تفسير سفر إشعياء ٢٦ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح السادس والعشرون

 

هذا الإصحاح هو تسبيح البقية بسبب الخلاص من بابل الذي هو رمز للخلاص من عبودية إبليس. فالشعب المفدى المحرر يسبح بينما تسقط أسوار بابل.

آيات 1-6

آية (1)  في ذلك اليوم يغنى بهذه الأغنية في ارض يهوذا لنا مدينة قوية يجعل الخلاص أسوارا و مترسة.

المدينة القوية = أرض يهوذا = هي الكنيسة (أورشليم السماوية) والله هو سور لها يحميها، أعمال الله الخلاصية هي أسوار المدينة، لا يستطيع عدو الخير اقتحامها، لكنه هو يحاول إغراء من بالداخل. ولكن من يثبت في الله فهو غير قادر عليه. في ذلك اليوم = يوم الخلاص بالصليب.

 

آية (2) افتحوا الأبواب لتدخل الأمة البارة الحافظة الأمانة.

أفتحوا الأبواب = الأبواب تغلق من الخوف من الأعداء وتفتح في حالة السلام الأمة البارة= لو فهمنا أن الإصحاح يتكلم عن عودة اليهود فالبارة تعني أنهم هؤلاء الذين تخلوا عن عبادة الأوثان. ولو فهمناه عن الكنيسة فهي التي تبررت بالدم وبعد أن كانت مطرودة لخطاياها، قبلها الله وأدخلها بدمه وصار لها سلام.

 

آيات (3، 4) ذو الرأي الممكن تحفظه سالما سالما لأنه عليك متوكل. توكلوا على الرب إلى الأبد لان في ياه الرب صخر الدهور.

ذو الرأي الممكن = من استقر قراره علي اختيار الله والثقة فيه هذا يحفظه الله سالماً، هؤلاء هم ذوي أصحاب الهدف الثابت والعواصف لا تغير قرارهم. هنا نجد تأكيد يلذذ النفس أن الله يحفظ سلام شعبه كما حفظ الثلاثة فتية فتوكلوا علي الرب = فالرجاء به خير من الرجاء بالرؤساء.

 

آيات (5، 6) لأنه يخفض سكان العلاء يضع القرية المرتفعة يضعها إلى الأرض يلصقها بالتراب. تدوسها الرجل رجلا البائس أقدام المساكين.

هذه تساوي “أنزل الأعزاء من علي الكراسي ليرفع المتضعين”. (لو 1 :53)  يخفض سكان العلاء = بابل أو الرومان كرمز للشيطان وجنوده. و هذه نبوة بخراب كل متكبر علي شعب الله وكل عدو للكنيسة.

آيات 7-12

آية (7) طريق الصديق استقامة تمهد آية المستقيم سبيل الصديق.

الله طريقه مستقيم فليس عنده تغيير ولا ظل دوران، وهو يمهد سبيل الصديق.

 

آية (8)  ففي طريق أحكامك يا رب انتظرناك إلى اسمك و إلى ذكرك شهوة النفس.

الأتقياء ينتظرون الرب وهو يجري أحكامه وهو ينصر شعبه ولكنه قد يؤدب. لذلك علي شعبه أن ينتظر بثقة خلاصه، ينتظر وهو ينفذ وصاياه، فالوصية ليست ثقلاً بل هي علة فرح الإنسان المستقيم (مز 119 : 14، 16، 24 ) وفي تحقيق الوصية تلاق مع المسيح نفسه. والانتظار معناه أيضاً تسليم لأحكام الله بدون تذمر. ومن يسلم أمره لله منفذاً وصاياه يتمتع به كسر خلاص وحياة.

 

آية (9)  بنفسي اشتهيتك في الليل أيضا بروحي في داخلي إليك ابتكر لأنه حينما تكون أحكامك في الأرض يتعلم سكان المسكونة العدل.

التأمل في صفات الله يدفع للشوق إليه وأن يبكر الإنسان بالصلاة له (أم 8 : 17، 18) ومن أحكامه وكتابه المقدس نتعلم العدل. في الليل = في ليل هذا العالم تشتهي النفس اللقاء مع المسيح لأن النفس تعبت طول النهار من حر الشمس (ألام العالم) منتظرة في شوق أن تشرق عليها أفراح الأبدية.

 

آية (10) يرحم المنافق و لا يتعلم العدل في ارض الاستقامة يصنع شرا و لا يرى جلال الرب.

الله يمطر علي الأبرار وعلي المنافقين ولكنهم للأسف لا يشعرون بكل عطاياه بسبب عماهم الروحي الناشئ عن خطيتهم. في أرض الاستقامة يصنع شراً قد يصنع الأشرار خطاياهم بينما هم في الكنيسة. هؤلاء الأشرار سيحرمون من معاينة عزاء الرب هنا ومن مجده في الأبدية.

 

آية (11) يا رب ارتفعت يدك و لا يرون يرون و يخزون من الغيرة على الشعب و تأكلهم نار أعدائك.

ارتفعت يدك = بالضربات علي الأشرار ولعماهم الروحي لا يرون. يرون ويخزون = في النهآية سيرون ما حدث لهم من خراب ويخزون إذ يقارنون بالبركات والنصر الذي كان لشعب الله = يخزون من الغيرة علي الشعب. والغيرة هي غيرة الله علي شعبه، والله ينتقم لشعبه ويكون ناراً آكلة للأعداء.

 

آية (12) يا رب تجعل لنا سلاما لأنك كل أعمالنا صنعتها لنا.

كل أعمالنا صنعتها لنا = كل البركات التي نحن فيها صنعها الله لنا.

آيات 13-16

آيات (13، 14) آيةا الرب ألهنا قد استولى علينا سادة سواك بك وحدك نذكر اسمك.هم أموات لا يحيون أخيلة لا تقوم لذلك عاقبت و أهلكتهم و أبدت كل ذكرهم.

سادة سواك = هم إما ملوك بابل أو هم رمز لاستعباد الشيطان لشعب الله. هم يشتكون أن الله باعهم لسادة سواه يذلونه و الأصح أنهم بخطاياهم باعوا أنفسهم والله تركهم ليعرفوا الفرق بينه كسيد وبين الآخرين فهم اختاروا سادة يذلونهم والآن يقدمون توبة ويعودون لله. بك وحدك = أي بواسطة معونتك ننتصر عليهم نذكر إسمك = هذه فائدة التجربة أنهم عادوا لله، فهم تركوا الله ونسوه وقت أفراحهم وعادوا بسبب التجربة.

 

آيات (15، 16) زدت الأمة يا رب زدت الأمة تمجدت وسعت كل إطراف الأرض. يا رب في الضيق طلبوك سكبوا مخافتة عند تأديبك إياهم.

هذه نبوة برجوع اليهود من السبي وزيادة عددهم بعد أن طلبوا الرب في ضيقهم. وسكبوامخافته = أي صلوا بصلوات خافته لله، ونلاحظ قوله هنا سكبوا، ولكنهم في أفراحهم كانت صلواتهم قليلة بل نادرة وربما كانت كقطرات. ولما صلوا أرجعهم الله ووسع أمتهم و زادها. و لكنها نبوة أيضا علي الكنيسة و دخول الأمم وزيادة شعب الله، والرسل بلغت أصواتهم كل المسكونة. عموماً نري في هذه الآيات أن الضيق والتأديب يوسعان الأمة ويؤديان للنمو المستمر وهذا ما حدث في عصور الاستشهاد.

آيات 17-21

آيات (17، 18)  كما أن الحبلى التي تقارب الولادة تتلوى و تصرخ في مخاضها هكذا كنا قدامك يا رب.حبلنا تلوينا كأننا ولدنا ريحا لم نصنع خلاصا في الأرض و لم يسقط سكان المسكونة.

كان كل اجتهادهم في تخليص نفوسهم عبثاً، وما اكتشفوه في وقت الضيق ضعفهم، واحتياجهم كل الاحتياج إلي الرب. وعلي قدر تعبهم لم يسقط البابليين = سكان المسكونة. و هذا القول ينطبق تمام الانطباق روحياً فمهما جاهد الإنسان لوحده بدون الله للخلاص من خطية واحدة فلن يقدر. لأنه ليس بالقدرة ولا بالقوة (ليس بذراع إنسان ) بل بروحي يقول رب الجنود (زك 4 :6) وهل مهما حاول الإنسان يستطيع أن يعطي لنفسه قيامة ؟ بالطبع لا. ولكن سر القوة أن الله يعطي لأولاده قيامة (آية 19). فأولاد الله يتألمون و النتيجة مضمونة وهي القيامة، أما الأشرار فلن ينجبوا من أتعابهم وألامهم سوي الأنا وهذه ليست سوي ريح أو كبرياء فارغة.. و نلاحظ أنه شبه ألآلام هنا بأنها ألام ولادة، فمن يسمح الله بأن يتألم سيولد إنساناً جديد له أن يقوم من بين الأموات.

 

آية (19) تحيا أمواتك تقوم الجثث استيقظوا ترنموا يا سكان التراب لان طلك طل أعشاب و الأرض تسقط الأخيلة.

لننظر المفارقة فأعداء شعب الله أخيلة لا تقوم (آية 14)، أما شعب الله حتى وإن كانوا أمواتاً فسيحيون. وهذا النص هو أول نص صريح عن القيامة من الأموات. وهذا ينطبق علي إسرائيل وقت السبي فهم كانوا كأموات قامت أمتهم، وينطبق علي شعب الله قبل المسيح إذ كنا أموات.

طل أعشاب = شبه النبي اليهود بعشب كان قد يبس من الجفاف ثم نزل عليه المطر أي نعمة الله وإحساناته فأنتعش. والأرض تسقط الأخيلة = الأرض تخرج أمواتها إشارة لقيامة الأمة اليهودية، أو قيام الكنيسة،أو  قيامتنا بعد الموت.

 

آيات (20، 21)  هلم يا شعبي ادخل مخادعك و أغلق أبوابك خلفك اختبئ نحو لحيظة حتى يعبر الغضب. لأنه هوذا الرب يخرج من مكانه ليعاقب إثم سكان الأرض فيهم فتكشف الأرض دماءها و لا تغطي قتلاها في ما بعد.

هذه الآيات كأنها إجابة علي أسئلة الناس وهي “كيف تعدنا بالخلاص ونحن مازلنا في أحزاننا؟ هنا يدعوهم للدخول إلي مخادعهم ليتركوا العاصفة التي تشتت آخرين تقربهم لله أكثر. في المخدع نضع أنفسنا تحت الحمآية الإلهية، وسبق لنوح أن أحتمي بالفلك وقت الطوفان، واليهود احتموا في بيوتهم وقت مرور الملاك المهلك، وراحاب اختبأت في بيتها، ونحن الآن نختبئ في الكنيسة وفي مخادعنا أي بالعلاقة السرية مع المسيح. وفي الضيقة العظمي (وهذه في نظر الله لحيظة، بل حياتنا كلها علي الأرض لحيظة بعدها مجد أبدي) قد يكون علي الكنيسة أن تختبئ ولكن أين، هذا ما سيعلن وقتها. وحتى الموت فنحن به ننتقل إلي راحة نبقي خلاله لحيظة بلا أجساد بعدها نحصل علي الجسد الممجد. يخرج الرب من مكانه = عبارة تعني أن الرب سيعاقب أعداء شعبه وتظهر قوته في عقابهم، وينتقم لكل دم بريء سفك علي الأرض سواء قتل حتى الدم أو ظلم أو هلاك نفوس، هو سيعاقب لوياثان  (27 – 1) وكل من استجاب له وظلم شعبه. والله بدأ هذا بصليبه وسيتم عقاب لوياثان النهائي في اليوم الأخير (كو 2 : 14، 15 + رؤ 20 : 10).

 

زر الذهاب إلى الأعلى