تفسير رسالة يوحنا الأولى أصحاح ٣ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الثالث
فى هذا الإصحاح يتكلم عن عائلتين روحيتين يحيون فى هذا العالم، عائلة تنتسب لله، وعائلة تنتسب لإبليس. وكل منا إما هو إبن لله أو إبن لإبليس، ولا يجب أن نعرج بين الفرقتين، ومن يسلك بما يليق بأولاد الله فهو إبن الله حقاً. لذلك ففى كل موقف على أن أقف وأتساءل. . . هل يليق هذا التصرف بى كإبن لله ؟ وماذا كان تصرف المسيح لو كان مكانى ؟ وأتصرف كما لو كان المسيح مكانى.
أية 1 :- أُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! مِنْ أَجْلِ هَذَا لاَ يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ، لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ
من الأية السابقة (2: 29) رأينا أن أولاد الله يصنعون البر. ولكن كيف نصنع البر. هنا نسمع الرد. . . أنظروا أية محبة. . . = وكلمة أنظروا تعنى تأملوا بعمق فى هذه المحبة التى أحبنا بها الله، وهذا يزيد محبتنا له، ومن تزداد محبته لله ينفذ وصاياه فيصنع البر. والتأمل بعمق فى محبة الله يحتاج للعشرة مع الله (كما شرحه الرسول فى أية 1: 1) هى خبرة معاشة مع المسيح تصل لدرجة التلامس
حتى ندعى أولاد الله = (يو1: 12) هنا نرى بركات التجسد فقد صرنا أولاداً لله، ولدنا منه بكلمته الحية وبفعل روحه القدوس فى المعمودية أى بالميلاد الثانى، وأولاد الله بالحق هم الذين يعملون مايرضيه، أما الأشرار فلا ينتفعون من الإسم شيئاً.
من أجل هذا لا يعرفنا العالم لإنه لا يعرفه = العالم لا يتصور ولا يفهم هذه الكرامة وهذا المجد المعد لنا كأولاد الله، وكما لم يعرف العالم المسيح حين جاء بل صلبوه، هكذا لا يعرف أولاد الله ويطاردهم ولا يقبلهم، إذ هم فى طبيعتهم الغريبة عن الشر غرباء عن طبيعة أولاد العالم. فمحبة أولاد العالم للإثم تجعلهم لا يقبلون النور الذى فى أولاد الله (يو15: 18- 21).
أية 2 :- أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ
هنا بركة أخرى للتجسد، أننا سنرى الله حين نخلع جسدنا الترابى ونلبس جسد القيامة الروحانى، حين يغير الله شكل جسد تواضعنا إلى صورة جسد مجده (فى3: 21) حين نرى الله وجهاً لوجه ونعرفه (1كو12:13). فلأننا سنراه كما هو = ينعكس مجده علينا فيصير لنا جسداً ممجداً، وينعكس نوره علينا فيكون لنا جسداً نورانياً. هذا يقوله الرسول بعد أن حدثنا عن أن العالم سيبغضنا. ولكن لماذا نهتم ببغضة العالم وقد أحبنا الله وأعطانا كل هذا المجد. ونحن الأن نحصل على عربون هذا المجد بواسطة الروح القدس الذى فينا، الذى يعطينا أن نرى الأمجاد ونرى الله، ولكن كما فى لغز، كما فى مرأة (1كو2: 9، 10 + 1كو13: 12 + يو16: 13-16) فالروح يعطينا الرؤية الحقيقية للمسيح وهى أهم من الرؤية بالجسد. ولاحظ أن من ينجح فى أن يكون صورة المسيح على الأرض (غل4: 19) سيكون له صورة المسيح فى مجده.
أية 3 :- وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هَذَا الرَّجَاءُ بِهِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ طَاهِرٌ
كل من عنده هذا الرجاء = يجاهد بقدر إمكانه حتى لا يضيع منه هذا المجد. = يطهر نفسه = فطوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله = لأننا سنراه كما هو (أية 2). وقوله يطهر نفسه يؤكد مساهمتنا نحن فى السلوك. حقاً فالله يعين، ولكنه يعين من يجاهد. كماهو طاهر = الموضوع نسبى، فلن نكون فى طهارة الله، لكن هناك مثل أعلى يجب أن نحاول الوصول إليه. هذه مثل “كونوا كاملين كما أن أباكم الذى هو فى السموات هو كامل“. وهنا المسيح فى طهارته هو مثلنا الأعلى فلنقتدى به.
أية 4 :- كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضاً. وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي
الخطية هى أن يخطئ الإنسان سواء عن جهل أو عن معرفة. وبعد الناموس صار من يخطئ يتعدى على وصايا الله وناموسه. ومن يخطئ الأن يتعدى على ناموس الله وعلى صوت الروح القدس داخله. وهذا الكلام موجه للغنوسيين حتى لا يستهين أحد بالخطية. ونقول ثانية أنه طالما كنا فى الجسد فسوف نخطئ، ولو قلنا أننا لا نخطئ نضل أنفسنا (1: 8، 10). لكن أولاد الله يجاهدون بقدر إمكانهم حتى لايخطئوا، وإن أخطاؤا يشعرون بغربة عن حياتهم كأولاد لله، ويعودون بسرعة تائبين معترفين ولا يستمروا فى الخطية مستغرقين فيها. وعلاقة هذه الأية بالسابقة أن الخطية تحرمنا من رؤية الله.
أية 5 :- وَتَعْلَمُونَ أَنَّ ذَاكَ أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا، وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ
ذاك = هو المسيح. أظهر = لكى نثبت فيه فلا نخطئ.
لكى يرفع خطايانا = ليس فقط يغفرها بل ليقاوم الخطية التى ينشرها إبليس ويضعها فى القلب، ولا يترك منها شيئاًُ فى القلب. فمن بركات التجسد أن الله يحولنا إلى صورته فى القداسة والبر، فهو يكره الخطية والشر = وليس فيه خطيه. فإبليس يجاهد لكى يجعلنا نخطئ والمسيح يعمل فينا حتى لا نخطئ.
أيات 6 – 9 :- كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ فِيهِ لاَ يُخْطِئُ. كُلُّ مَنْ يُخْطِئُ لَمْ يُبْصِرْهُ وَلاَ عَرَفَهُ. أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. مَنْ يَفْعَلُ الْبِرَّ فَهُوَ بَارٌّ، كَمَا أَنَّ ذَاكَ بَارٌّ. مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ، لأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ الْبَدْءِ يُخْطِئُ. لأَجْلِ هَذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ. كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ
زرعه يثبت فيه = الزرع الإلهى هو الإنسان الجديد الذى أعطاه الله لنا، والذى هو على صورة المسيح، وهذا نحصل عليه بالمعمودية إذ يموت الإنسان العتيق ونقوم فى جدة الحياة، أى حياة جديدة وخليقة جديدة (2كو5: 17 + رو6: 2- 7). وهذا يكون بأن المسيح يعطينا حياته “لى الحياة هى المسيح” وهذه الحياة تجعلنا نثبت فيه (1بط1: 23). ولكن بالخطية يقل هذا الثبات فلا شركة للنور مع الظلمة (2كو6: 14- 16) وهذه الطبيعة الجديدة تثبت فيمن يحصل عليها، وهذا يعنى أن هناك قوة إلهية فاعلة داخل المؤمن. هذه هبة الله المستمرة لشعبه حتى لا يخطئ. وماذا يعطينى الله حتى لا أخطئ ؟
1. المسيح أعطانى حياته، ويقول ” بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً (يو15: 5). أى هو يعطى قوة، إذ هو ثابت فىّ.
2. الله وهبنا الروح القدس يسكن فينا وهو:
أ. يبكت إن أخطأنا (يو16: 8).
ب. يعطى معونة ويعين ضعفاتنا (رو8: 26).
ت. يملأنا محبة (غل5: 22 + رو5: 5) ومن يحب لا يستطيع أن يخطئ فى حق من يحبه، ولا يقبل لمحبته أن يحزن قلب الله.
3. إبن الله أظهر لينقض أعمال إبليس أى الخطية. والمسيح بدأ خدمته بصراع مع إبليس فى الجبل وأنهاه بصراعه معه على الصليب. وهو خرج غالباً ولكى يغلب لحسابنا (رؤ6: 2).
الرسول هنا يشدد على من يسمعه بأن يتحاشى الخطية،
أولاً :- بعد كل هذا الذى أخذه.
وثانياً :- فهذا لا يليق به كإبن لله.
وقوله زرع يشير للنمو، فكل زرع ينمو، وإنساننا الداخلى ينمو بجهادنا فى الصلاة ودراسة الكتاب المقدس، والقداسات والتناول. ولنراجع قول السيد المسيح ” ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله فكلمة الله تحيى وتنمى الإنسان الداخلى. وثمار هذا الزرع الذى زرع فينا أن تكون أعضائنا آلات بر، ونكون نور للعالم، وبأعمالنا نمجد الله.
وهنا يرد على الغنوسيين… لا يضلكم أحد. من يفعل البر فهو بار كما أن ذاك بار = فإذا كنا قد أخذنا حياته كزرع ثابت فينا، فكما هو بار فلابد بالضرورة أن نحيا فى بر.
ولكن ليس معنى هذا موت الإنسان العتيق موتاً نهائياً، بل الله أعطانا الإمكانيات وعلينا نحن أن نجاهد، فالله لم يلغ حريتنا. وعلينا نحن أن نحسب أنفسنا أمواتاً أمام الخطية، وفى هذه الحالة نشعر بمعونة الروح القدس بأن يجعلنا نحيا ونشعر بأن الإنسان العتيق قد مات فعلاً “بالروح تميتون أعمال الجسد” (رو8: 13 + رو6: 11+ كو3: 5). ولكن طالما نحن فى الجسد فنحن معرضين للسقوط، “فالصديق يسقط فى اليوم سبع مرات ويقوم” كما يقول السيد المسيح، وبولس يعترف بأنه أول الخطاة. ويوحنا نفسه يذكر هذا (1يو1: 8، 10). ولكن أولاد الله إن سقطوا يقومون سريعاً كما يقول السيد المسيح، ويقدمون توبة لذاك الذى أحبوه.
عموماً لن نمتنع تماماً عن الخطية إلا بعد أن نخلع هذا الجسد ونلبس الجسد الممجد، وهذا ما أطلق عليه بولس الرسول التبنى فداء الأجساد (رو8: 23) إذ بهذا نصير أولاد الله الذين لا يخطئون. من هنا كانت شهوة بولس الرسول أن ينقذه الله من هذا الجسد المائت، أى يخلع هذا الجسد فيتخلص من الإنسان العتيق (رو7: 20، 24).
والآن نفهم الآيات السابقة كل من يثبت فيه لا يخطئ + كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية = أنه بالمعمودية يعطينا الله إمكانيات جبارة جديدة حتى لا نخطئ، فالجسد العتيق يموت ويقوم إنسان جديد. ولكن نظراً لضعف طبيعتنا البشرية نخطئ أحياناً. وهذا لن ينتهى إلا بحصولنا على البنوة الكاملة التى بها لا نستطيع أن نخطئ حين نلبس الأجساد الممجدة.
كل من يثبت فيه لا يخطئ… كل من يخطئ لم يبصره ولا عرفه = هنا نرى علاقة واضحة بين المعرفة والثبات. فالمعرفة تعنى… إتحاد مع المسيح به يكون لنا ثبات فيه، وحياة. وقوله كل من يخطئ لم يعرفه أى لم يكن له هذا الزرع، وهذه الحياة التى يعطيها المسيح لمن يتحد به.
ولاحظ قوله يثبت = أن هذه الحياة التى نحصل عليها بالمعمودية هى شئ عرضى أى يمكن أن تثبت فينا هذه الحياة، ويمكن أن نفقدها بإصرارنا على حياة الخطية.
من يفعل الخطية فهو من إبليس = هذه تفهم على من تأصلت الخطية فيه وصارت عادة عنده، ويرفض التوبة وبعناد وإصرار على الخطية فإبليس هو قوة تعمل ضد إرادة الله.
إبليس من البدء يخطئ = أى منذ يوم سقوطه بدأ الشر ثم دخل الشر للعالم بحسد إبليس.
أما إبن الله فهو يسقط فى الشر على خلاف طبيعته، أى أن طبيعة الخطية لا تتواءم مع أولاد الله.
لو فهمنا الأيات السابقةعلى أن أولاد الله لا يخطئون أبداً، وإن فعلوا أى خطية لصاروا أولاداً لإبليس، فهذا يدفع لليأس، وأيضاً يتعارض مع بقية أيات الكتاب المقدس بل مع ما قاله الرسول نفسه فى هذه الرسالة (1: 8، 10) ونكرر أن إبن الله قد يخطئ ولكن باب التوبة والإعتراف مفتوح دائماً للعودة كأبناء للأحضان الإلهية كما عاد الإبن الضال (1يو1: 9). ولو كان أولاد الله لا يخطئون أبدً فلماذا طلب السيد المسيح أن نصلى قائلين“
أبانا الذى فىالسموات… وإغفر لنا ذنوبنا.
إذاً نحن أبناء ولكن يمكن أن نتعرض للسقوط. ولكننا فوراً نطلب الغفران ولكن لنفهم أن الخليقة الجديدة التى حصلنا عليها تعنى أن الخطية لم يعد لها سلطان علينا (رو6: 14). أى صار لأولاد الله بإنسانهم الجديد أن يدوسوا على الخطية وشوكتها، ويحيا إبن الله بالرب يسوع المحب سالكاً فى الروح. ولكن متى نخطئ نكون قد إنحرفنا عن وضعنا الحقيقى كأبناء. وبالتوبة نصحح وضعنا وينتهى تماماً إمكانية إنحرافنا عن وضعنا الحقيقى كأبناء حين نحصل على الجسد الممجد.
أية 10:- بِهَذَا أَوْلاَدُ اللهِ ظَاهِرُونَ وَأَوْلاَدُ إِبْلِيسَ. كُلُّ مَنْ لاَ يَفْعَلُ الْبِرَّ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ، وَكَذَا مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاه
أولاد إبليس = إبن إبليس أى من يقتدى بإبليس ويتشبه به كما يقال عنا أننا أولاد إبراهيم لأننا نتشبه بإيمان إبراهيم.
وفى أية 8 سمعنا أن إبليس من البدء يخطئ، أى أن إبليس من بدء خلقته يخطئ. وقد قرر أن لا يخضع لله، ومن بداية الإنسان، وإبليس يحاربه ليتشبه به فيصير إبناً لإبليس (يو8: 44). عوضاً عن أن يكون إبناً لله.
وفى أية 8 نسمع أيضاً “من أجل هذا أظهر إبن الله لكى ينقض أعمال إبليس“.
ومن هنا نرى قوة الحق ودخوله للعالم بالمسيح… وما هى علامات أولاد إبليس ؟
كل من لا يفعل البر + من لا يحب أخاه
فالله بار والله محبة، لذلك يطبع سماته فى أولاده أى البر والحب.
أية 11 :- لأَنَّ هَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً
أبناء الله علامتهم وجود المحبة فى قلوبهم، وأبناء إبليس علامتهم هى وجود البغضة فى قلوبهم. هذا هو الخبر = هذه هى الرسالة التى جاءت لنا من الذى أحبنا (يو13: 35).
أية 12 :- لَيْسَ كَمَا كَانَ قَايِينُ مِنَ الشِّرِّيرِ وَذَبَحَ أَخَاهُ. وَلِمَاذَا ذَبَحَهُ؟ لأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً، وَأَعْمَالَ أَخِيهِ بَارَّةٌ
من بركات التجسد أن المسيح يسكن قلوبنا ويفتحها على إخوتنا فلا نكون مثل قايين، بل نحب بالعمل. وقايين لم تكن فيه صورة الله أى البر والمحبة، وبهذا صار يشبه العالم الذى يبغض دائماً أولاد الله، فأبغض قايين هابيل إذ كان هابيل باراً، وهكذا أبغض العالم المسيح فصلبه ولأن قايين كان شريراً وليس على صورة الله لم يقبل الله قرابينه. كان قلب قايين مملوءاً بغضة وكراهية وحسداً لأخية البار فلم يقبل الله قرابينه.
ملحوظة :- كثيراً ما نظن أن سبب الضيق الذى فى قلوبنا والكراهية التى فى قلوبنا هو الآخر، وأن سبب شقائنا هو الآخر، ولو تخلصنا من الآخر لإسترحنا، وهكذا ظن قايين أنه لو تخلص من هابيل لإستراح ولإنتهت مشاكله. ولكن لنعلم أن المشكلة هى فينا، فى قلبنا الخالى من المحبة.
أية 13 :- لاَ تَتَعَجَّبُوا يَا إِخْوَتِي إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ
العالم هنا هم من يعشقون العالم وشهواته ولا يحبون الله. فمن تعلق بالعالم لا تكون له روح الحب الحقيقى ولا يطيق الله ولا أولاده. فالناس تحب الظلمة ولا تريد أن تأتى للنور، وهم لا يحبون أولاد الله لأن الطهارة والمحبة التى فى اولاد الله توبخهم.
