تفسير مراثي إرميا أصحاح ١ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الأول
أية 1:- كيف جلست وحدها المدينة الكثيرة الشعب كيف صارت كارملة العظيمة في الامم السيدة في البلدان صارت تحت الجزية.
قارن مع (أش21:1) “كيف صارت القرية الأمينة زانية” ولأنها صارت زانية فهى قد صارت وحدها. فالله فارقها فلا شركة للنور مع الظلمة. ولذلك صارت كأرملة (تيطس خلدَ ذكرى إنتصاره على أورشليم بسك عملة عليها صورة إمرأة جالسة تحت نخلة ومكتوب عليها “أسر اليهودية “) بعد أن كانت عظيمة فى الأمم. فعظمتها كانت راجعة لوجود الله فيها. (زك5:2) والمدينة جلست وحدها فشعبها فى السبى أو هلك موتاً. وحتى ملكها ذهب للسبى. ولاحظ أنها فى حالة إزدهارها لم تكن تتصوَر حدوث كل هذا. هكذا كل خاطىء لا يتصوَر أن كل ما حوله سيتحول إلى خراب بل أن هذا العالم سينتهى قارن مع (أش8:47)، (رؤ7:18) ولاشك أنها وهى ملآنة من الشعب كانت فى فرح، ولكن الخطية تحول الفرح إلى حزن. تحت الجزية = مستعبدة.
أية 2:- تبكي في الليل بكاء و دموعها على خديها ليس لها معز من كل محبيها كل اصحابها غدروا بها صاروا لها اعداء.
من كل محبيها = محبيها هم الأمم الذين كانت أورشليم تنتظر منهم الحماية والذين طالما إتكلت عليهم. فملعون من يتكل على ذراع بشر. وهكذا كل من أفراحه وعزاءهُ من العالم سيَغْدر بهِ العالم ولن يكون هناك سوى البكاء فى الليل فلن يكون هناك نهار.
أية 3:- قد سبيت يهوذا من المذلة و من كثرة العبودية هي تسكن بين الامم لا تجد راحة قد ادركها كل طارديها بين الضيقات.
كل من رفض أن يسوده الله سيصير لهُ سادة آخرين غير الله مثل الشياطين أو الشهوات وهذه تُذل الإنسان. أما من يترك الله يسود عليه يحرره الله. ولنلاحظ ان الخطية تجلب العبودية. وهى تسكن بين الأمم الأن = فهى أى شعبها فى السبى وأورشليم نفسها محكومة ومستعبدة للأمم. وقارن هذه مع “واحدة سألت من الرب وإياها التمس أن أسكن فى بيت الرب كل أيام حياتى لكى أنظر إلى جمال الرب” (مزمور4:27) فالذى حرره الرب من عبودية الخطية يستطيع أن يرى جمال الرب ويفرح. أما من إستعبد نفسه للخطية يُذل هذا الإنسان ساكناً بين الأمم مشابهاً لهم فى أهوائهم. ولا يجد راحة. فمن عاش وسط الخطاة يتعلم طرقهم فلا يجد راحة. وبعد أن تعوَدت أورشليم أن تطرد وتهزم أعدائها ها هى قد أدركها كل طارديها بين الضيقات = أصبحت مهزومة مطاردة ممن أحبتهم. وفى ضيقات كثيرة.
أية 4:- طرق صهيون نائحة لعدم الاتين الى العيد كل ابوابها خربة كهنتها يتنهدون عذاراها مذللة و هي في مرارة.
طرق صهيون نائحة = الطرق التى إعتادت على الشعب فى الذهاب والإياب للهيكل فى أفراحهم وأعيادهم الدينية، أصبحت الأن بلا شعب وبلا أعياد “ها بيتكم يترك لكم خراباً”.
أية 5:- صار مضايقوها راسا نجح اعداؤها لان الرب قد اذلها لاجل كثرة ذنوبها ذهب اولادها الى السبي قدام العدو.
صار مضايقوها راساً = أى على رأسها (تث13،44:28) وذلك بسبب خطيتها.
