تفسير سفر الخروج ٢٩ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح التاسع والعشرون
تقديس الكهنة
كلمة تقديس معناها إنفصال عن الخطية إلى الله القدوس (لا26:20). والتقديس له جانبين الأول هو عمل الله والثاني هم دور البشر أن يمتنعوا عن الخطية. وعمل الله في التقديس ينسب للآب وينسب للابن وينسب للروح القدس. فبالنسبة للآب يقول يهوذا (يه1) المقدَّسين في الله الآب وبالنسبة للابن فهو قدس شعبه بدمه المقدسين في المسيح يسوع (1كو3:1). والروح القدس يقَّدَّس بتبكيته وبمعونته في تقديس الروح للطاعة (1بط3:1) أما عمل البشر فهو الجهاد حتى الدم للامتناع عن كل خطية.
وكان تقديس هرون وبنيه لوظائف الكهنوت يتم عن طريق 5 رموز
1- الغسل للتطهير (4) 2- الكساء بملابس كهنوتية (5-9)
3- المسحة لإعطائهم نعمة إلهية (7) 4- الذبيحة للكفارة والشكر (10-21)
5- ملء اليد (22-28) لإعطائهم سلطة ولتكريسهم.
وكان هذا يتم بعد أن اختارهم الرب (عب1:5) ويقدمون إلى باب الخيمة أي يقدمون للرب وإلى حضرته المقدسة في تكريس كامل.
وهنا يدعو الله هرون وبنيه للعمل الكهنوتي ويحدد لهم الثياب التي يلبسونها فيدركوا أن الله هو الذي دعاهم وسترهم بنفسه وأن القوة سرها في الله وليس منهم. ثم نجد طقساً طويلاً خاصاً بتقديسهم وتقديس ثيابهم الكهنوتية وتقديس المذبح الذي يخدمونه. وكأن الثلاثة يمثلون وحدة واحدة، فلا تقديس للكهنة ما لم يلبسوا السيد المسيح نفسه (الثياب المقدسة) ويحملوا سماته فيهم ويخدموا المذبح المقدس (الصليب).
واختيار الكهنة وتقديسهم كان إشارة إلى اختيار الابن الوحيد القدوس الذي قدس ذاته لهذا العمل الخلاصي “من أجلهم أقدس ذاتيَّ ليس بمعنى أن يحمل قداسة جديدة، إنما قد قدم وخصص وكرس حياته المقدسة لهذا العمل. وكما يرتدي الكهنة ملابسهم للعمل هكذا إرتدى الابن جسد بشريتنا ليقوم بعمله.
وكان الرب قد قال لموسى عن الشعب “وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة” (خر6:19). ومع هذا لم يترك الله الكهنوت لكل أفراد شعبه بل لمجموعة مختارة يتم تكريسها بالكامل لحساب الله ولخدمة مذبحه. ولو كان الكهنوت شيئا عاماً لكل إنسان لكان انتهى أمره فالعمل الذي يقوم به أي إنسان سرعان ما سوف يهمله كل إنسان. وتفهم كلمة مملكة كهنة أن الله يريدهم ان يكونوا مملكة لهم ملك يملك عليهم وكهنة يخدمون مذبحه نيابة عنهم. وفي العهد الجديد نفس الكلام تماماً فكثيرين يسيئون فهم قول بطرس الرسول وأما أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي” وبالتالي يتصوَّرون الكهنوت هو حق للجميع. ولكن يجب أن نفهم أن هناك كهنوت عام لكل المسيحيين وهذا يشمل تقديم ذبائح روحية وذبائح تسبيح بل أن يقدم المسيحي نفسه ذبيحة حية وهناك كهنوت خاص فيه ينتخب الكهنة لخدمة المذبح وخدمة أسرار الكنيسة.
وطقس التكريس هنا طقس طويل حتى يشعر الكاهن بعظم المسئولية الملقاة على عاتقه ويشعر الشعب أن هذا العمل مكلف به هؤلاء الكهنة فقط فلا يفكروا في الاعتداء على هذه الوظيفة وهذا الطقس يعطي شعوراً للجميع أن هؤلاء الكهنة مختارين من الله نفسه (عب4:5،5) وكلمة تكريس أو تقديس الكاهن في العبرية يناظرها تملأ يد (آية9) وبالتالي يكون كبش الملء هو كبش التقديس والتكريس. وهناك احتمال بأن الكلمة أصلها وضع أجزاء من الذبيحة وترديدها في يد الكاهن. ولكن تعبير ملء اليد يعني ما هو أكثر من هذا:-
1. فالكهنة أيديهم مملوءة فلا داعي للاهتمام بالتفاهات الأرضية مشغولين فقط بخدمته.
2. الله يملأهم روحياً ليشبعوا الآخرين. ولا يجب أن يأتي إليهم أحد ويجدهم فارغين.
وهم لن يستطيعوا أن يملأوا قلوب الناس إن لم يملأ الله أياديهم[8] فهم يأخذون من ملئه.
الآيات (1-3): “وهذا ما تصنعه لهم لتقديسهم ليكهنوا لي خذ ثوراً واحداً ابن بقر وكبشين صحيحين. وخبز فطير وأقراص فطير ملتوتة بزيت ورقاق فطير مدهونة بزيت من دقيق حنطة تصنعها. وتجعلها في سلة واحدة وتقدمها في السلة مع الثور والكبشين.”
موسى هو الذي يقوم بطقس التكريس وهو يقوم بهذا بدعوة إلهية. فالله دعاه وكرّسه ولكن لم يكرسه إنسان. ثم يقوم موسى بتكريس هرون وبنيه وبعد هرون يقوم الكهنة بتكريس أحدهم ولكن البداية من الله لموسى ثم من موسى لهرون وهكذا. وهذا ما حدث بالنسبة للكنيسة فقد نفخ المسيح في وجه تلاميذه وأرسلهم مملوئين وهم وضعوا الأيادي على آخرين وهكذا حتى اليوم. ولأن موسى كان مختاراً من الرب للقيام بعمل الكهنوت كان له نصيب الكاهن (26:29).
الآيات (1-9): “وتقدم هرون وبنيه إلى باب خيمة الاجتماع وتغسلهم بماء. وتأخذ الثياب وتلبس هرون القميص وجبة الرداء والرداء والصدرة وتشده بزنار الرداء. وتضع العمامة على رأسه وتجعل الإكليل المقدس على العمامة. وتأخذ دهن المسحة وتسكبه على رأسه وتمسحه.وتقدم بنيه وتلبسهم أقمصة. وتنطقهم بمناطق هرون وبنيه وتشد لهم قلانس فيكون لهم كهنوت فريضة أبدية وتملأ يد هرون وأيدي بنيه.”
الغسل بالماء ولبس الملابس ودهن المسحة:
(آية4) إلى باب خيمة الاجتماع= خيمة الاجتماع هي المكان الذي يجتمع الله فيه مع شعبه. وهناك يجتمع الشعب والله مسرور بوجوده في وسطهم. ولذلك فباب خيمة الاجتماع هو المكان المناسب لتكريس الوسيط بين الله وشعبه، أي رئيس الكهنة هرون. وتغسلهم= في طقس التكريس كان الكهنة يغسلون كلية من رأسهم لأرجلهم، كل الجسد (رمز المعمودية). أما بعد ذلك فطول فترة خدمتهم يغسلون أيديهم وأرجلهم فقط (رمزاً للتوبة) (خر9:30 + يو10:13) وغسل الكهنة ضروري ليعرفوا أن من يحمل أواني الله يجب أن يكون طاهراً. وعلى الكهنة أن يعرفوا دائماً ويشعروا دائماً أنهم محتاجين للغسيل كما يُصَّلى في القداس الكاهن ويقول “إعط يا رب أن تكون مقبولة أمامك ذبيحتنا عن خطاياي وجهالات شعبك“. والكاهن يحتاج للغسيل أما المسيح فقد اعتمد وهو غير المحتاج ليكمل كل بر، إغتسل إعلاناً لطهارته. وليتمم لنا طريق التبرير.
الآيات (5،6): إرتداء الملابس جزء من طقس تقديس الكهنة. وما أن يرتدي رئيس الكهنة ملابسه يصير ممثلاً للسيد المسيح. ولذلك يسميها للمجد والبهاء. فكان الغسيل هو للتطهير من الخطايا ولكن هذا لا يكفي بل عليهم وضع رداء للبر ويرتدوا لباس نعمة الروح (مز9:132).
آية (7): طالما لبس رئيس الكهنة ملابسه وصار ممثلاً للمسيح يسكب الدهن على رأسه. كما حل الروح القدس على المسيح. وهذا تم قبل تقديم أي ذبيحة إشارة إلى حلول الروح القدس في السيد المسيح حلولاً أقنومياً منذ الأزل وإشارة لحلول الروح القدس عليه بعد خروجه من الماء قبل أن يُقدَّم نفسه ذبيحة. أما الكهنة العاديين فكان ينضح عليهم من دهن المسحة بعد تقديم الذبيحة ومسحهم بالدم أولاً. فبالنسبة لرئيس الكهنة يسبق الحلول الذبيحة وبالنسبة للكهنة تسبق الذبيحة المسح بالدهن. فالمسيحي لا يمكن أن يحصل على الروح القدس إلا باستحقاقات دم المسيح ومن المؤكد فما يحصل عليه رئيس الكهنة أكثر من الكهنة فهو رمز للمسيح (مز7:45 + عب9:1) ولاحظ “عبارة أكثر من رفقائك” والكهنة العاديين لم يقال عنهم أن الدهن سُكِب على رؤوسهم بل ملابسهم. فالدهن يسكب على رأس رئيس الكهنة كما حل الروح القدس على المسيح بعد عماده والمسيح رأس الكنيسة. وكان هذا الحلول لحساب الكنيسة حتى يسيل الدهن على لحيته أي شعبه (شعب المسيح) (مز2:133).
الآيات (10-14): “وتقدم الثور إلى قدام خيمة الاجتماع فيضع هرون وبنوه أيديهم على رأس الثور. فتذبح الثور أمام الرب عند باب خيمة الاجتماع. وتأخذ من دم الثور وتجعله على قرون المذبح بإصبعك وسائر الدم تصبه إلى اسفل المذبح. وتأخذ كل الشحم الذي يغشي الجوف وزيادة الكبد والكليتين والشحم الذي عليهما وتوقدها على المذبح. وأما لحم الثور وجلده وفرثه فتحرقها بنار خارج المحلة هو ذبيحة خطية.”
ذبيحة الخطية:
تفاصيل الذبائح في سفر اللاويين ونجد فيما يلي مجرد بعض ملحوظات.
1. هذه الذبيحة تعبِّر عن المسيح وقد حمل خطايانا لهذا يضع هرون وبنيه أيديهم على رأس الثور. ولا نسمع أنها للرضى والمسَّرة فهي تشير إلى ثقل ومرارة ما حمله المسيح عنا ولهذا صرخ المسيح “نفسي حزينة حتى الموت“.
2. يأخذ من دم الثور ويجعله على قرون المذبح بإصبعه. والمعنى أن الدم هو الذي يعطي القوة للمذبح. وسائر الدم يصبه إلى أسفل المذبح بمعنى مؤسس على الدم.
3. حرق لحم الثور وجلده خارج المحلة يشير لتألم المسيح خارج المحلة حتى يخرج الكهنة معه حاملين عاره في خدمتهم لشعبه.
4. هذه الذبيحة هي للتكفير عنهم (أي تغطيتهم). فهم الكهنة حتى يقدموا ذبائح للتكفير عن الشعب كان يلزمهم أن يقدموا ذبائح للتكفير عن أنفسهم (عب27:7،28). وكان الكهنة يأكلون من لحم ذبائح الخطية التي يقدمها الشعب عن أنفسهم والمعنى أنه كأن الكاهن يزيل خطايا مقدم الذبيحة. ولكن الذبائح المقدمة عن الكهنة تأكلها النار كلها إشارة للإله المنتظر أن يأتي من السماء ليحمل خطايا الجميع.
الآيات (15-18): “وتأخذ الكبش الواحد فيضع هرون وبنوه أيديهم على رأس الكبش. فتذبح الكبش وتأخذ دمه وترشه على المذبح من كل ناحية. وتقطع الكبش إلى قطعه وتغسل جوفه وأكارعه وتجعلها على قطعه وعلى رأسه. وتوقد كل الكبش على المذبح هو محرقة للرب رائحة سرور وقود هو للرب.”
ذبيحة المحرقة:
هذه الذبيحة تقدم جانباً آخر للصليب، فإن كانت الأولى تحمل ثقل خطايانا فهذه لا علاقة لها بالخطية بل هي تعلن طاعة المسيح للآب حتى الصليب، طاعة إرادية غير إضطرارية وحين يضع هرون وبنيه أياديهم على راس الذبيحة يصيروا واحداً معها. فيحملوا روح الطاعة الكاملة التي للمسيح فيهم. فكما يشتم الآب رائحة طاعة المسيح رائحة سرور هكذا يشتم رائحة الكهنة وكهنوتهم رائحة سرور ورضا (راجع يو38:6 + في8:2). وذبيحة المحرقة تغسل قطعها وترتب على المذبح إعلاناً عن قداسة المسيح ونقاوته خارجياً وداخلياً وهكذا ينبغي أن يكون الكهنة. ونلاحظ اختلاف الكلمة المستخدمة لحرق أنواع الذبائح فمع ذبيحة الخطية تستعمل كلمة يحرق وأيضاً مع البقرة الحمراء. أما كلمة يوقد التي تستعمل أيضاً مع البخور فتستعمل مع ذبائح المحرقة وأجزاء من ذبيحة السلامة ومن ذبيحة الخطية فهي إشارة لسرور الرب بالطاعة الكاملة للمسيح.
الآيات (19-35): “وتأخذ الكبش الثاني فيضع هرون وبنوه أيديهم على رأس الكبش. فتذبح الكبش وتأخذ من دمه وتجعل على شحمة إذن هرون وعلى شحم آذان بنيه اليمنى وعلى أباهم أيديهم اليمنى وعلى أباهم أرجلهم اليمنى وترش الدم على المذبح من كل ناحية. وتأخذ من الدم الذي على المذبح ومن دهن المسحة وتنضح على هرون وثيابه وعلى بنيه وثياب بنيه معه فيتقدس هو وثيابه وبنوه وثياب بنيه معه. ثم تأخذ من الكبش الشحم والإلية والشحم الذي يغشي الجوف وزيادة الكبد والكليتين والشحم الذي عليهما والساق اليمنى فانه كبش ملء. ورغيفاً واحداً من الخبز وقرصاً واحداً من الخبز بزيت ورقاقة واحدة من سلة الفطير التي أمام الرب. وتضع الجميع في يدي هرون وفي أيدي بنيه وترددها ترديداً أمام الرب. ثم تأخذها من أيديهم وتوقدها على المذبح فوق المحرقة رائحة سرور أمام الرب وقود هو للرب. ثم تأخذ القص من كبش الملء الذي لهرون وتردده ترديداً أمام الرب فيكون لك نصيباً. وتقدس قص الترديد وساق الرفيعة الذي ردد والذي رفع من كبش الملء مما لهرون ولبنيه. فيكونان لهرون وبنيه فريضة أبدية من بني إسرائيل لأنهما رفيعة ويكونان رفيعة من بني إسرائيل من ذبائح سلامتهم رفيعتهم للرب. والثياب المقدسة التي لهرون تكون لبنيه بعده ليمسحوا فيها ولتملأ فيها أيديهم. سبعة أيام يلبسها الكاهن الذي هو عوض عنه من بنيه الذي يدخل خيمة الاجتماع ليخدم في القدس. وأما كبش الملء فتأخذه وتطبخ لحمه في مكان مقدس. فيأكل هرون وبنوه لحم الكبش والخبز الذي في السلة عند باب خيمة الاجتماع. يأكلها الذين كفر بها عنهم لملء أيديهم لتقديسهم وأما الأجنبي فلا يأكل لأنها مقدسة. وأن بقي شيء من لحم الملء أو من الخبز إلى الصباح تحرق الباقي بالنار لا يؤكل لأنه مقدس. وتصنع لهرون وبنيه هكذا بحسب كل ما أمرتك سبعة أيام تملأ أيديهم.”
شريعة الملء (كبش الملء)
ذبيحة كبش الملء هي ذبيحة سلامة ولكن بشكل خاص أي لها بعض الفروق عن ذبيحة السلامة العادية. وذبيحة السلامة هي شركة مع الله ومع الآخرين. هنا نجد صورة حية للتقديس فبعد ما يضع هرون وبنيه أياديهم على رأس الكبش، أي يعلنون إتحادهم معه وكأنهم يعلنون طاعتهم الكاملة لله ورفضهم الكامل للخطية حتى لو وصلت الطاعة لسفك الدم مثل هذه الذبيحة التي يرش دمها على أجسادهم وثيابهم لتطهيرهم وتقديسهم بالكلية فتكون حياتهم وأعمالهم كلها للرب ويأخذ موسى من الدم ويجعله على شحم أذانهم اليمني وأباهم أيديهم اليمني وأباهم أرجلهم اليمني. وكأن أذانهم وأياديهم وأرجلهم قد تقدمت وتكرست في طاعة كاملة لخدمة الله تماماً. كل كلمة يسمعها الكاهن (بل أن الآذن تعبير عن كل الحواس الخمس) وكل حركة وكل عمل (أرجل وأيدي) إنما يكون لحساب موكله. لقد تقدس له بالكامل لذلك فإن هذه الذبيحة التي للتقديس هي “رائحة سرور أمام الرب” ويجب أن نعرف أن هذا لم يحدث بالكامل سوى في المسيح.
مسح الثياب المقدسة (21)
في ذبيحة المحرقة رأينا الدم كله لله والذبيحة كلها لله وهذا يعني أن الله له مجد كهنوتهم. وفي هذه الذبيحة نجد مفهوم الشركة بين الله وبينهم ففي آية (20) نجد الدم يرش على المذبح وفي (21) نجد جزء من الدم يرش على ثياب الكهنة بل وعلى الكهنة مع الزيت وبهذا يفهم الكهنة أنهم تقدسوا من رأسهم حتى أخمص قدميهم لحساب الرب. والدم والزيت معاً إشارة لدم المسيح الذي يقدس ولنعم الروح القدس التي سيحصلون عليها. ومفهوم الشركة مع الله نجده في لحم الذبيحة فجزء من اللحم للمذبح وجزء للكهنة يأكلونه.
ملء أيدي الكهنة والترديد
إذ تقدست أيدي الكهنة يضع فيها الأجزاء المقدسة من كبش الملء ويقومون بالترديد أي تقديمها للرب، وكأنها أول ذبيحة تمتد يدهم التي تقدست لتقديمها أمام الرب والترديد يكون برفع الذبيحة لأعلى أي إلى الله ثم يحركها للأمام ثم إلى الخلف. وتحريكها للأمام أي أن هذه الأجزاء هي مِلْكٌ لك يا رب ثم للخلف تعني وأعطيتها لنا وكان موسى ينقل لهم النعمة ويسلمها لهم بأن يرفع أياديهم ويرددها حتى يستطيعوا هم أن يرفعوا أيدي الشعب ويرددوها.
وكان يُعَبَّر عن الكهنوت أو التعيين أو التكريس في الكهنوت بملء اليد (قض12:17 + 1مل33:13) وكان التقديس يعتبر ملئاً لليد لأن الشخص يتسلم به نعمة الكهنوت وسلطانه وحقوقه. واليد هنا تعبر عن الشخص نفسه فاليد هي التي تقبل المنح والعطايا لذلك نرفع أيدينا في الصلاة منتظرين النعم. فالملء هو ملء من نعمة الكهنوت وسلطانه وحقوقه. وكان بعض الشعوب تستخدم هذا التعبير في تنصيب ملوكها حين يعطى الملك صولجانه والكنيسة تعطى الإنجيل والحية للأسقف. أما كهنة اليهود فكانوا يأخذون من قطع لحم الذبيحة إشارة للكهنوت المسيحي الذي يشترك فيه الكاهن مع الشعب في ذبيحة الإفخارستيا. وحيث أن قطعة لحم ذبيحة الخطية التي يأكلها الكاهن هي قطعة من الذبيحة التي حملت خطايا الخاطئ الذي قدمها. فأكل الكاهن لها هو إشارة للمسيح الكاهن الأعظم الذي حمل خطايانا.
والفرق بين ذبيحة كبش الملء وذبيحة السلامة العادية أنه في طقس ذبيحة السلامة يعطى الكاهن الرجل اليمنى ولكن هنا الكاهن يعطي نصيبه للرب في حفل تقديسه وتكريمه وكلمة ملء تشير لإمتلاء أيدي هرون وبنيه فقد كانت تملأ بالأجزاء الدسمة من الكبش وبأقراص الفطير التي يمتلكونها ويشعرون ويقدرون قيمتها ممتلئين بها. وهم سبق لهم في ذبيحة الخطية أن نقلت خطيتهم عنهم إلى الذبيحة وإذ تفرغت تلك الأيدي من الذنب تمتلئ الآن بتلك الأجزاء المختارة من الذبيحة. وهي مبادلة عجيبة حقاً!! فقد وضع على المسيح إثم جميعنا وخطايانا حملها وبدلاً من ذلك ملأ قلوبنا من شخصه وعندما رددت هذه الأشياء أمام الرب وهي في أيدي هرون فكأنهم هم أنفسهم قُدّموا لله كتقدمة ترديد وهم مملوءون بالمسيح ومتحدون معه فاستقرت عيناه الله على الأشياء الثمينة التي في أيديهم (رمز المسيح) وبها صاروا مكرسين ككهنة. ثم تقدم للمذبح كمحرقة فكأن الكهنة يتحدون أنفسهم بالمحرقة أمام الله.
وبالنسبة للآية (22) راجع سفر اللاويين أما زيادة الكبد فهناك من يقول أنها هي الحجاب الحاجز الذي يتحرك مع كل نفس فكأن كل نفس مكرس لله أيضاً (وغالباً هي المرارة) ووجود الخبز في التقدمة يشير للمسيح خبز الحياة وعدم وجود خمير، فالكل فطير، يشير للمسيح الذي بلا خطية فالخمير ينتشر في العجين كله بسرعة وهكذا الشر.
وفي آية (32) نجد الله يأمرهم أن يأكلوا عند باب خيمة الاجتماع وفي هذا إشارة للدخول في عهد بين الله وبين الكهنة وهو إشارة لأن الله يتعهدهم كخدام له. هم يتعهدون بتكريس أنفسهم لله وهو يتعهد بهم حتى في أكلهم وشربهم هذا غير النعمة التي يعطيها لهم. وكان على الكهنة أن يتغذوا بتلك الأشياء التي كفر بها عنهم لملء أيديهم لتقديسهم وهكذا نرى الكفارة والتقديس والملء كلها متضمنة في الذبيحة التي صارت طعامهم ومصدر حياتهم وقوتهم (1كو18:10). إذاً هناك شركة وحب بينهم، وهذا الأكل تقديس وتثبيت لهم (يو54:6،55).
وفي (26) نجد أن نصيب موسى كنائب ليهوة هو القص أي الصدر. وهذا يرمز لمحبة الله لابنه المحبوب الذي ترمز إليه الذبائح.
ولاحظ أن في طقس ذبيحة السلامة كان نصيب الكهنة هو الساق والصدر ونجد هنا أنهم أصبحوا نصيباً للرب فموسى يأخذ الصدر والمذبح يأخذ الساق (لا34:7) ونصيب هرون وبنيه في ذبائح سلامة الشعب هو الصدر وساق الرفيعة (27،28) وكلمة الرفيعة نستخدمها حين نقول نرفع صلاة أو نرفع ذبيحة فهي مرفوعة لله.
مسح الثياب المقدسة (29،30)
تقدس الثياب بالدم والمسحة (لا30:8) ليلبسها الكاهن سبعة أيام، لا يخرج فيها من باب خيمة الاجتماع (لا33:8) + (لا35:8). هذا يعني أن الكاهن الذي قدَّم حياته ذبيحة حب لله ولخدمته وبعد أن لبس الملابس الكهنوتية المقدسة وتقدست حياته الداخلية وتصرفاته الظاهرة يليق به أن يبقى كل حياته (رقم7 رقم كامل) حافظاً لشعائر الرب ولا يرتبك بأي عمل زمني. هي فترة مقدسة فيعزل فيها الكاهن عن حياة سابقة ليبدأ حياة جديدة.
(آية33): الأجنبي هنا أي العلماني فهو غير مسموح له أن يأكل.
وباقي الطقس تجده في سفر اللاويين (طقس ذبيحة السلامة)
الآيات (36،37): “وتقدم ثور خطية كل يوم لأجل الكفارة وتطهر المذبح بتكفيرك عليه وتمسحه لتقديسه. سبعة أيام تكفر على المذبح وتقدسه فيكون المذبح قدس أقداس كل ما مس المذبح يكون مقدساً.”
مع أن الكهنة قُدَّم عنهم ذبيحة خطية وتقَّدسوا إلا أنهم ينبغي أن يشعروا دائماً بأن “خطيتهم أمامهم في كل حين وأنهم محتاجين للدم بصفة مستمرة ومحتاجين للتوبة بصفة مستمرة لذلك كان يقدم كل يوم ثور خطية عنهم. وهذه الذبائح هي لتقديس المذبح 7 أيام أي تكريساً كاملاً وهكذا يتقبل الله من شعبه هذا المذبح الذي يقدسه ويجعله قدس أقداس وخلاله تقبل الذبيحة لتقديس شعبه والتكفير عنهم. وكثرة تكرار الذبائح تشير أنها غير كاملة وهم في انتظار لذاك الذي يأتي ليقدم نفسه ذبيحة مرة واحدة. والمذبح لم يخطئ فلماذا يقدم عنه ذبيحة خطية؟ هذا بسبب خطايا من يخدمون المذبح. فهو يتنجس بنجاسة وخطايا الكهنة. ومهما كان الإنسان الذي يتقدم للخدمة فهو غير مستحق.
الآيات (38-49): “وهذا ما تقدمه على المذبح خروفان حوليان كل يوم دائماً. الخروف الواحد تقدمه صباحاً والخروف الثاني تقدمه في العشية. وعشر من دقيق ملتوت بربع الهين من زيت الرض وسكيب ربع الهين من الخمر للخروف الواحد. والخروف الثاني تقدمه في العشية مثل تقدمة الصباح وسكيبه تصنع له رائحة سرور وقود للرب. محرقة دائمة في أجيالكم عند باب خيمة الاجتماع أمام الرب حيث اجتمع بكم لأكلمك هناك. واجتمع هناك ببني إسرائيل فيقدس بمجدي. واقدس خيمة الاجتماع والمذبح وهرون وبنوه أقدسهم لكي يكهنوا لي. واسكن في وسط بني إسرائيل وأكون لهم إلهاً. فيعلمون أنى أنا الرب إلههم الذي أخرجهم من ارض مصر لأسكن في وسطهم أنا الرب إلههم.”
التقدمة اليومية
بعد أن تكلم عن الكهنوت يكلمنا هنا عن وظيفة الكاهن وهي تقديم ذبائح بصفة مستمرة صباحاً ومساءً. وعلى كل مسيحي ككاهن روحي بالمفهوم العام أن يقدم ذبائح تسبيح وشكر (صلوا بلا انقطاع) طول النهار. وغرض الذبائح المستمرة كما هو محدد في آية (43) “حيث اجتمع بكم…. فيقدس بمجدي” فالشعب يتقدس بحلول الله وسطهم. الله يريد أن يسكن في وسطنا ليقدسنا.
وتقديم سكيب خمر هو رمز للفرح فالله يفرح بنا وبمحرقاتنا وبصلواتنا ويريد أن يشركنا في هذا الفرح. ولاحظ أن الله يفرح بمن هو على استعداد أن يسكب نفسه لأجله (2تي6:4). هي عبادة يومية صباحاً ومساءً تعبيراً عن الشكر لمراحم الله المستمرة. وهي محرقة دائمة رمز لشفاعة المسيح الدائمة عنا. والله يريد أن يسكن في وسطنا يقدسنا ويكون مجداً لنا. ولكن من الذي سيتمتع بهذا؟ هؤلاء الذين يلتصقون ببيته مقدمين ذبائح تسبحتهم دائمة. حيث اجتمع بكم لأكلمك هناك= هو يجتمع بالشعب ويكلم شخص واحد قد يكون موسى كممثل للشعب وقد يكون المقصود الشعب كوحدة واحدة فالله يريد أن يكون شعبه واحداً. في العشية= في العبرانية الكلمة تعني بين العشاءين فاليهود كان عندهم عشاءان. وحسب ما يقول المفسرون أن العشاء الأول حوالي الساعة التاسعة أي الثالثة ظهراً وبعده كان يقدم محرقة المساء أي بين الساعة التاسعة والحادية عشر.
سفر الخروج – أصحاح 29
تفاسير أخرى لسفر الخروج أصحاح 29
تفسير خروج 28 | تفسير سفر الخروج القمص أنطونيوس فكري |
تفسير خروج 30 |
تفسير العهد القديم |