أية 14 :- نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ. مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي الْمَوْت
الله محبة والله حياة والله نور. فإن كنا قد صرنا أولاداً لله نصير ثابتين فى الله، وبهذا يعطينا الله حياة. ومن هو ثابت فى الله ستكون له صورته أى المحبة لله وللناس حتى أعدائه. ومن لا يؤمن بالله ولا ولد منه فهو ميت. ومن ولد من الله صار حياً وعلامة ذلك الحب. لذلك فقايين بسبب بغضته لأخيه إنتقل من الحياة إلى الموت. فالذى مات حقيقة هو قايين وليس هابيل.
أية 15 :- كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ
كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس = إن كانت البغضة هى موت فكل من وجد فى قلبه بغضة فهو ميت أى أنه قتل نفسه، أى حكم على نفسه بالموت. وهذا نفهمه من مقارنة أيات (14، 15). وطالما بقيت البغضة داخل نفس إنسان فهو ميت = كل قاتل نفس له حياة أبدية ثابته فيه. ففى وصايا العهد القديم كل قاتل يقتل (تك9: 6).
وحكم الله عليه بالقتل يعنى ضمنا خسارته لحياته الأبدية. وبالتالى فمن يبغض فلأنه قاتل نفس كما قلنا فهو يخسر حياته الأبدية.
أية 16 :- بِهَذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ
فليكن المسيح فى محبته الباذلة قدوة لنا وهذا هو تعليمه (يو 15: 12، 13). أن ذاك = يوحنا فى محبته للمسيح يسوع، يشغل يسوع كل فكره. وفى كتاباته يتصور أن الكل مثله، فلا حاجه له للتعريف به.
أية 17 :- وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجاً، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟
أحشاءه = الأحشاء هى الجزء الذى إعتقدوا قديماً أنه خاص بالعواطف والمشاعر. والمعنى أن ليس فى قلبه شفقه وحنان، فمثل هذا لا تثبت فيه محبة الله. فلو كانت محبة الله ثابته فيه لكان قد إمتلأ حباً وشفقة وحنان متشبهاً فى ذلك بالرب يسوع.
أية 18 :- يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ
إذاً المطلوب هو المحبة العملية، أى المحبة التى تظهر فى أعمال وخدمة (يع2 :15، 16). ونلاحظ أن المطلوب هو الحب الحقيقى وليس السعى وراء المجد الباطل.
أية 19:- ! وَبِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا مِنَ الْحَقِّ وَنُسَكِّنُ قُلُوبَنَا قُدَّامَهُ
بهذا نعرف أننا من الحق = بهذا نعرف أننا ثابتون فى الرب يسوع الحق ونسكن قلوبنا قدامه = نقنع قلوبنا أن تطمئن. والقلب هنا هو الضمير. ومتى نطمئن ؟ إن كان لنا محبة عملية باذلة وليس بمجرد كلمات. وهذه المحبة لا تأتى إن لم نتذوق محبة المسيح أولاً ثم نعطى الأخرين مما أعطاه لنا المسيح.
أية 20 :- لأَنَّهُ إِنْ لاَمَتْنَا قُلُوبُنَا فَاللهُ أَعْظَمُ مِنْ قُلُوبِنَا، وَيَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ
قد يصاب إنسان باليأس حينما يسمع ما سبق ويتساءل فى وسوسة هل أنا أحب الناس حقيقة أم لا. وهل إنتقلت من الموت إلى الحياة أم مازلت فى الموت. فكيف نهدئ قلوبنا إن نخستنا قلوبنا.
هنا نرى حنان يوحنا ومحبته للناس. نرى حنانه فى هذه الأية التى لها تفسيران :-
1. إن كان قلبنا يؤنبنا هكذا، فكم بالحرى الله الذى هو أعظم من قلوبنا، وهو أقدس منا، ويعلم كل شئ، وأكثر مما تدركه قلوبنا. فإن لا مك قلبك فماذا عن لوم الله. فمن المؤكد أن لومه أعظم. وقطعاً ليس هذا هو المعنى المقصود، فهذا يزيد المخاوف والوسوسة.
2. حكم الضمير ليس معصوماً من الخطأ ولا هو نهائى، فنحن يجب أن نعلم أن مراحم الله أعظم من تقصيرنا وهو يفرح حتى لا بأشواقنا، وهو يرثى لنا ويتحنن علينا ويقبل ما نقدمه. ونقول فى أوشية القرابين ” والذين يريدون أن يقدموا لله وليس لهم ” فما يفرح الله إتجاه القلب فاللص اليمين ضبط إتجاه قلبه فكان أفضل من قيافا الذى قدم ألاف الذبائح. يوحنا هنا يسكن الضمائر الموسوسة المتعبة، ويقول إن الله أعظم من أن يحكم علينا بعمل واحد أو إثنين، بل هو ينظر لإتجاه القلب. وإذ نجد أن محبة الله منغرسة فى قلوبنا فهذه علامة أننا غير مرفوضين، فلا نهتم بهواجسنا.
أية 21 :- أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِنْ لَمْ تَلُمْنَا قُلُوبُنَا فَلَنَا ثِقَةٌ مِنْ نَحْوِ اللهِ
هناك من لا تلومهم قلوبهم لأن ضمائرهم ميته من كثرة الإثم، مثل هؤلاء قد أطفأوا الروح القدس. وهذه الأية لا تنطبق على هؤلاء. بل إن هذه الأية تنطبق على المسيحى الحقيقى الذى يرفع قلبه لله كقاض ليعرف رأى الله فيه. يرتمى أمامه معترفاً بأنه خاطئ ولا شئ، غير مهتم بمديح الناس أو هجومهم عليه، يطلب من الله الذى وحده يستطيع أن يكشف ويعطى للقلب سلام وطمأنينة لمن هو على الطريق الصحيح.
أية 22 :- وَمَهْمَا سَأَلْنَا نَنَالُ مِنْهُ، لأَنَّنَا نَحْفَظُ وَصَايَاهُ، وَنَعْمَلُ الأَعْمَالَ الْمَرْضِيَّةَ أَمَامَهُ
مهما سألنا ننال منه = هذه قالها السيد المسيح (مت 7: 8). وهذه الأية لها علاقة بالأية السابقة، والرباط بينهما هو الثقة. فمن له ثقة فى الله يسأل والله يعطيه. وهذا ما قاله السيد المسيح “كل ما تطلبونه حينما تصلون فأمنوا أن تنالوه فيكون لكم” (مر11: 24). وهناك شرط أخر لإستجابة الصلاة (راجع 1يو5: 14). ونجد فى هذه الأية شرطاً أخر لإستجابة الصلاة = نحفظ وصاياه ونعمل الأعمال المرضية أمامه. وفى الأية التالية يحدد ماهى الأعمال المرضية أمامه.
أية 23 : وَهَذِهِ هِيَ وَصِيَّتُهُ: أَنْ نُؤْمِنَ بِاسْمِ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً كَمَا أَعْطَانَا وَصِيَّةً
نؤمن بإسم إبنه = نقبله فادياً ومخلصاً. وهذه الأية تشير لأهمية العقيدة التى نعتقدها فى المسيح بجانب أعمالنا.
نحب بعضنا بعضاً = يوحنا يرى أن أعظم وصية هى المحبة، فالله أعطى فىالناموس وصايا كثيرة، لكن أعظم ما فيها أن نحب ألأخرين.
أية 24:- وَمَنْ يَحْفَظْ وَصَايَاهُ يَثْبُتْ فِيهِ وَهُوَ فِيهِ. وَبِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِينَا: مِنَ الرُّوحِ الَّذِي أَعْطَانَا.
قال السيد المسيح ” إثبتوا فى وأنا فيكم (يو15: 4). وهنا يشرح يوحنا كيف يتم هذا الثبات هو لمن يحفظ وصاياه = فلا شركة للنور مع الظلمة (2كو6: 14). وهذه الأية مثل ماقال السيد “إن أحبنى أحد يحفظ كلامى ويحبه أبى وإليه نأتى وعنده نصنع منزلاً” (يو14: 23). وكيف نعرف أننا ثابتين فيه وهو فينا = بهذا نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذى أعطانا = فالروح يملأ من هو ثابت فى المسيح، ومن يملأه الروح يعطيه الشعور بالبنوة لله، فهو يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله (رو8: 16). وإن كنا أولاد فسنحب أبونا السماوى. وأول ثمار الروح محبة ثم فرح وسلام… هذه للمملوء من الروح… ولمن هو ثابت فى المسيح.
وهذه الأية هى مدخل للإصحاح الرابع الذى يحدثنا عن الروح القدس.
تفسير رسالة يوحنا الأولى 2 | تفسير رسالة يوحنا الأولى القمص أنطونيس |
تفسير رسالة يوحنا الأولى 4 |
تفسير العهد الجديد |