تفسير سفر الخروج 27 للقمص أنطونيوس فكري
الآيات (1-8): “«وَتَصْنَعُ الْمَذْبَحَ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ، طُولُهُ خَمْسُ أَذْرُعٍ، وَعَرْضُهُ خَمْسُ أَذْرُعٍ. مُرَبَّعًا يَكُونُ الْمَذْبَحُ. وَارْتِفَاعُهُ ثَلاَثُ أَذْرُعٍ. وَتَصْنَعُ قُرُونَهُ عَلَى زَوَايَاهُ الأَرْبَعِ. مِنْهُ تَكُونُ قُرُونُهُ، وَتُغَشِّيهِ بِنُحَاسٍ. وَتَصْنَعُ قُدُورَهُ لِرَفْعِ رَمَادِهِ، وَرُفُوشَهُ وَمَرَاكِنَهُ وَمَنَاشِلَهُ وَمَجَامِرَهُ. جَمِيعَ آنِيَتِهِ تَصْنَعُهَا مِنْ نُحَاسٍ. وَتَصْنَعُ لَهُ شُبَّاكَةً صَنْعَةَ الشَّبَكَةِ مِنْ نُحَاسٍ، وَتَصْنَعُ عَلَى الشَّبَكَةِ أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ نُحَاسٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَطْرَافِهِ. وَتَجْعَلُهَا تَحْتَ حَاجِبِ الْمَذْبَحِ مِنْ أَسْفَلُ، وَتَكُونُ الشَّبَكَةُ إِلَى نِصْفِ الْمَذْبَحِ. وَتَصْنَعُ عَصَوَيْنِ لِلْمَذْبَحِ، عَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِنُحَاسٍ. وَتُدْخَلُ عَصَوَاهُ فِي الْحَلَقَاتِ، فَتَكُونُ الْعَصَوَانِ عَلَى جَانِبَيِ الْمَذْبَحِ حِينَمَا يُحْمَلُ. مُجَوَّفًا تَصْنَعُهُ مِنْ أَلْوَاحٍ، كَمَا أُظْهِرَ لَكَ فِي الْجَبَلِ هكَذَا يَصْنَعُونَهُ.”
مذبح المحرقة:
- القرون
- القدور
- مراكن وطشوت
- مناشل
- مجامر
- رفوش
- شبكة (شباكة)
- حاجب
- عصوين
تأخر الكلام عن مذبح النحاس أي مذبح المحرقة. لأن الله أراد أن يعلن ذاته على عرشه وفي مجده (تابوت العهد) وإرادته في الشركة مع الإنسان (المائدة) وفي أنه وحده سر إستنارة الإنسان فلا داعي للمعرفة بعيدًا عنه (المنارة). ولكن أخطأ الإنسان وكان أن المسيح تجسد ليُكَوِّن جسد كنيسته، وليكون لها رأسا = يكون فيها (شقق ملونة) / وليدين الخطية = (شقق شعر الماعز) / ثم جلود كباش = ليسترها / وجلود تخس = ليحمى كنيسته أثناء فترة وجودها في العالم. وبخطية الإنسان صار حجاب بين القدس وقدس الأقداس (الحجاب) لكن باب النعمة مفتوحًا للكل (سجف المدخل).
والآن هناك سؤال !! على أي أساس يلتقي الله مع الإنسان؟ الباب أي باب المسكن؟ باب القدس مفتوح بنعمة الله (5أعمدة) للجميع… ولكن من الذي له حق الدخول؟
وعلى أي أساس يتم هذا؟ هنا يأتي دور مذبح المحرقة الذي يعلن الله فيه بره وقداسته وعدله مع رحمته ومحبته. هنا عند مذبح المحرقة يتحقق قول المزمور85 رمز الصليب “رضيت يا رب عن أرضك.. غفرت إثم شعبك. سترت كل خطيتهم.. والرحمة والحق التقيا. البر والسلام تلاثما”. على الصليب أظهر الله قداسته وعدله ورفضه للخطية التي عقوبتها الموت، ويظهر أيضًا رحمته ومحبته للبشر بأن تحمل ابنه الموت بدلا عن البشر. وبالصليب صار الباب مفتوحًا لكل من يريد ويأتي مؤمنا باحتياجه لدم المسيح.
بعد حديثه عن مذبح المحرقة يشرح الدار الخارجية وهي التي يدخلها كل إسرائيلي، إذًا هي تشير لكل من آمن بعمل المسيح الذبيحي. لكن لدخول الخيمة هناك شرط آخر فنحن نمر بالمرحضة (المعمودية والتوبة والإعتراف) وهذا يتمثل في الكهنوت. ولا قيمة للتوبة ولا لأي شيء بدون شفاعة المسيح الكفارية ووقوفه أمام الآب فنوجد مقبولين فيه. لذلك قبل أن يشرح مذبح البخور، شرح الكهنوت وطقوسه لتكريس خدام الله الذين يخدمون شعبه على الأرض. وأما في السماء فهناك المسيح رئيس كهنتنا، شفيعنا الكفاري الوحيد بدمه. وبعد ذلك يشرح المرحضة فهي وسيلة الاقتراب لله أي التوبة، والمعمودية أولًا.
خشب مُغَشَّى بالنحاس:
نجد مذبح المحرقة مصنوع من خشب سنط (إِشارة لناسوت المسيح) ومغشى بالنحاس إشارة للاهوته. بينما مذبح البخور من خشب مغشى بالذهب. فلماذا هذا الفرق؟ يمكن أن نقول أن مذبح النحاس ستشتعل فيه النيران طوال اليوم ولن تطفأ، والذهب لن يستطيع مقاومة هذه النيران، ومن المناسب استخدام معدن يقاوم الحرارة العالية. ولكن المقصود أن النحاس يشير للدينونة، فالمسيح إحتمل ألام نار العدل الإلهي على الصليب ولم يظهر هنا صورة مجده بل صورة الاحتمال بثبات. وهذا ما يعنيه استخدام النحاس في مذبح المحرقة. أما بعد صعوده وجلوسه عن يمين الآب فهو يظهر في مجده ونراه في صورة الذهب. والمسيح دان الخطية بجسده المقدم ذبيحة على الصليب. هو حمل خطايانا ومات بها ليكتمها وليميتها، وهذا معني دان الخطية بالجسد (رو8: 3). وكما رأينا في المواد المستخدمة في الخيمة فإن النحاس يشير للدينونة. وبنفس المفهوم فالمرحضة من نحاس لتشير لتبكيت الروح القدس على الخطية = دينونة الخطية.
