تفسير رسالة كورنثوس الأولى ١٢ للقمص تادرس يعقوب ملطي
المواهب الروحية
12 – 14
تعالج هذه الأصحاحات الثلاثة موضوع المواهب الروحية، فقد تمتع أعضاء الكنيسة في كورنثوس بالعديد من المواهب الروحية العظيمة، لكن كثيرين أساءوا استخدامها.
أكد الرسول في هذه الأصحاحات:
أولاً: كل المواهب الروحية هي عطية الروح القدس مُقدمة من أجل الكنيسة الواحدة. ويلزم تنوع المواهب لأجل تكميل الأعضاء بعضهم البعض، فلا يفتخر أحد على أخيه بما وهبه اللَّه مجانًا من أجل بنيان اخوته (أصحاح 12).
ثانيًا: الحب أفضل من كل المواهب، فهو العامل المشترك بين كل الأعضاء، بدونه تصير كل المواهب حتى الإيمان والرجاء بلا نفع (أصحاح 13).
ثالثًا: إذ أساء البعض موهبة التكلم بالألسنة علي وجه الخصوص عالج الرسول هذه الموهبة على ضوء أن الحب فوق كل موهبة، وأن النبوة والتعليم لبنيان الكنيسة أهم من التكلم بالألسنة (أصحاح 14).
الأصحاح الثاني عشر
المواهب الروحية
يعالج هذا الأصحاح موضوع “المواهب الروحية” لكي يؤكد الحقائق التالية:
أولاً: أنها مواهب غنية وكثيرة ومتنوعة.
ثانيًا : مصدرها واحد وهو اللَّه.
ثالثًا: تهدف جميعها إلي ذات الغاية، وهي بنيان الكنيسة، أي تحقيق مجد اللَّه بخلاص الكثيرين ونموهم روحيًا.
رابعًا: الكنيسة جسد المسيح الواحد، ليس من عضو لا يتمتع بمواهبٍ روحيةٍ.
خامسًا: الكنيسة تشبه الجسد الواحد، جميع أعضائه تعمل معًا، ولكل عضو مواهبه اللائقة به.
سادسًا: المواهب الروحية ليست غاية في ذاتها، لكن يلزم الانتفاع بها، حتى لا تصير علة انقسامات وانشقاقات.
في حديثه عـن المواهب الروحية وعلاقتها بالخدمة الكنسية أورد الرسول قائمة بتسع مواهب للروح [8-10]، كلها تعمل لبنيان الكنيسة. وقد استخدم كلمة “جسد” هنا 18 مرة [12-31] كرمز للكنيسة، بكونها المؤمنين جسد المسيح.
الروح القدس هو واهب المواهب، فلا يستطيع أحد أن يفهم الكتاب المقدس ولا أن يكرز به بدون الروح القدس، ولا يقدر أن يقدم تسبيحًا مقبولاً عند الرب إلا بالروح القدس. للأسف كان كثيرون مشغولين بموهبة التكلم بألسنةٍ لم يسبق لهم أن تعلّموها كنوعٍ من الاستعراض. لم يهب الرب الموهبة لكي يجتمع الناس حول الشخص، بل لكي يتمتعوا بعمله الإلهي الخلاصي الذي لن يتحقق بدون الحب الحقيقي.
1. واهب المواهب الروحية 1-3.
“وأما من جهة المواهب الروحية أيها الاخوة فلست أريد أن تجهلوا” [1].
يميز البعض بين النعمة الإلهية charis والموهبة الروحية charismata ، فكلاهما عطيتان مجانيتان من قبل اللَّه. لكن النعمة هي عطية يتمتع بها المؤمن من أجل خلاصه وبنيانه الروحى؛ أما الموهبة الروحية فهي عطية يتمتع بها من أجل بنيان الكنيسة وخلاص الآخرين، وإن كان يصعب الفصل التام بينهما، فإن خلاص المؤمن مرتبط بخلاص أخوته.
كانت الكنيسة في كورنثوس غنية جدًا في المواهب الروحية، لكن للأسف أساء الكثيرون استخدامها بسبب الكبرياء والانشغال بالموهبة ذاتها لا بتحقيق غايتها.
يود الرسول ألا يجهل السامعون المواهب الروحية، وما هو مصدرها، ودور كل عضوٍ في الكنيسة خلال ما يتمتع به من مواهبٍ قدمها له اللَّه، وألا يسيء أحد استخدامها، فتصير علة انقسام وانشقاق عوض البنيان، وما هي قواعدها ومشاعر من يتمتع بها.
ليس من موضوعٍ أهم من “المواهب الروحية” في حياة الكنيسة، حيث يقود الروح القدس المؤمنين في الطريق الملوكي متجاوبًا مع عمل السيد المسيح الخلاصي، ومهتمًا بخلاص كل نفسٍ بشرية. خلال كل المواهب الروحية ليس ما يشغل قلب المؤمن إلا أن يحقق إرادة اللَّه أن الجميع يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون.
v كان الذين يقبلون الكرازة الإلهية في العصور السابقة ويعتمدون لأجل خلاصهم ينالون علامات ظاهرة لنعمة الروح القدس. فكان البعض يتكلم بألسنة لم يعرفوها ولم يعلمها لهم أحد، بينما يُمارس البعض عجائب ويتنبأون. لقد فعل الكورنثوسيون هذه الأمور, لكنهم لم يستخدموا هذه المواهب كما ينبغي, إنما كانوا يهتمون في استعراضها لا في استخدامها لبنيان الكنيسة.
ثيؤدورت أسقف قورش
v دعا بولس المواهب “روحية“, لأنها من عمل الروح وحده, وليس شيء فيها من فضلٍ بشريٍ.
“أنتم تعلمون أنكم كنتم أممًا
منقادين إلى الأوثان البكم كما كنتم تساقون” [2].
إذ يوجههم إلى التعرف على المواهب الروحية يذكرهم بما كانوا عليه قبل الإيمان، حيث كانوا من الأمم محمولين بالأهواء الجسدية والشهوات الزمنية. لم يكن قائدهم التعقل والحق, بل كانوا كمن هم في مهب الريح.
كانوا قبلاً يعبدون الأوثان الصماء التي بلا حس، أما الآن فيقودهم روح اللَّه القدوس الواهب الحياة.
إنه يذكرهم بما كانوا عليه من بؤسٍ روحيٍ قبل قبولهم الإيمان، وما كانوا عليه من غباوة وعدم معرفة للَّه الحقيقي، إذ كانوا مخدوعين من الكهنة الوثنيين وعظماء الدولة. والآن يتمتعون باللَّه الحي الذي يهبهم بروحه القدوس مواهب فائقة لأجل بنيان اخوتهم في البشرية.
كأنه يليق بهم أن يقدموا ذبيحة شكر للَّه الذي هداهم إلى الحق، وقدم لهم هذه المواهب. عوض الافتخار بالمواهب يليق بهم أن يعملوا بكل حكمةٍ وقوةٍ، فإن ما نالوه لا فضل لهم فيه.
v يظهر بولس أنه يوجد فارق عظيم بين النبوة المسيحية والعرافة الوثنية. الوثنيون لا يوجهون الحديث للروح الشرير، إنما الروح يمتلكهم وينطق بأمورٍ لا يفهمونها. نفس النبي الوثني تظلم ولا يعرف ما يقول, أما نفس النبي (المسيحي) فتستنير ويعلن ما تعلمه النبي وفهمه.
سفيريان أسقف جبالة
“لذلك أعرفكم أن ليس أحد وهو يتكلم بروح اللَّه يقول يسوع أناثيما،
وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس” [3].
الروح القدس واهب كل المواهب الروحية هو الذي يقود البشرية للإيمان بأن يسوع هو الرب، فمن يعترف بربوبية يسوع المسيح يقوده الروح القدس، أما الذي يهينه فلا يقوده الروح القدس. هكذا يود الرسول بولس أن يوجه كل طاقات الكنيسة مع اختلاف المواهب إلي تعرف الناس علي شخص يسوع أنه الرب المخلص، الأمر الذي لن يتحقق بدون عمل الروح القدس.
يبدو أن بعض اليهود الذين رفضوا الإيمان المسيحي ادعوا أنهم منقادون بالروح القدس الذي كان يعمل في الأنبياء في العهد القديم. لكن الرسول وضع قاعدة واضحة أن من يلعن السيد المسيح أو يحسبه أناثيما فهو غير منقاد بالروح القدس.
عمل الروح القدس أن يكشف عن شخص يسوع ويكرمه ويحثنا علي قبول عمله الخلاص والتعبد له والتعلق به بالحب. هذا هو عمل الكنيسة التي يقودها الروح القدس، بل وعمل كل عضوٍ حيٍ فيها.
v علّة كل الأشياء، الذي هو ربنا، يشرق في قلوبنا بالروح القدس، إذ يستحيل أن يُعرف الرب يسوع بحق إلا بالروح القدس كقول الرسول.
v المولود من الروح يصير روحًا، وبذلك يشهد عن المسيح، كما يقول الرسول: “ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس” [3].
v إن كان لا يستطيع أحد أن يقول بأن يسوع هو رب إلا بالروح, فماذا يمكننا أن نقول عن الذين دعوا اسمه وليس لهم الروح؟ هنا يليق بنا أن نفهم أن بولس لم يكن يتحدث عن الموعوظين الذين لم يتعمدوا بعد بل عن المؤمنين وغير المؤمنين.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v توجد أنواع مختلفة جدًا من الروح، وبدون موهبة التمييز من يقدر أن يعرف ما هي؟
v يليق بنا أن نسأل: كيف يتفق القول: “ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات” (مت 7 : 21) مع قول الرسول: “ليس أحد يقدر أن يقول يسوع ربُّ إلاَّ بالروح القدس“ (1 كو 3:12)؟ فلا نستطيع القول بأن من كان به الروح القدس لا يدخل ملكوت السماوات طالما كان مثابرًا إلى النهاية. كما لا نستطيع أن نؤكد بأن الذين يقولون: “يا رب يا رب” دون أن يدخلوا ملكوت السموات معهم الروح القدس.
ففي قول الرسول: “لا يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس” يقصد بكلمة “يقول” المعنى الدقيق لها أي الإرادة والفهم عند القول، بينما كلمة “يقول” الواردة في كلام السيد المسيح فيقصد بها المعنى العام. لأن من ينطق دون أن يرغب فيما يقول ولا يفهمه يبدو كما لو كان “يقول”. وأما من يعَّبر بقوله عن إرادته وعقله فهذا “يقول” بحق.
هذا يشبه تفسيرنا لكلمة “فرح” السابق شرحها كثمرة من ثمار الروح. إذ يقصد بها المعنى الدقيق لها، لا المعنى العام الذي ورد في قول الرسول نفسه: “لا تفرح بالإثم” (1 كو 6:13) كما لو كان من الممكن أن يفرح الإنسان بالإثم، مع أن الفرح يملكه الإنسان الصالح وحده. هكذا أيضًا هؤلاء يبدو كما لو كانوا يقولون “يا رب” وهم لا يدركون ما ينطقون به ولا يقتنعون بالتأمل في الإرادة فيه، إنما ينطقون بفمهم فقط. أما الذين ينطقون بالكلام معبرًا عن حقيقة إرادتهم وقصدهم فهؤلاء “يقولون” بالحق والصدق. عن هؤلاء يقول الرسول: “ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس”.
v إذا قورنت عصا للقياس (الياردة) بأخرى, فإنهما يكونان مُتفقتين معًا في الاستقامة. لكن إذا قورنت قطعة خشب معوجة بمسطرة, فإن الخشب المعوج مختلف عن المستقيم. هكذا فإن مديح اللَّه بار ويحتاج إلى قلب مستقيم لكي يكون المديح مناسبًا له ولائقًا به. فإنه لا يقدر أحد أن يقول: “يسوع رب” إلا بالروح القدس. هكذا كيف يمكن أن يُقدم المديح اللائق إن لم يكن للشخص روح مستقيم في قلبه؟
القديس باسيليوس الكبير
v إن كنا لا نقدر أن ندعو الرب يسوع بدون الروح، فبالتأكيد لا نستطيع أن نعلن عنه بدون الروح.
v أي حقٍ ينطق به أحد، إنما ينطقه بالروح القدس.
أمبروسياستر
v عندما اعترف لجيئون الشيطاني بيسوع أنه رب لم يفعلوا ذلك بمعنى الإيمان به, إنما فعلوا هذا معترفين بمعرفتهم لربوبية المسيح وسلطانه على كل شيء.
سفيريان أسقف جبالة
v لا يوجد تعارض بين تعليم الابن الوحيد الجنس وتعليم الروح القدس. في الأناجيل علمنا الرب مدى عظمة الروح القدس ويعلن الروح عن ربوبيته. ليس أحد بالحق يحركه الروح يمكن أن يقول بأن المسيح ليس إلهيًا.
ثيؤدورت أسقف قورش
v من لا يؤمن بالروح لا يؤمن بالابن، ومن لا يؤمن بالابن لا يؤمن بالآب. لأنه “ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس”، و”اللَّه لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبَّر” (يو18:1).
القديس باسيليوس الكبير
2. تنوع المواهب ووحدتها 4-11.
“فأنواع مواهب موجودة،
ولكن الروح واحد” [4].
توجد مواهب charismatoon كثيرة تقود إلى نتائج عجيبة، كموهبة النبوة والتعليم والإعلانات الإلهية والتكلم بألسنة وصنع عجائب، وردت في الآيات ]8- 11[. هذه المواهب مصدرها واحد وهو الروح القدس الذي يشهد للسيد المسيح ويعلن عن شخصه وعمله لتحقيق غاية إلهية، فليس من حق أحد أن يفتخر بما ناله مجانًا ولا أن يحتقر من ليس له ذات الموهبة.
يوزع الروح القدس مواهبه حسب مشيئته الإلهية، بسلطانه، حسب ما يناسب كل شخصٍ، وما فيه نفع الكل.
حاول بعض النقاد الألمان إدعاء أن كلمة “الروح” هنا يقصد بها الطبيعة Eichhorn وهذا لا يتفق مع ما ورد هنا في هذه العبارة، بل ويناقضها. واضح أن الروح هنا يعنى به الرسول الأقنوم الثالث: “الروح القدس” واهب الحكمة والمعرفة والإيمان وصنع العجائب الخ.، كما جاء في كثير من عبارات العهد الجديد. وتفقد العبارة كل تناغم فيما بينها أن فُسر الروح هنا بغير الروح القدس.
v حتى أن أعطيت لك موهبة أقل من التي أعطيت لآخر، فإن الواهب هو واحد, لذلك فإن لك كرامة مساوية له.
v توُجد فوارق في المواهب، إلا أنه لا يوجد فرق في الواهب. فإنكم تسحبون من ذات الينبوع أنتم وهو.
v هذا لا يخص كمال الروح ولا جزء منه, لأنه لا يستطيع الذهن البشري أن يقتبس كمال اللَّه ولا ينقسم اللَّه إلى أجزاء في ذاته. إنما يسكب عطية نعمة الروح التي لعبادة اللَّه, إذ هو أيضًا يُعبد في الحق, إذ ليس أحد يعبده إلا ذاك الذي ينسحب إلى الحق في لاهوته بحبٍ تقويٍ.
“وأنواع خدم موجودة،
ولكن الرب واحد” [5].
توجد خدمdiakonioon ، أي وظائف كثيرة مثل الرسل والأنبياء والمعلمين وأيضًا الأساقفة والكهنة والشمامسة الخ. قد تأهلوا للخدمة لا بذواتهم بل بدعوة الرب يسوع المسيح إليهم.
بقوله: “وأنواع خدم موجودة” يؤكد تنوع العاملين في كرم الرب واختلاف درجاتهم، لكنهم متساوون من جهة مصدر الدعوة وغاية العمل وهي خدمة الرب الواحد، وأن جميعها ضروري ومكمل لبعضه البعض وإلا فلماذا يدعوهم “الرب الواحد“؟ لهذا يليق ألا يفتخر أحد، ولا يشعر آخر بأنه مُحتقر ومرذول.
“وأنواع أعمال موجودة،
ولكن اللَّه واحد الذي يعمل الكل في الكل” [6].
“وأنواع أعمال energeematon موجودة“، أي طاقات عاملة، مثل صنع المعجزات وإخراج الشياطين وشفاء المرضي وإقامة موتى بجانب أعمال القلب والفكر الخ. مصدرها هو اللَّه الآب “الذي يعمل الكل في الكل”. اللَّه هو الذي تظهر أعماله في الأمور الضخمة كخلقة الشمس والقمر والكواكب وفي الأمور التي تبدو بسيطة جدًا لا نعيرها اهتمامًا كوجود دودة صغيرة. لذا وجب أن يقف جميع العاملين في الكنيسة لا ليتفاخروا بما نالوه من طاقات قد تكون خارقة الطبيعة، وإنما أن يشترك الكل في تقديم ذبيحة شكر للَّه العامل واهب القوة.
هكذا ينسب الرسول المواهب للروح القدس [4]، والخدم للرب يسوع [5] والطاقات للَّه الآب [6].
توجد مواهب روحية وخدم وطاقات للعمل مصدرها الروح القدس والابن المتجسد واللَّه الآب. مصدر كل هذه البركات السماوية هو الثالوث القدوس الواحد، الذي يقدم لكل مؤمنٍ حسب مسرته الإلهية.
v نحن جميعًا جسد المسيح الواحد الذي رأسه اللَّه, وأعضاؤه نحن.
ربما يكون البعض الأعين مثل الأنبياء.
والبعض يكونون بالأكثر مثل الأسنان, كالرسل الذين يعبرون بطعام تعليم الإنجيل إلى قلوبنا…
والبعض هم الأيدي الذين يُرون حاملين أعمالاً صالحة. الذين يقدمون قوة لانتعاش الفقراء الذين هم بطنه.
البعض هم قدماه.
ليتني أكون مستحقًا أن أحسب عقبه! إنه يُسكب الماء على قدمي المسيح ذاك الذي يغفر للمنحطين خطاياهم, والذي يحرر الإنسان العادي بغسل قدمي المسيح.
v ربما يُصاب من يسمع عن المواهب بحالة إحباط متى وجد آخر لديه موهبة أعظم منه. ولكن إذ نأتي إلى الخدمة يحدث أمر آخر. ففي هذه الحالة فإن التعب والعرق مطلوبان. لماذا تشتكي إن أخذوا خدمة أكثر ليفعلوها لكي يريحوك؟
القديس يوحنا الذهبي الفم
v كما أن عمل الجسم البشري يصير معطلاً متى لم توجد العوامل التي تثيره للحركة, هكذا بالنسبة للنفس.
فالعينان لا تحققان عمليهما إلا خلال النور أو بهاء النهار.
والأذنان لا تدركان عملهما حيث لا يوجد صوت يُسمع.
والأنف لا تعرف وظيفتها إن لم توجد رائحة مثيرة.
هذا ليس لأن العمل قد فُقد وإنما لمجرد غياب العلة لظهوره, بل بالأحرى العمل الوظيفي يتحقق من السبب.
نفس الأمر بالنسبة لنفس الإنسان. إن كانت النفس لم تتفهم عطية الروح خلال الإيمان فإنه وإن كانت لا تزال تملك عمل الفهم لكن ليس لديها نور المعرفة. العطية التي في المسيح ممكنة لكل أحد بكمالها وما هو حاضر في كل موضع يُوهب قدرما نرغب أن نتقبل وسيبقى فينا مادمنا نرغب أن نتأهل له. هذه العطية هي معنا حتى إلى نهاية العالم.
هذه هي التعزية التي نتوقعها خلال فاعلية العطايا, هي عربون الرجاء المقبل. هذا هو نور الذهن, وسمو النفس. لهذا يليق بنا أن نصلي لهذا الروح القدس.
v توجد أربعة معانٍ في الكلمات التي بين أيدينا.
يُوجد الروح نفسه في المواهب المختلفة.
يوجد نفس الرب في الخدم المختلفة.
يوجد نفس اللَّه في هذه الأمور المتباينة.
يوجد إعلان للروح في المواهب الممنوحة النافعة.
القديس هيلاري أسقف يواتييه
v تؤول كل المواهب والخدم والعمل إلى نهاية واحدة, فإنها أشكال مختلفة لذات الخدمة.
القديس يوحنا الذهبي الفم
يحدثنا العلامة أوريجينوس عن دور الثالوث القدوس في المواهب المقدمة للمؤمنين، فيقول أن سرّ قوتها في اللَّه الآب مصدرها، ويقوم الابن باستخدامها للخدمة، ويهبها الروح القدس للمؤمنين ويقوم بتوزيعها. [تأتي هذه المواهب من اللَّه، وتستمد منه القوة، ويخدمها المسيح، وندين لوجودها الحقيقي في البشر للروح القدس].
v هنا في حالة الآب والابن والروح القدس فإن قوتهم قائمة في طبيعتهم. أقول أنها تؤكد أن الآب والابن والروح القدس في مركز القوة ليعملوا إرادتهم… فإن الروح القدس يحيي من يشاء، ويعمل الكل في الكل كما يشاء؛ والابن الذي به خُلقت كل الأشياء المنظورة وغير المنظورة في السماء وعلى الأرض يفعل كل الأمور حسب مسرّته، ويحيي من يشاء. والآب يضع الأزمنة في سلطانه، وإذ يشير إلى الأزمنة يستخلص أن كل شيء يحدث في وقته خاضعًا لقوة الآب.
v هذا الروح دون نزاع هو روح ملوكي، روح محيي، القوة الضابطة والمقدسة لكل الخليقة، الروح الذي “يعمل الكل في الكل” كما يشاء.
“ولكنه لكل واحدٍ يعطى إظهار الروح للمنفعة” [7].
“ولكن لكل واحد يُعطى إظهار phaneroostis الروح“، فجميع المؤمنين بلا استثناء لهم دورهم؛ لكل واحدٍ موهبة أو خدمة أو طاقة عمل لإظهار الروح. جاءت كلمة “إظهار” باليونانية لتعني الكشف عن المشاعر الحقيقية وعن عمل الروح في أعماق الإنسان. كما أن الطبيعة الظاهرة تكشف عن اللَّه غير المنظور، هكذا حياة المؤمن وأعماله وغيرته تكشف عن الروح العامل فيه.
“للمنفعة“: لا يهب اللَّه هذه العطايا لمنافع شخصية للمؤمن، وإنما لمنفعة الآخرين كما لخلاص نفسه. هنا لا يمكن الفصل بين منفعة صاحب الوزنة أو الموهبة أو العمل الكنسي ومنفعة الآخرين، فإن بنيان الكنيسة يقوم على التناغم بين بنيان النفس الداخلية والشهادة للحق وكسب الآخرين للشركة في التمتع بالبركات الإلهية.
v إذ لا يوجد شخص واحد قادر على تقبل كل المواهب الروحية تُعطي نعمة الروح حسب إيمان كل واحدٍ. عندما يعيش إنسان في جماعة مع آخرين فإن النعمة التي توهب على وجه الخصوص لكل فرد تصير ملكًا عامًا للآخرين…
من ينال أية موهبة لا يملكها لأجل نفسه وإنما لأجل الآخرين.
القديس باسيليوس الكبير
v أيا كان قياس الروح الذي يُعطى لك فهو لنفعك, فليس من سبب أن تشتكي مما يبدو أنها موهبة صغيرة.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“فإنه لواحدٍ يُعطى بالروح كلام حكمة،
ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد” [8].
أولاً: موهبة الحكمة: يظهر الرسول تنوع هبات الروح الواحد للمؤمنين، فيقدم لواحدٍ كلام حكمة ولآخر كلام معرفة، حسب مسرته، بما يناسب الشخص وما ينفع الكنيسة كلها. يذكر الحكمة أولاً ثم المعرفة، ليس لأن الحكمة لها أولوية أو أسبقية عن المعرفة.
الأول يظهر كمرشدٍ حكيمٍ متعقل قادرٍ علي كشف حكمة اللَّه في تدبير خلاص للبشرية وتقديم المسيح “حكمة اللَّه” (أف 3: 10؛ 1 كو 1: 24) لمن هم حوله كي يقتنوه، إذ فيه تذخر كل كنوز الحكمة والمعرفة (كو 2: 3). فقد دُعي الرسل الكارزين sophoi حكماء (مت 23: 34)، دعوا ليعلموا بالإنجيل حسب الحكمة المعطاة لهم (2 بط 3: 15).
ثانيًا: موهبة المعرفة: يظهر المؤمن كمن نال بالروح القدس استنارة، فيقدم معرفة أسرار العهد القديم، ويكشف عن النبوات والرموز في الناموس والأنبياء. هذه المعرفة لا يُمكن عزلها عن الحكمة.
v بمعنى آخر يُعطى معرفة لا بالتعلم من كتاب بل باستنارة الروح القدس.
أمبروسياستر
v تشير الحكمة إلى معرفة الإلهيات, والمعرفة إلى العلم البشري.
القديس أغسطينوس
“ولآخر إيمان بالروح الواحد،
ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد” [9].
ثالثًا: موهبة الإيمان: إذ يهب الروح البسطاء الثقة في اللَّه حتمًا يحقق مواعيده الإلهية، فيحققون بصلواتهم الكثير، ويكون لهم دورهم بجانب الحكماء وأصحاب المعرفة. يتسم هؤلاء بروح الصلاة والورع والتقوى، ويلجأ الكثيرون إليهم لمساندتهم بالصلاة، بينما يقوم الحكماء وأصحاب المعرفة بكلمة الوعظ والتعليم.
الإيمان من أثمن مواهب الروح، مُقدم للجميع، لكنه من المواهب النادرة، يزدري به البعض في عجرفة واعتداد بالعمل البشري لا عمل اللَّه.
يتحدث الرسول هنا عن الإيمان الذي يحرك السماء والأرض، به يمكن أن تنتقل الجبال (1 كو13: 2)، ويرى البعض أن الإيمان هنا يقصد به العمل المعجزي في سحب القلوب لقبول عمل المسيح الخلاصي.
الإيمان الذي يُعطى بواسطة الروح كنعمةٍ ليس إيمانًا خاص بالتعاليم المجردة, وإنما الإيمان الذي يحمل قوة وحيوية تتعدى الطبيعة البشرية, الإيمان الذي يحرك الجبال… فكما أن حبة الخردل صغيرة لكنها تحمل طاقة متفجرة, فتأخذ الفرصة بزراعتها ثم تبعث فروعًا عظيمة حول الساق, حتى إذ تنمو تصير ملجأ للطيور, هكذا بنفس الطريقة فإن الإيمان يقدم في النفس أمورًا عظيمة… فإن مثل هذا يضع فكر اللَّه أمام ذهنه، وكاستنارة للإيمان يسمح بها فيرى اللَّه. ذهنه أيضًا يجول خلال العالم من أقصاه إلى أقصاه, ومع نهاية هذا الزمن الذي لم يأتِ بعد ينظر الدينونة قائمة فعلاً ويرى المكافآت الموعود بها ممنوحة.
القديس كيرلس الأورشليمي
v بدون روح الإيمان لن يؤمن أحد بحقٍ. بدون روح الصلاة لا يقدم أحد صلاة نافعة. هذا لا يعني وجود أرواح كثيرة بل في كل شيء روح واحد بعينه يعمل, الذي يقسم لكل واحد بمفرده حسبما يشاء.
القديس أغسطينوس
v “ولآخر إيمان“، لا يقصد إيمان العقائد، بل إيمان بعمل معجزات، الذي يقول عنه المسيح: “إن كان لكم ايمان مثل حبة الخردل، تقولون لهذا الجبل انتقل فينتقل” (مت 17 : 20).
القديس يوحنا الذهبي الفم
v الإيمان المذكور هنا ليس هو الإيمان الممنوح لكل مؤمن بل من النوع القادر أن يحرك الجبال.
ثيؤدورت أسقف قورش
رابعًا: موهبة الشفاء: بعد أن تحدث الرسول عن موهبة الإيمان انتقل إلى موهبة شفاء المرضى، القوة التى يهبها الروح ولكن في حدود. فالرسول بولس وُهب أن يشفي المرضى، حتى حُملت الخرق التي على جسده لشفاء المرضى بينما لم يستطع أن يشفي بعض تلاميذه الأخصاء مثل ابفرودتس (في 2: 26) وتروفيمس (2 تي 4: 20) وتيموثاوس (1 تي 5 : 23) كما لم يستطع أن يرفع عن نفسه الشوكة التي في الجسد (2 كو 12 : 7).
“ولآخر عمل قوات
ولآخر نبوة
ولآخر تمييز الأرواح،
ولآخر أنواع السنة
ولآخر ترجمة ألسنة” [10].
خامسًا: موهبة صنع العجائب energeemata dunameoon وهي تختلف عن الموهبة السابقة في أن الأولى خاصة بشفاء الأمراض، أما هذه فخاصة بعمل ما هو خارق للطبيعة، كما أشار السيد المسيح في (مر 16: 18)، حيث أعطى لتلاميذه أن يدوسوا على الحيات، وإن شربوا سُمًا مُميتًا لن يؤذيهم، ولعله يقصد أيضًا الإقامة من الأموات، وإخراج الشياطين وصنع الآيات.
هذه الموهبة خاصة بالأعمال الموجودة [6]، إذ جاءت الكلمة اليونانية واحدة في العبارتين.
سادسًا: النبوة: تعني التعليم بتفسير كلمة اللَّه الخاصة بالحياة العتيدة، وكما تعني الكشف عن أحداث مستقبلية في هذا العالم الحاضر كما تنبأ أغابيوس (أع 11: 28) عن ربط بولس وتسليمه للرومان (أع 21: 10)، كما أُعلن لبولس الرسول عن انكسار السفينة في مالطة (أع 27: 25).
v كما جاء في بولس النبوة تتحقق ليس فقط بالآب والابن بل وأيضًا بالروح القدس. لهذا فالعمل واحد والنعمة واحدة.
القديس أمبروسيوس
سابعًا: تمييز الأرواح: وهي موهبة يمكن بها الشخص أن يميز بين العجائب الإلهية الحقيقية والعجائب المزيفة، وبين المعلمين الحقيقيين والمعلمين الكذبة (1 يو 4: 1). يكشف الرب لهم نيات الإنسان وما في قلبه حتى يفضح الخداع والغش فلا ينحرف وراءه كثيرون.
بروح التمييز أيضًا عرف بطرس ما في قلبي حنانيا وسفيره اللذين كذبا على الروح القدس (أع 5: 1- 10)، وأيضًا في حالة ايليماس (أع 13: 9 – 11).
v في توزيع المواهب الروحية يُضاف أيضًا “تمييز الأرواح” الذي يُوهب للبعض. إنها موهبة روحية بها يُميز الروح كما يقول الرسول: “امتحنوا الأرواح إن كانت من اللَّه” (1 يو 1:4).
ثامنًا: أنواع ألسنة مختلفة genee gloossoon ينطقون بلغات متنوعة لم يسبق لهم أن تعلموها، إنما يهبها اللَّه لهم للتعليم.
تاسعًا: ترجمة ألسنة: إذ يتكلم البعض بألسنة لم يتعلموها يعرفها بعض الحاضرين ويجهلها الآخرون يقوم أحد الموهوبين بالترجمة لمنفعة الكل.
v افتخر الكورنثوسيون بالتكلم بالألسنة, لهذا وضعها بولس في آخر القائمة.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه،
قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء” [11].
هذه المواهب والأعمال الفائقة لا يُمكن اقتنائها بالخبرة والقدرات البشرية العادية، لكن الروح القدس يقوم بتوزيعها حسب مشيئته الإلهية. إنه يوزعها حسبما يرى فيه الأفضل لمن ينال العطية وللجماعة.
يرى البعض أن كلمة “مشيئته” لا تعني مجرد المسرة، وإنما حسب “حكمته“، فهو يوزع لا كيفما كان وإنما بما فيه الصلاح وما هو للنفع العام وحق. حقًا إنه صاحب سلطان وله أن يوزع كما يشاء حسب مسرته، وفي نفس الوقت هو روح الحكمة الإلهية، لن يخطئ قط وهو يوزع هذه المواهب.
هكذا يليق بالمؤمن ليس فقط ألا يفتخر بمواهبه كما لو كانت من عنده أو نالها عن استحقاق لبره الشخصي، ولا أن يحسد أخاه الذي نال مواهب لم ينلها هو، وإنما أن يعمل تحت قيادة روح اللَّه القدوس ليضرم الموهبة التى قُدمت له، كما يقوم بتشجيع الآخرين لإضرام مواهبهم.
عمل الكنيسة خلق روح القيادة الحية العاملة، ولكن بروح التواضع لا الكبرياء، وبروح القوة لا الشعور بالفشل..
v يُستخلص الدواء المسكوني لتعزياته من نفس الأصل ومن نفس الكنز ومن نفس المجرى. لهذا يوجه بولس أنظارنا عادة إلى هذا التعبير حتى نبدو كأننا متساوون فيعزيهم.
v تكلم الروح أيضًا في الآباء البطاركة والأنبياء وأخيرًا في الرسل، فبدأوا يصيرون أكثر كمالاً بقبولهم الروح القدس. هكذا لا يوجد فصل بين القوة الإلهية والنعمة، فإنه وإن وُجدت مواهب كثيرة لكن الروح واحد.
القديس أمبروسيوس
v هنا يعطى بولس راحة لأصحاب المواهب الصغيرة, مشيرًا أنها صادرة أيضًا من الروح القدس.
ثيؤدورت أسقف قورش
v لنعلن عن الروح القدس فقط كما هو مكتوب, ولا نكون مشغولين بما هو ليس مكتوب. الروح القدس وضع الأسفار المقدسة. تحدث من عنده كل ما أراده, أو كل ما يمكننا أن نفهمه. لنحدْ أنفسنا بما يقوله, فإنه من عدم المبالاة أن نفعل غير ذلك.
القديس كيرلس الأورشليمي
v يرجع هذا إلى عدالة اللَّه الذي يقوم بالتقسيم وإلى قوته الذي يقسم حسب مشيئته أو لأنه يود أن يهب كل واحدٍ ما يعلم أنه لنفعه.
v لاحظ أن بولس لم يقل: “حسب إرادة كل أو أي فرد” بل “حسب مشيئة الروح”.
القديس جيروم
v ليت أولئك الذين ينزعون عن الروح القدس قوته اللائقة يتطلّعون إلى ما نقرأه مما قاله الرب: “الروح يهب حيث يشاء” (يو 8:3 ). وأيضًا إلى ما يقوله الرسول: “ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسمًا لكل واحدٍ بمفرده كما يشاء” [11]. يُخشى لئلا يظن أحد أن الآب والابن لا يعملان هذه الأعمال، بينما أشار بوضوح إلى مواهب “الشفاء” بين هذه الأعمال، و”صنع المعجزات” التي بلا شك تضم إخراج الشياطين. فعندما يقول: “قاسمًا لكل واحدٍ بمفرده كما يشاء” ألا يظهر بوضوح أيضًا قوة الروح القدس، ولكن واضح أنه دون انفصال عن الآب والابن؟
v ينسب بولس هنا للروح القدس ما قد سبق فنسبه للأقانيم الثلاثة (كو4:12-6) لأنهم طبيعة واحدة وقوة واحدة, والثلاثة يفعلون ما يفعله الواحد. يوجد إله واحد فقط نعمته توزع على الأفراد حسبما يشاء وليس حسب استحقاقات شخصٍ معينٍ, وإنما لبنيان كنيسته. كل هذه الأشياء التي يحتاج إليها العالم لكي يتمثل بها ولا يستطيع لأنه جسدي, هذه تُرى في الكنيسة بيت اللَّه, حيث تُوهب كعطية الروح القدس وتعليمه.
أمبروسياستر
v المطر واحد بعينه ينزل على كل العالم, لكنه يصير أبيض في السوسنة، وأحمر في الوردة، وأرجواني في البنفسج والزنابق الأرجوانية اللون، يصير ألوانًا كثيرة متباينة في أطياب متنوعة.
هو في النخلة شيء، وفي الكرمة شيء آخر, وهو الكل في كل الأشياء… لكنه يشكل نفسه حسب ما يستقبله، ويصير مناسبًا لكل زرع. هكذا الروح القدس, مع أنه واحد له طبيعة واحدة غير منقسم، يهب كل واحد نعمته حسب مشيئته.
الشجرة الجافة عندما تُروى تصدر براعم. هكذا أيضًا النفس وهي في الخطية إذ تتأهل بالتوبة لنعمة الروح القدس تزهر في برٍ. خلال الروح الواحد في طبيعته لكن بمشيئة اللَّه وباسم الابن يقدم ثمارًا فاضلة متنوعة. فيستخدم لسان شخص للحكمة, وينير نفس شخص آخر بالنبوة, ويهب آخر قوة إخراج الشياطين, وآخر عطية التفسير للأسفار المقدسة. إنه يسند ضبط النفس لشخصٍ بينما يعلم آخر العطاء, وآخر الصوم والتواضع، وآخر الاستخفاف بأمور الجسد. يهيئ آخر للاستشهاد. إنه يعمل بطرقٍ مختلفةٍ في أشخاص مختلفين, مع أنه هو نفسه ليس فيه اختلاف.
القديس كيرلس الأورشليمي
v ليس من أحدٍ له كل هذه, إنما البعض لهم هذه والآخر تلك، والكل منهم له الهبة (الروح) نفسه الذي يقسم بما هو مناسب, أقصد الروح القدس.
القديس أغسطينوس
v يقول الرب: “أحصوا عظامي”، وواحدة منها لم تنكسر.
لكن عندما تحدث عن قيامة جسد المسيح الحقيقي والكامل قال أنه سيُحضر معًا أعضاء المسيح الذين هم عظام جافة، عظمة مع عظمة، عصب مع عصب، ويأتون إلى الإنسان الكامل، إلى قياس قامة ملء جسد المسيح. عندئذ ستكون الأعضاء الكثيرة جسدًا واحدًا، جميعهم مع كثرتهم يصيرون أعضاء جسد واحد.
اللَّه وحده هو الذي يقيم تمييزًا بين القدم واليد والعين والسمع والشم.
بمعنى واحد يملأ الرأس، وآخر القدمين وبقية الأعضاء. وتصير الأعضاء الضعيفة المتواضعة مكرّمة. سوف يقوّي اللَّه الجسد معًا وعندئذ سيعطي الأعضاء الناقصة كرامة أعظم. ولن يكون بعد أيّ نوع من الانقسام، إنما ستتمتع كل الأعضاء بوضعٍ حسنٍ، وتشاركه كل الأعضاء ما لديه من صالحات، وإذ يتمجد أيّ عضو تفرح معه كل الأعضاء.
العلامة أوريجينوس
v كل عملٍ يستحق التفكير فيه يلزم أن يكون ليس عمل الآب وحده، ولا الابن على وجه الخصوص، ولا الروح القدس منفصلاً…
بينما يقول الرسول: الروح الواحد بعينه يقسم عطاياه الصالحة لكل إنسان بطريقة متنوعة، فإن حركة الصلاح التي تصدر عن الروح ليست بدون بداية. نجد القوة التي ندركها تسبق هذه الحركة وهي ابن اللَّه الوحيد خالق كل الأشياء فبدونه لا يحصل أيّ شيء موجود على بدايته. ونفس هذا المصدر للصلاح يصدر عن مشيئة الآب.
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
v الدواء المسكوني الذي فيه تعزية للكل هو الذي يصدر عن أصل واحد، ومن ذات الكنوز، ومن ذات الينابيع، ويناله الكل.
القديس يوحنا الذهبي الفم
3. المواهب كأعضاء في جسد واحدٍ 12ـ 26.
“لأنه كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة،
وكل أعضاء الجسد الواحد إذا كانت كثيرة هي جسد واحد،
كذلك المسيح أيضًا” [12].
يقدم الرسول بولس مثالاً رائعًا ليوضح تفاعل المواهب وتناغمها معًا، وهو أعضاء الجسد التى تعمل معًا بانسجامٍ عجيبٍ. جاء هذا المثال مطابقًا لمفهوم الكنيسة بكونها جسد المسيح [27]. يعمل جسد المسيح واحد معًا خلال الرأس.
كل مؤمن له موهبة روحية، لذا فهو ملتزم بالمساهمة في بنيان كنيسة اللَّه على الأرض، ولكن ليس كل المؤمنين لهم ذات الموهبة. تنوع المواهب يدفع الكل معًا بروح الوحدة والاحترام المتبادل، كل يشعر بحاجته إلى موهبة أخيه، فتقوم الوحدة على أساس الحب.
يرى العلامة أوريجينوس وكثير من آباء الكنيسة أننا نحب الكل ونقدرهم بكونهم أعضاء لنا في ذات الجسد، لكن الحب له نظامه الذي نلتزم به. وكما يقول القديس أغسطينوس أن المؤمن يحب اللَّه بلا حدود، لكن حبه لقريبه يكون في حدود حبه لنفسه، إذ يُطالب أن يحب قريبه كنفسه، لكن ليس على حساب خلاص نفسه. ومن جانب آخر فإن حب العضو للزوجة أو الزوجة مختلف عن الحب للأبناء أو للوالدين، وحب القريب مختلف عن حب مقاوم الكنيسة والمُضطهد لها. نحن نلتزم بالحب للكل ولكن بروح الحكمة والتمييز.
v إن كنا, كما يقول الرسول، نحن أعضاء بعضنا البعض أظن أنه يجب أن نحمل نوعًا من المشاعر نحو أقربائنا تجعلنا نحبهم، لا كأجسادٍ غريبةٍ، وإنما كأعضاءٍ لنا. هذه الحقيقة لكوننا أعضاء بعضنا البعض، يتطلب أن يكون لنا حُب مشابه ومساوٍ للجميع. بالنظر إلى أن حقيقة وجود بعض أعضاء في الجسد أكثر كرامة وجمالاً بينما الأعضاء الأخرى ليس لها جمال عظيم وهي أكثر ضعفًا، أظن أنه يحدث نوعًا من الموازنة للحب حسب استحقاقات الأعضاء وكرامتها. فلو أن شخصًا يسلك بتعقل في كل الأمور وأنه ضابط لنفسه في تصرفاته وعواطفه حسب كلمة اللَّه، أظن أنه يلزم أن يعرف نظام المحبة ويلاحظه ليعطيه لكل عضو مختلفًا عن الآخر.
v كما أن الجسد والرأس هما إنسان واحد، هكذا الكنيسة والمسيح واحد.
v يتحدث بولس عن المسيح وهو يتكلم عن الكنيسة. بهذا يرفع مستوى الحديث ويقدم الاحساس بالمهابة أكثر فأكثر لسامعيه.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v يشير بولس إلى أنه كما الجسد له أعضاء كثيرة, بعضها أكثر أهمية من الأخرى, هكذا أيضًا في الكنيسة. ولكن كل عضو ضروري ونافع.
ثيؤدورت أسقف قورش
v الآن إن كنا عندما نفكر في جسده نعود فنتأمله فينا، كيف أننا نحن هو!
v فلو أننا نحن لسنا هو كيف يكون القول: “بما أنكم فعلتموه بأحد اخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم” (مت 40:25) صحيحًا؟
إن كنا نحن ليس هو فكيف يكون القول: “شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟” (أع 4:9) قولاً صحيحًا؟
إذن نحن هو، وأن المسيح الكامل هو كل من الرأس والجسد (أف22:1-23).
القديس أغسطينوس
“لأننا جميعنا بروح واحد أيضًا اعتمدنا إلى جسد واحد،
يهودًا كنا أم يونانيين،
عبيدا أم أحرارًا،
وجميعنا سقينًا روحًا واحدًا” [13].
بعمل الروح القدس نلنا في المعمودية الاتحاد معًا في الرأس يسوع المسيح، ونمارس أعمالاً متنوعة لكنها تكمل بعضها البعض.
يركز الرسول على التزام الكل بالعمل معًا، ليس من مؤمن حقيقي ليس له دور، لأنه عضو حي في الجسد. يعمل الكل بالرغم من اختلاف مواهبهم، بل واختلاف جنسياتهم، سواء كانوا يهودًا أو من الأمم، عبيدًا أو أحرارًا، بلا تمييز، إذ الكل صاروا علي ذات المستوي كأعضاء في جسد المسيح.
الكل يشربون من ذات الكأس ؛ ربما يقصد كأس الأفخارستيا، حيث نتمتع بذات دم السيد المسيح الواحد فيسري في عروقنا لنصير أسرة واحدة، كما من دمٍ واحدٍ.
v اعتمدنا لا لكي تتشكل أجساد كثيرة متنوعة، بل لكي نحتفظ نحن كلنا ببعضنا البعض بطبيعة الجسد الواحد الكاملة، أى أن نصير كلنا جسدًا واحدًا، فقد اعتمدنا في ذات الجسد. هكذا الذي يشكلنا (المسيح) هو واحد، وما يشكله هو واحد… حسنًا يقول (الرسول) “نحن كلنا” مضيفًا نفسه إلينا. ويقول: “حتى أنا، الرسول، ليس لي أي شيء إضافي أكثر منكم في هذا الأمر”.
v انظروا كيف يعزيهم مرة أخرى إذ ألمح إلى أنه مقتنع أنهم إذ هم كثيرون ومتنوعون فهذا يجعلهم جسدًا واحدًا . فلو أن الكل هم واحد بلا تنوع لن يكونوا جسدًا.
v الآن لا تسألوا عن السبب، لماذا هذا أو ذاك ليس هكذا. فإنه وإن وجدت ربوات الأسباب نقدمها لن نكون قادرين على إظهار أن ما هذا حسن مثلما نرى أن المُبدع (اللَّه) يُسر بذلك، فإن في هذا اقتناع بأنه يريد ذلك.
v إنه يقصد هذا، لو لم يوجد بينكم اختلاف عظيم لن تكونوا جسدًا وتصيروا واحدًا، ولا تصيروا متساوين في الكرامة. يتبع هذا مرة أخرى إن كنتم متساوون في الكرامة فأنتم لستم جسدًا, وإذ أنتم لستم جسدًا فأنتم لستم واحدًا, وإذ أنتم لستم واحدًا، فكيف تتساوون في الكرامة؟
v أي شيء في الجسد أتفه من الشعر؟ ومع هذا إذا أزلت هذا من الحاجب ومن جفن العين فإنك تحطم نعمة الملامح الجميلة ولا تعود تظهر العين جميلة… إن أردت الآن أن ترى نفس الشيء بخصوص وظائف الأعضاء أيضًا، انزع إصبعًا فسترى بقية الأصابع العاملة جدًا لا تتمم عملها… هكذا من يحارب أخاه يحارب نفسه، لأن الضرر يصيب ليس فقط ذاك الشخص بل ويصيب الذي سبّب الضرر ليس بقليلٍ.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v جميعكم واحد في المسيح يسوع. ليس أن البعض أصحاب معرفة مستنيرون، والآخرين أقل كمالاً في الروحانيات. ليضع كل واحدٍ جانبًا كل الشهوات الجسدية, فتكونوا متساويين وروحيين أمام الرب.
v يوجد عمل واحد، إذ يوجد سّر واحد, توجد معمودية واحدة، إذ يوجد موت واحد عن العالم. توجد وحدة في النظرة التي لا يمكن أن تنقسم.
القديس أمبروسيوس
v يعلمنا بولس أنه يليق بنا ألا نعامل أحدًا باستخفاف، ولا أن نظن في أحدٍ أنه كامل.
أمبروسياستر
v الذي شكل الجسد هو واحد, والجسد الذي تشكل هو واحد.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“فإن الجسد أيضًا ليس عضوًا واحدًا
بل أعضاء كثيرة” [14].
v يقول أصحاب الخبرة في هذه الأمور أن الفضائل لا تنفصل عن بعضهما البعض, وأنه لا يمكن ان نقتني إحداها كما يليق دون نوال الفضائل الأخرى, فإنه حيث توجد فضيلة واحدة تتبعها بقية الفضائل بالضرورة.
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
v تتحقق وحدة الكنيسة في هذه الحقيقة: أن أعضاءها الكثيرة تسد احتياجات الأعضاء الأخرى.
أمبروسياستر
v يقول بولس هذا لكي لا نستخف بالأعضاء المتواضعة التي للكنيسة. فإنه وإن كان أحد أقل بالطبيعة لكنه لا يزال ينتمي لجسد الكنيسة.
سفيريان أسقف جبالة
“إن قالت الرجل لأني لست يدًا لست من الجسد،
أفلم تكن لذلك من الجسد” [15].
v هذا يعنى أنه لا يمكن القول بأن الأخ الضعيف ليس جزءً من الجسم لمجرد أنه ليس قويًا.
أمبروسياستر
“وإن قالت الأذن لأني لست عينًا لست من الجسد،
أفلم تكن لذلك من الجسد؟” [16].
v يقول بولس أن الشخص الأقل قليلاً لا يظن أنه لهذا غير لازم للجسد.
أمبروسياستر
v لاحظ أن بولس يجمع القدمين مع اليدين اللتين أعلى قليلاً منهما, ويجمع الأذن مع العين هكذا. وذلك لأننا نميل أن نحسد الذين هم أعلى منّا قليلاً.
“لو كان كل الجسد عينًا،
فأين السمع؟
لو كان الكل سمعًا،
فأين الشم” [17].
v حتى إن كان الجسم له فقط العضو الأهم, فإنه يبقى بلا نفع بدون الأعضاء الأخرى.
ثيؤدورت أسقف قورش
“وأما الآن فقد وضع اللَّه الأعضاء،
كل واحد منها في الجسد كما أراد” [18].
v وضع اللَّه كل جزءٍ من الجسم حسبما اختار, فلهذا ليس لنا أن نسأل بعد لماذا صنع هكذا حسب الطريقة التي أرادها. فإننا وإن كنا لا نقدر أن نصل إلى ربوات الشروحات فإننا لا نجد أفضل من هذا, أن مسرة الخالق أن يفعل ما قد اختاره.
“ولكن لو كان جميعها عضوًا واحدًا أين الجسد؟” [19].
v لو أن كل واحدٍ مساوٍ للآخر في الكنيسة لما وُجد جسم، لأن الجسم يحكمه تنوع وظائف أعضائه.
أمبروسياستر
“فالآن أعضاء كثيرة،
ولكن جسد واحد” [20].
v التنوع في أعضاء الجسم يُوحّد هدف ضمان أن الجسم يحقق القدرة على العمل.
أمبروسياستر
v إن لم يوجد بينكم تنوع عظيم لا يمكن أن تصيروا جسمًا. إن كنتم لستم جسمًا لا يمكن أن تتحدوا. إن كنتم لستم واحدًا فإنه لا يمكن أن تصيروا متساويين في الكرامة. لأنكم لم تنالوا نفس المواهب فأنتم جسم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“لا تقدر العين أن تقول لليد: لا حاجة لي إليكِ،
أو الرأس أيضًا للرجلين: لا حاجة لي إليكما” [21].
v إن كانت العين سليمة وترى بوضوح فأي فرح لها إن فقدت أعضاء الجسم الأخرى؟ كيف يمكن أن تظهر كاملة بدون اليدين والقدمين وبقية أجزاء الجسم؟
العلامة أوريجينوس
v الإنسان الأعظم في الرتبة أو في الكرامة لا يقدر أن يعمل بدون من هم أقل منه. فإنه توجد أمور يستطيع أن يفعلها الأقل كرامة أكثر من العظماء, كما أن الحديد يستطيع أن يفعل أمورًا لا يقدر الذهب أن يفعلها. لهذا تحقق القدمان عملاً مكرمًا للرأس.
أمبروسياستر
v لا تستطيع المواهب العظمى أن تعمل بدون الأقل منها, فإنه إن أصيبت المواهب الصغرى بضررٍ لا يستطيع الجسم كله أن يعمل بلياقةٍ. أي عضو أسفل من القدمين؟ وأي عضو أكرم وأهم من الرأس؟ ولكن الرأس مهما تكن أهميتها لا تكفي, ولا تقدر أن تفعل كل شيء بذاتها. فلو كان الأمر هكذا فلا حاجة للقدمين.
v إن كانت موهبة ما أقل من غيرها لكنها ضرورية. وكما عند غياب إحداها ترتبك معًا وظائف كثيرة، هكذا بدون موهبة ما يُشوه كمال الكنيسة.
v ليس فينا شي بلا كرامة، متطلعين إليه أنه من صنع اللَّه. ماذا يبدو أقل كرامة من الأعضاء الجنسية؟ ومع هذا فلها كرامة أعظم، حتى الفقراء جدًا إن تركوا بقية أعضاء الجسم عارية لا يقدرون أن يحتملوا بقاء هذا العضو عاريًا.
v عندما يدعوها “ضعيفة” “وبلا كرامة” إنما يستخدم التعبيرين كما يبدو لنا, وعندما يقول “ضرورية” لا يضيف كلمة “يبدو”، إنما هكذا هو حكمه علي العضو، إذ يقول أنه ضروري ولائق جدًا. لأن هذه الأعضاء نافعة للإنجاب وبقاء جنسنا.
v إذ تعرفون ذلك وأنتم الأعظم لا تهينون الأقل لئلا عوض أن تصيبهم أذية تُصابون أنتم أنفسكم بالأذى. عندما يُقطعون يتحطم الجسم كله.
v ينصحنا اللَّه بذلك ليس فقط خشية أن ينفصل الواحد عن الآخر، وإنما لكي نقدم فيضًا من الحب والاتفاق. فإن كان كيان كل إنسان يقوم على سلام قريبه فلا تقل أقل ولا أكثر من هذا، إذ لا يوجد أقل من أن تحبه ولا أكثر. لكي يستمر الجسم ترى الاختلاف أيضًا واضحًا بين الأعضاء، وعندما يهلك لا تجد ذلك. فالدمار حتمًا يحدث ما لم تعمل الأعضاء الأقل.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v للكنيسة عينان حقيقيتان هما المعمَّدون والقادة فيها، الذين يرون في الكتاب المقدس أسرار اللَّه… لهذا أيضًا يدان وهم الأشخاص العاملون الذين هم أعين لكنهم أيدي. هل هم يظهرون أسرار الأسفار المقدسة؟ لا, لكنهم أقوياء في العمل. للكنيسة قدمان, اللتان تقومان برحلات رسمية من كل نوع. القدم تجري, لكي تجد اليد العمل الذي تمارسه. والعين لا تحتقر اليد, ولا هؤلاء الثلاثة يحتقرون البطن كما لو كانت عاطلة وبلا عمل.
القديس جيروم
“بل بالأولى أعضاء الجسد التي تظهر أضعف هي ضرورية” [22].
v الإمبراطور العظيم لا يزال في حاجة إلى جيش.
v لأن أقدامنا أسفل وتحتاج إلى كرامة لهذا نزيّنها بالأحذية. واضح أن الأعضاء الخاصة التي تبدو مُعيبة تُغطى بوقارٍ، حتى لا تتعرض للرؤية العامة ولا لعدم التوقير.
v هكذا يبدو بعض الاخوة الفقراء لمن هم في ثياب غالية كمن هم لا شيء, وهم ليسوا بدون نعمة إذ هم أعضاء جسدنا. إنهم يسيرون في ثياب بسيطة قذرة وحفاة. ومع أنهم يبدو محتقرين يلزم تكريمهم بالأكثر لأنهم غالبًا ما يسلكون حياة نقية. ما يراه الناس محتقرًا قد يراه اللَّه جميلاً.
أمبروسياستر
v أليست بالتأكيد شعور رؤوسكم هي أقل قيمة من أي عضو آخر؟ أي شيء أرخص ومزدرى به وأقل في الجسم عن شعور رؤوسكم؟ ومع هذا لو أن الحلاق قص شعوركم بطريقة رديئة تغضبون عليه لأنه لم يقص الشعر كما يليق. ومع ذلك فأنتم لا تهتمون بوحدة أعضاء الكنيسة هكذا.
“وأعضاء الجسد التي نحسب أنها بلا كرامة نعطيها كرامة أفضل،
والأعضاء القبيحة فينا لها جمال أفضل” [23].
“وأما الجميلة فينا فليس لها احتياج،
لكن اللَّه مزج الجسد معطيًا الناقص كرامة أفضل” [24].
“لكي لا يكون انشقاق في الجسد،
بل تهتم الأعضاء اهتمامًا واحدًا بعضها لبعض” [25].
v لا يُحفظ رباط السلام بين الذين لا يوجد انسجام, ولا يتحقق فيهم لطف الروح بل يوجد خلاف وصراع ومنافسة حادة. إنه من الجسارة الوقحة أن تدعو هؤلاء أعضاء المسيح، أو أنهم يسلكون تحت قيادته، لكي نكون أمناء في الفكر فنقول بوضوح أن الحكمة الجسدية هي السيد عليهم وهي تملك عليهم.
القديس باسيليوس
“فإن كان عضو واحد يتألم
فجميع الأعضاء تتألم معه،
وإن كان عضو واحد يكرم
فجميع الأعضاء تفرح معه” [26].
v يطلب هنا ثلاثة أمور:
عدم الانقسام بل يتحد الكل معًا في الكمال.
كل يهتم بالآخر كما يليق.
اعتبار أن الكل يعملون معًا.
v عندما تدخل شوكة في عقب إنسانٍ غالبًا ما يشعر بها كل الجسم ويهتم بها. فالظهر ينحني والبطن وما يرتبط بهما, واليدان تتحركان كحارسين وخادمين لسحب ما دخل في العقب، والرأس تنحني نحوه، والعينان تلاحظان ما يحدث بكل عناية. فمع كون القدم هي الأقل من حيث عجزها عن الارتفاع ولكن بانحناء الرأس إليها تظهر المساواة بينهما، وتنعم بذات الكرامة خاصة عندما يُسبب القدم للرأس أن ينحني وينزل إليه. ليس كمن يقدم إحسانًا بل لارتباطه بالقدم… الرأس يُكلل، فيُكرم الجسم كله. الفم يتكلم والعينان تضحكان وتبتهجان.
v إن كان أحد ممتازًا في حديثه لا يمدحونه وحده بل يمدحون الكنيسة كلها.
v الشيطان حسود لكنه يحسد البشر، لكن وأنت إنسان تحسد البشر، وتنجح في مقاومة حتى الذين من عشيرتك وأسرتك, الأمر الذي لا يفعله شيطان. أي عفو تناله وأي عذر لحزنك عند رؤيتك لأخٍ في غنى عوض أن تتوج نفسك وتفرح وتتهلل لنجاحه؟
v أني أتألم وأحزن مع زملائنا المؤمنين الذين سقطوا وجحدوا الإيمان أثناء مرارة الاضطهاد, يسحبون جزءًا من قلوبنا معهم, فسببوا لنا حزنًا مشابهًا بجراحاتهم.
القديس كبريانوس
v آلامنا هي هكذا قد بلغت إلى أقصى العالم المسكون، متى تألم عضو تتألم معه كل الأعضاء.
القديس باسيليوس
v المشاركة العامة في كل شيء, الأمور الصالحة والمحزنة, هي الطريق الوحيد لبلوغ كمال الشركة.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v إن قُطع إصبع أما ترتعب كل أعضائك؟ أما تُسرع إلى الطبيب لكي يعيد الإصبع إلى موضعه؟ بالتأكيد يحدث هذا, عندئذ يكون جسمك في حالة جيدة حينما تكون كل الأعضاء متفقة معًا, الواحد مع الآخر. تعتبر نفسك في صحة وأن حالك حسن.
v حاشا لنا أن نرفض الاستماع إلى ما هو مُرّ ومُحزن للذين نحبهم. لا يمكن لعضوٍ أن يتألم دون أن تتألم بقية الأعضاء معه.
v إذ نتأمل راحتكم الدائمة التي تتمتعون بها في المسيح، نحن أيضًا وإن كنا نتعب مضاعفة ونواجه مصاعب إلا أننا نجد معكم راحة أيها الأحباء.
إننا جسد واحد تحت رأس واحد، فتشاركوننا أتعابنا ونحن نشارككم راحتكم، لأنه “إن كان عضو واحد يتألم فجميع الأعضاء تتألم معه؛ وإن كان عضو واحد يُكرّم فجميع الأعضاء تفرح معه” [26].
القديس أغسطينوس
يرى القديس أغسطينوس أن المؤمن في وسط آلامه وأتعابه لا يطلب من الآخرين أن يشاركون آلامه، لكنه إذ يتطلع إلى سلام الآخرين وراحتهم وفرحهم، يشاركهم هذه الحياة فينسى تعبه وألمه.
v يهدأ الألم الذي يعاني منه عضو بطريقة لا أستطيع تفسيرها، وذلك عندما تتألم كل الأعضاء معه [26]. تتحقق هذه التهدئة لا بالممارسة الفعلية في المعاناة من الكارثة، وإنما خلال قوة الراحة التي للحب. فإنه وإن عانى البعض من ثقل التعب واقعيًا يشاركهم الآخرون تعبهم خلال معرفتهم أن هذه يجب احتمالها إلا أن الكل يشترك في احتمالها معًا… في ذات الخبرة وذات الرجاء والحب والروح الإلهي.
v بشغف نشتهي أن نعرف حالكم، وإن كان اللَّه قد وهبكم شيئًا من الراحة قدر ما يمكن أن يهب في هذا العالم، لأنه “إن كان عضو واحد يُكرّم، فجميع الأعضاء تفرح معه”. هكذا هي خبرتنا الدائمة أنه في وسط اضطراباتنا نحوّل أفكارنا إلى بعض اخوتنا يعيشون في راحة نسبية، فنتجدد إلى حد ليس بقليل، كمن نحن نتمتع فيهم بسلام أعظم وحياة هادئة!
القديس أغسطينوس
v سيرينوس: متى كان لنا هذه المعرفة أو بالأحرى ذلك الإيمان الذي سبق أن عالجته، بمعنى أن نعتقد بأن كل الأمور تحدث لنا بسماح من اللَّه، وأنها مرتبة لأجل خير أرواحنا، فإننا ليس فقط لا نحتقرهم بل ولا نكف عن الصلاة من أجلهم كأعضاءٍ منا، وأن نحنو عليهم بكل قلوبنا وكل جوارحنا. فإن كان عضو واحد يتألم فجميع الأعضاء تتألم معه (1 كو 26:12)، إذ نحن نعلم أننا لا نقدر أن نكمل بدونهم بكونهم أعضاء منا. وذلك كما نقرأ عن السابقين لنا أنهم لا يقدرون أن ينالوا تمام المكافأة بدوننا إذ يقول الرسول: “فهؤلاء كلُّهم مشهودًا لهم بالإيمان لم ينالوا الموعد إذ سبق اللَّه فنظر لنا شيئًا أفضل لكي لا يُكمَلوا بدوننا” (عب 39:11، 40).
الأب سيرينوس
4. الكنيسة جسد المسيح المتمتع بالمواهب 27ـ 30.
“وأما انتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا” [27].
v إن كان يلزم ألا ينقسم جسمنا فبالأولى جسد المسيح مادامت النعمة أعظم من الطبيعة.
v لم تكن كنيسة كورنثوس هي الجسم كله، إنما هي جزء من مجتمع الإيمان على مستوى العالم. لهذا لاق بالكورنثوسيين أن يكونوا في سلام مع الكنيسة في كل موضع آخر, إن كانت بالحق هي عضو في الجسم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v لسنا أعضاء أفراد نختار أن نجتمع معًا لنكوِّن الكل, بل نحن أعضاء جسم لكلٍ متسع، الذي هو الجسم كله.
سيفريان أسقف جبالة
v في قيامة المسيح كل أعضائه بالضرورة قامت معه، فعندما عبر من الأعماق إلى الأعالي جعلنا نعبر من الموت إلى الحياة.
مكسيموس من تورينو
v الآن نرى في النص: “أنتم جسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا” [27]. ها أنتم ترون حتى التناسق اللائق بين حجارة الهيكل تبدو كأنه انحلّ والحجارة قد تبعثرت كما جاء في المزمور 23 عن عظام المسيح، والمكائد التي وُضعت ضده بالاضطهادات والأحزان من جانب الذين يحاربون وحدة الهيكل. فإنه سيقوم الهيكل، يقوم الجسد في اليوم الثالث بعد يوم الشر الذي يهدده، ويوم النهاية الذي يتبعه.
v “وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده، فلما قام من الأموات تذكّر تلاميذه أنه قال هذا، فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع” (يو 21:2-22). هذا يشير إلى جسد المسيح في هيكله. ربما يسأل أحد إن كان هذا يؤخذ بالمعنى الواضح أو نحاول ربطه بكل عبارة خاصة بالهيكل بالنظر إلى أنه جسد يسوع، سواء الذي أخذه من العذراء أو ذاك الذي هو الكنيسة كما قيل بالرسول أننا كلنا أعضاء جسده. من جانب قد يظن أحد أنه استحالة أن نربط كل ما قيل عن الهيكل بالجسد، أيّا كان هذا الجسد. وآخر يأخذ الحديث بالمعنى البسيط الواضح ويقول أن الجسد (في كلا المعنيين) يدعى الهيكل ويحمل مجد اللَّه الساكن فيه، لهذا فإن ذاك الذي هو صورة اللَّه ومجده، بكر كل الخليقة يستطيع بحق أن يدعو جسده الذي للكنيسة هيكلاً يحمل صورته.
v إذ قيل للزوجة: “أنتم جسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا” [27]. فإن جسد المسيح ليس شيئًا يختلف عن الكنيسة التي هي جسده، وأعضاؤه أفرادًا. وقد ربط اللَّه الاثنان معًا، هذان اللذان ليسا اثنين بل صارا جسدًا واحدًا، آمرًا البشر ألا يفصلوا الكنيسة عن الرب.
العلامة أوريجينوس
v لقد سمعتم بكونكم أبناءها (أبناء المحبة) أن جسد المسيح هو الكنيسة، وإن أردتم تكونون أنتم هكذا. يقول هذا الرسول في مواضع كثيرة: “من أجل جسده الذي هو الكنيسة” (كو 24:1)، وأيضًا: “وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا” [27]. فإن كنّا جسده، فما قد احتمله جسده من الجمهور، تحتمله الكنيسة الآن.
v إن كان جسد المسيح والأعضاء المنتمون إليه هم واحد، فلا تجعلوا من الأعضاء جسدين!
v يمكننا بصدقٍ أن ندعو كل هؤلاء المسيح، الذين مسحوا بالمسحة مادام الجسد كله مع رأسه هو مسيح واحد.
“فوضع اللَّه أناسا في الكنيسة:
أولاً رسلاً، ثانيًا أنبياء، ثالثًا معلمين،
ثم قوات وبعد ذلك مواهب شفاء،
أعوانًا تدابير وأنواع السنة” [28].
v “وضع اللَّه… أعوانًا تدابير“ [28] ما هي الأعوان؟ أن تسند الضعيف. هل هذه موهبة، أخبرني؟ هذه أيضا موهبة من اللَّه أن يدرك الإنسان سريعًا حاجة الغير، مقدمًا العلاج الروحي، هذا بجانب أن الرسول يدعو كل أعمالنا الصالحة مواهب، ليس بمعنى تجاهل دورنا القلبي وإنما لإظهار حاجتنا إلى العون الإلهي في كل شيء، ولكي يعدهم لحياة الشكر، وبهذا يدخل بهم إلى التقدم ويثير أذهانهم.
v إذ انتفخوا بسبب موهبة التكلم بألسنة جعلها الرسول دائمًا آخر (القائمة)… لذلك وضع أيضًا الرسل أولاً الذين لهم كل المواهب… “ثانيًا أنبياء”، إذ اعتادوا أن يتنبأوا مثل بنات فيلبس وأغابوس وأيضًا أناس كانوا بين الكورنثوسيين الذين يقال عنهم: “ليتكلم الأنبياء اثنان أو ثلاثة” (1 كو 14: 29)… ثالثا: “معلمون”، لأن من يتنبأ يتكلم في كل شيء بالروح، أما من يعلم فأحيانًا ينطق بعظات من ذهنه هو.
v “ثم قوات وبعد ذلك مواهب شفاء”… لأن القوة أعظم من الشفاء حيث أن الذي له قوة يعاقب ويشفي، أما الذي له موهبة الشفاء فهو يشفي فقط.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v التعليم الذي يُقدم كتعليم كنسي، إن كان قد صار نوعًا من الاستعباد لكلمات المداهنة بسبب الطمع أو طلب مجد الناس، فإنه لا يُحسب تعليم أولئك الذين وضعهم اللَّه في الكنيسة أولاً رسلاً، ثانيًا أنبياء وثالثًا معلمّين [28].
“ألعل الجميع رسل؟
ألعل الجميع أنبياء؟
ألعل الجميع معلمون؟
ألعل الجميع أصحاب قوات؟” [29]
“ألعل للجميع مواهب شفاء؟
ألعل الجميع يتكلمون بالسنة؟
ألعل الجميع يترجمون؟” [30]
v وكما أن المواهب العظيمة لا تُمنح جميعها لكل البشر، بل يُعطى للبعض هذه ولآخرين تلك؛ هكذا أيضًا بخصوص المواهب الأقل فإنها لا تُقدم للجميع. وهو يفعل ذلك لبلوغ فيض من التناغم والحب، حتى إذ يقف كل واحد في احتياج إلى الآخر يلتصق هكذا بأخيه.
5. حث على الانتفاع بالمواهب 31.
“ولكن جدوا للمواهب الحسنى،
وأيضًا أريكم طريقًا أفضل” [31].
v لا تنتمي نِعمْ الرب التي ترُى في الأشخاص إلى استحقاقاتهم بل إلى تكريم اللَّه.
أمبروسياستر
v عندما تطّلع أعيننا إلى سموّ سعادة إنسان آخر لتلتهب فينا الغيرة للمنافسة لا خلال الحسد، وإنما كنصيحة الرسول: “جدّوا للمواهب الحُسنى” [31].
الأب فاليريان
v ينصحنا الرسول القديس في إحدى رسائله أن نكون غيورين في المواهب الحسنى. غايتنا في ذلك ليس أن نقتنى الرغبة في الصالحات (فإن هذا الميل نحو الصالحات هو إحدى السمات الموروثة في الطبيعة البشرية)، لكن يليق بنا ألا نخطئ في حُكمنا فيما هو صالح. ففي حياتنا هنا كثيرًا ما نخطئ فلا نستطيع التمييز بوضوح بين ما هو صالح وبين ما نحسبه صالح خطأ.
v ما يسبب تشويشًا وجنونًا وظلامًا عظيمًا هو من عمل الشيطان. أما العمل الذي من اللَّه فهو ينير… هذا ما يميز العرّاف من النبي.
القديس يوحنا الذهبي الفم
من وحي 1كو 12
اكشف لي عن مواهبي!
فأعمل بروحك شاكرًا محبتك!
v أقمتني عضوًا في جسدك المقدس.
ليس عضو بلا مواهب!
اكشف لي عن ما قدمته لي،
وقدني بروحك، فأضرم الموهبة بجدية وأمانة.
v لا يشغلني نوع الموهبة ولا تقدير الناس لها،
لكني اعتز بها، لأنها عطيتك.
اشتهي أن أكون أمينًا في ممارستها،
فأنت الأمين تضم إليك الأمناء.
v تسبحك نفسي، لأن موهبتي تختلف عن مواهب اخوتى.
فالتنوع يعطي لكنيستك وحدة.
أنا محتاج إلى مواهب اخوتي المتباينة.
وهم يحتاجون إلى ما وهبتني.
ليس لي أن أفتخر على أخي من أجل ما أعطيتني.
v بروحك العجيب أعمل بالحب.
مع أنات كل عضو تئن نفسي،
ومع تكريم كل عضو تتهلل أعماقي.
نعم، بالحب هو أسمى كل المواهب،
بدونه أفقد حياتي.
أقرأ أيضاً
تفسير كورنثوس الثانية 11 | تفسير رسالة كورنثوس الأولى | تفسير العهد الجديد |
تفسير كورنثوس الثانية 13 |
القمص تادرس يعقوب ملطي | |||
تفاسير رسالة كورنثوس الأولى | تفاسير العهد الجديد |