تفسير رسالة كورنثوس الإولى أصحاح ٨ للقديس يوحنا ذهبي الفم
تفسير كورنثوس الأولى – الأصحاح الثامن
«وأما من جهة ما ذُبح للأوثان فنعلم أن لجميعنا علماً. العلم ينفخ ولكن المحبة تبني» (ع۱).
المقصود بالأوثان هو الخشب والحجارة والجن ولا يمكنها أن تضر أو تنفع.
أظهر بولس الرسول هنا أن المعرفة لا تصنع المحبة لكنها بالعكس تُفرق من لا يصغي لها إذ تجعله يشمخ ويتعالى لأن الكبرياء من عادته التفريق ، أما المحبة فتضم وتقود مرشدة إلى المعرفة، كما أن المعرفة بدون المحبة ليس فيها نفع بل ضرر، فلماذا إذا التشامخ بالمعرفة لأنكم إن لم تمتلكوا المحبة تضرون.
«فإن كان أحد يظن أنه يعرف شيئاً فإنه لم يعرف شيئاً بعد كما يجب أن يعرف» (ع۲).
فإن كنا لا نمتلك معرفة شيء بالتأكيد فكيف يتجرأ قوم ويدعون أنهم قد عرفوا الله بكل حقيقة المعرفة، حيث وإن كنا نمتلك معرفة الأشياء الأخرى كلها حقيقة المعرفة، ولا على هذا المنوال يمكننا امتلاك هذه المعرفة التي لله، لأن مقدار الفرق بين الله وبين الأشياء كلها لا يمكن لأحد أن ينطق به.
« ولكن إن كان أحد يحب الله فهذا معروف عنده» (ع۳)
لم يقل بولس الرسول عن الله إنه عرفه بل قال “معروف عنده” لأننا نحن ما عرفنا الله بل هو الذي عرفنا.
«فمن جهة أكل ما ذبح للأوثان نعلم أن ليس وثن في العالم وأن ليس إله آخر إلا واحداً» (ع4).
نصح بولس الرسول أولاده أن يبتعدوا عن مثل هذه الموائد التي يوجد فيها ما ذبح للأوثان ، حيث كانوا يبادرون إليها بغير تمييز ، وإذا ما منعوا بالابتعاد عنها كانوا يتوهمون أن لهذه الموائد قدرة تضرهم.
والمقصود من قوله “ليس إله آخر إلا واحداً” ، أي أن الأوثان ليست شيئاً في العالم ولا هي آلهة بل هي حجارة ، لأنه ليس أحد آخر إلها إلا واحداً.
«لأنه وإن وجد ما يسمى آلهة سواء كان في السماء أو على الأرض كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون . لكن لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به » (ع 6،5).
المقصود من قول بولس الرسول “ما يسمى آلهة” أي ليسوا هم آلهة على الإطلاق بل سُموا بذلك أى لهم التسمية بالألفاظ فقط.
وقول بولس الرسول “سواء كان في السماء أو على الأرض” أي أن اليونانيين كانوا يسجدون لتلك الآلهة سواء أكانت في الأرض أو في الشمس أو في القمر ، أو في باقي مصاف الكواكب.
أما المقصود من قوله “ونحن له” أي لله التخصيص والإيمان.
«ولكن ليس العلم في الجميع بل أناس بالضمير نحو الوثن إلى الآن يأكلون كأنه مما ذبح لوثن فضميرهم إذ هو ضعيف يتنجس. ولكن الطعام لا يقدمنا إلى الله لأننا إن أكلنا لا نزيد وإن لم نأكل لا ننقص » (ع۸،۷).
أي إن أكلنا لا نزيد وننجح عند الله ، وإن لم نأكل لا ننقص لأن الطعام لا يقدمنا إلى الله.
«ولكن انظروا لئلا يصير سلطانكم هذا معثرة للضعفاء» (ع 9)
لم يقل بولس الرسول إن سلطانكم عثرة ، لكنه قال : “لئلا يصير سلطانكم هذا معثرة” فخوفهم وأخجلهم وقادهم ألا يفعلوا ذلك.
«لأنه إن رآك أحد يا من له علم متكئاً في هيكل وثن أفلا يتقوى ضميره إذ هو ضعيف حتى يأكل ما ذبح للأوثان» (ع۱۰).
أي إن شاهدك أحد تتردد على الأوثان فيقبل ذلك عوض الوعظ وتكون بذلك صیرته أشد ضعفاً.
«فيهلك بسبب علمك الأخ الضعيف الذي مات المسيح من أجله» (ع11).
وفي عملك هذا انتبه لأمرين هما : أنك تتعامل مع إنسان ضعيف وأخ ، بل هناك شيء آخر مخوف أكثر هو أن السيد المسيح مات لأجله ، ثم أن سيدك ما عفی نفسه من أن يموت من أجل هذا الإنسان، وأما أنت فلم تحتسبه شيئاً حتى مائدة نجسة تبتعد عنها من أجله لكنك تدعه يهلك بعد الخلاص الذي حصل هكذا.
وكون هذا الإنسان ضعيفاً بهذا المقدار اعتنى السيد المسيح بأمره حتى إنه مات من أجله وبعد هذا كله يهلك لأجل طعام !! .
«وهكذا إذ تخطئون إلى الإخوة وتجرحون ضميرهم الضعيف تخطئون إلى المسيح» ( ع۱۲).
لم يقل بولس الرسول تشككون ضميرهم وإنما قال “تجرحون ضميرهم ” لکی بتعظيم اللفظ يوضح القساوة لأن أي إنسان يكون أشد قساوة من الذي يضرب المريض.
ومعنى “تخطئون إلى المسيح ” أي أن الذين يضرون الضعيف إنما يفعلون ذلك في جسد السيد المسيح.
«لذلك إن كان طعام يعثر أخي فلن آكل لحماً إلى الأبد لئلا أعثر أخي» ( . ( ع۱۳)
هذا الأمر يفعله بولس الرسول كمعلم فاضل.
ولم يقل بولس الرسول لن أكل لحما يوماً واحداً أو يومين بل إنه قال « فلن آكل لحمة إلى الأبد».
ولم يقل لئلا أهلك أخي بل قال : لئلا أعثر أخي ، لأن من غاية الجهل أن الذين اجتهد السيد المسيح في شأنهم بهذا المقدار حتى إنه قبل الموت من أجلهم إذ نحتسبهم محتقرين هكذا ، حتى إننا لا نمتنع عن الطعام لأجلهم.
تفسير 2 كورنثوس 7 | تفسير رسالة كورنثوس الأولى | تفسير العهد الجديد |
تفسير 2 كورنثوس 9 |
القديس يوحنا ذهبي الفم | |||
تفاسير رسالة كورنثوس الأولى | تفاسير العهد الجديد |