النحاس الذي يغشى المذبح يشير للدينونة بدم المسيح القوى، فالمسيح بصليبه:-
- أدان الشيطان وقيده (رؤ1:20 + حز22:30). وربط الشيطان ليحررنا من يده “لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ قَوِيٍّ وَيَنْهَبَ أَمْتِعَتَهُ، إِنْ لَمْ يَرْبِطِ ٱلْقَوِيَّ أَوَّلًا، وَحِينَئِذٍ يَنْهَبُ بَيْتَهُ” (مر27:3). بل أعطانا السلطان أن ندوس عليه “أعطيتكم سلطانا أن تدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو” (لو10: 19).
- أدان الخطية أي يكتمها داخلنا فتفقد قوتها، بل غفر خطايانا بدمه (رو3:8). هو أدان بل أمات الخطية التي حملها عنا، فكل من يرتبط به يستفيد من هذه القوة، ويدوس على الخطية بسهولة. لذلك قال “إحملوا نيري فهو هين وحملي خفيف”.
- داس الموت بموته. وقام بحياة أبدية صارت لنا بالمعمودية.
عمومًا خارج الخيمة لا نجد أثرًا للذهب فالأمجاد السماوية في الداخل. أما في الخارج فنجد نحاس وشقق سوداء من شعر المعزى وجلود محمرة وتخس، فكما تحمل الابن ثمن الخطية في ثبات، علينا أن نتحمل ضيقات وألام العالم الحاضر التي يسمح بها الله لتأديب أولاده لإعدادهم للسماء، حتى يحين موعد دخولنا للأقداس السماوية ونتمتع بالذهب (المجد). وإذ نلبس المسيح يكون لنا هذا الثبات فندوس الأتعاب والضيقات ونسير في طريق السماء بدون تراخٍ. فمذبح المحرقة كان مكان إدانة الخطية خارج الخيمة بحسب عدل الله، فالمسيح صلب خارج أورشليم. أما مذبح البخور فهو المكان الذي تصعد منه رائحة قبول شفاعة المسيح الكفارية أمام عرش الله. وخشب السنط الذي يشير لجسد المسيح، ويشير أيضًا لصليبه نجده في مذبح البخور فهو دخل بجسده للسماء عربونًا لنا.
المذبح:
كان على هيئة صندوق مجوف بدون قاع ولا غطاء. وعلى كل زاوية قرن مصنوع قطعة واحدة مع المذبح = منه تكون قرونه.. وفي وسطه شباكة وحاجب. وكان المذبح يملأ بالتراب (خر24:20) لتحرق عليه الذبائح. وأبعاد المذبح 5×5×3 ذراع.
5×5:- رقم 5 يشير للنعمة المسئولة. والمسيح المملوء نعمة تحمل مسئولية تقديم نفسه ذبيحة لله لتقديس حواسنا وطاقاتنا، ليعطينا حياته نسلك بها في بر. لكي نتهيأ للدخول للمقدسات الخفية. لهذا قال ليوحنا المعمدان عندما ذهب ليعتمد منه “هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر”. فعندما سقط الإنسان ومات إعتبر المسيح نفسه مسئولا عن تدبير الفداء ليعطينا حياته نسلك بها في البر. وهذا ما يتم في المعمودية، معمودية المسيح ثم معموديتنا. والمعمودية تستمد قوتها من الصليب. ولأن الطول مساوي للعرض فهذا يشير لصفات الله المتساوية الرحمة والحب من ناحية ومن ناحية أخرى للبر والعدل والقداسة “ٱلرَّحْمَةُ وَٱلْحَقُّ ٱلْتَقَيَا. ٱلْبِرُّ وَٱلسَّلَامُ تَلَاثَمَا” (مز10:85). ولقد تقابلت الرحمة والعدل على الصليب. وما فشلنا فيه من تقديس كل طاقاتنا وحواسنا، بل كان سقوطنا الذي إستوجب عقاب الله، وذلك لأن الله عادل وقدوس ولا يحتمل الخطية. والخطية لها عقاب هو الموت. وجاء المسيح برحمته ومحبته وحمل هذا عنا واحتمل هو دينونة الله (5×5) واستوفى كل قضاء عدله. وصار معنى 5×5 = أن عدل الله رحيم ورحمة الله عادلة = عدل الله في رحمته ورحمة الله في عدله.
ولاحظ أيضًا أن 5×5 تشير لأن المسيح مملوء نعمة (يو1: 14)، ولم تكن له خطية (يو8: 46). وتم الإشارة لهذا بأن خروف الفصح كان يقدم في اليوم الخامس (فكان تحت الحفظ من اليوم العاشر حتى اليوم الرابع عشر). وكلمة تحت الحفظ ليتأكد مقدم الذبيحة أن الخروف بلا عيب. وكان هذا إعلانًا عن بر المسيح وأنه يموت عنا فهو بلا خطية. ولذلك فهو قد تحمل مسئوليتنا وقبلت ذبيحته لأنه بار وقد مات بدلًا منا.
الارتفاع 3 ذراع:- كل الذبائح كانت تقدم وتحرق بدلًا عن الخاطئ. ولكن المسيح بعد أن مات على الصليب قام بعد 3 أيام. هو مات لا ليظل ميتا لكنه مات لكي يقوم ويعطينا حياته نحيا بها للأبد. مات لنموت معه عن خلقتنا القديمة، وقام لنقوم معه بخليقة جديدة نحيا بها للأبد. وهذا معنى إرتفاع المذبح 3 أذرع أنه قدم نفسه ذبيحة حية “خروف قائم كأنه مذبوح (رؤ5: 6). وهذا ليعطي لكل من مات بسبب الخطية أن يقوم كما قام المسيح في اليوم الثالث. ولاحظ أن خشب السنط المستخدم خشب لا يُسوِّس إشارة لعدم فساد جسد المسيح وقيامته بعد موته. لو إستمر جسد المسيح سنينا في القبر ما كان جسده قد تعفن لإتحاد الجسد باللاهوت، وهذا معنى خروج الدم والماء من جنب المسيح على الصليب، فالدم علامة الحياة والماء علامة الموت. هو كان ذبيحة حية، فيها إنفصلت الروح الإنسانية عن الجسد، لكن ظل اللاهوت متصلا بالجسد وبالروح. إذن قوة ذبيحة المسيح أنها تدخل بنا إلى الصليب لكي تعبر بنا إلى القيامة. هذه هي نعمة الله (رقم 5 هو رقم النعمة). لكن حتى نتمتع بالقيامة يجب أن نصلب الأهواء والشهوات وأقول مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ. فطريق القيامة يمر بالصليب حتمًا. ورقم 3 يشير لقبول ذبيحة المسيح وأن هذا أعلن بقيامته. والإفخارستيا هي إستمرار لذبيحة الصليب، والإفخارستيا هي ذبيحة حية. وهذا هو سبب طلب الله من فرعون أن يذهبوا ليذبحوا له على مسيرة 3 أيام.
قرون المذبح:
في مجتمع كالمجتمع اليهودي حيث يكثر الرعاة وقطعان الماشية، تستوحى التشبيهات من الواقع الذي يحيونه. لذلك نراهم يستخدمون التشبيهات من واقع المراعي. وفي المرعى علامة القوة هي القرون. لذلك نجد داود يقول “تنصب مثل البقر الوحشي قرني” (مز10:92) وهذا يعني أن الله يعطيه قوة عظيمة أمام أعداؤه. وراجع أيضًا (1صم1:2) “ارتفع قرني بالرب”. بل نسبوا لخلاص الله نفس الصفة لقوته (راجع مز1:18 ، 2) “أحبك يا رب يا قوَّتي، الرب صخرتي وحصني ومنقذي.. ترسي وقرن خلاصي وملجأي”
والمذبح هنا يشير للصليب فيكون المقصود أن في صليب المسيح قوة جبارة هي قوة دمه “وهم غلبوه بدم الخروف” (رؤ11:12) وبهذه القوة ندوس كل قوة العدو. وقوة الذبيحة في دمها الذي هو نفسها وحياتها، هذا الدم سفكه المسيح ليعطيني قوة حياة وقوة غفران “غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف” وقوة انتصار على الشيطان. وكون أن للمذبح 4 قرون، و4 هو رقم العالم، إذن فهذه القوة مقدمة للجميع ضد خطية العالم، فالعالم كله أخطأ والمسيح ذُبِح عن العالم كله.
ومنه تكون قرونه= فالقوة من دم الذبيحة. ويقول المرنم في (مز27:118) “أوثقوا الذبيحة بربط إلى قرون المذبح”. فما معنى هذا؟ قد يقصد بهذه الربط التي تربط بها الذبيحة للمسامير التي سُمِّر بها المسيح على الصليب. لكنها بالأكثر تشير للمحبة القوية التي ربطت المسيح بشعبه، وجعلته يتشوق للصليب. وراجع (إش27: 2–5) لترى شهوة قلب المسيح لكي يصلب عن أحبائه ” … لَيْسَ لِي غَيْظٌ. لَيْتَ عَلَيَّ ٱلشَّوْكَ وَٱلْحَسَكَ فِي ٱلْقِتَالِ فَأَهْجُمَ عَلَيْهَا وَأَحْرِقَهَا مَعًا. أَوْ يَتَمَسَّكُ بِحِصْنِي فَيَصْنَعُ صُلْحًا مَعِي. صُلْحًا يَصْنَعُ مَعِي. إذًا منه تكون قرونه تعني أن القوة التي ربطت المسيح بالصليب ليست قوة خارجية (اليهود أو الرومان)، بل هي قوة المحبة التي فيه تجاهنا = منه.
وفي (خر12:29) “تأخذ من دم الثور وتجعله على قرون المذبح” إشارة لأن القوة من الدم، وأن قوة شفاعة الدم وقدرته على الغفران قوية جدًا. وكان المذنب له الحق لأن يلجأ لقرون المذبح ويتمسك بها (1مل50:1 + 1مل28:2-34) هذا يعني أننا كمذنبين علينا أن نتمسك بالمسيح كسر خلاصنا. ولكن “ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات” (مت7: 21). وليس كل مَنْ يَتَمَسَّك بقرون المذبح يخلص. والحادثة الآتية دليل على ذلك، وكانت تنفيذًا لقانون وضعه الله في (خر14:21) وكان القانون الإلهي “وإذا بغى إنسان على صاحبه ليقتله بغدر فمن عند مذبحي تأخذه للموت”. وبناء على هذا القانون حكم بالموت على يوآب. ولاحظ أن داود أوصى سليمان بقتل يوآب ولم يقتله هو، وهذا لأن داود كان يمثل المسيح في خلال فترة تجسده في العالم فهو لا يدين. وسليمان يمثله في مجده كديان. فمن لا يستحق النجاة لا يدان هنا بل ينتظر حتى اليوم الأخير حين يظهر ابن الإنسان في مجده.
وفي (حب4:3) “الله جاء من تيمان.. جلاله غطى السموات والأرض.. وكان لمعان كالنور له من يده شعاع”. هذه هي الترجمة العربية ومثلها جاءت (NKJV) & (Jerusalem Bible). أما في الإنجليزية (KJV) “He Had Horns Coming out of His Hands” وذلك لأن الكلمة الأصلية التي ترجمت شعاع في العبرية وترجمت قرون في الإنجليزية لها نفس المعنى أو لهم أصل واحد. فالنور يشير لمجد الله وقوته “لهذا لمع وجه موسى حين رأى مجد الله” والقرون تشير لقوته. والمسيح هو 1*النور الحقيقي، هو نور من نور، وهو 2*قوة الله لذلك فدمه له قوة لانهائية للخلاص (يو1: 9 + 1كو1: 24). فالله نور ومحبة وهو يشع مراحمه خلال دم ذبيحة ابنه:-
*فلنحتمي ونتحصن فيها (إش5:27، 4:25). ولنمسك بقرون المذبح بتوبة صادقة فإن كانت توبتنا صادقة سننجو ولا نهلك مثل يوآب.
*ونمسك فيها بقوة كما قالت عروس النشيد “فَأَمْسَكْتُهُ وَلَمْ أَرْخِهِ” (نش3: 4). تشير لمن يؤمن بقوة عمل دم المسيح الذي يعطيه القوة التي تسنده فيمتنع عن الخطية.
*ولنرتبط بقرون المذبح كذبائح حية بربط المحبة التي تجعلنا نقدم حتى النفس للمسيح كما فعل هو على الصليب وكما فعل الشهداء. وفي (مز27:118) الذبيحة هنا هي ذبيحة سلامة أي ذبيحة شكر. فنحن حينما نربط أنفسنا بالمذبح في حب فنحن نحبه لأنه هو أحبنا أولًا ونشكره لأجل سلامتنا وسلامنا.
الشبكة (الشباكة)
كلمة شبكة مشتقة من كلمة يجدل أو يضفر ومن نفس الأصل نجد كلمة غربال أو منخل وهذه الشبكة تحت محيط المذبح. تحت حاجب المذبح من أسفل= ومعنى كلمة حاجب أي الذي يحيط. وهناك عدة تصوُّرات للمذبح مع الشبكة والحاجب. واعتقد أن الأقرب للتصَوُّر هو الرسم الكبير تحت عنوان مذبح المحرقة وعلى هذا فيكون المذبح مجوفًا. وهناك حجاب خارجي وحجاب داخلي أي شفة. فالخارجي لوقوف الكاهن عليه والسبب الآخر أن العصوين يأتيان تحته لحمل المذبح في التنقل والداخلي يستعمل لتثبيت الشبكة وأيضًا فالعصوين يأتيان تحته. ويمر العصوين في حلقات والحلقات من ضمن الشبكة نفسها ويمران أيضًا في ثقوب في جسم المذبح نفسه. ولاحظ أن الشباكة عند منتصف المذبح تمامًا.
وبهذا فهي تساعد على ربط حوائط المذبح وبالتالي متانته ومنعه من الإلتواء.
والشبكة في الوسط لتحمل اللحم والنار التي تأكل اللحم. والنار هي إشارة لدينونة الله العادلة فإلهنا نارٌ آكلة (عب29:12). وهذه النار سوف تأكل وتفني كل من يضاد بر وكمال الله (بحيرة النار مكان الشيطان ومن يتبعه).
ولا نتصوَّر حياة في الأرض بدون نار كمصدر طاقة، وأيضًا لا يمكن تصور أن هناك حياة روحية أو أخلاقية بدون قضاء الله ودينونته للخطية فهذا ما يظهر صلاح الله وبره. (مر48:9 + لو23:16، 24 + مز6:11 + مز9:21 + أش33:30 + 15:66) إذًا النار هي رمز لقضاء الله. ووجود الله أيضًا يظهر في نار كما ظهر لموسى في العليقة وعمود النار كان يصاحب الشعب. وهكذا ظهر لحزقيال (خر18:19 + لا2:10 + حز4:1، 27 + تث24:4).
والنار تشير لقضاء الله ودينونته وأيضًا لقداسته وبره ومحبته لشعبه. فهو لشعبه محبة نارية، فهو “الله محبة”، وهو “إلهنا نار آكلة. هو محبة نارية تحرق خطاياهم وتلهب قلبهم حبًا، وهذا ما تم على الصليب. فنيران الغضب والعدل الإلهي التي إشتعلت في المسيح كانت أيضا محبة نارية لشعبه تحرق خطاياهم. وهو لشعبه أيضًا “سور من نار يحميهم” (زك2: 5) أما لأعدائه فهو نارٌ آكلة لدينونتهم وعقابهم، فالهنا نار آكلة (عب12: 29).
والشبكة في وسط المذبح وغالبًا في داخله وهي تعبر عن عمل المسيح. لماذا؟ لأن المسيح لم يتحمل نار العدل الإلهي بطريقة سطحية أو خارجية بل هو إحتمل كل الإضطهاد العنيف وحقد الشيطان الذي أثار الكل ضده فجعله يحتمل ألامًا تفوق الوصف. لقد إشتعلت النيران داخل المسيح وهذه النيران لا يعرفها سواه. لذلك كان لابد للمذبح أن يكون نحاسًا ليحتمل النار، أي لابد للمصلوب أن يكون ثابتًا قويًا ليحتمل ما حدث له هو القدوس البار. فالمسيح تعرض لهذه النار، كشبكة المذبح هنا تتعرض لنار مشتعلة من أسفل ونار مشتعلة من أعلى. فمن أعلى نجد الحطب المشتعل ومن أسفل نجد الدهن والشحم مشتعلًا. وهذه الشبكة تتحمل نارًا من أعلى ونارًا من أسفل، هكذا كان المسيح على الصليب فمن أعلى نار الدينونة الإلهية، ومن أسفل هزء وسخرية الشعب الذي أحبه، وهو الآن معلق من أجله. وتخلى تلاميذه وأحباؤه عنه وتآمر الجميع ضده.
ولكن النحاس يثبت أمام النار، والحب في داخل قلب المسيح جعله يثبت ويتحمل. والصليب كان معركة فشل فيها إبليس أن يجعل المسيح يتراجع.
* بل نقول بتحديد أكثر أن الشبكة إنما تمثل قلب المسيح.
* والخطية تصدر من قلب الإنسان. وقلب الإنسان نجيس وأخدع من كل شيء (إر9:17). والقلب مركز كينونة وعواطف ومشاعر وإرادة الإنسان.
* وفي مقابل قلبي أنا النجيس الذي يستحق الدينونة إحتمل المسيح عني هذه الدينونة.
* لذلك كانت نار الدينونة تشتعل في قلب المسيح وهو بلا خطية نيابة عني، ليدين الخطية الساكنة في قلوبنا بجسده (راجع تفسير رو8: 3) هذه الخطية التي لوثت وأفسدت مشاعرنا وشهواتنا وإرادتنا. إذًا هذا المذبح يشير لعمل المسيح الفدائي الكامل. وفي (مز14:22) نبوة عن هذا حين يقول عن المسيح المصلوب “قلبي مثل الشمع”. وفي (12:40) قلبي قد تركني. وراجع أيضًا (مز3:102 ،4 ، 9 ، 10) لذلك كان لابد أن تكون الشبكة نحاسية حتى تحتمل كل هذا.
ثبات المسيح والقوة التي إحتمل بها كل هذا كانت لحسابنا، فكل من يرتبط بالمسيح ويجاهد ضد الخطية له أن يسحب قوة من هذا الرصيد الضخم. لذلك يقول الرب “إثبتوا فيَّ” (يو15: 4) ويقول أيضًا “إحملوا نيري فهو هين وحملي خفيف” (مت11: 30). ولذلك يقول بولس الرسول أن الجهاد ضد الخطية سهل وذلك لمن يرتبط ويثبت في المسيح، فيستمد القوة منه “لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ، وَٱلْخَطِيَّةَ ٱلْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِٱلصَّبْرِ فِي ٱلْجِهَادِ ٱلْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا” (عب12: 1). وهذا معنى أن المسيح دان الخطية بالجسد، أننا صرنا نستمد منه القوة أو النعمة التي نغلب بها الخطية فلا يعود لها تسلط علينا “فإِنَّ ٱلْخَطِيَّةَ لَنْ تَسُودَكُمْ، لِأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ ٱلنِّعْمَةِ (رو6: 14).
وكلمة حريق التي تستخدم على مذبح المحرقة أي مع الذبائح التي تقدم على هذا المذبح ليست بمعنى حريق عادي، إنما يقال يوقد الكاهن كما يقال عن البخور، لأن الله يقبل هذه الذبيحة بفرح “وَيُوقِدُ ٱلْكَاهِنُ ٱلْجَمِيعَ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ مُحْرَقَةً، وَقُودَ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ” (لا 1: 9). وقيل عن ذبيحة نوح “تنسم الرب رائحة الرضا” فكانت محرقة نوح رمزا لطاعة المسيح حتى موت الصليب. وبالصليب عاد الإنسان الي حضن الآب “هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت”.
الحلقات كانت لا بُد أن تكون في الشبكة:
الحلقات تشير للحَمْل، حَملْ المذبح. فإذا كان المذبح يشير للصليب، والشبكة إشارة لقلب المسيح المملوء محبة، وهذا الحب مصدره قلبه. فيصبح المعنى من أن المذبح كان يرافق الشعب خلال رحلة التجوال في سيناء، أن المسيح حبًا في شعبه كان يجول وسط شعبه حاملا في قلبه شهوته ليوم الصليب. بل قل أن هذه الشهوة كانت في قلبه منذ الأزل “فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ غَنُّوا لِلْكَرْمَةِ ٱلْمُشَتَهَاةِ: أَنَا ٱلرَّبُّ حَارِسُهَا. أَسْقِيهَا كُلَّ لَحْظَةٍ. لِئَلَّا يُوقَعَ بِهَا أَحْرُسُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا . لَيْسَ لِي غَيْظٌ. لَيْتَ عَلَيَّ ٱلشَّوْكَ وَٱلْحَسَكَ فِي ٱلْقِتَالِ فَأَهْجُمَ عَلَيْهَا وَأَحْرِقَهَا مَعًا. أَوْ يَتَمَسَّكُ بِحِصْنِي فَيَصْنَعُ صُلْحًا مَعِي. صُلْحًا يَصْنَعُ مَعِي” (إش27: 2-5).
- هذا الحب جعل المسيح يرافق شعبه في كل خطوة في رحلتهم في برية هذا العالم ويكون وسطهم دائمًا سواء في العهد القديم أو العهد الجديد. فقد قيل في العهد الجديد “اُكْتُبْ إِلَى مَلَاكِ كَنِيسَةِ أَفَسُسَ: «هَذَا يَقُولُهُ ٱلْمُمْسِكُ ٱلسَّبْعَةَ ٱلْكَوَاكِبَ فِي يَمِينِهِ، ٱلْمَاشِي فِي وَسَطِ ٱلسَّبْعِ ٱلْمَنَايِرِ ٱلذَّهَبِيَّةِ” (رؤ1:2). فالعصى التي يُحمل منها المذبح تدخل في هذه الحلقات.
- وكل بركة وكل عناية وكل رحمة مرتبطة بهذه الحلقات، أي بهذا القلب الذي إحتمل القضاء الذي كنا نستحقه (رو32:8 + 2بط3:1).
- وهذا الحب هو لكل العالم، هذا ما تمثله الأربعة الحلقات.
الأدوات التي تستعمل مع مذبح المحرقة:
المناشل: لها 3 شعب (مثل الشوكة) وتستعمل في ترتيب قطع الذبيحة.
المجامر: لنقل النار من على مذبح المحرقة إلى مذبح البخور (هناك مجمرة ذهبية لرئيس الكهنة لاستعمالها يوم الكفارة) (عب4:9). ولاحظ أن كل ما يدخل قدس الأقداس ذهب.
المراكن والطشوت: لتلقي الدم (سفك المسيح دمه لغفران الخطية) (زك15:9).
الرفوش والقدور: الرفوش لجمع الرماد ورفعه حتى القدور (كالملعقة) والقدور لحفظ الرماد حتى يتم نقله. وهناك كلمتين يستخدمان للرماد:-
الأولى تستعمل في الحزن وأيضًا في إثبات أن هذا العالم زائل (إس1:4 ، 3 + أي8:2 + إش20:44) .
والثانية تستخدم مع مخلفات الذبائح ولغويًا هي تعني الدهن، فما يحرق على المذبح هو الدهن والشحم. وفي (مز3:20) “الرب يستسمن محرقاتك”. هنا كلمة يستسمن أتت في أصلها العبري بمعنى أنها قبلت عند الله وصعد دخانها (أي دخان ذبيحة المحرقة).
وكان الرماد يجمع أولًا في مكان عن يمين المذبح ثم ينقل لمكان طاهر (لا12:4 + 10:6، 11) وهكذا جسد مخلصنا لم يسلم لأعدائه بل لمحبيه فكفنوه ودفنوه ولم يكسر منه عظم ودفن في قبر جديد.
وكانت العبادة تجاه الغرب، فيكون الكاهن واقفا وظهره متجها إلى ناحية الشرق أي ناحية الجنة المفقودة، نادمًا على ضياعها وعلى الموت الذي دخل للإنسان بسبب الخطية. ولكن المسيح في هذا المذبح كان يربط الموت بالرجاء في القيامة والحياة. يربط موته بقيامته (مت21:16) ولهذا فإرتفاع المذبح 3 أذرع. رقم3 يشير للرجاء في القيامة.
وكل الأدوات كانت نحاسية فهي تشير لقضاء الله ودينونته للخطية. ولكن هذا لا يعني أن يترك جسد المسيح بعد أن مات. فبعد موته كان عدل الله قد إستوفى حقه والآن فيجب إحترام وتوقير هذا الجسد (هذا معنى القدور والرفوش). ومعنى الآية “ويكون محله مجدًا” (إش10:11) وللآن في بعض الأحيان يخرج نور من القبر يوم سبت النور.
وفي قصة قورح نرى خطورة أن نقترب إلى الله بطريقة غير التي رسمها الله، وقورح كان قد استخدم مجامر نحاسية. وهذه حولوها لصفائح مطروقة من النحاس وغطوا بها المذبح فصارت شاهدا على دينونة الله للخطاة ومصيرهم. ولكن تثبيتها على المذبح كان أيضًا شاهدًا عن كيفية الهروب من هذه الدينونة أي بالصليب. ولاحظ وقفة هارون بين الأحياء والأموات هنا، وهذا يمثل المسيح الشفيع الذي يمنع الموت عن شعبه ويحميهم.
المذبح ارتفاعه 3 أذرع:
إذن الشبكة ارتفاعها ½ 1أي نفس ارتفاع كرسي الرحمة والمائدة، فالفداء على الصليب ومراحم الله والشركة معه كلها على نفس المستوى.
ولأن ارتفاع المذبح 1,5 متر تقريبًا فكان يستحيل على الكاهن الوقوف على الأرض للخدمة وحيث أن الكتاب ينص على أنه لا درج (خر26:20) بينما نجد في (لا22:9) أن هرون انحدر من عمل الذبيحة. فقد اتفق أنه كان هناك منحدر ناحية الجنوب.
الآيات (9-19): “«وَتَصْنَعُ دَارَ الْمَسْكَنِ. إِلَى جِهَةِ الْجَنُوبِ نَحْوَ التَّيْمَنِ لِلدَّارِ أَسْتَارٌ مِنْ بُوصٍ مَبْرُومٍ مِئَةُ ذِرَاعٍ طُولًا إِلَى الْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ. وَأَعْمِدَتُهَا عِشْرُونَ، وَقَوَاعِدُهَا عِشْرُونَ مِنْ نُحَاسٍ. رُزَزُ الأَعْمِدَةِ وَقُضْبَانُهَا مِنْ فِضَّةٍ. وَكَذلِكَ إِلَى جِهَةِ الشِّمَالِ فِي الطُّولِ أَسْتَارٌ مِئَةُ ذِرَاعٍ طُولًا. وَأَعْمِدَتُهَا عِشْرُونَ، وَقَوَاعِدُهَا عِشْرُونَ مِنْ نُحَاسٍ. رُزَزُ الأَعْمِدَةِ وَقُضْبَانُهَا مِنْ فِضَّةٍ. وَفِي عَرْضِ الدَّارِ إِلَى جِهَةِ الْغَرْبِ أَسْتَارٌ خَمْسُونَ ذِرَاعًا. أَعْمِدَتُهَا عَشْرَةٌ، وَقَوَاعِدُهَا عَشْرٌ. وَعَرْضُ الدَّارِ إِلَى جِهَةِ الشَّرْقِ نَحْوَ الشُّرُوقِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا. وَخَمْسَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا مِنَ الأَسْتَارِ لِلْجَانِبِ الْوَاحِدِ. أَعْمِدَتُهَا ثَلاَثَةٌ وَقَوَاعِدُهَا ثَلاَثٌ. وَلِلْجَانِبِ الثَّانِي خَمْسَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا مِنَ الأَسْتَارِ. أَعْمِدَتُهَا ثَلاَثَةٌ وَقَوَاعِدُهَا ثَلاَثٌ. وَلِبَابِ الدَّارِ سَجْفٌ عِشْرُونَ ذِرَاعًا مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ صَنْعَةَ الطَّرَّازِ. أَعْمِدَتُهُ أَرْبَعَةٌ، وَقَوَاعِدُهَا أَرْبَعٌ. لِكُلِّ أَعْمِدَةِ الدَّارِ حَوَالَيْهَا قُضْبَانٌ مِنْ فِضَّةٍ. رُزَزُهَا مِنْ فِضَّةٍ، وَقَوَاعِدُهَا مِنْ نُحَاسٍ. طُولُ الدَّارِ مِئَةُ ذِرَاعٍ، وَعَرْضُهَا خَمْسُونَ فَخَمْسُونَ، وَارْتِفَاعُهَا خَمْسُ أَذْرُعٍ مِنْ بُوصٍ مَبْرُومٍ، وَقَوَاعِدُهَا مِنْ نُحَاسٍ. جَمِيعُ أَوَانِي الْمَسْكَنِ فِي كُلِّ خِدْمَتِهِ وَجَمِيعُ أَوْتَادِهِ وَجَمِيعُ أَوْتَادِ الدَّارِ مِنْ نُحَاسٍ.”
دار المسكن:
آية (9): نحو التيمن= هو اسم عبري يعني اليمين أو الجنوب. والصحراء الجنوبية يسمونها صحراء التيمن. ودار المسكن هي الجزء الثالث في الخيمة بعد قدس الأقداس والقدس. ويشمل السور مع بابه وبالداخل يوجد مذبح المحرقة والمرحضة. والسور عبارة عن بوص مبروم أي كله كتان أبيض غير ملون ولا مطّرز؟
الآيات (14-16): من ناحية الشرق يوجد الباب وهو ستارة ملونة من البوص المبروم ومطرزة بالألوان الثلاثة. إذًا هي تشير للمسيح. ومعلقة على أربعة أعمدة ثم نجد ثلاثة أعمدة عن يمين الباب وثلاثة أعمدة عن يساره ضمن السور أي مغطاة بالبوص المبروم.
(آية 18): عرضها خمسون فخمسون = يعني أنها من ناحية الشرق ومن ناحية الغرب عرضها خمسون ذراعًا.
هذا الحل لتوزيع الأعمدة يراعي العدد المذكور في الكتاب 10 أعمدة من كل ناحية من الشرق والغرب و20 عمود من كل ناحية من الشمال والجنوب وأربعة أعمدة للمدخل. |
هذا الحل لتوزيع الأعمدة يراعي المسافات بين الأعمدة أن تكون 5 أذرع ولكن هناك إشكال أن ستارة المدخل ستعلق بهذا على خمسة أعمدة. |
الدار الخارجية إذن عبارة عن مستطيل 100 × 50 ذراع وارتفاع السور 5 أذرع وتعلق على الأعمدة شقق كتان مبروم تُكَوِّن السور. والأعمدة الستون رؤوسها مغطاة بالفضة (17:38)= تغشية رؤوسها من فضة.
والأعمدة لها قواعد من نحاس. والمدخل له ستارة ملونة معلقة على 4 أعمدة وعرض المدخل 20 ذراع وارتفاعه نفس ارتفاع السور 5 أذرع.
والأعمدة مرتبطة ببعضها عن طريق قضبان فضية وكل عمود مثبت في الأرض بأوتاد وأطناب (حبال) وقاعدة نحاسية والأوتاد نحاسية.
ودار المسكن هي الفناء الخارجي المكشوف الذي يحيط بخيمة الاجتماع.
في السور الأبيض الذي يحيط بالمسكن (كتان) نرى إعلان بر الله في المسيح. هذه الدار الخارجية تمثل شعب الله في برية هذا العالم. فهم معزولون عن العالم (سور) في حماية الله. والسور مغطى بكتان أبيض تشير للبر والنقاوة وسط الخيام السوداء التي للشعب (فخيام الشعب غالبًا من شعر المعيز الأسود) والسور طوله 100 + 50 + 100 + 50 ويطرح منه طول الباب فيصبح 280 ذراعًا وهذه المسافة هي نفسها طول الشقق الملونة 28×10. هذا هو شعب المسيح الذي لبس المسيح “إلبسوا المسيح” (رو13: 14). وكما قال القديس بولس الرسول ” لِأَنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لِأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللهِ فِيهِ” (2كو5: 21).
ولاحظ أنه لم تذكر المادة المصنوع منها الأعمدة. وقد يفهم من (10:27) أن الأعمدة من النحاس مثل القواعد ولكن هذا لم ينص عليه، كما أن بعضهم أثبت استحالة هذا فمن (29:38) نجد أن النحاس الذي استعمل 70 وزنة فقط ومن هذا نستبعد استعمال النحاس. ولذلك استقر كثيرين أنها من خشب. لكن كما ذكرنا فإنه حين يغفل الكتاب ذكر شيء فهو يريد أن يقول شيء. والمهم هنا أنه مهما كانت المادة المستخدمة فقد اختبأت وراء السور الكتاني (البوص المبروم). هذا يشير لشعب المسيح الذي لبس المسيح ومن يختبئ في المسيح لا يعود يذكر ماذا كان أو ماذا هو… المهم أن المسيح غطاه. “وإن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض.. هذه صفة النقاوة وراجع (رؤ14:7 + 8:19) فالكتان هو تبررات القديسين أي أعمالهم البارة وهذا لا يتم إلا في المسيح + (1يو5:3) هكذا ألبس الله يشوع (زك5) + (1يو17:4 + 2:3). إذن المسيح منحنا إمكانية أن نحيا في قداسة حتى في هذا العالم. “أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني”.
ولاحظ أن ارتفاع السور 5 أذرع فمن ناحية رقم (5) يشير أن هذا التبرير هو نعمة من الله ولكنه يشير لمسئوليتي في أن أعمل على حفظ الوصية.
وكانت رُزَزُ الأَعْمِدَةِ وَقُضْبَانُهَا مِنْ فِضَّةٍ وقواعد الأعمدة مِنْ نُحَاسٍ. فنحن حصلنا على هذا التبرير بواسطة فداء المسيح = الفضة. المسيح الذي ألبسني رداء البر أَسْتَارٌ مِنْ بُوصٍ مَبْرُومٍ = (إش10:61 + 1كو30:1). وكان ذلك لأنه دان الخطية في جسده = قواعد الأعمدة مِنْ نُحَاسٍ. وهذا ما جعل المؤمنين يثبتون.
وكأن الستر الأبيض ينادى من هم بالخارج ويقول “تعال أيها الخاطئ ولا تخف ولا تتردد مهما كانت حالتك، فالمسيح سيبررك وستثبت لأنه هو دان الخطية في جسده، وهذا سيعطيك قوة تدين بها أنت الخطية “ثقوا أنا قد غلبت العالم” + هو “خرج غالبًا ولكي يغلب” (يو16: 33 + رؤ6: 1) المسيح سيغلب فينا. وهذا معنى قول الرب “نيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ” (مت11: 30). والقاعدة النحاسية التي تشير لأن المسيح دان الخطية بالجسد، هي موت المسيح، ومعنى هذا أنه بموت المسيحي مع المسيح عن العالم وخطيته، فحينئذ يثبت في بر المسيح، هذه هي القاعدة للعمود، موتى مع المسيح هذا ما يعطيني ثبات، فالقاعدة تثبت العمود. وراجع (مت7: 24-27) لتعرف الطريق للثبات في المسيح، وبالتالي نثبت وسط عواصف وتيارات بحر هذا العالم. ومن له أساس لن يهتز أمام أي صعاب. ولاحظ أن الفضة تشير لكلمة الله التي تدعو الخاطئ للتوبة والرجوع.
الأعمدة:
هم 60 عمود (60 = 12 × 5) 12هم شعب الله، 5 رقم النعمة والمسئولية. فهم شعب الله اللابس برًا بنعمة الله ولكن عليهم أن يحفظوا أنفسهم وحواسهم ويقدسوا طاقاتهم لحساب المسيح. ولاحظ أنهم بالمسيح “جبابرة حرب “هُوَذَا تَخْتُ سُلَيْمَانَ حَوْلَهُ سِتُّونَ جَبَّارًا مِنْ جَبَابِرَةِ إِسْرَائِيلَ. كُلُّهُمْ قَابِضُونَ سُيُوفًا وَمُتَعَلِّمُونَ ٱلْحَرْبَ. كُلُّ رَجُلٍ سَيْفُهُ عَلَى فَخْذِهِ مِنْ هَوْلِ ٱللَّيْلِ” (نش3: 7-8).
وفهمنا أنه لا يمكن للأعمدة أن تصنع من النحاس، فهي إذًا من خشب. والخشب يمثل الجسد، جسد المسيح وجسد المؤمن الثابت في المسيح. ونحن نحصل على الثبات في المسيح أولًا بالمعمودية ونستمر ثابتين بالتناول من جسد المسيح ودمه (يو6: 56). وهذا الثبات في المسيح هو ثمرة للفداء الذي يشير له الفضة على رأس العمود (خر38: 17). والمسيح بجسده دان الخطية، ومن يثبت فيه يكون قادرًا أن يدين الخطية ويدوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو10: 19). وهذه الدينونة تم التعبير عنها بالقواعد النحاسية، فالنحاس يشير للدينونة. المسيح دان الخطية بالجسد وأعطانا أن ندوس الخطية بل والشيطان. ولكن لابد لنا أن نحيا حياة الإماتة أي نحيا كأموات أمام الخطية. وهذا يظهر هنا في أن القواعد النحاسية مدفونة في الأرض ليثبت العمود عليها، وهذا يشير لوجوب أن يموت المؤمن مع المسيح (رو6: 11 + كو3: 1-5). ومن يفعل ويصلب نفسه مع المسيح يثبت في بر المسيح. والعمود مثبت بأوتاد وأطناب فالذي يثبتنا هو المسيح. والكنيسة هي أعضاء مترابطة في محبة = القضبان التي تربط الأعمدة وهي من فضة، والفضة تشير لكلمة الله كما تشير للفداء. وبهذا نفهم قول الرب يسوع أنه حينما يرى العالم المحبة التي تجمع شعب الله تكون هذه كرازة للعالم “بِهَذَا يَعْرِفُ ٱلْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلَامِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ” (يو13: 35). فالمحبة التي تربطنا هي كرازة للعالم. وهذا عمل الروح القدس أن يربط المؤمنين برباطات المحبة “دَوَائِرُ فَخْذَيْكِ (مفاصل الجسم) مِثْلُ ٱلْحَلِيِّ، صَنْعَةِ يَدَيْ صَنَّاعٍ (هو الروح القدس)” (نش7: 1). وكل عمود به رذذ أي خطافات لتثبيت الستر عليه فتختفي الأعمدة وراء الستر الأبيض. والمعنى أن يتبرر المؤمنين بدم المسيح (رؤ7: 14). ولذلك فكل عمود يغشى رأسه بالفضة إشارة لكفارة المسيح التي بررت كل مؤمن.
العمود مختفي وراء الستر الأبيض ومعتمد وثابت على قاعدة نحاس وله رأس مغطى بالفضة. هنا نرى المسيح الذي احتمل الدينونة (نحاس) ليوفي مطاليب عدل الله ويقدم للخاطئ الفداء الكامل (الفضة). ولاحظ أيضًا أن النحاس يشير للثبات، وحين حان وقت الصليب ثبت المسيح وجهه لينطلق إلى أورشليم (لو51:9) وهناك رزز فضية تعلق فيها الستائر البيضاء وهذه الصورة تحمل لذهننا الارتباط بين المسيح برنا والمسيح فداؤنا.
ولو حدث واعتبر كل مسيحي أنه معزول عن شر العالم فلن يرى العالم فينا سوى الكتان الأبيض. وقد تشير الرؤوس الفضية والرزز الفضية لكلمة الله في الكرازة فالكنيسة المبررة المعزولة عن شر العالم هي كارزة بكلمة الله.
والأعمدة موصولة بقضبان فضية تشير لارتباط الكنيسة في جسد واحد (أف8:3 + جا9:4 ، 10 ، 12). والسيد المسيح يريد هذه الوحدة “إذا اجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون في وسطهم” (مت20:18) فهذه إرادته أن نجتمع وبإسمه. وكيف نجتمع بإسم المسيح؟ هذا لا يتم إلا حينما نجتمع مع كلمة الله (قضبان الفضة).
والمسيحي (العمود) نراه الآن مختفي وراء الستر الأبيض (بر المسيح) ومرتبط مع إخوته في ضوء كلمة المسيح = قضبان الفضة.
وأعمدة المدخل 4 فالمدعو للدخول هم كل العالم. وفي تطلعنا لليمين واليسار نجد 3 أعمدة من كل جهة فهو دخول للإنعزال عن الشر مع رجاء في القيامة.
الأوتاد والأطناب:
(خر19:27+ 18:35+40:39+ عد26:3 ، 37+ 26:4 ، 32). فالأوتاد كانت من نحاس والأطناب أي حبال، ولم تذكر أي مادة للأطناب. ولكن حيث أن المواد المذكورة في استعمال الخيمة لم يضاف لها شيء أو أي مادة غريبة فغالبًا تكون الأطناب من البوص المبروم مع خيوط إسمانجوني.. الخ وهذا يعني أن المسيح في الأطناب أيضًا، وهل ممكن أن نثبت بدون المسيح؟! فالأوتاد والأطناب لحماية الأعمدة ضد الرياح والسيول. ومحبة المسيح التي لم تستطع سيول كثيرة أن تطفئها هي مثل الأطناب التي تربط قلوبنا بشخصه، وهي التي تحمينا وتثبتنا أمام سيول وعواصف برية هذا العالم. ولاحظ أن الأطناب كانت تحفظ العمود مستقيم. وغالبًا فالأغطية الخارجية للمسكن (الخيمة) كانت تربط بأوتاد وأطناب. ولكن هذا لم يُذكر فالأغطية تشير للمسيح الذي يحمى كنيسته، والمسيح لا يحتاج لما أو لمن يثبته. عمومًا فالأطناب هي ربط المحبة.
وفي (إر20:10) هنا قطع الأطناب علامة خراب الأمة وهكذا عكس (إش2:54) فهي تشير للكنيسة المقامة مع المسيح والتي ستشمل العالم كله.
\والأوتاد هي للتثبيت وفي (زك4:10) يشار للمسيح بأنه الوتد فهو الذي يثبت كل مقاصد محبة الله ورحمته ويربطها بنا نحن الذين على الأرض. راجع (إش22:22 ، 23) ولأن المسيح هو وتدنا فنحن سنشاركه ثباته فمجده. والوتد الذي لربط الأطناب نصفه يكون مدفونًا في الأرض (إشارة للموت) ونصفه الآخر ظاهرًا في الهواء (إشارة للحياة التي كانت بقيامة المسيح). وهذا يشير لدفن المسيح وقيامته. وهذا ما يحدث لي في المعمودية من موت ودفن مع المسيح وقيامة، ثم التناول من جسده ودمه، فالإفخارستيا ذبيحة حية، والمسيح “خروف قائم كأنه مذبوح” (رؤ5: 6) ومن يتناول من جسده ودمه يثبت فيه (يو6: 56).
باب الخيمة:
الباب عريض 20 ذراع أي مفتوح للجميع فهو ليس بابًا ضيقًا، وهو ضعف عرض باب الخيمة أو الحجاب. هنا نجد المسيح فاتحًا ذراعيه ليرحب بكل من يأتي إليه من كل أنحاء العالم (أربع أعمدة). ولاحظ أن الخيمة كلها لها باب واحد والباب هو المسيح “أنا هو الباب” (يو9:10). وكما أن الباب يفيد القبول هكذا يفيد القضاء فعند الباب كان يجلس القضاة (تث18:16 + را 1:4) وفي المسيح يجتمع المعنيان فهو الذي فتح لي الباب بأن احتمل القضاء والدينونة لذلك هو الطريق الوحيد للقبول أمام الله. وحين يتساءل أحد كيف وأنا الخاطئ أستطيع الدخول للأقداس يجيب المسيح أنا هو الباب وأنا هو الطريق. والباب عبارة عن ستارة بوص وبها الألوان إسمانجوني.. الخ وبدون كاروبيم. إذًا لا أحد يمنعنا من الدخول. وهذه المواد كما رأينا تشير للمسيح. والستارة معلقة برزز فضة وهذه هي بشارة الإنجيل كلمة الله تدعو الجميع أن يأتوا ليدخلوا.
الأبواب في خيمة الاجتماع:
ولاحظ أن مساحة كل الأبواب واحدة:
- باب الخيمة 20×5 = 100 ذراع 2
- باب المسكن 10×10 = 100 ذراع 2
- باب الحجاب 10×10= 100 ذراع 2
ولا عجب في ذلك فكلها تشير للمسيح الذي به الدخول.
الآيات (20، 21): “«وَأَنْتَ تَأْمُرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُقَدِّمُوا إِلَيْكَ زَيْتَ زَيْتُونٍ مَرْضُوضٍ نَقِيًّا لِلضَّوْءِ لإِصْعَادِ السُّرُجِ دَائِمًا. فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، خَارِجَ الْحِجَابِ الَّذِي أَمَامَ الشَّهَادَةِ، يُرَتِّبُهَا هَارُونُ وَبَنُوهُ مِنَ الْمَسَاءِ إِلَى الصَّبَاحِ أَمَامَ الرَّبِّ. فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً فِي أَجْيَالِهِمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.”
زيت الزيتون المرضوض هو أنقى أنواع الزيت وهذا يحصل عليه بدق الزيتون في الهاون وليس بطحنه. وكان هذا النوع خاليًا من الشوائب. وهذا الزيت يستخدم لإيقاد المنارة ولكن لماذا هذه الآيات هنا؟ هذه مقدمة للكهنوت إصحاحي (28، 29). فلا كهنوت بدون عمل الروح القدس (الزيت). وعمل الكاهن أن يضيء الطريق لشعبه طالما كان الوقت مساء (فترة هذا العالم).
من المساء إلى الصباح فريضة دهرية= هذه وظيفة الكهنة حتى يأتي المسيح شمس البر. وذكره من المساء إلى الصباح إشارة لضرورة سهر الكهنة طوال المساء ليحفظوا المنارة موقدة طوال الليل. أما النهار فالكل مستيقظ. وهذا يشير لأهمية سهر الكاهن على رعيته.