تفسير رسالة رومية اصحاح 5 للقديس يوحنا ذهبي الفم

تفسير رسالة رومية – الاصحاح الخامس

العظة العاشرة ج2: رو5: 1-11

” فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح (رو5: 1).

 1 ـ ماذا تعني عبارة ” لنا سلام”؟ يقول البعض إن ” لنا سلام” تتعلق بالالتزام بأعمال الناموس، إلا أنه يبدو لي وكما هو واضح من الكلام، أنه يتحدث عن كيفية السلوك. لأنه قد تكلم كثيرا عن الإيمان والبر الذي بالأعمال، لذلك نجده هنا يبدأ بالكلام عن السلام. ولكي لا يظن أحد أن هذا الكلام ليس له أهمية، يقول: ” لنا سلام” وهذا يعني أنه لا ينبغي أن نُخطئ بعد ، ولا أن نعود للأمور السابقة، لأننا إن فعلنا هذا نكون مقاومين لمشيئة الله. وكيف نستطيع ألا نخطئ أبدا؟ أجيب، ألم نحصل على السلام من قبل؟!! لأنه وإن كنا مسئولين عن هذا القدر الكبير من الخطايا، إلا أننا قد تخلصنا منها كلها بالمسيح، ولهذا بالأولى جدا الآن سيمكننا بالمسيح أن نبقى في ذلك الوضع (أى حالة البر) التي كانت لنا في الماضي.

لأن اكتساب السلام الذي لم يكن موجودا، والاحتفاظ بالسلام الذي أعطي لنا لا يعتبرا شيئا واحدا، لأنه من المؤكد أن اكتسابه هو أكثر صعوبة من الاحتفاظ به. بيد أن ما هو أكثر صعوبة، صار سهلاً وقد تحقق. وبناء على ذلك فإن الأكثر سهولة، سيكون سهلا أكثر فأكثر بالنسبة لنا لو أننا تبعنا ذاك الذي حقق لنا البروالسلام . لكن يبدو لي هنا أنه لا يقصد فقط الأمر الأسهل، بل أيضا الأمر المنطقي أو الصحيح، لأنه إن كان المسيح قد صالحنا ونحن بعد أعداء، فمن المنطقى أن نحافظ الآن على استمرارية هذا الصلح، وأيضا أن ننسب الفضل فيما تم للمسيح، حتى لا يبدو أن أولئك الذين صالحهم مع الآب لازالوا قساة وجاحدين.

” الذي به أيضا قد صار لنا الدخول بالإيمان إلى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون” (رو5: 2).

إذن إن كنا ونحن بعيدين قد جعلنا قريبين، فبالأكثر جدا سيثبتنا فيه، إن بقينا بالقرب منه.

2 ـ لكن لاحظ كيف أن الرسول بولس يشير في كل موضع إلى الأثنين، إلى الأمور الخاصة بالله، وتلك الأمور الخاصة بنا . بيد أنه من المؤكد أن الأمور الخاصة بالله هي متنوعة وكثيرة، لأنه مات لأجلنا وصالحنا، وجعلنا قريبين منه، ووهبنا نعمة لا يعبر عنها، هذا ما قدمه هو لنا، أما ما قدمناه نحن، فهو الإيمان فقط، ولهذا قال “بالإيمان إلى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون”. أخبرني، عن أي نعمة يتحدث؟ إنه يتحدث عن نعمة إستحقاق معرفة الله، ونعمة الخلاص من الخداع، ومعرفة الحقيقة جيدا، ونوال على كل الخيرات بواسطة المعمودية. لقد قادنا نحو البر، لكي نحصل على كل هذه العطايا ، ومن المؤكد بالطبع أن كل هذا لم يصر لمجرد الغفران والتخلص من الخطايا فقط، بل لكي نتمتع بامتيازات لا تحصى. ولم يتوقف عند الوعد بهذه الخيرات، لكنه وعد بخيرات أخرى غير معلنة، والتي تفوق كل فكر وكل لغة، ولا تستطيع التعبير عنها.

ولهذا عينه أشار إلى الاثنين. لأنه عندما يتحدث عن “النعمة” فهو يقصد الخبرات الحاضرة التي حصلنا عليها، ولكن عندما يقول: ” ونفتخر على رجاء مجد الله” فإنه يكشف عن غنى خيرات الدهر الآتى. وحسنا قال “التي نحن فيها مقيمون”. لأن هكذا تكون نعمة الله، لا نهاية لها، ولا تعرف التوقف عند حد معين، لكنها تقود دوما نحو الأمور الأسمى، الأمر الذي هو خارج قدرات البشر ، بمعنى أنه يمكن أن يكتسب شخص ما مبادئ معينة ومجدا وسلطة، إلا أنه لا يستطيع أن يقيم فيها على الدوام، لأنه سيفقدها سريعا، حتى لو لم ينزعها منه إنسان، لأن الموت عندما يأتى سينزعها منه على كل حال . بيد أن الخيرات الإلهية لا تخضع لمثل هذه التحولات، فلا يستطيع الإنسان ولا الزمن ولا الظروف العارضة ولا الشيطان نفسه ولا الموت عندما يأتي أن يبعدنا عن هذه الخيرات، بل عندما ننتقل من هذا العالم سنملك المزيد من هذه الخيرات وسنتمتع بها أكثر .

وبناء على ذلك ينبغي ألا ينتابك أي شك من جهة خيرات الدهر الآتي، لأنها أستعلنت بالفعل في الخيرات التي نلناها في هذه الحياة الحاضرة. لذلك قال: ” ونفتخر على رجاء مجد الله”. هذا لكي تعرف ماهية الحالة الروحية التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن . لأننا تأكدنا ليس فقط من جهة الخيرات التي أعطيت لنا، بل أيضا من جهة الخيرات التي ستعطي لنا في الدهر الآتى كما لو كانت قد أعطيت بالفعل، لأن الإنسان يفتخر بتلك التي أعطيت بالفعل. إذا طالما أن الرجاء في خيرات الدهر الآتي هو أمر مؤكد وواضح، تماما مثلما تحقق الرجاء في الخيرات التي أعطيت لنا في الحياة الحاضرة، فلذلك يجب أن نفتخر بهذا الرجاء (أي المتعلق بخيرات الدهر الآتى) بطريقة مشابهة، ولهذا فإنه أطلق كلمة مجد على هذه الخيرات. فإن كانت هذه الخيرات تساهم في اعلان مجد الله، فمن المؤكد أنها ستتحقق، وإن لم يكن لأجلنا فقط بل أيضا لحساب مجد الله . ماذا أقول، هل أن خيرات الدهر الآتي هي فقط التي تستحق الافتخار؟ بالطبع لا، بل أن الضيقات الحاضرة قادرة أيضا على أن تجعلنا نفتخر بها ونزهو بسببها. ولهذا فقد أضاف:

” وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضا في الضيقات” (رو5 :3).

هي تأمل إذا، كم ستكون خيرات الدهر الآتي، عظيمة ومهمة، وذلك عندما نفتخر بتلك الأمور التي تبدو أنها محزنة، لأن عطية الله « عظيمة ولا يوجد فيها أي شيء محزن. لأن الجهاد فيما يختص بأمور هذا العالم الحاضر، يحمل مشقة وألم وتعب، لكن فيما يختص بالأمور الروحية، لا يحدث نفس الشيء، بل إن الجهاد بالنسبة لنا، ليس أقل بهجة من المكافآت . فالتجارب آنذاك كانت كثيرة، ومع هذا فقد تجلى الملكوت بالرجاء الذي فينا، وكان ينظر للخيرات على رجاء تحقيقها في الدهر الآتي، مع أن الضيقات أيضا كانت حقيقة واقعة، وهذا ما جعل الضعفاء يتشددون . هكذا يقدم الرسول بولس فعليا ، المكافآت قبل التتويج، بقوله: ” إنه ينبغي أن نفتخر في الضيقات “. ومن الملاحظ أنه لم يقل يجب أن تفتخروا ، لكنه قال “نفتخر”، مقدما النصح لشخصه أيضا.

ثم بعد ذلك لأن الكلام يبدو أنه غير معتاد وغريب على الآذان ـ إذ يجب أن يفتخر كل من يصارع الجوع، والمقيد، والذي يعذب، وأيضا من يحتقر ويستهزئ به ـ ولذلك فهو يقدم شرحا لهذا المفهوم فيما بعد. والأمر المهم هنا هو أن ما يستحق الافتخار ليس هو فقط خيرات الدهر الآتى التي تنتظرنا ، بل وخيرات الحياة الحاضرة أيضا، فالضيقات نفسها هي أمرا صالح. ولماذا تعتبر أمرا صالحا؟ لأنها تُنشيء صبرا. ولهذا تحديدا ، فبعدما قال ” نفتخر في الضيقات”، أضاف السبب (الذي من أجله، نفتخر في الضيقات)، قائلاً: ” عالمين أن الضيق ينشئ صبرا “.

انظر إلى إصرار الرسول بولس، فإنه يحول كلمته مرة أخرى في الاتجاه الآخر، لأن الضيقات جعلت هؤلاء يتعبون، فعلى الرغم من أنهم كانوا يترجون خيرات الدهر الآتي، إلا أنها قادتهم لليأس، فيقول لهم إنه يجب من جهة هذه الضيقات أن نتحلى بالشجاعة ولا نيأس لأن خيرات الدهر الآتي هي أمر مؤكد :

” لأن الضيق ينشئ صبرا والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يخزى” (رو5: 4-5).

فالضيقات إذا لا تستطيع أن تمحي هذا الرجاء بل على العكس فإنها تزيده. لأنه من المؤكد أن الضيق له ثمر عظيم، حتى قبل الحصول على خيرات الدهر الآتي، هذا الثمر هو الصبر الذي يجعل من يتذوقه إنسانا كاملاً، بل ويساهم أيضا في التطلع نحو خيرات الدهر الآتي، طالما أنه يجعل الرجاء يزدهر داخلنا. لأنه لا يوجد شيئا يجعلنا نترجى خيرات الدهر الآتي أكثر من الضمير الصالح.

3 . ولا يوجد أحد ممن عاشوا في حياة مستقيمة يمكن أن يشك في خيرات الدهر الآتي، تماما كما أن هؤلاء الذين أهملوا وتهاونوا كثيرا في حياتهم، إذ قد صاروا مأسورين من جهة ضميرهم الشرير، فإنهم لا يريدون أن تكون هناك دينونة ولا مجازاة . إذا ماذا يحدث؟ هل ما ننتظره من خيرات يتحقق بالرجاء؟ من المؤكد أنه يتحقق بالرجاء، لكن ليس في الرجاء الإنساني، لأنه رجاء كاذب، وكثيرا ما تخيب آمال من وضع رجائه ي إنسان، فقد يحدث أن يفارق الحياة ذاك الذي كان ينتظر منه تحقيق هذا الرجاء، أو قد يغير رأيه وهو لا يزال على قيد الحياة . إلا أن الخيرات التي تنتظرنا ليست هكذا، إذ الرجاء فيها مؤكد وثابت. لأن ذاك الذي وعد هو حي على الدوام، أما من جهتنا نحن الذين سنتمتع بهذه الخيرات، حتى وإن متنا، إلا أننا سنقوم مرة أخرى. وبشكل عام لا يوجد شيء يمكن أن يخزينا ، كما لو أننا قد تباهينا بلا داع في أمور لا طائل من ورائها. إذن بعدما أزال الرسول بولس كل شك فيما يتعلق بالخيرات الإلهية كما أوضح في كلامه السابق، فإنه لم يكتف بالحديث عن خيرات الحياة الحاضرة، بل أخذ يتكلم مرة أخرى عن خيرات الدهر الآتي، لأنه يعرف أن الضعفاء في الإيمان يطلبون أمور الحياة الحاضرة، لكنهم لا يكتفوا بها. ولذلك يؤكد على تحقيق خيرات الدهر الآتي من خلال الخيرات التي أعطيت ي هذه الحياة بالفعل . ولكي لا يقول أحد ، ماذا لو أن الله لم يرد أن يمنحنا هذه الخيرات؟ لأنه من حيث يستطيع وإنه باق، وأنه حي (إلى الأبد)، فهذا نعرفه جميعا، لكن ما الذي يجعلنا متيقنين من أنه يريد أن يهبنا هذه الخيرات؟ نستطيع أن نتيقن من هذا الأمر، من خلال الخيرات التي أستعلنت لنا بالفعل . وأين أستعلنت؟ أستعلنت في المحبة التي أظهرها لنا. وهل ما يقوله يفعله؟ بالطبع لأن هذا ظاهر من خلال وعده بعطية الروح القدس. ولهذا فبعدما قال: ” والرجاء لا يخزى” أضاف الدليل على ذلك بقوله: “لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا”. ولم يقل أعطيت، لكن ” انسكبت في قلوبنا “، لكي يظهر فيض هذه المحبة. لأن تلك العطية العظمى التي وهبها ليست هي السماء والأرض والبحر، بل هي أكثر غنى من كل هذه الأمور، إذ جعل من البشر ملائكة، وأولادا لله، وإخوة للمسيح. وما هي هذه العطية؟ هي عطية الروح القدس. لأنه إن كان لا يشاء أن يهبنا تيجانا منيرة بعد كل الأتعاب، لما كان قد أعطانا خيرات وفيرة قبل هذه الأتعاب. والآن هو يظهر دفء محبته في الحياة الحاضرة، لأنه لم يكرمنا رويدا رويدا ، وقليلاً قليلاً، لكنه سكب كل الخيرات التي صارت لنا قبل أن نجتاز الجهاد الروحي.

وبناء على ذلك حتى وإن كنت غير مستحق، لا تيأس، لأن لديك مدافعا عظيما، والذي هو محبة الديان. ولهذا بعدما قال: “الرجاء لا يخزى”، نسب كل شيء لمحبة الله، وليس لإمكانيات خاصة بنا. لكنه بعدما أشار إلى عطية الروح القدس، ينتقل مرة أخرى إلى الكلام عن الصليب قائلاً الآتي:

” لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المعين لأجل الفجار. فإنه بالجهد يموت أحد لأجل بار. ربما لأجل الصالح يجسر أحد أيضا أن يموت لكن الله بين محبته لنا ” (رو5: 6-7).

