الخادم المختبر

ما هو المقصود بالاختبار الروحي؟ وما هي مجالات الاختبار الروحي المسيحي الأصيل؟ وكيف يمكن الاستفادة من كل أحداث الحياة والخروج منها بخبرة إيمانية حلوة خصوصا بالنسبة لكل خادم وخادمة؟

معنى الاختبار الروحي :

+ إن كل المفاهيم الروحية وأسرار العشرة والعلاقة مع الله هي أمور للحياة والتذوق والاختبار. فالإنسان المؤمن – والخادم المسيحي على الأخص – هو كائن حي بالروح القدس: حيوي ونشط و فعال؛ مختبر ومتذوق وعائش؛ شبعان ومرتوي ومثمر. وهذا كله تعبير عن تعرفه الحقيقي على شخص الرب الإله واتحاده به في شركة سرية عميقة لكن لها ثمرها الحي المنظور.

+ الاختبار الروحي معناه أنه في الإمكان أن نرى ونلمس أموراً مفيدة وممتعة ولو من خلال ما هو قاصر أو سلبي أو ضعيف. بمعنى أننا نتيقن: كيف يخرج الرب من الأكل أكلاً ومن الجافي حلاوة (قض 14: 14). وسوف نرى أمثلة لذلك. وهذا يؤكد إمكانية الخروج بالنصرة والاستفادة الروحية من خلال كل اختبار.

+ والاختبار الروحي يمكن أن يشمل مجالات كثيرة في حياتنا سواء من خلال العبادة الروحية بكل فرصها أو الخدمة في مختلف ميادينها أو ظروف الحياة في تعدد مناسباتها. فالعبرة ليست بالظروف أو المناخات بقدر الإنسان نفسه المحب الله الذي يعيش بمفهوم: “مختبرين ما هو مرضي عند الرب” (أف 5: 10)، وهكذا من خلال اختبارات الخدمة الحية المثمرة ينطبق علينا كلمات الرسول : “باختبار هذه الخدمة يمجدون الله” (2كو 9: 13) بل وحتى في الضيقة يقال عنا : “في اختبار ضيقة شديدة فاض وفور فرحهم” (2كو 8: 2)

مجالات الاختبار الروحي :

عموماً يمكن تذوق الاختبارات الروحية في مجالات : الفكر الفضائل حياة الشركة – الضيقات – اقتناء والحروب – الخدمة الزمن.

1- الفكر المسيحي :

+ يدعونا الرسول بولس : “لا تكونوا أغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب” (أف 5: 17). ويدعونا أيضاً أن نميز الأفكار الشريرة المقاومة ونأخذ منها موقفاً فيقول : “هادمين ظنوناً وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح” ( 2كو 10: 5). + ونحن إن كنا نبحث عن مادة عليا سامية للفكر وننشغل بموضوعات مقدسة ذات إيجابيات واضحة في حياتنا وحياة الآخرين سنصل إلى الفكر النقي المحلق باستمرار في السماوات.

+ ونضع أمامك أيها الخادم مجالات كثيرة وموضوعات خصبة للفكر المسيحي الراقي التي يمكنك أن تتأمل فيها وتنشغل بها باستمرار :
– ملكوت السموات والأبدية.
– العرس السماوي. 
– خلاص النفس.
– بطلان العالم وتفاهته.
– جمال الرب وصفاته .
– قوة الصليب.
– جمال الكنيسة.
– فاعلية التوبة.
– جمال العشرة مع الرب.
– الفضائل المسيحية.

+ ينبغي للخادم أن يفكر في هذه الموضوعات ويغذي عقله وقلبه وحواسه بالقراءات والتسابيح التي تخدم هذه الموضوعات وتبرزها وتغذيها في داخله. وهنا تكون الخلاصة المفرحة أن تختبر كيف يسمو عقلك ويتهذب فكرك وتتنقى مشغولياتك الفكرية من سجس العالم لأنها تكون حينئذ محلقة مع الرب.

+ يقول القديس موسى الأسود : اذكر ملكوت السموات لتتحرك فيك شهوتها إذ ينبغي في كل حين أن يكون اشتياقنا هو الوصول لله والاتحاد به.

2- اقتناء الفضائل :

+ الفضائل المسيحية هي زينة النفس وبستان الخادم الجميل الذي يتمشى فيه دوماً ومعه أولاده المخدومين يقطفون منه كل ما هو منعش للحياة.

+ انظر كيف يدعونا الرسول بطرس لهذا الاختبار: “لهذا عينه وأنتم باذلون كل اجتهاد قدموا في إيمانكم فضيلة وفي الفضيلة معرفة وفي المعرفة تعففاً وفي التعفف صبراً وفي الصبر تقوى وفي التقوى مودة أخوية. وفي المودة الأخوية محبة” (2بط 1: 5-7)

+ والحديث عن الفضيلة له طعم حلو؛ ولكن اختبار الفضيلة والعيشة بها له مذاق أحلى وهذا ما ينبغي أن يفهمه كل خادم وخادمة.

+ خذ لنفسك أيها الخادم تداريب روحية كثيرة تدخلك إلى فضائل الهدوء والاتضاع والحب والمسكنة وانسحاق الروح والصمت وعفة اللسان وطهارة الشفتين.

وفي هذا يلزمك التخلي عن الذات ومتطلباتها ؛ والإنسان العتيق بغروره وشهواته. فالروح القدس نسمة خفيفة حلوة لا تعمل إلا في النفوس الوديعة الخاضعة لمطالب الروح.

واللذيذ هنا أن الإنسان بمجرد أن يعيش الفضيلة ويختبر حلاوتها سيزداد اقتناعاً بها وبالتالي تشبثاً بها، فيكلم الناس عنها من اختبار حي كإنجيل معاش.

3- حياة الشركة :

+ الشركة هي اصطلاح لاهوتي أصيل وعميق، وفي نفس الوقت مسيحي تعبير عملي عن اختبار العشرة مع الله وعضويتنا الحية في الكنيسة: جسد المسيح.

+ أمامنا الشركة مع الرب من خلال الإفخارستيا المقدسة “أنتم داخل الكأس أنتم داخل الصينية” (أغسطينوس). ويقول الرسول : “فإننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لأننا جميعاً نشترك في الخبز الواحد” (1كو 10: 17).

+ وبهذا أيضاً نختبر حلاوة الشركة بين المؤمنين والقديسين وكيف أن لها قوتها وفاعليتها وبهجتها أكثر من روابط اللحم والدم والقرابة والصداقة والانتساب.

+ والخادم عليه أن يدخل في اختبار الشركة الجميلة التي تربطه بإخوته الخدام وأولاده المخدومين، وبرتب الكنيسة الخادمة أسقفاً وكهنة وشمامسة فيختبر حلاوة السيمفونية الرائعة التــ تعزفها الكنيسة ويكون دور الخادم هو أحد ألحانها أو بعض نغماتها.

+ وعمليا نصل إلى اختبار الشركة من خلال لقاءات الأغابي وسهرات التسبيح ولقاءات الفرح الروحي وزيارات الحب وافتقادات النعمة واجتماعات الصلاة وفرص الترنم وانتعاش الروح.

4- الضيقات والحروب :

+ الضيقات والحروب من أعظم المجالات التي يكتسب فيها الخادم أعظم الخبرات ويجتاز فيها أعمق الاختبارات. مرة أخرى نذكرك بكلمات الرسول : “في اختبار ضيقة شديدة فاض وفور فرحهم وفقرهم العميق لغني سخائهم لأنهم أعطوا حسب الطاقة. أنا أشهد وفوق الطاقة (2کو 8: 2، 3).

+ الخادم في اجتيازه للضيقات بصبر وأمانة يختبر أموراً جميلة حلوة منها بركة التسليم حلاوة الشكر، يد الله الممدودة بالخير، عناية الرب.. الخ.

+ وينبغي للخادم أن يكون له هذه الخبرة العميقة عن عمق الصليب وفاعلية الألم وهذا لا يتحصل عليه إلا إذا اجتازت نفسه اختبار الضيقة.

ما أحلى قول المزمور عن اختبار يوسف العفيف للضيقة والألم : أرسل أمامهم رجلاً. بيع يوسف عبداً. أذوا بالقيد رجليه. في الحديد دخلت نفسه. إلى وقت مجئ كلمته قول الرب امتحنه (مز 105: 17-19).

– أيها الخادم : هل دخلت في الحديد نفسك؟ وهل قول الرب امتحنك؟ وهل تسر بهذه المعاناة وتفرح بها وتخرج منها بأعظم الاختبارات؟ نرجو لك هذا.

5- الخدمة :

+ الخدمة السليمة المثمرة كلها اختبارات عميقة متصلة لا يكاد يفرغ الخادم من تذوق أحدها حتى يدخله الرب في الأخرى.

+ الخدمة الأمينة يختبر فيها الخادم الآتي : غلاوة النفس وخلاصها العظيم – إمكانية الروح القدس في تجديد النفوس – قوة الروح الناطق على لسانه – معجزة تغيير الخطاة ورجوعهم إلى الله. هذا من جانب؛ ومن جانب آخر: فهناك اختبارات خدمة المريض واليتيم والأرملة والبائس والمحتاج والمكسور واليائس. وهذا كله يمكن الوصول إليه من خلال خدمة العمل الفردي والافتقاد

+ مسكين هو الخادم الذي كل خبرته في الخدمة هي إلقاء درس وتوزيع صورة وكتابة سطور في كشكول… بينما لم يختبر بعد كيف يصل بهذه الوسائل وبغيرها إلى حياة المخدوم وقلبه ومعاناته واحتياجاته.

یا خدام و خادمات : انزلوا إلى أعماق النفوس وبواطن حياة المخدومين فستخرجوا باختبارات روحية عميقة. لعل الكتاب يشهد عن كل منكم أنه كان هذا خبيرا في طريق الرب” (أع 18: 25).

6- الزمن :

عزيزي الخادم وأختي الخادمة : ألا تروا معي أن كل هذه الاختبارات الروحية الجميلة تتحقق من خلال زمان مبارك نقضيه في عشرة أمينة للرب وبها نستطعم الماضي والحاضر والمستقبل. وعندئذ سنصرخ ونقول في اختبار عميق (يكفينا من الخير أن نحيا لحبه مهما كانت النهاية).

ليس الزمن ضد الإنسان ولا هو فراغ يحارب منه الخادم بل بالعكس هو فرصة دسمة لمزيد من المكاسب الروحية. إن استغلال الخادم للزمن واستثماره لهو موضوع جدير بالدراسة والتأمل، وهذا ما دعانا أن نفرد له فصلاً مستقلاً في حلقة قادمة تحت عنوان “الخادم وأزمنة حياته”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى