تفسير سفر عاموس ٣ للقمص أنطونيوس فكري

شرح عاموس – الإصحاح الثالث

الآيات (1،2): “اسمعوا هذا القول الذي تكلم به الرب عليكم يا بني إسرائيل على كل القبيلة التي أصعدتها من ارض مصر قائلا. إياكم فقط عرفت من جميع قبائل الأرض لذلك أعاقبكم على جميع ذنوبكم.”

الله يعلن لهم أنه هو الذي أخرجهم من أرض مصر. إيّاكم فقط عرفت = أي أحببتكم وكنتم لي شعباً خاصاً، وكنت لكم كل شئ. ولكن ليس معنى هذا أنه يقبل منهم خطاياهم، بل سوف يحاكمهم عليها لأنه قدوس لا يقبل الشر. هي علاقة شركة بين أثنين الله والإنسان. والله لا يقبل الشركة مع أناس مذنبين. بل هم ازدادوا معرفة بالله أكثر من بقية الشعوب، ومن أزداد معرفة يزداد مسئولية أمام الله.

 

الآيات (3-6): “هل يسير اثنان معا أن لم يتواعدا. هل يزمجر الأسد في الوعر وليس له فريسة.هل يعطي شبل الأسد زئيره من خدره أن لم يخطف. هل يسقط عصفور في فخ الأرض وليس له شرك.هل يرفع فخ عن الأرض وهو لم يمسك شيئا. أم يضرب بالبوق في مدينة والشعب لا يرتعد.هل تحدث بلية في مدينة والرب لم يصنعها.”

نجد هنا سبعة أسئلة من المنطقي أن إجابة كل منها بلا. هي أسئلة تكشف عن علاقة الله بشعبه، وأنه مزمع أن يؤدبهم على كثرة ذنوبهم. وفيها يكشف النبي عن سبب إرساليته، ملخص الأسئلة أن لكل معلوم علته، ولظهور النبي في إسرائيل أيضاً علَّته، وهذه العلة هي أن هناك خراباً آتياً كعقوبة بسبب خطاياهم، فعليهم أن يصغوا إليه ويتوبوا.

  1. هل يسير اثنان معاً إن لم يتواعدا؟ أي هل يشترك اثنان في السير معاً دون أن يكون بينهما عهد من نوع معين، أو هل يمكن أن يتلاقى اثنان في مكان فيسيران معاً دون أن يكون بينهما اتفاق، أو ملتزمين معاً باتفاقيات الصداقة المتعارف عليها. والاثنان هنا هما الله وشعبه وكان بينهما عهد (لا23:26،24) وقد كسر الشعب هذا العهد. وجاء المسيح بعهد جديد (أر31:31-33) بجسده ودمه. ونحن لا يمكننا أن نسير مع الله أن لم نصطلح معهُ ونلتزم بعهده، ونكون معهُ على اتفاق تام ونعمل من أجل مجد أسمه. ومن لا يلتزم بشروط العهد فهناك عقوبات منصوص عليها في هذا العهد (لا26).
  2. هل يزمجر الأسد.. وليس له فريسة؟ الأسد يظل صامتاً حتى تلوح فريسته لهُ فيبدأ يزمجر، وهذا الصوت معناه أن الهجوم وشيك. ولأن الشعب كسر بنود العهد، وبحسب بنود العهد، ولأن الله لا يعرف التراخي في محاكماته فهو قدوس لا يقبل الخطية، لذلك فهو كأسد يزمجر ليفترس شعبه. والوعر= هو البشرية التي بلا ثمر. الله يزمجر ليضرب على الخطية والخاطئ هو الفريسة. هذه الزمجرة هي قصاصات الله، مثلاً الجيوش المعادية.
  3. هل يعطي شبل الأسد.. إن لم يخطف؟ الزئير هنا هو انذارات الله التي يرسلها بيد عبيده الأنبياء، وهم ينذرون بقصاصات (مثل الحروب والمجاعات) وكلامهم ليس كلاماً في الهواء، بل ان لم يتب الشعب، فما أنذر به الأنبياء سيحدث بكل تأكيد فشبل الأسد يزمجر. وبعدها لابد أن يخطف فريسته. فهم جعلوا أنفسهم فريسة بخطاياهم.
  4. هل يسقط عصفور.. وليس له شرك؟ سقوط عصفور في شرك معناه أن أحداً قد وضع هذا الشرك. وعلينا أن نفهم أن أي تجربة تأتي علينا هي بسماح من الله ضابط الكل. الله هنا يريد أن يفهم الشعب، كيف يفسر الأحداث روحياً فأشور أو بابل أو…. هي أدوات في يد الله، حين يريد يسلطها على شعبه لتأديب شعبه، وحين يريد يمنعهم. فهناك من يميل لتفسير الأحداث بطريقة علمية أو سياسية أو عسكرية، كمن يقول أن أشور قد انتصرت على يهوذا أو إسرائيل (شعب الله) لأن أسلحتهم أقوى، ولكن الله يقول لا، بل أن أشور وبابل.. ألخ هي شرك أنا اضعه أمامكم، وذلك بسبب خطاياكم. نحن بهذا نصير أمام الله كعصفور ساقط في شرك وهذا العصفور لا يستطيع أن يخلص نفسه إن لم يكسر له أحد الفخ” إنفلتت أنفسنا من فخ الصيادين، الفخ أنكسر ونحن نجونا” (مز7:124) وكان إبليس هو الذي نصب لنا فخ الموت فكسره المسيح بصليبه. ولكن بإصرارنا على حب الخطية نعود بإرادتنا وندخل للفخ مرة أخرى، بعد أن حررنا المسيح نُدْخِلْ أنفسنا ثانية لهذا الفخ، والله يسمح بد خولنا للفخ بآلامه حتى نتأدب. فبالخطية يزأر الله ضدنا، وبالتوبة يزأر الله ضد إبليس ويرعبه وينجينا من فخاخه الشيطانية ويكسر لنا الفخ ويحررنا.
  5. هل يُرفع فخ.. وهو لم يمسك شيئاً؟ لماذا سمح الله بالتجربة والألم، أي سقوط الخاطئ في الفخ؟ قطعاً الله صانع خيرات، وهو لن يسمح بهذا إلاً لكي يتوب هذا الخاطئ. والله كطبيب حكيم ماهر، لن يرفع الفخ، أي لن يرفع التجربة ما لمْ تأتي بثمارها، ويقدم هذا الخاطئ توبة حقيقية.
  6. أم يضرب بالبوق في مدينة والشعب لا يرتعد؟ البوق هو إنذارات الله بفم الأنبياء وعلى الشعب أن يرتعد ويقدم توبة. في هذا السؤال نجد إجابة السؤال السابق، أي أن الفخ أمسك شيئاً أي أتت التجربة بثمارها، وثمار الفخ التي تفرح الله هي تقديم توبة برعدة.
  7. هل تحدث بلية (شر) في المدينة والرب لم يصنعها؟ الشر هنا هو الضيق الذي يسمح به الله للتنقية والتأديب. هنا الله يعلن أنه المسئول عن كل ما يحدث لهم، كل شئ من يده.

 

الآيات (7،8): “أن السيد الرب لا يصنع أمرا إلا وهو يعلن سرّه لعبيده الأنبياء. الأسد قد زمجر فمن لا يخاف.السيد الرب قد تكلم فمن لا يتنبأ.”

 كانت الإجابة على كل الأسئلة السابقة هي “لا” وهنا الله يعلن أنه سبق عن طريق أنبيائه وأخبر عن كل ما سيعمله. كما سبق وأخبر إبراهيم عن حرق سدوم وعمورة وهو كقدوس رأى الخطايا البشعة التي يعملونها فزمجر كأسد فمن لا يخاف؟ إذاً علينا أن نخاف أمام هذه النبوات. وهو أيضاً أخبر نوح قبل الطوفان، وأخبر فرعون ويوسف قبل المجاعة؟ وأخبر أهل نينوى، وأخبر الرسل قبل خراب أورشليم. ودائماً يخبر الأنبياء ليخبروا شعبه فلا يستطيعون إلاّ أن يتنبأوا. (كلمة وحي = ثقل).

 

الآيات (9-11): “نادوا على القصور في اشدود وعلى القصور في ارض مصر وقولوا اجتمعوا على جبال السامرة وانظروا شغبا عظيما في وسطها ومظالم في داخلها. فانهم لا يعرفون أن يصنعوا الاستقامة يقول الرب.أولئك الذين يخزنون الظلم والاغتصاب في قصورهم. لذلك هكذا قال السيد الرب.ضيق حتى في كل ناحية من الأرض فينزل عنك عزك وتنهب قصورك.”

هنا يُشْهِدْ الله الشعوب الوثنية المجاورة على شعبه (مصر وأشدود أي فلسطين) كأن الله لا يجد باراً واحداً في شعبه يلجأ إليه فلجأ للغرباء. وأيضاً في دعوة الله لهذه الشعوب، كأنه يريد أن يشهدهم على قداسته فإن كان قد رفض شعبه من أجل خطاياهم، فهو سيرفضهم بسبب هذه الخطايا وقارن مع (1كو2:6) “ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم” لكن الصورة هنا مقلوبة، فالعالم هنا هو الذي يدين شعب الله. هم كانوا ملحاً ولكنهم فسدوا لذلك يدوسهم الناس بعد أن يُطْرَحوا خارجاً. والسبب أنهم يخزنون الظلم والاغتصاب = كناية عن كثرته. ولذلك يحاصرهم الضيق أي جيش أشور. وكل ما خزنوه في قصورهم أخذوه الأشوريون في السبي. هم ظلموا الفقراء ليكنزوا لهم كنوزاً في قصورهم فأكل السوس ما خزنوه بل أكل قصورهم التي في الأرض.

 

الآيات (12-15): “هكذا قال الرب.كما ينزع الراعي من فم الأسد كراعين أو قطعة إذن هكذا ينتزع بنو إسرائيل الجالسون في السامرة في زاوية السرير وعلى دمقس الفراش. اسمعوا واشهدوا على بيت يعقوب يقول السيد الرب اله الجنود. أني يوم معاقبتي إسرائيل على ذنوبه أعاقب مذابح بيت إبل فتقطع قرون المذبح وتسقط إلى الأرض. واضرب بيت الشتاء مع بيت الصيف فتبيد بيوت العاج وتضمحل البيوت العظيمة يقول الرب.”

هلاك إسرائيل سيكون هلاكاً كاملاً على يد أعدائهم وذلك بسماح من الله. لكن الله الراعي الحقيقي سينقذ من هذا الهلاك التام البقية التقية. والتصوير هنا من واقع حياة الرعاة: مثل أسد أكل خروف وإلتهمه، وأتي الراعي واستطاع أن ينقذ من فمه أذن الضحية أو رجلين منها. والرجلين =- كُراعين (أو كوارع) والأذن والكراعين هم البقية التي رأى الله أنها تستحق النجاة بعد هذه الضربة الفتاكة. اماّ الباقون الأشرار الجالسون في السامرة في زاوية السرير وعلى دمقس الفراش = أي في حياة تنعم مبنى على المظالم والشرور، فسوف ينتزعون ويلتهمهم الأسد أي أشور ويعاقب الرب مذابح بيت إيل = أي ينزع عبادة الأوثان لأنهم حولوا العبادة فيها لعبادة أوثان. فتقطع قرون المذبح = تنتهي قوته وسحره الذي جعلهم يعبدون ألهته وينتهي ترفهم فهم لهم بيوت للشتاء وبيوت للصيف. وبيوتهم هذه مرصعة بالعاج. وغضب الله سيحل على هذه البيوت لأنها مبنية بمال الظلم.

تفسير عاموس 2 عاموس 3 تفسير سفر عاموس
تفسير العهد القديم تفسير عاموس 4
القمص أنطونيوس فكري
تفاسير عاموس 3  تفاسير سفر عاموس تفاسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى