تفسير رسالة أفسس – مقدمة – للقديس يوحنا ذهبي الفم

أفسس هي عاصمة أسيا . وقد كانت مكرسة للالهة ديانا^[1] التي عبدوها هناك على أساس أنها هي الهتهم العظيمة. ولقد اشتدت خرافة عابديها لدرجة أنهم عندما أحرق هيكلها لم يريدوا اعلان اسم الشخص الذي أحرقه.

في هذه المدينة قضى يوحنا الانجيلي أغلب وقته . فقد كان هناك عندما نُفیَّ ، وهناك مات ، وهناك أيضا ترك بولس الرسول تيموثاوس ، كما قال عندما كتب اليه : “کما طلبت اليك أن تمكث في أفسس” ( 1تی 3:1).

هناك أيضا كان يوجد أغلب الفلاسفة ، سيما الذين ازدهروا في اسيا . وقيل أنه حتى فيثاغورس نفسه أتي من هناك ، وربما لأن “ساموس”  التي أتى منها كانت جزيرة تابعة ليونیا^[2] ( Ionia ) وكانت أيضا ملجأ لتلاميذ بارمیندس( Parmenides ) ، وزینو ( Zeno ) ودیموکریتس ( Democritus ). ونستطيع أن نرى عدداً من الفلاسفة هناك الى اليوم.

هذه الحقائق أذكرها، لا لمجرد ذكرها ، بل لكي أبين أن بولس الرسول لا بد أن يكون قد كابد الكثير من المشقة عندما كتب لأهل أفسس هؤلاء فقد قيل حقاً انه استودعهم أعمق آرائه على أساس أنهم متعلمون جداً.

أما الرسالة نفسها فانها مليئة بالاراء السامية والتعاليم الرفيعة^[3] لقد كتب الرسالة من روما اذ كان هو نفسه “في سلاسل” ، على حد تعبيره : “مصلين لاجلى لكى يعطى لى كلام عند افتتاح فمي لأعلم جهاراً بسر الانجيل : الذی لاجله أنا سفير في سلاسل ، ( اف 6 :19 ،20). وفيها الكثير من العواطف السامية في العظمة . وقد عبر عن هذه العواطف بكلمات يندر أن يكون قد استعملها في مكان آخر ، كما قال مثلا : « لكي يعرف الآن عند الرؤساء والسلاطين في السماويات بواسطة الكنيسة بحكمة الله المتنوعة ( اف۱۰:۳).

وأيضا : « وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات، ( اف 2: 6) وأيضا : “الذي في أجيال أخر لم يعرف به بنو البشر كما قد أعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح أن الأمم شركاء في الميراث والجسد ونوال موعده في المسيح” ( أف 3: 5 ،6).

1. الهة القمر عند الرومان ، و كانت تمثل العفة والصيد ، ودعيت فيما بعد ارطاميس التي عبدها أهل أفسس ( أع ۱۹ : ۲۶ – ۲۸). 
2. احدى مقاطعات اليونان ، و كانت تقع فيها أفسس .
3.  قال أحد المفسرین ( Alford ) عنها : أنها أعظم وأهم رسالة سماوية كتبها شخص متصل بالسماويات : وقال آخر ( Grotius ) و آن آراءها السامية تعبر عنها كلمات أسمى من أية لغة بشرية ، وقال عنها آخر ( Cleridge ) : “انها أسمى ما يمكن أن يكتبه انسان عن الالهيات” .