تفسير سفر عاموس ١ للقمص أنطونيوس فكري
شرح عاموس – الإصحاح الأول
الآيات (1،2): “أقوال عاموس الذي كان بين الرعاة من تقوع التي رآها عن إسرائيل في أيام عزّيا ملك يهوذا وفي أيام يربعام بن يوآش ملك إسرائيل قبل الزلزلة بسنتين. فقال أن الرب يزمجر من صهيون ويعطي صوته من أورشليم فتنوح مراعي الرعاة وييبس راس الكرمل”
بين الرعاة = بالرجوع إلى (14:7) نجد أن النبي كان جاني جميز فمن هذه الآية وتلك نستنتج أنه كان فقيراً، ولم يذكر اسم أبيه لعدم شهرة العائلة. أقوال.. رآها = فأقواله هي ثمرة رؤى إلهية وإعلانات بالروح القدس. وكانت الإعلانات والأقوال يقينية كأنه رآها. والفعل العبري المستخدم يشير خصيصاً للرؤية النبوية. عن إسرائيل = لقد أقام الله لإسرائيل أنبياء منهم أي من إسرائيل (عا11:2) ولكنهم لم يبالوا بهم، فأرسل الله لهم نبياً من يهوذا لعلهم يتوبون. الرب يزمجر من صهيون = عاموس راعي، وأكثر ما يرعب الرعاة صوت زمجرة الأسد (4:3،8) والمعنى أن الخطية المنتشرة جعلت الله يرى في إسرائيل فريسة سيلتهمها. فعلينا أن نخاف ونتوب فيتحول الله كأسد يدافع عنا وكلمة يزمجر المستخدمة هنا تشير لصوت الأسد وهو يهم بأن يهجم على فريسته. إذاً هذا فيه إشارة لضربة ستأتي سريعاً. من صهيون = حيث الهيكل وتابوت العهد موطئ قدمي الله. فأورشليم هي مسكن الله على الأرض وكرسيه الذي منه يحاكم كل الأرض. وهو أيضاً قد زمجر مرّة على صليبه ضد قوات الشر (تك9:49) “جثا وربض كأسد وكلبؤة من ينهضه” فهو الأسد الذي جثا ومات على الصليب، والكنيسة هي اللبؤة التي ماتت معه لكي تقوم. وهنا هو أسد ينذر بالهدم والخراب، ولكن هذا من أجل أن يبنى (عا11:9،12) فهو يهدم ويبني، يقلع ويغرس (أر10:1) هو يحطم فينا الإنسان القديم ليقيم الإنسان الجديد. قبل الزلزلة = يبدو أنها كانت زلزلة رهيبة، حتى أن زكريا يذكرها بعد عدة قرون (زك5:14) تنوع مراعي الرعاة = من التأديبات القادمة. وييبس رأس الكرمل= ييبس هذا المكان المشهور بجماله ونباته وأشجاره وخصبه وأن كان هذا ما سيحدث لأخصب الأماكن، فماذا يكون حال الباقي ولاحظ أن مراعي الرعاة في تقوع بلدته (في يهوذا) ورأس الكرمل في الشمال. والمعنى أن البلاد كلها ستخرب. هناك عبارات تتكرر مع كل الشعوب الموجه لها إنذارات والتي يدينها الله على لسان النبي وهي:
- الذنوب الثلاثة والأربعة: وهذه لها عدة معاني :
أ. رقم (3) يشير إلى الله المثلث الأقانيم ورقم (4) يشير للعمومية فهو يُعبَّر عن أربعة اتجاهات الأرض. وبهذا تكون الذنوب الثلاثة هي خطايا البشر تجاه الله فكل خطية حتى لو كانت تجاه إنسان، هي موَّجهة لله وكَسْرْ لشريعته ونواميسه. والذنوب الأربعة تعني أن خطايا البشر ولو أنها موجهة لله فهي في نفس الوقت ضد الإنسان. فكل خطية أرتكبها تحمل في داخلها عقوبة ضدي. فالخطايا عموماً هي ضد الله، ولكنها تتسبب في عقوبات ترتد على البشر، بل على كل العالم، لذلك قال الله لآدم حين أخطأ ” ملعونة الأرض بسببك” وقبل الخطية كان الإنسان عبارة عن قصر يسكن الله فيه وبسبب الخطية ترتد علينا نار تأكل هذه القصور فتخرب. وهذا معنى ما سيتكرر بعد ذلك أرسِلُ ناراً فتأكل قصورها.
