تفسير رسالة يوحنا الأولي أصحاح 3 للقديس أغسطينوس

 ( 1 يو 9:3 – 18)

كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ. بِهذَا أَوْلاَدُ اللهِ ظَاهِرُونَ وَأَوْلاَدُ إِبْلِيسَ: كُلُّ مَنْ لاَ يَفْعَلُ الْبِرَّ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ، وَكَذَا مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ. لأَنَّ هذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا. لَيْسَ كَمَا كَانَ قَايِينُ مِنَ الشِّرِّيرِ وَذَبَحَ أَخَاهُ. وَلِمَاذَا ذَبَحَهُ؟ لأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً، وَأَعْمَالَ أَخِيهِ بَارَّةٌ. لاَ تَتَعَجَّبُوا يَا إِخْوَتِي إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ. مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي الْمَوْتِ. كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ. بِهذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ. وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجًا، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟ يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ!”( 1يو 3: 9 – 18).

المحبة هي علامة بنوتنا لله:

1- أنا أحثكم أن تسمعوني بانتباه لانه ليس امراً هيناً هذا الذي سنتطرق إليه اليوم ، ولاشك انكم كنتم منتبهين اليه بالامس لذلك أتيتم اليوم جميعكم بانتباه عظیم.

كيف يقول في هذه الرسالة “المولود من الله لايخطى“ ( 1يو 3: 9) وكيف يقول في نفس الرسالة “إن قلنا إننا بلا خطية نضل انفسنا ولیس الحق فينا”.

ماذا نفعل ونحن محصورين بين هاتين العبارتين؟

إن اعترف الانسان أنه خاطئ يخاف أن يقال له إنك لست مولوداً من الله لانه مكتوب ” المولود من الله لايخطئ” وإذا قال الإنسان إنه بار ولم يخطئ تقابله لطمة على الجانب الاخر في نفس الرسالة “اذا قلنا إننا بلا خطية نضل انفسنا وليس الحق فينا” ، والانسان محصور في الوسط لايجد ما يقوله ، بماذا يعترف وماذا يعلن ، أن اعترف بنفسه أنه بلا خطية يكون قد أخطأ وليس فقط اخطأ بل صار في خطر “نضل أنفسنا وليس الحق فينا” ان قلنا أننا لم نخطئ.

ولكن من هو ذلك الانسان الذي يمكن أن يقول انه بلا خطية ؟ هل يتجرأ انسان ويقول ذلك بالحقيقه وينطق بالحق دون ان يخاف من الخطأ فيما يقول ، أنك تفعل ردياً ان قلت ذلك لانه كذب ، کذب ان تقول ذلك لانه يقول “ان قلنا إننا بلا خطية نكذب ولسنا نعمل الحق”

لم يقل : “لم يكن لنا خطية” لئلا يظن احد انه يقصد الزمن الماضى لان الانسان له خطايا في الماضي ولكنه منذ اللحظة التي صار فيها مولوداً من الله بدأ أن لا يكون له خطية.
اذا كان الامر فعلاً هكذا فلا يوجد أية مشكلة امامنا لاننا سنقول لقد كنا خطاة اما الان فنحن ابرار ، لقد كان لنا خطية ولكن الان ليس لنا.

أن الرسول لم يقل هكذا، ولكن ماذا قال ؟ “ان قلنا أن ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا” وبعد قليل يقول في نفس الوقت ” المولود من الله لايخطئ”. الم یکن یوحنا نفسه مولودا من الله؟ إذا كان يوحنا غير مولود من الله ، الذي سمعتم عنه أنه أتكأ في احضان الرب ، فهل يجرؤ أي انسان ان يدعى لنفسه أنه قد تم فيه تغير لم يتم في ذاك الذي حفظ له أن ينام في أحضان الرب؟
الإنسان الذي كان يسوع يحبه أكثر من الباقين ، هل هو وحده لم يلده الرب بالروح
؟

 2- لاحظوا هذه الكلمات الآن ، اننى اناقشها معكم جيداً، صعب أن نجعل عقولكم متسعه ولكننا ، بالصلاة لاجلكم ولأجل نفوسنا نطلب ان يوسع الله عقولنا ويعطينا مخرجاً لئلا يجد احد في هذه الكلمات ما يوحي بالهلاك الأبدي بينما هي لم تكتب ولم تعط الا لتكون للشفاء والخلاص.

من يفعل الخطية يفعل التعدی ، لانفرق بينهما ( الخطية هي التعدي ) لئلا يقول احد انني انسان خاطئ ، ولكني لا أفعل التعدی ( الخطية هي التعدي ).

تعلمون أنه أظهر لاجل ذلك لكي يرفع خطايانا وليس فيه خطية.

ماذا يفيدنا انه بلا خطية؟

“كل من لايخطئ يثبت فيه وكل من يخطئ لم يره ولا عرفه، ايها الابناء لايضلكم أحد من يفعل البر فهو بار كما هو بار . قلنا قبل ذلك أن ” كما ” تعنى المشابهه وليست التساوی . من يفعل الخطية فهو من ابليس لان ابليس من البدء يخطئ.

وهذا ايضاً تحدثنا عنه ان ابليس لم يخلق انساناً ولم يلد احداً ولكن الذين يتشبهون به یکونون مولودین منه، لاجل هذا أظهر ابن الله لكي ينقض اعمال ابليس ، ولاجل ان ينقض الخطية هو بلا خطية.

ثم يكمل “المولود من الله لايخطئ لان زرعه يثبت فيه وهو لايستطيع أن يخطئ لانه مولود من الله “ ( 1يو 9:3) اغلب الظن انه يقصد خطية معينة حين قال ( لا يخطئ ) ولا يقصد كل الخطايا على أطلاقها ، لاجل هذه الخطية قال “المولود من الله لا يخطئ” نفهم منها أنه يتحدث عن خطية معينة لايمكن أن يقع فيها من هو مولود من الله ، مثل هذه الخطية اذا فعلها الانسان يؤكد كل الخطايا الأخرى.

ما هي هذه الخطية ؟

انها كسر الوصية . وما هي وصية المسيح ؟ ” وصية جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا ” انتبهوا وصية المسيح هذه هي المحبة. بالمحبة تنقض كل الخطايا واذا لم نحفظ المحبة نكون في خطية عظيمة بل ان ذلك أصل كل الخطايا.

انتبهوا يا اخوتي ، لقد تقدمنا في حل المعضلة عند الذين لهم الفهم الجيد، ولكن هل نسير في الطريق فقط مع الذين لهم الخفة والرشاقة في المسير ؟ أولئك الذين يسيرون ببطء لايجب ان نتركهم خلفنا.

دعونا نقلب المسألة على كل الوجوه بكل الكلمات الممكنة لكي تكون في متناول كل انسان لانني يا أخوتي أعلم أن كل انسان امامی مهتم بحياته الروحية ، وهو لم يأت إلى الكنيسه بلا سبب ، انه لايبحث عن أشياء فانية أو مؤقتة في الكنيسة أو اتي لقضاء شئون عالمية ولكن كل انسان اتي على أمل الحصول على امور أبدية يأخذ الوعد بها ويتعلم كيف يحصل عليها ، وهو يحتاج بالقطع ان يعرف كيف يسير في الطريق والا صار متروكاً في الخلف ونخشى أن يعود إلى الوراء أو يضل الطريق أو بسبب التعثر يفشل في الوصول.

إذاً الذين يسيرون في الطريق برشاقه عليهم الا يدعوا أولئك يتركون الطريق . هذا إذا ما نقوله في الآيه “المولود من الله لايخطئ”.

ربما يقصد خطايا معينه والا يكون مناقضاً للقول الآخر “ان قلنا اننا بلا خطية نضل انفسنا ولیس الحق فينا” بهذه الطريقة تكون المشكلة محلولة.