أية 6:- و قد خرج من بنت صهيون كل بهائها صارت رؤساؤها كايائل لا تجد مرعى فيسيرون بلا قوة امام الطارد.
هنا العدو كصياد وأورشليم هاربة من أمامه. فهؤلاء الذين أعطاهم الله كرامة بوجوده فى وسطهم فكان لهم بهاء صاروا محتقرين فى إزدراء، فالله لم يعد فى وسطهم فلم يعد لهم بهاء.
أية 7:- قد ذكرت اورشليم في ايام مذلتها و تطوحها كل مشتهياتها التي كانت في ايام القدم عند سقوط شعبها بيد العدو و ليس من يساعدها راتها الاعداء ضحكوا على هلاكها.
هذه الأية تشبه تماماً قصة الإبن الضال. فهم عاشوا فى وفرة وتنعم والأن يهلكون جوعاً. وهى فى حزنها تذكر كل ما كان لها سابقاً. والله قادر أن يجعلنا نعرف قيمة الشىء بأن نحتاج لهُ.
أية 8:- قد اخطات اورشليم خطية من اجل ذلك صارت رجسة كل مكرميها يحتقرونها لانهم راوا عورتها و هي ايضا تتنهد و ترجع الى الوراء.
هى صارت رجسة بالدم المسفوك (مرا13:4-15) وبوثنيتها (أر23:2) وظلمهم للفقراء هم جعلوا أنفسهم تافهين لذلك إحتقرهم العدو بعد أن كانوا يكرمونهم. لأنهم رأوا عورتها عموماً الخطية تفضح وتُعرى كما حدث مع آدم. وبالنسبة للمدن فهذا التعبير يشير أن العدو تجسس نقاط الضعف فى المدينة (تك11،9:42) هنا النبى يعترف بخطية المدينة وبان العدو عرف نجاساتها التى هى سبب ضعفها. وترجع إلى الوراء = تنهزم أمام أعدائها.
أية 9:- نجاستها في اذيالها لم تذكر اخرتها و قد انحطت انحطاطا عجيبا ليس لها معز انظر يا رب الى مذلتي لان العدو قد تعظم.
نجاساتها فى أذيالها:- اى ملتصقة بها من الأرض فهى لم تَعُدْ سماوية بل أرضية تدنس نفسها ولم تذكر آخرتها = هكذا كل من يخطىء يذكر لذة لحظة الخطية ولكن يجعله الشيطان ينسى آخرة الخطية وهى عبودية وذل وحزن على الأرض وهلاك أبدى بعد الموت. وقد انحطت = بسبب العبودية وليس لها مُعَز = فمنهم من لا يقدر ومنهم من لا يريد فهو شامت فيها. ولكن إذا كان الله لا يُعزى فمن يفعل. ثم دعوى لمراحم الله حتى ينظر لمذلتها.
أية 10:- بسط العدو يده على كل مشتهياتها فانها رات الامم دخلوا مقدسها الذين امرت ان لا يدخلوا في جماعتك.
أعطى الله للإنسان طاقات ومواهب وقوة ولكن بالخطية وعدم التوبة يستعبد الإنسان للشيطان فيبسط يده على كل عطايا الله التى هى مشتهيات النفس. بل يدخل الشيطان لهذه النفس التى كانت مقدساً… قارن مع حادثة شاول الملك “وذهب روح الرب من عند شاول وبغته روح ردىء من قبل الرب” (1صم14:16). وبالنسبة لأورشليم فالله كان قد منع أن الأمم يدخلون للمقادس أى داخل بيت الله. ولكن الأن هم دخلوا بل خربوا البيت وهدموه. والإنسان هو هيكل الروح القدس ولكن المستعبد للخطية تتحكم فيه الشياطين وهذا ثمن الخطية فالله وحده يعطى بسخاء ولا يعير. ولأن المسيح لم يقبل أى خطية من يد إبليس قال “رئيس هذا العالم آتٍ وليس لهُ فى شىء”.
أية 11:- كل شعبها يتنهدون يطلبون خبزا دفعوا مشتهياتهم للاكل لاجل رد النفس انظر يا رب و تطلع لاني قد صرت محتقرة.
مشتهياتهم = الكلمة المستخدمة تعنى الأطفال الأعزاء. فهم دفعوا أطفالهم ليحصلوا على الخبز. لأجل ردَ النفس = أى لتحيا النفس ولا تموت. ولكن ” ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان “مرة ثانية هذه قصة الإبن الضال. أما ” الجياع والعطاش للبر فطوباهم لأنهم يشبعون”.
أية 12:- اما اليكم يا جميع عابري الطريق تطلعوا و انظروا ان كان حزن مثل حزني الذي صنع بي الذي اذلني به الرب يوم حمو غضبه.
أما إليكم يا جميع عابرى الطريق = المعنى هل هو لا شىء لكم يا جميع من يشاهدون منظرى هذا. تقولها أورشليم لأصدقائها ليواسوها. ولكن خطايا يهوذا هى التى جلبت عليها هذا الحزن الذى أذلها به الرب يوم حمو غضبه. إذاً فيد الله هى السبب فى كل هذا وهو عادل فيما يصنع. وأنه لشىء مخيف أن يكون سبب الألم هو غضب الله. وهو فى غضبه يسكب ناراً. وكان هذا جزاؤهم العادل على تركهم الرب. ولكن المسيح أحنى رأسه تحت غضب الله هذا وهو البار “الذى لم يعرف خطية صار خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه” فهو رجل الأوجاع وأتصور أن المسيح يردد هذه الكلمات على الصليب. يا كل من تشاهدوننى مصلوباً أحتمل هذه النار لأجلكم اما تهتمون وتقدمون توبة فهذا يُسَكِن ألامى. ولكن من إنغمس فى خطايا العالم لا يكاد يشعر بالام المسيح ولا يشعر أنها لأجله بل هى لا تهمه فى شىء وقد قال أحد الملحدين ساخراً من ألام المسيح، لو أن هناك من يوجعه ألم فى أسنانه أثناء مرور موكب الصلب لما شعر بألام هذا المصلوب والمعنى أنه إن كان المسيح قد تألم فهذا لا يعنينى، تكفينى ألامى أنا الشخصية. ولكن هذا منطق الجاهل الذى لا يعلم ان هذه الألام هى لأجل البشرية ولنا فى تعليق شاعر الهند العظيم طاغور وهو وثنى رداً على ذلك ولكنه رد يدين كل مسيحى مستهتر فقد قال “أنا لا أعلم كيف ينام المسيحيين وهم يعلمون أن لهم إلهاً جاز كل هذه الألام لأجلهم” لقد شرب المسيح كأس غضب الله الرهيبة ليقدم لى كأس الخلاص.
أية 13:- من العلاء ارسل نارا الى عظامي فسرت فيها بسط شبكة لرجلي ردني الى الوراء جعلني خربة اليوم كله مغمومة.
ناراً إلى عظامى = فالله فى حمو غضبه يُرسِل ناراً. ومعنى نار فى العظام شىء يشبه الحمى الرهيبة، حمى غير طبيعية كما لو كانت تحرق. وفى تصوير آخر أن الله أرسل عليها شبكة كلما حاولت الخروج منها تزداد إشتباكا ًفيها. فالعدو ما كان ينجح ضدهم إن لم يبسط الرب شبكته عليهم. وهذه النار التى نزلت على المسيح كانت لتنجينا نحن من نار الأبدية.
أية 14:- شد نير ذنوبي بيده ضفرت صعدت على عنقي نزع قوتي دفعني السيد الى ايد لا استطيع القيام منها.
هذه الأية عن البشر الخطاة وهذا النير من صنع خطايانا فنحن لا نسقط تحت أى نير إن لم يَكُن من صنع خطايانا (أم22:5) وهذا نير ثقيل، أما نير المسيح فخفيف (مت30:11) والنير هو الذى يضعه على الشيطان حين أقبل الخطية من يده. اما لو رفضت وقدمت توبة يرحمنى الله من نير الخطية وأرتبط معهُ هوبنيره فأتحرر من عبودية إبليس.
أية 15:- رذل السيد كل مقتدري في وسطي دعا علي جماعة لحطم شباني داس السيد العذراء بنت يهوذا معصرة.
داسها أعدائها المتكبرين كما يدوسون معصرة عنب ولم يعطها الله قوة لتقوم فهو الذى أراد هذا. ولننظر كيف أن الخطية تضعف القوة = شبانى ومقتدرى رذلوا وتحطموا.
أية 16:- على هذه انا باكية عيني عيني تسكب مياها لانه قد ابتعد عني المعزي راد نفسي صار بني هالكين لانه قد تجبر العدو.
ما الذى جعل العدو يتجبر عليها إلا أن الله إبتعد عنها = إبتعد عنى المعزى. وهو المعزى الوحيد الذى يرد النفس ويعزيها. وحتى كهنتها وشيوخها لا يستطيعون فهم بلا تعزية أيضاً.
أية 17:- بسطت صهيون يديها لا معزي لها امر الرب على يعقوب ان يكون مضايقوه حواليه صارت اورشليم نجسة بينهم.
لطالما خلَص الله يعقوب من مضايقيه، أما الأن فكل هذا بسبب عصيان يعقوب. وهنا صهيون تمديدها لجيرانها، فى يأس تطلب عوناً ولكن إذا إبتعد الله فمن يعزى. بل إن من حواليها إعتبروها كإمرأة نجسة يخجلون من الإقتراب منها. فقد فضح الله خطيتها.
أية 18:- بار هو الرب لاني قد عصيت امره اسمعوا يا جميع الشعوب و انظروا الى حزني عذاراي و شباني ذهبوا الى السبي.
شبانها الذين كانوا أملها الوحيد أن ينقذوها. ذهبوا للسبى. ولكن ها هى تعترف بأن الله بار فى أحكامه ضدها. وتعترف بعصيانها.
أية 19:- ناديت محبي هم خدعوني كهنتي و شيوخي في المدينة ماتوا اذ طلبوا لذواتهم طعاما ليردوا انفسهم.
محبى = هم مصر وأشور. ولكن ويل لمن وضع ثقته فى إنسان. فهو كمن يضع ثقته فى سراب. أما من يضع ثقته فى الله فالله لن يخونه ولن يغشه. وكهنتها وشيوخها ماتوا فهم أيضاً قد إنفصلوا عن الله فصاروا بلا تعزية = إذ طلبوا لذواتهم طعاماً ليردوا أنفسهم المعنى أنهم هم أنفسهم يبحثون عن طريق التعزية ولكن للأسف أين يبحثون فى المدينة = هم كانوا يبحثون عن تعزيات ولذات جسدية لذلك فقدوا التعزية الحقيقية وفاقد الشىء لا يعطيه.
أية 20:- انظر يا رب فاني في ضيق احشائي غلت ارتد قلبي في باطني لاني قد عصيت متمردة في الخارج يثكل السيف و في البيت مثل الموت.
أحشائى غَلَت = أى مشاعرى وأحاسيسى إضطربت. هذا إعتراف بأن ضيقها سببه التمرد.
أية 21:- سمعوا اني تنهدت لا معزي لي كل اعدائي سمعوا ببليتي فرحوا لانك فعلت تاتي باليوم الذي ناديت به فيصيرون مثلي.
العمونيين والموأبيين أعدائها سمعوا ببليتها وفرحوا وشمتوا. وهذا موقف الشيطان من الإنسان. وسيأتى اليوم الذى يصيرون مثلى = هم يذهبون للنار الأبدية أما أولاد الله فهو يفديهم.
أية 22:- ليات كل شرهم امامك و افعل بهم كما فعلت بي من اجل كل ذنوبي لان تنهداتي كثيرة و قلبي مغشي عليه.
إعتراف بذنوبها. وطلب بعقاب أعدائها وهذه نبوة بما سيحدث لهم.
مقدمة | تفسير مراثي إرميا القمص أنطونيوس فكري |
تفسير مراثي إرميا 2 |
تفسير العهد القديم |