تفسير سفر هوشع ١١ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الحادي عشر

وسط رعود الدينونة نسمع من الله هنا فاصل من المحبة الرقيقة.

 

الآيات (1-4):

“لما كان إسرائيل غلاما أحببته ومن مصر دعوت ابني. كل ما دعوهم ذهبوا من أمامهم يذبحون للبعليم ويبخّرون للتماثيل المنحوتة. وأنا درّجت افرايم ممسكا إياهم بأذرعهم فلم يعرفوا أني شفيتهم. كنت اجذبهم بحبال البشر بربط المحبة وكنت لهم كمن يرفع النير عن أعناقهم ومددت إليه مطعما إياه”

الله يظهر هنا حبه لشعبه إسرائيل ويشبه العلاقة هنا بأنه أب حنون على ابنه المحبوب لديه ويشتاق أن يحرره من عبودية فرعون = من مصر دعوت ابني = ولكننا فهمنا من (مت15:2) أن هذه نبوة عن المسح ومعنى الصورة في آية (1) أن إسرائيل في مصر حين حرّره الله كان مازال غلاماً يحتاج لأن تمسك أمه بيده ليستطيع السير وليتعلم المشي = وأنا درجت أفرايم فماذا كان موقف الشعب في مقابل المحبة؟ كل ما دعوهم = الله أرسل لهم الأنبياء كمربية تُسْمِعَهُمْ صوت الله وتعاليمه وتدعوهم إلى الله لكنهم ذهبوا من أمامهم للبعليم = في منتهى الجحود. وكما سكن إسرائيل في مصر وكانوا في ضعف قليلي العدد هرب المسيح إلى مصر من وجه هيرودس وسكن فيها. فلم يعرفوا إني شفيتهم = لم يقدروا أن الله شفاهم من العبودية لفرعون وذهبوا لعبودية البعل. كنت أجذبهم بحبال البشر = جاءت هذه الآية في السبعينية” أنه كان يرفعهم كطفل إلى خديه وينحني ليقدم لهم طعاماً في افواههم” هذه الصورة لله كأب يحاول أن يجتذب إبنه الطفل ليحبه فيأتي لهُ بالحلوى وهذه هي حبال البشر والله صنع مع شعبه في مصر معجزات عديدة، وهكذا في البرية وفي دخولهم إلى أرض الميعاد، وذلك ليعرفوه ويحبوه، والله يهتم بأن نحبه، ففي محبة الله ننفك من عبودية إبليس = كنت كمن يرفع النير = الحرية من فرعون رمز للحرية من إبليس.

 

الآيات (5-7):

“لا يرجع إلى ارض مصر بل أشور هو ملكه.لأنهم أبوا أن يرجعوا. يثور السيف في مدنهم ويتلف عصيّها وياكلهم من اجل آرائهم. وشعبي جانحون إلى الارتداد عني فيدعونهم إلى العلي ولا أحد يرفعه”

شعبي جانحون إلى الإرتداد عني = يرتدون عن الله ولا شئ يمسكهم أو يوقفهم ومن مراحم الله أنه مازال يسميهم شعبي وهم تلقوا دعوة الأنبياء = يدعونهم إلى الله العلي ومع هذا ارتدوا فسقطوا في هوة الإنحطاط فعبادة الله ترفع للسماويات وعبادة الأوثان والخطية عموماً تنزل الإنسان إلى أحط الدرجات. وبالرغم من كل دعوات أنبياء الله لهم ليرتفعوا عن إنحطاطهم فهم جنحوا للإرتداد = ولا أحد يرفعه أي لعنادهم لم يستجيبوا لأحد. وفي (5) لا يرجع إلى أرض مصر = هم أرادوا عقد معاهدة مع مصر لتحميهم من أشور ورفضوا الرجوع لله. وهنا هم يختارون مصر حامياً وسيداً لهم. لكن الله يقول لا. هم حادوا بجنوح عني فسأختار أنا لهم السادة الذين يربونهم ويؤدبونهم. لن يرجعوا لحماية مصر وعبوديتها بل آشور هو ملكه = وأشور هذا لم يأتي باللين بل يثور السيف في مدنهم = إذاً هي حرب رهيبة وكلمة يثور في ترجمات أخرى جاءت (يجول) ويتلف عصيها = وفي ترجمة أخرى أغصانها وفروعها أي رؤساؤها وأمراؤها وهؤلاء ستنتهي سلطتهم كل هذا من أجل أرائهم = لأنهم أرادوا اللجوء لمصر وصلُّوا لأوثانهم عوضاً عن أن يرجعوا إلىَّ.