توجد خطية معينة ، المولود من الله لايمكن أن يقع فيها ، ما هي هذه الخطية ؟ الخطية أن نفعل ما هو مضاد لوصية المسيح ، ما هو مضاد للوصية الجديدة “وصية جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضاً”.

من يفعل ضد المحبة ، ضد محبة الاخوة ليس له رجاء في المجد ولا يقدر أن يقول انه مولود من الله ومن يعيش في المحبة الاخوية توجد خطايا معينة لايمكن ان يقع فيها ، وفوق كل شئ لا يمكن ان يبغض اخاه ولكن ما موقفه تجاه باقي الخطايا التي قيل عنها “ان قلنا اننا بلا خطية نضل انفسنا وليس الحق فينا”؟ ليسمع هذا الانسان ما قلبه ما هو مكتوب في موضع آخر في الكتب المقدسة “ان المحبة نستر کثرة من الخطايا” (١بط٨:٤)

4- هي المحبة التي نوصيكم بها ، المحبة التي توصي بها الرسالة . أن الرب بعد قيامته سأل بطرس سؤالا ما هو؟ و لم یکن سوی : اتحبني ؟ ( یو ٢١: ١٥-١٧) . لم يكن كافياً أن يسأله مرة واحدة وفي المرة الثانية لم يغير السؤال ، وكذلك في المرة الثالثة لم يسأل سؤالا أخر بالرغم من حزن بطرس في المرة الثالثة ، حزن كما لو كان الرب لم يصدقه ، حزن كأنسان لايدري ما هو مغزی السؤال لأن الرب كرر السؤال مرتين وثلاث مرات ينكر الخوف ، ثلاث مرات يقدم الاعتراف بالحب ..

انظروا كم كان بطرس يحب الرب . ماذا يفعل لأجل محبة الرب انظروا المزمور يقول : “ماذا أكافئ الرب عن كل ما اعطانيه” لم يكن كمن لايدري ما يجب ان يفعله ولكنه قد ادرك الأمور العظيمة التي صنعها له الله وتساءل ماذا يمكن ان يقدمه لله فلم يستطع شيئا . لانك مهما فكرت أن تقدم لله تجد أن الذي تقدمه هو من عنده آت . ماذا وجد هو ان يقدم في المقابل ؟

وجد يا اخوتي أن ما أخذه من الله هو وحده الذي يمكن أن يقدمه له “كأس الخلاص و بإسم الرب أدعوا” من الذي اعطاه كأس الخلاص والى من يريد ان يقدمه في المقابل ؟ معنی ان ناخذ كأس الخلاص وان تدعوا باسم الرب هو ان تمتلئ بالمحبة . تمتلئ بالمحبة بصورة تمكنك ليس فقط الا تكره اخوتك بل أن تحبهم وتكون مستعدا أن تموت عنهم ، ما أظهره الرب في نفسه لانه مات لاجل الجميع مصلیا لاجل الذين صلبوه قائلا : ” یا ابتاه اغفر لهم لانهم لايدرون ماذا يصنعون ” ( يو ٣٤:٢٣) . ولكن ان كان قد فعل هذه وهو وحده فكيف يكون سيدا وكيف يكون له تلاميذ ؟ تلميذه الذي أتى بعده فعل هذا ايضا ، لقد كان الرجال يرجمون اسطفانوس ، وجثا هو على ركبتيه وصلي ” يارب لا تقم لهم هذه الخطية “ ( اع  ٥٩:۷ ) . كان يحب الذين يقتلونه ولاجل ذلك قبل الموت .

 اسمعوا ايضا الرسول بولس : ” فانی انفق وانفق لأجل نفوسكم ” ( ٢کو ۱۵:۱۲ ) . لقد كان بولس بين هؤلاء الذين رفع اسطفانوس يديه وهو يموت طالباً لهم الغفران ، هذه هي المحبة الكاملة .