ب. النفس مخلوقة على صورة الله مثلث الأقانيم، فهي نفس عاقلة حية والله كائن عاقل حي فيشير رقم(3) للنفس البشرية ورقم (4) يشير للجسد فهو مأخوذ من الأرض وكأن المعنى للذنوب الثلاثة والأربعة هو ذنوب النفس (كالكبرياء والحقد…) وذنوب الجسد (كالشهوات والتخمة…).
ت. ثلاثة وأربعة هو أسلوب عبري في التعبير، فيه يضع الكاتب رقمان متتاليان، وهذا يشير للتمام. أي خطايا هذا الشعب صارت تامة أي امتلأ بها كأس غضب الرب للتمام، مماّ استوجب العقاب، خصوصاً أن 3 + 4 = 7 ورقم (7) هو رقم كامل. ونجد هذا الأسلوب العبري في التعبير في “نقيم عليه سبعة رعاة وثمانية” (مي5:5) بمعنى كمال الرعاية. “أعط نصيباً لسبعة وثمانية” (جا2:11) بمعنى أعط من عطاياك لكل إنسان “هذه الستة يبغضها الرب وسبعة هي مكرهة” بهذه الخطايا يصير غضب الله تاماً كاملاً” (أم16:6).
- لا أرجع عنه = في ترجمات أخرى – لا أرجع عن قصاصها + ألاّ أعاقبها.
- قال الرب ” من أجل ذنوب ” “أرسل ناراً” في كل مرة تتكرر هذه الكلمات كالقرار في الشعر. وهذا يعني من أجل ذنوب هذه الأمم سيعاقب الله بأن يُرسِلْ ناراً، وهذه النار إشارة للحروب القادمة.
هكذا قال الرب:
هذه العبارة تكررت مع الجميع. ومعناها أنه: مع أن هذه الشعوب المدانة هنا لا تتعبد للرب، لكنه هو ديّان الجميع وإله الأرض كلها، يدين الكل ويهتم أيضاً بالكل. ونجد هنا دينونة لكل جيران شعب الله (دمشق، غزة..) ثم دينونة ليهوذا وإسرائيل على خطاياهم. وقد بدأ بدينونة الأمم أولاً ليعطي شعبه فكرة عن أنه مهتم بهم ويعرف ويرى آلامهم من ظلم هذه الشعوب ضدهم. ثم يدينهم هم حتى يتنبهوا ويقدموا توبة. فهذه الشعوب ما كان لهم سلطان أن يؤذوا شعب الله إن لم تكن هناك خطية في شعب الله. وقد نفهم أن هذه الأمم تشير للشيطان الذي يحقد على أولاد الله فيؤذيهم والله سيدينه ولكنه سيدين أيضاً كل من يتبعه من أولاد الله.
الآيات (3-5) : “هكذا قال الرب.من اجل ذنوب دمشق الثلاثة والأربعة لا ارجع عنه لأنهم داسوا جلعاد بنوارج من حديد. فأرسل نارا على بيت حزائيل فتأكل قصور بنهدد. واكسر مغلاق دمشق واقطع الساكن من بقعة آون وماسك القضيب من بيت عدن ويسبى شعب آرام إلى قير قال الرب.”دمشــــق هي عاصمة أرام “(سوريا).
داسوا جلعاد = جلعاد كانت على الحدود بين أرام وإسرائيل، فكان عليها أول هجوم للآراميين. وقد عاشت إسرائيل مدة طويلة في رعب من أرام (2مل7:8-15) وواضح من هذا الجزء أن بنهدد كان ملكاً على أرام. وهو مؤسس وصاحب قصورها وأغتاله حزائيل وملك عوضاً عنه. وهذا معنى أرسل ناراً على بيت حزائيل فتأكل قصور بنهدد التي أغتصبها حزائيل. والنار هي حرب مدمرة جزاء لهما على تحطيم شعب الله. وأكسر مغلاق دمشق قوة الباب في مغلاقه، وإذا أنكسر الباب سقط السور وبالتالي تنهب المدينة “فإن لم يحرس الرب المدينة فباطلاً سهر الحراس” والله حينما يكسر مغلاق مدينة يعني أنه يرفع حراسته عنها، ولهذا تسقط المدينة بقصورها.
تأمل: يا ليت الله يسكن قلوبنا فتكون هي قصره وبالتالي يكون هو سورنا وحامينا بقعة آون= أي وادي البطل أو وادي الأصنام. فهي كانت مركزاً للأصنام وفيها هيكل بعلبك الشهير في لبنان. فعبادة الأصنام بُطل. وغالباً كلمة بقعة آون هي اسم رمزي وليس الاسم الحقيقي. (كما أطلق هوشع على بيت إيل، بيت آون) والمعنى أنه إينما سكن الشيطان أو الخطية فالنتيجة أن هذا المكان يخرب = لا ساكن. ماسك القضيب = أي كل عظيم أو ملك يمسك صولجانه. بيت عدن = بيت البهجة والتنعم = أي يفقد الإنسان كل سلطانه الذي أعطاه له الله وكل عظمته إذا انغمس في التنعم بالملذات الزمنية. ولكي نرى بشاعة عمل آرام ضد إسرائيل راجع (2مل12:8+ 32:10،33) ويسبى شعب آرام إلى قير = هذه هي عقوبة شعب آرام على وحشيته وتمت هذه النبوة فعلاً راجع (2مل9:16).
الآيات (6-8): “هكذا قال الرب.من اجل ذنوب غزّة الثلاثة والأربعة لا ارجع عنه لأنهم سبوا سبيا كاملا لكي يسلّموه إلى أدوم. فأرسل نارا على سور غزّة فتأكل قصورها. واقطع الساكن من اشدود وماسك القضيب من اشقلون وارد يدي على عقرون فتهلك بقية الفلسطينيين قال السيد الرب.”
غــــزة إحدى مدن فلسطين.
كان للفلسطينيين خمس مدن كبيرة، وعلى كل منها قطب أي رئيس. وهنا مذكور أربع من هذه المدن، والخامسة التي تذكر هي جت، ولعلها كانت مدَّمَرَة في هذا الحين. والمدن المذكورة هي غزة (العاصمة) وأشدود وأشقلون وعقرون. وخطية فلسطين المذكورة هنا هي أنهم ألقوا القبض على بني يهوذا الهاربين إليهم من وجه سنحاريب ملك أشور وباعوهم عبيداً لبني آدوم أعدائهم. ولذلك ارتدت النار عليهم. هذا يفسر معنى الذنوب الثلاثة والأربعة أي حينما أخطأوا تجاه الله في شخص أولاده، أخطأوا في حق أنفسهم إذ ارتدت النار عليهم. سبوا سبياً كاملاً = أي كل من سقط في أيديهم سبوه، أو حين كانوا يضربون مدينة وتسقط في أيديهم يسبون كل أهلها ويبيعونهم وكانت أدوم مركزاً لتجارة العبيد.
الآيات (9،10): “هكذا قال الرب من اجل ذنوب صور الثلاثة والأربعة لا ارجع عنه لأنهم سلّموا سبيا كاملا إلى أدوم ولم يذكروا عهد الاخوة. فأرسل نارا على سور صور فتأكل قصورها.”
صــــور
كان لها أسطولها البحري وتجارتها الضخمة وكان بين حيرام ملكها وسليمان ملك إسرائيل معاهدة أخوة (1مل1:5-12) + (10:9-14) ولكنهم خانوا العهد وباعوا أولاد اليهود عبيداً لآدوم. وخربت صور حسب النبوة على يد نبوخذ نصر أولاً ثم على يد الإسكندر.