 

الآيات (8،9):

“كيف أجعلك يا افرايم.أصيرك يا إسرائيل.كيف أجعلك كأدمة.أصنعك كصبوييم.قد انقلب عليّ قلبي.اضطرمت مراحمي جميعا. لا اجري حمو غضبي لا أعود اخرب افرايم لأني الله لا إنسان القدوس في وسطك فلا آتي بسخط”

 حتى في لحظات التأديب لا يحتمل الله أن يرى شعبه متألماً، إذ ينقلب قلبه الحنون في داخله، وتضطرم نار مراحمه فيه = قد أنقلب علىَّ قلبي. اضطرمت مراحمي. والله في أسى يتساءل كيف أجعلك يا أفرايم.. ثم لا يكمل كأنه لا يريد أن ينطق بشئ ردئ على من أحبهم. لكن لأنه مضطر لإعلان التأديب يكمل كيف أجعلك كأدمة.. وصبوييم = (تك2:14 + تث22:29،23) وأدمة وصبوييم مدينتان في منطقة سدوم وعمورة وقد إحترقتا معهما بسبب شرهما وفي (9) تعود مراحم الله بالوعود بالإبقاء على نسل لإفرايم ولن تكون خراباً نهائياً مثل سدوم وعمورة. لا أجرى حمو غضبي = فهم يستحقون أكثر مما سيأتي عليهم لا أعود أخرب أفرايم = فإن القصاصات التي ستوقع على إفرايم لا تتناسب مع خطاياه والضربة التي ستوجه لن يتلوها ضربات أخرى فالله لا ينوى خرابها وإفنائها بل تأديبها  فهو لهُ بقية في أفرايم لأني الله لا إنسان = فالإنسان لا يرى إلاّ ما هو أمامه فقط، والصورة القاتمة التي عليها إسرائيل الآن تستحق عقوبة خراب نهائي كسدوم وعمورة لكن هذا حكم الإنسان. أماّ الله الذي يرى المستقبل كما نرى نحن الحاضر فهو يرى من نسل هؤلاء بقية ستؤمن به. إذاً لا يجب إهلاك الكل. بل فناء البعض وسبب هذا الفناء أن الله قدوس في وسط إسرائيل = فهو لا يحتمل الخطية وهو نار تحرق بسببها ولكن بحساب حتى لا تضيع البقية = فلا أتى بسخط = أي بدمار كامل.

 

الآيات (10-12):

“وراء الرب يمشون.كاسد يزمجر.فانه يزمجر فيسرع البنون من البحر. يسرعون كعصفور من مصر وكحمامة من ارض أشور فأسكنهم في بيوتهم يقول الرب. قد أحاط بي افرايم بالكذب وبيت إسرائيل بالمكر ولم يزل يهوذا شاردا عن الله وعن القدوس الأمين”

الله في تأديبه كما قلنا لن يفنى بل يؤدَّب وهو يؤدب هنا كأسد يزمجر. وهذا التأديب نتيجته أنهم وراء الرب يمشون ويسرعون وراءه كعصفور هم سيتركون أرض الأعداء ويذهبون لبلادهم وراء الله. وهذا حدث جزئياً في العودة مع زربابل فقد عاد معهُ يهوذا وكثيرين من إسرائيل أمّا تطبيق هذه الآيات الكامل فلم يحدث سوى مع المسيح “الأسد الخارج من سبط يهوذا ” (رؤ5:5) الذي أتى مزمجراً ضد الشيطان محرراً البنون من إسر إبليس فسار المؤمنون وراءه. وأسرع البنون من البحر = فنحن حصلنا على البنوية في المسيح والبحر هو هذا العالم. فإنطلق المؤمنين الذين حرَّرهم المسيح وراءه كعصفور إنطلق من حبسه وكحمامة من أشور = بحلول الروح القدس فيهم تحرروا من العبودية وأسكنهم في بيوتهم = أي في الكنيسة. وأمّا موقف اليهود من المسيح فهو واضح في (12) أحاطوا به بالكذب والمكر حتى صلبوه. ولم يزل يهوذا شارداً عن الله حتى الآن.

فاصل

فاصل

تفسير هوشع 10 تفسير سفر هوشع
القمص أنطونيوس فكري
تفسير هوشع 12
تفسير العهد القديم

 

زر الذهاب إلى الأعلى