تفسير الإنجيل بحسب القديس لوقا أصحاح 23 للأنبا غريغوريوس

الفصل الثالث والعشرون

لو23: 1-7 محاكمة السيد المسيح أمام بيلاطس :

وقام أولئك المتآمرون جميعاً ضد فادينا، وكانوا من أعضاء مجلس السنهدريم الذي يضم رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ اليهود وساقوه إلى الوالي الروماني بيلاطس البنطى، لأنهم إذ لم يجدوا تهمة يستحق عليها الموت حسب شريعتهم يلصقونها به، وإذ لم يكن في سلطان مجلسهم الحكم عليه بالموت حتى لو وجدوا مثل هذه التهمة، لأن الحكم بالموت كان من إختصاص السلطات الرومانية وحدها، إتجهوا إلى الوالي الروماني، ليتهموه لديه بتهمه يلفقونها تتضمن جريمة تستحق الموت، لا ضـد الشريعة اليهودية التي لم تكن تهم ذلك الوالي في شيء، وإنما ضد الدولة الرومانية التي يمثلها ذلك الوالي والتي من واجبه أن يحافظ على سطوتها وسلطانها على بلاد اليهود، وأن يبطش بكل متمرد على تلك السعلوة، وينكل بكل ثائر على ذلك السلطان. فلما بلغوا دار الولاية أخذوا يتهمون المخلص بكل ما فيهم من خبث ومكر ودهاء، قائلين: «إننا وجدنا هذا يفسد الأمة، ويقول بالامتناع عن أداء الجزية لقيصر، مدعياً إنه هو المسيح الملك . وقد كانت هذه التهمة تتضمن عدة مغالطات مكشوفة وأكاذيب صارخة: لأنهم زعموا أن الرب يسوع يفسد الأمة، أي يحرضها ضد الرومان، مع أنه لم تصدر عنه خلال حياته التعليمية كلها كلمة واحدة تتضمن التحريض ضدهم، وإنما كان أولئك الذين يتهمونه من زعماء اليهود أنفسهم ولا سيما الفريسيون هم الذين يحرضون الأمة ضد الرومان ويسعون علانية إلى التحرر من ريقتهم . وقد زعموا أن ربنا يسوع يقول بالإمتناع عن أداء الجزية لقيصر، مع أنه حين استفتاه الفريسيون والصدوقيون في هذا الأمر قال لهم صراحة “أعطوا ما لقيصر لقيصر” (مت 22: 21).

وقد زعموا أخيراً أنه يدعى أنه ملك، مما يوحي بأنه يزاحم قيصر الرومان في ، سلطانه على اليهود ويعمل على الاستئثار دونه بحكمهم، مع أن القول بأنه ملك هنا إنما يستتبع القول بأنه هو المسيح الذي نقول نبوءات الأنبياء بأنه سيكون ملك اليهود، ولكن لا ملكا أرضيا، وإنما ملكاً سماوياً، يملك لا في هذا العالم الدنيوي الأسفل وإنما في العالم الروحي الأعلى. وقد استرعت هذه التهمة الأخيرة إنتباه بيلاطس فسأل الرب يسوع المسيح قائلا أنت ملك اليهود ؟. فأجابه وقال «نعم أنا هو كقولك ، وكان يعني أنه هو الملك السماوي لا الأرضى وقد جاء في الإنجيل للقديس يوحنا أنه قال لبيلاطس إن مملكني ليست من هذا العالم، (يو 18: 36) . فقال بيلاطس الرؤساء الكهنة والجمـوع إنني لا أجـد شـرأ في هذا الرجل، . وهكذا حكم ذلك الوالي یهیج الوثني ببراءة فادينا، وإذ كان يعلم أنهم سلموه حسدا، (مت 27: 17) . ولكن أولئك الحاقدين الموتورين ألحوا في إصرار قائلين إنه يهيج الشعب ويعلم في كل اليهودية إبتداء من الجليل إلى هناء . وقد كانت تلك عبارة مبهمة لا يتضح منها ضد من كان مخلصنا الشعب، وأية تعاليم تلك التي كان يعلمها إبتداء من الجليل إلى أورشليم. بيد أن بيلاطس إذ كان متضجراً من أولئك اليهود المشاغبين، وكارها النظر في دعواهم تلك التي قدموها إليه ضد إنسان وديع كان من الواضح أنه لم يرتكب شراً، لما سمع ذكر الجليل سأل عما إذا كان الرجل جليليا، فما إن علم أنه تابع لولاية هيرودس ملك الجليل حتى اعـتـزم أن يتخلص من هذه الدعـوى الملفقة، وأرسل المخلص إلى هيرودس الذي كان هو أيضاً في أورشليم في تلك الأيام لحضور إحتفالات عيد الفسح، كي يتولى هو محاكمته.