إن ما يقوله هنا يعني إن كان من أجل إنسان صالح لا يفضل أحد أن يموت على الفور، فانظر إلى محبة الرب الذي صلب لا من أجل أتقياء، بل من أجل خطاة وأعداء ، وبعد هذا قال:

“لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. فبالأولى كثيرا ونحن متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب، لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه. فبالأولى كثيرا ونحن مصالحون نخلص بحياته” (رو5: 8-10).

 قد يبدو هذا الكلام وكأنه نفس الكلام السابق، إلا أنه يبدو مختلف بالنسبة للشخص المدقق الذي يفحص المعنى بعناية. انتبه، فهو أولاً يريد أن يؤكد لهم على الخيرات التي تنتظرهم في الدهر الآتي. ويوضح كيف كان إبراهيم البار ينظر إلى إمكانية حصوله على تلك الخيرات، قائلا إنه “تيقن أن ما وعد به هو قادر أن يفعله أيضا” ، وهذه الخيرات قد تحققت بعد ذلك من خلال النعمة التي أعطيت لنا، ثم من خلال الضيقات، لأنها تقودنا إلى الرجاء، وأيضا من خلال عمل الروح القدس الذي أخذناه. لكنه برهن فيما بعد على هذا الأمر، من خلال الحديث عن الموت الذي ملك علينا وخطايانا السالفة. الواضح ـ وهو الأمر الذي أشرت إليه سابقا ـ أن الكلام يحمل بعدا واحدا ، لكنه في الحقيقة يحمل أبعاد ثانية وثالثة وأكثر من ذلك.
أولا : أنه مات.
ثانيا : أنه مات لأجل الخطاة.
ثالثا : أنه صالحنا وخلصنا وبررنا وجعلنا أبناء وورثة.
الواضح أيضا أننا لن نكون أقوياء فقط في مواجهة الموت، بل نحن أقوياء
بواسطة هذا الذي أعطي لنا بالموت . وإن كان من المؤكد أننا ونحن بعد خطاة قد مات المسيح لأجلنا، فهذا في حد ذاته يعد دليلاً على محبة الله التي لا توصف، أما من حيث أنه مات ونحن بعد خطاة وأعطى عطايا لا يعبر عنها، فإن هذه العطايا تفوق كل امتياز وتقود إلى الإيمان، حتى بالنسبة لمن فقد الحس تماما. لأن الذي خلصنا، ليس سوى ذاك الذي أحبنا بشكل فائق، على الرغم من أننا كنا خطاة، حتى أنه قدم نفسه للموت لأجلنا. أرأيت كم يساهم هذا الكلام المشار إليه في التطلع نحو خيرات الدهر الآتي؟ لأنه قبل أن يتحقق هذا ، كان هناك أمران يتسمان بالصعوبة يعوقان نوالنا الخلاص، لقد كنا خطاة، وكان ينبغي أن يموت الرب عنا لكي نخلص، وهذا يعني أن الخلاص كان يستحيل إتمامه بالفعل قبل (موت الرب)، وأن الخلاص كان تاج لمحبة غامرة، فإن كان كل هذا قد تحقق فما تبقى هو أمر سهل التحقيق، فلن يسود علينا الموت فيما بعد، لأننا صرنا محبوبين جدا.

إذن فذاك الذي قهر الأعداء وأذلهم، ألا يقدم لنا العون؟ الآن وقد صرنا محبوبين وحيث لا توجد حاجة بعد لأن يسلم ابنه للموت ثانية، فنحن نرى أن المرء لا يقدم على إنقاذ الآخر، لاعتبارات كثيرة، إما لأنه لا يريد ، أو لأنه لا يستطيع حتى ولو أراد، وهي أمور لا نستطيع بالطبع أن ننسبها لله، لأنه قد سلم ابنه (للموت). فمن حيث إنه يستطيع، فهذا ما أظهره لأنه قد بررنا ونحن بعد خطاة . إذا هل هناك عائق يمكن أن يمنعنا بعد ذلك أن نتمتع بخيرات الدهر الآتي؟ لا يوجد.

ثم بعد ذلك أيضا، ولكي لا تشعر بالخجل في المستقبل، إذ أنك قد سمعت كلمات مثل خطاة، وأعداء، وضعفاء، وجاحدين، فاسمع ما يقول:

” وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضا بالله بربنا يسوع المسيح الذي نلنا به الآن المصالحة ” (رو5: 11).

ماذا يعني بعبارة “وليس ذلك فقط”؟ يعني أننا لم ننل فقط الخلاص، بل أننا نفتخر أيضا بهذا الخلاص، وتحديدا بالخلاص الذي قد يتصور البعض أننا نخجل منه هذا هو ما نفاخر به. لأنه وبينما نحن نسلك في كل هذه الشرور وهذا، إلا أنه قد منحنا الخلاص، وهذا دليل قوي جدا على أن محبة ذاك الذي خلصنا. هي محبة تفوق الوصف (وهذا ما يدعو للافتخار). لأنه لم يخلصنا بملائكة أو رؤساء ملائكة، بل بابنه وحيد الجنس. وليس هذا فقط، بل إنه قد ضفر لنا تيجان افتخار كثيرة جدا بدم ابنه. لأنه لا يوجد شيئا يعادل ـ إذا ما تحدثنا عن سبب المجد والافتخار – حقيقة محبة الله لنا ، ومحبتنا نحن لذاك الذي أحبنا. فهذا الحب، جعل الملائكة والرئاسات والقوات في بهاء، وهذا الحب هو أعظم من مجرد التمتع بالملكوت. ولذلك فإن الرسول بولس قد وضعه قبل الملكوت. ومن أجل هذا فإنى أطوب القوات غير المرئية، لأنهم يحبون الله ويخضعون له في كل شيء . ولهذا السبب أيضا فإن النبي قد أُعجب بهم، قائلاً: ” باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره” ولهذا أيضا فإن إشعياء النبي قد امتدح خدمة مشيرا إلى فضيلتهم العظيمة من حيث إنهم يقفون بالقرب من العرش الإلهى، الأمر الذي يعد دليلا على المحبة الكبيرة. 

4 ـ إذن فلنتبع نحن أيضا القوات السمائية، ولنهتم ليس فقط بأن نقف بالقرب من العرش، بل أن نحمل داخلنا ذاك الذي يجلس فوق العرش، لأنه أحب حتى الذين أبغضوه ومازال يحبهم إذ أنه: ” يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار الظالمين. إلا أنه ينبغي عليك أنت أن تحبه، على الأقل طالما أنه أحبك. لكن كيف يستطيع ذاك الذي يحب أن يهدد بجهنم والجحيم والعقاب؟ يهدد بهذا من أجل المحبة ذاتها. لأنه يريد أن يجتث خطيتك بالترهيب الذي يستخدمه كلجام يضبط به اندفاعك نحو الأمور الأكثر سوءا، وهو يصنع كل شيء لكي يضبط سلوكك ويوجهك نحو الطريق المستقيم، سواء عن طريق الوعد بالخيرات أو بالتحذير من الانحدار إلى الأمور المحزنة، فيعود بك إلى الطريق المؤدي إليه حتى يبعدك عن كل الشرور التي هي أكثر فزعا من الجحيم ذاته.

لكن لو أنك تسخر مما أقوله، وتريد أن تحيا في الخطية على الدوام اعتمادا على مجرد إدانتك لنفسك يوما واحدا، فهذا لا يعد أمرا غريبا على الإطلاق. إنه بالحقيقة دليل على إرادة تفتقر للكمال، وعلى غياب الوعي، وعلى مرض غير قابل للشفاء. لأن الأطفال الصغار عندما يرون الطبيب وهو يكوي جرحا، أو يقوم بإجراء عملية، فإنهم يهربون مبتعدين عن المكان وهم يصرخون صرخات قوية مفضلين بالأكثر أن يعانوا باستمرار من تلك الآلام التي ألمت بجسدهم، على تدخل الطبيب، حتى وإن أدى تدخله إلى الشفاء والتمتع بصحة جيدة، طالما أنهم قادرون على احتمال الألم مؤقتا لكن أولئك الذين لديهم إدراك، يعرفون جيدا أن المرض هو أكثر رعبا من الجراحة، تماما كما أن الخطية هي أكثر سوءا من العقوبة. إذا فأحد الأمرين يعني الشفاء والصحة، بينما الآخر يعني البلية والمرض المستمر.

أما من حيث إن الصحة هي أفضل من المرض، فهذا أمر واضح للجميع كما أنه يحق لنا أن نُرثي اللصوص، لا عندما يمزقون جيوبهم، بل عندما ينقبون الحوائط ويقتلون . فإن كانت النفس هي أفضل من الجسد وهي هكذا بالفعل، فإذا ما فسدت، يكون أمرا مبررا أن نتنهد ونحزن عليها ، لكن لو أنها لم تشعر بأنها فسدت، فإنه لهذا السبب تحديدا يجب أن نحزن عليها بالأكثر. لأنه ينبغي حقا أن نحزن بالأكثر على أولئك الذين يرغبون ي ممارسة الفجور والفسق، وأولئك الذين يسكرون . وقد يتساءل المرء لماذا نفضل هذه الأمور (الفسق والفجور)، إذا كانت هي الأكثر فزعا؟ لأنه وفقاً للنموذج الشائع فإن بعض الناس يعجبون بالأمور المشينة ويفضلونها ، ويحتقرون الأمور الصالحة ويرذلونها. هذا الأمر من الممكن أن نراه في كل شيء، في المأكولات، وفي محاكاة أساليب حياة معينة، وفي الاستمتاع بالشهوة، وعند النساء، وفي البيوت، وعند المقيدين، وفي الحقول، وفي كل الأمور الأخرى.

 أخبرني، أيهما أكثر سعادة، هل هي العلاقة الجنسية مع نساء أم مع رجال؟ وأيهما أفضل أن تكون العلاقة مع نساء أم مع حيوانات؟ لكننا نجد أن الكثيرين يحتقرون النساء ويأتون في علاقات جسدية مع حيوانات ومع رجال مثلهم، مع أنه من المؤكد أن العلاقات الطبيعية هي أكثر سعادة من العلاقات الشاذة ومع هذا فإن الكثيرين يسعون نحو هذه الأمور المدانة ، والمنفرة، والمثيرة للسخرية، كما لو كانت تجلب لهم سعادة أكثر، وهم بذلك يجلبون على أنفسهم العقاب . فهذه الأمور الفاضحة تبدو لهؤلاء على أنها مفرحة، من أجل هذا هم تعساء، لأنهم يعتقدون أن الأمور التي ليست بالمفرحة، هي مفرحة . هكذا يعتبرون أن الدينونة هي أشر من الخطية ، والأمر ليس كذلك، بل هو على العكس تماما، إذ أن الخطية هي أكثر فزعا من أي عقوبة . لأنه إن كان العقاب شرا لأولئك الذين يخطئون، فلن يضيف الله شرا على شرورهم (بواسطة عقابه)، ولن يجعلهم أكثر شرا. لأن ذاك الذي فعل كل شيء لكي يمحو الشر، لا يمكن أن يكون سببا في زيادته. وبناء عليه فإن العقوبة ليست شرا لذاك الذي يخطئ، بيد أن الشر هو ألا يعاقب الخاطئ في الحالة التي يوجد فيها ، لأن هذا يشبه تلك الحالة التي فيها توصي بألا يشفى المريض من مرضه.

إذن لا يوجد أشر من الشهوة الفاسدة. وعندما أقول الفاسدة أقصد شهوة اللذة، وشهوة المجد الباطل، وشهوة السلطة، وبشكل عام شهوة كل الأمور غير النافعة وغير الضرورية. لأن مثل هذا الإنسان الذي يحيا في اللذة أو حب الشهوة وفي حياة الرخاوة يعتقد أنه أكثر سعادة من الجميع، إلا أنه في الحقيقة هو أكثر تعاسة من الجميع، وقد جعل نفسه مثقلة بآلام مخيفة. ولذلك فإن الله جعل هذه الحياة الحاضرة صعبة، لكى يخلصنا من العبودية (عبودية الشهوة)، ويقودنا إلى الحرية الكاملة. ومن أجل هذا فقد تلك هدد بالعقاب، وربط حياتنا بالأتعاب، لكي يقضى على خمولنا وتوانينا. هكذا فإن اليهود الذين كانوا مخصصين لصناعة الأواني الفخارية والأرميد، وقد كانوا أبرارا، ويصلون إلى الله بشكل مستمر، إلا أنهم عندما نالوا الحرية، تذمروا وأغضبوا الله وأصابوا أنفسهم بشرور كثيرة.

إذن بماذا تصف هؤلاء الذين يغيرون آرائهم مرات كثيرة بسبب الضيقات؟ نقول إن التغيير ليس بسبب الآلام، لكن بسبب ضعف أو مرض فيهم . لأنه إن كان هناك مرضا ما قد أصاب معدة شخص، ورفض أن يتناول دواءا مر المذاق، كان من الممكن أن يشفيه، فتدهورت حالته، فإننا لن نتهم الدواء ، بل المرض الذي أصاب العضو المريض، وهذا أيضا ينطبق على إلقاء اللوم على سذاجة الفكر. فإن من يغير رأيه بسهولة بسبب الضيقات، سيعاني الضيقات بصورة أكثر سهولة، حتى في حالة الراحة والرخاء، إذ أنه يسقط مقيدا بالخطية (هذا هو الضيق)، وبالأكثر جدا سيسقط صريعا، لو أنه وهو في حالة الضيق قد غير رأيه، لأنه سيغير رؤيته بالأكثر عندما يكون في حالة رخاوة وكسل . وقد يقول المرء كيف يمكنني أن أثبت على رأيي عندما أكون في حالة ضيق؟ يمكنك أن تكون ثابت الرأي، لو أدركت أنك ستعاني الضيق أو الآلام سواء أردت أم لم تُرد، فلو أنك تجوز الآلام بشكر، ستربح الكثير، لكن لو كنت تعاني هذه الآلام متأفقا، وفي حالة يأس وانزعاج وتجديف، فلن تجعل الضيقة أو النكبة أقل، بل ستغرق أكثر في الضيقات والمتاعب.

فلنفكر إذا في كل هذه الأمور ولنجعل ما يأتي نتيجة اضطرار، يكون بالإختيار . ما أقصده هو الآتي: قد يفقد شخص ما ابنه، وآخر يخسر كل ثروته، فنقول: إن أدركا استحالة تصحيح ما حدث، إلا أنهما من الممكن أن يربحا شيئا من وراء هذه النكبة التي لا شفاء منها، بأن يحتملان هذه الكارثة بشجاعة، وبدلاً من كلام التجديف، يعطيان المجد لله، عندئذ فإن الضيقات التي ألمت بهما ستصير سبب عزاء عندما يقبلانها بالشكر. هل شاهدت موت إبنك وهو صغير السن؟ لتقل: “الرب أعطى الرب أخذ “”. هل فقدت ثروتك؟ لتقل “عريانا خرجت من بطن أمى وعريانا أعود إلى هناك.

 وإن رأيت الأشرار وهم ينعمون، بينما الأبرار يتألمون ويعانون ضيقات لا حصر لها، ولا تعرف كيف تجد سببا لكل ما يحدث لتقل ” صرت كبهيم عندك ولكن دائما معك.

فإذا كنت تبحث عن السبب، فكر في أن الله قد عين يوما فيه يدين كل المسكونة، وسينزع كل رببه، لأنه في ذلك الوقت سينال كل أحد ما يستحقه (عن أعماله التي عملها) تماما مثل لعازر والغنى . تذكر الرسل لأنهم بينما جلدوا وطردوا وجازوا ضيقات وآلام لا حصر لها، إلا أنهم كانوا فرحين لأنهم حسبوا مستحقين أن يهانوا من أجل اسم المسيح . وأنت أيضا لو أنك مرضت فليكن قبولك للألم برضى وشجاعة، ولتشكر الله على كل حال، وهكذا ستأخذ نفس المكافأة مع أولئك الذين تألموا من أجل اسمه . لكن كيف يحدث بينما أنت مريض وتعاني، يمكنك أن تشكر الله؟ يمكنك أن تفعل ذلك لو أنك تحبه بالحقيقة. لقد ألقوا الثلاثة فتية في أتون النار، وآخرون عانوا آلاما كثيرة داخل السجون، ومع هذا لم يتوقفوا عن شكرهم | لله، فبالأولى كثيرا أولئك الذين يعانون من أمراض شديدة ينبغي أن يشكروا الله.

لأن رغبة الإنسان القوية تستطيع أن تنتصر على كل شيء. فالشوق الإلهى عندما يلتهب في داخلنا، فإنه يتفوق على كل شيء، ولن يعوق هذه الرغبة أي شيء، لا نار ولا قيود ، ولا فقر، ولا مرض، ولا موت . وطالما أن الإنسان يحتقر كل الأشياء، فسيرتفع إلى السماء، ولن يكون أقل من الساكنين هناك، ولن ينظر لأي أمر آخر، لا سماء ولا أرض ولا بحر، لأن نظره يكون معلقا بأمر واحد فقط، وهو جمال المجد السمائي. إن الأمور المحزنة أيضا لا يمكنها أن تثبط من عزيمة الإنسان وهو يسلك في هذه الحياة الحاضرة، ولا الأمور المادية ستجعله يتباهى ويفتخر . فليكن لدينا شوق لهذا العشق الإلهي ، الذي لا يعادله شيئا، من خيرات هذه الحياة أو الخيرات المستقبلية، ومن الأفضل أن نقول قبل كل هذا إنه لا يوجد شيء يعادل طبيعة هذا العشق الإلهي. لأننا ـ بهذا العشق الإلهي – سننجو من عقوبات الحياة الحاضرة، وعقوبات الدهر الآتي وسنتمتع بملكوت الله. وقبل ذلك نقول إن لا الخلاص من جهنم، ولا التمتع بالملكوت يعتبر أمرا ذي قيمة كبيرة إذا ما قورن بذاك الذي سنراه في الدهر الآتي. لأن الأعظم من كل هذا هو محبة المرء للمسيح، وتمتعه بمحبته. لو ساد ذلك على حياة البشر، فهذا أسمى من كل اعتبار. وعندما يتحقق هذا فأي حديث وأي فكر يمكن أن يعبر عن طوباوية هذه النفس؟ فليس هناك ما يساوي اختبار تذوق هذه السعادة.

ومادمنا قد هجرنا كل شيء لا يرضى صلاح الله، سنصل إلى إدراك مذاقه هذا الفرح الروحي، والحياة الطوباوية، وكنز الخيرات التي لا تحصى، فلنكرس أنفسنا للسلوك بمحبة من أجل سعادتنا، وإعلان مجد الله الذي نشتهيه، لأنه يليق به المجد والقوة مع ابنه وحيد الجنس والروح القدس الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.

فاصل

العظة الحادية عشر: رو5: 12- 18

من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع (رو5: 12)

1 ـ تماما كما يصنع الأطباء الأكفاء الذين يفحصون دوما وبعمق جذور المرض ويصلون إلى السبب المباشر لظهوره، هكذا يصنع الطوباوي بولس. فعندما قال إننا تبررنا، وبعدما أظهر أن هذا البر استعلن في إيمان إبراهيم بالروح القدس، وبموت المسيح، لأنه مات لكي يبررنا، نجده يبرهن بعد ذلك وبأسلوب آخر على تلك الأمور التي سبق وأظهرها بدلائل كثيرة من خلال الموت والخطية . وقد حاول أن يشرح كيف وبأي طريقة دخل الموت إلى العالم وساد عليه، ويقول إن هذا حدث بخطية الإنسان الواحد (أى آدم). وماذا يعني بقوله: “وفي شخصه اجتاز الموت إلى جميع الناس؟” يعني أن الموت قد اجتاز إلى الجميع لأنه (أي آدم) سقط في الخطية، وأولئك الذين لم يأكلوا من الشجرة جميعهم صاروا في شخصه مائتين.

” فإنه حتى الناموس كانت الخطية في العالم على أن الخطية لا تحسب إن لم يكن ناموس” (رو5: 13).

لقد تصور البعض أن عبارة ” فإنه حتى الناموس” (أي حتى أعطي الناموس)، تعني ذلك الزمن الذي يسبق إعطاء الناموس، أي زمن هابيل، وزمن نوح، وزمن إبراهيم، وحتى ولادة موسى، غير أنه لابد وأن نسأل ما هي الخطية التي وجدت في ذلك الزمان؟ يقول البعض إن الرسول بولس يشير إلى الخطية التي حدثت في الفردوس، طالما أنها لم تكن قد بطلت بعد، بل أن ثمرها قد أينع، حيث أن هذه الخطية قد حملت الموت للجميع، وقد ساد الموت واستبد. لكن لأي سبب أضاف ” على أن الخطية لا تحسب إن لم يكن ناموس” لقد أضاف ذلك، لمواجهة اليهود، فإذا لم تكن هناك خطية ، عندما لم يكن هناك ناموس، فكيف ساد الموت على جميع الذين عاشوا قبل الناموس؟ يبدو لي أن هذه العبارة لها علاقة بالأكثر بما كان في فكر الرسول بولس، وما كان يريد قوله. وما هو هذا الذي كان يريد قوله؟ أراد أن يقول إن الخطية وجدت في العالم حتى ذلك الحين الذي أعطي فيه الناموس، من الواضح أن هذا هو ما يقصده، فبعدما أعطي الناموس، سادت الخطية أتت من المعصية، لأنه يقول إن “الخطية لا تحسب إن لم يكن ناموس”. فلو أن هذه الخطية قد جلبت الموت بسبب مخالفة الناموس فكيف مات كل الذين عاشوا قبل الناموس؟ لأنه إن كان الموت يأتي من الخطية، وإذا كانت الخطية لا تُحسب إن لم يكن ناموس، فكيف ساد الموت قبل إعطاء الناموس؟

وبناء عليه يكون من الواضح أن الخطية لم تأت بسبب مخالفة الناموس، لكن بسبب خطية آدم، وهذه الخطية هي التي أدت إلى هلاك كل شيء. وما هو الدليل على ذلك؟ الدليل أن الجميع ماتوا قبل الناموس، لأنه يقول:

” ولكن قد ملك الموت من آدم إلى موسى وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم الذي هو مثال الآتي ” (رو5: 14).

وكيف ملك الموت؟ “على شبه تعدى آدم”. ولهذا فإن آدم هو مثال للمسيح. وكيف يقول إنه مثال المسيح؟ لأنه كما أن أولئك الذين أتوا من آدم على الرغم من أنهم لم يأكلوا من الشجرة، إلا أن الموت قد ملك عليهم، وهكذا صار آدم سببا للموت الذي دخل إلى العالم، بسبب الأكل من الشجرة، هكذا أيضا فإن أولئك الذين انحدروا من المسيح، على الرغم من أنهم لم يعملوا أعمالاً بارة، إلا أن المسيح صار سببا للبر الذي منحه للجميع بواسطة صليبه.

لذلك فقد اهتم الرسول بولس بالتركيز على عبارة “بالواحد”، وهذا ما يشير إليه باستمرار قائلاً: ” كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم ” وأيضا “لأنه إن كان بخطية واحد مات الكثيرون” و”ليس كما بواحد قد أخطأ هكذا العطية” وأيضا ” لأن الحكم من واحد للدينونة” و” إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد.

وفي كل هذا لم يبتعد القديس بولس عن استخدام عبارة “الواحد”، حتى أنه عندما يسألك يهودي كيف أنه ببر واحد أى بر المسيح، قد خلصت البشرية؟ سيمكنك أن تجيب وكيف أدينت البشرية كلها بينما من خالف الوصية هو واحد؟ مع الوضع في الاعتبار وهذا أمر مؤكد، أن الخطية ليست مثل الهبة، وأن الموت ليس كالحياة، وأيضا من المستحيل أن يوضع الشيطان في مقارنة مع الله، لأن الفروق غير محدودة ولا تحصى.

إذن هذا قد حدث بالنظر إلى قدرة ذاك الذي فعل كل هذه الأشياء، ووفقا لخطة الله من جهة خلاص البشرية ـ لأن ما يليق بالله بالأكثر هو أن يخلص لا أن يعاقب ـ وهنا مكمن التميز والانتصار، أخبرني أي مبرر يمكن أن تتذرع به لعدم الإيمان؟ لأنه من المؤكد أن ما حدث يتفق مع المنطق وقد برهن عليه الرسول بولس بقوله:

” ولكن ليس كالخطية هكذا أيضا الهبة، لأنه إن كان بخطية واحد مات الكثيرون فبالأولى كثيرا نعمة الله والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين ” (رو5: 15).

1 ـ ما يقوله يعني الآتي: فلو أن الخطية قد استطاعت أن تصنع كل هذا (أن يجتاز الموت لجميع الناس) وبالطبع من خلال خطية إنسان واحد ، فكيف لا تستطيع نعمة الله، وليس فقط نعمة الله الآب، بل والابن أيضا أن تحقق الكثير (أي خلاص الجميع)؟ وهذا يعد أكثر تمشيا مع المنطق . لأنه أن يدان احد بسبب خطية آخر، فمن الواضح أن هذا ليس له مبررا كافيا (بحسب المنطق الإنساني)، بيد أن يخلص أحد بسبب عطية الآخر، فهذا أكثر قبولاً وأكثر تمشيا مع المنطق. فلو أن البشرية قد أضيرت بالخطية ، فبالأولى كثيرا ستنال فيض النعمة وعطية البر.

2 . إذن فالطبيعي والأكثر تمشيا مع العقل والمنطق، قد برهن عليه الرسول بولس كما سبق وأشرنا، فطالما أنه قد قبلت فكرة أن بخطية الواحد قد اجتاز الموت إلى الجميع، سيصير من السهل قبول أنه بعطية الواحد سيخلص الجميع، وكون أن هذا الخلاص هو ضرورة حتمية، فقد دلل عليه في الآيات الآتية. وكيف دلل على ذلك؟ بقوله:

” وليس كما بواحد قد أخطأ هكذا العطية لأن الحكم من واحد للدينونة وأما الهبة فمن جرئ خطايا كثيرة للتبرير ” (رو5: 16).

ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني أن الموت والدينونة يمكن أن تسببهما خطية واحدة، بينما نجد أن النعمة قادرة على أن تمحو ليس فقط خطية واحدة، بل وتلك الخطايا التي ظهرت بعد الخطية الأولى. ولكي لا تكون عبارات مثل (كما) و(هكذا) توازي بين الخير والشر في المستوى، ولكي لا تعتقد عندما تسمع اسم آدم أن ما محي هو فقط الخطية الأولى التي اقترفها آدم، فإن الرسول بولس يقول إنه قد محيت خطايا كثيرة. وما الذي يوضح ذلك؟ الذي يوضحه هو أنه بعد الخطايا الكثيرة التي اقترفت فيما بعد أي بعد الخطية الأولى التي سقط فيها آدم في الفردوس، انتهى الأمر إلى قبول عطية التبرير، وحيث يوجد بر فحتما ستتبعه حياة وخيرات لا تحصى، تماما كما يحدث في حالة الخطية فحيثما توجد خطية يتبعها موت، لأن البر هو شيء أكثر من الحياة، إذ هو جذر أو أصل الحياة.

إذن من حيث إن هناك هبات كثيرة قد منحت بعطية البر وأن الخطية الأولى ليست هي فقط التي محيت، بل وكل الخطايا الأخرى، فهذا قد برهن عليه الرسول بولس بقوله: “وأما الهبة فمن جرى خطايا كثيرة للتبرير”. وبذلك يكون قد برهن بالضرورة على أن الموت قد قضي عليه نهائيا. ولأنه قال بعد ذلك إن الثاني (أي آدم الثاني) أعظم من الأول (أي آدم الأول)، فهناك احتياج أن يبرهن على هذا مرة أخرى . فطالما أن بخطية إنسان واحد أقتيد الجميع إلى الموت، كما سبق وأشار إلى ذلك، فبالأولى كثيرا ستستطيع نعمة الواحد (أي نعمة المسيح) أن تخلص الكثيرين . ثم دلل على أنه ليست الخطية الأولى فقط هي التي محيت بواسطة النعمة بل جميع الخطايا الأخرى، ولم تُمحى الخطايا فقط، بل أعطي البر أيضا. وعلى قدر ما تسبب آدم في الأضرار، على قدر ما , كانت عطايا المسيح وفيرة ولا تحصى . ومع أنه أشار إلى كل هذه الأمور، إلا أنه يحتاج هنا أيضا لتقديم برهان أوضح. كيف قدم هذا البرهان؟ قدمه بقوله:

” لأنه إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد فبالأولى كثيرا الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح” (رو5: 17).

ما يقوله يعني الآتي: بماذا تسلح الموت ضد البشرية؟ تسلح بأن إنسانا واحد فقط أكل من الشجرة، فإذا كانت هذه السيادة الكبيرة بسبب خطية واحدة، قد أدت إلى الموت، فكيف يصبح من الممكن أن يكون هناك أناس تحت حكم الموت وقد حصلوا على نعمة وبر أعظم بكثير من الخطية الأولى، الأمر الذي جعله لا يقول فقط “نعمة”، بل “فيض النعمة”؟ لأننا لم نحصل على قدر بسيط من النعمة يكفي فقط لمحو الخطية، بل حصلنا على فيض النعمة. لأنه بالحقيقة قد أنقذنا من الجحيم، وابتعدنا عن الشر، وولدنا مرة أخرى من الله، بل وأقامنا، مادام أن إنساننا العتيق قد دفن، وخلصنا، وتبررنا ، وصرنا أبناء، وتقدسنا وأصبحنا اخوة للابن الوحيد الجنس، وورثة معه، واتحدنا معه في جسد واحد، وإلى هذا الجسد نحن ننتمي، وكما أن الجسد متحد بالرأس، هكذا اتحدنا نحن أيضا به (أي بالابن).

كل هذا دعاه الرسول بولس ” فيض النعمة ” مظهرا هكذا أننا لم نحصل فقط على ما يضمد الجرح، لكن حصلنا على شفاء وجمال وكرامة، وعلى رتب تفوق كثيرا طبيعتنا الفانية. وكل أمر من هذه الأمور، كان كافيا وحده أن يبطل الموت، إلا أنه عندما يتضح أن كل هذه الأمور قد ساعدت معا في إبطاله، فلن يكون له أثر بعد ذلك، ولن يكون ممكنا أن يخيم بظلاله حولنا، طالما أنه قد انتهى كلية. تماما كما لو أن شخصا قد وضع آخر في السجن لأنه مديون له بعشرة فلسات، وليس هذا فقط، بل ووضع في السجن أيضا زوجته وأولاده وخدامه، بسبب هذا الدين، ثم أتى شخص آخر ودفع ليس فقط عشرة فلسات، بل ومنح آلاف العملات الذهبية ، وقاد السجين إلى الحاشية الملكية وإلى عرش السلطة العليا، وجعله شريكاً ي الكرامة السامية وفي الأمور الأخرى المشرقة، فيصير من غير الممكن أن يتذكر بعد ذلك الفلسات التي اقترضها . هذا ما حدث لنا، لأن المسيح دفع أكثر جدا من قيمة الدين الذي كان علينا. وما دفعه كان عظيما جدا ، بقدر اتساع البحر ما قورن بنقطة ماء صغيرة . إذا ينبغي عليك أيها الإنسان ألا تشك في شيء عندما ترى كل هذا الغنى الوفير من الخيرات، ولا تفحص كيف انطفأت شرارة الموت والخطية، عندما غمر هذا البحر الكبير من الهبات الوفيرة هذه الشرارة المتقدة. وهذا ما أشار إليه القديس بولس قائلاً: “الذين ينالون فيض النعمة وعطية البرسيملكون في الحياة”.

3 . ولأنه قد برهن على هذا بكل وضوح (أي أن أولئك الذين ينالون فيض النعمة سيملكون في الحياة)، فإنه يقدم نفس الرؤية السابقة مرة أخرى مؤكدا عليها من خلال التكرار، بقوله إن كان بخطية واحد قد أدين الكثيرون، فقد تبرروا للحياة بالواحد. ولهذا يقول:

” فإذا كما بخطية واحد صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة هكذا ببر واحد صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة ” (رو5: 18).

ويستمر في محاولته هذه للتأكيد على هذه الرؤية مرة أخرى، فيقول:

” لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطاة هكذا أيضا بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبرارا ” (رو5: 19).

 إن ما يقوله القديس بولس هنا ـ بحسب الظاهر – يخلق مشكلة كبيرة ، إلا أنه إذا انتبه المرء بدقة لما يقوله، فإن هذه المشكلة ستُحل بسهولة . وما هي هذه المشكلة؟ هي أنه قال ” بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطاة “. لأنه أن يكون ذاك (أي آدم) قد أخطأ وصار فانيا، وأن كل من انحدر منه قد أخطأوا وصاروا فانيين، فهذا لا يعد أمرا غير طبيعي على الإطلاق، ولكن أن يصير آخر (المسيح) خطية بسبب معصية ذاك (آدم)، فأي علاقة طبيعية يمكن أن تقوم هنا؟ لأن هكذا سيعتبر هذا الإنسان خاطئا، دون أن يكون مسئولاً عن الحكم، طالما أنه لم يصير من ذاته خاطئا.

إذن ماذا تعنى هنا كلمة “خطاة”؟ من ناحيتي يبدو لي أنهم تحت حكم الدينونة ومحكوم عليهم بالموت. ومن حيث أنه بموت آدم قد صرنا جميعا فانيين، فهذا قد بينه الرسول بولس بوضوح وبطرق كثيرة، لكن السؤال المطروح: هو لأي سبب حدث هذا (أي صار الموت إلى جميع الناس)؟ وهنا نجد أن القديس بولس لم يشير إليه بعد ، لأن هذا لم يكن ليعينه في مسعاه، لأن المعركة كانت ضد اليهودي الذي كان تنتابه الشكوك، وكان يسخر من موضوع البر بالواحد . ولهذا بعدما أظهر كيف أن بخطية الواحد قد صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة، لم يقل لماذا حدث هذا، لم يتكلم عنه بعد، لأنه كان يتجنب الأمور غير الجوهرية ، ويهتم فقط بالأمور الضرورية . لأن ناموس الأعمال كان يلزم اليهودي بالأكثر أن يتكلم عن (البر بالأعمال)، لا أن يتكلم عن بر المسيح . ولذلك فقد ترك المشكلة بلا حل . لكن لو أن أحدكم طلب أن يعرف السبب فسنتكلم عن هذا، بمعنى أننا لم نضار مطلقا من أن الموت قد ملك على الجميع، بل إننا قد ربحنا ، بكوننا قد صرنا فانيين، أولاً لأنه لو كان لنا جسدا غير قابل للموت، فإن ذلك سيكون دافع للاستمرار في ارتكاب الخطية، ثانيا لكي تكون لدينا دوافع غير محدودة في جهادنا لتحقيق التقوى.

لأنه بالحقيقة عندما يكون الموت حاضرا، وعندما ننتظره، فإنه يقنعنا أن نكون متواضعين، ومتعقلين، وبسطاء، وأن نتخلص من كل شر . ومع هذا فمن الأفضل أن نقول أولا أننا ربحنا بالموت خيرات أخرى وفيرة، لأنه من هنا أستعلنت أكاليل الشهداء ومكافآت الرسل . هكذا تبرر هابيل، وهكذا تبرر إبراهيم الذي قدم ابنه ذبيحة، وهكذا أيضا تبرر يوحنا الذي مات لأجل المسيح، وأيضا الثلاثة فتية، كما تبرر دانيال. لأنه لو أردنا (البر)، فلن يستطيع الموت ولا الشيطان نفسه أن يسبب لنا ضررا أو أذى. وفوق كل هذا فإننا نستطيع القول بأن الأبدية تنتظرنا، وطالما أننا قد نلنا تعليما أو إرشادا لزمن قصير، سنتمتع بخيرات الدهر الآتي بدون خوف، كما لو أنه قد تم إعدادنا في مدرسة الحياة الحاضرة، من خلال المرض والضيقات والتجارب والآلام، ومن خلال الأمور الأخرى التي تعد محزنة ومؤسفة، لكى نكون مستعدين ومهيئين لاستقبال خيرات الدهر الآتي.

4. ” وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية ” (رو5: 20).

بعدما بين كيف أنه بخطية آدم صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة ، بينما بعطية المسيح صارت الہبة لجميع الناس لتبرير الحياة، وأن . جميع الناس قد خلصوا وأنقذوا من الدينونة، نجده ينشغل فيما بعد بموضوع الناموس مقللا مرة أخرى من وقع تأثيره. إذ أن الناموس لم ينفع ولم يعين الإنسان في خلاصه، بل وجدنا أنه عندما أعطي الناموس، ازداد الضعف. وهنا فإن تعبير “لكى”، لا يعني السبب، لكن يعني النتيجة. بمعنى أن الناموس لم يعط لكي تزداد الخطية، لكن لكي تقل وتمحى، لكن العكس قد حدث، لا بسبب طبيعة الناموس، بل بسبب لا مبالاة أولئك الذين أخذوا الناموس . ولكن لماذا لم يقل في الآية أن الناموس أعطي لكنه قال ” أما الناموس فدخل”؟ ذلك لكي يظهر أن الاحتياج له هو أمر مؤقت وليس أمرا أساسي أو هام، وهذا ما نجده في رسالته إلى أهل غلاطية عندما أعلن عن نفس الشيء، ولكن بأسلوب آخر بقوله: ” لكن قبلما جاء الإيمان كنا محروسين تحت الناموس مغلقا علينا إلى الإيمان العتيد أن يعلن”.

وبناء على ذلك فإن إهتمامه بحفظ الرعية لم يكن لأجل ذاته، بل لأجل الآخرين . لأن بعض اليهود كانوا بلا حس، صغار النفوس، وبلا رجاء من جهة نفس العطايا، ولهذا السبب أعطي الناموس، لكي يشهد على هؤلاء بالأكثر، ولكي يعلمهم بكل وضوح في أي حالة هم يحيون ويوسع من مساحة الإدانة (أي أن الخطية ازدادت بسبب لا مبالاة اليهود)، حتى يجعلهم أكثر إدراكا. ولكن لا تخف، لأن هذا لم يحدث بهدف أن تصير العقوبة أكبر، بل لكي تظهر النعمة أكثر . ولهذا أضاف: ” ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدا “. ولم يقل ازدادت النعمة فقط، لكن ” ازدادت النعمة جدا “. لأنه لم يخلصنا من الجحيم فقط، لكن ومن الخطايا أيضا ، ووهبنا الحياة وتلك الأمور الأخرى التي تكلمنا عنها مرات عديدة . تماما كما لو أن شخصا كان مريضا بارتفاع في درجة الحرارة، وأتي آخر ولم يخلصه فقط من المرض، لكن جعله في وضع بهى وقوى وممجد، وأيضا لو كان شخص جائعا ثم أشبعه آخر وليس هذا فقط، بل جعله مالكا لأموال كثيرة، ثم قاده إلى سلطة كبيرة.

وكيف يقول كثرت الخطية؟ قال هذا لأن الناموس أعطى وصايا غير محدودة، ولأنهم خالفوها كلها، فقد كثرت الخطية. أرأيت مدى التباعد بين النعمة والناموس؟ لأن الناموس صار سببا للوم والإدانة، بينما النعمة صارت سببا لهبات وفيرة جدا.

وبعدما تكلم عن السخاء في العطايا التي لا يعبر عنها ، تكلم مرة أخرى عن النعمة، عن سبب الموت وعن الحياة. إذا ما هو سبب الموت؟ سبب الموت هو الخطية. ولهذا قال:

” حتى كما ملكت الخطية في الموت هكذا تملك النعمة بالبر للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربنا ” (رو5: 21).

قال هذا لكي يقدم الخطية كما لو كانت ملكا، والموت مثل جندی يخضع لأوامره ويأخذ مؤونته منه . وبناء على ذلك فلو أن الخطية قدمت مؤونة للموت، فمن الواضح جدا أن البر الذي لاشي الخطية، والذي أتى بالنعمة لم يجرد الموت فقط من أسلحته، بل وقضى عليه أيضا وأنهى على كل مملكة الخطية تماما، وذلك على قدر عظمة البر مقارنة بالخطية ، وهذا البرقد أتي لا بمساعدة إنسان أو ملاك، لكنه أتى من خلال معونة الله ونعمته، حتى يقود حياتنا إلى الوضع الأسمى وإلى خيرات لا تُحصى، خاصة وأن حياة الدهر الآتى هي بلا نهاية، لكي تعرف من الآن امتياز هذه الحياة . لأن الخطية انتزعتنا خارج الحياة الحاضرة، لكن عندما أتت النعمة لم تهبنا فقط الحياة الحاضرة، بل وهبتنا أيضا الحياة الأبدية، كل هذا قد منحنا إياه المسيح . إذا لا تشك في الحياة الأبدية، طالما أنك تبررت، لأن البر هو أسمى من الحياة، إذ أنه هو الذي يلد الحياة الحقيقية.

تفسير رومية 4 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد تفسير رومية 6
 القديس يوحنا ذهبي الفم
تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى