تفسير سفر أيوب أصحاح 42 للقديس يوحنا ذهبي الفم
الإصحاح الثاني والأربعون
الله يكافئ أمانة أيوب
أيوب يقر بتفاهته أمام عظمة الله
1- ثم بعد هذا تابع النص الحديث فقال: ” فأجاب أيوب الرب فقال: قد علمت أنك تستطيع كل شيء ولا يعسر عليك أمر. فمن الذى يُخفى غرضه عنك، ومن يوارى أفكاره ويظن أنه اختفى عنك؟” (21:42)
2- ثم أضاف قائلاً: “بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عيني” (5:42). ليس معنى هذا أنه رآه بعينيه، بل أنه سمعه بوضوح شديد.
3- “لهذا احتقرت نفسی و ندمت و حسبت نفسى تراباً ورمادا” (6:42).
لأجل هذا قال الله له: «هل تظن أن تدخلى فى أمرك كان له هدف آخر سوى إظهار برك؟»، فهذا كان لكى تتكلم كما فعلت لتوك ( منذ قليل)، وليس لإدانتك. وهذا كان تبريراً لكل ما حدث في السابق.
إن أيوب لما تكلم هكذا لم يكن قد تخلص من تجربته بعد بل كان لم يزل في أوجاعه عندما تراجع عن موقفه ( وكلامه السابق). قال :أيوب إننى لا أقيم اعتباراً لنفسي بل سأبرر الله بخصوص كل ما حدث. وحتى هذه الخيرات السابقة التي كنت أنعم بها لم أكن مستحقاً لها. فماذا فعل الله ؟ إن الله برره عندما دان أيوب نفسه. وماذا قال الله ؟
قال الله لأصدقاء أيوب الثلاثة أنه ينبغى لهم أن يكفّروا عن خطيتهم ويطلبون عبده أيوب ليصلى من أجلهم.
الله يدين تصرف أصدقاء أيوب الثلاثة
4- يقول النص: “وكان بعدما تكلم الرب مع أيوب بهذا الكلام أن الرب قال لأليفاز التيماني: لقد أخطأت أنت وصديقاك لأنكم لم تقولوا شيئاً من الصدق أمامي كعبدى أيوب” (7:42)
وهو هنا بذكره المستمر لعبده (أيوب) يريد أن يُظهر أن كل ما سبق قد محي، لذلك فإن أيوب قال الحق بحديثه عن أعماله الحسنة، بينما أنتم بإدانتكم له لم تقولوا الحق.
5- قال الرب: “والآن فخذوا لأنفسكم سبعة ثيران وسبعة كباش واذهبوا إلى عبدى أيوب وهو يقدم ذبائح لأجلكم” (8:42)
ما كان الله سيوصيهم بهذا لو كان يوجد ناموس، بل هم يحضرون لأيوب التقدمات لكونه كاهناً، وكما قدم عن أبنائه يقدم أيضاً عن أصدقائه.
انظر كيف أن النص يبيّن أن قلب أيوب لم يحمل ضغينة. إن الله اتخذ أصدقاء أيوب الثلاثة شهوداً على تقواه الشخصية، وأظهر أيضاً فداحة خطأهم بالأهمية غير العادية لتقدمتهم. وما كان هناك احتياج لذبائح جليلة لو لم تكن الخطايا التي تم التكفير عنها ثقيلة.
٦- وهو أيضاً يظهر أن الذبيحة لم تكن كافية، لأنه قال ” لأنه لولاه” (8:42)
لما كنت سامحتكم. بهذا يُظهر أنه غفر لهم هم أيضاً. وهو قال: «لأنه لولاه لكنت أفنيتكم، لأنكم لم تقولوا شيئاً من الصدق ضد عبدى أيوب» (8:42).
لاحظ كيف أنهم عبثاً تكلموا بحماس، ومع ذلك فإنهم أتهموا بأنهم لم يقولوا شيئاً من الحق، أو بالأحرى هم لم يتكلموا بالغيرة التي بحسب الله، وإلا لكان تم العفو عنهم آنذاك، وأيضاً ما كان أيوب محقاً فى لومهم. من هنا نعلم أن اتهام الأبرار (وهم أبرياء) ليس بخطية هيئة.
أيوب يستعيد الغنى والاعتبار
7- يقول النص: “وعلم كل إخوته وأخواته بكل ما حدث له وجاءوا إليه، كذلك كل من عرفوه من قبل (جاءوا إليه) وبعد أن أكلوا وشربوا معه وعزّوه واندهشوا لكل البلايا التي أصابه الرب بها، وقدم كل واحد منهم نعجة صغيرة وما قيمته أربع دراهم غير نقدية” (11:42)
وهذا التصرف هو برهان وعلامة على التغير إذ أن البشر قد اعتادوا على إكرام من هو مكرم لدى الله كما يليق بملك، وقد تغير كل حال أيوب وتضاعفت أملاكه.
8- يقول النص : ” وولد له سبعة بنين وثلاث بنات (42: 13) وقد وضع لهن أيوب أسماء، ربما مستوحاة من الظروف ودعاهن ” يميمة وقصيعة وقرن هفوك (14:42).
أيوب لا يزال نموذجاً لنا اليوم كما كان لليهود قبل موسى
9- بعد ذلك تحدث النص أيضاً عن ملوك وقال أن أيوب كان الخامس ابتداء من إبراهيم. واليهود كانوا آنذاك لا يزالوا موجودين فى مصر ، وكانوا على وشك العودة بحيث أنهم لو أرادوا فيمكنهم أن يجدوا فى سيرة أيوب حرارة متوهجة ليست قليلة يضرمون بها تقواهم، وسيكون أمراً مستبعداً أن يهملوا مثل هذه السيرة. وإن كان لا يزال تظهر لنا التذكارات المتبقية منه فكم بالأولى أظهرته الأحداث بينما كانت لا تزال حديثة العهد وكل الذين عاشوا فى العربية ( بلاد العرب) عرفوا أيضاً أهمية هذه الأحداث.
وبالنسبة لنا فنحن تكلمنا عنه كما باختصار، ولكن سيكون متاحاً من الوهلة الأولى لاكتشاف أكثر مما قلنا لمن يجتهد ويسعى بالفحص المدقق للنص الذي هو محل البحث والكتاب يقول أعط للحكيم دفعة فيصير أوفر حكمة (أم (9: 9). بناء على ذلك فليلقى كل قارئ نظرة على هذا المجاهد المقدام كنموذج ومثال ونقتدى ببسالته ونتبارى معه في الصبر، تابعين نفس الطريق مثله ومجابهين بمروءة كل مكائد الشيطان، فيمكنه بذلك أن ينال الخيرات الموعودة لكل من يحبون الله بنعمة ورحمة ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والسلطان والإكرام مع الآب والروح القدس الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
تفسير أيوب 41 | سفر أيوب 42 | تفسير سفر أيوب |
تفسير العهد القديم |
فهرس |
القديس يوحنا ذهبي الفم | ||||
تفاسير سفر أيوب 42 | تفاسير سفر أيوب | تفاسير العهد القديم |