لو23: 8-12 محاكمة السيد المسيح أمام هيرودس:

ولما رأى هيرودس الرب يسوع ابتهج إبتهاجاً عظيماً، لأنه كان يتوق لأن يراه منذ زمان بعيد، بسبب ما كان يسمعه عنه. وكان يود أن يرى إحـدى العجائب التي تجرى على يديه. فضلاً عن أنه كان يخشاه معتقداً أنه هو يوحنا المعمدان قد قام من بين الأموات لينتقم منه بعد أن قطع هو رأسه (مر 6: 16). كما كان يخشاه بسبب ما كان يبلغ مسامعه من تزايد إلتقاف الشعب حوله، فكان يخاف منه على عرشه، ولا سيما أن اليهود كثيراً ما حاولوا أن ينادوا به ملكاً عليهم (يو 6: 15) . ولذلك فإنه حين رأه أمامه أسيراً مقيداً بالحبال شمت به واستخفه الفرح بوقوعه تحت رحمته، وراح يسأله بكلام كثير ينصح بالاستهانة والاستخفاف، ولكن المخلص لم يجبـه بشيء. وكان رؤساء الكهنة والكتبة واقفين وقد أخذوا يتهمونه بعلف، مرددين ضده المفتريات التي سبق لهم أن رددوها أمام بيلاطس، ومضيفين إليها إتهامات أخرى تتعلق بشريعتهم التي كان هيرودس على العكس من بيلاطس يعرفها ويدرك من وجهة النظر اليهودية خطورتها. وقد إهتم هيرودس على الخصوص بإتهامهم إياه بأنه يقول عن نفسه إنه مالك، فهزاً به من أجل ذلك مع جنوده وسخر منه، وألبسه ثوبا براقا يشبه ثياب الملوك إمعانا في التهكم عليه، ثم أ أعاده إلى بيلاطس دون أن يستطيع إثبات أي تهمة تدينه، فكان هذا بمثابة حكم آخر ببراءة فادينا. وقد أصبح بيلاطس وهيرودس صديقين في ذلك اليوم، بعد أن جامل كل منهما الآخر على هذا النحـو مـتـخـليا له عن حق الحكم في تلك الدعوي، وقد كانت بينهما من قبل عداوة .

لو23: 13-25 محاكمته أمام بيلاطس مرة أخرى:

ودعا بيلاطس إليه رؤساء الكهنة والشعب، وقال لهم «القـد جـنـتـمـوني بهذا الرجل كمفسد للشعب، وها أنا ذا قد استجوبته أمامكم فلم يثبت لي أي شر مما تتهمون به هذا الرجل، ولا ثبت هذا لهيرودس أيضاً، إذ أعاده إلينا. فها أنتم أولاء ترون أنه ما من شيء يستوجب الموت قد صدر عنه، ومن ثم فإنني سأجلده ثم أطلق سراحه، . وقد كان لزاماً عليه أن يطلق لهم سراح سجين في كل عيد، كما جرت بذلك العادة. فصرخوا جميعاً بصوت واحد قائلين «بل اصلب هذا وأطلق لنا سراح باراباس»، وكان باراباس هذا قد ألقى به في السجن بسبب عصيان حدث في المدينة وقعت أثناءه جرائم إغتيال. بيد أن بيلاطس، إذ كان يرغب في إطلاق سراح المخلص، وقد تأكدت له براءته، ناداهم مرة أخرى عسى أن يقدمهم بالعدول عن إتهامهم الظالم ورغبتهم الوحشية في قتل إنسان برىء. ولكنهم صرخوا قائلين اصابه. اصلبه.. فقال لهم للمرة الثالثة أي شر فعل؟ إنني لم أجـد فـيـه علة تستوجب الموت. لذلك فإنني سأجلده وأطلق سراحه.. فصرخوا بصوت عظيم مصرين على صلبه، وقد اشتد صخبهم وصخب رؤساء الكهنة ، وعندئذ تغلب، خوف بيلاطس من هذا الشعب المشاغب على رغبته في الحكم بالعدل، وفي إنقاذ إنسان برىء يراه سيقع فريسة تعطش أولئك المتوحشين إلى دمه، مع أنه كان في سلطانه بإعتباره الوالي صاحب السلطة السياسية والقضائية العليا أن يحكم ببراءته. ومن ثم قضى بإجابتهم إلى طلبهم، وأطلق لهم سراح الرجل الذي أرادوه وهو باراباس الذي كان مسجوناً بتهمة العصيان والإغتيال. وأما فادينا فسلمه إليهم كما أرادوا، فأخذوه ليصلبوه .

