تفسير سفر أيوب أصحاح 10 للقديس يوحنا ذهبي الفم

الإصحاح العاشر
بقية رد أيوب
نفسي انقلبت بالمرارة

١- قال أيوب إن نفسى تعبت من التأوه على ذاتها، وسأنفت غضبى وسأعبر عما أريد قوله في مرارة نفسي لأننى مثقل” (١:١٠).

ولكن أيوب نفسه قال قبلاً : إنه لا يوجد مانع من أن يجيب الإنسان عن واحد من ألف من كلماته (انظر (۹ (۳)، فكيف يمكن لأيوب أن يتكلم هنا هكذا ؟

إنه قال أنا سأتكلم فى مرارة نفسى بحيث أنه ليس هو المتكلم إنما مرارته بقدر ما خواطر أيوب تسمح له أن يقول.

ماذا يعنى هذا ؟

«لو فقط يوجد من يحكم بيننا» (۳۳:۹)

ليس لكي يفحص حياته بالكامل ويُظهر أنه يتألم ظلماً، فهو في الواقع لم يقل هذا، لأنه قال مراراً فى كل ما سبق أنه يعانى بسبب آثامه» انظر ۱۲: ۷). إنما هو يريد أن يوضح أن مثابرته على محاولة الصمود تضيع بسبب ضعف نفسه، فهكذا قال إشعياء «أنت سخطت ونحن ضللنا» (إش ٦٤: ٥ بحسب النص)، كما فى نص آخر يقول «لماذا أضللتنا يا رب عن طرقك؟» (إش ٦٣: ۱۷). إنه قال : إننى أخشى أن أسقط أو انقلب وخفت أن أُجبر ذات يوم على نطلق كلمات تجديف أو حتى انتحر.

٢- قال أيوب ” وسأكلم الرب قائلاً: لا تدعنى أن أكون غير تقى ولماذا تحاكمني هكذا؟ أحسن في عينيك أن أكون أثيماً؟ لأنك جحدت عمل يديك (٢:١٠ – ٣).

إنه لم يقل: أنت جحدت البار، الرجل الفاضل، إنما قال أنت جحدت عمل يديك».

“وانتبهت لمشورة الأشرار” (تابع ۳:۱۰)

إن كنت عاقبتنى بسبب خطایای فكيف تنتبه لهم؟

۳- هل تنظر من فوق كما ينظر (إنسان) مائت أم تنظر كما ينظر بشر؟ أو هل أيامك كأيام الإنسان أمر سنوك كسنوات الرجل؟ (٤:١٠، ٥).

ألم يطالب الله بمعاقبة كل الخطايا؟ إذ هكذا يكون الترافع عن الحق.

٤- قال أيوب ” لأنك تبحث عن إثمى وتقتفى إثر خطاياى (٦:١٠).

ها أنت ترى أنه لم يرد الدفاع عن العدل بفكرة أنه بتصرفه بطريقة (قضائية) محضة، لكنه قال: إنما لأن هذا الكرب لا يفيدنى شيئاً وأخشى أن يضربني. لأنه قال «لأنك تبحث عن إثمى وتقتفى إثر خطاياي».

– قال أيوب: “إنى أعلم أننى لم اقترف إثماً، لكن من يمكنه أن يخلصنى من بين يديك؟” ( ٧:١٠).

ذلك فمن المحتمل أن أكون قد ارتكبت إثماً ومع إن أيوب قال: أنا لا أشعر أننى أثمت و وأنا أجهله.

لكن من يمكنه أن يخلصنى من بين يديك؟

أى عندما تعاقبني أنت، فلا أحد يمكنه أن يتبرر ، فهل هناك حاجة إلى القول بذلك؟

ثم قال أيوب بعد ذلك نحن عمل يديك حتى لو كنا خطاة.

هل تجحد عمل يديك؟

٦- قال أيوب يداك كونتانى وصنعتانى، لكن إذ غيرت رأيك ضربتني. اذكر أنك جبلتني كالطين وأنك ستعيدنى إلى التراب من جديد.(۸:۱۰، ۹)

لذلك فأيوب يتوسل لأجل ضعف طبيعته وهو يقول: وحيث أنني بالطبيعة ضعيف وتنتظرنى مثل هذه النهاية، أفلم تكفى العقوبة التي ستأتي بعد ذلك؟

– ألم تصبنى كاللبن وخثرتنی كالجبن؟ كسوتنى جلداً ولحماً فنسجتنى بعظام وعصب. أفلم تمنحنى حياة ورحمة؟» (١٠: ١٠ – ١٢). 

أى ألم تكن أنت (يا رب) الذى برهنت على مثل هذا الحب العظيم للبشر وعلى هذه الحكمة العميقة ؟

إن كان أيوب يشير إلى قائمة مكونات الإنسان، فهذا لكى يظهر الآتي: بعد أن خلقت الإنسان من لا شيء، فهل تحتقر مثل هذه العناية والحكمة العظيمتين؟ وهو يُظهر أن الإنسان هو لا شيء.

– إن يقظتك حفظت روحی (۱۲:۱۰)

إنه لم يكفى أن تحفظها الطبيعة بمفردها، إنما ينبغي أن تشملنا عنايتك العظيمة، وأيوب قال إنه قد استمتع بعناية الله له على مدى كل حياته.

أيوب محاط من كل جانب

٩- حيث أنني أملك هذا فى نفسي ، فأنا أعلم أنك تستطيع كل شيء ولا يعسر عليك شيء” ( ۱۳:۱۰).

أتنظر أن «إمكانية معرفة الله ظاهرة فى كل الخلائق انظر( روا:۱۹)، وأنه كان يكفى آنذاك للنظر في خلقتنا لكي ترينا طبيعة الله وقوته دون الحاجة إلى السماء (أى دون التطلع إلى نظر أموره غير المنظورة)؟

لأنه كوننا هكذا بدءاً من نطفة وعضدنا ولم يتركنا نسقط في المهالك. فهذا يكفي لإظهار قوة الله ومقدرته، كما عمل ليس فقط بتركه الخاطئ وعدم معاقبته بل أيضاً بمعاقبته البار وقصاصه.

١٠- قال أيوب “إن أخطأتُ، أنت تلاحظنى ولا تتركنى بغير عقاب عن إثمى (١٤:١٠).

لكي لا تظن أيها القارئ أن كون الإنسان مُلاحظ يرادف أنه مُخلّص، فإن أيوب قال: يمكنك يا رب) ملاحظة الأثيم.

١١ – ” لأنه إن أذنبت فالويل لى وإن تبررت لا أستطيع أن أرفع راسي، لأنى ممتلى هوانا” .(15:1)

إنه قال ما معناه لا يكفينى أن أكون باراً لكي يتم خلاصي

١٢- قال أيوب “إنني أمسكت كأسد ليذبح، وأنت تعود أيضاً ساعياً لإهلاكي بطريقة مخيفة، مجدداً اتهامك لى، ومظهراً نحوى غضباً عظيماً، وتسبب لي بلايا. فلماذا أخرجتني من الرحم ولماذا لم أمت فى الحال؟ وما كانت عين ترانى وكنت كمن لم يكن لماذا عند خروجي من الرحم لم أذهب (مباشرة) إلى القبر؟ أليست أيام حياتي قليلة؟ دعنى آخذ نفسى قليلاً قبل أن أمضى إلى الأرض حيث لا أعود إلى الأرض المظلمة والمكفهرة، إلى أرض الظلمات الأبدية حيث لا يوجد نور، وحيث لا يمكن رؤية حياة المائتين .(١٦:١٠ – ٢٢)

قال أيوب «وأنا أُمسكت كأسد ليُذبح»، أى «ألا أعلم أنني أُمسكت؟»، ثم من جديد يصف بالتفصيل شدة وغرابة بليته وقصر حياتنا وغياب الرجاء لنا بعد الموت[1]، وهذا ما يزيد بليته بالأكثر.


 

  1.  من المؤكد أن ذهبي الفم لا يرفض رجاء الحياة الأبدية فى العهد القديم، إنما يريد القول أن العهد القديم يذكر بدون توقف أنه لا يعود للإنسان رجاء بعد الموت فى أن يعرف من جديد الحياة المائتة.
تفسير أيوب 9 سفر أيوب 10 تفسير سفر أيوب تفسير العهد القديم تفسير أيوب 11
القديس يوحنا ذهبي الفم
تفاسير سفر أيوب 10 تفاسير سفر أيوب تفاسير العهد القديم
 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى