تفسير رسالة كورنثوس الأولى أصحاح ١٦ للقمص تادرس يعقوب ملطي

الباب السادس

الجمع لفقراء أورشليم وقبول تيموثاوس
الأصحاح السادس عشر
الجمع لفقراء أورشليم

بعد أن واجه الرسول بولس المشاكل الكنسية والسلوكية والعقيدية والاجتماعية بكل صراحة، في حزمٍ ممتزج بالحكمة والحب، ختم رسالته معلنًا عن مشاعر محبته لهم. لقد بدأ الرسالة بكلمات الحب مع التشجيع وختمها بعواطف مقدسة حتى تحقق الرسالة غايتها.

جاء هذا الأصحاح خاتمة لرسالة تعالج الكثير من المشاكل المتنوعة بالحب العملي الصادق في الرب. لهذا وجههم للعطاء للمُضطهدين في أورشليم الذين افتقروا من أجل المسيح [1-4]، وأعلن عن رغبته وشوقه لزيارتهم [5-9]. كما عن إرسال تيموثاوس إليهم، ورغبة أبلّوس لزيارتهم. طالبهم أن يقبِّلوا بعضهم بعضًا بقبلة مقدسة، وأن يقبلوا محبته لهم في المسيح. هذه كلها أعمال محبة متبادلة بين العاملين في الكرم والشعب وبين كل فئة فيما بينها، بهذا تحل بركة الرب وتذوب كل الخلافات وتصير كنيسة المسيح نامية فيه.

1. الجمع للقديسين 1-4

يوصيهم بالجمع لاخوة الرب كما أوصى كنائس غلاطّة، فإنهم ليسوا أقل منهم. طلب منهم أن يخزن كل مؤمنٍ طوال الأسبوع ليقدم للرب في أول الأسبوع تسبحة عملية وشكر لذاك الذي وهبنا الحياة المقامة بقيامته من الأموات.

“وأما من جهة الجمع لأجل القديسين، 

فكما أوصيت كنائس غلاطية هكذا افعلوا أنتم أيضًا” [1].

بسبب انشغالهم بالخلافات والانشقاقات الكنسية لم يقوموا بالجمع لفقراء أورشليم، أو مؤمني اليهودية الذين صودرت ممتلكاتهم بسبب إيمانهم، ولهذا دعاهم “قديسين“.

واضح من النص أنه سبق فأشار إليهم عن هذا الأمر، لهذا اكتفي هنا بعرض طريقة الجمع بقوله “أوصيت“. لا يعني أنه أصدر أمرًا إلزاميًا، وإلا تحوّل الجمع إلى ضريبة مفروضة، وقد تُرك العطاء ليكون اختياريًا وبفرح في كل الكنائس (رو26:15-27؛ 2كو2:9)، لم يدع الرسول أن له سلطان أن يأمر بجمع صدقة.

في كل أول أسبوع ليضع كل واحدٍ منكم عنده خازنًا ما تيسر،

حتى إذا جئت لا يكون جمع حينئذ” [2].

يُلاحظ في هذه الوصية الرسولية الآتي:

1. يُمارس هذا العمل في اليوم الأول من الأسبوع، أي في السبت المسيحي حيث تحتفل الكنيسة بقيامة الرب في فجر الأحد. هنا يشير الرسول إلى عادة الكنيسة الأولى في ممارسة العبادة في يوم الأحد. يتحقق الاحتفال بقيامة الرب بشركتنا معه، فنتمتع بالحياة الجديدة المملوءة حبًا.

2. يقدم العطاء في أول الأسبوع ليُعطي كل واحدٍ قدر ما وهبه اللَّه من بركات وعطايا في الأسبوع كله، لذا يقول: “ما تيسّر”، فهو يقدم ذبيحة شكر للَّه شخصيًا.

3. العطاء غير قاصر على الرجال العاملين وحدهم، بل يشترك فيه الأطفال وتمارسه النساء غير العاملات حتى الخدم والعبيد، فالعطاء هو تقديم القلب بالحب للَّه خلال اخوته الأصاغر، ومشاركته النفوس المتألمة والمعتازة.

4. لم يطلب أن يتعهد كل عضوٍ بتقديم كمية معينة، فإن الرسول يوصي بتقديم القلب قبل المال.

5. دعَى الفقراء قديسين ليذكرهم أن العطاء مُقدم لاخوة الرب القديسين، أو للرب في أشخاص اخوته.

6. لم يسألهم أن يمارسوا هذا العمل لمدة أسبوعٍ واحد،ٍ بل “في كل أول أسبوع”، فممارسة العطاء فضيلة مستمرة لا تتوقف.

7. بقوله “خازنا ما تيسّر” إما يقصد أن كل شخصٍ يجمع خلال أيام الأسبوع ما قد أراد تقديمه في مخزنٍ حتى يحل أول الأسبوع فيحمله معه إلى الكنيسة، أو يجمعه في ذهنه لكي ما يتمم ذلك عمليًا عند ذهابه أسبوعيًا للعبادة.

