تفسير إنجيل متى ١٥ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الخامس عشر
(مت 1:15-20 + مر 1:7-23):-
(مت 1:15-20):-
حينئذ جاء إلى يسوع كتبة وفريسيون الذين من أورشليم قائلين. لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ فانهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزا. فأجاب وقال لهم وانتم أيضا لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم. فان الله أوصى قائلا اكرم أباك وأمك ومن يشتم أبا أو أما فليمت موتا. وأما انتم فتقولون من قال لأبيه أو أمه قربان هو الذي تنتفع به مني فلا يكرم أباه أو أمه. فقد أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم. يا مراؤون حسنا تنبا عنكم اشعياء قائلا. يقترب إلى هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيدا. وباطلا يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس. ثم دعا الجمع وقال لهم اسمعوا وافهموا. ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان. حينئذ تقدم تلاميذه وقالوا له أتعلم أن الفريسيين لما سمعوا القول نفروا. فأجاب وقال كل غرس لم يغرسه أبى السماوي يقلع. اتركوهم هم عميان قادة عميان
وأن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة. فأجاب بطرس وقال له فسر لنا هذا المثل. فقال يسوع هل انتم أيضا حتى الآن غير فاهمين. إلا تفهمون بعد أن كل ما يدخل الفم يمضي إلى الجوف ويندفع إلى المخرج. وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر وذاك ينجس الإنسان. لان من القلب تخرج أفكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف. هذه هي التي تنجس الإنسان وأما الأكل بأيد غير مغسولة فلا ينجس الإنسان.
(مر 1:7-23):-
واجتمع إليه الفريسيون وقوم من الكتبة قادمين من أورشليم. ولما رأوا بعضا من تلاميذه يأكلون خبزا بأيد دنسه أي غير مغسولة لاموا. لان الفريسيين وكل اليهود أن لم يغسلوا أيديهم باعتناء لا يأكلون متمسكين بتقليد الشيوخ. ومن السوق أن لم يغتسلوا لا يأكلون وأشياء أخرى كثيرة تسلموها للتمسك بها من غسل كؤوس وأباريق وآنية نحاس وأسرة. ثم سأله الفريسيون والكتبة لماذا لا يسلك تلاميذك حسب تقليد الشيوخ بل يأكلون خبزا بأيد غير مغسولة. فأجاب وقال لهم حسنا تنبا اشعياء عنكم انتم المرائين كما هو مكتوب هذا الشعب يكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيدا. وباطلا يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس. لأنكم تركتم وصية الله وتتمسكون بتقليد الناس غسل الأباريق
والكؤوس وأمورا أخر كثيرة مثل هذه تفعلون. ثم قال لهم حسنا رفضتم وصية الله لتحفظوا تقليدكم. لان موسى قال اكرم أباك وأمك ومن يشتم أبا أو أما فليمت موتا. وأما انتم فتقولون أن قال إنسان لأبيه أو أمه قربان أي هدية هو الذي تنتفع به مني. فلا تدعونه في ما بعد يفعل شيئا لأبيه أو أمه. مبطلين كلام الله بتقليدكم الذي سلمتموه وأمورا كثيرة مثل هذه تفعلون. ثم دعا كل الجمع وقال لهم اسمعوا مني كلكم وافهموا. ليس شيء من خارج الإنسان إذا دخل فيه يقدر أن ينجسه لكن الأشياء التي تخرج منه هي التي تنجس الإنسان. أن كان لأحد أذنان للسمع فليسمع. ولما دخل من عند الجمع إلى البيت سأله تلاميذه عن المثل. فقال لهم افانتم أيضا هكذا غير فاهمين أما تفهمون أن كل ما يدخل الإنسان من خارج لا يقدر أن ينجسه. لأنه لا يدخل إلى قلبه بل إلى الجوف ثم يخرج إلى الخلاء وذلك يطهر كل الأطعمة. ثم قال أن الذي يخرج من الإنسان ذلك ينجس الإنسان. لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة زنى فسق قتل. سرقة طمع خبث مكر عهارة عين شريرة تجديف كبرياء جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان.
