تفسير سفر اللاويين ٢٥ للقمص تادرس يعقوب ملطي
الأصحاح الخامس والعشرون
شرائع الحرية الداخلية
أعلن الله غايته نحو الإنسان بالدخول به إلى الأعياد ومحافل مقدسة مستمرة ليتقبل الله نفسه كعيد له ينبوع فرحه وتحريره. ففي الأصحاح السابق حدثنا عن الفرح والشبع، والآن يحدثنا عن الحرية الداخلية خلال بعض الشرائع التي تمس الفقراء والعبيد والحقول والبيوت.
1. شريعة السنة السابعة [1-7].
2. شريعة سنة اليوبيل [8-22].
3. شرائع بيع الأراضي [23-28].
4. شرائع بيع البيوت [29-33].
5. شرائع قروض الإخوة [35-38].
6. شريعة العبد العبراني [39-43].
7. شريعة العبد الأجنبي [44-46].
8. شريعة العبراني المستعد لأجنبي [47-55].
1. شريعة السنة السابعة:
إهتم الله بحفظنا للسبت لتقديس كل بقية أيام الأسبوع، وبنفس الفكر إهتم أن نحفظ سبت السنوات أي السنة السبتية أو السنة السابعة، في هذه السنة لا يجوز زرع الأرض أو حصدها حتى الأشجار المثمرة، إنما يجوز الزراعة في حدود تقديم الجزية أو الضريبة، وأيضًا ما هو للتقدمات كحزمة الترديد ورغيفي التقدمة وخبز الوجوه. كما يصرح بحرث الأرض وتهيئتها للزراعة، وبالصيد والتجارة وتربية النحل… إلخ.
أما غاية السنة السبتية فهي:
أولاً: من الجانب الزراعي، لم يكن لليهود أو آبائهم خبرة في هذا المضمار، ففي مصر عاشوا كرعاة غنم، ورأوا المصريين يزرعون الأرض سنويًا وأحيانًا أكثر من مرة في السنة بسبب خصوبة الأرض وطمي فيضان النيل، أما أرض فلسطين فتحتاج أن تترك كل فترة لتستعيد قوتها ولا تستهلك.
ثانيًا: من الجانب الإنساني والإجتماعي، فإن السنة السبتية هي سنة الشركة العامة، فيستطيع الفقير والغريب بغير خجل أن يدخل أي حقل ويجمع ما تبقى من السنوات السابقة ويقطف من أشجار الفاكهة ما يريد… وكأن الأرض في السنة السابعة تصير مشاعًا للكل، أن يقطف ما يريد دون أن يقوم بالتخزين أو تحويلاً إلى منتجات أخرى كالنبيذ… إلخ، حتى بالنسبة لصاحب الأرض. ولا تقف الشركة عند البشر وحدهم، بل تترك الحيوانات حتى البرية منها لتتمتع بنصيبها من منتجات الأرض بلا عائق.
هذا ومن ناحية أخرى كانت هذه السنة راحة للجميع، ليس فقط للرجل وعائلته، وإنما حتى العبيد والأجير والغريب بل والحيوانات أيضًا.
يرى البعض أن هذه السنة هي سنة إبراء فيها يتحرر العبيد من الرق… وإن كان البعض يرى أن التحرر يتم في السنة السابعة من شراء العبد، وليس بالضرورة في السنة السبتية العامة.
ثالثًا: من الجانب الروحي فهي سنة راحة من العمل اليومي للإنشغال بالعمل الروحي، ففي هذه السنة تقرأ فصول من الشريعة في عيد المظال (تث 31: 10-13) لكي تكون أشبه بذخيرة للسنة كلها… وكانت القراءة تتم بطقس جميل فيه يسلم رئيس المجمع التوراة لرئيس الكهنة، وهذا بالتالي يسلمها للملك الذي يقف ليقرأ الشريعة على الشعب في مهابة. بعد القراءة يعطي رئيس الكهنة البركة للشعب، سائلاً من أجل الشريعة والخدمة والإعتراف والتمتع بمغفرة الخطايا ومن أجل أورشليم والهيكل والشعب والكهنوت المقدس.
هذا وكانت السنة السبتية تعتبر درسًا عمليًا في الإيمان أن الله يبارك في إمكانياتهم ويشبعهم، وأن سرّ البركة لا في كثرة العمل وإنما في رضا الله…
2. شريعة سنة اليوبيل:
كما يقدس الإنسان اليوم السابع ليبارك الرب كل أيام الأسبوع، والشهر السابع ليبارك كل الشهور، والسنة السابعة ليبارك الست سنوات الأخرى، فإنه يقدس أيضًا السنة الخمسين التي تأتي كسبت لكل وحدة تتكون من سبع سنوات، هي سبت أسابيع السنين، لذلك يعتبر هذا العيد “اليوبيل” هو كمال النظام السبتي، وضعه الرب لشعبه.
كلمة “يوبيل” من أصل يوناني تعني “قرن“[306]، إذ كان يعلن عنها خلال النفخ في بوق في اليوم العاشر من الشهر السابع، إذ تبدأ بعيد الكفارة.
دعى هذا العيد بسنة العتق (حز 46: 17)، ففيه يتم عتق العبيد وترجع الأراضي المباعة والمرهونة إلى أصحابها، والدائنون يعفون عن المدينين… لذلك كان هذا العيد الذي يتكرر كل خمسين عامًا من أروع الأعياد وأبهجها على نفوس الشعب.
أما طقس هذا العيد فهو:
أولاً: “تقدسون السنة الخمسين وتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها، تكون لكم يوبيلاً، وترجعون كل إلى ملكه وتعودون كل إلى عشيرته” [10]. هذا هو أبرز ما في الطقس، ألا وهو عتق الأرض وتحريرها، فيسترد كل إنسان أرضه وتسترجع كل عشيرة ممتلكاتها من بيوت قروية أو حقول سواء كانت قد بيعت أو رهنت، وكان غاية ذلك الآتي:
أ. يشعر الكل بالغربة [23]، فإن كان قد اغتنى واستطاع بماله أن يرهن أو يشتري نصيب غيره، يتركه في السنة اليوبيلية بإرادته قبل أن يترك الكل كل شيء بغير إرادتهم. ولعل السنة اليوبيلية تحمل ظلاً للحياة الأبدية حيث لا يوجد فيها غنى وفقير بل يفرح الكل بنوال نصيبه دون طمع فيما هو للغير.
ب. تأكيد أن الأرض هي ملك للرب [23]، وهبها لنا لنستغلها لكن ليس على حساب إخوتنا الفقراء، فنرد لهم نصيبهم ليس منحة منا إذ هي ليست ملكنا بحق بل ملك الرب.
ج. أن يحتفظ كل سبط وكل عشيرة وكل أسرة بنصيبه في الأرض التي وهبت لهم على يدي موسى النبي ويشوع بن نون.
ثانيًا: وضع لهم مبدأ هامًا للتعامل: “فمتى بعت صاحبك مبيعًا أو اشتريت من يد صاحبك فلا يغبن أحدكم أخاه” [14]. يلزم ألا يستغل أحد اليوبيل فيبيع أرضه قبل الموعد بثمنها ليستردها في السنة الخمسين، إنما يُقدر ثمن البيع حسب المدة الباقية لحلول اليوبيل، فلا يغبن أحد الآخر. وفي نفس الوقت لا يليق بالمشتري أن يستغل احتياج البائع فيقدم ثمنًا بخسًا، إنما ليقيم الثمن حسب النفع الذي يعود عليه خلال الفترة الباقية حتى عيد اليوبيلي. ليكن التعامل لا على أساس بلوغ أكبر مكسب من الغير وإنما على أساس خشية الرب، إذ يقول “فلا يغبن أحدكم صاحبه بل إخش إلهك، إنيّ أنا الرب إلهكم” [17]. وكأن كل غبن لإخواتنا هو إهانة للرب نفسه الذي يدافع عن المظلومين والمغبونين.
ثالثًا: سنة اليوبيل كالسنة السبتية، سنة راحة، إذ قيل: “لا تزرعوا ولا تحصدوا زريعها ولا تقطفوا كرمها المحول (أي الباقي عليها من الحول أو السنة السابقة)” [11]. هذا التصرف يقوم على جانب إيماني، أن الله يعولهم ببركته، أكثر مما يتمتعون به هم بعملهم، إذ يقول: “فإنيّ آمر ببركتي لكم في السنة السادسة فتعمل غلة لثلاث سنين” [21]. أكد لهم أن حصاد السنة السادسة يكون ثلاثة أضعاف يكفيهم أيضًا في السنة السابعة والثامنة حتى يأتي حصادها في بدء التاسعة…
إن كان الله يطالبنا بالعمل لكننا في العمل إنما نتكئ على بركة الرب نفسه واهب الخيرات.
3. شرائع بيع الأراضي:
إذ وزع موسى ويشوع الأراضي لتمتلكها الأسباط، كان كل سبط وكل عشيرة وكل أسرة تلتزم ما استطاعت أن تحتفظ بأرضها كعلامة لتعلق القلب لا بأرض الموعد بل بالأرض الجديدة أي الحياة الأبدية، كنعان العليا، وقد ظهر هذا بقوة في قصة نابوت اليزرعيلي الذي عرض حياته للموت ولم يسلم بستان آبائه بالرغم من إغراءات الملك له.
إن اضطر أحد أن يبيع أرضه فإنه يستطيع هو أو وليه أن يفك الأرض [25]، كما فعل بوعز حين فك أرض أليمالك وتزوج بإمرأة إبنه “راعوث” ليهب للميت إبنًا ويتمتع بميراث جده.
يستطيع الإنسان أو وليه أن يفك الأرض في أي وقت بعد أن يدفع الثمن الذي يتناقص مع مرور السنوات لأجل استغلال المشتري للأرض… فإن لم يستطيع الإنسان أو الولي أن يفي يأتي اليوبيل لترجع الأرض لصاحبها مجانًا.
إن كنا قد فقدنا ميراثنا الأبدي بسبب الخطية، مقابل شهوة أرضية أو جسدية كما باع عيسو باكورته مقابل أكلة عدس، فإننا لم نستطع أن نفي نحن ولا ولينا الأول أي الناموس بل فقدنا كل شيء حتى جاءت سنة اليوبيل، السنة الخمسون، حيث أرسل الرب روحه القدوس في عيد العنصرة في يوم الخمسين، وصار لنا حق استرداد أرضنا الروحية بعد أن دفع السيد المسيح دمه ثمنًا للفكاك.
في دراستنا السابقة[307] رأينا رقم 50 يُشير إلى “الحرية” وهذه التي ننالها بالروح القدس الذي يرفع نفوسنا وقلوبنا وأفكارنا وكل حواسنا كما بجناحي حمامة لنرتفع نحو السمويات، متحررين من رباطات العالم وإغراءاته وفخاخه! لتكن أيامنا كلها يوبيلاً مستمرًا، فيه ننعم بالروح القدس الناري ملتهبًا بلا انقطاع، هذا الذي استراح فينا في سر الميرون، وهو يهبنا الحرية في المسيح يسوع، مثبتًا إيانا فيه، لا ليكون لنا أرض ميراث بل يكون لنا موضع في حضن الآب.
ما هي هذه الأرض أو هذا الحقل الذي بيع لكن تم فكاكه إلاَّ كنيسة الله التي باعها قادة اليهود لحساب كرامتهم وشبعهم الزمني، لكن في ملء الزمان جاء السيد المسيح الولي الحقيقي الذي فكها مقدمًا دمه ثمنًا للكنيسة (رؤ 5: 9).
4. شرائع بيع البيوت:
يقدم لنا الوحي الإلهي شرائع تخص بيع البيوت أو رهنها وكيفية فكها من الرهن، مقدمًا لنا خلال الحرف مفاهيم روحية عميقة تمس حرية نفوسنا الداخلية. وقد ميزت الشريعة بين أربع حالات:
أولاً: المنازل التي في المدن المسورة [29-30].
ثانيًا: المنازل التي في القرى [31].
ثالثًا: منازل اللاويين في مدنهم [32-33].
رابعًا: حقول اللاويين [34].
أولاً: المنازل التي في المدن المسورة:
إذا باع إنسان ما بيته في مدينة (مسورة) يستطيع أن يفك البيت خلال سنة من بيعه، هو أو وليه أو وريثه إن كان قد مات. بهذا يعطي الفرصة للبائع الذي اجتاز ظرفًا قاسيًا أن يرجع ويستقر مع عائلته في منزله. فإن لم يفك البيت خلال سنة من البيع يستحوز عليه المشتري ولا يرده حتى في اليوبيل لأن البائع ووليه وورثته قد أضاعوا الفرصة على أنفسهم، فيلزم أن يُعطي للمشتري حقه في الإستقرار. أما سبب عدم رد البيوت التي في داخل المدن في اليوبيل، فلأن المنازل لم تُعط للشعب بالقرعة مثل الأراضي بل بنوها بأيديهم حسب إرادتهم.
ثانيًا: المنازل التي في القرى:
أما بالنسبة للمنازل المقامة في مدن غير مسورة أي في قرى، فيمكن أن تُفك خلال عام كالسابقة، فإن لم يستطع البائع أو وليه أو ورثته على الفكاك يبقى البيت حتى سنة اليوبيل ليرده إلى البائع أو عائلته إن كان قد مات. لعل الحكمة في هذا أن هذه البيوت هي في حقيقة أمرها ملحقات لأراضٍ زراعية أو أراضٍ للرعي لا يمكن فصلها عنها، فلكي يبقى كل سبط محتفظًا بأرضه مع ملحقاتها ترد الأراضي ومعها المباني الزراعية.
ثالثًا: منازل اللاويين في مدنهم:
يؤكد الوحي الإلهي: “وأما مدن اللاويين بيوت ومدن ملكهم فلها فكاك مؤبد للاويين” [33]. كأن اللاوي إذا اضطر لبيع قطعة أرضه السكينة أو بيته يستطيع في أي وقت مطلقًا أن يفكها، لا يفقد حقه في الفكاك حتى إن مضى عام على البيع. وإن قام أحد إخوته من اللاويين بالفكاك يبقى المنزل تحت يده حتى سنة اليوبيل فيرده إلى صاحبه الأصلي [33].
رابعًا: حقول اللاويين:
كانت مدن اللاويين تحيط بها مسارح بعرض ألف ذراع من حدود المدينة من كل جهة من الجهات الأربع. والمسارح تحيط بها حقول بعرض ألفي ذراع من كل جهة، تخصص المسارح لإقامة الحظائر الخاصة بحيوانات اللاويين وأغنامهم أما الحقول فيزرعونها لا لاستغلال الزراعة للبيع أو التجارة. وكان لا يجوز للاويين أن يبيعوا شيئًا من مسارحهم أو حقولهم فهي ملكهم أبديًا.
المفهوم الروحي لبيع البيوت وفكاكها:
يعلق القديس بولس الرسول على الشريعة الخاصة بالإهتمام حتى بالثور فلا يكم وهو يدرس ليأكل مما يدرسه (تث 25: 4) وبقوله: “ألعل الله تهمه الثيران؟! أم يقول مطلقًا من أجلنا أنه من أجلنا مكتوب: لأنه ينبغي للحراث أن يحرث على رجاء وللدراس على الرجاء أن يكون شريكًا في رجائه” (1 كو 9: 9-10). بنفس الروح نقول: ألعل الله تهمه البيوت والحقول؟! أم هي كتبت لأجلنا بكوننا بيت الله المقدس وحقله؟!
يقول العلامة أوريجانوس: [لنسرع ونطبق شرائع البيوت علينا، فإننا متى تبعنا شريعة المسيح لا يُسمح لنا بملكية أرض أو منازل في مدينة، فماذا إذن تعني هذه الشريعة الخاصة بالبيوت؟ إن كان لا يسمح لنا أن نملك أكثر من ثوب (مر 6: 9)، ولا أن نجمع مالاً كثيرًا، إذ مكتوب: “إن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما” (1 تي 6: 8)… إذن فلنتأمل الشرائع الخاصة بالبيوت التي في مدن مسورة أو التي في قرى بلا أسوار.
في مواضع أخرى في الكتاب المقدس تستخدم كلمة الله تعبير “بيت” بمعنى سري فيقال عن يعقوب في مدحه: “كان يعقوب إنسانًا كاملاً (بسيطًا) يسكن الخيام” (تك 25: 27)، ومن ناحية أخرى مكتوب عن القابلتين: “وكان إذ خافت القابلتان الله أنه صنع لهما بيوتًا” (خر 1: 21)، وكأن صنع البيوت لهما كان بسبب مخافتهما لله… إذن ما هو هذا البيت؟ ما هذا البناء الذي يعرض له بولس الرسول في أكثر وضوح بقوله: “إننا نعلم أنه إن نُقِض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السموات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد أبدي” (2 كو 1: 5). هذا هو البيت الذي لا يستطيع أحد أن يبنيه ما لم تكن له مخافة الرب. هذا هو البيت الذي لا يقدر أحد أن يقيمه أو يسكنه إن لم يحمل بساطة الروح ونقاوة القلب. لكن إذ يحدث عادة أن الذي يقيم بيتًا سماويًا بأعماله الصالحة وسلوكه الحسن واستقامة إيمانه يسقط في خطية يكون كمن نقل أعماله لآخر… “فإن نالت يده ووجد مقدار فكاكه” [26]، أي مقدار هذا؟! إنه بلا شك دموع التوبة الغزيرة، وممارسة العمل الصالح، ففي هذه السنة، التي يمكن أن تفهم على أنها السنة التي أعلن عنها المسيح “سنة مقبولة” (إش 49: 8، 2 كو 6: 2)، يسمح فيها بنوال المغفرة والتمتع بالخلاص للذين يعترفون بخطاياهم[308]].
ماذا يعني بالبيوت التي في مدن محاطة بأسوار؟ لعلها تعني أولئك الذين يقولون مع الرسول بولس: “سيرتنا نحن هي في السموات” (في 3: 2)، وكما نعلم أن أورشليم السماوية محاطة بسور (رؤ 21: 14)، فمن بلغ الحياة السماوية وتذوق عربون المجد الأبدي ليحذر لئلا يبيع بيته بالخطية خاصة التي تمس إيمانه فيفقده… وإن سقط فليسرع لئلا تعبر سنة حياته فيفقد بيته أبديًا ولا يمكن استرداده!
أما صاحب البيت الذي في قرية بلا أسوار فيرى العلامة أوريجانوس أنه يُشير إلى الذين يسلكون في بساطة قلب ويتعرضون لأخطاء عابرة مستمرة… وهم في حاجة إلى توبة مستمرة غير منقطعة حتى لا يفقدوا ميراثهم الأبدي.
بالنسبة لبيوت الكهنة واللاويين أو حقولهم فيقول العلامة أوريجانوس[309] عن الكاهن أنه يمثل النفس المكرسة للرب، واللاوي يمثل من كان في حضرة الرب بلا توقف وفي خدمة إرادته. الكاهن يمثل كمال الإيمان والفهم، واللاوي يمثل كمال الأعمال. مثل هذه النفوس المقدسة خلال الإيمان الحيّ العامل إن تعرضت لأي خطأ تتمتع بالغفران والفداء، بيوتهم الداخلية تفتدي على الدوام وحقولهم لا تمس. إن انتزعت عنهم بيوتهم يكون هذا مؤقتًا تفتدي في أي وقت لترجع إليهم. وكما يقول العلامة أوريجانوس: [ملكية القديسين وبيوتهم لا تضيع أبدًا، ولا تنزع عنهم قط. إذ كيف يمكن أن ننزع عن الكهنة البيت الذي تأسس “على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه هو حجر الزاوية” (أف 2: 20)… لكن إن باع البيت لمشتٍر دنيء أي للشيطان… الله لا يسمح! فإنه يفتدي نفسه سريعًا، ويسترها مادام يوجد وقت للسترة وموضع للتوبة. لنطلب بإلحاح ألا نفشل في التمتع بالمسكن الأبدي، لنتأهل لقبولنا في المساكن الأبدية (لو 16: 9) بالمسيح يسوع الذي له كل مجد وكرامة إلى الأبد آمين[310]].
5. شرائع قروض الإخوة:
كما اهتم الله بحريتنا الداخلية معبرًا عنها خلال شرائع السنة السبتية [1-7] وشرائع اليوبيل [8-22]، خاصة تحرير الأرض والبيوت [23-33]، فإنه يودنا أن نحمل سماته فنشتهي حرية الآخرين. فإن كان إنسان عليه دين وقد قصرت يده عن سداد الدين وفوائده [35]، سواء كان هذا الأخ يهوديًا أو غريبًا أو متهودًا، يلزم الترفق به وعدم طلب الربا أو الفائدة منه.
هكذا تحرم الشريعة الموسوية الربا أي الفائدة، والمرابحة وهي نوع من الربا في شكل نوال محاصيل أو هدايا وليس في شكل مال نقدي… هذا التحريم يقوم على أساس أن الدين قدم لإنسان في احتياج. الأمر يختلف بلا شك إن كان القرض أعطى لإنسان غني يستخدمه في إضافة أرباحه أرباحًا، لذا يوضح الكتاب أن المدين قد “قصرت يده عنك” [35].
6. شريعة العبد العبراني:
سبق لنا الحديث بتوسع عن شريعة العبد العبراني وتحريره بعد ست سنوات، فإن رفض تثقيب أذنه بمثقب عند الباب، فيبقى عبدًا بإرادته حتى سنة اليوبيل، ورأينا هذا العبد يُشير إلى السيد المسيح الذي وهو سيد الكل قبل أن يصير عبدًا وقد أعلن قبوله لا بثقب أذنه بل بجراحاته حتى يحررنا فيه وننعم بالبنوة لله[311].
7. شريعة العبد الأجنبي:
إن كان الله قد ترفق بشعبه وطالب الإخوة ما استطاعوا أن يحرروا إخوتهم من العبودية، فلماذا سمح لهم باستعباد الشعوب الغريبة؟
أولاً: الله لم يأمر بالعبودية لكنه سمح لهم بها في حدود معينة تحت ظروف خاصة، وهي تأديب الساقطين في الشر، حتى يدركوا عبوديتهم المُرّة للخطية وذلهم الداخلي لعدو الخير. لذلك قيل: “ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لإخوته” (تك 9: 25).
ثانيًا: حمل هذا المفهوم للسلطان الروحي، فالمؤمن يحمل سلطانًا مستعبدًا جسده بكل طاقاته وإمكانياته، وكأنه يسمع هذا الوعد الإلهي: “من يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية فسأعطيه سلطانًا على الأمم” (رؤ 2: 26). فإن كان سقوط الأمم تحت العبودية يكشف عن عبوديتهم للخطية، فإن سيادة المؤمن في العهد القديم كانت تُشير إلى سلطانه الروحي لا على الآخرين بل على نفسه.
8. شريعة العبراني المستعبد لأجنبي:
إذا اغتنى غريب واشترى عبرانيًا قد افتقر، يليق بعمه أو إبن عمه أو أحد أقاربه أن يفكه من العبودية ويعتقه منها، وإن استطاع الشخص نفسه أن يفك فليفعل ذلك. والعجيب في هذه الوصية إنه يطالب من يفك أخاه العبراني ألا يغبن الأجنبي بل يدفع له ما يستحقه، مقدار الثمن حسب الخدمة الباقية كعبد حتى سنة اليوبيل.
إنه كان يحثهم على فك إخوتهم وإنقاذهم من المذلة لكن دون غبن للغرباء!
سفر اللاويين – أصحاح 25
تفاسير أخرى لسفر اللاويين أصحاح 25
تفسير لاويين 24 | تفسير سفر اللاويين القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير لاويين 26 |
تفسير العهد القديم |