تفسير سفر الخروج ٢ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الثاني
نجد هنا الله يعطي مع التجربة المنفذ (1كو13:10) فمع اضطهاد فرعون الصعب للشعب، نجد الله يعد موسى النبي للخدمة، فهو يعد المنقذ ويدربه لفترة 80سنة. في قصر فرعون حيث تهذب بكل حكمة المصريين (فهم علماء فلك وزراعة وكيمياء وهندسة وتحنيط وطب وشعر وفنون وسياسة وحكمة) ولم يحرمه من حنان أمه فشرب منها حب الله وحب شعبه، لقد غرست الأيام التي قضاها موسى في بيت أبيه وأمه بذرة حياة القداسة ومعرفة الله. وحينما ظن موسى أنه قادر أن يخلص الشعب بذراعه فقتل المصري أعطاه الله فترة 40 سنة في البرية ليتواضع ويعرف أنه لا شئ بدون الله، عاجز عن العمل بذاته، ثقيل الفم واللسان ثم يتلاقى معه الله في العليقة ويرسله بعد أن أتم الله تدريبه.
آية (1): “وذهب رجل من بيت لاوي واخذ بنت لاوي.”
الرجل هو عمرام ابن قهات ابن لاوي والمرأة هي يوكابد. وولدوا مريم وهارون وموسى. ومن تواضع موسى أنه لم يفخم في أبيه وأمه ولم يذكر هنا اسميهما وهناك رأيين في هذه الآية: الأول أن عمرام تزوج عمته يوكابد بنت لاوي (خر20:6 + عد59:26) وزواج الرجل من عمته لم يكن ممنوعاً في هذا الوقت، ولم يمنعه سوى شريعة موسى. والرأي الثاني يقول أصحابه أن كلمة عمته قد تترجم بنت عمه وتصبح بنت لاوي أي من بيت لاوي.
آية (2): “فحبلت المرأة وولدت ابناً ولما رأته انه حسن خبأته ثلاثة اشهر.”
سفطاً من البردي= كلمة سفط وكلمة فلك في العبرية هي كلمة واحدة “طبت” بمعنى تابوت. ولم تستخدم سوى في هذين الموضعين. وكان قدماء المصريين يصنعون المراكب من البردي. وما صنعته أم موسى دليل على إيمانها. فهي آمنت أن الله قادر أن يحفظ ابنها وتحول هذا السفط إلى فلك نجا راكبه الوحيد.
(عب23:11). الحلفاء= نبات مائي يصنع منه الحصر والحبال.
الآيات (5-9): “فنزلت ابنة فرعون إلى النهر لتغتسل وكانت جواريها ماشيات على جانب النهر فرات السفط بين الحلفاء فأرسلت أمتها وأخذته. ولما فتحته رأت الولد وإذا هو صبي يبكي فرقت له وقالت هذا من أولاد العبرانيين. فقالت أخته لابنة فرعون هل اذهب وأدعو لك امرأة مرضعة من العبرانيات لترضع لك الولد. فقالت لها ابنة فرعون اذهبي فذهبت الفتاة ودعت أم الولد. فقالت لها ابنة فرعون اذهبي بهذا الولد وارضعيه لي وأنا أعطي أجرتك فأخذت المرأة الولد وأرضعته.”
عجيبة هي حكمة الله، فمن كان يصدق أن هذا الطفل الذي سيهز أركان مصر ينتشل من الماء ضد أوامر فرعون بقتل كل ذكر، يل يتربى في قصر فرعون وتحت حمايته. هذه هي عناية وحكمة الله أن يتحول الشر إلى خير، وأن تكون هزيمة الشيطان بالسلاح الذي في يده. ففرعون الذي أمر بقتل الأطفال هو نفسه الذي تربى منقذ إسرائيل في بيته.
آية (10): “ولما كبر الولد جاءت به إلى ابنة فرعون فصار لها ابناً ودعت اسمه موسى وقالت أنى انتشلته من الماء.”
ولما كبر الولد= هي فترة علمته فيها أمه الروحيات فالأم هي المدرسة الأولى. ومعنى اسم موسى المنتشل من الماءmwou’’’si (mwou= ماء ،’’’si = يأخذ) وبالعبرية نجد له نفس المعنى (ميم يوشيه ميم= ماء يوشيه= منتشل)
الآيات (11،12): “وحدث في تلك الأيام لما كبر موسى انه خرج إلى اخوته لينظر في أثقالهم فرأى رجلاً مصرياً يضرب رجلاً عبرانياً من اخوته. فالتفت إلى هنا وهناك ورأى أن ليس أحد فقتل المصري وطمره في الرمل.”
إذ تثقف موسى بحكمة المصريين 40عاماً ظن أنه قادر أن يخدم الله معتمداً على ذراعه وحكمته، هو ظن أنه شئ فإرتبك “إلتفت هنا وهناك” مهتماً بنظرة الناس إليه، بينما أن خادم الله لا يهتم ببغض الناس أو رضائهم عن خدمته مادام يعلم أن الله هو الذي أرسله. وموسى حين اعتمد على ذراعه خاف وهرب. رجلاً مصرياً يضرب رجلاً عبرانياً= غالباً هو من رجال التسخير (أع22:7-23)
الآيات (13-15): “ثم خرج في اليوم الثاني وإذا رجلان عبرانيان يتخاصمان فقال للمذنب لماذا تضرب صاحبك. فقال من جعلك رئيساً وقاضياً علينا امفتكر أنت بقتلي كما قتلت المصري فخاف موسى وقال حقا قد عرف الأمر. فسمع فرعون هذا الأمر فطلب أن يقتل موسى فهرب موسى من وجه فرعون وسكن في أرض مديان وجلس عند البئر.”
غالباً الرجل العبراني الذي أنصفه موسى بالأمس نشر الخبر وسط الشعب. راجع (عب24:11-26). لقد رفض موسى أن يدعى ابن ابنة فرعون ويعيش في القصر، ونزل إلى شعبه ليحيا وسطهم شاعراً بآلامهم. وكان المنطق البشري يقول أن يستمر في القصر حتى يستطيع أن يقدم خدمات لشعبه، لكنه وجد أنه لا يستطيع وفضَّل أن يذل معهم. وهذا ما عمله المسيح فهو ترك السماء لأجل شعبه. لذلك قيل :حاسباً عار المسيح أفضل” فهو مثل المسيح وضع نفسه موضع شعبه. هو أخلى نفسه من أمجاده. وعجيب قول العبراني لموسى، فعجيب أن يقال هذا لمن يبحث عن خلاص شعبه وأحبهم أكثر من نفسه، بل العجيب أن يتشاجر من هم تحت العبودية والظلم معاً. ولكن كان الشعب الذي رفض موسى قاضياً أشبه بالمريض الذي يرفض المشرط في يد الجراح الذي يعالجه!! ولكن الله استخدم هذا الأمر حتى يكمل تدريب موسى في البرية. ولقد رأى أسطفانوس في رفض الشعب لموسى في هذه القصة رفض لعمل الروح القدس فيهم (أع23:7-51) بل رأى أسطفانوس أن رفض الشعب لموسى هنا كقاضي استمر فيهم حتى رفضوا المسيح كمخلص لهم. وهناك تشابه واضح بين موسى والمسيح:
1. كما رفضوا خدمة موسى هنا لخلاصهم. رفضا المسيح المخلص.
2. موسى ترك القصر لينزل لهم والمسيح أخلى ذاته أخذاً صورة عبد.
3. موسى تزوج بصفورة في غربته والمسيح اتخذ الكنيسة (الأمم) عروساً له.
4. موسى كان الوسيط بين الله والناس وهكذا المسيح.
5. موسى كليم الله الذي أعطى الناموس والمسيح كلمة الله.
6. موسى عمل كراعٍ ثم رعى الشعب كله والمسيح هو الراعي الصالح.
7. كلاهما كان مخلص ومنقذ لشعبه.
8. موسى كان نبي والمسيح كان نبي مثله (تث15:18).
9. كلاهما ولد في أرض العبودية ثم عبروا بشعبهم للحرية.
10. كلاهما حاولوا قتله وهو طفل ونجا كلاهما بينما مات كثير من الأطفال.
11. موسى صام 40يوماً ليتسلم شريعة العهد القديم والمسيح صار 40يوماً قبل أن يبدأ عمله.
12. دخل موسى القصر وهو معروف أنه ابن ابنة فرعون والمسيح كان ابن العذراء.
الآيات (16-22): “وكان لكاهن مديان سبع بنات فأتين واستقين وملآن الأجران ليسقين غنم أبيهن. فآتى الرعاة وطردوهن فنهض موسى وانجدهن وسقى غنمهن. فلما أتين إلى رعوئيل أبيهن قال ما بالكن أسرعتن في المجيء اليوم. فقلن رجل مصري أنقذنا من أيدي الرعاة وانه استقى لنا أيضاً وسقى الغنم. فقال لبناته وأين هو لماذا تركتن الرجل ادعونه ليأكل طعاما. فارتضى موسى أن يسكن مع الرجل أعطى موسى صفورة ابنته. فولدت ابنا فدعا اسمه جرشوم لأنه قال كنت نزيلاً في أرض غريبة.”
كان البنات يرجعن متأخرات يومياً بسبب مضايقة الرعاة. ولكن في هذا اليوم تدخل موسى وساعدهن فهذا هو طبعه. وتزوج من صفورة= عصفورة بنت رعوئيل ومعنى اسمه الله صديق وكان كاهناً لله ويظهر هذا من اسمه فهو منسوب إلى إيل وهو من مديان ومديان من أولاد إبراهيم ويغلب أن هذا الفرع من مديان حافظ على إيمان إبراهيم. وسمى ابنه جرشوم= الغريب بسبب غربته. ورعوئيل سمى يثرون وغالباً هذا لقب شرف بكونه كاهناً لمديان فهي تعني المتقدم في السمو.
آية (23): “وحدث في تلك الأيام الكثيرة أن ملك مصر مات وتنهد بنو إسرائيل من العبودية وصرخوا فصعد صراخهم إلى الله من اجل العبودية.”
تنهد بنو إسرائيل= لما مات الملك جاء ملك جديد ظنوا أنه سيريحهم من العبودية فوجدوه مثل أبيه فصرخوا لله، وتركوا أوثانهم (حز8:20). وحين صرخوا إلى الله صار الوقت مناسباً لخروجهم فالله لابد أن يستجيب لمن يصرخ إليه.
الآيات (24،25): “فسمع الله أنينهم فتذكر الله ميثاقه مع إبراهيم واسحق ويعقوب. ونظر الله بني إسرائيل وعلم الله.”
يذكر اسم الله هنا 4 مرات إشارة لأن الله يستجيب لكل العالم فتذكر الله= هذه تعني أن هذا هو الوقت المناسب لتدخل الله لينفذ وعوده فإسرائيل ترك أوثانه وصرخ إلى الله وموسى اكتمل تدريبه وإعداده وذنب الأموريين قد كمل (تك16:15). الآن جاء ملء الزمان.
سفر الخروج – أصحاح 2
تفاسير أخرى لسفر الخروج أصحاح 2
تفسير خروج 1 | تفسير سفر الخروج القمص أنطونيوس فكري |
تفسير خروج 3 |
تفسير العهد القديم |