لو23: 26-31 يا بنات أورشليم لا تبكين علىَّ:

وكانت العادة قد جرت على أن يحمل المحكوم عليه بالصلب صليبـه مـاراً به في شوارع أورشليم إلى الموضع المخصص لتنفيذ الحكم عليه خارج أسوارها، تشهيراً به، وإذلالا له، وإمعاناً في تعذيبه . وقد حمل فادينا صليبه الذي كان ثقيلاً جداً، وإذ كان قد أرهقه ما كابده طول الليل من ضرب ولعلم وركل وجلد وغير ذلك من ألوان التنكيل والإهانة والهزء والسخرية، فضلاً عما عاناه من صراع في بستان جنسيماني، لم يعد قادراً على حمل ذلك الصليب. فكان لا يغنأ يسقط تحت وطأته. وإذ كان أعداؤه يتعجلون قتله، ولعلهم خـافـوا كذلك من أن يموت تحت عبء الصليب قبل أن يرفعوه عليه ويشبعوا نفوسهم الخبيثة الحاقدة الشريرة المتوحشة المتعطشة إلى الدماء من أن تتلذذ برؤيته وقد نزف دمه وتحطم عظمه واشتد ألمه وجلله العار الذي يجلل كل مصلوب. ففيما كانوا يسوقونه إلى الخارج أمسكوا رجلاً قيروانيا، أي من القيروان إحدى مدن ليبيا، يسمى سمعان، وكان أنيا من الحقل، ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف مخلصنا الحبيب. وتبعه جمع عظيم من الشعب، كما تبعته نسوة كن يندين وينحن عليه، وقد أشفقت قلوبهن الرقيقة على ذلك الإنسان الوديع النبيل البرىء الذي يسوقونه كالشاة تساق إلى الذبح. فإلتفت الرب يسوع إليـهـن وقـال لهن «يا بنات أورشليم لا تبكين على، بل ابكين على أنفسكن وعلى أبنائكن، لأنه هي ذي أيام تأتى سيقولون فيها ما أسعد العواقر والبطون التي لم تلد والثدي التي لم ترضع . عند ذاك يبتدئون يقولون للجبال اسقطى علينا وللآكام غطينا. لأنهم إن كانوا يفعلون هذا بالعود الرطب، فكم بالأحرى يفطون باليابس؟، وكان سيدنا له المجد يتنبأ في عبارته هذه بما سيلحق بأورشليم وكل البلاد اليهودية على يد الرومان من خراب قريب، وما سيقع لليهود عند ذاك من مذابح رهيبة تسيل فيها الدماء كالأنهار، وتتكدس جثث مئات الألوف من القطى في كل مكان، فتصير مأكلا لوحوش الأرض وطيور السماء. ويفزع الناس أمام هذه الأهوال فيتمنون لو لم يولدوا لئلا يكابدوها، ويشتهون أن تقع الجبال عليهم ليختبئوا في كهوفها، وأن تسقط الآكام عليهم لتغطيهم وتخفيهم عن أعين أعدائهم الذين يسعون خلفهم بالسيوف ليقطعوا رقابهم. لأنه إن كان المسيح البريء البار الذي يشبه العود الرطب النضير المثمر قد لحق به من العسف والعذاب ما لحق به، فكم بالأحرى يلحق باليهود الأشرار الجائرين الفجار الذين يشبهون العـود اليابس الذي لا نضرة فيه ولا ثمرة له ولا يصلح إلا وقوداً للنار، جزاء لهم أمام العدالة الإلهية على شرهم وجورهم وفجورهم.

لو23: 32-43 صلب السيد المسيح بين لصين:

وإمعاناً في النكاية بمخلصنا والتشهير به ومحاولة إظهاره بمظهر المجرمين الخطرين، جاء اليهود بإثنين من المجرمين ليقتلوهما معه. فلما بلغوا الموضع المسمى الجمجمة. أو باللغة العبرية الجلجثة (مر 15: 22)، وهو المكان الذي يعتقد البعض أن جمجمة أبينا آدم مدفونة فيه، صلبوا مخلصنا هناك، وسلبوا معه المجرمين. أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وهو في الوسط كأنه هو الأشد خطراً والأكثر إجراماً، وعندئذ قال المخلص يا أبناء اغفر لهم لأنهم لا يدرون ما هم فاعلون، ، فضرب له المجد بذلك المثل الأعلى في التسامح والغفران بصورة لا مثيل لها في تاريخ البشر، ولا يمكن أن يتصورها أو يقدر عليـهـا بشـر، إلا الفادى وحـده ، والقديسون الذين تعلموا منه وتمثلوا به وعملوا بمقتضى وصاياه السمائية السامية التي يقول فيها “أحبوا أعداءكم، باركوا لأعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم وصـلـوا مـن أجـل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم،” (مت 5: 44)، ويقـول فـيـهـا إن غفرتم للنـاس زلاتهم فإن أبـاكم السماوي يغفر لكم أنتم أيضاً زلاتكم. أما إن لم تغفروا للناس زلاتهم فلن يغفر لكم أبوكم زلاتكم، (مت 6: 14 و 15) . فالقديس اسطفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء رجمه اليهود بسبب شهادته للرب يسوع. ومع ذلك ،جنا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم: يارب لا تحسب عليهم هذه الخطيئة، (أع 7: 60) وقد كان هذا أبلغ برهان على أن فادينا ومخلص نفوسنا لم يكن يطلب من الناس إلا ما يفعله هو نفسه، ولو كان أعسر الأمور على النفس، وأكثرها إحتياجاً إلى قوة الإرادة وضبط النفس والنسامي إلى أعلى درجات الكمال.

أما الذين صلبوا سيدنا فبينما كان هو يعاني أشد ألوان العذاب والعار على الصليب، أخذوا هم يرفهون عن أنفسهم ليقطعوا الوقت بأن راحوا يقتسمون ثيابه ويقترعون على ما لا يمكن قسمته منها، فتحققت بذلك نبوءة داود النبي التي يقول فيها على لسان مخلصنا ويقتسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون، (مز 21: 18).

ووقفت جموع اليـهـود تنظر إلى البار المصلوب في إستخفاف وفصول، وربما في حقد وشماتة، وكأنهم لم يستقبلوه منذ أيام قليلة إستقبال الملوك على أبواب أورشليم، هاتفين والمجد لمخلصنا ابن داود.. مبارك الآني باسم الرب . المجد لمخلصنا في الأعالي» (مت 21: 9). فياله من شعب مذبذب متقلب، مجبول على الخيانة والغدر، يتقلب بين عشية وضحاها من النقيض إلى النقيض، ويعادي اليوم من أحبه بالأمس، ويكفر في المساء بمن آمن به في الصباح، لأنه لم تكن توجهه نعمة الله الذي لم يعد يعرفه، وإنما توجهه إرادة الشيطان الذي أصبح منسلطاً عليه . كما وقف رؤساء الكهنة وأعضاء مجلس السنهدريم يهزأون بالقدوس البار قائلين وقد خلص آخرين فليخلص نفسه إن كان هو ابن الله المختار، . ولو كان أولئك المتـفـقـهـون في الشريعة اليهودية يعرفون شريعتهم حق المعرفة ويفهمون نبوءات أنبيائهم الفهم الصحيح، لأدركوا أن هذا الذي صلبوه ووقفوا الآن يهزأون به قادر فعلاً على أن يخلص نفسه لو أراد لأنه هو المسيح ابن الله القادر على كل شيء، ولكنه لا يريد . ذلك لأنه ما جاء إلى العالم إلا ليقدم نفسه ذبيحة لمغفرة خطايا البشر، ومن ثم أسلم : نفسه بإرادته ومحض إختياره إلى جلاديه ليسفكوا دمه تحقيقاً لهذه الغاية . وقد قال له المجد قبل أن يصلبه اليهود «أنا أضع نفسي عن الخراف .. لهذا يحبني الآب، لأنى أضع نفسي لأخذها أيضاً، ليس أحد بأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولى سلطان أن آخذها أيضاً، (يو 15:10 ـ 18) كما قال وليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع نفسه لأجل أحبائه. أنتم أحـبـائي، (يو 15: 13 و 14)، ولكن أولملك الرؤساء والفقهاء الأغبياء قد عميت عن هذه الحقيقة أبصارهم وبصائرهم، وقد انصب كل تفكيرهم وتدبيرهم على الخلاص من هذا الذي خافوا منه على مناصبهم ومكاسبهم، حتى إذا وقع في أيديهم نسوا وقار شيخوختهم وهيبة وظائفهم ووقفوا أمام صليبه المعلق عليه ليشفوا غليلهم برؤيته مدخناً بالجراح ممزق اللحم محطم العظم مجللا بالعار.

