تفسير رسالة كورنثوس الأولى ٧ للقمص تادرس يعقوب ملطي
الباب الثالث
مشاكل اجتماعية
7-10
الكنيسة في قدسيتها تهتم بوحدة الجماعة وتقديس كل عضوِكما بتقديس العائلة والجماعة.
عالج الرسول بولس في الأصحاحات السابقة ما سمعه من عبيد خلوي عن المشاكل التي كانت قائمة في كورنثوس، الآن يجيب على التساؤلات التي قُدمت على يدي مندوبيهم:
1. أسئلة تدور حول الزواج والبتولية والعلاقات الجسدية الخ (ص7).
2. التساؤل بخصوص الطعام المكرس للآلهة الوثنية إن كان يجوز أكله أم لا (ص8).
3. حقوق الرسول والكارز بالإنجيل لدى الشعب (ص9).
4. ما هو موقف المؤمن من الولائم في هيكل وثني؟ وما موقفه من اللحوم فى السوق العام؟ وما موقفه من وليمة في بيت صديق وثني؟(ص10).
الأصحاح السابع
الزواج والبتولية
النظرة إلى الزواج والبتولية في العصر الرسولي
يجيب الرسول في هذا الأصحاح عن بعض الأسئلة التي بعث بها الكورنثوسيون إليه، منها هل يليق بالمؤمن ألا يتزوج في الظروف المعاصرة في كورنثوس؟ غالبًا ما قام بالتساؤل بعض المسيحيين الذين من أصل أممي وبعض ممن هم من أصل يهودي.
كان اليهود يرون الزواج أمرًا ضروريًا، ويحسبون من لا يريد الزواج قد ارتكب جرمًا. بينما يتطلع كثير من الفلاسفة إلى الزواج كشرٍ يجلب متاعب لا حصر لها، لكنه شر لا بد منه.
في قوانين Lycurgus كان غير المتزوجين يمنعون من مشاهدة الألعاب العامة, وفيقوانين Sportans كان غير المتزوجين يُعاقبون. وأعلن أفلاطون بأن هؤلاء لا يستحقون أية كرامة، ومع هذا وجد فلاسفة يونانيون يدافعون عن العزوبية وعدم الزواج.
أدت النظرة الخاطئة للجسد إلى تطّرفين: الأول الاستهانة به كعنصر ظلمة كله شهوات، فأسلمه هذا الفريق للزنا. والثاني دنسوا النظرة إلى العلاقات الزوجية الجسدية فنادوا بامتناع المتزوجين عن المعاشرة الزوجية.
دافع العلامة أوريجينوس، كما فعل من قبله معلمه القديس اكليمنضس السكندري، عن شرعية الزواج، ضد الإنكراتيين Encratites، الذين كان أغلبهم مرقيونيين Marcionites ومونتانيين Montanists. فيشير إليهم كـ “أتباع تعاليم الشياطين”كقول القديس بولس في (1 تي 3:4). في مرات كثيرة أشار إلى تحريمهم للزواج، ومناداتهم بالنسك (لكون بعض الأطعمة دنسة). جاء في كتابات أوريجينوس ضد المرقيونيين أنه ليس شيء خلقه اللَّه غير طاهر في ذاته. وأنه لا يتنجس شيء ما إلا بالأفكار والنيات الشريرة للبشر. إنهم يُحرمّون الزواج الذي حققته العناية الإلهية. دافع أوريجينوس عن الزواج المسيحي، بصفته نموذجًا للاتحاد بين الكنيسة والمسيح.
ويمكن تلخيص ما ورد في هذا الأصحاح عن الزواج والبتولية في النقاط التالية:
أ. يعلن الرسول عن سمو الحياة البتولية [1، 8] بالنسبة لمن لم يتزوج أو البتول. فقد عاش الرسول بولس بتولاً، متفرغًا للخدمة دون تحرق. فالبتولية ليست غاية في ذاتها، بل هي تكريس الطاقات والإمكانيات للعبادة أو الكرازة. فإن كان الرسول يشتاق أن يقتدي الكل به، ذلك ليس لأن الزواج خطية، وإنما لأجل الرب لمن وُهبوا هذه العطية. “فأريد أن تكونوا بلا همّ. غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضي الرب. وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي امرأته“ [33].
ب. يلزم إلا يمتنع أحد عن العلاقات الزوجية كأمرٍ دنسٍ. إنما يمكن الامتناع إلى حين، للتفرغ للعبادة، وبموافقة الطرفين.
ج. إن قبل أحد الزوجين الإيمان المسيحي، وقبل الطرف الثاني، وهو غير مسيحي، أن يبقى معه فلا يمتنع الأول. لأن غير المؤمن مقدس في المؤمن، وإلا يُحسب الأولاد نجسين. هذا لا يعني التصريح للمسيحي بالزواج بغير المؤمنة، إنما يتحدث عمن كانا متزوجين قبل قبول أحدهما الإيمان بالمسيح.
د. لا يليق بالمتزوج أن يندم على زواجه، ويمكن للبتول أن يبقى هكذا، لكنه إن تزوج لا يخطئ. من لا يضبط نفسه فليتزوج، “لأن التزوج أفضل من التحرق“ [9]. ولكل مؤمن موهبته الخاصة من اللَّه: الزواج أو البتولية [7].
يقول ثيؤدورت أسقف قورش: [سأل أهل كورنثوس بولس إن كان من حق المسيحيين المتزوجين, وقد نالوا العماد أن يتمتعوا بالعلاقات الجسدية بين الزوجين. أجاب بولس يمدح العفة, ويدين الزنا ويسمح بالعلاقات الزوجية.]
1. الزواج أفضل من التحرق 1-9
“وأما من جهة الأمور التي كتبتم لي عنها
فحسن للرجل أن لا يمس امرأة” [1].
كانت الكنيسة في كورنثوس تعاني بجانب الانشقاقات تحت أسماء قادة معينين من صراعات بسبب مفاهيم الجنس والعلاقات الجسدية والزواج. فمن جهة كانت كورنثوس تفتخر بهيكل أفروديت وما تمارسه الكاهنات المكرسات للفساد لحساب الهيكل. ولعل البعض كان يحسب هذا التسيب علامة من علامات التحضر والتقدم. وأن العفة والطهارة نوع من التزمت غير اللائق بمواطني مدينة عظيمة مثل كورنثوس.
ومن الجانب الآخر تطلع البعض إلى الزواج وكأنه زنا مباح فقام بعض المعلمين الكذبة ينادون بالامتناع عن الزواج لأنه نجاسة وإشباع لشهوات جسدية. جاء رفضهم للزواج كمظهر من مظاهر القداسة والتقوى.
وظهرت آراء كثيرة متضاربة بين هذين التطرّفين، لهذا بعث البعض بأسئلتهم في هذا الشأن إلى القديس بولس الرسول بكونه مؤسس الكنيسة هناك والمسئول عنها، يطالبونه بإجابة محددة على أسئلتهم.
v إذ أُثيروا بواسطة الأذهان الفاسدة للرسل الكذبة الذين في ريائهم علّموا برفض الزواج حتى يحملوا مظهر القداسة أكثر من الآخرين, لهذا كتب أهل كورنثوس إلى بولس يسألونه عن هذه الأمور. وإذ كانوا غير سعداء بهذا التعليم تجاهلوا كل ماعدا ذلك وركزوا على هذا الأمر وكثفوا أسئلتهم.
أمبروسياستر
v يقول البعض أن هذا المقال يوجهه الرسول إلى الكهنة؛ لكنني أرى مما جاء بعد ذلك أن الأمر ليس كذلك، وإلا ما كان يقدم نصيحته في عبارة عامة. فلو أن هذه الأمور خاصة بالكهنة لقال: “جيد بالمعلم أن لا يمس امرأة”.
القديس يوحنا الذهبي الفم
بدأ إجاباته على أسئلتهم بوضع المبدأ العام: “حسن للرجل أن لا يمس امرأة“. وهو هنا يقدم تقديره الخاص لحياة البتولية التي يراها أنها حياة أفضل، لكنها ليست ملزمة للجميع.
v إذا كانت شرور البشر تحتاج إلى قوانين رادعة، فإن البتولية تأخذ مكانها المساوي للملائكة.
القديس كبريانوس
v كل الكلمات البشرية قاصرة عن أن تضيف شرفًا أكبر لنعمةٍ فائقة كالبتولية.
v ما انفصلت البتولية قط عن الملتصق بواهب صفات الألوهية… إن كل قواميس اللغة وأساليب البلاغة تُحتقر احتقارًا إن اُستخدمت في مدحها.
v البتولية رفيقة الإنسان في عمله الروحاني، ومساعدة له في البلوغ إلى الهدف السامي للحياة… إنها الطريق العملي في علم الحياة الإلهية. وهي تهب الأشخاص قوة حتى أنهم يتشبّهون بالطبائع الروحانية.
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
يعتبر أوريجينوس البتولية أعظم المواهب كمالاً بعد الاستشهاد. ففي ذبيحة البتولية، يكون الإنسان هو الكاهن من خلال فكره، والذبيحة من خلال جسده، وذلك على مثال المسيح فوق الصليب. تمثل البتولية حلقة وصل متميزة بين السماء والأرض، حيث كان اللَّه قادرًا أن يتحد بالبشرية فقط من خلال جسد “مقدس” أخذه من امرأة عذراء بدون علاقة زوجية.
“ولكن لسبب الزنى ليكن لكل واحد امرأته،
وليكن لكل واحدة رجلها” [2].
بجانب حياة الشركة والتعاون الأسري، فإن أحد أهداف الزواج هو حماية الغرائز الجنسية من الانحراف، فعلى الزوجين مسئولية اهتمام كل منهما بالآخر. تقدم لنا الحكمة الإلهية الزواج كعلاجٍ عملي ضد الزنا بكل أنواع الشهوات غير اللائقة. لكي يتجنب الإنسان السقوط في الزنا فيكون للرجل زوجته، وللزوجة رجلها.
v لا يظن أحد أنني أُقلل من قيمة الزواج كسُنّةٍ ونظام. نحن لا نجهل أن الزواج ليس غريبًا عن بركة اللََّه.
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
v البتولية ليست احتقارًا للزواج… ولا تلمح هذا الاستعلاء، لأن العلاقة بين الرجل والمرأة كعلاقة المسيح بالكنيسة.
القديس أغناطيوس الثيؤقورس
v من حيث أنه في الابتداء ظن أبونا أنهما اثنان، أنظر كيف لصقهما وضمهما معًا ليكونا جسدًا واحدًا بواسطة سرّ الزواج. لأنه يقول عِوض هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسدًا واحدًا.
القديس يوحنا ذهبي الفم
v كيف يمكننا أن نعبَّر عن سعادة الزوجية التي تعقدها الكنيسة، ويثبتها القربان، وتختمها البركة؟
العلامة ترتليان
“ليوفِ الرجل المرأة حقها الواجب
وكذلك المرأة أيضًا الرجل” [3].
v يسمح اللَّه لنا بالزواج، إذ ليس كل إنسانٍ قادرًا على حالة السموّ المُلزم بالنقاوة المطلقة.
v إنك تمتنع عن زوجتك التي ارتبطت بها. تقول إنني لا أسيء إليها وتظن أنك تقدر أن تعيش عفيفًا في نقاوة أعظم. أنظر كيف تحطم زوجتك البائسة كنتيجة لتصرفك, فإنها عاجزة عن احتمال طهارتك! يجب أن تلتصق بها جسديًا, لا من أجلك وإنما من أجلها هي!
العلامة أوريجينوس
v هذا هو السبب لماذا يدعو الأمر دينًا (يفي به) ليظهر أنه ليس أحد سيدًا على نفسه بل كل منهما خادم للأخر… الآن إن كان ليس للزوج أو الزوجة سلطان على جسديهما، بالأكثر ليس لهما سلطان على ممتلكاتهما. هذه مساواة عظمى في الكرامة وليس لأحدهما سلطان خاص أو حق خاص.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v يلزم للزوج والزوجة أن يخضع كل للآخر في هذا الأمر. إذ صار الاثنان جسدًا واحدًا وإرادة واحدة حسب ناموس الطبيعة.
أمبروسياستر
v
تقتضي النواميس البشرية أن تكون النساء عفيفات وإن لم تكن هكذا تعاقب, ولا تطالب بذلك بالنسبة للرجال. ذلك لأن الرجال هم الذين وضعوا الشرائع فلم يضعوا أنفسهم على قدم المساواة مع النساء بل أعطوا لأنفسهم تقديرًا أكثر. أما الرسول القديس الذي أوحى له بالنعمة الإلهية فهو أول من وضع قانون العفة موضع تطبيق للرجال أيضًا.
ثيؤدورت أسقف قورش
“ليس للمرأة تسلط على جسدها بل للرجل،
وكذلك الرجل أيضًا ليس له تسلط على جسده بل للمرأة” [4].
ليس للرجل أن يتسلط علي جسده بل يقدمه لزوجته، وأيضا ليس للزوجة تسلط علي جسدها بل تقدمه للزوج. بهذا فإن الزنا وتعدد الزوجات هما خرق لقانون الزواج، حيث سلم كل منهما جسده للطرف الآخر، وليس من حقه أن يسلمه لشخص ثالث.
“لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين،
لكي تتفرغوا للصوم والصلاة،
ثم تجتمعوا أيضًا معًا،
لكي لا يجربكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم” [5].
بالنسبة للمتزوجين فقد صاروا في ملكية متبادلة، كل يقدم جسده للآخر كملكٍ له، ليس له حق الامتناع عن العلاقة الجسدية وإلا صار سالبًا حق الآخرين [5]. فامتناع أي طرف من العلاقة الجسدية دون رضا الطرف الآخر هو سلب لحقوق الزواج. وبالأولي الالتصاق بطرف ثالث سلب لها. يمكن الامتناع إذا اتفق الاثنان للتفرغ للصوم والصلاة إلي حين، دون ضغط من أحد الطرفين على الآخر [5].
يُلاحظ أن الرسول لم يقل: “للصوم والصلاة”، وإلا كان ذلك معناه أن العلاقة دنسة، إنما “لكي تتفرغوا” لهما. يقول الرسول: “أقول ذلك علي سبيل الإذن لا علي سبيل الأمر” [6]، لئلا يظن من لا يمتنعا عن العلاقة للتفرغ أنهما قد كسرا وصية إلهية… إنه طريق الكمال للقادرين!
v ليس من الصعب بالنسبة للمتزوجين المخلصين أن يضعوا لمدة أيام ما تعهد به الأرامل والبتوليون القديسون أن يفعلوه كل أيام حياتهم، لهذا لتلتهب فيكم الغيرة, ولتُضبط الشهوات.
القديس أغسطينوس
v يلزم أن تتم أسرار الزواج بقدسيةٍ وبتريثٍ وليس بأهواء مشوشة.
العلامة أوريجينوس
v لست أخجل أن أنطق بهذا ما دام بولس لم يخجل من القول: “لا يسلب أحدكم الآخر”[5] فيبدو ما يقوله مخجل أكثر مما أقوله، ومع هذا لم يخجل. فإنه لا يهتم بالكلمات بل بالأعمال التي توضع في مكانها اللائق كما بسيوف.
v لماذا هذا؟ لأن شرورا عظيمة تصدر عن هذا النوع من الامتناع. لأن الزنا والنجاسة ودمار العائلات غالبًا ما يحدث بسبب هذا. فإن كان الرجال وهم لهم نساؤهم يتعرّضون لارتكاب الزنا فبالأكثر يسقطون إن نزعت عنهم هذه التعزية… يمكنك أن تعيش مع زوجة وتهتم بالصلاة. ولكن بالعفة تصير الصلاة أكثر كمالاً. إذ لم يقل: “لكي تصلوا، بل قال: “لكي تتفرغوا للصلاة“، فما يتكلم عنه ليس بسبب دنس ما وإنما للتفرغ أكثر… ألا ترون المعنى القوي الذي يقصده بأن العفة أفضل، ومع هذا فهو لا يُلزم الشخص العاجز عن بلوغها، لئلا يعترض أحد.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“ولكن أقول هذا على سبيل الإذن لا على سبيل الأمر” [6].
علي سبيل الإذن، أي ليس وصية إلهية من لا ينفذها يُحسب عاصيًا للَّه، إنما هي وصية لمن يطلب الكمال، الأمر الذي لا يقدر الكل أن ينفذه.
ماذا يعني هذا؟ لا تلزموا أنفسكم بشيٍء أكثر من طاقتكم لئلا خلال امتناعكم المشترك تسقطون في الزنا؛ لئلا يجرّبكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم. ولكي لا يبدو كمن يأمر وهو مجرد يسمح بذلك (لأن ما يُطلب من شخص كأخلاقيات أقوى يختلف عما يسمح به للضعفاء)، لهذا أضاف في الحال: “ولكن أقول هذا على سبيل الإذن لا على سبيل الأمر، لأني أريد أن يكون جميع الناس كما أنا“، وكأنه يقول: “لست أمركم أن تفعلوا هذا، لكنني أسامحكم إن فعلتموه”.
القديس أغسطينوس
“ولكن أقول هذا… لاعلى سبيل الأمر“ [6]. لأن هذا ليس حكم إلزامي بل هو متروك لمحبي العفة… أتريد أن تعرف رأي بولس في هذا الأمر؟ “لأني أريد أن يكون جميع الناس كما أنا” [7].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“لأني أريد أن يكون جميع الناس كما أنا،
لكن كل واحدٍ له موهبته الخاصة من اللَّه،
الواحد هكذا والآخر هكذا” [7].
يدرك المؤمن إن ما هو عليه هو من قبيل العناية الإلهية، فيعيش في شكرٍ دائمٍ بلا تذمرٍ.
v يعطى بولس راحة للمتزوجين بالقول أن الزواج هبة من اللَّه.
ثيؤدورت أسقف قورش
v “لأني أريد أن يكون جميع الناس كما أنا” [7], أي يمارسون العفة. لم يرد أن يلزمهم أن يرتبطوا بحدود ضيقة، فيطلب أمورًا مشددة للغاية، إنما اكتفى أن يقدم لهم فضيلة معتدلة.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v بالحقيقة هؤلاء يحتلون مرتبة عالية أمام اللَّه الذين يتركون كل الأعمال العلمانية ويخدمونه في عفة جادة، ولكن كما يقول الرسول “كل واحد له موهبته الخاصة من اللَّه، الواحد هكذا والآخر هكذا“. إذن إذ يصلى البعض من أجلكم يحاربون ضد أعدائكم غير المنظورين، وأنتم إذ تحاربون من أجلهم تقاومون البرابرة، الأعداء المنظورين.
القديس أغسطينوس
v إذ يربط اللَّه بين الرجل والمرأة (في الزواج) معًا، لذلك توجد هبة مُقدمة لمن يربط بينهما اللَّه. عرف بولس ذلك فأعلن أن الزواج حسب كلمة اللَّه يعادل طهارة البتولية المقدسة، قائلاً: “أريد أن يكون جميع الناس كما أنا، لكن كل واحدٍ له موهبته الخاصة من اللَّه، الواحد هكذا والآخر هكذا“(1كو 7:7). فمن يربط بينهم اللَّه، يطيعون في فكرهم وعملهم الوصية القائلة، “أيها الرجال، أحبوا نساءكم، كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة” (أف 25:5).
العلامة أوريجينوس
“ولكن أقول لغير المتزوجين وللأرامل
أنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا” [8].
“ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا،
لأن التزوج أصلح من التحرق” [9].
يرى البعض أن دعوة الشهوة تحرقًا ونارًا اقتبسها الرسول بولس عن قصة الحاخام عمرام:
قيل أن مجموعة من النساء سُبين وأُحضرن إلى Nehardea حيث أودعن في علية الحاخام عمرام. ولكي لا تهرب إحداهن رُفع السلم وبقين في العلية حتى يتقدم من يفديهن. عبرت إحداهن علي نافذة العلية، وإذ كان جمالها باهرًا أُسر الحاخام بجمالها، فاحضر السلم ليصعد إليهن. في منتصف الصعود صار ضميره ينخسه علي هذا التصرف غير اللائق. فأخذ يصرخ: نار! نار! في بيت عمرام! تجمهر الجيران حول البيت واضطر أن ينزل من السلم.
جرى إليه الحاخامات يسألونه إنك أخزيتنا إذ لا توجد نار في البيت. أجابهم عمرام: “خير لي أن تخجلوا هنا في بيت عمرام في هذا العالم من أن أخزيكم في الحياة العتيدة“. وصار يستحلف الشهوة الرديئة أن تخرج منه، فخرجت كعمود من نار. عندئذ قال عمرام “أنتِ نار، وأنا جسد، لكنني قد غلبتكِ!”
v غاية بولس تجنب الزنا لا وضع عقبات في طريق طالبي طريق الحياة السامية.
أمبروسياستر
v
مثل هذا الشخص (الذي يقدر أن يضبط نفسه) لا يخطئ ضد العهد (بزواجه), لكنه لا يحقق الغرض السامي للأخلاقيات الإنجيلية.
القديس إكليمنضس السكندري
v لماذا أنت تعرف بأنه توجد ضرورة للعلاج من الشهوة ومع هذا تعترض عليّ عندما أقول أن الشهوة مرض؟ إن كنت تتعرف على العلاج فلتتعرف أيضًا على المرض!
القديس أغسطينوس
2. السماح بالبقاء مع غير المؤمنين 10-16
“وأما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب
أن لا تفارق المرأة رجلها [10].
لا يجوز للمتزوجين الانفصال عن بعضهما البعض بسبب دنس نظرتهم للعلاقة الجسدية. “أوصيهم لا أنا بل الرب“ [10]. هذه وصية إلهية من يكسرها يخطئ في حق الوصية الإلهية.
v لأن ما سيقوله هو أمر من المسيح ألا تفارق الزوجة إلا لعلّة الزنا (مت32:5؛ 9:19؛ مر11:10؛ لو18:16) لذلك يقول: “لا أنا بل الرب“.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v لقد أعُطي هذا لنا كي نفهم أنه لا يطلق الواحد الآخر مادام الاثنان مؤمنين.
القديس أغسطينوس
“وإن فارقته فلتلبث غير متزوجة أو لتصالح رجلها
ولا يترك الرجل امرأته” [11].
v يسمح اللَّه بتطليق الزوجة بسبب الزنا، لكن ماذا يقصد هنا بالزنا؟ هل يقصد المعنى العام الذي نفهمه، أي ارتكاب النجاسة؛ أم المعنى الذي يستخدمه الكتاب المقدس عند حديثه عن الأمور المحرمة كعبادة الأوثان والطمع. وبذلك يكون الزنا هو كل تعدٍ على الناموس بسبب الشهوة الشريرة. ولكي نكون مدققين نفحص رأي الرسول عندما يقول “وأما المتزوّجون فأوصيهم لا أنا بل الربُّ أن لا تفارق المرأَة رجلها. وإن فارقتهُ فتلبث غير متزوّجة أو تصالح رجلها. ولا يترك الرجل امرأته” (1 كو 10:7-11). فقد يحدث أن تفارقه بسبب الزنا، لأنه لا يجوز لها تركه إلا لهذا السبب، كالرجل الذي لا يترك زوجته إلا لنفس العلة، وإلا فما الداعي أن يكمل الرسول قائلاً: “لا يترك الرجل امرأته”.
لم يضف الرسول “لعلة الزنا” التي سمح بها رب المجد، لأنها مفهومة ضمنًا أن الترك لعلة الزنا، فيخضع الرجل للقاعدة التي تخضع لها المرأة، فإذا ترك زوجته (لعلة الزنا) يلبث غير متزوج أو يصالح زوجته. لأنه ليس بالأمر الشرير أن يصطلح مع امرأته التي زنت، مثل تلك المرأة التي لم يجرؤ أحد على رجمها، والتي قال لها الرب: “اذهبي ولا تخطِئي أيضًا” (يو11:8). لذلك نجد أن الرب أجبر الزوج على عدم تطليق زوجته لغير علة الزنا، أما في حالة الزنا فلا يأمره بتطليقها بل سمح له بذلك. وهذا يشبه القول بالسماح للمرأة أن تتزوج بعد وفاة زوجها، فإن تزوجت قبل وفاته تكون مخطئة، أما إذا لم تتزوج بعد وفاته فلا تكون مخطئة لأنها لم تؤمر بالزواج بل يُسمح لها بذلك.
نلاحظ أن في شريعة الزواج يخضع الرجل لنفس القواعد التي فرضت على المرأة. فعندما يحدث الرسول المرأة: “ليس للمرأَة تسلُّط على جسدها بل للرجل” (1 كو 4:7)، يحدث الرجل أيضًا: “وكذلك الرجل أيضًا ليس له تسلط على جسده بل للمرأة“. فما دامت القواعد بينهما متشابهة، لذلك لا يجوز للمرأة أن تترك رجلها إلا لعلة الزنا كالرجل تمامًا.
v شرح الرسول هذا الأمر قائلاً بأن الزوجة تكون مرتبطة ما دام رجلها حيًا، ولكن إن مات رجلها فيُسمح لها بالزواج. وفي هذه المسألة لم يذكر الرسول رأيه الخاص – كما في بعض نصائحه – بل يوصي بأمر الرب، وذلك بقوله: “وأما المتزوّجين فأوصيهم لا أنا بل الربُّ أن لا تفارق المرأَة رجلها… ولا يترك الرجل امرأته” (1 كو10:7-11). أعتقد أنه بنفس القاعدة إذا ترك الرجل زوجته. ربما أن الترك يكون بسبب الزنا – ذلك الاستثناء الوحيد الذي أراده الرب – لذلك فلا يُسمح للمرأة أن تتزوج ما دام رجلها حيًا ولا للرجل أن يتزوج ما دامت المرأة التي طلقها حية.
حقًا لتعتبر زيجات مباركة بالأكثر تلك التي يستطيع فيها كلا الطرفين، سواء بعد إنجاب الأطفال أو قبل الإنجاب لعدم الاهتمام بأن يكون لهما نسل أرضي، أن يتفقا اتفاقًا مشتركًا على الامتناع تلقائيًا كل عن الآخر. على أنه ينبغي أن يكون الاتفاق برضى الاثنين. حتى لا ينتج عن ذلك ترك الواحد للآخر (دون إرادة الثاني) فيخالف وصية الرب التي لا تسمح بالترك. فإن اتفق كليهما معًا فسيحيا حياة روحية لا جسدية وبالتالي لا يكون قد طلقها.
القديس أغسطينوس
“وأما الباقون فأقول لهم أنا لا الرب:
أن كان أخ له امرأة غير مؤمنة،
وهي ترتضي أن تسكن معه،
فلا يتركها” [12].
يقصد بالباقين الذين قبِل أحد الطرفين منهما الإيمان المسيحي وبقي الآخر غير مسيحي، فإن الأمر في يدّ غير المؤمن؛ إن أراد البقاء فليبقَ، وإن فارق فليفارق، ولا يكون الطرف الآخر مستعبدًا له… أي يجوز له أن يتزوج بمسيحي. هنا يتحدث عن زيجات سابقة للإيمان، وقبل طرف دون آخر الإيمان. لا يتشكك المؤمن بالتصاقه بغير المؤمن مادام الزواج قد تمّ قبل دخوله الإيمان… الآخر مقدس ليس في ذاته إنما في المؤمن، وأولاده مقدسون فيه.
v واضح أن المرأة التي ترتبط بعابد وثنٍ هي معه جسد واحد. حسنًا! هما جسد واحد، ومع ذلك لا تصير دنسة، بل طهارة الزوجة تغلب دنس الزوج. مرة أخرى فإن طهارة الزوج المؤمن تغلب دنس الزوجة غير المؤمنة. كيف إذن في هذه الحالة الدنس يُغلب ويسمح بالعلاقة بينهما، بينما في حالة المرأة الزانية لا يُدان الرجل عندما يفارقها؟ لأنه هنا يوجد رجاء أن العضو الضائع قد يخلص خلال الزواج، أما في الحالة الأخرى فالزواج قد انحلّ فعلاً وكلاهما قد فسدا، أما هنا فالخطأ من جانب واحد لا من جانب الاثنين…
لكن الأمر هنا ليس بخصوص شخصين لم يجتمعا بعد (الزواج) بل بخصوص الذين ارتبطوا فعلاً به. إنه لم يقل إن أراد أحد أن يأخذ له زوجة غير مؤمنة، بل قال: “إن كان أخ له امرأة غير مؤمنة” [12]… ماذا إذن هل اليوناني (الأممي غير المؤمن) مقدس؟ بالتأكيد لا، إذ لم يقل أنه مقدس بل قال أنه “مقدس في زوجته“، قال هذا لا ليعني أنه مقدس (في ذاته)، وإنما لكي يخلص المرأة تمامًا قدر المستطاع من مخاوفها ويقود الرجل لكي يرغب في الحق.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v يقول بولس هذا عن حالة اثنين أمميين, أحدهما صار مؤمنًا. عادة الوثني يكره المسيحية, والمسيحي لا يريد أن يتأثر بالوثنية, ولهذا يقول بولس إن كان الاثنان سعيدان في عيشتهما معًا يلزم أن يستمرا.
أمبروسياستر
v لا يعنى بولس أن المرأة ملتزمة أن تتزوج غير مؤمن وإنما هي ملتزمة أن تبقى معه ما دامت كانت أصلاً متزوجة ( قبل قبولها الإيمان) .
سيفريان أسقف جبالة
v الزواج عطية روحية, ولكن لا تكون هكذا إن تمت مع غير المؤمنين. لا يُعطى روح اللَّه ليسكن في هؤلاء الذين هم غير مؤمنين.
العلامة أوريجينوس
“ والمرأة التي لها رجل غير مؤمن،
وهو يرتضي أن يسكن معها فلا تتركه” [13].
“لأن الرجل غير المؤمن مقدس في المرأة،
والمرأة غير المؤمنة مقدسة في الرجل،
وإلا فأولادكم نجسون وأما الآن فهم مقدسون” [14].
v والحكمة من وصية الرسول هو أن عدم تركها قد يترك لها فرصة للإيمان. فيقول “لأن الرجل غير المؤْمن مقدَّس في المرأَة، والمرأَة غير المؤْمنة مقدَّسة في الرجل” (1 كو 14:7).
أظن أن بعض النساء صرن مؤمنات بواسطة أزواجهن المؤمنين كما صار بعض الرجال مؤمنين بواسطة زوجاتهم المؤمنات.
لم يؤيد الرسول نصيحته بذكر أسماء بل بأمثلة قائلاً “وإلا فأولادكم نجسون. وأما الآن فهم مقدسون“. لأن أولادكم الآن مسيحيون، هؤلاء الذين تقدسوا بسبب إيمان أحد الوالدين أو كليهما معًا. وقداسة هؤلاء الأولاد لم تكن تحدث لو انهار الزواج بإيمان أحد الزوجين (أي ترك الطرف الآخر لعدم إيمانه) ولكن المؤمن احتمل غير المؤمن تاركًا له مجالاً للإيمان. واحتمال الضعفاء هذا من مشورة الرب إذ يقول: “ومهما أنفقت أكثر فعند رجوعي أوفيك” (لو35:10) .
القديس أغسطينوس
v الزوج والزوجة هما واحد كما أن الخمر والماء هما واحد عند امتزاجهما معًا. كما أن الشريك غير المؤمن يفسد المؤمن. لهذا السبب فإن الذي لم يتزوج بعد يلزمه بكل حرص إما أنه لا يتزوج نهائيًا أو يتزوج في الرب.
العلامة أوريجينوس
v أبناء المؤمنين كانوا بمعنى ما معينين للقداسة والخلاص, وبعربون هذا الرجاء يسند بولس الزيجات التي يود أنها تستمر.
العلامة ترتليان
v عندما يكون الأطفال طاهرين وقديسين وغير مُفسدين بعدم الإيمان تكون النصرة لإيمان الوالدين.
سيفريان أسقف جبالة
“ولكن أن فارق غير المؤمن فليفارق،
ليس الأخ أو الأخت مستعبدًا في مثل هذه الأحوال،
ولكن اللَّه قد دعانا في السلام [15].
v الزوج المسيحي يمكنه أن يترك زوجته دون لوم عليه حتى إن كانا قد تزوجا قانونيًا ما دامت ترفض الزوجة أن تعيش معه لأنه مسيحي.
القديس أغسطينوس
v الزواج الذي يُعقد بدون صلوات للَّه غير مُلزم, لهذا لا يُحسب خطية إن انحل من أجل اللَّه. أما الشريك غير المؤمن فهو يخطئ ضد اللَّه وضد الزواج, لأنه هو أو هي لا يرغب أن يعيش في زواج مقدس للَّه. ليس له حق أن يذهب إلى المحكمة لأجل هذا، لأن من يترك الزواج يفعل هذا بسبب كراهيته للَّه, ولهذا فإنه أو إنها لا يُحسب أهلاً للاستماع إليه.
أمبروسياستر
v لا يكون الشريك المؤمن هو سبب الطلاق. ولكن إن أراد الشريك غير المؤمن أن ينفصل يكون الشريك المؤمن بريئًا وليس عليه اتهام.
ثيؤدورت أسقف قورش
v إن كان في كل يوم يلطمك ويدخل معك في صراع فإنه من الأفضل أن تنفصلا فإن هذا هو ما يعنيه بقوله: “ولكن اللَّه قد دعانا في السلام” [15]. فإن الطرف الآخر هو الذي وضع أساس الانفصال كمن قد ارتكب دنسًا.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“لأنه كيف تعلمين أيتها المرأة هل تخلصين الرجل؟
أو كيف تعلم أيها الرجل هل تخلص المرأة؟” [16]
يليق بالمسيحي الذي سبق زواجه أو زواجها بغير مؤمن ألا يهرب من صليبه بل يقبل الطرف الآخر لا لأجل نفع زمني أو إشباع رغبات جسدية أو نفسية أو اجتماعية وإنما لأجل خلاص الشريك, أما إذا رفض الشريك الشركة معه لقبوله الإيمان فهذا علامة من قبل الرب لكي يترك، لأنه لا يعلم أن كان قادرًا علي جذبه للإيمان أم لا.
3. البقاء في الحال الذي عليه 17-24.
“غير أنه كما قسم اللَّه لكل واحد،
كما دعا الرب كل واحد،
هكذا ليسلك،
وهكذا أنا آمر في جميع الكنائس” [17].
من الواضح أن مدينة كورنثوس التي ضمّت جنسيات مختلفة كثيرة، وثقافات فكرية متباينة، وديانات متنوعة مع انتشار الفساد سبب ارتباكًا لبعض الذين قبلوا الإيمان بالمسيحية. فثارت تساؤلات كثيرة، منها:
v ما موقفي من الطرف الآخر (الزوج أو الزوجة) الذي يرفض مشاركتي في الإيمان الجديد؟
v ما هو موقفي منه إن كان يقبل البقاء معي دون الإيمان؟
v وما موقفي إن كان يسيء المعاملة ويدخل في مشاحنات من أجل قبولي الإيمان؟
v إن كنت مختونًا قبل الإيمان أو من الغرلة، فهل ملتزم بالختان؟
v ما هي نظرة المسيحية لي إن كنت منتسبًا إلى طبقة من الأشراف، أو كنت عبدًا؟
هذه الأسئلة وما على شاكلتها احتاجت إلى إجابات صريحة من الرسول بولس، حتى يطمئن الكل أنهم سالكون الطريق الإنجيلي الآمن والسليم. أو بمعنى آخر، هل الظروف الأسرية أو الاجتماعية أو الثقافية يمكن أن تقف عائقًا عن التمتع بالحياة الإنجيلية؟
v من الخطأ أن تفترض بأن الظروف التي تسود عندما يؤمن إنسان ما، وأنها تقف عائقًا له في أن يصير مقدسًا.
ثيؤدور أسقف المصيصة
“دعي أحد وهو مختون،
فلا يصر أغلف،
دعي أحد في الغرلة،
فلا يختتن” [18].
“ليس الختان شيئًا وليست الغرلة شيئًا بل حفظ وصايا اللَّه” [19].
v الختان في ذاته لا يعنى شيئًا, إنما كان وصية من اللَّه. من جانب آخر فإن الغرلة هي الطريق الذي به خلقنا اللَّه عليه, فلا مكافأة عليه أيضًا.
سيفريان أسقف جبالة
“الدعوة التي دعي فيها كل واحد فليلبث فيها” [20].
لا تستطيع الظروف الخارجية إن تعوق المؤمن الحقيقي عن الشهادة لحق الإنجيل، إن كان يهوديًا أو أمميًا، متزوجًا أو أعزب، حرًا أو عبدًا، فإنه يستطيع أن يشهد للحياة الجديدة المقامة خلال الوضع الذي هو فيه, في المسيح يسوع يتحد الكل معا كأعضاء في جسده بلا تمييز بين رجل وامرأة، يهودي ويوناني، بربري أو سكيثي، مختون أو في الغرلة، عبد أو حر (كو 3 : 11). فإن نعمة اللَّه لا تحدها هذه الأمور.
ليستمر ويواصل العمل الذي كان عليه قبل الإيمان، مادام هذا العمل ليس فيه ارتكاب للخطية. عِوض الانشغال بتغيير الموقف يضع المؤمن في قلبه أن يشهد لمسيحه بشكرٍ وفرحٍ بحياته الجديدة في الموضع والظروف التي هو فيها.
المؤمن الحقيقي إنسان شاكر للَّه، يدرك أن كل الأمور تعمل معًا لخيره، فإن كان قد قبل الإيمان وهو مختون أو أغلف، متزوج أو أعزب، سيد أو عبد، لا يشغله شيء سوى يد اللَّه العاملة لبنيانه، والتي تختار ما هو لإكليله.
ضربة عدو الخير الخطيرة ضد المؤمن هي التذمر، فيشتهي دومًا أن يكون علي حال غير ما هو عليه. أما المؤمن الحقيقي الغالب فهو دائم الشكر يشعر انه محمول علي الأذرع الأبدية. له أب سماوي يخطط بحكمته السماوية ما يفوق كل فكر بشري.
لا يحزن اليهودي الذي قبل الإيمان المسيحي أنه يحمل في جسده علامة العهد القديم, ولا يضطرب الأممي الذي آمن لأنه غير مختتن، ظانا أن الختان ضروري لخلاصه.
الختان أو الغرلة كلاهما لا شيء، إنما الطاعة للَّه كأب سماوي، أي السلوك بروح البنوة المطيعة والأمينة، هو موضوع اهتمامنا.
v الحالة التي دُعينا ونحن فيها هي في ذاتها أمر لا يعنى شيئًا. كمثال غير المتزوج يمكنه أن يعيش طاهرًا كما يمكنه أيضا أن ينشغل بالخطية بكل عمقه. نفس الأمر هو حق بالنسبة للمتزوج أيضا. لو أن المسيحيين وحدهم هم الذين يشتركون في حياة العزوبية لأمكن القول بأن العزوبية هي وضع إلهي طاهر. لكن اتباع مرقيون أيضا يمارسونها… فالعزوبية مكرمة فقط عندما تلتحف بحياة الكنيسة وسلوكها مع معرفة نقية وبالحق.
العلامة أوريجينوس
v يقول بولس ذلك لأنه بالنسبة للَّه لا فرق بين أحد الطريقين.
سفيريان أسقف جبالة
“دعيت وأنت عبد فلا يهمك،
بل وإن استطعت أن تصير حرًا فاستعملها بالحري” [21].
إن كنت قد قبلت الإيمان وأنت عبد، اُشتريت بمال، أو وُلدت كعبد يملكك آخر هذا لن يقلل من قيمتك، ولا يؤذيك لكن أن وجدت الفرصة لنوال الحرية فاقتنيها لأجل المنفعة الزمنية الحاضرة، ولاستخدامها للبنيان.
v يشجع بولس العبيد أن يخدموا سادتهم الأرضيين لكي يُظهروا لهم أنهم مستحقون للحرية. العبد الذي لا يمارس عمله بلياقة يجدف على اسم المسيح ولا يصنع شيئًا لأجل اللَّه.
أمبروسياستر
v إني عبد لهذا الأمر واهتم بما أنا مرتبط به. فإنني أعرف أنه مكتوب أن ما يُغلب به الشخص يُسلم إليه كعبد… من يحررني من هذه العبودية الشديدة القسوة إلا ذاك الذي قال: “إن حرركم الابن فبالحقيقة تكون أحرارا” (يو8 : 36).
العلامة أوريجينوس
v يقول بولس لا يجوز لعبد أن يهرب, فيستخدم الدين عذرًا له.
ثيؤدور أسقف قورش
v “ليس الختان شيئًا وليست الغرلة شيئًا، بل حفظ وصايا اللَّه. الدعوة التي دُعي فيها كل واحدٍ فليلبث فيها. دُعيت وأنت عبد فلا يهمك” [19-21]. هذه الأمور لا تساهم في شيء في الإيمان، لهذا لا تدخل في حوار وصراع ولا ترتبك، فإن الإيمان يطرد كل هذه الأمور… “بل وإن استطعت أن تصير حرًا فاستعملها بالحري” [21]، بمعنى بالأحرى استمر كعبدٍ. الآن على أي أساس يطلب من الشخص الذي يمكن أن يتحرر أن يستمر كعبدٍ؟ إن ما يعنيه أن العبودية لن تؤذي بل هي نافعة…
يقول البعض أن الكلمات “فاستعملها بالحري” تشير إلى الحرية، فيفسرونها هكذا: “إن كنت لم تستطع أن تكون حرًا كن حرًا“. لكن هذا التعبير يناقض طريقة بولس… كيف يكون العبد حرًا؟ لأنه يحررك ليس فقط من العبودية للخطية بل ومن العبودية الخارجية حتى وإن كنت مستمرًا كعبدٍ، فإنه لم يسمح للعبد أن يكون عبدًا حتى وإن كان إنسانًا ملتزم بالعبودية. وهذا عجب، فإنه يتحرر من الأهواء وأمراض الفكر، عندما يستهين بالغنى والغضب وما أشبه ذلك من الأهواء.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“لأن من دعي في الرب وهو عبد فهو عتيق الرب،
كذلك أيضًا الحر المدعو هو عبد للمسيح” [22].
إن كنت قد قبلت الإيمان وأنت عبد فلا تنشغل كثيرًا بالعبودية فتتمرر نفسك، لكن تطلع إلي الحرية التي وهبك إياها سيدك فتعيش بروح القوة والفرح. وإن كنت حرًا فأنت مدعو عبدًا للمسيح، عبودية الحب العجيب، حيث يقودنا بروحه القدوس إلى مجد ملكوته. عبوديتنا للسيد المسيح تكشف لنا عن خطته العجيبة لننال الحرية الحقيقية الأبدية.
v من يخلص من الخطية هو بحق حر… على أي الأحوال فإنه حتى المؤمن الحر هو عبد المسيح, لأن التحرر من اللَّه هو أخطر خطية على الإطلاق.
أمبروسياستر
v يود بولس أن يظهر أن العبيد والسادة متساوون. جميعنا أحرار بالمسيح لأنه حررنا من طغيان إبليس, وبإرادتنا نحن عبيد للمسيح، لأنه إذ تحررنا قادنا إلى ملكوته.
أوكيومينوس
v هكذا هي المسيحية، في العبودية تهب حرية.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“قد اشتريتم بثمن،
فلا تصيروا عبيدا للناس” [23].
يشتري الإنسان عبدًا، فيملك جسد،ه لكنه لن يقدر أن يسيطر علي أعماقه الداخلية أما السيد المسيح فاشترانا بدمه ليحرر الداخل.
v كيف يكون الحر عبدًا؟ عندما يخدم الناس في خدمة شريرة، إما لأجل النهم أو رغبة في الثروة… فمثل هذا الشخص وإن كان حرًا فهو عبد أكثر من أي إنسان آخر… كان يوسف عبدًا لكنه لم يكن عبدًا لبشرٍ، لأنه وهو في العبودية كان أكثر حرية من كل من هم أحرار. كمثال لذلك لم يخضع لسيدته، ولا خضع للأهداف التي كانت تبغيها وهي مالكة له. مرة أخرى كانت هي حرة لكنها لم تكن حتى مثل العبد، فكانت تناجي خادمها وتتوسل إليه.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v جاء المسيح وردنا حين كنا نخدم ذاك السيد الذي بِعنا أنفسنا له بالخطية. لذلك يظهر بأنه يرد الذين له, هؤلاء الذين خلقهم. إنه يخلص الشعب الذي اختار سيدًا آخر بارتكاب الخطية.
العلامة أوريجينوس
v ثمن الإنسان هو دم المسيح. فقد قيل: “قد اشتريتم بثمنٍ, فلا تكونوا عبيدًا للناس”تحاول قوات الشرير أن تجعل هذا الثمن بلا نفع بالنسبة لنا. يحاولون أن يعودوا بنا إلى العبودية حتى بعدما تحررنا.
القديس باسيليوس الكبير
v لقد اشترينا بثمن مرتفع هكذا, فالمسيح وحده الذي يملك كل شيء قادر أن يدفعه. لهذا فمن أُشترى بثمن يلزم أن يخدم أكثر, مجاهدًا أن يرد للمشترى شيئًا. إذ اشترانا اللَّه يليق بنا أن لا نعود فنكون عبيدًا للناس. عبيد الناس هم الذين يقبلون الخزعبلات البشرية.
أمبروسياستر
v أي ثمن أعظم من أن يسفك الخالق دمه من أجل المخلوق؟!
القديس جيروم
“ما دعي كل واحد فيه أيها الاخوة
فليلبث في ذلك مع اللَّه” [24].
يسمو الإيمان فوق كل الأوضاع. “ما دُعي كل واحد فيه أيها الاخوة فليلبث في ذلك مع اللَّه” [24].
يرى البعض أن بعض العبيد قبلوا الإيمان المسيحي فظنوا أنه من واجب سادتهم أن يحرروهم كاخوة لهم في المسيح يسوع. ما يؤكده الرسول هنا هو ألا يرتبك العبيد حتى إن لم يحررهم سادتهم. فالإيمان المسيحي يلزم السيد أن يعامل عبده كأخٍ له، يحبه ويقدره ويترفق به حتى وإن لم يحرره.
4. البتولية أفضل 25-35.
“وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهن،
ولكنني أعطي رأيًا كمن رحمه الرب أن يكون أمينًا” [25].
بالنسبة للعذارى يشتاق أن يبقين هكذا إن أمكن [25، 26]. أما قوله: “فليس عندي أمر من الرب فيهن ولكنني أُعطي رأيًا كمن رحمه الرب أن يكون أمينًا، فأظن أن هذا حسن لسبب الضيق الحاضر أنه حسن للإنسان أن يكون هكذا” [26]، لا يعني أن الرسول متشكك في الأمر، إنما لا يقدم وصية ملزمة وإلا التزمت جميع العذارى ألا يتزوجن حتى لا يكسرن الأمر الإلهي. هنا يقدم طريقًا لراغبي وراغبات الكمال البتولي كنصيحة وليس كأمر واجب.
بكل أمانة يعلن الرسول أنه لم يتسلم أمرًا من الرب في هذا الموضوع لكنه يكتب كرسولٍ يعلن له الروح القدس الحق ويوحي له به.
v من الواضح أن بولس يقول هذا ليس لأن لديه أمر بأن يعلم بخصوص البتولية, وإنما لأن اللَّه لم يخبره بأن هؤلاء الناس يلتزمون بممارسة العفة (البتولية). لهذا يكتب مقدمًا رأيه وموصيًا بالطهارة ( البتولية) دون إلزامهم بها.
سفيريان أسقف جبالة
v هنا يبلغ بولس حكمة علوية, لكنه يتردد في فرض (العفة) مباشرة, لأن هذا قد يظهر لسامعيه أنه غير مقبول. لهذا وضع الأمر كأنه رأي لا وصية ملزمة.
أوكليمينوس
v بعض الأحكام تقدم كوصايا اللَّه, بينما أحكام أخرى أكثر مرونة يتركها اللَّه لقرار الأفراد. النوع الأول هو الوصايا التي تمس الخلاص, والأحكام الأخرى للحياة الأفضل التي وإن لم نحفظها إلا أننا نخلص. إنها ليست ملزمة بأية طريقة, إنما ممارستها أمر اختياري.
العلامة أوريجينوس
“فأظن أن هذا حسن لسبب الضيق الحاضر
أنه حسن للإنسان أن يكون هكذا” [26].
v يعلم بولس هنا أن البتولية أفضل, ليس فقط لأنها بالأكثر تسر اللَّه, وإنما أيضًا لأنها طريق معقول يسلكونه في الظروف الحاضرة.
أمبروسياستر
“أنت مرتبط بامرأة فلا تطلب الانفصال،
أنت منفصل عن امرأة فلا تطلب امرأة” [27].
يعتبر الزواج مع قدسيته رباط لأن فيه كل طرف ملتزم بواجبات نحو الطرف الآخر، لذا لا يطلب حل هذا القيد أو الرباط.
v إنه لا يتحدث عن تلك التي اختارت البتولية، لأنه لو كانت كذلك لكانت تخطئ… الشر ليس في العِشرة الزوجية وإنما في إعاقة جديّة الحياة.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“لكنك وإن تزوجت لم تخطئ،
وإن تزوجت العذراء لم تخطئ،
ولكن مثل هؤلاء يكون لهم ضيق في الجسد،
وأما أنا فإني أشفق عليكم [28].
يبدو أنه ظهرت جماعات تدنس النظرة نحو الزواج أو تحرمنه (1 تي 4 :3) لهذا يؤكد الرسول أنه لا يحسب الزواج خطية، لكن من يدرك حقيقة الحياة كفترة قصيرة للعبور الي السماء لا يود أن يرتبك بمسئوليات الزواج بل يكرس طاقاته للعمل لحساب ملكوت اللَّه.
v البتول تخلص من المتاعب الأرضية وتتحرر بطهارتها, إذ هي تنتظر العريس الطوباوي.
العلامة أوريجينوس
v من يتزوج لا يخطئ لأنه يفعل أمرًا مسموحًا به. أما إذا رفض ذلك فيستحق المديح والإكليل في السماء, لأن هذا يتطلب ضبطًا عظيما للنفس لتجنب عمل ما هو ليس بممنوع.
أمبروسياستر
“فأقول هذا أيها الاخوة
الوقت منذ الآن مقصر
لكي يكون الذين لهم نساء كان ليس لهم” [29].
لا تقوم البتولية على تدنيس النظرة إلى العلاقات الزوجية الجسدية وإنما على التفرغ للعبادة والخدمة، لأن الوقت مقصر. فالعالم خليقة اللَّه الجميلة والمقدسة، لكن كثيرين لا يستعملونه للتفرغ للعمل لحساب ملكوت اللَّه، هكذا الزواج مقدس، يرفضه البعض لا لدنس فيه وإنما من أجل الخدمة أو العبادة لضيق الوقت.
إذ الحياة فترة عابرة فإنه من يتزوج كمن لا يتزوج، تعبر حياته سريعًا بكل ملذاتها وآلامها, فلا يضع المؤمن قلبه في الراحة الجسدية.
v أنصتوا أيها الاخوة القديسون فإن رسول المسيح يقول في الكنيسة… “لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم” [29]. ونحن نعرف الكثير من الاخوة الذين أثمروا خلال النعمة، والذين من أجل اسم المسيح مارسوا ضبطا كاملاً باتفاق مشترك دون أن يحجموا عن الحب الزوجي. نعم فإنه كلما قلت العلاقات الأولى ( الجسدية) تزيد الأخرى قوة.
القديس أغسطينوس
v الذين يعرفون أن نهاية العالم قد اقتربت يتحققون من أنهم قريبًا يتعزون, لذا يريح الواحد الآخر بهذا الرجاء.
v يعني بولس بهذا أن نهاية العالم قادمة سريعًا. إذ يقدم هذه الحقيقة يلتزم المؤمنون ألا يرتبكوا بأن يكون لهم أطفال وإنما يكرسون أنفسهم لخدمة اللَّه. فإنه ستوجد ضغوط كثيرة غير متوقعة, وربما يسقطون في حبائل الشيطان. ليس أحد من بيننا له مخاوف لائقة من الضغوط التي سبق فأخبرنا عنها المخلص ويود أن يسقط فيها.
أمبروسياستر
v الذين لديهم عقر جسدي يلزمهم أن يحفظوا الإثمار في نفوسهم, والذين لا يستطيعون أن ينجبوا أطفالاً أرضيين يلزمهم أن يلدوا أطفالاً روحيين. أعمالنا هي أطفالنا. إن كنا نتمم أعمالاً صالحة كل يوم فإنه لا ينقصنا النسل الروحي.
قيصريوس أسقف آرل
v ليملك الشخص لا أن يُملك، ليمسك بالشيء لا أن يمسكه الشيء، ليكن سيدًا على ممتلكاته لا عبدًا لها وذلك كقول الرسول… [29-32]. ما هذا؟ ألا تحبوا ما تمتلكونه في هذا العالم؟ ليت هذه الممتلكات لا تمسك بأيديكم آلتي يجب أن تمسك باللَّه. ليت حبكم لا يكون منشغلاً بشيء إذ به تعبرون في الطريق إلى اللَّه، وتلتصقوا بالذي خلقكم.
القديس أغسطينوس
“والذين يبكون كأنهم لا يبكون،
والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون،
والذين يشترون كأنهم لا يملكون” [30].
ليمارس المؤمن حياته التي توجد فيها أحزان وأفراح، وشراء وبيع الخ.، لكنه يليق ألا يضع قلبه في هذه الأمور فيصير عبدًا للأحداث، بل يبقي قلبه مترفعًا نحو السماء، مدركًا أن كل الأحداث زمنية ومؤقتة.
“والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه،
لأن هيئة هذا العالم تزول” [31].
“فأريد أن تكونوا بلا هم،
غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضي الرب” [32].
من جانب آخر فإن المؤمن في جهاده الروحي يصارع مع متطلبات جسده، فإن تزوج غالبًا ما يصارع أيضًا مع متطلبات الطرف الآخر عوض التفرغ للعبادة والخدمة. كمثال قد يودّ المؤمن أن ينتقل أو يسهر أو يصوم لفترات طويلة لأجل الخدمة، فيقف الطرف الثاني عائقًا بسبب عدم رغبته أو عدم استعداده في ذلك الحين. هذا ما عناه الرسول بقوله: “أريد أن تكونوا بلا هَّم؛ غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضي الرب، وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي امرأته” [32، 33].
v الانشغال بالأمور الخاصة باللَّه ليس قلقًا بل هو خلاص. يخبرهم بولس أنه يود أن يتحرروا من القلق.
أوكيمينوس
v يسمح بولس بالزواج ويحسبه مستحقًا البركة, ولكن يقابله وضعه هو باهتماماته باللَّه مشيرًا إلى أن الأمرين ليسا متعارضين.
القديس باسيليوس الكبير
v عندما تنتهي الدينونة وتزول هذه السماء وهذه الأرض، ستكون سماء جديدة وأرض جديدة. لأن هذا العالم يزول بتغيير هيئته لا بدماره المطلق. لذلك يقول الرسول: “لأن هيئة هذا العالم تزول، فأريد أن تكونوا بلاهم” [31، 32]. ستزول هيئة العالم لا الطبيعة.
القديس أغسطينوس
v هنا يوضح بولس لماذا البتولية مفضلة عن الزواج. فإنها لا ترتبط بالجنس كأمر صالح أو خاطئ, إنما الموضوع هو القلق الذي تنزعه عن الفكر والتركيز على عبادة اللَّه.
سيفريان أسقف جبالة
v طلب زوجة وأسرة أمر زمني. أحيانا من أجل حفظ سعادتهم يلزم ممارسة ما هو مستحق للعقوبة.
أمبروسياستر
v يستحيل على الشخص الذي يتجه نحو العالم، ويرتبك باهتماماته، وينشغل قلبه بإرضاء الناس أن يتمم وصية السيد الأولى والعظمى: “حب الرب إلهك من كل قلبك وكل قوتك”، كيف يستطيع أن يحقق هذا وقلبه منقسم بين اللَّه والعالم، ويسحب الحب الذي مدين به للَّه وحده إلى مشاعر بشرية؟ “غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضى الرب، وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضى امرأته” [33].
v عندما يكون أمامنا سيدان لنختار أحدهما، إذ لا نستطيع أن نخدمهما معًا، لأنه “لا يقدر إنسان أن يخدم سيدين”. لذلك فإن الشخص الحكيم يختار السيد الأكثر نفعًا له. هكذا أيضًا عندما يوجد أمامنا زيجتان لنختار إحداهما، لا نستطيع أن نقيم عقد زواج مع كليهما، فإن “غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضى الرب، وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضى امرأته“ [32، 33]. أكرر أن غاية العقل السوي ألا يفوته الاختيار الأكثر فائدة.
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
“أما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي امرأته” [33].
“إن بين الزوجة والعذراء فرقًا،
غير المتزوجة تهتم في ما للرب لتكون مقدسة جسدًا وروحًا،
وأما المتزوجة فتهتم في ما للعالم كيف ترضي رجلها” [34].
v المرأة غير المتزوجة لديها حصن البتولية الذي يحميها من عواصف هذا العالم. هكذا إذ تتحصن في حماية اللَّه لا تضطرب برياح، لذلك فإنه لكي نتأهل لكي نراه، سواء كنا في البتولية أو الزواج الأول أو الثاني لنسلك هكذا وهو أن نبغي ملكوت السموات خلال نعمة ورأفات ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والقوة والكرامة مع الآب والروح القدس الآن وإلى الأبد آمين.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v الروح البشرية هي التي أما أن تقدس الجسد أو تفسده. فإن حاول شخص أن يكون له جسم طاهر ونفس فاسدة, فعليه أن يختار أحد الأمرين. إما أن يكرم النفس أو يُسحب الجسم إلى الفساد.
أمبروسياستر
“هذا أقوله لخيركم ليس لكي ألقي عليكم وهقًا،
بل لأجل اللياقة والمثابرة للرب من دون ارتباك” [35].
في الأعداد 35-40 ربما يتحدث عمن اتفقا بعد الزوج على الحياة البتولية بكامل حريتهما، فليسلكا هكذا؛ أما إن ضعف أحدهما فلا خطية إن ارتبطا ببعضهما جسديًا.
5. موقف الإنسان من عذرائه 36-38.
“ولكن إن كان أحد يظن أنه يعمل بدون لياقة نحو عذرائه إذا تجاوزت الوقت وهكذا لزم أن يصير فليفعل ما يريد.
إنه لا يخطئ فليتزوجا” [36].
كلمة “عذارى” في اليونانية تنطبق علي البتول شابا كان أو فتاة.
يرى البعض أن الرسول بولس يعني هنا أنه إن عاش إنسان ما بدون زواج مشتاقًا إلى تكريس وقته للعبادة والكرازة، ولكنه شعر بعجزه عن السلوك في طهارة فلا يخجل من أن يتزوج علانية، مهما بلغ سنّه.
ولعلّه لهذا كان قادة الرهبنة يطلبون التزام طالبي الرهبنة عدم الالتحاق بها إلا بعد فترة طويلة من الاختبار. فإن شعر بالضعف لا يخزى إن عاد ليتزوج.
v بولس يريد دائمًا الأفضل للمسيحيين. فإن أحد بحق يريد أن يتزوج فالأفضل له أن يتزوج علانية بالسماح الممنوح له عن أن يسلك بطريقة رديئة ويكون في عارٍ خفية.
أمبروسياستر
“وأما من أقام راسخا في قلبه وليس له اضطرار
بل له سلطان على إرادته
وقد عزم على هذا في قلبه أن يحفظ عذراءه فحسنًا يفعل” [37].
هنا يتحدث عمن وهبه اللََّه إرادة قوية ليُمارس حياة البتولية، وقد قضى فترة اختبار وأدرك قوة إرادته وإصراره على هذا الفكر، فلا يتراجع.
يرى البعض أن الرسول يعالج موضع إنسان له ابنة عذراء، إن شعر أنه لصالحها ولعفتها أن تتزوج فليسندها في ذلك. أما إذا أدرك تصميمها علي البتولية وإنها قادرة علي حفظها فيفعل أحسن أن يتركها بتولاً.
هنا نلاحظ ثلاثة أمور هامة في زواج الأبناء والبنات:
1. ألا يقف الوالدان في سلبية في أمر زواجهم إنما يعملان ما هو لصالح أولادهم.
2. أن القرار في يد الأبناء، فليس من حق الوالدين أن يُلزما الأبناء بالزواج أو عدمه.
3. ألا ينشغل الوالدان بنظرة المجتمع بل بما هو لبنيان نفوس أولادهم.
“إذَا من زوج فحسنًا يفعل،
ومن لا يزوج يفعل أحسن” [38].
v المرتبط بقيود الزواج مقيد, الآخر حرّ. واحد تحت الناموس والآخر تحت النعمة. الزواج صالح إذ خلاله ننال ميراث الملكوت السماوي واستمرار المكافآت السماوية.
القديس أمبروسيوس
6. اعتزاز الأرامل بمركزهن 39-40
“االمرأة مرتبطة بالناموس ما دام رجلها حيًا،
ولكن أن مات رجلها فهي حرة لكي تتزوج بمن تريد،
في الرب فقط” [39].
v ليت النسوة يصغين إلى هذا هؤلاء اللواتي يدخلن في زواجٍ ثانٍ ويسيئون مضطجع الزوج الراحل، مع أنهن يحبونه. لست بهذا أمنع الزواج الثاني، ولا أنطق بهذا على أنه دنس. فإن بولس لن يسمح لي بذلك، فيغلق فمي بقوله للنساء: “ إن تزوجت لم تخطئ” [ 28, 40]. لكنها ليتها تنصت إلى ما بعد ذلك:” ولكنها أكثر غبطة إن لبثت هكذا ” [40]. هذه الحال أفضل من الأخرى، لماذا؟ لأسباب كثيرة. فإنه الأفضل ألا يتزوج الإنسان نهائيًا عن أن يتزوج، وأما هذه الحال فهي أفضل بكثير. قد تقول: “ولكن البعض لا يحتملون الترمل ويسقطون في متاعب كثيرة”. نعم لأنهم لا يعرفون ما هو الترمل. لأنه ليس الترمل مستثنى من الزواج الثاني، وأما البتولية فلا يسمح لها بالزواج نهائيا!
القديس يوحنا الذهبي الفم
“ولكنها أكثر غبطة أن لبثت هكذا بحسب رأيي
وأظن أني أنا أيضًا عندي روح اللَّه” [40].
v إن ماتت زوجة أو زوج والآخر تزوج فهل هذا خطية؟ لا, لكن إن بقى بدون زواج ينال كرامة أعظم ومجدًا أفضل في عيني الرب.
هرماس
v إنها مطوبة إن تزوجت وصار لها زوج يحميها, لكن تكون أكثر تطويبًا إن كانت من أجل التقوى ترفض الزواج وتكرس حياتها بالكامل للَّه.
سفيريان أسقف جبالة
v لاحظ أن بولس لم يقل بأن المرأة التي تعقد زواجا ثانيا ستكون بائسة. إنما يقول بأنها تكون أكثر سعادة إن بقيت بلا زواج. إنه موضوع درجات.
ثيؤدورت أسقف قورش
v عندما يقول: “لأجل اللياقة” و”لكي تصغى للرب من دون ارتباك” [35]، يقدم ملخصًا لكل الفضيلة بطريقة معينة. ها أنتم ترون أنه ليس مجرد عدم عقد زواج ثان يمكن وحده أن يجعلها أرملة، إنما تحتاج إلى أمور أخري ضرورية. ولكن لماذا لا يشجع الزواج الثاني؟ هل هذا الأمر ممنوع؟ حتما لا! لأن هذه هرطقة. وإنما أراد هنا فقط أن تنشغل بالأمور الروحية موجهًا كل اهتمامها إلى الفضيلة. لأن الزواج ليس حالة من الدنس وإنما حالة انشغال. إنه يتحدث عن إيجاد وقت وليس أنهن يصرن أكثر طهارة ببقائهن بغير زواج. لأن الزواج بالتأكيد يتطلب اهتمامات عالمية أكثر. إن امتنعت عن الزواج لكي تجد وقتًا أكبر لخدمة اللَّه ولم تنتفع بهذا الوقت فلا نفع لها من ذلك، مادامت لا تتمم كل الخدمات للغرباء والقديسين.
القديس يوحنا الذهبي الفم
من وحيّ 1 كو7
لتُهيئني ليوم عرسي يا أيها البتول!
v أقمت حواء زوجة لآدم الأول،
وتممت عرسه في جنة عدن!
باركت عرس قانا الجليل،
وقدست كل زواج يتم حسب مسرتك!
v أتيت إلى أرضنا لتُهيئني عروسًًا بتولاً.
أشتهي يوم عرسي بك يا أيها العريس السماوي البتول!
v هب لي في زواجي أن أُكرّس قلبي لك في بتولية الروح.
وهب لي في بتوليتي أن أتحد بك يا أيها البتول!
روحك القدوس يهب الحب والتكريس،
يهب البتولية والطهارة،
يُشَّكلني ويهيئني ليوم عرسي بك.
v أعمالك فائقة للطبيعة وعجيبة.
وُلدتَ من البتول، وبقيت بعد ولادتك بتولاً.
أتيت لتُقيم عرسًا سماويًا.
اخترت البشرية عروسًا.
تُقيم منها عروسًا بتولاً،
تضم متزوجين بتوليين بالروح،
وأرامل بتوليين بالقلب،
وبتوليين بالجسد لأجل بتولية الروح!
روحك يضم الكل: المتزوجين والأرامل والبتوليين.
يقيم من الجميع العروس البتول!
أقرأ أيضاً
تفسير كورنثوس الثانية 6 | تفسير رسالة كورنثوس الأولى | تفسير العهد الجديد |
تفسير كورنثوس الثانية 8 |
القمص تادرس يعقوب ملطي | |||
تفاسير رسالة كورنثوس الأولى | تفاسير العهد الجديد |