إنتهز السيد فرصة سؤال الكتبة والفريسيين عن عدم غسل التلاميذ أيديهم حينما يأكلون خبزاً، ليوبخ اليهود على عبادتهم الزائفة إستناداً على سنن باطلة. ولقد تعود اليهود على غسل كل ما تمتد إليه أيديهم كما يشرح معلمنا مرقس حتى لا يكون ما يمسكون به دنساً (فى نظرهم أن الشىء يتدنس مثلاً لو لمسه أممى وثنى). ومرقس لأنه يكتب للرومان الذين لا يعلمون شيئاً عن عادات اليهود إضطر لشرح عادات اليهود (3:7،4). ولكن متى إذ يكتب لليهود لم يضطر لهذا. وغسل الأيادى والأباريق هى عادة من التقليد وليس من الناموس وقد وضعها الفريسيون زيادة على أوامر الناموس. وهذا التقليد تمسك به اليهود جداً حتى أن الرابى أكيبا إذ سُجِنَ ولم يكن له أن يحصل إلاَ على قليل من الماء لا يكفى غسل يديه فضل الموت جوعاً وعطشاً من أن يأكل دون أن يغسل يديه. ويسمون الأيدى غير المغسولة أيدى دنسة (مر2:7). ولاحظ أن الجماهير البسيطة أدركت من هو المسيح وصارت تنعم بالشفاء إذ تلمسه، أما هؤلاء المتكبرين، فلقد أعمت كبرياؤهم عيونهم فأخذوا منه موقف الناقدين والمجربين. هؤلاء بسبب حسدهم رفضوا الكلمة الإلهى وقاوموه إذ تصوروا أنه جاء ليسحب الكراسى من تحتهم أو يغتصب مراكزهم. وهكذا كل من يفرح ويتلذذ بشهوة عالمية، تجده يقاوم المسيح لأنه يتصور أن المسيح سيحرمه من شىء يحبه، بينما أن المسيح يريد أن يشفيه. وهنا السيد المسيح يهاجم تقليد الفريسيين وأباء اليهود الذى يعارض الكتاب المقدس. فالكتاب المقدس فى ناموس موسى أوصى بإكرام الوالدين وهذا يشمل سد إحتياجاتهم المادية. ولكن الأباء اليهود من أجل منفعتهم الشخصية وإستفادتهم من أموال الناس وضعوا لهم تقليد مخالف لناموس موسى= من قال لأبيه أو أمه قربان هو الذى تنتفع به منى = وهذا يعنى :-
1) أن المساعدة التى أقدمها لك ياأبى سأمنعها عنك وأقدمها للهيكل.
2) وهناك رأى أخر أن الشخص كان ينذر كل ما يملك للهيكل بعد وفاته على أن يصرف منه على نفسه فى مدة حياته ولا يعطى لأبويه المحتاجين وهذا معنى قوله قربان= أى سيقدم للهيكل.
3) من يقدم للهيكل عطايا كانوا يعفونه من الإنفاق على والديه.
ولا يفهم قول المسيح ضد تقليد اليهود أنه ضد أى تقليد، بل هو ضد التقليد إذا خالف الكتاب المقدس فكنيستنا تؤمن بالتقليد لماذا ؟
1) الكتاب المقدس نفسه محفوظ لنا بالتقليد، فمن قال أن هذه الأسفار هى الأسفار القانونية، فهناك أسفار غير قانونية. من الذى حدد القانونى من غير القانونى سوى تقليد الأباء الذين حددوا الأسفار القانونية ورفضوا غير القانونية.
2) من الذى علًم إبراهيم دفع العشور لملكى صادق ومن الذى علّم يعقوب تدشين الأماكن بسكب الزيت ومن الذى عَلَّمَ يوسف أن الزنا حرام ولم يكن هناك ناموس، كان هذا بالتقليد
(تك 20:14+18:28+22:28).
3) كيف سارت الكنيسة دون إنجيل مكتوب حتى كتب أول إنجيل ؟ بالتقليد.
4) من التقليد اليهودى عرف بولس إسمى الساحرين المقاومين لموسى (2تى 8:3). ونقل يهوذا الرسول مخاصمة ميخائيل لإبليس (يه9) وعرف أيضاً نبوة أخنوخ (يه14). ومن التقليد اليهودى عرف بولس أن الناموس كان مسلماً بيد ملائكة (غل19:3).
5) بولس يؤكد على التقليد (1كو34:11+2تس6:3) وكذلك يوحنا (2يو 12).
آيه(8):- لقد تركت الأمة اليهودية عبادة الله بالقلب والحق وأهملت الوصايا الأساسية، ودققت وإهتمت بالتقاليد البشرية المسلمة من الشيوخ كغسيل الأيدى والأباريق، تركوا محبة الله ومحبة القريب وإهتموا بنظافة الجسد من الخارج. وإنه لمن السهل أن يكتفى المرء بالعبادة المظهرية وتأدية الفروض الدينية الخارجية ويترك القلب مملوء شراً ولكنه بهذا سيصير كالقبور المبيضة من الخارج وبالداخل نجاسة. وهذه النبوة من إشعياء مأخوذة من (أش13:29).
يا مراؤون (مت 7:15) فهم يظهرون كمدا فعين عن الحق وهم يكسرونه.يحملون صورة الغيرة على مجد الله وهم يهتمون بما لذواتهم، يعبدون الله عبادة جافة أى ليس عن حب وإنما لتحقيق أهداف بشرية ذاتية. لذلك صارت تعاليمهم وصايا الناس (مت9:15). أما من يخدم الله بأمانة تكون تعاليمهُ هى كلام الله، كما قال الله لأرمياء مثل فمى تكون (أر 19:15).
(مت 10:15) إسمعوا وإفهموا= كلم السيد الفريسيين بعنف لأنهم قادة عميان مراؤون. ولكن نجده هنا يكلم الشعب بلطف ويعلمهم، فالمرائين لا يصلح معهم الكلمات الطيبة فإن هذا سيغطى على شرهم ويفسدهم بالأكثر. أما الشعب البسيط فلا يحتمل كلمة قاسية لئلا يحطم ويعثر وييأس. هؤلاء يحتاجون لكلمة تشجيع لبنيانهم الروحى. والسيد بدأ يعلم الشعب عن حقيقة غسل الأيادى قبل الأكل التى أثارها أمامهم الفريسيون المراءون لا ليدافع عن تلاميذه بل لبنيان الشعب الروحى، ولكى لا يتعثروا بسبب الشكوك التى يثيرها الكتبة والفريسيون. والسيد شرح للشعب أن سر الحياة والقداسة لا يكمن فى الأعمال الخارجية الظاهرة وإنما فى الحياة الداخلية وهذا عكس ما ينادى به الفريسيين إذ تركوا نقاوة القلب مهتمين بغسل الأيادى.
الفريسيين لما سمعوا القول نفروا= قول المسيح كان كالمشرط الذى فتح الجرح المتقيح فخرجت العفونة وظهر الفساد وهذا لا يطيقه المرائى.
كل غرس لم يغرسه أبى السماوى يقلع= عبارة تشير للتقاليد والأشخاص الذين يحضونهم على إتباعها
(أى جماعة الكتبة والفريسيين)
يمضى إلى الجوف ويندفع إلى المخرج= جعل الله فى الإنسان، فى الجسم الإنسانى نظاماً بأن يستفيد من كل ما هو مفيد فى الطعام ويلقى بما ينجسه للخارج.
ولنلاحظ أنه حتى التلاميذ قد تساءلوا عن مفهوم التطهير الداخلى وليس الخارجى، فهم قطعاً متأثرين جداً بالبيئة التى يعيشون فيها، بل إن هذا إستمر حتى بعد المسيح، حتى أن بطرس رفض أن يأكل مع أممى (غل2)واضطر الله أن يعطيه رؤيا الملاءة ليقنعه أن يذهب ويبشر كرنيليوس الأممى.
فى (مت 14:15) اتركوهم = لعلهم إذا تركوهم يتوبوا عما هم فيه، إذ يتخلى عنهم الناس.
فى (مر 15:7،16) ليس شئ من خارج = أى طعام مغسول أو غير مغسول أو بأيدى مغسولة أو غير مغسولة. الأشياء التى تخرج = شتائم / إدانة / كذب / نظرات شريرة….
ملحوظات:-
1. كانت الغسلات للأدوات تتم بالغمر فى الماء وللأسرة بالرش. والغسل ليس للناحية الصحية بل لإزالة النجاسة الطقسية.لذلك كان اليهود يستعملون كميات كبيرة من الماء، من هنا نفهم سر وجود ستة أجران بأحجام كبيرة فى بيت يهودى (يو2). أما غسيل الأيدى لغرض صحى فهو ليس ضد المسيحية.
2. نبوة إشعياء قالها إشعياء للشعب حين أرادوا التحالف مع مصر ضد أشور وإستعملها المسيح هنا. فكون أننى أسبح الله بشفتى، والجأ إلى إنسان لحل مشكلتى، أى أعتمد عليه دون الله، فهنا أنا أسبح الله بشفتى وقلبى مبتعد عنه بعيداً.
3. طالما كان القلب طاهراً لا تستطيع الأطعمة أن تنجسه لأنها تدخل إلى جوف الإنسان، فما كان منها مفيداً يتحول إلى أنسجة جديدة، وما كان منها ضاراً يخرج إلى الخلاء، وذلك يطهر كل الأطعمة، أى يطرد كل ما هو ضار بالجسم عن طريق الإفرازات التى تخرج إلى الخلاء.
4. الخطايا التى ذكرها السيد طمع= من لا يشبع ودائماً يريد أكثر خبث= تعنى الأعمال الشريرة وهى سمة من يفرح فى مصائب الآخرين لذلك يُدعى إبليس بالخبيث.
المكر= من يوقع أحد فى فخ الجهل= الحماقة الروحية والبعد عن الحق عين شريرة = حسد.
والحسد لا يضر سوى الحاسد إذ يمتلىء قلبه شراً عهارة= سلوك فاسق وشذوذ. وهذه الخطايا وأمثالها هى التى تنجس الداخل. ومَن داخله أمثال هذه الخطايا يخرج من فمه كلمات نجسة وأعمال نجسة. فسق = نوع من الزنى ولكن فى فجور
5-(مر 3:7) يغسلوا أيديهم بإعتناء= أى حتى الكوع (وهو تعبير يهودى).
6- (مر11:7) قربان أى هدية = مرقس يفسر الكلمة فهو يكتب للرومان.
(مت 21:15-28+مر24:7-30):- المرأة الكنعانية
(مت 21:15-28):-
ثم خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيدا. وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة ارحمني يا سيد يا ابن داود ابنتي مجنونة جدا. فلم يجبها بكلمة فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين اصرفها لأنها تصيح وراءنا. فأجاب
وقال لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. فاتت وسجدت له قائلة يا سيد اعني. فأجاب وقال ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب. فقالت نعم يا سيد والكلاب أيضا تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها. حينئذ أجاب يسوع وقال لها يا امرأة عظيم إيمانك ليكن لك كما تريدين فشفيت ابنتها من تلك الساعة.
(مر24:7-30):-
ثم قام من هناك ومضى إلى تخوم صور وصيدا ودخل بيتا وهو يريد أن لا يعلم أحد فلم يقدر أن يختفي. لان امرأة كان بابنتها روح نجس سمعت به فاتت وخرت عند قدميه. وكانت المرأة أممية وفي جنسها فينيقية سورية فسألته أن يخرج الشيطان من ابنتها. وأما يسوع فقال لها دعي البنين أولا يشبعون لأنه ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين
ويطرح للكلاب. فأجابت وقالت له نعم يا سيد والكلاب أيضا تحت المائدة تأكل من فتات البنين. فقال لها لأجل هذه الكلمة اذهبي قد خرج الشيطان من ابنتك. فذهبت إلى بيتها
ووجدت الشيطان قد خرج والابنة مطروحة على الفراش.
هنا نجد تناقض عجيب بين موقف الفريسيين الذين يقاومون المسيح ولم يكتشفوا، بل لم يروا قوته الشافية وهم الذين يحفظون الناموس وبين هذه المرأة الكنعانية الأممية الوثنية، التى إكتشفت فيه مسيحاً شافياً قادراً أن يصنع المعجزات. لذلك نسمع ثم خرج يسوع من هناك وإنصرف إلى نواحى صور وصيدا= كأن السيد قد رفض الشعب اليهودى الرافض الإيمان ليذهب يفتش عن أولاده بين الأمم. وعجيب أن يكون هؤلاء وفى أيديهم النبوات، عميان روحياً لم يعرفوا المسيح. بينما أن هذه المرأة التى لا تملك نبوة واحدة ولا هى من شعب الله، قد أدركت من هو المسيح فأتت إليه صارخة واثقة فى إستجابته. ما الذى أعمى قلب هؤلاء الفريسيين، لو قلنا الخطية فالكنعانية أكثر خطية منهم !! إذاً هو الكبرياء الذى جعلهم يظنون أنهم أعلى من المسيح، ينقدون تصرفاته ويحكمون عليه، ويتصيدون عليه أى خطأ، وهو الرياء، فبينما الفساد ضارب بجذوره فى الداخل، نجدهم يتبارون فى إظهار قداستهم. ولن نعرف المسيح إلاً لو تواضعنا وأدركنا أننا خطاة فى إحتياج إليه، مقدمين توبة. ولاحظ قول الكتاب وإذا إمرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم ففى هذا رمز لترك الشرير لشره حتى يقبله المسيح. ولاحظ فى كلامها صرخت=هى شعرت بإحتياجها إليه، وصرخت فيها معنى الإيمان والثقة. إرحمنى =لم تطلب شفاء من المسيح أو غيره بل طلبت الرحمة.
ياإبن داود= هى لا تعرف النبوات ولكن سمعت عنه من اليهود فآمنت. ونادته كما يناديه اليهود
إبنتى مجنونة جداً = ومرقس يقول بها روح نجس. إذاً الشيطان سبب جنونها وكانت إستجابة المسيح عجيبة فهو أولاً لم يجبها بكلمة ثم حين تكلم معه تلاميذه نجده يقول لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ولما أتت وسجدت وقالت له ياسيد أعنى. نجده يقول لها ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب.وهذه الردود العنيفة لم تكن من طبع المسيح فلماذا إستخدم السيد المسيح هذا الأسلوب معها ؟
1. لكى لا يعثر اليهود إذا رأوه يتجاوب مع الأمم. واليهود يقسمون العالم قسمين:
أ–اليهود أبناء الله
ب– الكلاب وهم الأمم)ويعتبرونهم نجاسة ويغسلون أى شىء تمتد إليه يد أممى ولا يأكلون معهم.
2. قال السيد لتلاميذه تكونون لى شهوداً فى أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض (أع8:1). ونفذ هو بنفسه هذه الوصية فهو بدأ بأورشليم واليهودية ثم ذهب للسامرية، ولكن الوقت كان لم يحن بعد للذهاب للأمم (أقصى الأرض). بل هو لن يذهب للأمم لكن سيرسل تلاميذه.
3. صمت السيد أولاً كان ليثير تلاميذه فيطلبون لأجلها، فرسالتهم ستكون الإهتمام بالعالم الوثنى. والسيد يريد من كل مناّ أن نهتم بكل متألم ونصلى لأجله “صلوا بعضكم لأجل بعض (يع 16:5)” فهذه هى المحبة فى المسيحية، خروج من الذات والبحث عن كل محتاج.
4-السيد المسيح له طرق مختلفة مع كل خاطىء ليجذبه للتوبة، كلُ بحسب حالته، وما يصلح لهذا الإنسان لا يصلح مع الآخر. فمع المرأة السامرية التى تجهل كل شىء عن المسيح يذهب لها المسيح بنفسه ويجذبها إلى حوار ويقودها للتوبة ثم إكتشاف شخصة، أماّ الإبن الضال فهو قد خرج من حضن أبيه بعد أن تذوق حلاوة حضن أبيه، تركه باختياره، هذا لا يذهب إليه الرب، بل يحاصره بالضيقات ( مجاعة / أكل مع الخنازير/ تخلى الأصدقاء / إفلاس تام …) وهنا يشتاق الإبن الضال للعودة لأحضان أبيه إذ يَعرف مرارة البعد عنه، والبركات التى فى حضرته.
أماّ هذه الكنعانية فهى من شعب ملعون، هم أشر شعوب الأرض لعنهم أبوهم نوح (تك 25:9)، ثم ثبت تاريخياً أنهم مستحقون لهذه اللعنة، فهم عاشوا فى نجاسة رهيبة ( فمنهم أهل سدوم وعمورة )، أى إشتهروا بالشذوذ الجنسى وقدموا بنيهم ذبائح للأصنام وفعلوا الرجاسات حتى مع الحيوانات وأجازوا أولادهم فى النار. والسيد إستخدم مع هذه المرأة أسلوب جديد، هو يظهر لها نجاستها، يكشف لها حقيقة نفسها وخطيتها فلا شفاء دون إصلاح الداخل ولا معجزات دون توبة أولاً. كان أسلوباً قاسياً ولكنه كمشرط الجراح، مع كل ألمه إلاّ أنه الطريقة الوحيدة لإزالة المرض.
لو كان هناك أسلوب آخر لكان السيد قد إستخدمه بالتأكيد.
5. كان السيد الذى يعلم كل شىء يعرف أن هذه المرأة قادرة على إحتمال الموقف ” لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون (1كو 13:10).
6. إذ كان يعلم إحتمالها، وأنها ستظهر إيماناً وصبراً عجيباً. كان بهذا يزكيها أمام الموجودين ويعلن إستحقاقها لعمل المعجزة.
7. من المؤكد أن يده الحانية كانت تسند قلبها حتى لا تجو فشماله تحت رأسى (أى كلماته الصعبة ) ويمينه تعانقنى (أى تعزياته ) (نش 6:2).
8. لاحظ قولها نعم يا سيد والكلاب أيضاً تأكل.. هذا القول هو إعتراف بالخطية، إعتراف بنجاستها. هنا ظهر أن أسلوب المسيح القاسي معها اتى بنتيجة باهرة. لم يكن المسيح ليستعمل هذا الأسلوب إلاً لو كان متأكداً من نجاحه.
9. كان المسيح يركز خدمته وسط اليهود فقط ويكون خميرة مقدسة، وهو أرسل تلاميذه لكل الأرض. لكن هو بنفسه ما كان سيذهب للأمم. لذلك سمعنا قول المزمور “شعب لم أعرفه يتعبد لى (مز43:18) من سماع الأذن يسمعون لى (مز 44:18). فالأمم آمنوا بسماعهم من الرسل عن المسيح = هذا معنى قوله لم أرسل إلاّ خراف بيت إسرئيل. لكن إستجابته للكنعانية حمل معنى قبوله للأمم مستقبلاً. ونلاحظ أن هدف إقامة شعب إسرائيل كشعب مختار كان أن يؤمنوا بالمسيح حين يأتى متجسداً وسطهم ويكونوا نوراً للعالم ولكن خاصته رفضته. ولذلك بكى المسيح على أورشليم إذ رفضته وسلمته للصلب فالمسيح كان يرجو لهم ملكوت الله حتى آخر لحظة. ولفشلهم فى أن يكونوا نوراً للعالم إنفتح الباب على مصراعيه للأمم. والسيد بهذه الإجابة أعطى درساً لليهود السامعين أن الأمم ليسوا كلاباً بل فيهم من هم أحسن من اليهود.
10. والمسيح يطوب ويمدح هذه المرأة أمام الجميع على إيمانها.
11. ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب “ هو مثل يهودى شائع، وكان اليهود يستخدمون لفظ الكلاب دلالة على إحتقارهم للأمم. ولاحظ أن المسيح بهذا لا يعطى أى فرصة أو سبب لليهود حتى يرفضوه، فهو يجاملهم ويراعى شعورهم، ويظهر لهم أنه أتى من أجلهم. حقاً قال داود النبى ” لكى تتبرر فى أقوالك وتغلب إذا حوكمت ( وتزكو فى قضائك) (مز 4:51).
12. يرى القديس أغسطينوس أن شفاء غلام قائد المئة وشفاء ابنة هذه المرأة دون أن يذهب المسيح إليهم فيه معنى ان الأمم سيخلصون بالكلمة دون أن يذهب المسيح إليهم بالجسد.
(مر 24:7):- دخل بيتاً وهو لا يريد أن يعلم أحد = فلم يحن بعد وقت الكرازة بين الأمم.والمسيح لم يذهب للأمم. لكن كانت هذه الزيارة عربون على خلاص الأمم. وهو لا يريد أن اليهود يثيروا المشاكل لأنه ذهب لبيت وسط الأمم.