لماذا تحوّلت العبادة إلى سبت جديد هو اليوم الأول من الأسبوع؟

صارت قيامة السيد المسيح السبت الجديد الذي فيه نجد راحتنا بالتمتع بالحياة المُقامة. فكما أن خروج شعب بني إسرائيل من عبودية فرعون غيّر بدء السنة عند اليهود من الخريف إلى الربيع، هكذا تحرّرنا من عبودية إبليس بقيامة الرب التي أعطتنا بدءً جديدًا في كل يوم وفي كل أسبوع! وقد اعتاد اليهود أن يمارسوا الأعياد السنوية الكبرى في اليوم الأول من الأسبوع: عيد الأسابيع أو البنطقستي (لا 11:23، 15-16، 36)؛ وعيد المظال أو الحصاد؛ وعيد الفصح.

v اليوم نفسه فيه الكفاية ليشجعهم على تقديم العطاء, لأن يوم الرب هو اليوم الذي فيه نلنا كل البركات التي صارت لنا الآن. إنه أصل حياتنا الجديدة في المسيح وبدايتها, هذا ليس هو السبب الوحيد ليكون هذا اليوم مناسبًا للعطاء, وإنما هو “يوم الراحة” حيث تجد نفوسنا راحتها من كل متاعبها، فتتفتح لتظهر حنوًا. بالإضافة إلى أن الاشتراك في الأسرار المقدسة (التناول) في ذلك اليوم يخرج عطاءً كما من مخزن الغيرة العظمى التي فينا.

v في أول الأسبوع” أي في يوم الرب “ليضع كل واحدٍ منكم عنده خازنًا ما تيسّر“. في ذلك اليوم يكون العمل الجماعي هائلاً والغيرة في الأمور الخالدة عظيمة. في هذا اليوم “ليضع كل واحدٍ منكم“، ليس مجرد هذا الشخص أو ذاك بل “كل واحدٍ“، سواء كان فقيرًا أو غنيّا، امرأة أو رجلاً، عبدًا أو حرًا، ليضع بنفسه في المخزن.

القديس يوحنا الذهبي الفم

الاتكال والتواكل

يقدم لنا الرسول درسًا عمليًا للتمييز بين الاتكال على اللَّه والتواكل، كما عن التنظيم في الخدمة بترتيبٍ ولياقةٍ لكن دون قلقٍ. وكما يقول القديس أغسطينوس أن الرسول بولس يفكر في الغد، لكنه لا يضطرب بالنسبة للغد. يضع خطة لتدبير احتياجات المعوزين بحكمةٍ روحيةِ دون تخوّف.

v ينبغي علينا أن ندقق في فهمنا للعبارة “يكفي اليوم شره” لئلا نحكم على أحد الخدام بمخالفته للوصية لمجرد تدبيره هذه الضروريات حتى لا يكون هو ومن يعولهم في عوز.

فربنا يسوع الذي تخدمه الملائكة ارتضى أن تكون له صناديق تُستخدم في الإنفاق على حاجياته، كالذي كان مع يهوذا خائنه (يو 6:12).

والرسول بولس يفكر في الغد (ولكن دون قلقٍ) بقوله “وأما من جهة الجمع لأجل القديسين فكما أوصيت كنائس غلاطية هكذا افعلوا أنتم أيضًا. في كل أوَّل أسبوعٍ ليصنع كلُّ واحدٍ منكم عندهُ. خازنًا ما تيسَّر حتى إذا جئْت لا يكون جمع حينئذٍ. ومتى حضرت فالذين تستحسنوهم أُرسِلُهم برسائل ليحملوا إحسانكم إلى أورشليم. وإن كان يستحقُّ أن أذهب أنا أيضًا فسيذهبون معي. وسأَجيءُ إليكم متى اجتزت بمكدونية…” (1 كو 1:16-8).

وقد جاء في سفر أعمال الرسل أنهم كانوا يستعدون للمستقبل لمواجهة المجاعة المحدقة، إذ يقول: “وفي تلك الأيام انحدر أنبياء من أورشليم إلى إنطاكية. وقام واحد منهم اسمه أغابوس، وأشار بالروح أن جوعًا عظيمًا كان عتيدًا أن يصير على جميع المسكونة. الذي صار أيضًا في أيام كلوديوس قيصر. فحتم التلاميذ حسبما تيسر لكل منهم أن يرسل كل واحد شيئًا خدمة إلى الاخوة الساكنين في اليهودية. ففعلوا ذلك مرسلين إلى المشايخ بيد برنابا وشاول” (أع27:11-30).

كذلك عندما أبحر بولس الرسول كان الطعام المُقدم له يكفيه لأكثر من يومٍ واحدٍ (أع10:28).

القديس أغسطينوس

“حتى إذا جئت لا يكون جمع حينئذ” [2].

سألهم ألا يكون جمع متى جاء، لأنه أراد ألا ينشغل أحد إلا بكلمات الكرازة، بسبب ضيق وقته ورغبته في استغلال كل لحظة من لحظات وجوده في وسطهم لبنيانهم في المعرفة الروحية الصادقة والعميقة.

ومتى حضرت، فالذين تستحسنونهم أرسلهم برسائل،

ليحملوا إحسانكم إلى أورشليم” [3].

القائد الروحي الحيّ يعرف كيف يحترم ويقدر مخدوميه، فإنه لم يأمرهم بأن ينتظروا لكي يختار من بينهم من يرسلهم بالعطاء، وإنما يسألهم بدالة الحب أن يختاروا هم من يستحسنوهم، وأما هو فيعطيهم رسائل تذكية لتستقبلهم الكنيسة في أورشليم.

إنهم يحملون “إحسانهم” أو “سخاء عطائهم“، يحملون لا المال والعطايا المادية بل قلوب مؤمني كورنثوس المملوءة حبًا وسخاءً في العطاء!

v لم يقل “أرسلهم ليحملوا صدقتكم” بل “إحسانكم” ليعني أنهم يقدمون أعمالاً عظيمة، مبرزًا أنهم يقتنون أنفسهم (بالحب).

القديس يوحنا الذهبي الفم

وإن كان يستحق أن اذهب أنا أيضًا،

فسيذهبون معي” [4].

v مرة أخرى يحثّهم على السخاء بقوله: “وإن كان يستحق أن أذهب أنا أيضًا“، فإن كان هذا يتطلب حضوره أيضًا فإنه لا يمتنع عن هذا… فيكون جمعهم عظيمًا هكذا حتى يغيّر خطّته ويقوم بشخصه بالرحلة.

