية رعاية جواريه وبناته. كل ما في الأمر أن المنزل أسهل قيادة من الكنيسة. كيف يتسنى لمن لا يعرف أن يقود الأسهل، معرفة قيادة كنيسة بأكملها ؟ يقول الرسول: وإنما إن كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته فكيف يعتنى بكنيسة الله (1تي 3: 5).
2- لا يجب أن يكون الأسقف حديثا في الإيمان :
“غير حديث الإيمان” (1تى 3: 6) هنا لا يقصد الرسول حديث السن بل حديث العقيدة. ويقول فى مكان آخر: “أنا غرست وأبلوس سقى لكن الله كان ينمى” (1كو 3: 6) إذن فالرسول كان يقصد المتنصر حديثا، وإلا ما الذى كان يمنعه من أن يقول حديث السن، ولماذا هو بنفسه قد أقام تيموثيئوس أسقفا مع أنه كان شابا حديث السن ؟ ويظهر ذلك في قوله: لايستهن أحد بحداثتك” (1تى 4: 12) لأنه كان يعلم عنه أنه فاضل جدا وكامل الخلق، لذلك شهد له بشهادات ممتازة. وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة” وأيضا أستعمل خمرا قليلا من أجل أسقامك الكثيرة مما يثبت أن تيموثيئوس كان مولعا بالصيام. وواضح أن هذه الشهادات والتوصيات، لا توجه إلا لشخص تقى جدا . ونظراً لأن كثيرا من الأمم إعتنقوا الإيمان واعتمدوا ، لذا فإن الرسول يحذر من حديثي الإيمان، أى حديثيى العقيدة لممارسة أعمال السلطة. لأن الذى يصبح معلما قبل أن يكون تلميذا ، سيكون مصيره سريعا الضلال. لذلك يضيف الرسول: “لئلا يتصلف فيسقط في دينونة “إبليس” (1تى 3: 6) أى يخضع للعقوبة التي استحقها إبليس نتيجة لكبريائه.
ويجب أيضا أن تكون له شهادة حسنة من الذين هم من خارج لئلا يسقط فى تعيير وفخ إبليس (1تى 3: 7) وإلا سيكون مهانا منهم. ولأجل باعث مشابه قال أيضا : ” بعل إمرأة واحدة وفى مكان آخر قال: “لأني أريد أن يكون جميع الناس كما أنا فى ضبط النفس من الشهوات” (1کو 7: 7) وحتى لا يضيق الطريق إذا تطلب فضيلة قاسية، لم يطلب سوى فضيلة معتدلة، لإمكانية الوصول إلى عدد من المدبرين يغطى به الإحتياجات، إذ أن الأمر كان يتطلب مديرا لكل مدينة، ويتضح ذلك في قوله لتيطس : وتقيم فى كل مدينة قسوسا كما أوصيتك (تى 1: 5) ولكن ماذا ؟ إذا كان له شهادة حسنة وسمعة ، وإطراء مشهور، ولكن في حقيقته ليس كما يظن فيه ؟ إنه لأمر صعب فعلا، إذ قد يحدث أيضا أن تكون له حياة مستقيمة، ومع ذلك لا يمكنه الوصول بسهولة لشهادة حسنة من الأعداء. لذلك لم يقل الرسول “يجب أن تكون له شهادة حسنة بل قال: أن تكون له أيضا شهادة حسنة أى أنه لم يذكر هذا الشرط بصفة مستقلة بل أورده ضمن الشروط الأخرى؛ ولم يفصله قط عنها. وماذا عن الذين يتكلمون رديئا بلا باعث سوى الحسد وبالذات الوثنيين ؟ ومع ذلك فإذا وجد هؤلاء فهم أيضا يحترمون الحياة بلا لوم. كيف يكون ذلك ؟ إسمعوا ما يقوله الرسول عن نفسه “بصيت ردئ وصیت حسن” (2کو 6: 8) ومن عبارة بصيت ردى، يتضح أنه ليست حياة الرسول هي التي كانت تهاجم بل عظاته. لقد أتهم الرسل بالتضليل والسـ تعاليمهم، إلا أن حياتهم لم تهاجم.
لماذا لم يجرؤ أحد أن ينسب لهم الوقاحة أو السفاهة أو الطمع، بل كل ما نسب إليهم أنهم مضللون، الأمر الذى لم يمس سوى تبشيرهم ؟ لأن الذي تلمع حياته بالفضيلة يكتسب إحترام الجميع حتى الوثنيين أنفسهم، لأن الحقيقة كفيلة بأن تسكت حتى أعداءنا وكيف يقع في الفخ ؟ بوقوعه دائما في نفس أخطائهم، فعندئذ لا يتركه الشيطان، بل سرعان ما ينصب له فخا آخر وسرعان ما يدينونه هم أيضا. وإذا كان يجب أن تكون له يجب شهادة حسنة من الأعداء، فيجب أن تكون بالأكثر من الأصدقاء. وكبرهان على أن الحياة بلا لوم لا يمكن وصفها بالذبول، إسمعوا ما يقوله السيد المسيح: “فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكى يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات (مت 5: 16) ولكن ما هو الوضع بالنسبة لإنسان مطارد بسوء النية؟ هذا يمكن حدوثه إلا أنه لا . أن يوضع في مرتبة الجدارة، إذ توجد مخاوف كثيرة، يقول الرسول: يجب أن يكون الأسقف القادم ذا صيت حسن حتى عند الوثنيين، لأن أعمالكم يجب أن تضى – كما أن الكفيف يخجل من مجادلة العامة بقوله إن الشمس مظلمة، هكذا لا يمكن التشنيع بإنسان شريف تماما؛ أما عن إفتراء الوثنيين عليه، فسيكون بسبب عقيدته، أما حياته فلن يتمكنوا من الهجوم عليها ، بل الكل يشيد بها ويحبها .
3- أمثلة حسنة :-
لنعش إذن بهذه الكيفية التي لا يجدف معها على إسم الله، ولا نعطى المجد العالمي إعتبارا ، ولا ننجذب إلى الصيت الردى تضيئون بينهم كأنوار في العالم (فى 2: 15) الله أرسلنا لكي نكون أنوارا ، ولكي نصير كالخميره حتى نعلم الآخرين، ونعيش كملائكه بين البشر، وكرجال بين أطفال صغار، وكأناس روحانيين بين أهل العالم الحاضر، فيستفيدون منا ، مثل بذور تثمر ثمارا وفيرة. لذلك تضئ حياتنا، وتظهر أعمالنا ، ويتمجد إلهنا . إذا عشنا كمسيحيين بالحق، وسالكين بمقتضى تعاليم سيدنا، متقبلين التعرض للجشع والظلم نبارك في الإهانات، نرد الشر بالخير؛ إلى آخر هذه الصفات والفضائل المسيحية التي لو توافرت لنا فهي كفيلة بأن تقودا أي شخص إلى التقوى مهما كان متوحشا، ولن يبقى بعد حولنا وثنيون، ولن ندخل مع أحد فى مجادلات أو مباحثات؛ إذ سينجذب الكل إلى السيد المسيح الذي نعبده بقلوبنا ونمجد اسمه بحياتنا .
إفهموا ذلك جيدا بولس كان بمفرده عندما رد عدداً كبيرا من الناس إلى المسيح. لو تشبهنا به لنجحنا في كسب الكثيرين للمسيح، واليوم عدد المسيحيين أكثر بكثير من الوثنيين. فى كافة الفنون الأخرى نجد أن معلما واحدا له مائة من الصبيان يعلمهم؛ ونحن هنا معلمون كثيرون، والمفروض أن يكون لنا عدد كبير من التلاميذ، إلا أننا لا نجد من يرغب في الإنضمام إلينا، لأن الذين يرغبون في التعليم يختبرون فضائل معلميهم، فعندما يلمسون فينا أى نقيصة مثل السعى وراء السلطة والتحكم، أو شهوة الشهرة والمديح، فكيف يقبلون إلينا، أو يحبون مسيحيتنا ؟ هم يرون فينا حياة جديرة باللوم، نفوسا عالمية مثلهم تماما بل ربما أكثر منهم سعيا وراء الثراء ونكون مسحورین به ونشتهيه جبناء، نرتجف مثلهم عند التفكير في الموت، نخشي الفقر مثلهم ونضطرب ونقلق ونثور عندما تصيبنا الأمراض، نستسلم مثلهم لسلطان البخل والشح، نشتهى مثلهم المجد الباطل والسلطان العالمى. قولوا لى كيف نتيح لهم أن يؤمنوا وهم يروننا على هذه الحال؟ هل يؤمنون عن طريق المعجزات ؟ نحن لا نصنع معجزات ! هل بتغيير حياتنا وتجديدها ؟ هل بالصدقة ؟ لا يوجد أيضا لدينا شئ من ذلك. لنحاسب أنفسنا ليس فقط على خطايانا، بل أيضا على ضياع الآخرين وهلاكهم.
لنرجع عن ضلالنا لنسهر لنصنع من الأرض مدينة سمائية، حتى تستطيع أن نقول بحق فإن سيرتنا نحن هى فى السموات (في 3: 20) لنظهر على الأرض كرجال رياضيين أقوياء. قد يقال إنه كان يوجد بيننا رجال عظماء، سيرد الوثنى قائلا كيف أصدق هذا ؟ أنا لا أراكم تعملون أعمالهم وتسلكون حياتهم. وبما أننا نطرق هذا المجال، فنحن أيضا لدينا فلاسفة كبار وكانت حياتهم جديرة بالإعجاب وأما أنتم فهل بينكم بولس آخر ويوحنا آخر ؟ من لا يستمر فى جهله عندما يرانا فلاسفة ليس في أفعالنا ، وإنما في أقوالنا فقط. الآن نرى من هو مستعد أن يذبح ويذبح لأجل أمور زهيدة، ولأجل إقتناء آنية من الفخار تنطقون ألف حكما . إذا فقدت طفلا تفقد وعيك. كم يعوزني أن أتكلم عن الفوضى المحزنة العرافة الفال، الأحجبة، الغيبيات التعاويز، السحر، إلى آخر هذه العقائد الخرافية التي تشكل جرائم كبيرة فى حق الله كفيلة أن تثير غضبه حينما يرانا على هذه الجرأة ونحن نرتكبها بعد ما أرسل إلينا أبنه . وماذا؟ أليس من المحزن أنه بمشقة كبيرة يصل عدد قليل من الناس إلى الخلاص الأبدى ؟ والذين يهلكون يقولون بإرتياح إنهم سوف لا يعانون قدرتهم وحدهم، بل مع عدد كبيرة معهم. أى إرتياح هذا ؟ هل يصدق أن وجود رفقاء كثيرين فى نفس المحنة يعانون نفس العقوبة، يعطى عزاء في عذاب الأبدية ؟ كيف تبرهنون على ذلك. سأوضح لكم الحقيقة.
قولوا لى إذا حكم على إنسان بالموت حرقا بالنار، ورأى إبنه يحترق معه، والدخان يرتفع من لحمه؛ ألا يشعر نحوه بألم مميت ؟ وإذا كان الذين لم يصابوا بنفس الأذى يشعرون بالرعب ويفقدون وعيهم لمجرد مشاهدة هذا المنظر، فكم وكم تكون حال الذين هم في العذاب ؟ لا تستغربوا واسمعوا كلمة حكيم. ويقولون لك أأنت أيضا قد ضعفت نظيرنا وصرت مثلنا” (إش 14: 10).
هكذا يوجد بين البشر إحساس متبادل، فالبعض يشعر ويقاسي مما يقع على الآخرين من ضربات ومما يعانونه من أوجاع هل هذا عزاء، أم هو زيادة في الألم مايقاسيه الأب عندما يرى إبنه يعاني نفس الآلام التي يعانيها هو؟ والزوح الذي يرى زوجته، بل أي شخص يرى شخصا آخر ؟ أليس هذا يؤلم بالأكثر ؟ ولكن آلام الحياة الأخرى لا تشبه آلام هذه الحياة – كلاً، بل هى مختلفة تماماً ، لأن البكاء هناك غير قابل للعزاء، والكل يرون بعضهم البعض ويتعذبون معا . هل اشتراك الناس في معاناة المجاعة يخفف من جوعهم ؟ وماذا يكون الحال إذا كانت أسرة مكونة من أب وأم وأولاد يعانون نفس الآلام التي نعانيها ؟ هل تعزيتنا في أن نرى هؤلاء يتعذبون ؟ كلاً كلاً، بل إن آلامنا ستكون أكثر شدة. فهو ليس بالعذاب الذي يقل نصيب الواحد منه إذا توزع.
إثنان في النار هل يمكن أن يعزى أحدهما الآخر ؟ قولوا لي من فضلكم؛ إذا اعترت أحدكم حمى شديدة، أليست كل التعزيات لاطائل من ورائها ؟ نعم، وبلاشك لأن النفس متى يغلب عليها الألم لا تملك أي إمكانية للإصغاء إلى التعزيات أنظروا إلى النساء اللائى فقدن أزواجهن، هل يعزيهن كثرة عدد الأرامل واللائى هن فى موقفهن ؟ آه ! ليتنا لانتعلق بهذه الآمال الكاذبة، ولنطلب الفداء الصحيح والوحيد، والذي لن يكون إلا بالندم على خطايانا، والسلوك بأمانه وتقوى فى الطريق المؤدى إلى السماء، حتى نحصل على ملكوت السموات بنعمة ومحبة ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والقوة إلى دهر الدهور آمين.
الموعظة الحادية عشرة 1تي3: 8-10)
“كذلك يجب أن يكون الشمامسة ذوى ،وقار، لاذوى لسانين، غير مولعين بالخمر الكثير ولا طامعين بالربح القبيح، ولهم سر الإيمان بضمير طاهر. وإنما هؤلاء أيضا ليختبروا أولا ثم يتشمسوا إن كانوا بلا لوم.” (3:8-10)
التحليل
1- واجب الشمامسة.
2، 3ـ الاستخدام الأمثل للثروة.
1- واجب الشمامسة :-
الرسول بعد أن ناقش ما يخص الأساقفة ومواصفاتهم، معلنا عن الصفات الواجب توافرها فيهم مر على الكهنة في صمت ولم يتكلم عنهم بل إنتقل فورا ليتحدث عن الشمامسة . لماذا؟ لأنه لا يوجد في الواقع فارق كبير بين الأساقفة والكهنة ، فالكهنة أقيموا للتعليم، ولكي يكون لهم سلطة فى الكنيسة، وما قاله عن الأساقفة إنما هو ينطبق أيضا على الكهنة؛ ولا يمتازون عنهم إلا بسلطة السيامة، وكذلك الشمامسة” يطالبهم بنفس الفضائل كيف ؟ أن يكونوا بلا لوم، حذرين، مضيفين للغرباء معتدلين مسالمين غير محبين للمال، وأيضا ذوى وقار لاذوى لسانين” أي بلا رذيلة مستترة بلا تصنع، حيث أنه لا يوجد ما يخفض بالنفس قدر التصنع، ولا ما يكدر الكنيسة مثل الرذيلة المستترة – غير مولعين بالخمر الكثير، ولا طامعين بالربح القبيح ولهم سر الإيمان بضمير طاهر” هنا أوضح معنى بلا لوم، ولاحظوا أيضا كيف يوضح فكرة “غير حديث الإيمان” إنه يوضحها بإضافة ليختبروا أولاً” أى أن ما ذكره عند الكلام عن الأسقف يعيده مع إضافة تلك العبارة. ومن عبارة ألا يكون حديث الإيمان” يفهم منهم ألا يكون غريبا ، فإذا كانت الخدمة الداخلية في المنزل لاتسند لعبد حديث الشراء، قبل تكرار تجربته لاختبار ذكائه، فكيف يقبل في الصفوف المتقدمه من يحضر من الخارج في كنيسة الله ؟.
“أيضا النساء” يتكلم عن الشماسات “نوات وقار، غير ثالبات صاحيات، أمينات، في كل شي البعض يظن أن الرسول يتكلم عن النساء بصفة عامة، ولكن الأمر ليس كذلك. لماذا إذا أضاف إلى ماقاله أحكاما تتعلق بالنساء ؟ هو يتكلم عن اللائى استحققن الشماسية. ليكن الشمامسة كل بعل إمرأة واحدة تلاحظون أنه يطالبهم هم أيضا بهذه الفضيلة لأنهم إن كانوا ليسوا في درجة مساوية للأسقف إلا أنه يلزمهم أن يكونوا مثله بلا لوم وطاهرين مديرين أولادهم وبيوتهم حسناً، لأن الذين تشمسوا حسنا يقتنون لأنفسهم درجة حسنة وثقة كبيرة في الإيمان الذي بالمسيح يسوع فى كل مكان يتكلم عن تربية الأولاد، حتى يقى الناس الفضيحة التي تنتج عن إهمال هذا الموضوع لأنه يقول: “الذين تشمسوا حسنا يقتنون لأنفسهم درجة حسنة أى درجة أكثر رفعة وثقة كبيرة فى الإيمان ويقول الذين كانوا يقظين في أداء المهام الصغيرة سيصلون سريعا إلى الوظائف الأعلى.
“هذا أكتبه إليك راجيا أن أتى إليك عن قريب. ولكن إن كنت أبطئ فلكى تعلم كيف يجب أن تتصرف فى بيت الله الذي هو كنيسة الله الحي عمود الحق وقاعدته” – خشى الرسول من أن تخور عزيمة تلميذه عندما يتصور أنه سيقوم بكل هذه الأعباء بمفرده، فطمأنه بأن كتابته له لا تعنى أنه لا ينوى المجئ بل سوف يحضر ، ولكن إن أبطأ فلا يكون هذا سبب حزن لتيموثيؤس. لقد أرسل له هذه الرسالة لتنقذه من اليأس، وأيضا لكي يوقظ بها الآخرين ويجعلهم أكثر حماساً؛ إذ أن إعلان وصوله كان له هيبة كبيرة. لا تندهشوا إذا كان بكلامه هذا يتظاهر بجهله بميعاد ذهابه إليهم مع أنه يعلم الأمور مسبقا عن طريق الوحى راجيا أن أتى”، “لكن إن كنت أبطى – أقوال تكشف عن جهله بالأمور؛ لأنه مادام مقودا بالوحى ولا يعمل بإرادته منفردا، فهو يجهل ماسيفعله. لكي تعلم كيف يجب أن تتصرف فى بيت الله الذي هو كنيسة الله الحى عمود الحق وقاعدته هذه الأقوال لا تعنى هيكل اليهود ، بل تعنى الإيمان والتعليم، لأن الحق هو عمود الكنيسة وقاعدتها. ويضيف الرسول قائلا: “وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد تبرر في الروح” (3: 16) هنا تدبير خلاصنا أى التجسد. لا تكلموننى عن الأجراس (خر28) عن قدس الأقداس، ولاعن رئيس الكهنة : عمود العالم هو الكنيسة. تأملوا هذا السر وسوف ترتعشون. إنه سر، سر التقوى بالإجماع، وليس موضوعا يحتاج إلى بحث إذ لا يوجد حوله أى شك. دائما لاحظوا أن الرسول دائما يسمى التجسد سراً، وهذه حقيقة، لأنه غير مرئى للبشر، ولا للملائكة، وكيف ذلك وقد ظهر فى الكنيسة ؟ فلهذا يقول: “بالإجماع عظيم هو سر التقوى حقا عظيم هو هذا السر الإنسان صار إلها، والإله صار إنسانا، إنسان يُرى بلا خطية، إنسان ارتفع إلى السماء وكرز به العالم. الملائكة رأته معنا فهذا إذن سر. فعلينا ألا نفشيه ولا نعرضه في كل مناسبة، بل لنسلك حياة جديرة به الذين أودعوا الأسرار هم عظماء. فإذا أودعنا الامبراطور سرا، أليست هذه شهادة على صداقته لنا ؟ والآن الله أودعنا هذا السر . سوف تقولون كيف نسميه سرا وهو معروف للجميع؟ كلاً بالتأكيد ليس الكل يعرفه قبل ظهوره كانوا يجهلونه والآن قد ظهر للبشر.
2- الإستخدام الأمثل للثروة :
ليتنا نكون جديرين بحفظ هذا السر . الله أودعنا هذا السر العظيم ونحن لانودعه خيراتنا ، مع أنه هو نفسه يقول لكم أن تضعوها بين يديه حيث لا يوجد من يغتصبها منكم، حيث لا يفسدها الدود، ولا يتمكن اللصوص من الوصول إليها، هو يعدنا بأنه سيردها لنا مائة ضعف ولا نصدقه، ومع ذلك إذا أودعنا أمانة بين يدى شخص ما، لا يردها لنا زائدة، وإذا ردها لنا دون نقص نقدر له هذا الصنيع، ولا نطالب بها إذا أغتصبت منه، ولا نحاسبه عليها حتى لو قرضها الدود.
أما الله فيردها لنا هنا مائة ضعف، ويعطينا الحياة الأبدية في العالم الآخر، ومع ذلك لا يودعه أحد خيراته. قد يقال أنه قد يتأخر في ردها . إن تأخيره في ردها لنا في هذه الحياة لهو أكبر برهان على سخائه، حتى لاتكون عرضة للحوادث. قولوا لى ألم يترك بولس الأنوال وبطرس السنارة والشبكة، ومتى ترك مكان الجباية ؟ ألم توضع تحت أقدامهم أموال الجميع ؟ ألم تكن النفوس وديعة لديهم، خاضعة لإرادتهم، کخدام لهم ؟ كم من أعمال مشابهة تمر بنا اليوم، كم من الناس صغار وسقماء، لايستخدمون سوى الفأس، يملكون بمشقة القوت الضروري ونحن نرفعهم أمام أعيننا فوق الكل، ومكرمون من الحكام، وذلك لأنهم يحملون لقب الرهبانية؟ لتعلموا أن ما يعطي هنا ليس إلا القليل، لأن رأس المال يمنح لنا في الدهر الآتى. إحتقروا الثراء إذا أردتم إمتلاك الثروات. إذا أردتم أن تكونوا أغنياء إجعلوا أنفسكم فقراء الله لايريدكم أغنياء بمجهوداتكم الذاتية بل بنعمته.