إن كان لانسان محبة كبيرة بحيث يكون على استعداد ان يموت لاجل اخوته تكون المحبة قد تكملت فيه . والانسان لا يولد کاملاً، ولكنه بعد أن يولد يتغذى وحين يتغذى يتقوى وحين يتقوى يصير کاملاً وحين يصل إلى الكمال ، ماذا يقول ؟ “لى الحياة هي المسيح والموت ربح” ( فيلبي ١: ٢١-٢٤) .

“ولكن ان كانت الحياة في الجسد هي لي ثمرة عملي فماذا اختار لست أدري فانی محصور من الاثنين لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح فذاك أفضل جدا ولكن ان ابقى في الجسد الزم من أجلكم”. لاجل خير اخوته يريد أن يحيا في الجسد ولاجل خيره مستعد أن يموت .

المحبة الكاملة هذه هي التي لا ينتهك حرمتها الانسان المولود من الله ولا يخطيء ضدها وهي التي قال عنها الرب لبطرس اتحبني وقد اجاب نعم يارب أني أحبك.

لم يقل له اذا كنت تحبنى اظهر نحوی اهتماماً ولطفاً. لأن الرب حين كان في الجسد الترابي جاع وعطش وكان مثل ضعيف وقد خدمه الناس من أموالهم كما يقول الكتاب. زكا استقبله كضيف في البيت ، لقد نال نجاة من مرضه حين استضاف الطبيب . أي مرض ؟

مرض الجشع ومحبة المال لأنه كان غنياً جداً وكان رئيساً للعشارين ، لقد شُفيَّ من مرض الجشع تماماً “ها أنا أعطى نصف أموالی للمساكين وان كنت قد وشيت باحد ارد له أربعة أضعاف” لقد احتفظ بالنصف الآخر لا لكي يتمتع به ولكن لكي يسدد ديونه.

حسناً قد استضاف زكا في ذلك الوقت الرب کضيف عنده بسبب صورة الضعف حين كان الرب متجسداً في جسدنا الذي يمكن للناس أن يظهروا عطفاً تجاهه، وكان أيضاً يريد أن يفيد الناس الذين يخدمونه لأن الفائدة كانت عائدة عليهم أولئك الذين يخدمونه وليس عليه هو لأنه هل يحتاج من تخدمه الملائکه الى خدمة الناس؟ و حتى خادمه ايليا الذي كان يرسل له الخبز واللحم بواسطة الغراب (1مل 17: 4-9). ولم يكن محتاجاً إلى خدمة الاخرين ولكن لكي تأخذ الأرملة بركة ارسل اليها خادم الله وهو الذي كان يطعمه الله في السر، أطعمته هذه الأرملة، والى الان فإن الذين يخدمون هذه الخدمة يجلبون الخير لأنفسهم، الأسلوب تغير وصار الناس يخدمون الرب في خدامه ولكن الرب أوضح المكافأة في الإنجيل “من يقبل باراً باسم بار فأجر بار يأخذ ومن يقبل نبياً باسم نبي فأجر نبي يأخذ ومن سقى أحد هؤلاء الصغار المؤمنین بی كأس ماء بارد باسم تلميذ فالحق أقول لكم أنه لايضيع أجره” (مت10 :41 – 42), الذين يفعلون ذلك يفعلونه لأجل خير انفسهم ولكن الآن لا يمكن أن نقدم له هذه الخدمة لقد صعد الى السماء، ماذا كان يمكن لبطرس ان يقدمه للرب اذاً كعلامه لمحبته ؟

اسمعوا ماذا قال له الرب : “أطعم غنمي” اي افعل مع الأخوة ما فعلته أنا لاجلك، لقد خلصت الجميع بدمی، لا تتردد اذاً في الموت لاجل الاعتراف بالايمان ليتشبه بك الأخرون

6- هذا يا اخوتي الذي تحدثنا عنه هو المحبة الكاملة، والمولود من الله له هذه المحبة.

لاحظوا ياخوتي ما أقوله الآن. تصوروا انساناً نال سر الميلاد وتقبل المعمودية، لقد نال السر، سر عظيم، مقدس و الهی وفائق للوصف. ليكن هذا السر محل توقير، یا لكرامة هذا السر ! لقد جعله إنساناً جديداً بغفران كل الخطايا.

ليت هذا الانسان ينظر باستمرار وبعمق الى قلبه، ينظر هل تم فيه وبقوة ما تم في الجسد من الخارج.

لينظر هل له المحبة في قلبه وحينئذ يقول أنا مولود من الله، وان لم تكن له المحبة يكون قد أخذ علامة الجندية ولكنه يطوف مثل جندی هارب. ليته يقتني المحبة والإ لا يقل أنا مولود من الله وان قال اني قد نلت السر المقدس . فليسمع الرسول يقول : ” لو كان لى كل الإيمان حتی انقل الجبال ولو كنت أعلم كل الاسرار لكن ليست لی محبة فلست شيئاً” ( 1کو 2:13 ) . 

۷- لو تذكرون فان هذا هو ماحدثناكم فيه في البداية عند قراءة هذه الرسالة لان الله لا يوصينا بشیء قدر المحبة وحتى لو ظهر انه تكلم عن اشياء أخرى كثيرة ولكنه يعود من جديد إلى هذه الوصية ومهما قال فانه يعود فيحشد كل الطاقات لاجل المحبة .

لقد فعل الرسول ذلك هنا “المولود من الله لا يخطئ” ونحن نسأل : ما هي الخطية ؟ اذا فهمنا من ذلك أن المقصود هو كل الخطايا الكثيرة المتنوعة فان ذلك يكون مناقضاً لقوله “ان قلنا اننا لم نخطئ نضل انفسنا وليس الحق فينا” اذاً ليقل لنا الرسول ويعلمنا ما الخطية التي يتحدث عنها لئلا اندفع انا واقول انها “کسر وصية المحبة”.

لقد قال قبل ذلك ” من يبغض اخاه فهو في الظلمة وفي الظلمة يسلك ولا يعرف این يمضی لأن الظلمة قد اعمت عينيه . “ ( 1يو 11:2).

هذه الآيات مجتمعة تؤدي إلى هذه النهاية ، إلى هذه النتيجة ” المولود من الله لا يخطئ لان زرعه يثبت فيه “ ( 1يو 9:3).

زرع الله أي كلمة الله من اجل ذلك يقول الرسول ” انني ولدتكم في الانجيل ” ( 1کو 15:4) لايستطيع ان يخطئ لانه مولود من الله.

الانخطئ في ماذا ؟ ليت الرسول يعلمنا. ” بهذا اولاد الله ظاهرون و اولاد ابليس ، من لايفعل البر فليس من الله وكذا من لايحب اخاه ” ( يو ۳ : ۱ ) لقد ظهر ما هو قصده من الكلام “وكذا من لايحب اخاه “.

إذا المحبة وحدها هي التي تفرق بين أولاد الله واولاد ابليس .

اذاً ليرسم ای انسان نفسه بعلامة صليب المسيح ، ليردد من يشاء كلمة امين ، ليرتل الجميع معا هللويا.

ليقبل من يشاء إلى المعمودية ، ليأت الكل إلى الكنيسة ، ليتباری من يشاء في بناء الكنائس فلا يوجد فرق بين أولاد الله واولاد ابليس الا بالمحبة وحدها.

من عندهم المحبة هم مولودون من الله ومن ليس لهم المحبة هم غير مولودین من الله . انها علامة أبدية وفرق عظیم ، ماذا تريدون ؟ اذا لم يكن لكم هذه المحبة فلن يفيدكم شي واذا لم يكن عندكم اي شئ ولكن عندكم محبة فقد أكملتم كل الناموس . كما يقول الرسول : ” من يحب اخاه فقد أكمل الناموس” ويقول “المحبة هي اكمال الناموس ” ( رو ۱۳ : ۸ ، ۱۰ ) .

وانني اعتبر المحبة هي اللؤلوة الكثيرة الثمن التي وجدها التاجر الذي تحدث عنه الانجيل انه يبحث عنها وحين وجدها مضى وباع كل ما كان له واشتراها ( مت 12: 46).

إن المحبة هي اللؤلؤة الكثيرة الثمن ، المحبة التي بدونها لايفيدكم اي شئ ولكن هي وحدها تكفيكم عن كل شي، بالايمان الان ترون وبعد ذلك تكتمل الرؤية بالعيان.

إذا أحببنا دون أن نرى فكيف تكون محبتنا حين نری ؟ ! في اي شئ يجب ان ندرب أنفسنا ؟ … في محبة الاخوة.

ربما تقولون إننا لم نر الله ، ولكن هل تقولون اننا لم نرى البشر ؟

احبوا الأخوة لأنكم ان احببتم اخوتكم الذين ترونهم فانكم في الوقت نفسه سوف ترون الله ايضاً لانكم سوف تدركون المحبة التي يسكن فيها الله .

۸- “كل من لا يفعل البر فليس من الله وكذا من لايحب اخاه” ( 1يو ۳ : ۱۱،۱۰ ) “لأن هذا هو الخبر” لاحظوا كيف يؤكده “لأن هذا هو الخبر الذي سمعناه من البدء ان يحب بعضناً بعضاً” لقد اوضحها لنا لانه يتحدث عن الذي يعمل ضد الوصية ، انه يرتكب الخطية التي يقع فيها من لم يولدوا من الله فيقول ” ليس مثل قابين الذي كان من الشرير وذبح اخاه ولماذا ذبحه لان اعماله كانت شريرة واعمال اخيه بارة “ ( ايو ۱۲:۳) .

لذلك حيثما يوجد الحسد لاتوجد المحبة ، الذي يحسد لایحب ، انه يتمثل بخطية الشيطان لان الشيطان اسقط الانسان بالحسد الى اسفل، لانه سقط فقد حسد من كان قائماً، لم يشته الشيطان أن يسقط الانسان ليصعد هو ولكن فقط لكي لا يكون ساقطاً وحده.

احفظوا ذلك جيداً في قلوبكم حينما يوجد الحسد لا يمكن أن توجد المحبة ، عرفتم ذلك حين امتدحت المحبة ” المحبة لا تحسد “ ( 1کو 4:13).

لم تكن هناك محبة في قايين ، وان لم تكن هناك محبة في هابيل ما كان الله قد قبل ذبيحتة . حين قدم الاثنان قرابين، قدم الواحد من ثمار الأرض وقدم الآخر من نتاج غنمه. ماذا تظنون ؟

هل احتقر الله ثمار الأرض وأحب نتاج الغنم؟

الله لا ينظر الی الیدین ولكنه يرى ما في القلب. الذي يقدم بالمحبة فان الله يتقبل تقدمته والذي يقدم مع الحسد فان الله يحول عينيه بعيداً عن هذه التقدمة ، اذاً اعمال هابيل الحسنة كانت محبته لاخيه واعمال قايين الشريرة كانت تعني كراهيته لاخيه.

لم يكن كافياً له ان يكره أخاه وان يحسد اعماله الحسنة ولكنه لانه لم يتمثل به قام عليه وقتله وبهذا ظهر انه ابن للشيطان وظهر الآخر انه ابن الله … وبهذا يتميز الناس يا أخوتی.

ليت كل انسان لايهتم بالكلام ولكن بالقلب والاعمال .

إن الانسان يكشف عما بداخله حين لا يفعل خيراً لاخيه فإن الانسان يُمتحن بالتجربة.

