تفسير رسالة رومية اصحاح 13 د/ موريس تاوضروس
الاصحاح الثالث عشر
واجبات المسيحي في المجتمع ( رو13: 1-14)
واجبات الفرد نحو الدولة
1لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ، 2حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ، وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً. 3فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفًا لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ، 4لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثًا، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ، مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ. 5لِذلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ، لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا بِسَبَبِ الضَّمِيرِ. 6فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ أَيْضًا، إِذْ هُمْ خُدَّامُ اللهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذلِكَ بِعَيْنِهِ. 7فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ.( رو13: 1- 7).
لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة ، لأنه ليس سلطان الا من الله ، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله
يخاطب الرسول بولس المؤمنين باعتبارهم أعضاء في مجتمع آخر غير المجتمع المسيحي ، أي كمواطنين في المجتمع العام ،فكيف يسلكون ويتصـرفـون ازاء السلطة المدنية ؟ كل واحـد من المؤمنين ( كل نفس ) يجب أن تخضع للحكام وأصـحـاب السلطان في الدولة ممـن هـم في وضع أعلي من الوجهة السياسية والاجتماعية وممن في يدهـم تصريف شئون الدولة ، ذلك لأن هؤلاء الرؤساء أو أصـحـاب الـنـفـوذ ، أخـذوا هذا الوضع من قبل الله الذي خلق الناس لكي يـعـيـشـوا في مجتمع منظم ، فسلطان الرؤساء يرتب اذن ويصـدر أصـلا عن الله ، فهم يمارسون رئاستهم وسلطانهم وفقا لما رتبه الله . والرسـول لا يشير هنا الي رئاسات معينة أواشخاص معينين ، بل يشير الي الرئاسة كرئاسة أي من حيث هي نظام اجتماعي ضروري لقيام المجتمع ولتأمين سلامتة وطمأنينته ، لأن الله خلق الانسان بطبعه كائنا اجتماعيا يمارس حياة اجتماعية مع غيره من أفراد البشر ، وعلي ذلك فـان تنظيم المجتمع الي رؤساء ومرءوسين يطابق ترتيب الله ويحقق ارادته فان الله اله نظام وليس اله تشويش وفوضي ، وعلي نحـو مـا نجـد في نظام الطبيعة من قوانين تحدد علاقة الظواهر الطبيعية بعضها ببعض، فهكذا أيضا يجب أن ينتظم المجتمع البشري وفق قواعد تحدد علاقات أفراده بعضهم ببعض وتفترض وجود حكام تسلم لهم السلطة ويوكل لهم أمر حكم المجتمع وقيادته ويكون من حقهم علي الشعب تقديم فروض الولاء والخـضـوع والطاعة . يقـول الرسول بطرس ” فاخضعوا لكل ترتيب بشري من أجل الرب وان كان للملك فكمن هو فوق الكل ،أو للولاة فكمرسلين منه للانتقام من فاعلي الشر وللمدح لفاعلي الخير ، لأنه هكذا هي مشيئة الله أن تـفـعـلـوا الخير فـتـسـكـتـوا جـهـالة الناس الأغبياء كأحرار وليس كالذين الحرية عندهم سترة للشر بل كعبيد لله أكرموا الجميع ، أحبوا الاخوة ، خافوا الله ، أكرموا الملك ، (1بط2: 13-17) ويقـول الـرسـول بولس في رسالته الي تيطس – ذكـرهـم أن يخضـعـوا لـلـرياسـات والسلاطين ويطبـعـوا او يكونوا مـسـتـعـدين لكل عـمـل صـالح ، . وأشار السيد المسيح بـوضـوح الي أن ترتيب السلطان هـو مـن قبل الله فـعـنـدمـا قـال له ببلاطيس :أمـا تكلمني ، الست تعلم أن لي سلطانا أن أصلبك سلطانا أن أطلقك ، أجاب يسوع الم يكن لك علي سلطان البتة لو لم تكن قـد أعطيت من فوق ، لذلك الذي أسلمني اليك له خطية أعظم ، (يو19: 11) . قـال الـرب علي لسـان سـلـيـمـان الحكيم “بي تملك الملوك وتقضي العظماء عدلا ، بي تترأس الرؤساء والشرفاء ، كل قضاة الأرض” ( أم8: 15 )
حـتي ان من يقـاوم السلطان يقـاوم ترتيب الله والمقـاومـون سـيـأخـذون لأنفسهم دينونة
يؤكد في هذا العدد ما تضمنه العدد السابق من أن ليس سلطان الا من الله ، وبأنه يجب أن تخضع كل نفس للسلاطين .وبلا شك لا يقصد بالدينونة هنا الدينونةالابدية ، بل يقصد الدينونة العالمية. وهذه الدينونة العالمية ، أن كانت من ناحية دينونة بشرية لأنها تتم وتنفذ بواسطة الحكام من البشر ، ولكن من ناحية أخري لها أصل الهي باعتبار أن السلطان مرتب من قبل الله . فالذي لا يؤمن أو يخـضـع لهـذا السلطان ، فإنه في الواقع يقـاوم ترتيب الله ، وهؤلاء المقـاومـون سـوف يتعرضون للعقاب الذي لا بد أن ينتج عن هذه المخالفة والعصيان .
فان الحكام ليسوا خوفا للأعمال الصالحة، بل الشريرة . أفتريد أن لا تخاف السلطان إفعل الصلاح فيكون لك مدح منه
الذي يقاوم الحاكم يقـاوم ترتيب الله ، ولا يخاف الـحـاكـم الا من يتصرف بالسوء وبالعمل الرديء ، أما الذين يفعلون الصلاح والخير فانهم لا يشعرون تجاه الحكام بالخوف بل علي العكس ينالون رضـاهـم وثناءهم .فاذا أردت أن لا تتعرض للخوف من السلاطين والحكام فلتعمل كل ما يؤدي الي صلاح الجتمع وخيره وما يحقق سلامه وازدهاره . ان الرسول بولس يشير ضمنيا في هذه الآية الي واجـبـات المواطنين تجـاه الـجـتـمـع الـذي يـعـيـشـون فـيـه والـذي يكونون أعضاءه . ان أخلاصنا للمجتمع وخدمتنا لاهدافه والعمل علي تحقيق رفاهيته وسعادته ، والسعي لازدهاره والرقي به ، ودفعه الي التقدم ورفع مـسـتـواه وبناءه علي أسس سليمة من الحق والعدل والسلام وتهيئة حياة مطمئنةلاعضائه ، وتوفير حاجات الافراد ومطالب المعيشة ، كل هذا هو بالنسبة للمسيحي ليس مجرد واجب وطني ولكنه قبل كل شيء هو واجب ديني وأمـر الهي .فالمسيحي الحقيقي لا يمكن الا وان يكون مواطنا صالحا مخلصا لوطنه مضحيا من أجله باذلا ومقدما كل غال ورخيص في سبيل رفعته .
وفي كل هـذا تأكـيـد من الرسـول وتأييد لسلطان الحكام ، لان الرسـول بـولس يري أن المجتمع المنظم هـواصـلح من مجتمع الفوضي ،ووجود حاكم ينظم المجتمع ، هو أفضل لهذا المجتمع من عدم وجود نظام أو من عدم وجود حاكم .
لأنه خـادم الله للصلاح ،ولكن ان فلعت الشـر فـخـف لأنه لا يحمل السيف عبثا اذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر
الذين يعملون لصالح المجتمع ، سـوف ينـالـون مـدح السلطان وثناءه ، لأن هذا السلطان يعمل علي تحقيق عدالة الله في الارض ، هـو خـادم الله الذي يعمل علي المحافظة علي حـقـوقك ويعـمـل لصالح كل المواطنين .أما اذا كنت تفعـل الشـر فعند ذلـك سـوف تـتـعـرض لـلـخـوف لان السلطان لا يحمل السيف الذي هو رمز لسلطانه ، لا يحمله عبثا ،بل هو يستخدم سلطانه لكي يعاقب كل من يفعل الشر ، لأنه كما قلنا هو خادم الله وقد أخـذ الوصية والحق لكي يوقع العقاب علي كل شر.
ان عبارة خادم الله تعني أن السلطان يعمل علي خدمة ارادة الله وتحقيق مشيئته . نحن جميعـا عبيـد لله ، ولكن للسلاطين وضع خاص فهم عبيد له ولكن لهم وضع مميز ، فان كرامة الحكم التي يحملونهـا تفرض عليهم واجبات معينة والتـزامـات خـاصـة ،فاذا كانوا هـم من ناحية يتسلطون علينا الا أنهم أكثر عبودية منا لله وأكثر مسئولية وأكثر محاسبة علي الخطأ ، وهـم لن يـتـركـوا بـلا عـقاب اذا أهـمـلـوا في الالتزام بالمسئولية الملقاة علي عاتقهم . هـم يمارسـون عـمـلهم لصلاح المجتمع الاخلاقي والاجتماعي والمادي ويضربون علي أيدي العابثين الأشرار الذين يضرون بالمجتمع وبمصالحه.