هو يقول لنا : تنازل عن هذا لأجلى، إهتم بالموضوعات الروحية حتى تتعلم كيف تعرف قوتى، إهرب من العبودية ونير الثراء. أنت فقير طالما أنت مرتبط بهما، عندما تحتقرهما سيتضاعف ثراؤك، وكل شئ سوف يتكاثر بين يديك، ولن تحتاج إلى ما يحتاجه البشر عامة. ليس الثراء هو أن تمتلك الكثير، بل هو الحاجة إلى القليل : فالملك الذي تزداد إحتياجاته لا يفترق عن الفقير الفقر هو الإحتياج إلى ما ينقصنا ، بمعنى أن فقر الملك يقاس بقدر احتياجه لرعاياه. لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة للذي صلب جسده فهو لايحتاج لأحد أياديه تكفيه معيشته أنتم تعلمون أن حاجاتي وحاجات الذين معى خدمتهما هاتان اليدان” (أع 20: 34). ويوضح بولس الرسول هذه الفكرة بقوله: “كأن لاشئ لنا ونحن نملك كل شي (2كو 6: 10) وهو الذى كان أهل استره يكرمونه كإله. إذا أردتم أن تحصلوا على العالم، إبحثوا عن السماء، إذا أردتم أن تنعموا بالخيرات هنا، إحتقروها . يقول السيد المسيح: “أطلبوا أولا” ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم (مت 6: 33).
لماذا تعجبون بهذه الأشياء الصغيرة ؟ لماذا هذا الحماس لأجل أمور لا تستحق أي أعتبان ؟ إلى متى ستكونون فقراء ومتسولين ؟ إرفعوا أنظاركم إلى السماء، فكروا فى الكنز الذي تحتويه، إسخروا من الذهب وتعلموا كيفية إستعماله المتعه المحدودة في الحياة الحاضرة، الحياة المعرضة للحوادث، كحبة رمل، أو بالأحرى كنقطة ماء في هوة عميقة. هذه هي الحياة الحاضرة بمقارنتها بالحياة المستقبلة. والموضوع ليس هو الإمتلاك وإنما الاستعمال. أنت هنا لست مالكا، لأنه بمجرد موتك سواء أردت أو لم ترد خيراتك سيأخذها الآخرون وبدورهم سيسلمونها لآخرين. وهكذا كلنا غرباء ومالك المنزل ما هو إلا مستأجر، ودائما بعد موته يتمتع بماله شخص آخر، وربما لفترة أطول منه، مع أنه قد كلف نفسه مشقة كبيرة لإقامة هذا المسكن وتجديده الملكية ليست إلا إسما فقط لأنه في الواقع ما نملكه ليس ملكا لنا . نحن لا نملك سوى مانرسله أمامنا للعالم الآخر. والباقى على الأرض مرهون بحياتنا، وغالبا ما يهجرنا حتى ونحن أحياء ما يخصنا هو فقط حسنات النفس، الرحمة والصلاح الذي يخرج من هذا العالم لا يحمل معه ثراءه، لكنه يمكنه نوال الرحمة لنرسل بالحرى هذه الخيرات أمامنا لكي تُعد لنا مظله في في المساكن الأبدية.
3- الثروة للأستعمال وليس للتملك. قولوا لي كم من السادة امتلك حقلا، وكم أيضا سيمتلك هناك مثل حكيم، والأمثلة الشعبية لا يجب إحتقارها إذا احتوت على أفكار (حكيمة أيها الحقل، قل لي، كم من الناس إمتلكوك وكم من الناس سيمتلكونك. وهذا ما يقال أيضا عن البيوت والنقود. الفضيلة وحدها هي التي ستصحبنا في هذه الرحلة الكبيرة، وتسير معنا في الحياة الأخرى لنحطم أغلالنا ولنطفئ بداخلنا شهوة الثراء حتى نرتبط بشهوة الخبرات المستقبلة، لأن هاتين الشهوتين لا يمكن أن يسكنا نفسا واحدة لأنه لا يقدر” أحد أن يخدم سيدين. إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر (مت 6: 24).
لنرتبط بأكبر قدر من الحسنات الحسنات الروحية التي تجعلنا بالحق مكرمين، حتى نحصل على السعادة القادمه. لنكن كلنا مستحقين في المسيح يسوع ربنا، الذى له مع الآب والروح القدس، المجد، والقوة والكرامه الآن وكل آوان وإلى دهر الدهور آمين.