الآيات (11،12) : “هكذا قال الرب من اجل ذنوب أدوم الثلاثة والأربعة لا ارجع عنه لأنه تبع بالسيف أخاه وافسد مراحمه وغضبه إلى الدهر يفترس وسخطه يحفظه إلى الأبد. فأرسل نارا على تيمان فتأكل قصور بصرة.”
آدوم هو عيسو أخو يعقوب
عداوتهم تقليدية ليعقوب، من البطن، منذ أيام يعقوب وعيسو حينما كانا في بطن أمهما. وفي عودة إسرائيل بعد خروجهم من مصر، أتخذ الآدوميون منهم موقفاً معادياً ولم يسمحوا لهم بالعبور (عد14:20-21) وكان لهم دائماً موقفاً شامتاً من مصائب إسرائيل (وهذا هو موقف الشيطان من أولاد الله دائماً) وكلمة آدوم مأخوذة من آدم. وتعنى إنسان دموي أو أرضي، فهي تشير لحب سفك الدماء من أجل الأرضيات. وخطيتهم هنا تبع أخاه بالسيف = وأخاه أي إسرائيل أو يهوذا (فإسرائيل أخو عيسو (آدوم)) فهو ملتهب بنار الشر وحب سفك الدم، لذلك ارتدت النار إليه وتيمان = هي قبيلة، وهي أهم أقاليم آدوم، وتيمان هو اسم بكر أليفاز بن عيسو (تك11:36،15،42) وبصرة = هي أكبر مدنهم والاسم يعني قلعة ولكن حين يحكم الرب ضدها تخرب قصورها وقلاعها. والآدوميون لم تكن لهم الشجاعة على الحرب المباشرة ضد إسرائيل، بل هم كانوا ينتظرون سقوط يهوذا تحت حرب دولة أخرى مثل أشور أو بابل، ويضربون الهاربين بالسيف ويتعقبونهم، وهذا معنى افسد مراحمه = وفي ترجمات أخرى ” تخلى عن كل رحمة” فحقدهم ضد شعب الله أزال من قلوبهم كل رحمة، فتجردوا من رقة البشر ولبسوا وحشية الوحوش. وعلى هذا الأساس كان دائم الافتراس = وغضبه إلى الدهر يفترس= وهذه صفة إبليس الذي كان من البدء قتالاً للناس وهو الأسد الزائر الذي يلتمس من يبتلعه (يو44:8 + 1بط8:5) سخطه يحفظه إلى الأبد = كان يحفظ سخطه حتى تحين لحظات الضعف لإسرائيل فيظهره.
الآيات (13-15) : “هكذا قال الرب من اجل ذنوب بني عمون الثلاثة والأربعة لا ارجع عنه لأنهم شقّوا حوامل جلعاد لكي يوسّعوا تخومهم. فأضرم نارا على سور ربّة فتأكل قصورها.بجلبة في يوم القتال بنوء في يوم الزوبعة. ويمضي ملكهم إلى السبي هو ورؤساؤه جميعا قال الرب.”
بني عمــــون (نسل لوط) من الابنة الصغرى.
كانوا قساة القلب، يقدمون أولادهم ذبائح لإلههم ملكوم (1مل5:11-33) وكانوا في حروب دائمة مع بني إسرائيل ومن قسوتهم شقوا حوامل جلعاد لكي يوسعوا تخومهم = فالطمع يفسد إنسانية البشر وحنان الإنسان الطبيعي وهذه خطية إبليس ضد البشر فهو يريد إفناء الجنس البشري. فشق البطون للحوامل يفهم على أنه الرغبة في إفناء النسل. وعقوبتهم ناراً على سور ربة = ربة هي عاصمتهم (وهي عمان حالياً) وهذه ستتحول لمنطقة قتال ويسبى ملكها وعظماؤها. هذا نتيجة طبيعية للظلم. وقد وقعت بنى عمون في السبي على يد نبوخذ نصر ملك بابل، وذلك بعد سقوط أورشليم مباشرة.
تفسير عاموس – مقدمة | عاموس 1 | تفسير سفر عاموس |
تفسير العهد القديم | تفسير عاموس 2 |
القمص أنطونيوس فكري | ||||
تفاسير عاموس 1 | تفاسير سفر عاموس | تفاسير العهد القديم |