13. رقة المسيح فى قوله كلاب للمرأة الكنعانية ظهرت فى نوع الكلمة التى أستخدمها. فالكلمة التى يستخدمها اليهود كلمة تنم على الاحتقار وهى الكلمة التى إستخدمها بولس الرسول فى رسالته فى 2:3 أماّ السيد فإستخدم هنا كلمة تشير للكلاب المدللة وغالباً قالها المسيح للمرأة بنظرة حانية.
14. هناك سؤال لماذا ذهب السيد إلى تخوم صور وصيدا أى على الحدود مع الجليل ؟ الآن عرفنا الجواب وهو انه أراد أن يلتقط هذه النفس ويشفيها كما سار مسافة طويلة ليلتقي بالسامرية فتخلص
(مت 29:15-31):-
ثم انتقل يسوع من هناك وجاء إلى جانب بحر الجليل وصعد إلى الجبل وجلس هناك. فجاء إليه جموع كثيرة معهم عرج وعمي وخرس وشل وآخرون كثيرون وطرحوهم عند قدمي يسوع فشفاهم. حتى تعجب الجموع إذ رأوا الخرس يتكلمون والشل يصحون والعرج يمشون والعمي يبصرون ومجدوا اله إسرائيل.
الفريسيين بكبريائهم وريائهم رفضوا المسيح، والمرأة الكنعانية الأممية ببساطتها عرفته فشفيت. وهنا نرى بسطاء اليهود قد أقبلوا عليه فشفاهم.وغالباً كان بينهم أمميين إذ يقول = مجدوا إله إسرائيل.
(مت 32:15-38+ مر 1:8-9) :- إشباع الأربعة آلاف
تم تفسير المعجزة مع معجزة إشباع الخمسة ألاف ونلاحظ الآتى:-
1- لهم ثلثة أيام يمكثون معى وليس لهم ما يأكلون= وجوهم مع يسوع أشبعهم حتى أنهم لم يشعروا بجوع. فالشبع الروحى يشبع النفس ويشبع البطن.
“كان الأنبا أنطونيوس يجلس مع تلاميذه ويسألونه وهو يجيب، ولاحظ أن أحدهم لا يسأل بل ينظر إليه دائماً، فقال لهُ وأنت يابنى لماذا لا تسأل فقال لهٌ يكفينى أن انظر إلى وجهك يا أبى” فإن كان وجه الأنبا أنطونيوس يشبع من ينظر إليه فكم وكم وجه المسيح.
2- لاحظ حيرة التلاميذ إذ قال لهم الرب لست أريد أن أصرفهم صائمين، فلقد نسوا معجزة الخمسة الآلاف. وكم ننسى نحن عطايا الله الكثيرة ونشك وقت التجربة.
3- فى معجزة الخمسة الآلاف ولأنها ترمز لليهود جلسوا على العشب (مت 19:14). فالعشب يرمز للمراعى إذ كان اليهود خراف فى مرعى الله، والله هو الراعى الصالح لهم (مت 24:15 + مز 1:23 + حز 12:34). أماّ هنا نسمع أنهم جلسوا على الأرض (آية 35) فهذه المعجزة تشير للأمم، والأمم قبل الإيمان ما كان لهم مرعى، كانوا خارج الحظيرة ولم يكونوا من خراف الله.
4- تبقى هنا سبعة سلال بينما تبقى فى معجزة الخمس الآلاف 12 قفة. والقفة يستخدمها اليهود ليضعوا فيها طعامهم أما السلال فيستخدمها كل العالم. هى لا تخص اليهود بل كل العالم. وتشير لسلة يوضع فيها السمك. والسمك لأنه فى البحر يشير للأمم فالبحر يشير للعالم، وكان تلاميذ المسيح من الصيادين أما الشعب اليهودى فيشار لهم بالخراف إذ كانوا من داخل الحظيرة. والله أرسل لهم رعاة مثل موسى وداود وعاموس.
دلمانوثة=
قرية صغيرة غير مشهورة على بحر الجليل.
إنجيل معلمنا متى : 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 – 17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24 – 25 – 26 – 27 – 28
تفسير إنجيل معلمنا متى : مقدمة – 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 – 17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24 – 25 – 26 – 27 – 28