وكذلك الجنود المكلفون بحراسته كانوا يسخرون منه، وقد دنوا منه وقدموا له في عطشه بدل الماء خلا، ليزيدوا في إيلامه وتعذيبه، لأن الخل لا يروى من عطش وإنما يزيد العطشان ظماً. فتحققت بذلك نبوءة داود النبي التي يقول فيها على لسان مخلصنا “في عطشى يسقونني خلاً” (مز 69: 21). وقد فعلوا ذلك وهم يرددون كلام رؤساء اليهود وكهلتهم قائلين له: «إن كنت ملك اليهود فخلص نفسك، . ولم يقل الإنجيل للقديس أوقا ما إذا كان السيد قد شرب الخل الذي قدموه له، ولكن الإنجيل للقديس متى يقول حتى إذا بلغوا موضعاً يسمى الجلجلة، أي مـوضـع الجـمـجـمـة، أعملوا خمراً ممزوجة بمرارة ليشرب، فلما ذاقها أبى أن يشربها، (مت 27: 33 و 34) . كما يقول الإنجيل للقديس مرقص وأعطوا خمراً ممزوجة بالمر، ولكنه لم يأخذها، (مر 15: 23). في حين يذكر الإنجيل أيضاً أن الرب يسوع عندما صرخ وهو على الصليب قائلاً إيلي إيلى لما شبقتني؟» أي «إلهي إلهي لماذا تخليت عنی؟»،.. وعلى الفور جرى واحد منهم وأخذ إسفنجة وملأها خلاً ووضعها على قصبة وسقاه، (مت 27: 46 – 48) وكذلك (مر 15: 34 ـ 36) . ويقول الإنجيل للقديس يوحنا وبعد هذا لما رأى يسوع أن كل شيء قد كمل، فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان. وكان هناك إناء موضوع مملوء خلا، فملأوا إسفنجة من الخل ورفعوها وأدنوها من فمه، فلما ذاق يسوع الخل، قال: قد أكمل، (يو 19: 28 – 30). والواضح من النصوص المتقدمة معا، أن الذين صلبوا سيدنا الرب يسوع قدموا له الخل مرتين ففي المرة الأولى كان الخل ممزوجاً بمرارة أو بمر. وأما في المرة الثانية فكان الخل صرفاً  وفي المرة الأولى ذاق الرب وأبى أن يشرب، وأما في المرة الثانية فقد شرب. وفي المرة الأولى قدموه إليه قبيل تعليقه على الصليب، وأما في المرة الثانية فقدموه إليه وهو معلق على الصليب، بعد أن قال أنا عطشان، . والمعروف أن الخل الممزوج بالمر كان يعطى للمصلوبين قبيل الصلب كمـخـدر يخفف آلام الصلب. وأما مخلصنا وقلما ذاقها أبي أن يشرب، لأنه أراد أن يحتمل الألم كـامـلا. وأما في المرة الثانية فكان إعطاؤه الخل وهو على الصليب، إمعاناً في تعذيبه، حتى يزداد عطشه مع أنه قال «أنا عطشان، . ولقد شرب الرب مع ذلك ليبرهن على أنه لم يرفض الألم، بل لقد شربه كاملاً حتى الثمالة. والغريب العجيب حقاً أن المسيح الفادي مع أن الماء قد جف من جسمه يفعل الصراع في بستان جنسيماني حتى صار عرقه كقطرات الدم يتساقط على الأرض، وبفعل الضرب على جسده، والجلد على ظهره ، ويفعل حمل الصليب الثقيل، ثم دق المسامير في يديه وقدميه، ونزف الدم من جسده في الخارج  والداخل، ولكنه مع كل ذلك بعد أن مات جرى منه دم وماء، إذ جاء في الإنجيل للقديس يوحنا ولما جاءوا إلى يسوع وجدوه قد مات.. لكن واحدا من الجند طعن جنبه بحرية، وللوقت خرج ماء ودم، (يو 19: 33 و34) . فواقعة خروج الماء والدم هذه عندما طعنوا جنب الرب يسوع بعد موته لا يمكن تفسيرها أو فهمها طبيعياً، لأنها معجزة خارقة فوق الطبيعة لا يفسرها إلا وجود اللاهوت متحدا بالناسوت حتى بعد الموت. ولذلك فقد كان السيد المسيح هو المرموز إليه بالصخرة التي ضربها موسى النبي في حوريب فنبع منها ماء على غير قانون الطبيعة. وكان الرب قد قال لموسى فتضرب الصخرة فيخرج منها ماء، (خر 6:17) وجاء في سفر التثنية والذي أخـرج لـك مـاه مـن صـخـرة الصـوان، (تث 8: 15) ، وقد ورد هذا المعنى أيضاً في (عد 20: 11)، ( مز 77: 15 و 16 و 20)، ( ٤١:١٠٤)، ( ۱۱۳: ۸)، (نحميا 9 : 15) ، (إش 48: 21). وأما العهد الجديد فيقول صراحة إن «الصخرة كانت المسيح، (1كو 10: 4).

. وكان ثمة لافته موضوعة فوق رأس فادينا وهو معلق على الصليب أمر بوضعها بيلاطس البنطى (يو 19: 19)، وقد كتب عليها بالعبرانية واللاتينية واليونانية وهذا هو ملك اليهوده . وكانت العادة قد جرت على تعليق لافتة فوق رأس كل مصلوب تتضمن تهمته. وإذ كان بيلاطس غير مقتنع بالتهمة التي وجهها اليهود إلى مخلصنا والتي قتلوه من أجلها وهي قوله عن نفسه إنه ملك اليهود، كتب هذه العبارة ليسخر من اليهود، ولم يكن يدري أنه بذلك قد قرر الحقيقة الأزلية التي تتضمن أن هذا المصلوب هو ملك اليهود بالفعل، وملك البشر جميعاً، وإن يكن ملكوتا سماوياً لا يحيط به زمن ولا تحده حدود. 

وأخذ أحد المجرمين المصلوبين معه يجدف عليه قائلاً «ألست أنت المسيح؟ إذن خلص نفسك وخلصناه . وقد دلل ذلك المجرم بذلك على أنه عريق في الإجرام وغلظة القلب ، لأن الشركاء في المحلة يعطفون بعضهم على بعض، و ، وأما هذا فقد كان سفيها سليط اللسان حتى مع ذلك الذي كان يراه معذباً مثله، مسفوك الدم، مثخناً بالجراح . ومن ثم أجابه اللص المصلوب على الجانب الآخر من مخلصنا قائلاً وأما تخاف الله، و وأنت نفسك تحت هذا القصاص بعينه؟ نحن بعدل جوزينا لأننا تنال جزاء أعمالنا. أما هذا فلم يفعل سوءاً، . وفي هذه اللحظة انفتح قلب النص للإيمان بمخلصنا، على الرغم مما كان فيه له المجد من عذاب وهوان، فالتفت إليه وقال له أذكرني يارب متى جئت في ملكوتك . فقال له مخلصنا الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس، . وهكذا نال ذلك النص الخاطئ بإيمانه غفران خطاياه واستحقاقه لفردوس النعيم في آخر لحظة من حياته، مما يدل على أن باب الخلاص مفتوح أمام كل إنسان إذا آمن بالرب يسوع، ولو كان ذلك وهو يجود بآخر أنفاسه .

ويدلنا التقليد الكنسي على أن اللص صاحب القلب الرقيق الذي آمن بالمسيح المصلوب وهو على عود الصليب، وتاب توبة نصوحاً، وأعلن إيمانه بالمسيح ملكا ورباً وإلها، وأنه سيأتي في مجيله الثاني ديانا، ولذلك سأله أن يكون مقبولا في ملكوته الآتى، ، هو النص اليمين الذي كان إلى ناحية الجنب الإلهي الذي طعنه أحد الجنود بحرية فجرى منه دم وماء (يو 19: 34). كما وصل إلينا من التقليد المدون في كتب الكنيسة أن اسم ذلك اللص اليمين هو ديماس، لأنه بالطبع كان معروفاً به في وقته. ولقد نال هذا النص الخلاص بإيمانه بالمسيح الرب وبموته معه، فكان موته مع المسيح معمودية له، وقد ذكر القديس بولس هذا النوع من المعمودية في رسالته إلى أهل روما إذ قال لهم أم تجهلون أن كل من اعتمد منا بالمسيح يسوع اعتمد لموته، فدفنا معه بالمعمودية لموته، (رو 6: 3 و 4). وهذه هي معمودية الدم، أو معمودية الشهادة ، وهي في الحقيقة المعمودية الأولى، لأن المعمودية في مفهومها الأصيل هي موت مع المسيح، وهي دفن معه، وقيامة به ومعه، وفي ذلك يقول القديس بولس في رسالته إلى أهل كولوسي مدفونين معه . في المعمودية التي فيها أيضاً أقمتم معه بالإيمان بعمل الله، (كو 2: 12).

وقد قال الرب للص اليمين واليوم تكون معي في الفردوس،، وهذه هي أول مرة يرد فيها ذكر الفردوس بعد أن ظل مغلقاً في وجه الإنسان آلافاً من السنين منذ أن سقط أبوانا آدم وحواء في الخطيئة، فطرد الرب الإنسان ـ كما جاء في سفر التكوين ـ وأقام شرقي جنة عدن الكروبين ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة (تك 3: 24). ومعنى هذا أن السيد المسيح قد فتح بصلبه وموته باب الفردوس، فكان الصليب هو مفتاح الحياة، . ولذلك صار الصليب علامة المسيح، (مت 24: 30)، وشعار المسيحيين في كل العصور، وبإنفتاح الفردوس دخل إليه جميع الذين كانوا محبوسين في الجحيم. وبذلك رد المسيح أبانا آدم وبنيه إلى الفردوس. فيقول الوحي الإلهي ، فإن المسيح أيضاً مات مرة واحدة من أجل الخطايا . البار من أجل الأئمة، لكي يقربنا إلى الله مماتاً في الجسد، ولكن محيي في الروح فيه أيضاً ذهب وبشر الأرواح التي في الحبس، (1بط 3: 18و 19 ، 4 : 5، 6). ويقول كذلك ونزل أيضا أولا إلى أقسام الأرض الشفلي . .. اسبي سبياً وأعطى الناس عطايا، (أف 4: 8، 9). وقال الرب يغم زكريا النبي وأنت أيضاً فإنى بدم عهدك قد أطلقت أسراك من الجب الذي ليس فيه ماء . ارجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء، (زك 9: 11 و 12) كما قال الرب يتم إشعياء النبي إنه أخرج من الحبس المأسورين، مـن بـيـت الـسـجـن الجـالسين فـي الظلمة، (إشعياء ٧:٤٢) ، قائلاً للأسرى أخرجوا، (إش 49: 9 ، 51: 14 ، 61: 1)، (لو 4: 18).

وتسجيلاً لهذه الحقيقة غير الأقباط بعد أن اعتنقوا العقيدة المسيحية، تاريخ شم النسيم – وهو عيد الربيع – فجعلوه يأتي دائماً في اليوم التالي لعيد القيامة المجيد، وأصبح خروجهم فيه إلى الحدائق العامة مظهراً لإبتهاجهم بعودة المفديين بدم المسيح إلى الفردوس.

 فمنذ اللحظة التي مـات فـيـهـا الـسـيـد المسيح على الصليب، وأسلم الروح (مت 27: 50)؛ (مر 15: 37)؛ (لو 23: 46)؛ (يو 19: 30) ترك جسده على الصليب ونزل بالروح إلى عالم الأرواح السفلى (أفس 4: 9) ، أي إلى الحبس أو الجحيم (1بط 3: 19)، واقتحم الجحيم فأنار على الجالسين في الظلمة وظلال الموت. وهذا هو السبب في تسمية يوم السبت الكبير بيوم سبت الثور، لأن المسيح له المجد نزل فيه إلى الجحيم، فأنار على سكانه هؤلاء الذين نظروا إلى المواعيد من بعيد وصدقوها وحيوها (عب 11: 13)، وإلى ذلك أشار الرب فقال بفم إشعياء النبي «الشعب الجالس في الظلمة أبصر نوراً عظيماً. الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور، (إش 9: 2)؛ (مت 4: 16).

وكذلك يسمى يوم السبت الكبير بسبت الفرح، نظراً لفرح القديسين الذين في الجحيم بإتمام الخلاص الذي كانوا يترقبونه، ذلك الفرح الذي أشار إليه رب المجد إشارة مباشرة وصريحة إذ قال لليهود “أبوكم إبراهيم كان يشتهي متهللا أن يرى يومى، فرأى وفرح” (يو 8: 56) . أما بالنسبة لتلاميذ السيد المسيح فقد كان السبت هذا يوم حزن عظيم قضوه في يأس وأسى، وفي رعب وخوف من اليهود (يو 20: 19). ولذلك أمر الآباء الرسل بأن يكون يوم السبت يوم الكبير يوم صوم دوناً عن جميع السبوت، لأن المسيح كان فيه راقداً في القبر، وقد جاء في كتاب تعاليم الرسل المسمى بالدسقولية ويجب أن يصام في ذلك السبت وحده لأن صانع كل البرية كان فيه مقبوراً في المقبرة، (الباب الثامن عشر) ، كـمـا جـاء فـيـه وأما يوم الجمعة والسبت (من أسبوع الفصح) فصوموهما الإثنين معاً.. ومن لم يقدر أن يصوم اليومين معاً فليحفظ يوم السبت، (الباب الواحد والثلاثون).

لو23: 44-49 السيد المسيح يسلم الروح على الصليب :

بعد ثم في نحو الساعة السادسة بالتوقيت القديم، وهي تقابل الساعة الثانية عشرة ظهراً بالتوقيت الحديث، وقعت ظلمة على الأرض كلها حتى الساعة التاسعة، أي حتى الساعة الثالثة : الظهر، وكانت تلك هي الفترة التي كابد فيها فادينا على الصليب أشد الآلام وأعنفها، والتي أشار إليها رب المجد بقوله «رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء» (يو 14: 30) وبقوله “رئيس هذا العالم قـد دين” (يو 16: 11) لأن المسيح كما قرر الآباء قد صرع الشيطان في ساعة الظلمة حيث كانت ساعته المناسبة وقد بلغ سلطانه أوجه (لو 22: 53). وكأن الطبيعة بهذه الظلمة التي وقعت على الأرض كلها تشارك ربها في آلامه، وتبدي الحزن وتلبس ثوب الحداد، وهي تراه يعاني سكرات الموت. وقد احتجبت الشمس في وقت الظهيرة طوال تلك الساعات الثلاث، ولم يكن مجرد احتجاب وراء غمام، لأن «الظلمة وقعت على الأرض كلها، مما يدل على أن هذا الاحتجاب كان كسوفا للشمس، وكان القمر بدراً في دور التمام، إذ كان التاريخ 14 نيـسـان، وهي ظاهرة لم تحدث في تاريخ الكون قط، ولا يمكن إلا أن تكون معجزة إلهية صاحبت موت ذلك الشخص الإلهي الذي برهن من قبل بمعجزاته على سلطانه على العاصفة إذ أمرها أن تهدأ فهدأت على الفور. ويرهن على سلطانه على مياه البحر إذ مشى عليها فحملته كأنها قطعة من اليابسة، وقد ذهل ديونسيوس الأريوياغي من وقوع تلك الظلمة على الأرض في وقت الظهيرة حين كان بمصر يدرس فيها علم الفلك، ولم يفهمها إلا حين سمع القديس بولس وهو يبشر بالسيد المسيح في أريوس باغوس بأثينا في اليونان، ومن ثم آمن ذلك العالم الفلكي بالسيد المسيح (أع 17: 34) .

وفي نفس الوقت الذي وقعت فيه الظلمة انشطر حجاب الهيكل إلى نصفين كمظهر آخر من مظاهر الحزن صدر عن بيت الله مشاركة منه في آلام ابن الله. وذلك يشير في نفس الوقت إلى زوال الناموس الطقسي الذي كان حاجزاً يفصل بين الله والناس، فأصبح الناس بعد زواله قادرين على التقدم بثقة إلى عرش النعمة بغير حائل ولا حجاب (عب 4: 16) . بل يرمز إلى زوال العداوة بين الله والناس، وإلى عمل المصالحة الذي تم بالفداء، وإلى إنفتاح باب السماء أمام وجه الإنسان بعد أن كان مغلقاً. وأما الحجاب في كنيسة العهد الجديد فلم يعد مغلقاً تماماً كما كان الحال في العهد القديم إذ كان مغلقاً تماماً، ولا يدخل منه أحد إلا رئيس الكهنة وحده مرة واحدة في السنة (لا 16: 2 -14)، وإنما تحول في العهد الجديد إلى حجاب يمكن فتحه في كل يوم، فلم يعد سوى مجرد حاجز يفصل بين مكان المذبح والذبيحة وخدامها من كهنة وشمامسة وبين صفوف المؤمنين من متناولين من الأسرار المقدسة وسامعين، وكان ذلك توقيراً لتلك الأسرار المقدسة، وتهيباً إياها، وإحتراماً الموضع الأكثر قداسة من جميع مواضع الكنيسة الأخرى، لأن فيه يتجلي الرب في سر القربان المقدس. كما أن لحجاب كنيسة العهد الجديد وظيفة أخرى، فقد صار حاملا للأيقونات المقدسة، إذ يحمل صور الرب يسوع، والعذراء مريم والرسل وكبار القديسين، ولذلك يسمى الإيكونوستاس، أي «حامل الأيقونات، .

وفي تمام الساعة التاسعة، أي الساعة الثالثة بعد الظهر صرخ فادينا بصوت عظيم قائلاً «يا أبتاه في يديك أستودع روحيه ، وإذ قال هذا أسلم الروح. وقد كان صراخه له المجد بصوت عظيم قبيل أن يسلم الروح دليل القوة العظيمة الإلهية على الرغم من ضعف الجسد الإنساني ، كما كان دليل الانتصار والغلبة على الشيطان عدو الإنسان. وشكرا لله أن فادينا أسلم الروح، لا في ساعة الظلمة، بل بعد أن عاد النور وانقشع الظلام، مما يدل على أن عمل الخلاص قد تم.

وكان قائد المائة الروماني الوثني المكلف مع فرقته بحراسة فادينا وهو على الصليب، واقفاً في تلك اللحظة، فلما رأى المعجزات التي صاحبت موت ذلك المصلوب العجيب وما إنتاب الطبيعة كلها من لوعة وجزع عليه، مجد الله قائلاً حقاً كان هذا الإنسان بارا، ، وكل جموع اليهود الذين احتشدوا عند هذا المشهد لما رأوا ما حدث عند موت فادينا رجعوا وهم بقرعون صدورهم ندماً على ما ارتكبوه في حقه، وقد تأكدوا الآن من براءته مما نسبوه كذباً إليه. كما تأكدوا من ألوهيته التي كانوا ينكرونها عليه. وكان كل معارفه والنسوة اللاتي تبعنه من الجليل واقفين من بعيد يشهدون هذا كله، يمنعهم من الإقتراب خوفهم من اليهود، وإن كان الراجح أنهم حين أسلم الروح اقتربوا منه ـ على الرغم من كل خطر – ليودعوه الوداع الأخير. 

لو23: 50-56 دفن السيد المسيح:

وكان ثمة رجل من رؤساء اليهود اسمه يوسف، كان عضواً بمجلسهم الأعلى وهو مجلس السنهدريم، وكان رجلاً صالحاً باراً، يؤمن بمخلصنا، وكان تلميذاً له ولكن في الخفاء خوفاً من اليـهـود (يو 19: 38) . ولم يكن راضياً عن رأى شيوخ المجلس في مخلصنا أو عملهم على قتله. وهو من الرامة إحدى مدن الجليل، ومعنى اسمها «المرتفعة، لأنها كانت مبنية على جبل أفرايم، ولذلك يلقب بيوسف الرامي.. وكان هو أيضاً ينتظر ملكوت الله وفقاً لتعاليم فادينا، وقد تقدم إلى بيلاطس وطلب جسد فادينا الرب يسوع. ثم أنزله ولفه بكتان وأسجاه في قبر كان قد نحته في الصخر، ولم يكن قد دفن فيه أحد من قبل. وكان اليوم هو الجمعة، وهو يوم التهيئة والاستعداد للفصح، ولذلك تم دفن مخلصنا في سرعة قبل إنتهاء ذلك اليوم لئلا يبدأ بإنتهائه يوم السبت الذي لا يجوز فيه القيام بأي عمل ولو كان تكفين الموتي ودفتهم. وقد تبعته النسوة اللاتي كن قد أتين معه من الجليل. فرأين القبر وشـهـدن جسده وهو يسجى فيه، ثم رجـن وأعددن عطوراً وأطياباً ليضمخنه بها بعد إنتهاء يوم السبت، ثم استرحن في السبت عملاً بالوصية التي تتضمنها الشريعة اليهودية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى