تفسير إنجيل يوحنا 21 للقمص أنطونيوس فكري
الأصحاح الحادي والعشرون
آية (1):
“بعد هذا اظهر أيضًا يسوع نفسه للتلاميذ على بحر طبرية ظهر هكذا.”
بحر طبرية= هو بحر الجليل أو بحيرة جنيسارات. إذًا هذا الظهور كان في الجليل، بينما ظهوري إصحاح (20) كانا في أورشليم.
آيات (2، 3):
“كان سمعان بطرس وتوما الذي يقال له التوأم ونثنائيل الذي من قانا الجليل وابنا زبدي واثنان آخران من تلاميذه مع بعضهم. قال لهم سمعان بطرس أنا اذهب لأتصيد قالوا له نذهب نحن أيضًا معك فخرجوا ودخلوا السفينة للوقت وفي تلك الليلة لم يمسكوا شيئًا.”
هنا نجد المسيح يظهر لسبعة من التلاميذ يقوى إيمانهم ليصنع منهم كارزين. ومن هم السبعة ؟ بطرس الذي أنكر وتوما الذي تشكك وإبنا زبدي اللذان كانا يريدان الجلوس عن اليمين واليسار في ملك زمني تصوروه للسيد، وطلبا ناراً تنزل على من رفض المسيح. ونثنائيل الذي تصور أنه لن يخرج شيء صالح من الناصرة وهنا نسمع أنه من قانا الجليل. نرى هنا هذه الجماعة تذهب لصيد السمك!! (هي حالة من عدم الفهم لبطرس ومن معه، ماذا يعملون بالضبط بعد ترك المسيح لهم). لقد دعا الرب بطرس أولًا قائلاً أترك صيد السمك وأنا أجعلك صياد ناس أي كارز وخادم للبشارة. ولكنه هنا تساءل كيف يعيش ويأكل مع التكريس، والمسيح الذي دعاه غائب مختفى وهو لا يراه الآن بالجسد. ولذلك عاد بطرس لمهنته السابقة ليأكل وجذب معهُ ستة آخرين، منهم نعرف أربعة أسماء ذكرها الكتاب، ولا داعي للتخمين فيمن يكون الإثنان الآخرين. فالكتاب لم يذكرهم. وفي تلك الليلة= الليل يشير للظلام ورمزياً لغياب المسيح. لم يمسكوا شيئاً= هو فشل مرتب من الله حتى يحولهم لصيد النفوس (ويقنعهم أن لا يعودوا لصيد السمك)، وفشل يرتبه لنا الله خيرٌ من نجاح نرتبه لأنفسنا. ونلاحظ أن غياب المسيح يشير لهُ رمزياً غياب السمك (سمكة إ خ ث ى س باليونانية ιχθύς) وتحمل هذه الحروف أوائل حروف العبارة (إيسوس خريستوس ثيئوس إيوس سوتير وتعنى يسوع المسيح ابن الله المخلص) لذلك إتُخِذَت السمكة رمزاً للمسيحيين في أوائل عصور المسيحية. أضف أن السمك يعيش في البحر ولا يغرق ولا يموت مثال للمؤمن يعيش في العالم الذي يشبهه الكتاب بالبحر ولا يموت. والسمك له زعانف يسير بها عكس تيار الماء. والمؤمن له قوة النعمة يسير بها عكس تيار شهوات العالم.
آية (4): “ولما كان الصبح وقف يسوع على الشاطئ ولكن التلاميذ لم يكونوا يعلمون انه يسوع.”
ولما كان الصبح = فالمسيح هو شمس البر وهو النور الذي يبدد ظلمة الفشل.
آية (5): “فقال لهم يسوع يا غلمان العل عندكم إدامًا أجابوه لا.”
غلمان= تعنى يا أولادي الأحباء الصغار. هي كلمة تشير لمن له معهم علاقة عاطفية قوية وحنو. ألعل عندكم إدامًا= كلمة إدام تعني غموس (ما يأكلونه مع الخبز) وهنا فالسؤال واضح أنه عن السمك الذي اصطادوه. والسمك رمز للمسيحيين، فما يشبع المسيح هو إيمان غير المؤمنين “من تعب نفسه يرى ويشبع” (أش11:53) فالمسيح يسأل تلاميذه عن النفوس التي اصطادوها ليفرح بها ويشبع. وما يعزى هو ظهور يسوع حينما يعجز البشر.
آية (6): “فقال لهم القوا الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن فتجدوا فالقوا ولم يعودوا يقدرون أن يجذبوها من كثرة السمك.”
الجانب الأيمن= هل هناك سمك على جانب من السفينة وليس على جانبها الآخر؟ هذه لا تفهم سوى رمزيًا. فالذين على اليمين هم الخراف. أي الذين تبرروا، هما القطيع الصغير المعروف بالواحد، لو ضاع منهم خروف يذهب وراءه المسيح لذلك يذكر رقمهم (153).
ونلاحظ أن المسيح في بداية دعوته للتلاميذ قابلهم في سفينتين (لو1:5-11) وهناك مقارنة
(لو1:5-11) |
(يو1:21-11) |
1) رأى سفينتين (اليهود والأمم) 2) لم يذكر أي جانب القوا إليه الشباك (الكل مدعو) 3) صارت الشباك تتخرق (الحرب ضد الكنيسة) 4) لم يذكر عدد السمك (الداخلين للإيمان كثيرين) 5) صغار السمك هربوا من الشباك التي تمزقت (المترددين بين المسيح والعالم) 6) قبل القيامة، أي لم تعمل قوة القيامة فيمن هرب |
1) سفينة واحدة (جعل الاثنين واحدًا) 2) القوا الشباك للجانب الأيمن (قليلون يخلصون) 3) لم تتمزق الشبكة (الله يحفظ رعيته) 4) عدد السمك 153 (هم القطيع الصغير وعددهم معروف لديه) 5) الباقين في الشباك هم كبار السمك (نضج إيمانهم) 6) بعد القيامة، فالقيامة هي سر نضوج إيمان من لم يهرب، القيامة من موت الخطية. |
وصغار السمك هم ضعاف الإيمان الذين هربوا نتيجة الحروب ضد الكنيسة، ونتيجة صراع وتشكيك وهرطقات ضعاف الإيمان، هؤلاء الذين يتسببون في تمزيق الشبكة أي الكنيسة. والجانب الأيمن إشارة للمقبولين “فالخراف سيكونون عن اليمين والجداء عن اليسار” وكثيرون يدخلون الإيمان وقليلون هم الذين يخلصون، فالآب دعا كثيرين إلى العرس ولكنه عاد وأمر بأن يُطرد من ليس عليه ثياب العرس، أمّا القطيع الصغير فهو معروف بالعدد، لا يهلك منه أحد إلاّ ابن الهلاك، لن يمحى اسم أحد منهم من سفر الحياة. وكثرة السمك هذه تحققت في أول عظة لبطرس إذ آمن3000 نفس ثم بعدها بأيام2000 نفس بعد شفاء المقعد.
ولاحظ ففي الحالتين (لو5، يو21) لم يصطادوا شيئًا، ثم بكلمة يسوع صار صيد كثير. فبدونه لا نقدر أن نفعل شيئًا.
آية (7): “فقال ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه لبطرس هو الرب فلما سمع سمعان بطرس أنه الرب اتزر بثوبه لأنه كان عريانًا وألقى نفسه في البحر.”
قال يوحنا هو الرب.. وبطرس ألقى نفسه في الماء = المحبة أعطت يوحنا العين المفتوحة فعرف الرب. ومرة أخرى نلخص ما يفتح الأعين لنري المسيح:-
1) المحبة (مثل يوحنا) 2- الإيمان (المجدلية)
3) التناول (تلميذيّ عمواس) 4- القداسة (بدونها لا أحد يرى الرب)
5)الرجاء (فتلميذيّ عمواس في يأسهما هربا) إذ شعرا بأن الفداء لم يقدم لهما شيئًا فخافا وهربا، وحينما صار لهما الرجاء عرفا المسيح وعادا لأورشليم.