القديس يوحنا الذهبي الفم

2. زيارة طويلة 5-9

كما يضع الرسول بولس خطة حكيمة للجمع للفقراء المُضطهَدين في أورشليم تحمل روح الثقة في عمل اللَّه في قلوبهم، وتبعث روح الحب المتبادل بين الكنائس وبين المؤمنين، هكذا يضع أيضًا خطة عمل للخدمة، مبرزًا رغبته في زيارتهم، وموضحًا غايته من تلك الزيارة.

سأجيء إليكم متى اجتزت بمكدونية، 

لأني اجتاز بمكدونية” [5].

مكدونية ليست في الطريق من أفسس إلى كورنثوس إذ هي في أعلى نهاية بحر إيجة، بعيدة عن طريقه، لكنه ملتزم بالذهاب إليها قبل حضوره إليهم. ربما يقضي الصيف هناك ويأتي في الخريف إلى كورنثوس حيث يقضي معهم الشتاء.

وربما أمكث عندكم أو اشتي أيضًا،

لكي تشيعوني إلى حيثما أذهب” [6].

يكشف الرسول عما في قلبه أنه مشتاق أن يمكث وسط من خدمهم زمانًا طويلاً في كورنثوس، لكن ليس على حساب التزاماته من نحو الكنائس الأخرى. هذا ومن جانب آخر لم يرد أن يعبر بهم في طريقه أثناء رحلاته، وإنما أن يتمم ما هو ملتزم به مع الآخرين حتى يجد الفرصة لبقاء مدة أطول، ربما يقضي الشتاء كله معهم. لم يرد أن تكون زيارة لقاءٍ عاطفيٍ لأناسٍ سبق فخدمهم، بل لقاء أبٍ يعطي وقتًا لأبنائه، ويحقق لهم احتياجاتهم.

v لكي تشيعوني إلى حيث أذهب“. هذه علامة الحب، وقوة العاطفة العظيمة. إنه يقول هذا لكي يظهر الحب، ولكي يخيف الخطاة ليس بطريقة مكشوفة بل بتأكيد الصداقة مع الآخرين.

v كما نتوقع يخبرهم بكل دقة ويعرفهم بخطته كأصدقاء. فإن هذا أيضًا هو علامة الصداقة أن يظهر لهم السبب لعدم وجوده معهم، ولماذا تأخر عليهم، وأين هو مقيم.

القديس يوحنا الذهبي الفم

يرى البعض أن تعبير “تشيعوني” يعني أن يقدموا له تكلفة رحلته إلى البلدة التي سيذهب إليها. هنا تلميح يظهر فيه قبوله لمحبتهم ومشاركتهم له في خدمته المسكونية.

غالبًا ما يقصد بالشتاء الأشهر الثلاثة: ديسمبر ويناير وفبراير.

لأني لست أريد الآن أن أراكم في العبور 

لأني أرجو أن أمكث عندكم زمانًا إن أذن الرب” [7].

كان يمكن أن يلتقي بهم وهو في رحلته، لكنه سيكون لقاءً سريعًا لا يحقق الهدف.

v إذ كان بولس يعلم أنه ينتظره عمل ضخم في كورنثوس لم يرد أن يعبر بها أثناء سيره إلى موضع آخر, بل أن يقضي معهم زمانًا عندما يأتي إليهم.

أمبروسياستر

ولكنني أمكث في أفسس إلى يوم الخمسين” [8].

“لأنه قد انفتح لي باب عظيم فعَّال،

ويوجد معاندون كثيرون” [9].

يوضح لهم الرسول ضرورة بقائه في أفسس زمانًا، فقد فتح له الرب بابًا لقبول الكلمة، كما أثار عدو الخير أُناسًا للمقاومة. فإنه لا يليق به أن يغلق الباب الذي فتحه الرب، ولا يترك الكنيسة في أفسس يفسدها المعاندون.

ربما كتب الرسول ذلك وفي ذهنه أبواب مكسيموس الروماني الضخمة التي تُفتح فتنطلق مركبات السباق المتصارعة والمتنافسة. هكذا يفتح الرب الباب لبولس ليدخل في صراع مع مقاومي الكنيسة في أفسس، فلن يقدر أن يترك الساحة ليزور كورنثوس حتى يحقق النصرة في المسيح يسوع.

v ماذا يقصد بالباب العظيم؟ أجد مدخلاً متسعًا لي، حيث يوجد كثيرون مستعدون لقبول الإيمان، كثيرون مستعدون للتحول إلى المسيحية. هذا الأمر يحدث الآن إذ اقتربت أذهان هؤلاء لتبدأ بالطاعة للإيمان. لهذا السبب فإن أنفاس الشيطان تفجر عنفًا، إذ يرى كثيرين يتركونه… تحدث بدقة فقد كانت الفرص عظيمة جدًا أن يجد بولس مقاومين كثيرين هكذا. فإبليس يعمل على الدوام عندما يجد أنه في خطر أن يفقد غنيمته.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v أوضح بولس أنه سيقيم في أفسس إذ وجد قلوبًا عطشى إلى نعمة اللَّه, ويمكنه أن يُخزن فيها سرّ المسيح بسرعة. وإذ لا يهدأ إبليس قط معاديًا الذين يشتاقون إلى اللَّه لهذا أضاف بأن أعداءه هناك كثيرون. فكلما بحثوا بالأكثر عن الإيمان يوجد أعداء يقاومونهم ويحاربون تعاليم الرب.