9- “لا تتعجبوا يا اخوتي إن كان العالم يبغضكم” ( 1یو 3 :13)

ألم نخبركم قبلا عن معنى العالم؟ انه ليس السماء والأرض أو هذه الاشياء المنظورة التي عملها الله ولكن من يحبون العالم. أعلم انني قد اكون مملاً للبعض من تكرار الحديث ولكني اكرر ليس بدون سبب ولكن لعل هذا المعنى يلصق بقلوب السامعين.

ما هو العالم ؟
حين ناخذ العالم بالمعنى الردئ يكون هو “محبي العالم ” وحين نستخدم الكلمة في مقام حسن يكون المقصود هو السماء والارض وخليقة الله بينهما لذلك يقول “والعالم به خلق” ( یو1:1) . العالم ايضا هو سكان الأرض كلهم كما يقول يوحنا نفسه ” هو كفارة ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم ايضاً“ ( 1یو 2: 12) . یعنی هنا “خطايا العالم” ای خطايا المؤمنین المنتشرين في كل العالم ، ولكن الذين يحبون العالم لايمكنهم أن يحبوا اخوتهم 

بداية المحبة الحقيقية

۱۰- اذا أبغضنا العالم : نحن نعلم . ماذا نعلم؟ “اننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة ” كيف نعلم ذلك ” لأننا نحب الاخوة “ ( 1يو 3: 14) لايسأل احد انساناً أخر ولكن ليرجع كل منا إلى قلبه، إذا وجد محبة الاخوة فليطمئن انه انتقل من الموت إلى الحياة وهو بالحق على الجانب اليمين، لا ينظر الان الى ان مجده مخفي في الوقت الحاضر ولكن سوف يستعلن مجده حين يأتي الرب في مجده.

اذا ذلك الانسان له الحياة في ذاته ولكن مثلما يحدث في فصل الشتاء حين يكون الجذر حياً ولكن الفروع تكون جافة ولكن الجذور داخلها مادة الحياة من الداخل ، توجد الأوراق والثمار ولكنها تنتظر أوان الصيف. حسنا اذاً “اننا نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لاننا نحب الاخوة . من لايحب اخاه يبقى في الموت” ولئلا تستهينوا بعدم محبة الاخوة وتعتبرونه شيئاً بسيطاً اسمعوا ما يقوله “كل من يبغض اخاه فهو قاتل نفس “ ( 1يو 15:3) “لئلا تستهينوا بعدم محبة الاخوة وتعتبرونه شيئاً بسيطاً ان تكرهوا انساناً” .

إن الإنسان الذي يستخف أو يستهين بكراهية اخيه، هل يمكن أن يستخف هكذا ايضا بالقتل؟! أنه لم يحرك يديه بالقتل ولكنه احتسب عند الله قاتلاً. هذا الانسان قتل حياة الآخرين وحُكم عليه انه قاتل ” كل من يبغض اخاه فهو قاتل نفس وتعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه “.

۱۱- “بهذا عرفنا المحبة” ( 1يو14:3) يقصد كمال المحبة الذي نحثكم أن تضعونه داخل قلوبكم “بهذا عرفنا المحبة أن هذا وضع حياته لاجلنا واننا يجب أن نضع حياتنا لاجل الاخوه”.

لأجل هذا السبب قال لبطرس : “اتحبني” “ارع خرافي” ( يو21: 15-19) إن خرافه سوف تجد طعاماً ومرعي على يدي بطرس بمقدار ما يضع بطرس حياته لاجل هذه الخراف لذلك قال الرب بعد ذلك مباشرة “حين كنت فتى كنت تمنطق ذاتك وتمشي حيث تشاء ولكن متی شخت فانك تمد يديك لأخر يمنطقك ويحملك إلى حيث لاتشاء” قال ذلك مشيراً الى اية ميتة كان مزمعاً أن يمجد الله بها لذلك فان الذي قال له أطعم حملانی هو نفسه قد علمه أن يضع حياته لاجل الخراف.

۱۲- من این يا اخوتي ابدأ المحبه ؟ انتبهوا قليلا!

لقد وضع الرب امامنا في الانجيل النهاية الكاملة والمقياس الكامل للمحبة ” وليس لأحد حب اعظم من هذا أن يضع أحد نفسه عن أحبائه ” (يو۱۲ : ۱۳).

لقد وضع امامنا في الانجيل وفي هذه الرسالة المحبة الكاملة وربما تتساءلون متى نقتني هذه المحبة الكاملة ؟ لا تيأسوا من انفسکم سريعاً. لقد ولدت لكنها لم تكتمل بعد ، غذوها حتى لا تضعف أو تموت.

كيف إذا نبدأ المحبة لقد سمعنا عن المحبة الكاملة ولكن كيف تبدأ ؟ اسمعوا ما يقوله ” من كانت له معيشه العالم ونظر اخاه محتاجاً واغلق احشاءہ عنه فكيف تثبت فيه محبة الله “ ( ايو ۳ : ۱۷).

انظروا بأي شئ تبدأ المحبة !

ان لم تکونوا قادرين بعد على الموت لاجل اخوتكم فليس أقل من ان تكونوا على مستوى تقديم حاجاتكم لاخوتكم. دعوا المحبة تحرك احشاءكم بالرحمة حتى تنظروا الى من في حاجة وتفعلوا ذلك ليس لاجل المجد الباطل ولكن لاجل احشاء الرحمة ! لانكم اذا لم يمكنكم ان تعطوا اخوتكم مما هو زائد عندكم فهل يمكنكم أن تضعوا حياتكم لاجل الاخوة؟.

ضعوا أموالكم في حضنكم حيث يتمكن منها اللصوص وحتى لو لم يستطع اللصوص الاستيلاء عليها سوف تتركونها بالموت وحتى اذا الم تخسرونها وانتم أحياء ماذا سوف تفعلون بها ؟ أخوكم جائع ، اخوكم في احتياج وربما في حيره وقلق ، ربما يكون مضغوطاً عليه من الدائنين ، أنه أخ لك اشتراه السيد مثلك ، دفع فيكما ثمناً واحدا ، انتم جميعا نلتم الشفاء بدم المسيح ، انظر هل لك قلب رحيم حين يكون عندك احتياجات هذا العالم.

ربما يقول البعض لنفسه : ما شأني وهذا الامر ؟ هل اعطي اموالي لكل من في ضيق ؟ ان كنت تفكر هكذا في قلبك فان محبة الآب لا تسكن فيك ، وأن لم تسكن فيك محبه الآب فانت لم تولد من الله، كيف تفتخر انك مسیحی ولك الاسم ولكن ليس لك الأعمال؟

برهنوا للذين في الخارج انکم مسيحيين باعمالكم ، اتبعوا الاسم بالعمل ، ان لم تشهد أعمالكم فای انسان ممکن ان یُدعی مسیحیاً ولكن ماذا يفيد الاسم ان لم يكن الانسان مستعداً بالعمل؟!

من كان له احتياجات العالم ووجد اخاه محتاجاً واغلق احشاءه عنه فكيف تثبت فيه محبة الله ؟ !

ثم يستمر بعد ذلك ” یا اولادی لانحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق “ ( 1يو 3: 18).

۱۲- اعتقد يا اخوتي انه قد صار واضحاً لكم هذا الأمر ، هذا الشر العظيم والمهم ، السر هو قوه المحبة ، لقد تكلمت عنها كل الكتب لکنی لا اعرف مكاناً تكلم عن قوة المحبة مثل هذه الرسالة.

انني اصلي من اجلكم واطلب لكم من الرب ان تحفظوا ما سمعتموه في قلوبكم وكذلك ما سوف تسمعونه إلى نهاية الرسالة بكل جدية ووقار . افتحوا قلوبكم للزرع الجيد ونقوا منكم الاشواك حتى لاتخنق ما نزرعه فيكم ( ما نغرس بذوره فيكم ) ولكي ينمو الحصاد فيفرح الزارع ويعد لكم الاجران لانكم حنطة وليس النار كما للتبن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى