تفسير سفر عزرا ٥ للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح الخامس
إصلاح داخلي وعودة للبناء
في الأصحاح الثالث وُضعت أساسات الهيكل، وفرح الشعب بذلك، لكن يبدو أن كثيرين منهم ما كان يشغلهم هو مصالحهم الخاصة. لهذا إذ قام الأعداء بالمقاومة، وجاءت رسالة الملك بوقف العمل، حدث تجاوب داخلي مع هذا القرار من بعض الأغنياء.
يبدو كأن وقف البناء علته المقاومة الخارجية والشكاوى والمشيرون الذين أثروا على الملك، إنما حقيقة الموقف أن السبب هو فساد قلوب القادة والعظماء. لهذا أرسل الله النبيين حجي وزكريا للإصلاح الداخلي. فقد تكاسل العائدون عن العمل، وكانت قلوبهم تميل إلى بناء قصورهم وبيوتهم وتزيينها عوض إعادة بناء بيت الرب. إذ كانت كلمة الرب: “هل الوقت لكم أن تسكنوا في بيوتكم المغشاة وهذا البيت خراب؟” (حج 1: 4).
إذ تحرك النبيان وتحركت القلوب للعمل بإخلاص، أعطاهم الرب نعمة في أعين الكل، مثل تتناي والي كل منطقة غرب نهر الفرات، الذي يخضع له ولاة الدول في المنطقة ومنها يهوذا، وأيضًا كاتبه شتربوزناي ومن معهما، والملك داريوس هستاسيس.
تشجع زربابل ويشوع بواسطة النبيين حجي وزكريا، وشرعا في البناء من جديد. على أثر العودة إلى البناء كان لازمًا أن يتحرك تتناي ومن معه، لكنهم تحركوا بروحٍ جديدةٍ، ليس للمقاومة بل للمساندة خفية، ففي رسالة الوالي للملك داريوس قدم التقرير التالي:
- أنهم يبنون بيت للإله العظيم [7].
- أن يدّ الله عامله معهم: يعملون بسرعة ونجاحٍ.
- قدم كشف الأسماء حتى لا يبدو أنه متواطئ معهم، أو مهمل في السؤال.
- قدم إجابة اليهود عن سبب بنائهم البيت أنه بأمر الملك كورش.
- لم يشر إلى إصدار قمبيز أمرًا بوقف البناء.
- طلب من الملك أن يبحث عن المنشور الملكي لكورش.
رسالة تتناي لداريوس ليست شكوى، إنما تحمل تقريرًا عما حدث بروح تحمل التقوى والمساندة! إنه عمل الله في النفوس التائبة، يجعل الأعداء يسالمونها. والعجيب أن الوالي لم يطلب إيقاف العمل لحين صدور الرد من الملك داريوس.
تصالح مع الله، فتتصالح مع نفسك وإخوتك، عندئذٍ يعمل حتى الأعداء لحسابك!
قيام حجي وزكريا النبيين 1-2.
فَتَنَبَّأَ النَّبِيَّانِ حَجَّيِ النَّبِيُّ وَزَكَرِيَّا بْنُ عِدُّو،
لِلْيَهُودِ الَّذِينَ فِي يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ،
بِاسْمِ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ عَلَيْهِمْ [1].
رأينا في الآيات الأخيرة من الإصحاح السابق أن الشيطان يقف بكل قوة ضد البناء، ونجح في إيقافالعمل، فهل للشيطان قوة أن يوقف عمل الله؟ قطعًا لا يستطيع ذلك ما لم نعطه نحن الفرصة لذلك. وبالرجوع إلى نبوة حجي النبي (حج 1 :3) نجد أن الشعب هو الذي أهمل بناء بيت الرب واهتم كل واحد ببناء بيته الخاص، بلبتغشية هذه البيوت، أي الاهتمام بزينتها اهتمامًا مبالغًا فيه. فالمنع الخارجي من الملك أرتحششتا لم يكن لهُ أنيوقف البناء إن لم يكن هناك تكاسل وإهمال من الشعب، وحينئذ يتوافق الهجوم الخارجي مع التكاسل الداخلي،ومع هذا فلم يترك الله الحال كما هو عليه.
أرسل الله نبيين ليتنبآ بقوة “باسم إله إسرائيل عليهم”. فروح الله ينبه للعمل “لا بالقدرة ولا بالقوة، بلبروحي، قال رب الجنود” (زك 4: 6). فالنبيان كان لهما سلطة وقوة من قبل روح الله، لأن غرضهما كان مجد اسمالله، لذلك كان لكلامهما تأثير قوي في تشديد الأيادي المتراخية.
يرى القديس أغسطينوس أن النبيين هنا وإن كانا قد شجعا الشعب على إعادة بناء الهيكل الذي تهدم، إلا أن ما كان يشغلهما هو إقامة هيكل الله في حياة الإنسان. يقول أيضًا أن من يبني بيت الرب في أعماقه يسبح الرب ليس بلسانه بقدر ما يسبحه بحياته ذاتها[51].
v اخرجوا من البيوت المزينة والمنحوتة بالشر، واصعدوا إلى جبل الأسفار الإلهية السماوية، واستخرجوا خشبًا من شجرة الحكمة، وشجرة الحياة، وشجرة المعرفة. اجعلوا طرقكم مستقيمة، ودبروا أعمالكم حتى تكون لائقة مفيدة ونافعة لبناء بيت الرب[52].
القديس أمبروسيوس
حِينَئِذٍ قَامَ زَرُبَّابَِلُ بْنُ شَأَلْتِئِيلَ وَيَشُوعُ بْنُ يُوصَادَاقَ
وَشَرَعَا بِبُنْيَانِ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ،
وَمَعَهُمَا أَنْبِيَاءُ اللهِ يُسَاعِدُونَهُمَا [2].
ربما فترت عزيمة كل من زرُبابل ويشوع أمام الضغوط الداخلية من الأغنياء والفقراء، حيث استهان الأغنياء ببناء بيت الرب، معطين الأولوية لبيوتهم. وفترت همة الفقراء بسبب الضيق المادي وإجحاف الأغنياء، وأيضًا أمام مقاومة الأعداء الخارجيين. لكن الله لا يترك أبناءه الأمناء، فأرسل نبيين عظيمين يسندان هذين القائدين ومن معهما للعمل الإلهي.
أنصت زرُبابل إلى الصوت الإلهي على لسان زكريا النبي: “هذه كلمة الرب إلى زرُبابل قائلاً: لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود. من أنت أيها الجبل العظيم، أمام زرُبابل تصير سهلاً. فيخرج حجر الزاوية بين الهاتفين: كرامةً، كرامةً له” (زك 4: 6-7). جاءت الدعوة لزرُبابل لتكملة البناء، فإنه فيما هو كان يبدأ في العمل رأى المبني الجديد، كنيسة العهد الجديد بكل جمالها وبهائها، هذا الذي يقيمه حجر الزاوية وسط هتافات الآباء والأنبياء، بل وكل السمائيين: كرامةً كرامةً، أي كرامة لرجال العهد القديم الذين طال انتظارهم لمجيئه، وكرامة لرجال العهد الجديد الذين يتمتعون بما اشتهى الآباء والأنبياء أن يروه.
عاد العمل للهيكل بقيادة زربابل ويشوع ونلاحظ وظائف المهتمين بالبناء:
١. نبيان هما حجى وزكريا.
٢. والٍ (ملك) هو زرُبابل بن داود.
٣. رئيس كهنة وهو يشوع.
أليست هذه وظائف السيد المسيح باني الهيكل الحقيقي، أي جسده وهو الأعظم من هيكل سليمان أو هيكلزرُبابل (حج 2: 9)؟
لاحظ أن موضوع نبوة حجى هو التوبيخ على إهمال بيت الرب والتشجيع على إعادة العمل، ولقد استجابزرُبابل ويشوع فعلاً.
كثيرًا ما تحدث الآباء عن زرُبابل بكونه رمزًا للسيد المسيح. فيرى يوسابيوس القيصري أن السيد المسيح هو زرُبابل الجديد، الذي أقام الكنيسة هيكل الله[53].
ويرى القديس أمبروسيوس أن زرُبابل الذي جعله الله خاتمًا (حج 2: 23) يشير إلى السيد المسيح – ملك السلام – الذي يختم الصورة الإلهية على النفس البشرية، فتصير شولميث (مؤنث سليمان).
v قيل له بطريقة سرائرية: “آخذك يا زرُبابل، وأجعلك كخاتمٍ لأني قد اخترتك” (حج 2: 23). لأنه عندما تصير نفوسنا في سلام يقال لها: “ارجعي، ارجعي يا شولميث” (نش 6: 13)، وتعني في سلام… عندئذ تتقبل المسيح مثل خاتم عليها، إذ هي صورة الله. فإنها بهذا تصير على صورة الله، إذ يصير الإنسان سماويًا[54].
القديس أمبروسيوس
عين إلههم عليهم 3-7.
فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ جَاءَ إِلَيْهِمْ تَتْنَايُ وَالِي عَبْرِ النَّهْرِ،
وَشَتَرْبُوزْنَايُ وَرُفَقَاؤُهُمَا،
وَقَالُوا لَهُمْ:
مَنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَبْنُوا هَذَا الْبَيْتَ،
وَتُكَمِّلُوا هَذَا السُّورَ؟ [3].
إذ أثمرت خدمة النبيين، والتهبت قلوب الكل للعمل، كانت عينا الله عليهم. حقًا لقد جاء إلي عبر النهر تتناي وكاتبه ورفقاؤهما يسألونهم عن العمل الذي يمارسونه، لكن بروحٍ جديدةٍ، ليس روح المقاومة والعداوة، إنما روح الاستفسار والمساندة. إذ كان يمكنهم إيقاف العمل بناء على الرسالة التي سبق فأرسلها ارتحششتا، وإنما تركوهم يعملون، وبعثوا برسالة لداريوس الملك تحمل روح طيبة.
تتناي: اسم فارسي معناه “هبة”. كان واليًا على المقاطعات الخاضعة لفارس غرب نهر الفرات في أيام داريوس الملك، مثل سوريا وكيليكية وصحراء العرب والسامرة وفينيقية، وكان زرُبابل يتبعه.
شتربوزناي: اسم معناه “كوكب لامع”، لعله كان كاتب الوالي أو ضابط فارسي تحت قيادة الوالي.
من أمركم؟ نستنتج من هذا السؤال أن أهل البلاد كانوا قد قدموا شكوى ضد اليهود، وجاء الوالي ليفحصالأمر.
حِينَئِذٍ أَخْبَرْنَاهُمْ بِأَسْمَاءِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَبْنُونَ هَذَا الْبِنَاءَ [4].
ما هي أسماء الرجال؟ من المؤكد أن هذا رد على سؤال الوالي الذي يسأل عن أسماء المسئولين عن العمل ليرسلتقريرًا للملك.
في اتزانٍ وبحكمة طلبوا أسماء العاملين حتى لا يتهمهم الملك بالإهمال والتواطؤ. فكان سؤالهم عن الأسماء وإرسالها إلى الملك يعطيه طمأنينة أنه ليس من تواطؤ قد حدث بين الوالي ورجاله وشيوخ إسرائيل.
في نفس الوقت يبدو أن أسلوب الوالي ومن معه أعطى طمأنينة للعاملين، فلم يخشوا أن يقدموا الأسماء، وإن يتحدثوا معهم في صراحة عن عمل الله معهم، مع خضوعهم للسلطات، وأن هذا العمل قام بناء على منشور كتابي من كورش الملك [11-13].
وَكَانَتْ عَلَى شُيُوخِ الْيَهُودِ عَيْنُ إِلَهِهِمْ،
فَلَمْ يُوقِفُوهُمْ حَتَّى وَصَلَ الأَمْرُ إِلَى دَارِيُوسَ،
وَحِينَئِذٍ جَاوَبُوا بِرِسَالَةٍ عَنْ هَذَا [5].
وراء هذه الأحداث عنصر هام يحركها: “كانت على شيوخ اليهود عين إلههم” [5]. وكما يقول المرتل: “هوذا عين الرب على خائفيه الراجين رحمته، لينجي من الموت أنفسهم وتحييهم في الجوع” (مز 33: 18-19). وأيضًا: “عيناي على أمناء الأرض لكي أجلسهم معي” (مز 101: 6). كما قيل: “لأن عيني الرب تجولان في كل الأرض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه” (2 أي 16: 9).
“عين إلههم” إذا كانت عين الله علينا فممن نخاف؟ فحين يرضى الله عن طريق إنسان يحيطه بعنايته ورعايته، وهو قادر أن يحيل قلوب الحكام غير المؤمنين ليعملوا ما يوافق مقاصده.
v “عيناي على أمناء الأرض لكي يجلسوا معي” (مز 101: 6). لم يقل المرتل: “على الأغنياء، أو الأباطرة أو الأساقفة أو الكهنة أو الشمامسة”، وإنما “على الأمناء”، أسكن معهم. الأسقف القديس من حقه أن يقول تلك الكلمات، إذ يقول: “لم أقمه كاهنًا لأنه يتذلل لي، أو لأنه قريبي، إنما جعلته كاهنًا لأنه أمين… “المتكلم بالكذب لا يثبت أمام عينيّ” (مز 101: 7)[55].
القديس جيروم
v في الحقيقة لم يقل القديسون قط إن أعمالهم ومجهوداتهم الذاتية هي التي ضمنت اتجاه الطريق الذي فيه يسيرون نحو التقدم والكمال في الفضيلة، بل بالحري صلّوا لأجلها أمام الرب، قائلين: “دربني في حقك”، و”درب طريقي في عينيك” (مز 25: 5؛ 6: 9). يعلن قديس آخر أنه اكتشف تلك الحقيقة ذاتها، لا بالإيمان فحسب، بل وبالخبرة أيضًا من عمق طبيعة الأشياء: “عرفت يا رب أنه ليس للإنسان طريقه، ليس لإنسانٍ يمشي أن يهدي خطواته” (إر10: 23). ويقول الرب نفسه لإسرائيل: “أقوده أنا كسروةٍ خضراء؛ من قِبلي يُوجد ثمرك” (هو14: 8)[56].
الأب بفنوتيوس
v تعمل نعمة الله (ورحمته) فينا دائمًا لما هو لخيرنا. وعندما تفارقنا تصير أعمال الإنسان ومجهوداته كلها بلا فائدة. فمهما جاهد الإنسان، وحاول بجديةٍ لا يقدر أن يستعيد حالته الأولى بدون مساعدة (الله). يتحقق هذا القول دائمًا فينا؛ أعني: “ليس لمن يشاء، ولا لمن يسعى، بل الله الذي يرحم” (رو 9: 16)[57].
الأب دانيال
v عناية الله تهتم بنا كل يوم، على مستوى الجماعة كما في الحياة الخاصة، سرًا وعلانية، حتى حينما لا نعرف عن تدبيره شيئًا[58].
v خُلقت كل الأشياء مبدئيًا لأجل نفع الكائن العاقل… الله ليس كما يظن صلسسCelsus يهتم فقط بالكون ككلٍ، بل بجانب هذا يهتم بكل كائنٍ عاقلٍ على وجه الخصوص. مع ذلك فعنايته بالكل لا تخيب، لأنه حتى إن انحل جزء من الكل بسبب خطية الإنسان العاقل يسعى الله من أجل تطهيره وتنقيته واستعادة الكون إليه[59].
العلامة أوريجينوس
“حينئذ جاوبوا”، أي تتناي ورفقاؤه جاوبوا اليهود بعدما وصل لهم أمر الملك.
صُورَةُ الرِّسَالَةِ الَّتِي أَرْسَلَهَا تَتْنَايُ وَالِي عَبْرِ النَّهْرِ،
وَشَتَرْبُوزْنَايُ وَرُفَقَاؤُهُمَا الأَفَرْسَكِيِّينَ الَّذِينَ فِي عَبْرِ النَّهْر،
إِلَى دَارِيُوسَ الْمَلِكِ: [6]
“الإفرسكيين” يجوز ترجمة الكلمة بالحكام.
بحق كانت رسالة الوالي تتناي منصفة، فقد حقق في الشكاوى التي وصلته، ولم ينحز ضد اليهود.
رسالة تتناي إلى داريوس 8-17.
تظهر يد الله الصالحة في هذه الرسالة، حيث لم يشر تتناي ومن معه إلى أمر أرتحششتا بإيقاف العمل، وإنما أشار إلى أمر كورش ببناء بيت الرب.
لِدَارِيُوسَ الْمَلِكِ كُلُّ سَلاَمٍ [7].
لِيَكُنْ مَعْلُومًا لَدَى الْمَلِك،ِ
أَنَّنَا ذَهَبْنَا إِلَى بِلاَدِ يَهُوذَا إِلَى بَيْتِ الإِلَهِ الْعَظِيم،ِ
وَإِذَا بِهِ يُبْنَى بِحِجَارَةٍ عَظِيمَة،ٍ
وَيُوضَعُ خَشَبٌ فِي الْحِيطَانِ.
وَهَذَا الْعَمَلُ يُعْمَلُ بِسُرْعَةٍ،
وَيَنْجَحُ فِي أَيْدِيهِمْ [8].
إنها يد الله التي سكبت المهابة على تنتاي ومن معه، فكتبوا بأسلوبٍ وقورٍ عن ما يفعله شيوخ اليهود. فمع أنهم وثنيون كتبوا: “ذهبنا إلى بيت الإله العظيم” [8].
مع أن البيت كان يُبني من أنقاض هيكل سليمان لكنهم كتبوا: “وإذا به يُبنى بحجارة عظيمة“، وكما جاء في سفر أخبار الأيام الأول: “وأقام نحات لنحت حجارة مربعة لبناء بيت الله” (أي 22: 2).
ما هي هذه الحجارة العظيمة إلا مؤمني العهد الجديد الذين بهم يُبنى هيكل الرب كما قال القديس بطرس الرسول. “كونوا أنتم أيضًا مبنيين كحجارة حية، بيتًا روحيًا، كهنوتًا مقدسٍا، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح” (1 بط 2: 5). إذ السيد المسيح هو الحجر الحي نُبني نحن عليه كحجارة حية. فكما هو حي نحن نحيا به (يو ١٤: ١٩). لقد جعلنا بيتًا روحيًا، مسكنًا لله بالروح (أف ٢: ١٨–٢١).
v أتظنون أنكم قادرون أن تصمدوا وتحيوا إن انسحبتم لتقيموا لأنفسكم بيوتًا (روحية) ومواضع مختلفة، وقد قيل لراحاب: “اجمعي إليك في البيت أباكِ وأمكِ وإخوتك وسائر بيت أبيكِ، فيكون أن كل من يخرج من أبواب بيتك إلى خارج، فدمه على رأسه، ونحن نكون بريئين؟![60]
الشهيد كبريانوس
v ما هو هدف هذا البناء؟ لكي يسكن الله في هذا الهيكل. كل واحد منكم هو هيكل، وكلكم معًا هيكل. الله يسكن فيكم بكونكم جسد المسيح وهيكل روحي. لم يستخدم الكلمة التي تعني مجيئنا نحن إلي الله، بل ما يعني أن الله هو الذي يحضرنا إلي نفسه. فإننا لم نأت من تلقاء أنفسنا، بل الله هو الذي قرّبنا إليه. يقول المسيح: “ليس أحد يأتي إلي الآب إلاَّ بي”، وأيضًا: “أنا هو الطريق والحق والحياة” (يو ١٤: ٦)[61].
القديس يوحنا الذهبي الفم
لم يكن ممكنًا لتتناي ومن معه إنكار الشهادة لعمل الله الذي “يُعمل بسرعة وينجح في أيديهم” [8].
“بيت الإله العظيم”: إن تتناي لم يعرف الإله الحقيقي، ولكن يد الله كانت عليه، فشعر بخوفٍ ورهبةٍ منالله، ولأنه خاف هذا الإله لم يجرؤ أن يوقف العمل، وسأل الملك هل يوقف العمل أم لا، أي ألقى بالمسئولية على الملك.ولأن تتناي هذا كان يعبد الأوثان قال الإله العظيم، لأن في نظره هناك آلهة كثيرة. ونلاحظ أن الله أوقع رعبه علىالوالي، لأن الشعب بدأ يعمل ويهتم، فلم يكن هناك سلطان للشيطان أن يوقف العمل، ولذلك مهما كان حجمالصعوبات، فهي تصغر جدًا أمام عمل يد الله، ولكن الله لا يتدخل ليعمل مع زرُبابل والشعب إن لم يتحرك زربابل نفسه والشعب للعمل (زك 7: 4). إن كانت المشاكل التي يثيرها الأعداء مثل الجبل تصير سهلة حينما يتدخل الله.
حِينَئِذٍ سَأَلْنَا أُولَئِكَ الشُّيُوخَ:
مَنْ أَمَرَكُمْ بِبِنَاءِ هَذَا الْبَيْت،
وَتَكْمِيلِ هَذِهِ الأَسْوَارِ؟ [9]
وَسَأَلْنَاهُمْ أَيْضًا عَنْ أَسْمَائِهِمْ لِنُعْلِمَكَ،
وَكَتَبْنَا أَسْمَاءَ الرِّجَالِ رُؤُوسِهِمْ [10].
عندما سأل والي المنطقة عن من أصدر لهم الأمر ببناء الهيكل، وعن أسماء العاملين، لم يرتبك العاملون، بل بقوة وشجاعة وفي أدبٍ قدموا الأسماء.
حينما يخاف الإنسان أو الجماعة الله، لا يخشون البشر، لأن الله نفسه في جانبهم يحوط حولهم، ويهبهم النجاح والنعمة أمام الآخرين. مخافة الله تطرد عنا مخافة البشر، بل وحتى الخوف من الشياطين.
v اخش الرب واحفظ وصاياه التي تقوّيك في كل أمورك، فلا يكون مثيل لأعمالك… لا تخف الشيطان إذا خشيت الرب، فإن خشيتك لله تعطيك سلطانًا على الشيطان[62].
هرماس
v ليتنا نخاف الرب ونُشيد منازل لأنفسنا، حتى نجد مأوى في الشتاء حيث المطر والرعد، لأن من لا منزل له يعاني من مخاطر عظيمة في وقت الشتاء.
الأب دوروثيؤس
v إرادة الله لا أن يخلّصك من المخاوف بل يحثّك على ازدرائها، فإن هذا أعظم من التخلُّص منها[63].
v لا يقدر أحد أن يؤذي إنسانًا ما لم يخطئ هذا الإنسان نفسه.
v كن صادقًا مع نفسك فلن يؤذيك أحد.
القديس يوحنا الذهبي الفم
وَبِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ جَاوَبُوا:
نَحْنُ عَبِيدُ إِلَهِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ،
وَنَبْنِي هَذَا الْبَيْتَ الَّذِي بُنِيَ قَبْلَ هَذِهِ السِّنِينَ الْكَثِيرَة،
وَقَدْ بَنَاهُ مَلِكٌ عَظِيمٌ لإِسْرَائِيلَ وَأَكْمَلَهُ [11].
لم يخشَ شيوخ إسرائيل من الإشارة إلى أن الأمر ببناء البيت منذ حوالي عدة قرون صدر من إله السماء والأرض قبل أن يُهدم، كما لم ينكروا فضل سليمان الحكيم في بنائه للبيت، إذ قالوا: “بناه ملك عظيم لإسرائيل وأكمله” [11].
بُني هيكل سليمان قبل هذه السنين أي قبل داريوس بحوالي ٥٠٠ سنة.
وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ أَسْخَطَ آبَاؤُنَا إِلَهَ السَّمَاءِ،
دَفَعَهُمْ لِيَدِ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ الْكِلْدَانِيِّ،
الَّذِي هَدَمَ هَذَا الْبَيْتَ،
وَسَبَى الشَّعْبَ إِلَى بَابِلَ [12].
في شجاعة وبروح الصراحة اعترفوا بأن السبي الذي حلّ بآبائهم أيام نبوخذنصر ليس بسبب قوة هذا الملك، وإنما بسبب سخط الله عليهم، لأنهم أغضبوه. السخط الذي سبق فصوره حزقيال النبي (حز 16: 35-43).
“بعد أن أسخط”، أي أن الله دفع الشعب ليد نبوخذنصر لأنهم أسخطوه بأفعالهم الشريرة، إذًا ليس أن آلهةبابل، قد انتصروا على الله بل أن الله أسلم شعبه ليد ملك بابل ليؤدب شعبه.
عَلَى أَنَّهُ فِي السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ مَلِكَ بَابِلَ،
أَصْدَرَ كُورَشُ الْمَلِكُ أَمْرًا بِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ هَذَا [13].
يدعوه هنا كورش ملك بابل مع أنه هو ملك فارس وتتبعه بابل بعد أن سقطت في يده.
حَتَّى إِنَّ آنِيَةَ بَيْتِ اللهِ هَذَا
الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ،
الَّتِي أَخْرَجَهَا نَبُوخَذْنَصَّرُ مِنَ الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ،
وَأَتَى بِهَا إِلَى الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي بَابِل،َ
أَخْرَجَهَا كُورَشُ الْمَلِكُ مِنَ الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي بَابِلَ،
وَأُعْطِيَتْ لِوَاحِدٍ اسْمُهُ شِيشْبَصَّرُ الَّذِي جَعَلَهُ وَالِيًا [14].
شيشبصر هو زربابل كما سبق فرأينا.
وَقَالَ لَهُ: خُذْ هَذِهِ الآنِيَةَ وَاذْهَبْ،
وَاحْمِلْهَا إِلَى الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ،
وَلْيُبْنَ بَيْتُ اللهِ فِي مَكَانِهِ [15].
حِينَئِذٍ جَاءَ شِيشْبَصَّرُ هَذَا،
وَوَضَعَ أَسَاسَ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ.
وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى الآنَ يُبْنَى وَلَمْ يُكْمَلْ [16].
“من ذلك الوقت إلى الآن يبنى”. العمل سبق وأن توقف، والآن هم يكملون، أي أن التوقف كان لفترةفقط.
وَالآنَ إِذَا حَسُنَ عِنْدَ الْمَلِكِ،
فَلْيُفَتَّشْ فِي بَيْتِ خَزَائِنِ الْمَلِكِ الَّذِي هُوَ هُنَاكَ فِي بَابِل،َ
هَلْ كَانَ قَدْ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ كُورَشَ الْمَلِكِ بِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ هَذَا فِي أُورُشَلِيمَ،
وَلْيُرْسِلِ الْمَلِكُ إِلَيْنَا مُرَادَهُ فِي ذَلِكَ [17].
بعد هذا العرض الصادق والأمين، طلب تتناي ومن معه أن يتأكد الملك من وجود منشور كورش الملك في سجلات الدولة، تاركًا الأمر في يد الملك ليصدر قراره، وأنهم تحت طوعه في كل ما يقوله.
من وحي عزرا 5
كلمتك هي سندي!
v أَرسلت حجي وزكريا النبيين يسندان القادة والشعب.
امتلأ الكل بروح القوة،
وانطلق الجميع للعمل بروح الشجاعة.
متى أرى بيتك المقدس قائمًا في أعماقي؟
كلمتك هي سندي القوي للقيام ببنائه.
وعودك الإلهية هي رصيدي!
v في مخافة أسلمك كل أموري،
فتطمئن نفسي وتستريح!
أنت تحرك كل الطاقات لبنيان نفسي.
أنت تعمل في الجميع لحساب ملكوتك في داخلي.
v يدك حركت الوالي تتناي ومن معه،
ويدك وجَّهت قلب داريوس الملك.
شهد الجميع أننا لك.
وفرح حتى الغرباء بعملك فينا!
v أخيرًا نعترف لك:
إن كل فشل لحق بنا هو يسبب خطايانا.
وكل نجاح يحل بنا هو من غنى حبك.
أنت سرّ نجاحنا وبنياننا!
تفسير عزرا 4 |
تفسير سفر عزرا |
تفسير عزرا 6 |
تفسير العهد القديم |