أمبروسياستر

ينتهز أولاد اللَّه كل فرصة، فإذا انفتح لهم باب يدخلون منه لئلا يُغلق. ففي سفر هوشع (15:2) يفتح اللَّه باب الرجاء أمام شعبه كي يدخل كعروس صبية تتغنّى بالفرح كيوم صعودها من أرض العبودية. ويخبرنا لوقا البشير كيف فتح اللَّه للأمم باب الإيمان على يديّ بولس وسيلا (أع 27:14). وطلب الرسول بولس من أهل كولوسي أن يصلوا لأجله لكي يفتح الرب له ومن معه بابًا للكلام بسرّ المسيح (كو 3:4).

وجود كثرة من المعاندين يدفع الرسول بولس إلى البقاء في أفسس. أفمن جانبٍ يلزمه كخادم للرب ألا يهرب من مشاركة الشعب أتعابهم وضيقاتهم. ومن الجانب الآخر فإن وجود المعاندين دليل على حضور الرب في الكنيسة، لأن العدو يقاوم الحق. ربما لا يقصد بالمعاندين المعلمين الكذبة وإنما اليهود والوثنيين.

3. العاملون معه 10-18

تحدث الرسول هنا عن العاملين معه, فمن جهة أوصاهم بتلميذه تيموثاوس الذي يعمل عمل الرب مثل الرسول بولس, أما أبلوس فقد طلب الرسول مرارًا أن يزورهم لكنه اعتذر إلى حين. وأخيرًا يتحدث عن العاملين في كورنثوس أن يحملوا روح الحب حتى لا يفسدوا طاقاتهم بالانشقاق والتحزبات.

ثم إن أتى تيموثاوس،

فانظروا أن يكون عندكم بلا خوف،

لأنه يعمل عمل الرب كما أنا أيضًا” [10].

لم تكن رسالة تيموثاوس الرسول بالأمر الهيّن، فإنه لم يُرسل إليهم فقط لكي يوجههم، إنما وهو يعالج مشاكل الانقسام والفساد والأخطاء اللاهوتية والمشاكل الأسرية سيضّطر أن يوبّخ، بل ويكون حازمًا مع المقاومين والمُفسدين للحياة الكنسية. يَعلم الرسول أن من بينهم من هم أغنياء جدًا، ومنهم من يعتدوا بكرامتهم الزمنية؛ كما يوجد بينهم من يفتخرون بمواهبهم الروحية.

مهمة الشاب الصغير لمواجهة قادة متعجرفين صعبة للغاية، وتحتاج إلى عون إلهي، وإلى مساندة من الشعب.

صغر سنّه وحداثته لا يقفان عائقًا في خدمته، لأنه يعمل عمل الرب كما يعمل الرسول بولس. إنه قادم لا ليحقق رسالة شفوية تسلّمها من الرسول، وإنما لكي يتمم مشيئة الرب ويعمل عمله!

ما ورد في أعمال الرسل 21:19-22 يوضح لنا الموقف، فقد ترك تيموثاوس أفسس قبل أن يبعث الرسول رسالته منها، لكنه كان يتوقع أنه سيصل إليهم بعد وصول الرسالة لأنه ذهب أولاً إلى مكدونية، وربما في نيّته أن يذهب إلى كورنثوس.

v لئلا خلال تجاسرهم على التلميذ يسيئون أيضًا إلى المعلم ويصيرون في حالة أشر لهذا فهو يضبطهم من بعيد، قائلاً: “أن يكون عندكم بلا خوف“، بمعنى ألا يثور أحد قط من المتهوّرين ضده… لأنه يعمل عمل الرب. يخدم الرب بالرغم مما له من شرف وغنى والحكمة (ومع صغر) السن.

القديس يوحنا الذهبي الفم 

فلا يحتقره أحد،

بل شيعوه بسلامٍ،

ليأتي إليَّ، لأني أنتظره مع الاخوة” [11].

لا يليق بهم أن يكرموا القديس تيموثاوس ويسمعوا له في حضرته فحسب, وإنما إذ يستعد للرحيل يليق بهم أن يشيعوه بسلامٍ.

v لم يفكر الرسول في هذا كنوعٍ من النقد لتيموثاوس كمن ليس لديه ثقة في النفس, وإنما يكتب بولس من أجل أهل كورنثوس فإنهم إن أخذوا موقفًا مضادًا له يؤذون أنفسهم وحدهم.

v شيّعوه بسلام“، أي بدون خوف، فلا تسببون مخاوف وخصومات وعداوة وكراهية، بل اظهروا كل خضوع له كمعلمٍ.

القديس يوحنا الذهبي الفم

“لأني أنتظره مع الاخوة”: يرى البعض أنه يتحدث هنا عن الاخوة الذين يرافقون تيموثاوس، حيث ينتظرهم الرسول. فقد رافق أرسطوس تيموثاوس في هذه الرحلة (أع 22:19). كذلك أُرسل تيطس إلى كورنثوس (2 كو 17:12-18)، وليس من غير المحتمل أن الرسول كان يطلب من تيطس أن يُحضر معه بعض الكورنثوسيين إلى أفسس.

وأما من جهة أبلوس الأخ،

فطلبت إليه كثيرًا أن يأتي إليكم مع الاخوة،

ولم تكن له إرادة البتة أن يأتي الآن،

ولكنه سيأتي متى توفق الوقت” [12].

سبق فأظهر الرسول بولس اشتياقه لزيارتهم، الآن يؤكد لهم أنه هو والاخوة في أفسس طلبوا من أبلّوس أن يذهب إليهم، فالجميع مهتمون بهم.

وضوح الهدف لدى الرسول بولس والقديس أبلّوس جعلهما يعملان معًا في تناغم وتناسق. حين يكتب الرسول لهم عنه يكشف عن حكمة أبلّوس وإخلاصه ومحبته. هكذا يليق بالعاملين في كرم الرب ألا يتشككوا في نيّة بعضهم البعض، ولا يثيروا أية تشكك وسط الشعب.

لقد أكد الرسول بولس بتصرفه هذا أنه محب لأبلّوس، وأنه لا يخشى من ذهابه إلى كورنثوس، مطالبًا الفريق الذي ينسب نفسه لبولس أو لغيره من الرسل أن يقبلوا أبلّوس ويطيعوه. بهذه الوصية يلخص الرسول كل ما ورد في الرسالة كلها. فالمحبة المتبادلة بين الخدام هي وصية بسيطة لكنها تحقق كل شيء كما يليق.

لعل أبلّوس لم يرد أن يذهب إلى كورنثوس لأنه لم يشأ أن يربط نفسه بالجماعة التي تنسب نفسها إلى اسمه، إذ كانوا معجبين ببلاغته (1كو12:1؛ 4:3).

يرى القديس ديديموس الضرير أن أبولس كان أسقفًا لكورنثوس, وأنه ترك الكنيسة بسبب ما حلّ بها من انشقاقات والتصق ببولس. لم يرد أن يرجع ومعه رسالة بولس فإنه لم يشأ العودة إلا بعد معالجة الانشقاقات. وقد أخذ أمبروسياستر بنفس الرأي, وأن أبولس تعمّد عدم العودة مترجيًا أن يعرفوا كيف يشتاقون إلى السلام, فيأتى أبلوس حينما يحل الوفاق بين الجميع.

v يبدو أن هذا الإنسان كان أكثر ثقافة وسنًّا من تيموثاوس. فلئلا يقولوا: “لماذا لم يرسل الإنسان الأكبر سنًا وأرسل عوضًا عنه شابًا؟” لاحظ كيف يلطف من هذه النقطة أيضًا بدعوته “الأخ” وأنه “طلب إليه كثيرًا“. فلئلا يبدو أن كرّم تيموثاوس أكثر منه ومجده أكثر منه لهذا لم يرسله، فيسبب ذلك حسدًا ينفجر بشدة، لذلك أضاف: “طلبت إليه كثيرًا“.

القديس يوحنا الذهبي الفم

اسهروا،

اثبتوا في الإيمان،

كونوا رجالاً،

تقووا” [13].

الكلمة اليونانية Greegoreite تعني اليقظة والسهر، وهو تعبير عسكري يُستخدم بالنسبة لحراس المعسكر والمراقبين لتحركات الأعداء. هكذا يحثهم الرسول أن يتيقّظوا لحركات العدو الشرير لئلا يفسد إيمانهم بالتعاليم الكاذبة، أو يفسد حياتهم بالفساد أو سلامهم بالمشاكل الكنسية والأسرية.

يطالبهم بالسهر، لأنهم كمن هم في حالة سُبات أو من يقطنون في نومٍ عميقٍ. يلزمهم أن يسهروا، فإن الرجاء في خلاصهم لا يتوقف على أسماء الخدام العاملين في الكرم، بل على جهادهم وسهرهم.

يشعر المؤمن أنه كجندي المسيح في حالة معركة دائمة مادام في الجسد وفي العالم. إنه دومًا في خطرٍ، فإن الأعداء متربّصون ضدّه، إبليس وجنوده يود أن يحطّمه.

يسألهم أن يتيقظوا لكي يتقبّلوا نعمة اللَّه، وأن يمارسوا الحياة المقدسة في الرب، وأن يحبوا بعضهم بعضًا، ويحرصوا على الوحدة في الإيمان الحق.

“اثبتوا في الإيمان“، أي تمسّكوا بالحق الإنجيلي لتتمتعوا بالخلاص، فلا يقدر العدو أن يهزّكم. جاء التعبير في اليونانية مستخدمًا بمعنى احتفاظ الشخص برتبته، وعدم زعزعته عن موقعه. وكأن غاية العدو أن يُفقد المؤمن مكانته الجديدة في الرب، وأن يسحبه من موقعه كابن اللَّه.

كونوا رجالاً“، فلا تسلكوا كأطفال مذبذبين، تهزّكم رياح التعاليم الكاذبة، بل تجاهدوا كجنودٍ صالحين. التعبير هنا andrizesthe يحث على أخذ موقف شجاع بلا جبن، وموقف النضوج.

“تقوّوا”، فإن اللَّه وهبكم القوة والطاقة للعمل بروح القوة لا الضعف. يحدثهم هنا بلغة عسكرية كجيش في معركة له التزام اليقظة والحذر مع العمل الجاد بقوة.

v يلزمهم أن يسهروا, لئلا يُهاجموا سرًا في إيمانهم. يليق بهم أن يثبتوا, فيتشجعوا على الاعتراف بما تعلموه. أن يكونوا أقوياء في الكلمة والفعل, فإن هذا ارتباط حق للكلمة والعمل لتهب النضوج.

أمبروسياستر

v يخبرهم بولس أن يكونوا شجعان وأقوياء مثل المصارع وجندي المسيح, يفعلون كل شيء بالحب للَّه ولبعضهم البعض. 

القديس ديديموس الضرير

v يشير إليهم ألا يضعوا رجاءهم في الخلاص في المعلمين بل في أنفسهم، لذا يقول: “اسهروا، اثبتوا في الإيمان“. لا في الحكمة التي في الخارج، لأنه بهذا لا يمكن الثبات، بل إذ يُحملوا في الإيمان يثبتوا…

اسهروا” إذ كانوا نيامًا. 

اثبتوا” إذ كانوا يتأرجحون هنا وهناك. 

كونوا رجالاً” إذ كانوا يمارسون الجبن.

لتصر كل أموركم في محبة” إذ كانوا في خلافات… 

ولكن ماذا تعني: “كل أموركم في محبة“؟ يقول: متى انتهر أحد أو حكم أو صار تحت قيادة آخر، تعلم أو علَّم، فليكن هذا كله في محبة.

القديس يوحنا الذهبي الفم

لتصر كل أموركم في محبة” [14].

إن كان الرسول يطلب منهم الثبات في الإيمان وحفظ الحق وأن يسلكوا كرجالٍ ناضجين وأقوياء، فإنه يخشى لئلا يفقدوا الحب للاخوة وللَّه أثناء جهادهم. لهذا يوصيهم أن تصير كل أمورهم، دون استثناء، في محبة. فالثبات في الإيمان والدفاع عنه لا يعني استخدام العنف أو البغضة. لا نفقد الحب ونحن ندافع عن الحق.

v حيث يوجد صراع وانقسام لا يوجد الحب.

أمبروسياستر

v لو وُجد الحب لما كان الكورنثوسيون ينتفخون, ولما انقسموا إلى فرق, ولما ذهبوا إلى المحاكم أمام الوثنيين بل ولا أمام أية محاكم نهائيًا.

لو وُجد الحب في الكنيسة لما أخذ هذا الشخص السيئ السمعة جدًا زوجة أبيه, ولما احتقروا الاخوة الضعفاء, ولما افتخروا بمواهبهم الروحية.

القديس يوحنا الذهبي الفم

وأطلب إليكم أيها الاخوة،

أنتم تعرفون بيت استفاناس أنهم باكورة اخائية،

وقد رتبوا أنفسهم لخدمة القديسين” [15].

نال أهل استفانوس كرامة أول الذين قبلوا الإيمان بالمسيح في أخائية، كما كرّسوا حياتهم لخدمة القديسين. لعلّه لا يقصد هنا خدمة كلمة الكرازة، وإنما تقديم احتياجاتهم المادية.

v دعاهم بولس باكورة اخائية, إما لأنهم هم أول من قبلوا الإيمان هناك, أو لأن تقواهم أعظم من الآخرين, أو لأنهم رفضوا السيامة من أجل تواضعهم العظيم، مكرسين حياتهم لخدمة الآخرين (الفقراء).

القديس ديديموس الضرير

v لم يكن استفاناس وأسرته أول الذين تحولوا إلى الإيمان فحسب, وإنما صاروا أيضًا مثالاً مشرقًا لكل أحدٍ. فالذين يأتون أولاً يلزمهم أن يصيروا مثالاً للآتين من بعدهم, ويقومون بخدمة الآخرين, كما كان هؤلاء بكل وضوح.

v لم يقل: “أول من آمنوا” بل قال “باكورة” لتشير أنه مع إيمانهم أظهروا حياة سامية للغاية؛ في كل شيء برهنوا أنهم مستحقون أن يكونوا بكورًا كما في حالة الثمار. لأنه يجب أن تكون البكور أفضل من البقية، لهذا فهم بكور. هذا نوع من المديح نسبه بولس إليهم خلال هذا التعبير. فإنه لم يكن لهم فقط الإيمان الأصيل كما قلت، وإنما أظهروا أيضًا تقوى عظيمة وقمة الفضيلة وسخاءً في العطاء.

القديس يوحنا الذهبي الفم

كي تخضعوا أنتم أيضًا لمثل هؤلاء،

وكل من يعمل معهم ويتعب” [16].

يطلب الرسول من الشعب أن يخضعوا لمثل هؤلاء الصادقين في إيمانهم وفي خدمتهم وفي سلوكهم. لا يطلب الخضوع لهم كمن هم تحت رئاستهم، إنما خضوع الحب والعمل المشترك وقبول نصائحهم.

“ثم إني أفرح بمجيء استفاناس وفرتوناتوس واخائيكوس،

لأن نقصانكم هؤلاء قد جبروه” [17].

يرى ثيؤدورت أسقف قورش أن هؤلاء الثلاثة هم الذين حملوا رسالة بولس إلى كورنثوس, ورسالة أهل كورنثوس إليه.

إذ اراحوا روحي وروحكم،

فاعرفوا مثل هؤلاء” [18].

قدّموا للرسول تقريرًا شفويًا وتفصيليًا عن حال الكنيسة في كورنثوس، وما حلّ بها من ضعفات ونقائص، قدّموا صورة صادقة للموقف. لهذا فقد استراحت روح الرسول لأنه يقدم العلاج السليم لموقفٍ واضحٍ أمامه، واستراحت نفوسهم لأنهم أدّوا مهمتهم بكل إخلاصٍ. إنهم صانعوا سلام ومحبّون لخلاص اخوتهم وبنيان الكنيسة.

اهتمامهم الروحي بعث سلامًا في قلب الرسول كما في قلوبهم. 

v واضح أن هؤلاء هم الذين أخبروا بولس عن الحالة في كورنثوس على ما فعلوه. هذا هو السبب الذي من أجله يمتدحهم بولس ويحث أهل كورنثوس أن يظهروا لهم كرامة ووقارًا.

v كانوا بالطبيعة ثائرين جدًا ضد هؤلاء الأشخاص، إذ جاءوا إليه وكشفوا له عن كل الانقسامات، وقاموا أيضًا بكتابة التساؤلات عن العذارى والمتزوجين. لاحظ كيف هدّأ من ثورتهم في بداية رسالته… وأيضًا في ختامها…

لقد أوضح أنهم أراحوا ليس بولس وحده بل وأيضًا الكورنثوسيين إذ حملوا في داخلهم المدينة كلها.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v تنتعش روح الشخص القديس بالتفكير في الأمور التقوية وممارستها, فإن الروح تصارع من أجل ما هو صالح.

القديس ديديموس الضرير

4. الختام 19-24

أبرز الرسول بولس في ختام رسالته حبه وحب الكنائس والاخوة العميق نحوهم حتى يتعلموا كيف يحبوا بعضهم بعضًا بذات الحب الذي يحبهم به الرسول والذي غرسه بالرب في قلوب الكنائس الأخرى من نحوهم.

تسلم عليكم كنائس آسيا،

يسلم عليكم في الرب كثيرًا أكيلا وبريسكلا

مع الكنيسة التي في بيتهما” [19].

يبدو أن أكيلا وبرسكلاّ كانا في أفسس (أع26:18).

v يشير الرسول إلى الكنيسة في نوعين: العامة والعائلية. واحدة يجتمع الكل فيها ويدعوها عامة, والأخرى التي يجتمع فيها الاخوة معًا كأصدقاء ويدعوها أسرية. كل موضع يحتفل فيه الكاهن بالطقوس القدسية يُدعى كنيسة.

أمبروسياستر

v يليق بنا ألا نحتقر الكنيسة المنظورة التي تحضر كل واحد كابنٍ. ولا نزدري بكنيسة القلب هذه, متطلعين إلى أنها تقوي كل الذين هم مرضى. ويلزمنا أن نشتاق إلى الكنيسة العليا فإنها تكمل كل القديسين.

كاتب سريانى

يسلم عليكم الاخوة اجمعون،

سلموا بعضكم على بعض بقبلةٍ مقدسةٍ” [20].

يسألهم أن يُقبّلوا بعضهم بعضًا بقبلة مقدسة أو بإرادة صالحة، وهو في هذا يوبّخهم ضمنًا حتى لا تحمل علاقتهم شيئًا من الخداع والعصبيات والتحزبات، بل يحملون حبًا مقدسًا للكل. القبلة المقدسة هي رمز للحب المسيحي، أو قبلة المحبة ( 1بط 14:5) خاصة في الاشتراك في القداس الإلهي.

v القبلة المقدسة هى علامة السلام تطرد الخلافات.

أمبروسياستر

إذ ربطهم معًا بالحب عاد الرسول يأمرهم بأن يضعوا الختم على اتحادهم بالقبلة المقدسة التي توحّد وتنتج جسدًا واحدًا. 

v هذه الإضافة “قبلة مقدسة” يصفها هنا فقط. ما هو السبب؟ كانوا على خلاف فيما بينهم بصورةٍ شديدةٍ بقولهم: “أنا لبولس، وأنا لأبلّوس، وأنا لصفا، وأنا للمسيح”، ولأن الواحد يكون جائعًا بينما الآخر يسكر، ولأنه يوجد بينهم منازعات وحسد وقضايا. فإذ يربطهم معًا بحثه هذا، كان طبيعبًا يسألهم أن يرتبطوا معًا بالقبلة المقدسة كعلامة للاتحاد. فإنها توّحد وتقيم جسدًا واحدًا. هذه تكون مقدسة متى تحررت من الخداع والرياء.

القديس يوحنا الذهبي الفم

السلام بيدي أنا بولس” [21].

كان الرسول يهتم بتأكيد أصالة الرسائل التي لم يسجلها بالكامل بيديه (2 تس 17:3؛ غلا 11:6).وكما يقول القديس ديديموس الضرير: “لكى ينزع أية شكوك من أنها مزورة وقع بولس على الرسالة بيده”. تحمل هذه العبارة نوعًا من التهديد، فإننا نحتاج أحيانًا إلى كلمات التهديد حتى نخاف. فالخوف المقدس نافع للغاية للإيمان المقدس والحياة المقدسة. كما تحمل تأكيدًا أنه باعث الرسالة. كتبها بفمه لكنه ختمها بيده موقّعًا عليها لكي يؤكد أصالتها وأنها غير مزورة. 

“إن كان أحد لا يحب الرب يسوع المسيح فليكن أناثيما

ماران اثا (تعال يا ربنا)” [22].

ربما يقصد بمن لا يحب الرب يسوع أولئك الذين كانوا يقولون “يسوع أناثيما” (1 كو 3:12) سواء من اليهود الذين جحدوه أو الذين ادّعوا التكلم بألسنة ودخلوا في حالة من الهستريا النفسية.

يكشف الرسول بولس عمّا في أعماق قلبه نحو الجميع بلا استثناء، وهو “الحب في المسيح يسوع“. يحبهم بكل اخلاصٍ لينعم الكل بالحياة والوحدة في المسيح يسوع. يطلب خلاصهم ومجدهم الأبدي.

v الشخص الذي لا يحفظ الوصايا ليس فيه حب للرب.

القديس ديديموس الضرير

v يشير بولس إلى اليهود الذين صاروا تحت اللعنة، لأنهم قالوا بأن الرب لم يأتِ بعد.

أمبروسياستر

v بهذه الكلمة الواحدة يبث يولس المخافة فيهم جميعًا. إنه ليس فقط يضرم خوفًا، بل يشير أيضًا إلى طريق الفضيلة وإلى ينبوع الرذيلة، بمعنى متى تكثّفت محبتنا للرب لا يكون وجود لأي شر بل ينطفئ ويُطرد خارجًا بالحب، ومتى كان هذا (الحب) ضعيفًا تبرز الخطية.

v ماذا يعني: “ماران آثا“؟ “الرب قادم“. لأي سبب يستخدم هذا التعبير على وجه الخصوص؟ ليؤكد تعليم التدبير الإلهي. بهذا يضع براهين لأمور كثيرة يجمعها معًا والتي هي بذار القيامة. ليس هذا فقط وإنما هكذا تبقون على حالكم وتقطنون في الخطية.

القديس يوحنا الذهبي الفم

يأمر بحرمان من لا يحب الرب يسوع من الجماعة المقدسة، ويؤكد أن الرب قادم، فماذا يكون مصير الذين لم يحبّوه؟ 

نعمة الرب يسوع المسيح معكم” [23].

هذه هي طلبة الرسول لهم، فمن أعماق قلبه يسأل لهم نعمة المسيح القادرة أن تسندهم لتحقق كل احتياجاتهم وتهبهم الإمكانية للعمل الروحي.

v كانت عادة بولس أن يطلب نعمة المسيح أن تكون مع الذين يكتب إليهم.

ثيؤدورت أسقف قورش

v هكذا إذ يعلم الرسول بولس أن كل كنوز غنى السماء توجد في المسيح بحق يكتب إلى الكنائس: “نعمة ربنا يسوع المسيح تكون معكم“. لأنه إذ علم بما فيه الكفاية أن اللَّه هو بعينه المسيح، وأن كل مجد اللاهوت مقيم فيه، وكل كمال اللاهوت حال فيه جسديًا، إلا أنه هنا كان بالتأكيد محقًا بالصلاة من أجل نعمة المسيح وحده، دون إضافة كلمة “اللَّه”. لأنه إذ كثيرًا ما علم أن نعمة اللَّه هي نعمة المسيح، لذلك فهو بكل كمال يصلّي فقط من أجل نعمة المسيح. إذ يعلم أن نعمة المسيح تحوي كل نعمة اللَّه. لهذا يقول: “نعمة ربنا يسوع المسيح تكون معكم“. لو أن المسيح مجرد إنسان، لكانت في رغبته أن نعمة المسيح توهب للكنائس أراد أن تُعطى لهم موهبة إنسان. وبقوله “نعمة المسيح تكون معكم” عني: نعمة الإنسان تكون معكم، نعمة الجسد تكون معكم، أي نعمة الضعف الجسدي! أو لماذا دائمًا يشير إلى كلمة النعمة إن كانت رغبته هي في نعمة إنسان؟ فإنه ما كان هناك سبب لهذه الرغبة لو كانت غير موجودة، أو كان يجب أن يصلي أن تمنح لهم نعمة ذاك – الذي بحسب فهمكم – لا يملك حقيقة هذه النعمة التي يرغبها!

القديس يوحنا كاسيان 

“محبتي مع جميعكم في المسيح يسوع. آمين” [24].

تحدث معهم في هذه الرسالة بكل صراحة وأوضح لهم أخطاءهم والتزم أحيانًا أن يكون حازمًا جدًا في معالجة بعض مشاكلهم. لكنه يظهر لهم أن هذا كله ينبع عن حبه للجميع بلا تمييز، يحبهم في المسيح ومن أجل المسيح.

v إذ لم يحب الكورنثوسيون الواحد الآخر قدم لهم بولس هذا التعليم من عنده لكي يتعلموا أن يحبوا بعضهم البعض بذات الحب الذي يحبهم به الرسول, ليس حبًا بعواطفٍ جسدية بل في المسيح يسوع.

أمبروسياستر

v هكذا لكي يمنعهم عن التفكير أنه يتملقهم ختم بقوله: “في المسيح يسوع“. ليس في محبته شيء بشري أو جسدي، بل هو حب من نوعٍ روحي وأصيل. هذا هو السبب الذي به يضع الختم عليه باضافة الكلمات: “في المسيح يسوع“.

القديس يوحنا الذهبي الفم

جاء في ختام الرسالة ما يظهر أنها كُتبت في فيلبي، لكن يرى البعض أنها كُتبت في أفسس وأُرسلت من فيلبي، حيث يوجد طريق من أفسس إلى كورنثوس عبر فيلبي.

فاصل

من وحي ا كو 16

لأسلك بالمحبة كل أيام حياتي!

v تقدم ذاتك هبة لمحبوبيك,

فتقيم منهم كائنات ملتهبة حبًا!

أقف قي دهشة,

رسولك يقطر حبًا في بدء رسالته لشعب كورنثوس المنقسم,

وبالحب يختم أيضًا رسالته.

يقتدي بك, فلا يشغله إلا الحب.

v يسألهم الحب العملي لفقراء أورشليم.

ويعلن حبه وحب زملائه الخدام لهم,

فيؤكد شوق الكل لزيارتهم.

بالحب يوصيهم بتلميذه تيموثاوس.

وبالحب يسألهم أن يقَّبلوا بعضهم بعضًا.

بالحب يطلب لهم نعمتك تملأ كيانهم,

فيشتهوا يوم مجيئك!

هب لي مع رسولك

أن أسلك بالحب كل أيام حياتي!

كلمة شكر

أشكر الأخ المبارك دكتور جورج كامل يوسف الذي قام بتجميع بعض أقوال الآباء بالإنجليزية منذ أكثر من خمس سنوات, وقد قمت بترجمتها. وأثناء إعداد الكتاب للطبع ظهر كتاب

 

Ancient Christian Commentary on Scripture, volume 7.

Edited by Gerald Bary, 1999

قمت بترجمة بعض فقرات من أقوال الآباء الواردة به.

فاصل

أقرأ أيضاً

فاصل

 تفسير كورنثوس الثانية 15 تفسير رسالة كورنثوس الأولى تفسير العهد الجديد
فهرس
 القمص تادرس يعقوب ملطي
تفاسير رسالة كورنثوس الأولى تفاسير العهد الجديد

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى