تفسير سفر القضاة – المقدمة للقس أنطونيوس فكري

المقدمة                                           

  1. كلمة قاضى مأخوذة من أصل كنعانى والترجمة الدقيقة تفيد معنى قائد أو رئيس فالقضاة المذكورين فى هذا السفر ليسوا قضاة بالمفهوم العام لنا، فلم يكن عملهم القضاء وإصدار أحكام بحسب قانون معين لتحقيق العدل، وإنما رد البر وإعادته فى حياة الجماعة، والدفاع عن حقوق هذه الجماعة وتخليصها من الضيق الذى تسقط فيه.
  2. ظهر هؤلاء القضاة فى الفترة ما بين موت يشوع وبدء عصر الملوك (بداية بشاول) فكانوا ذوى سلطة ولكن ليس كالملوك، فكان الحكم إلهياً. بمعنى أن الله هو الملك الخفى للشعب، والقاضى يعمل كنائب لله. وكان كل سبط له رئيسه الذى يدبر أموره الخاصة، أمّا الأمور الكبرى التى تمس الجماعة على مستوى جميع الأسباط أو بعضها معاً كمحاربة الأعداء والتخلص من نيرهم فيرجع إلى القاضى.
  3. كانت فترة ظهور القضاة فترة محزنة بعد موت يشوع. فإن كان سفر يشوع قد أظهر حياة الجهاد والنصرة، نجد أنه بعد موته أن إنصرف الشعب للذات الوقتية ومشاركة الأمم عبادتهم الوثنية، وكان القاضى ليس لهُ أن يسن شرائع أو يضع أثقالاً على الشعب وإنما يحكم ويؤدب خاصة المنحرفين إلى العبادة الوثنية، ويقود المعارك ضد الأمم وكان ينظر للقاضى كمخلص يخلص الشعب من سطوة الأمم الوثنية ويكون ذلك بقيادتهم عسكرياً خلال التوبة والرجوع إلى الله مع الجهاد.
  4. لم يكن للقضاة أجور من الشعب ولا حرس ولا أتباع ولا أحد يخدمهم بل كل منهم ينفق على نفسه. وكان الله هو الذى يقيم القاضى، وأحياناً يختاره الشعب.
  5. سفر يشوع هو سفر الخلاص المجانى، إذ يتسلم يشوع قيادة الشعب ليدخل بهم أرض الموعد (رمزاً للمعمودية الأن) ولكن سفر القضاة يكشف عن حال غالبية المؤمنين إذ يتهاونون بعطية الله العظمى ويتراخون فى المطالبة بمواعيد الله المجانية، إذ فترت غيرة الشعب وإنصرف غالبيته إلى مشاركة الأمم الوثنية التى تركها فى وسطهم فى عبادتهم والتلذذ معهم بالخطية. ونرى فى هذا السفر أسلوب الله فى التعامل مع أولاده إذا أخطأوا “فمن يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل أبن يقبله عب 12 : 6” فالله لا يترك أولاده فى الرجاسات بل يؤدبهم. وهناك نجد الله يؤدبهم مستخدماً الأمم ذاتها كعصا تأديب قاسية، وكان متى يرجع الشعب يرسل لهم الله مخلصاً ينقذهم. إذاً هذا السفر هو سفر حياة كل مؤمن ذاق عذوبة الحياة الجديدة مع المسيح يسوع بكونها الأرض الروحية التى تفيض لبناً وعسلاً، ولكن عوض الإنطلاق فيها من قوة إلى قوة يتراخى روحياً ويرتد لحياة اللذة الجسدانية فيؤدبه الرب حتى يرده إبناً مقدساً.
  6. لقد أمرهم الله بإبادة الكنعانيين لكنهم إستبقوهم فصاروا عثرة لهم ونقلوا لهم وثنيتهم ورذائلهم بل كانوا سبب إرتدادهم. وهذه الشعوب هى (شعوب ما بين النهرين والموآبين والعمونيين والكنعانيين والمديانيين والفلسطينيين) ونلاحظ أن منهم شعوباً طلب الرب إبادتها وشعوب لم يطلب منهم ذلك بل طلب بعدم مصاهرتهم أو الأختلاط بهم وبأوثانهم. فكان أن إستخدم الرب هذه الشعوب لتأديبهم وإذلالهم فالخطية عقوبتها فى نفسها. وهذه الشعوب ضايقوا شعب إسرائيل على التوالى وفرضوا عليهم جزية صعبة. ولكنهم كانوا متى صرخوا إلى الله فى ضيقهم وتابوا، كان الله يشفق عليهم ويقيم لهم قادة يعطيهم شجاعة وحكمة خاصة فينقذوهم من تلك الضيقات ويكونوا ولاة أمورهم. وكان القضاة يمارسون وظيفتهم حتى نهاية حياتهم.
  7. غالباً كتب هذا السفر صموئيل النبى كما جاء فى التقليد اليهودى وقبله كثير من أباء الكنيسة. وقد كتبه بعد تأسيس النظام الملوكى (19 : 1 + 21 : 15) وقبل أن يضم داود أورشليم (1 : 21 + 2صم 5 : 6 – 8) ولذلك فقد تحدد زمن كتابته فى أيّام شاول الملك، وكان نبى ذلك الزمان هو صموئيل النبى. والأعتراض على هذه العبارة التى وردت فى 18 : 30 “إلى يوم سبى الأرض” فتصوّر البعض أن السفر كتب بعد السبى ورداً على ذلك نقول:

‌أ.        ربما تشير هذه الآية إلى أن السبى هو المقصود به أخذ الفلسطينيين لتابوت العهد (مز 78 : 60، 61 + 1 صم 4 : 11).

‌ب.    أضيفت هذه العبارة فى عصر لاحق للإشارة لوثنية دان. وممّا يدل ان السفر لم يكتب بعد السبى خلوه من آية كلمة كلدانية ومن المعروف أن عزرا فى أثناء تجميعه لأسفار العهد القديم كان يفعل ذلك.

  1. يمكننا القول أن فترة القضاة إتسمت بالإرتداد، ولكن وُجِدت قلة من المؤمنين عبدوا الله كما يشهد بذلك وجود خيمة الإجتماع فى شيلوه (18 : 31) والاحتفال بالعيد السنوى (21 : 19) ووجود رئيس الكهنة والإهتمام بتابوت العهد (20 : 27-28) وتقديم ذبائح لله (13 : 15،16..) وممارسة الختان والنذور (14 : 3 + 15 : 18+ 11 : 30).
  2. مع أن هناك بعض النواحى الإيجابية التى تشير لوجود بعض المؤمنين إلا أنها فى مجملها تظهر بصورة باهتة جداً حتى أننا لا نسمع عن اللاويين سوى مرتين إقترنوا بفضائح وظهر وجود رئيس الكهنة كمرور عابر وهذا يعبر عن:

‌أ.        إنحدار الحالة الدينية.

‌ب.    لإظهار شخص المسيح كقاضى وديان وليس رئيس كهنة. فالمسيح هو القاضى الحقيقى لنا.

  1. المسيح حين يقوم بدوره كرئيس كهنة فهو الشفيع الكفارى ولكنه فى هذا السفر يظهر بصورة القاضى الذى يؤدب شعبه إذا أخطأ وينقذهم إذا تابوا. وفى خلاصهم بيد القاضى نرى صورة المسيح المخلص القوى الذى ينقذنا من عبودية الخطية والشيطان. ولكن إذا أخطأنا يسمح للشيطان أن يضرب الجسد لتخليص الروح (1كو 5 : 5).
  2. أحداث هذا السفر تبدأ بوفاة يشوع وتنتهى بموت شمشون أو قبيل بدآية صموئيل ويصعب جداً تحديد مدة هذه الفترة من خلال السفر نفسه، لأنه لو جمعنا الفترات التى حكم فيها القضاة مع فترات الضيق أو العبودية للأمم حيث لم يكن يوجد قضاة لوجدناها 410 عاماً هذا بفرض أن القضاة جاءوا على التوالى وتحسب هكذا :

‌أ.        العبودية لكوشان رشعتايم                8 سنين.

‌ب.    قضاء عثنئيل                             40 سنة.

‌ج.     العبودية لعجلون                          18 سنة.

‌د.       سلام فى أيام أهود وشمجر               80 سنة.

‌ه.       مضايقة يابين                    20 سنة.

‌و.      فترة قضاء دبورة وباراق                40 سنة.

‌ز.      الإستعباد لمديان                          7 سنوات.

‌ح.     فترة قضاء جدعون                       40 سنة.

‌ط.     حكم أبيمالك (ليس قاضياً)                3 سنوات.

‌ي.    فترة قضاء تولع                          23 سنة.

‌ك.     فترة قضاء يائير                          22 سنة.

‌ل.     مضايقة العمونيين لهم                    18 سنة.

‌م.       فترة قضاء يفتاح                         6 سنوات.

‌ن.     فترة قضاء إبصان              7 سنوات.

‌س.   فترة قضاء إيلون                10 سنوات.

‌ع.     فترة قضاء عبدون              8 سنوات.

‌ف.   الإستعباد للفلسطينيين           40 سنة.

‌ص.فترة قضاء شمشون             20 سنة.

ولكن هذا هو الغالب بالتأكيد أن القضاة لم يخلفوا بعضهم الأخر بل كان يعاصر أحدهم الأخر. وكان كل قاضى مسئول عن جزء من البلاد وليس كل البلاد، أى أن سلطة القاضى كانت لا تشمل كل الأسباط. إذاً سلطة القضاة كانت محلية وليس على مستوى الشعب كله ولم يمثل القضاة حلقة متصلة كالملوك ونلاحظ أن:-

أهود ويفتاح وإيلون ويائير شرق الأردن

باراق وتولع                                                       شمال كنعان

عبدون وسط كنعان

أبصان وشمشون جنوب كنعان

ولذلك تحدد فترة القضاة بحوالى 200-300 سنة ولا يمكن تحديدها بالضبط.

  1. نلاحظ يد الله الرحيمة بالرغم من خطايا شعبه ففترات التأديب والعبودية كانت (8 + 18 20+7+3+18+40 = 114 سنة). بينما فترات السلام (410-114 = 296 سنة). وكأن فترات الضيق حوالى ربع المدة كلها.
  2. القضاة الأخرون الذين خارج هذا السفر هما عالى وصموئيل النبى.
  3. يظهر فى السفر عمل الروح القدس بقوة، روح القوة الذى به إنتصر القضاة على الأمم وهو بذاته الروح النارى الذى يعطينا النصرة لا بعمل بشرى إنما بعمله فينا.
  4. ينقسم سفر القضاة إلى 3 أجزاء :

‌أ.        حال الشعب بعد يشوع (مقدمة السفر) ص 1-2.

‌ب.    عصر القضاة من عثنئيل إلى شمشون = ونجد فيه ضيق الشعب بسبب خطاياهم تم نجاتهم العجيبة حين يتوبون بواسطة القضاة ص 3-16.

‌ج.     حادثتان أثناء عصر القضاة. يدلان على مدى إنغماس شعب إسرائيل فى الوثنية وفسادهم والمصيبة التى حلّت بسبط بنيامين لأنه حمى فاعلى الشر ص17-21.

فاصل

سفر القضاة : 123456789101112131415161718192021

تفسير سفر القضاة: مقدمة123456789101112131415161718192021

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى