تفسير سفر إشعياء ٢٢ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الثاني والعشرون
نجد النبي هنا ينذر بخراب أورشليم والويلات التي تحل بشعبها وبجليس الملك المتمتع بالسلطان، وتكشف عن عماهم فهم لا يميزون صوت الرب ولا يعرفون إرادته، فهو حين يدعوهم للبكاء (عدد 12) إذ بهم يفرحون، لذلك حين يعبر زمان التوبة فلابد أن يجني الشعب مر الثمر ويكابد عقاب دينونة. وكعادة إشعياء يأتي بنبوات مفرحة عن المسيح عقب ذلك.
آيات 1-4
آية (1) وحي من جهة وادي الرؤيا فمالك انك صعدت جميعا على السطوح.
وادي الرؤيا = هي أورشليم فطالما رأي فيها الأنبياء رؤي، وكان إسمها جبل صهيون وبسبب انحطاطها الروحي صارت وادي وفقدوا الرؤيا والرؤية بسبب خطاياهم “أخفي عن عينيك” ولأنهم فقدوا الرؤيا سمح الله لهم بتأديب لتعود العينان مفتوحتان. ويبدوا أن زمن هذه النبوة كان في أيام حصار سنحاريب لأورشليم. وكان سنحاريب قد أخذ جزية كبيرة، ففرح الشعب إذ ظنوا أن الخطر قد زال. ولكن الله يقول لهم إن الخطر لم ينتهي بعد لأنكم مازلتم بعد في الخطية. فمالك أنك صعدت علي السطوح = من يصعد علي السطوح ولا يبقي في المنازل هو من لم يعد يشعر بخطر، الله يقول لهم أن هذا شعور زائف بالأمان فلا أمان ولا سلام إلا بالتوبة وهم لم يتوبوا بعد.
آيات (2، 3) يا ملآنة من الجلبة المدينة العجاجة القرية المفتخرة قتلاك ليس هم قتلى السيف و لا موتى الحرب. جميع رؤسائك هربوا معا اسروا بالقسي كل الموجودين بك اسروا معا من بعيد فروا.
الجلبة = فهي إذاً مدينة ملآنة مظاهر وسطحيات وأفراح عالمية كالعالم.
القرية المفتخرة = هي تفتخر بقوتها وليس بالله. قتلاك ليس هم قتلي السيف = بل هم قتلي الخطية التي كل قتلاها أقوياء، وقد طرحت كثيرين جرحي حتى جميع رؤسائك هربوا = لم يهتموا بك إذ هم أسري، أسري شهواتهم وبالتالي أسري بيد أعدائهم.
آية (4) لذلك قلت اقتصروا عني فابكي بمرارة لا تلحوا بتعزيتي عن خراب بنت شعبي.
نري هنا مشاعر النبي الرقيقة ثانية وقارن مع من يضعف وأنا لا ألتهب.
آيات 5-8
آيات (5-7) أن للسيد رب الجنود في وادي الرؤيا يوم شغب و دوس و ارتباك نقب سور و صراخ إلى الجبل. فعيلام قد حملت الجعبة بمركبات رجال فرسان و قير قد كشفت المجن.فتكون أفضل أوديتك ملآنة مركبات و الفرسان تصطف اصطفافا نحو الباب.
نري هنا شعب ودوس وارتباك =هذه نبوة بعودة الحصار. عيلام وقير = حلفاء أشور. قد كشفت المجن = لأنه يكون مغطي أثناء السفر ويكشفونه وقت الحرب. فهذه نبوة بإعلان الحرب.
آية (8) و يكشف ستر يهوذا فتنظر في ذلك اليوم إلى أسلحة بيت الوعر.
ما سبب كل ما ذكر في الآيات (5-7) هل هو قدرة العدو الخارقة ؟! لا بل أن الرب كشف ستر يهوذا.. فالساكن في ستر العلي في ظل الإله القدير يبيت. الجبال حولها والرب حول شعبه. إذا السبب هو تخلي نعمة الله.
وتفهم الآية علي أنها (1) خراب المدن المحيطة بها فتنكشف أورشليم وقد خرَب سنحاريب فعلاً 46 مدينة في يهوذا.
(2) فضح خطاياهم، فالله يستر علي شعبه، لكن حين يغضب الله بسبب الخطية لا يعود يستر، وهذه إحدى طرق الله لعلنا نتوب وللأسف فقد ترك شعب يهوذا الله الذي هو سور من نار وذهبوا يبحثون عن تدعيم الأسوار الحجرية، لقد تجاهلوا ستر العلي. كانوا يفكرون في هدم البيوت لاستخدام ردمها في ترميم الأسوار المتشققة ولم يذكروا قول داود أبيهم. “إن لم يحرس الرب المدينة فباطلاً سهر الحراس”
بيت الوعر = بناه سليمان وهو مملوء أسلحة، هم ذهبوا يبحثون عن أسلحة مادية
آيات 9-16
آيات (9 – 11) ورأيتم شقوق مدينة داود أنها صارت كثيرة و جمعتم مياه البركة السفلى.و عددتم بيوت أورشليم و هدمتم البيوت لتحصين السور. و صنعتم خندقا بين السورين لمياه البركة العتيقة لكن لم تنظروا إلى صانعه و لم تروا مصوره من قديم.
مياه البركة = مياه أورشليم قليلة حتى اليوم. وقبل هذه الحادثة بنحو 34 سنة أهتم الملك أحاز بهذا الأمر
(أش 3:7) فكانوا يريدون تحويل المياه من خارج حتى لا يستفيد بها العدو إلي داخل أورشليم فيستفيدوا بها هم خلال الحصار. وعددتم بيوت أورشليم = لتعرفوا أي البيوت يهدم لتدعيم الأسوار بالحجارة الناتجة عن الهدم. بين السورين = أنظر الرسم. والله يلومهم هنا لاهتمامهم بتدبير المدينة والتحصينات ولكنهم لم يهتموا بالتوبة والرجوع إلي الله.
آيات (12، 13) ودعا السيد رب الجنود في ذلك اليوم إلى البكاء و النوح و القرعة و التنطق بالمسح. فهوذا بهجة و فرح ذبح بقر و نحر غنم أكل لحم و شرب خمر لنأكل و نشرب لأننا غدا نموت.
عوضا عن البكاء والتوبة التي دعا لها الله عاشوا في أفراح وأكل وخمر حتى لحظات الحصار نفسها.
آية (14) فأعلن في أذني رب الجنود لا يغفرن لكم هذا الإثم حتى تموتوا يقول السيد رب الجنود.
الله لا يغفر إلا لمن يتوب، ولن يغفر لهم لإصرارهم علي عدم التوبة.
آية (15) هكذا قال السيد رب الجنود اذهب ادخل إلى هذا جليس الملك إلى شبنا الذي على البيت.
شبنا = هو وزير حزقيا الأول ووزير المال. وكان من أنصار التحالف مع مصر وكان غريب الجنس فلم يذكر له أب وكان أناني جشع محتال طموح وكان متولياً أمور الهيكل ويقول التقليد أنه كان مزمعاً أن يخون حزقيا، واستغل منصبه للإثراء الشخصي وتعظيم الذات وبني لنفسه قبراً مع ملوك يهوذا ليخلد نفسه. وكان الله موشكاً أن يدينه ويحكم عليه بأن يموت في أرض غريبة فلماذا هذا الضريح ؟!… هنا نري الله ضد أعداء شعبه الخارجيين كأشور والداخليين كشبنا هذا. وشبنا هذا يرمز لضد المسيح الذي سيقيم في هيكل الله (2 تس 4:2) بينما نجد إلياقيم (آية 20) رمزاً للمسيح الذي يأتي في مجده ليبيد الضد بنفخه فمه. هذا الغريب المتولي أمور الهيكل هو رجسه الخراب (مت 24 : 15).
آية (16) ما لك ههنا و من لك ههنا حتى نقرت لنفسك ههنا قبرا آيةا الناقر في العلو قبره الناحت لنفسه في الصخر مسكنا.
مالك ههنا = تدل علي أنه غريب، وقارن مع تسمية إلياقيم بعبد الرب آية (20) وأب لسكان أورشليم آية (21).
آيات 17-23
آية (17-19) هوذا الرب يطرحك طرحاً يا رجل ويغطيك تغطية. يلفك لف لفيفه كالكرة إلى ارض واسعة الطرفين هناك تموت و هناك تكون مركبات مجدك يا خزي بيت سيدك وأطردك من منصبك ومن مقامك يحطك .
يلفك = يلفه بكل ما له كشيء عديم القيمة، ويقذفه بعيداً أسيراً إما لأشور أو لمصر. يا خزي بيت سيدك = لأنه غش حزقيا.
آية (20) و يكون في ذلك اليوم أني أدعو عبدي الياقيم بن حلقيا.
الله يؤدب الأشرار ويبيدهم مثل شبنا ولكنه يعطي وعده بظهور المخلص الذي يسكن أورشليم الجديدة. الياقيم = تعني من يثبته الله إشارة للمسيح الذي كرسيه إلي دهر الدهور. فبعد أن يقذف الله بضد المسيح ويبيده تعلن مملكة المسيح الأبدية.
آية (21) و البسه ثوبك و أشده بمنطقتك و اجعل سلطانك في يده فيكون أبا لسكان أورشليم و لبيت يهوذا.
الله يعطي له ثياب الملك عوضاً عن شبنا فيملك علي شعبه بالحب = أباً لا بالذل كما كان يحكم شبنا. وأما منطقته فهي لغسل الأرجل والتطهير. يبدو أن شبنا هذا كان معتزاً بمنصبه وسيادته وملابسه الملوكية حباً في السيطرة رمزاً لإبليس الذي سيجرد من كل سلطانه.
آية (22) واجعل مفتاح بيت داود على كتفه فيفتح و ليس من يغلق و يغلق و ليس من يفتح.
يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح قيلت عن المسيح نفسه (رؤ 3 : 7) والمفتاح لا يحمل علي الكتف إلا لو كان الصليب الذي فتح به لنا الله باب السماء وأغلق به علي إبليس في الهاوية في بحيرة النار.
آية (23) و أثبته وتدا في موضع أمين و يكون كرسي مجد لبيت أبيه.
وتدا = ليملك علي بيت يعقوب للأبد (بشارة الملاك). والوتد يستعمل لتثبيت الأشياء. والمؤمنين سيثبتون في المسيح ( أثبتوا فيَ..)
آيات 24-25
آيات (24 – 25) و يعلقون عليه كل مجد بيت أبيه الفروع و القضبان كل أنية صغيرة من أنية الطسوس إلى أنية القناني جميعا.في ذلك اليوم يقول رب الجنود يزول الوتد المثبت في موضع أمين و يقطع و يسقط و يباد الثقل الذي عليه لان الرب قد تكلم.
الفروع والقضبان = هم أولاد الخلاص يصيرون كالفروع في كرمته وعملهم هو تمجيد الرب. والأواني هم المؤمنين أيضاً (2تي 2 : 20،21) وقارن مع قول بولس “إذ لنا هذا الكنز في أوان خزفية. والمسيح هو السبب في كل مجد بيت أبيه. ويعلقون = أي ينسبون له السبب في كل هذا المجد لطاعته وفدائه الذي طهر به الآنية المثبتة في المسيح. وثبت الأغصان في الكرمة ومجد الآب بصليبه (يو 17 :4). وأيضاً بصليبه حولنا كمؤمنين لآنية كرامة لمجد أسم أبيه. في ذلك اليوم = يوم نهآية ضد المسيح أو إبليس أو شبنا كرمز. فكل من تعلق بهذا الغريب الجنس وجعله وتداً له (يشبع شهواته ولذاته) وأتكل علي الباطل (العالم بما فيه ورئيسه إبليس ) معتبراً إياه وتداً مثبتاً فإنه يزول رجاؤه فيه فيقطع الوتد ويسقط ويباد كل متكل عليه.
تفسير إشعياء 21 | تفسير سفر إشعياء القمص أنطونيوس فكري |
تفسير إشعياء 23 |
تفسير العهد القديم |