6) النقاوة = التي بها نعاين الله (مت5: 8).
ربما يكون صيد السمك المعجزي هو الذي جعل يوحنا يدرك أنه يسوع. ولكن لمحبته الكبيرة أدرك أنه يسوع قبل باقي التلاميذ.
ونجد بطرس في محبته المندفعة يلقي بنفسه في الماء ليظهر محبته، لعل هذا يعفيه من نكرانه السابق. وبطرس في بداية تعرفه بالمسيح حين شعر بخطيته قال لهُ “أخرج يا رب من سفينتي” والآن حين شعر بخطيته (عريه) ألقي بنفسه في الماء ليهرب إلى المسيح. ففي بداية علاقة الخاطئ بالمسيح يهرب منه إذ يشعر بخطيته وبعد ذلك يهرب إليه إذ يكتشف محبته. إتزر بثوبه = كما يغطى الملائكة وجوههم قدام الله.
اية (8): “وأما التلاميذ الآخرون فجاءوا بالسفينة لأنهم لم يكونوا بعيدين عن الأرض إلا نحو مئتي ذراع وهم يجرون شبكة السمك.”
كانت السفينة قريبة 200 ذراع. ولكن بطرس تعجل وسبح للشاطئ وهم يجرون شبكة السمك = الشبكة تشير للكنيسة التي تنتشل المؤمنين من بحر هذا العالم لتعود بهم إلى شاطئ السلام حيث المسيح. وربما حاول السمك أن يعود إلى البحر ولكن محاولات التلاميذ وخدام المسيح هو جر من آمن (السمك) للشاطئ أي إلى داخل الكنيسة حتى لا يهلك.
آية (9): “فلما خرجوا إلى الأرض نظروا جمرًا موضوعًا وسمكًا موضوعًا عليه وخبزًا.”
نظروا جمرًا = فبجانب جمر متقد أنكر بطرس سيده. وبجانب جمر متقد يسأله المسيح أتحبني، وبعد ذلك أعاده لرعاية شعبه ونال الغفران. وسمكًا موضوعًا عليه وخبز = هذا درس للتلاميذ أن يهتموا بالكرازة والرعاية والله سيعولهم ولن يتخلي عنهم.
آية (10): “قال لهم يسوع قدموا من السمك الذي أمسكتم الآن.”
قدموا من السمك = النفوس التي يصطادها الخدام هي للمسيح، هم يعطون المسيح النفوس وهو يعطيهم نصيبهم وطعامهم (نش11:8، 12). الصيد للمسيح والإدام من الله للخدام.
آية (11): “فصعد سمعان بطرس وجذب الشبكة إلى الأرض ممتلئة سمكًا كبيرًا مئة وثلاثا وخمسين ومع هذه الكثرة لم تتخرق الشبكة.”
153 سمكة = هو رقم رمزي يشير للكنيسة، أبناء الله المؤمنين:
153 = 3 + 50 + 100
رقم 3 = يشير لمن آمن بالله (الثالوث) وقام مع المسيح (3رقم القيامة). القيامة من موت الخطية هنا.
رقم 50 = يشير لأن من قام مع المسيح يعطيه الله أن يتحرر ويحل عليه الروح القدس و50 في العهد القديم هي سنة اليوبيل أي الحرية ويوم الخمسين في العهد الجديد هو يوم حلول الروح القدس.
رقم 100= هم قطيع المسيح الذي لا يهلك منه أحد (100خروف) فالمسيح يبحث حتى عن الخروف الضال لكي يرده فلا يهلك.
وفي اليونانية كالقبطية كل حرف يناظر رقم (كذلك في العبرية) وبحساب أرقام الحروف
أبناء الله بالعبرية = بنى إلوهيم رقمها 153
أبناء الله باليونانية: رقمها 3213=153×7×3
كلمة سمك باليونانية: رقمها 1224=153×8
كلمة شبكة باليونانية: رقمها 1224=153×8
آية (12): “قال لهم يسوع هلموا تغدوا ولم يجسر أحد من التلاميذ أن يسأله من أنت إذ كانوا يعلمون أنه الرب.”
المسيح هو الذي إستضاف تلاميذه وأشبعهم. وهو الذي أعطاهم السمك (المؤمنين) وهو الذي حصل عليه، فبدونه لم يكونوا ليصطادوا شيئاً. فليس الساقي شيء ولا الزارع فالله هو الذي ينمى. ولاحظ أن كلا:-
السمك (الذي أتوا به من البحر هو عمل المسيح فهو الذي أرشدهم).
والسمك الذي على الشاطئ هو الذي أعده لهم. كلاهما عمله وعطيته.
لم يجسر = المسيح بعد القيامة له نفس الشكل ولكن له هيبة ومجد الجسد الممجد، وهذه لم يألفوها فيه من قبل.
آية (يو:13:21):- “13ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ وَأَخَذَ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذلِكَ السَّمَكَ. “
آية (14): “هذه مرة ثالثة ظهر يسوع لتلاميذه بعدما قام من الأموات.”
مرة ثالثة = بعد ظهورى أورشليم. ويوحنا يقصد الظهورات للتلاميذ مجتمعين. المذكورة في إنجيله (مرتين في إصحاح 20 في العلية ومرة في هذا الإصحاح).
الآيات (1 – 14) المسيح يؤسس كنيسته
يدعو كثيرين، كل السمك الذي في البحر مدعو (العالم) ومن يقبل يصبح من القطيع الصغير أ) يستمروا داخل الكنيسة (الشبكة). ب) قاموا من موت الخطية وتحرروا من قيودها، وإمتلأوا من الروح القدس.
يرسل لهم صيادين ليصطادونهم من العالم، ورعاة يرعونهم داخل الكنيسة.
الصيادين والرعاة عملهم خدمة القطيع الصغير والكبير، والمسيح عليه إطعام الصيادين والرعاة. خدام الله لا يحملوا أي هم مادي فالمسيح مسئول عنهم.
المسيح هو الذي يجذب المؤمنين (القطيع الكبير [لو5] والقطيع الصفير [153]) وعمل الرعاة مساعدة القطيعين ليصلوا إلى شاطئ الخلاص.
البقاء داخل الكنيسة والثبات في القطيع الصغير مسئولية كل إنسان، فالله لا يقيد حرية أحد.
المسيح واقف ينتظر على شاطئ بر الخلاص وصول قطيعه الصغير ومعهم رعاتهم وخدامهم.
بدون المسيح، نجد أن خدمة الصيادين والرعاة هي بلا ثمر. وبدون المسيح كانوا في ظلمة الليل، وحينما ظهر المسيح أشرق الصبح فهو نور العالم ن وهنا ظهر الثمر.
المسيح هو الذي يستر عرى الجميع رعاة ورعية.
آية (15-17):
“فبعدما تغدوا قال يسوع لسمعان بطرس يا سمعان بن يونا أتحبني أكثر من هؤلاء قال نعم يا رب أنت تعلم أني احبك قال له ارع خرافي. قال له أيضًا ثانية يا سمعان بن يونا اتحبني قال له نعم يا رب أنت تعلم أني احبك قال له ارع غنمي. قال له ثالثة يا سمعان بن يونا اتحبني فحزن بطرس لأنه قال له ثالثة اتحبني فقال له يا رب انت تعلم كل شيء أنت تعرف أني احبك قال له يسوع ارع غنمي.”
هنا المسيح يربط بين صيد السمك ورعاية الغنم. فالسمك يشير لرعية المسيح التي طلب من بطرس أن يرعاها. هنا المسيح يحول بطرس من صياد سمك إلى راعى غنم. أي يصطاد نفوس الناس ثم يرعاها ويحافظ عليها إلى أن يأتي بها للمسيح. وكما تعلم بطرس من الدرس السابق أنه ليس وحده بل المسيح هو العامل فيه. وكل ما عليه أن يلقى الشبكة ولكن المسيح هو الذي يرسل السمك.
وكان هذا بعد حوار رقيق مع بطرس، هدفه إكمال شفاء بطرس من رفضه للصليب الذي هو علامة كمال المحبة.
الآيات (15-23): هناك تفسيرين:
1- يقول الإخوة الكاثوليك أن المسيح هنا يعطى بطرس رياسة الكنيسة المسيحية في كل العالم وهذا ما أحزنه (آية17). وهذا الرأي مرفوض فنحن لا نجد في تعاليم المسيح موضوع رياسة أحد على كل الكنيسة. بل أن ما أحزن بطرس حقيقة هو الألفاظ التي إستخدمها المسيح وليس عظم المسئولية التي ألقاها المسيح على عاتقه برياسة الكنيسة (وهذا موضوع طويل ليس مجاله هنا).
المسيح كان يعالج بطرس، من رفضه للصليب الذي أدى لأن ينكر المسيح إذ خاف من هجوم اليهود عليه. بل إن بطرس كان منذ البداية رافضاً للصليب (مت22:16). والطريقة التي يستعملها السيد هنا هي الربط بين المحبة والصليب. فبعد أن سأله 3مرات هل تحبني نجده في آية 18 يتنبأ لهُ بأنه سيموت مصلوباً. ومعنى كلام السيد إن كنت تحبنى حقيقة عليك أن تقبل بالصليب الذي أسمح به. فمن أحب المسيح حقيقة يثق فيه وفي أحكامه بدون شكوك. وهذا الكلام موجه لكل منا، فعلامة محبتنا للمسيح وتلمذتنا له هو قبول ما يسمح به من آلام. وكمال الحب هو في بذل النفس حتى النفس الأخير في إستشهاد أو قبول أي صليب يسمح به الله، أي لا نحب أنفسنا أكثر من المسيح حتى نستحقه (لو26:14). لقد ظن بطرس أن محبته يُعبر عنها بحمله للسيف وضرب عبد رئيس الكهنة، والسيد هنا يقول ليس هذا هو الحب، بل هو قبول الصليب.
نفهم إذا أن العلامة الأولى لمحبة المسيح هي قبول الصليب الموضوع علينا.
علامتين أخريين لمحبة المسيح
هي خدمة أولاد الله ورعايتهم وبذل النفس لأجلهم = إرع خرافي.
علامة أخرى للمحبة هي أن لا نقارن حالنا بأي إنسان آخر، ففي هذا عدم ثقة في أن المسيح يحبنا ويختار لنا أنسب شيء. وأنسب شيء هو ما يكون الطريق لنا لنصل للسماء. وهذا إتضح في خطأ بطرس حينما سأل الرب عن الطريقة التي سيموت بها يوحنا، إذ كان يظن أن المسيح يحب يوحنا أكثر منهم جميعا، فهو يعطى بطرس الموت بالصليب بينما سيعطى يوحنا شيئا أفضل.
ونلاحظ أن بطرس في كبريائه السابق قال “إن أنكرك الجميع لا أنكرك أنا” والسيد سمح بموقف الضعف الذي وقفه بطرس أمام الخدم والجواري ليبدأ علاجه وتنكسر كبريائه. وبهذا يعيده المسيح لدرجته السابقة. لقد خجل بطرس أن يفتح موضوع الإنكار مع المسيح. لكن المسيح هو الذي يعيد بطرس لدرجة الرعاية والمعنى أنه غفر.
إرع خرافي… إرع غنمي. وفي نفس الوقت يكمل الدرس ويشرح لبطرس أن ما يجعلك يا بطرس تقبل أي ألم هو أن تحب من كل القلب. وربما يكون سؤال المسيح 3 مرّات أتحبني هو في مقابل إنكار بطرس 3 مّرات، وذلك لإثارة مشاعر بطرس ولشفاء محبته فيقبل الصليب. هذا ليس تأنيباً لبطرس ، فالمسيح لا يؤنب أحداً حتى ولا الزانية. بل هو لشفاء ضعف محبة بطرس. وهذا نفهمه من قول المسيح إتبعنى آية 19. أما يوحنا المملوء حباً للسيد لا يقول له المسيح إتبعنى بل هو يتبع المسيح دائماً بل حتى الصليب.
كون أن المسيح يعمل هذا مع بطرس هو ليس نوع من التذكير بالخطأ، بل إظهار طبيعة الخطأ لبطرس، حتى يصحح موقفه. المسيح هنا يقف كمعلم يصحح خطأ تلميذه. فالمسيح يعلن لبطرس أن محبته ضعيفة. وهذا عمله الرب مع شاول الطرسوسي إذ سمح بأن تعمى عينيه أياما قليلة ليفهم مشكلته، وأنه لم يرى المسيح من خلال دراسته للناموس. وعمل هذا مع زكريا الكاهن إذ صمت فترة ليدرك خطأه. فالله يبدأ العلاج بكشف الخطأ أولًاً. والعلاج هنا أن يقبل من يريد الشفاء من نقص المحبة أي صليب يسمح به الرب، هذا إذا كانت عينه قد إنفتحت وعرف محبة الرب التي لايمكن أن تسمح بشر لأولاده.
آية (20): “فالتفت بطرس ونظر التلميذ الذي كان يسوع يحبه يتبعه وهو أيضًا الذي اتكأ على صدره وقت العشاء وقال يا سيد من هو الذي يسلمك.”
فإلتفت بطرس ونظر التلميذ الذي كان يسوع يحبه يتبعه. فيوحنا يتبع المسيح مهما كانت الظروف وحتى الصليب. أمّا بطرس فإحتاج لأن يثير المسيح مشاعره ليرفع درجة الحب فيتقبل أن يتبعه حتى الصليب. ولنلاحظ درساً مهماً. فبطرس لأن محبته أقل يقارن بينه وبين يوحنا ويسأل المسيح، أنت تريدني يا رب أن أموت مصلوباً فماذا عن يوحنا؟ هل لأنك يا رب تحبه أكثر منى فلن تسمح بموته مصلوباً. وكانت إجابة المسيح درساً له ولنا، أن لا نقارن بين حالنا وحال الآخرين، فما يسمح به المسيح لي هو أفضل شيء لي أنا. كان رد المسيح على بطرس فماذا لك وبالعامية “إنت مالك” إن كان هناك حب حقيقي للمسيح فلنفهم أن ما يختاره لي هو أفضل شيء دون مقارنة مع الآخرين، هو طريقى للسماء ، لسبب بسيط أنني لست الآخر وظروفى تختلف عن ظروفه.
والألفاظ التي إختارها المسيح لها معنى هام. فهناك كلمتان للمحبة استخدمتا هنا :-
1) أغابي= وهي المحبة في أسمي صورها ودرجاتها وأقوى مشاعرها حتى بذل النفس ودون أن تطلب مقابل.
2) فيلو= المحبة في مظاهرها الإعتيادية الطبيعية وهي أقرب لكلمة المودة.
*درجة الأغابى هي تناظر محبة الله لنا، أحبنا دون أن يطلب مقابلاً لذلك وهي تشير أيضاً لمحبة الأم لأبنائها، فهي تبذل نفسها عنهم دون مقابل.
*أما الفيلو فهي الدرجة الأقل، هي محبة تطلب مقابلاً لها.
ونلاحظ أن في سؤال المسيح الأول لبطرس إستخدم المسيح كلمة أغابى `agapy ورد بطرس بتواضع مستخدماً كلمة فيلو، وهكذا في المرة الثانية، أماّ في المرة الثالثة فسأل المسيح بطرس أتحبني مستخدماً كلمة فيلو، وهذا ما أحزن بطرس (وليس ثقل المسئولية). وكأن المسيح يقول لبطرس أن محبتك يا بطرس لم ترتفع للآن حتى إلى مستوى الفيلو = فحزن بطرس لأنه قال له ثالثة أتحبني (فيلو).
ونلاحظ أن المسيح يسأل بطرس أولًاً “أتحبني أكثر من هؤلاء” ليذكره بإندفاعه حين قال “وإن أنكرك الجميع لا أنكرك” ولم يكرر المسيح الدرس ثانية، أي لم يكرر قوله أكثر من هؤلاء حينما أتي الدرس بنتيجة إيجابية وتواضع بطرس ولم يكرر بطرس قوله أكثر من هؤلاء. وأيضاً قوله “أنت تعلم” وفي ثالث مرة نرى أنه إرتمى بالكامل على المسيح فقال “يا رب أنت تعلم كل شيء” وهناك كلمتان أيضاً للرعاية إستخدمهما المسيح:-
إرع (أيات15، 17) تعنى تغذية القطيع وإطعامه.
إرع (آية 16) تعنى الرعاية المستمرة والحرص والعناية والسياسة وقيادة القطيع وحمايته من الذئاب. وبطرس بدأ عمله الرعوى فعلاً يوم الخمسين.
وهناك كلمتان استخدمهما المسيح في التعبير عن الخراف:-
خرافي (آية 15) تشير للحملان الصغيرة التي تلازم الحظيرة (تحتاج لتغذية)
غنمي (آيات 16، 17) هذه للخراف الكبيرة وهذه ترعى في الحقول ويلزمها الرعاية والحفظ، يلزمها القيادة والتغذية. والمعنى الكل يحتاج للرعاية، المبتدئين والمتقدمين روحياً.
(آية15): الرب ناداه باسم سمعان أي بإسمه العادي وليس بحسب وظيفته الرسولية فهو يسأل عن علاقته الشخصية به. أتحبني أكثر من هؤلاء = هل تظن يا بطرس أن محبتك لي أكثر من الباقين، كما كنت تظن قبلاً (مر29:14). ورد بطرس بتواضع أنت تعلم يا رب = هنا بطرس يرتمي على المسيح بالكامل قائلاً أنت تعلم يا رب بدلاً من ثقته في نفسه قبلاً، هذه الثقة التي جعلته يشكك في كلام المسيح (مر27:14، 29). بهذا الرد بدأ شفاء بطرس.
والرب يقول له إرع خرافي = [1] هي إعادته لدرجته في الرعاية. [2] هذه تعنى أن علامة محبتك يا بطرس أن تبذل نفسك عن خرافي وترعاها. هنا نرى علامة المحبة. وفي آيات (18، 19) نرى كمال المحبة في بذل الذات وقبول الصليب الذي يسمح به الرب.
نرى هنا يوحنا المملوء حباً يتبع المسيح دون أن يقول لهُ المسيح. وربما فعلاً في هذا الموقف كان يسوع يسير ويوحنا يتبعه ولكن المهم المعنى في تبعية يوحنا الدائمة للمسيح.
(الآيات 18، 19): “الحق الحق أقول لك لما كنت أكثر حداثة كنت تمنطق ذاتك وتمشي حيث تشاء ولكن متى شخت فانك تمد يديك وآخر يمنطقك ويحملك حيث لا تشاء. قال هذا مشيرًا إلى أية ميتة كان مزمعًا أن يمجد الله بها ولما قال هذا قال له اتبعني.”
المسيح هنا يتنبأ لبطرس أنه في نهاية أيامه سيصلب وقال له حيث لا تشاء = أي الصليب. ولكن من أدرك محبة المسيح له يسلم نفسه له بحريته، والسيد يحمله حيث يشاء هو، ولكن إلى أين يحمله ؟ قطعاً إلى المجد فهذه هي إرادته (يو24:17). ولكن ذلك يكون عبر الصليب كطريق، ومن هو الذي يعرف الطريق للمجد سوى السيد المسيح.
ونرى في هذه الآيات أن الإنسان في بداياته الروحية يتصرف كيفما يشاء هو، ولكن حينما ينضج روحياً يسلم نفسه لله بالكامل دون مقاومة. ويقبل الألم من أجل الإله الذي يحبه دون نقاش. وهكذا قيل عن السيد “كشاة سيقت للذبح” وهكذا كان الشهداء الذين بإستسلامهم الكامل آمن الوثنيون بالمسيح.
ولأن المسيح يعرف رفض بطرس لفكرة احتمال الألم (الصليب) (مت22:16)، قال لهُ إتبعنى ولقد حدث هذا فعلاً في نهاية أيام بطرس، فحين أراد نيرون قتله هرب من روما، فقابله المسيح خارج روما فسأله بطرس إلى أين يا سيد = “كوفاديس”. فرد عليه المسيح أنا ذاهب لأصلب بدلاً منك، فعاد بطرس وصلبوه منكس الرأس حسب طلبه إذ حسب نفسه ليس أهلاً أن يصلب كسيده ورأسه إلى فوق.
آية (20): “فالتفت بطرس ونظر التلميذ الذي كان يسوع يحبه يتبعه وهو أيضًا الذي اتكأ على صدره وقت العشاء وقال يا سيد من هو الذي يسلمك.”
نرى هنا يوحنا المملوء حبًا يتبع المسيح دون أن يقول لهُ المسيح. وربما فعلًا في هذا الموقف كان يسوع يسير ويوحنا يتبعه ولكن المهم المعنى.
آية (21): “فلما رأى بطرس هذا قال ليسوع يا رب وهذا ما له.”
المقارنة مع الآخرين دليل عدم الحب. فمن يحب المسيح حقيقة سيدرك أن المسيح يحبه بشدة، بل يتصور أن المسيح لا ينشغل بأحد سواه. ولنثق أن المسيح يختار لي الأفضل. والأفضل ليس الأكثر من المال والصحة والمراكز الدنيوية. بل ما يراه المسيح مناسباً لي لأصل للمجد السماوي. وما يناسبني لا يناسب غيري. والله هو الذي يعرف احتياج كل نفس وكيف تصل للسماء.
آية (22): “قال له يسوع إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء فماذا لك اتبعني أنت.”
هذا القول حتى لا يقارن أحد حاله مع الآخرين، فالمسيح حر في أي قرار يتخذه، وعلينا أن نثق أنه لا يصنع سوى الخير لكل منا فهو صانع خيرات. وهو يعرف كيف يأخذ كل منا إلى المجد فهو الطريق للمجد.
آية (23): “فذاع هذا القول بين الإخوة إن ذلك التلميذ لا يموت ولكن لم يقل له يسوع أنه لا يموت بل إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء فماذا لك.”
حالة التذمر التي كانت سائدة بين التلاميذ، جعلتهم يظنون أن المسيح يحب يوحنا أكثر منهم، وكان هذا سبب سؤال بطرس عن كيفية موت يوحنا وكان هذا سبب أن التلاميذ تصيدوا قول المسيح وأشاعوا أن المسيح بسبب محبته ليوحنا سيجعله يعيش للأبد. ويوحنا يشرح أن المسيح لم يقل هذا. وللآن فنحن نتصور أن المسيح يحب الآخرين أكثر منا بسبب أي خيرات يعطيها لهم.
آية (24): “هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا ونعلم أن شهادته حق.”
نعلم = يوحنا هنا يضع نفسه مع المؤمنين وأنه يصدق كل ما قاله.
آية (25): “وأشياء آخر كثيرة صنعها يسوع أن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة أمين.”
العالم نفسه لا يسع الكتب= ليس وسع العالم المكاني أو الجغرافي، بل الفكري والمعنوي، وحتى الآن تؤلف آلاف الكتب والموضوع لا ينتهي. بل إن كلمة الله غير محدودة في معانيها. فكل يوم نكتشف معنى جديد لكل آية. فمنذ 2000 سنة يتم تأليف كتب لشرح الكتاب المقدس. ومازال هناك الجديد. بل أن أعمال المسيح في العالم مازالت حتى هذه اللحظة وكيف يتم حصر أعمال المسيح في العالم في عددها وتنوعها. ولأن يوحنا كان يهدف من كتاباته إثبات لاهوت المسيح فهو ينظر إلى أعمال المسيح الأزلي الأبدي واللا نهائى والغير المحدود، ولأن الله محبة، فإن أعمال محبته غير محدودة، ولا حصر لها في الكون. لكن عموماً العبارة عبارة شعرية تعني أن أعمال المسيح لا تعد.
وهذه الآية هي ختام رائع لإنجيل يوحنا فهي من ناحية تعبر عن محبة يوحنا الحبيب للمسيح فهو يشعر أن أعمال محبته تجاهه وتجاه كل البشر هي لا نهائية. وهي نهاية متفقة مع غرض الإنجيل الذي يثبت لاهوت المسيح مما يجعل محدودية كتب العالم غير قادرة على إستيعاب أعمال محبته اللا نهائية. وأيضاً نهاية رائعة لهذا الإصحاح الذي يطالبنا فيه المسيح بالمحبة وهذه شعر بها يوحنا الحبيب فعبر بهذا عن أن أعماله لا نهائية.
* هذا الإصحاح يلخص بروعة علاقة المسيح بكنيسته. فنجد فيه المسيح مهتماً بكنيسته، يرسل لها رعاة وصيادين ليجمع أولاده في شبكة كنيسته، وأن أولاده معروفين بالواحد (153). لكنه يوجه الدعوة للجميع ويرسل لهم رعاة ليجذبونهم، والموضوع متروك للاختيار الحر لكل إنسان هل يقبل أن يستمر داخل الشبكة (الكنيسة) أو يهرب. على الخدام أن يعملوا ويرعوا الرعية، والمسيح يعول خدامه. والناضجين في الإيمان لا يمكن أن يتركوا الكنيسة. وعلى كل منا أن يفهم قانون التعامل مع المسيح ويتلخص في كلمة الحب فهو يحبنا ويرعانا وعلامة محبته رعايتنا. وعلينا أن نحبه وعلامة محبتنا أن نبذل أنفسنا في خدمته وكمال المحبة بذل النفس تمامًاً وأن نقبل من يده كل ما يسمح به، فهو وإن سمح بالصليب، لن يسمح بأي ضرر وذلك لأنه يحبنا. هو صانع خيرات ولا يعرف أن يعمل شر. وقد لا نفهم أفكار الله لكن علينا بإيمان أن نثق أن كل ما يسمح به هو طريقنا للسماء، فإشتياق قلب المسيح أن يجذبنا فنكون معه في السماء وللأبد (يو24:17). وهذا ما لخصه بولس الرسول حينما قال “كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله” (رو28:8). وهذه الوليمة التي صنعها السيد لتلاميذه هي رمز للوليمة السمائية (عشاء عرس الخروف) (رؤ9:19). ونرى في الإصحاح أن شرط الخدمة هو محبة الله. ونرى في هذا الإصحاح أيضاً أن المسيح يعالج الخاطئ كما عمل مع بطرس لكنه لا يرفضه إذا أخطأ.
تعليق على أصحاح 21 من إنجيل يوحنا
أَنَا الرَّبُّ شَافِيكَ (خر26:15)
رأينا هنا السيد المسيح يشفى محبة بطرس، فالسيد المسيح أتى كطبيب ليشفى طبيعتنا الساقطة فيكون لنا نصيب في المجد السمائي المُعَد لنا، والحياة الأبدية. وهو يشفى الإيمان والرجاء والمحبة وموضوع هذا الإصحاح شفاء المحبة.
ودليل شفاء المحبة كما رأينا:
1) رعاية أولاد الله.
2) قبول الصليب.
3) عدم مقارنة مايسمح به الله لي مع الآخر.
وهناك عدة أسئلة:
1) يقول السيد المسيح لبطرس أتحبني… إذًا إِقْبل الصليب… ألم يكن أسهل أن يقول السيد إن كنت قد أدركت أنني أحبك… إذا إقبل الصليب. وهذا ما شرحه السيد المسيح بنفسه (مت7: 9،10)، فالأب لا يُعطى حيَّة لابنه إن سأله أن يُعطيه سمكة. فالابن الذي يُدرك محبة أبيه له لا يشُك أبداَ في أن عطايا أبيه له هي للفائدة. فحتى إن سمح الله (الأب الحقيقي السماوي) بتجربة مُؤلمة، فهي للفائدة. أي للحياة، أي تكون وسيلة للحياة الأبدية كما تحيا السمكة وسط البحر إشارة لحياة المؤمن، أو الحياة التي ستكون للمؤمن الواقع تحت تجربة حتى وإن كانت مرضًا مميتًا، فالبحر يُشير للموت بالنسبة للإنسان العادي. ولكن من الذي يكتشف محبة الله له؟ هو من له الأعين المفتوحة مثل بولس الرسول الذي قال “لأن محبة المسيح تحصرنا” (2كو14:5). والأعين المفتوحة هي لمن يكون نقى القلب (مت8:15). ونقاوة القلب هي بحفظ الوصايا. وحفظ الوصايا هذه هو لمن يُحِب المسيح (يو23:14). إذًا من يُحِب المسيح هو الذي يكتشف محبة المسيح له. وهذا ما كان يعنيه القديس يوحنا حين قال “نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولًا”(1يو19:4). فمن اكتشف محبة المسيح سيُحِب المسيح.
2) لماذا الصليب؟
ما هو الصليب ؟ بالنسبة لي هو الخلاص. ولكن ما هو الصليب بالنسبة للمسيح ؟
الصليب بالنسبة للمسيح = هو حب يصل لسفك آخر نقطة في دمه ليخلص أحباءه الذين يحبهم ويقبلونه. والتلمذة للمسيح هي أن نتشبه به في محبته هذه.
وعلامة المحبة هي قبول الصليب. فلماذا ؟ ألا يُمكن أن أحب المسيح دون أن يُعطينى صليب عليَّ أن أحتمله؟
كما رأينا أن هناك درجتين للحُب: 1)الأغابى. 2)الفيلو.
والأغابى: هي الدرجة العالية، درجة بذل الذات دون طلب مُقابل كما أحبنا الله وفدانا دون أن نُعطيه شيئاً.
الفيلو: هي المحبة في مُقابل محبة الآخرين.
وحينما عاتب السيد الرب بطرس هنا ليُعالج هذه النقطة، سأله في المرة الثالثة مُستخدمًا الفعل فيلو بعد أن سأله مرتين مُستخدنًا الفعل أغابي لأن بطرس سبق وقال له “إنى أضع نفسي عنك” (يو37:13)، وقول بطرس هنا هو معنى الأغابي ( ان يضع نفسه عن المسيح) ولكن بطرس كان لم يصل لهذه الدرجة، بل لم يصل في إنكاره للسيد المسيح لدرجة الفيلو. فهو عاش مع المسيح وأخذ منه الكثير من الحُب والعطايا ولم يُعط المسيح شيئًا بل أنكره. لذلك سأله السيد المسيح ثالثة أتحبني مستخدمًا الفعل فيلو، لذلك حزن بطرس. والسيد المسيح يريد لنا الحياة الأبدية. وهذه تكون لنا لو تشبهنا بالله. فالله حياة “أنا هو القيامة والحياة” (يو25:11)، وأيضًا “الله محبة” (1يو16:4). فمن له نفس محبة المسيح أي المحبة التي تبذل نفسها حقيقة ستكون له حياة أبدية. والصليب هو أسمى درجات بذل الذات، ومن يقبل الموت عمن يُحبه فهذه هي درجة الأغابي التي يريدها المسيح لنا لنضمن الحياة الأبدية. وهذا ما فعله المسيح على الصليب فهو بذل نفسه عنا. وكما فعل المسيح فعل الشهداء فتكللوا لأن محبتهم صارت محبة باذلة، إذ قبلوا سفك دمائهم لأجل المسيح الذي أحبوه. وهذه هي أعلى درجات الحُب.
ولنلاحظ أن العكس هو أن يطلب الإنسان ما لنفسه ويطلب كيف يُرضى شهواته، ولا يبحث عما يطلبه الله. وهذا ما يُسمى الأنا. ينحصر الإنسان في ما يريد لا فيما يُرضى الله. وهذا ما يُسمى الخطية. وكما تقود الأغابي الإنسان ليحيا حياة أبدية، تقود الأنا والخطية الإنسان للموت ولنرى المقارنة:
مقارنة بين الأغابى والأنـــــــــــا
الأنا |
المحبة(الأغابي) |
يبحث عما يُرضى شهواته |
الإنسان يبحث عن ما يُرضى الله |
يبذل كل غال لإرضاء نفسه (حُب أنانى للذات) |
يبذل نفسه في سبيل من يُحب (حُب مُنطلق نحو الآخر) |
يتشبه بالشيطان الذي بحث عن مجده تاركاُ الله في تحد لله |
يتشبه بالمسيح الذي أخلى ذاته لأجلنا |
هذا يسلك في طريق الموت إذ ينحصر حول نفسه ورغباته فينفصل عن الحياة أي الله فيموت |
هذا يسلك في طريق الله وتكون له حياة |
لذلك قال السيد المسيح “من لا يحمل صليبه ويأتي ورائى فلا يقدر أن يكون لي تلميذاُ” (لو27:14). والمعنى هو حتى أن نكون على شكل المسيح في محبته الباذلة لكي يكون لنا حياة أبدية معه. فكلمة تلميذ تعنى من يعيش مع المسيح اليوم كله وليست بمعنى طالب العلم، التلميذ يعيش مع معلمه يتشرب ويتعلم حياته. وكانت مشكلة بطرس رفض الصليب من أول يوم (مت22:16)، والمسيح يشفى محبة بطرس ليصل للمحبة التي على شكل محبة المسيح أي على درجة الأغابى. وحين قبل بطرس أن يعود إلى روما ليصلب، بل قل في اللحظة التي إستدار فيها بطرس عائدا إلى روما، وقد قبل أن يصلب، هنا وصل بطرس لأعلى درجات المحبة، ووصل لأعلى درجات المجد إذ شابه المسيح في محبته. هنا فرح به المسيح إذ وصل تلميذه إلى درجة بذل ذاته = الأغابى.
3) هل يجب على كل إنسان أن يُصلب حتى تكون له حياة أبدية؟ قطعًا لا. فنحن رأينا يوحنا هنا أنه لم يُصلب. والسبب أن محبة يوحنا كانت لا تحتاج لشفاء. هو الوحيد الذي تبع المسيح للصليب وقبل الوضع في الزيت المغلى وقبل النفى، فهو وصل لدرجة الأغابي. والسيد المسيح مع بطرس، بل مع كل إنسان يُريد أن يصل به لأعلى درجة من درجات الحُب أي أعلى درجة من درجات المجد. والسيد رأى بطرس أن له الإمكانية ليصل لهذه الدرجة فكان يشفيه كطبيب ماهر يُريد لمريضه أعلى درجة من درجات الشفاء، اومدرس يطلب لتلميذه اعلى الدرجات. أما يوحنا فكان في أعلى درجة دون حاجة لأن يُصلب.
4) السيد المسيح كان يشفى الأنا عند بطرس، الواضحة في رفضه للصليب، وطلب منه أن لا يُقارن نفسه مع يوحنا، فبطرس غير يوحنا. والمسيح يريد أن يقول لبطرس “يا بطرس أنا أحبك تمامًا مثل يوحنا وأريدك معه في نفس الدرجة لكن طريق وصولك لهذه الدرجة يختلف عن طريقه” والمسيح الذي هو الطريق يعرف كيف يصل بكل منا للسماء، بل إلى أعلى درجة، فنجم يمتاز عن نجم في المجد (1كو41:15) والمسيح يريدنا في أعلى درجة بحسب استعداد كل منا للتجاوب مع الدواء. وكما ذكرنا سابقا، كانت فرحة المسيح حينما إستدار بطرس عائدا إلى روما ليصلب، لأنه وصل إلى نفس درجة يوحنا. ومن هنا نفهم أن سؤال بطرس للسيد عن طريقة موت يوحنا، كانت بلا معنى. فالمسيح يحب الاثنين بنفس الدرجة، ويريد للإثنين نفس درجة المجد في السماء، لكن لكل واحد طريق غير الآخر.
بولس لم تكن له مشكلة في الحُب للمسيح فهو الذي قال:
* “محبة المسيح تحصرنا” (2كو14:5) فهو اكتشف محبة المسيح.
* “من يفصلنا عن محبة المسيح. أشدة…” (رو8:35،36). هو أحب المسيح حتى الموت.
إذاً لماذا تألم بولس الرسول ؟
كان لبولس الرسول مشكلة أخرى هي الأنا ولكن بصورة مختلفة. بطرس كانت الأنا عنده هي نقص في المحبة أو أنه يُحب نفسه أكثر من محبة المسيح (لو26:14) ولا يُريد بذل ذاته، والمسيح يُريده أن يصل لهذه الدرجة العالية.
أما الأنا عند بولس فكانت مُختلفة، فهو المُثقف بالفلسفة اليونانية وحافظاً للناموس يشعُر أنه بار بلا خطية (فى6:3) يتكلم لغات أكثر من الجميع (1كو18:14). الكل يحبونه حباً عجيباً. ظن البعض أنه إله (أع14:11-18)، شفى أمراض وأقام موتى ورأى السماء، بل رأى المسيح وهو في طريقه لدمشق، ومن كثرة الاستعلانات، وحين يرى أنه بَشَّرَ أوروبا كلها، وهو فعلا تعب في كرازته أكثر من الجميع، وبطبيعة شخصيته خاف الله عليه أن يظُّن أنه وراء كل هذا فضربه بشوكة في الجسد، لذلك قال:
أنا تعبت أكثر منهم جميعًا ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي. (1كو11:15).
↓ ↓
هذه هي الأنا هذه نتيجة العلاج
وبولس لم يصل لدرجة الكبرياء، لكن الله الذي يحبه كان يحميه بتجربة جسده (الصليب) حتى لا يصل لهذه الدرجة.
وطبيًا معروف أن هناك نوعين من الدواء:
الأول: يُعطى لمنع النوبة المرضية مثل التطعيم، وهذا ماحدث لبولس.
الثاني: يُعطى لشفاء مرض ما، وهذا ما حدث لأيوب ولزانى كورنثوس.
فأيوب كان مُصابًا بمرض الأنا المُتضخمة. يُقدِم ذبائح عن أولاده ولا يُقدم ذبائح عن نفسه، فأولاده ربما يُخطئوا، أما هو فلا يُخطئ (أى5:1) بل الله اخطأ في حقه وهو البار الذي لا يخطئ ولاحظ ما قاله أيوب:
- ذَاكَ الَّذِي يَسْحَقُنِي بِالْعَاصِفَةِ وَيُكْثِرُ جُرُوحِي بِلاَ سَبَبٍ (أى17:9).
- إِنْ كُنْتُ كَأمِلًا يَسْتَذْنِبُنِي (أى20:9).
- كَأمِلٌ أَنَا (أى21:9).
- أَحَسَنٌ عِنْدَكَ أَنْ تَظْلِمَ (أى3:10).
- لاَ تَدَعْ هَيْبَتَكَ تُرْعِبُنِي. ثُمَّ ادْعُ فَأَنَا أُجِيبُ أَوْ أَتَكَلَّمُ فَتُجَاوِبُنِي (أى13:21،22).
ومعنى كل هذا أن أيوب يتهم الله بأنه أخطأ وظلمه، وإن دخل في محاكمة مع الله دون أن يرهبه الله بجبروته فسيظهر لله براءته، وأن الله ظلمه، ولقد لخص أليهو خطأ الأنا عند أيوب هكذا:
قُلْتَ: أَنَا أَبَرُّ مِنَ اللهِ (أى35:1،2).
لذلك عالجه الله بتجربة صعبة ولكنها نجحت في شفاء أيوب، فقال: أَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ (أى6:42). وهذا الخطأ نفعله جميعًا إذا أتت علينا تجربة فنقول لماذا يا رب كأن الله أخطأ، أما نحن فأبرار. بينما يكون الله يشفينا روحيًا. وهذا ما عمله بولس مع زاني كورنثوس إذ أسلمه للشيطان ليُجربه بآلام في جسده فتخلص الروح في يوم الرب (1كو4:5). وكرر بولس هذا المفهوم في (2كو4 :16-18).
ولكن لنلاحظ أن الصليب في حالة بطرس كان ليرتفع به المسيح لدرجة الأغابى، أما مع هذا الزانى فالصليب كان تطهيراً من خطية الزنا. وكما قلنا من قبل فنجم يمتاز عن نجم في المجد، وشتان الفرق بين بولس وبطرس من ناحية وبين هذا الزانى التائب، الصليب مع بولس وبطرس كان ليرفعهما لأعلى درجة في المجد أما في حالة هذا الزانى فالصليب كان لمجرد أن تخلص الروح في يوم الرب.
الله خلق آدم على صورته، والله محبة. وبعد أن فقد الإنسان صورة الله، نجد الله يُعالج الناس ليستعيدوا هذه الصورة. لذلك قال الكتاب: “أَنَا الرَّبُّ شَافِيكَ” (خر26:15).
5) رأينا الصليب وسيلة للشفاء، لكن هو أيضًا وسيلة بها نصير شركاء صليب المسيح، ومن يشترك مع المسيح في الألم يصير شريكًا له في المجد. لذلك قال بولس الرسول “لأنه قد وُهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضًا أن تتالموا لاجله” (فى29:1). ولكن من ينظر للألم كهبة لا ينظر إلى المجد الذي سيناله بل إلى شخص من يحبه.
ومن يحب حقيقةً محبة على درجة الأغابي هو الذي يستطيع أن يفهم لذة أن تتألم من أجل من تحبه. كما تقول الأم لابنها المريض “ياريتنى كنت أنا”، لذلك فالألم لأجل المسيح هبة فهو يُعطينى فرصة الاشتراك في الألم مع من أحبه. إذًا من يصل إلى هذه الدرجة هو من تم شفاؤه بالكامل ووصل إلى أعلى درجة وهي الأغابي. لذلك تضع الكنيسة الشهداء في أعلى درجة فهم وصلوا إلى هذه الدرجة.
كلمة نهائية عن شفاء الإيمان والرجاء:
1) كلما زادت المحبة للمسيح يزداد الإيمان بمن عرفت، فالإيمان هو الثقة بما يُرجى (عب1:11). ولكن حتى يزداد إيماننا علينا أن نشكر الله على كل حال حتى لو بغير فهم (كو7:2). والمنطق في هذا ما قاله السيد المسيح لبطرس:”لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد” (يو7:13). والسيد المسيح يعيننا لو اعترفنا بعدم الإيمان أمامه طالبين أن يُعطيه لنا. فالسيد حين قام بشفاء ابن قائد المئة سأله: أتؤمن، وحين قال: “أومن يا سيد لكن أعن عدم إيماني” شفى له ابنه وبالتالي شفى له إيمانه الضعيف.
2) وكلما زادت المحبة زاد الرجاء. وهذا ما قاله بولس الرسول “فالرجاء لا يخزى لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا” (رو5:5).
ملحوظة: يُرجى مراجعة مُقدمة رسالة يوحنا الأولى تحت عنوان أهمية المحبة عند القديس يوحنا الحبيب. وتفسير (رو5:3 -5) وذلك لإستكمال فكرة الموضوع وتوضيحها.
خطوات الشفاء
“قال الرب لبطرس حيث أذهب لا تقدر الآن أن تتبعنى… فرد بطرس لماذا… إني أضع نفسي عنك” (يو37:13). وهذا يعنى عدم تصديق الرب وهذا ناشئ عن عدم الثقة فيه. وعدم الثقة ناشئ عن نقص في المحبة لذلك كان الرب يحاول شفاء بطرس من نقص المحبة. والرب لا يرغم أحدًا على أن يحبه، لكنه يستخدم أسلوب المناقشة والحوار “هلم نتحاجج يقول الرب” (أش18:1) ويقول إرمياء النبي “أقنعتنى يا رب فاقتنعت” (إر7:20). ولكي يعمل هذا السيد المسيح إتبع مع بطرس خطوات للشفاء:-
1) الرب يخبر بطرس بالمستقبل = “لن يصيح الديك حتى تنكرنى” (يو38:13) فيزداد إيمان بطرس به حين يتحقق هذا “حتى متى كان تؤمنون” (يو29:14).
2) الرب يسمح لبطرس بأن يضعف أمام جارية = ليكتشف ضعفه وتزداد ثقته بالمسيح الذي يعرف كل شيء حتى المستقبل. ودائمًا بداية الشفاء بأن يدرك المريض مرضه فيسعى للشفاء. بل أن المسيح بدأ في شفاء بطرس حين قال له أنه سينكره، إذ بهذا أعلن المسيح أنه هو الذي سيسمح للجارية أن تساله. فهو ضابط الكل وكان يمكن للسيد أن يبعد عنه هذه الجارية.
3) بعد القيامة يظهر الرب لبطرس مع التلاميذ ليعرف من هو الرب.
4) يقابل التلاميذ في الجليل لتصحيح مفاهيمهم عنه.
5) يظهر في إصحاح (21) ويُعِّد طعام للتلاميذ، فهو مصدر كل خير مادي، وهذا درس لبطرس لشفاء المحبة التي على مستوع الفيلو التي هي حب لمن يعطى حبًا في المقابل.
6) يدخل الرب في حوار مع بطرس عن المحبة “أتحبني… أتحبني…” ليشفى المحبة التي على مستوى الأغابي فيرفع مستوى محبته. فالرب لا يستخدم الإجبار لنحبه بل الإقناع بالحوار.
يقنع بطرس بطريق الشفاء وهو قبول الصليب وعدم مقارنة نفسه بالآخرين (يوحنا).
لماذا نقول أن المحبة تحتاج إلى شفاء؟
راجع تفسير (يو9:15) لترى أن المحبة هي شرط الوحدة مع المسيح
إذًا بدون محبة فلا إتحاد مع المسيح الذي هو القيامة والحياة (يو25:11) وبالتالي فسنستمر في حالة الموت.
لذلك فمن محبة المسيح لنا أنه يشفى محبتنا، بل يرفعها لأعلى درجة وهي درجة الأغابى = المحبة الباذلة… حتى نتحد بالمسيح إتحاداً كاملاً، وكأننا نذوب فيه (محبة تذوب في محبة)، وهذا تفسير ما قالته عروس النشيد: “إجعلني كخاتم على قلبك” (راجع تفسير أصحاح نش8).
ونعود لثلاثية بولس الرسول:
وكما أن المسيح الطبيب الشافى اهتم بشفاء المحبة فهو يشفى أيضًا الإيمان والرجاء.
شفاء الإيمان: (قراءات القطمارس…. الأسبوع الأول من الخمسين)
نرى في قراءات القطمارس خلال الأسبوع الأول بعض الوسائل التي يتبعها الله لشفاء إيماننا، فلكل واحد له طريقة غير الآخر، والله يستخدم الوسيلة التي تناسب كل واحد. والمسيح يريد أن يشفى كل واحد يريد أن يبرأ. ولنتتبع قراءات الأسبوع الأول، قراءات شفاء الإيمان:-
1) إنجيل أحد القيامة (أول أيام الأسبوع الأول) مريم غير الدارسة للعهد القديم = ولكنها تُحب المسيح. فمحبة مريم كانت لشخص المسيح كإنسان، ليس كإله يمكن الاتكال الكامل عليه. وهذا ما يسمى محبة غير ناضجة، مثل محبة الشاب الغني (مر 10) هو يحب الله لكنه يتكل على أمواله.
نجد المسيح يشفى إيمانها وبالتدريج حين شكَّتَ في قيامته: فهي تحبه كإنسان. لكن في نظرها أنه ليس القيامة والحياة نفسها وأنه قادر أن يحيي من يشاء.
أ) ففي (مت28) هي رأته ولمست قدميه. ثم إذ شكّكها التلاميذ في القيامة شكّت..
ب) حين عادت لم تراه، بل لم ترى شيئًا.
ت) ثم رأت الملاك.
ث) ويبدو أن الملاك حين رأى المسيح سجد فإلتفتت له ولكنها لم تعرفه.
ج) المسيح يُخاطبها باسمها: مريم فتعرفه (هي لغة الحب).
ح) حاولت أن تمسك قدميه فلم يسمح لها.
لاحظ أنها سبق ولمسته (مت28) ولم يسمح لها أن تتلامس معه إذ شكّت. المسيح هنا:
+) رفع إيمانها بالتدريج حتى عرفته.
++) ثم يريد المسيح رفع درجتها لأعلى درجة.
لماذا؟
المسيح يريد رفع درجة إيمانها لدرجة نازفة الدم التي لمسته بإيمان فحصلت على الشفاء إذ خرجت قوة منه. وهذا ما يريده المسيح أن يرفع درجة إيماننا فنعرف أنه يهوه الذي له قوة وغنى وقدرة بلا نهاية. والمسيح يريد أن نأخذ منه مانريد. وهذا معنى أن نطلب بإسمه أي قدراته التي لا نهاية لها. وهذا معنى اللمسة، هي اللمسة بإيمان التي نحصل بها على ما نريد. وهذا ما يريده لنا المسيح.
- (إنجيل يوم الاثنين من الأسبوع الأول) تلميذيّ عمواس = دارسى الناموس، نجد المسيح يحاورهم حتى يقنعهم من الكتاب الذي يعرفونه (إر7:20). ومن يداوم على درس الكتاب يعطيه الروح القدس أن يفهم من هو المسيح فينمو إيمانه.
- (إنجيل يوم الثلاثاء من الأسبوع الأول) تبكيت التلاميذ على عدم إيمانهم = فهم قد تعلموا من المسيح كثيراً ومع هذا ما زالوا يشكون. والتبكيت هو عمل الروح القدس الآن.
- (إنجيل يوم الأربعاء من الأسبوع الأول). تطهير الهيكل = وهو الذي يطهر القلب، فلا وسيلة أن نفهم إلاّ لو كان القلب طاهراً، فأنقياء القلب يعاينون الله. وقد يكون التطهير بسوط التجارب. والله له وسائله، والبداية بالتبكيت ثم بمعونة الروح ثم يسمح ببعض التجارب.
- (إنجيل يوم الخميس من الأسبوع الأول) المسيح يقيم ابن أرملة نايين = فنعرف ما هي حقيقة المسيح؟ هو يهوه الذي له سلطان أن يقيم من الأموات.
- (إنجيل يوم الجمعة من الأسبوع الأول) يرون المسيح في الجليل = معناه التأمل والهدوء مع المسيح في الصلاة ودراسة الكتاب المقدس، والروح القدس يأخذ من المسيح ويعلمنا (يو26:14) وهذا معنى أننا نراه في الجليل، أي نتعرف على حقيقته. فنحن حقيقة لا نحتاج لمعجزات كإقمة أموات لنؤمن، فاليهود رأوا المعجزات التي صنعها الرب وصلبوه. ما نحتاجه حقيقة سماع صوت الروح القدس المقنع في المخدع.
- (إنجيل يوم السبت من الأسبوع الأول) التجلى = ما هي حقيقة المسيح؟ نرى في التجلى سلطان المسيح أن يأتي بموسى وإيليا معه وهذا يعنى أنه هو يهوه. وهذا ما يفعله الروح القدس (1كو2: 9 – 12).
هذا هو الإيمان الذي يرضى الله. فبدون إيمان لا يمكن إرضاؤه (عب6:11)، وهذا هو الإيمان الذي به تخرج منه قوة تعطينا حياة أبدية. هذا هو شفاء الإيمان.
شفاء الرجاء:
يكفى التأمل في إمكانية المسيح الذي جعل من مريم التي كان بها سبعة شياطين كارزة بالقيامة… ولمن؟ لتلاميذ المسيح. وبهذا فبشفاء الإيمان والرجاء والمحبة تعود لنا الحياة التي فقدناها ونحيا مدة وجودنا على الأرض على هذا الرجاء أن لنا حياة أبدية ومجد وفرح أبديين.
عصا هرون والمنارة الذهبية
عصا هرون
الإعجاز في عصا هرون ليس أنها أثمرت فقط، بل هي بعد أن كانت ميتة دبت فيها الحياة وظهرت كل مراحل الإثمار فيها (زهور وبراعم وثمار (اللوز)). وفي الطبيعة فالفرق بين كل مرحلة وأخرى في الإثمار فترة تزيد على الشهرين.
والمعنى:-
الله أعطى حياة لكل مراحل الإثمار (من بداية الإزهار حتى النضوج).
المنارة الذهبية
لها نفس شكل عصا هرون (الأزهار والبراعم والثمار (اللوز)). والمنارة بالزيت الذي في داخلها تشير للروح القدس وعمله فينا، وأنه يعطينا استنارة فنعرف المسيح ونحبه، ويثبتنا في المسيح فنمتلئ حياة فالله محبة والمسيح قال أنا القيامة والحق والحياة. والروح القدس يتعامل مع جميع درجات النضج فتكون للكل ثمار، وبحسب درجة التجاوب مع الروح القدس نثمر كل واحد وهذا يكون بدرجات (ثلاثون وستون ومائة) لكن المسيح يحيا في الجميع ويشفى الجميع ليصل بكل واحد لأعلى الدرجات وهذا فعله مع بطرس وبولس هنا ويفعله مع كل واحد منا.
والمعنى:-
المسيح حي في كنيسته ويعطى كل واحد حياة فهو موجود بحسب وعده في الكنيسة يعطى حياة ويشفى كل واحد لتزداد محبته فيزداد فرحه وتعلو درجته في السماء، وكلما إزدادت محبة المسيح فينا تزداد ثمارنا وفرحنا. كل من يعود إليه يشفيه مهما عمل، حتى لو انكره كما اعاد بطرس لدرجة الرعاية.
والمسيح يرانا في وسط أحزان العالم، ويحول أحزاننا فرحا لا ينزعه أحد منا (يو16: 22) والرب أرسل لنا الروح القدس ومن ثماره فينا محبة – فرح… إلخ. وكانت هذه إرادته منذ البدء حينما خلق آدم في جنة عَدْنْ (عَدْنْ عبرية وتعنى فرح).
تفسير يوحنا 20 | تفسير إنجيل القديس يوحنا القمص أنطونيوس فكري |
فهرس |
تفسير العهد الجديد |