لذلك يلزم أن يخضع له ليس بسبب الغضب فقط بل أيضا بسبب الضمير
انا نخضع للحكام ، ليس فقط بدافع الخوف من الـعـقـاب الذي يمكن أن يتعرض له من يسلك بالشر ،بل ولأن الضمير المسيحي يجعل الخضوع للسلاطين حقا لهم علينا ، وواجبا علينا من نحوهم ،يقول الرسول بطرس ” أيها الخدام كونوا خاضعين بكل هيبة للسادة ليس للصالحين المترفقين فقط بل للضـعـفاء أيضا ، لأن هذا فضل ان كان أحـد من أجل ضمير نحـو الله يحتمل أحزانا متألما بالظلم ، لأنه أي مجد هو ان كنتم تلطمـون مخطئين فتصبرون ، بل ان كنتم تتأملون عاملين الخير فـتـصـبرون فـهـذا فـضـل عند الله ، لأنكم لهذا دعـيـتـم ، فـان المسيح أيضـا تألم لأجلنا تاركاً لنا مثالا لكي تتبعوا خطواته (1بط2: 18-21) .
فإنكم لأجل هذا تـوفـون الجزيـة أيضا ، اذ هـم خـدام الله مـواظبـون علي ذلك بعينه.
اذا كان من الواجب علينا أن نخضع للسلاطين ،فانه من الواجب علينا أيضا أن نوفي ما يفرض علينا من جزية أو ضـريبة نحـوهـم واضعين في الاعتبار أن هؤلاء السلاطين يعملون في خدمة ارادة الله وتحقيق مشيئته ، وهـم يـتـركون الاهتمام بأعمالهم الخـاصة وينشغلون بصـورة مطلقة في خـدمـة الـجـمـيـع . ومن الملاحظ أن الرسول بولس يكرر صـف خـدام الله بالنسبة للسلاطين أي يفترض أن هؤلاء يعملون الصلاح ويخدمون الآخرين .
فأعطوا الجـمـيـع حـقـوقهم ، الجـزية لمن له الجزية ، الجباية لمن له الجباية والخوف لمن له الخوف ، والاكرام لمن له الاكرام
الذين في يدهم السلطان ، نعطي لهم كل ما نشعر أنه من حقهم ومن واجبهم علينا . نقدم الجزية لمن له حق جمع الجـزية ، والجزية يقصـد بها ضريبة الارض أو قـد يقصـد بها مايدفع من ضريبة علي الاملاك (انظر لو20: 22) وكذلك تقدم الجباية لمن له حق جمع الجباية، والجباية هي الضريبة الخاصة بالتجارة . ونقـدم الخوف أي الخضوع والاحترام لمن لهم الخوف أي للسلاطين والحكام ، وندين بـالـتـبـجيل والتكريم لمن لهم حق الكرامة .قال السيد المسيح أعطوا مـا لـقـيـصـر لقيصر ، وما لله لله ( مت22: 21) .
محبة القريب كواجب اجتماعی رو13: 8-10
8لاَ تَكُونُوا مَدْيُونِينَ لأَحَدٍ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، لأَنَّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ فَقَدْ أَكْمَلَ النَّامُوسَ. 9لأَنَّ «لاَ تَزْنِ، لاَ تَقْتُلْ، لاَ تَسْرِقْ، لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ، لاَ تَشْتَهِ»، وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً أُخْرَى، هِيَ مَجْمُوعَةٌ فِي هذِهِ الْكَلِمَةِ:«أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». 10اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَصْنَعُ شَرًّا لِلْقَرِيبِ، فَالْمَحَبَّةُ هِيَ تَكْمِيلُ النَّامُوسِ. ( رو13: 8 – 10) .
لا تكونوا مديونين لأحد بشئ الا بأن يحب بعضكم بعضا لأن من أحب غيره فقد أكمل الناموس
أما بالنسبة لغير الحكام ، أو بالنسبة للاعضاء الآخرين في المجتمع الذين ليس لهم سلطان علينا ، فأن الواجب يقتضي أن لا تكون ملتزمين لأحد فـيـهـم بشئ الا بالمحبة أي يحب الواحد منا الآخر ،لأن من أحب الآخر فقد أكمل كل مطالب الناموس ، كـمـا سـوف يتضح في العدد التالي . ومعني ذلك أن الرسول بولس يجد في المحبة القاعدة العامة أو الأصل المشترك لجميع الفروض والواجبات والوصايا التي تحدد علاقتنا بالآخرين ،فكل التزام ناموسي ينبع أصلا من المحبة وكل تعد للناموس أو مخالفة لوصاياه ينبع أصلا من نقص المحبة أو افتقاد المحبة . ان المحبة هي أساس الـفـضـائل جـمـيـعهـا أو هـي جـمـاع الـفـضـائل كلها . من يحب لا يزني لأن الزنا سلب لحق الآخـر وكرامته واعتباره مجرد متعة شخصية .ليس هناك في الزنا حب للآخر بل استغلال واستعباد وتسخير .وكذلك من يحب لا يقتل الأن القتل يصدر عن البغضاء والكراهية ، ومن يحب لا يشهد بالزور ، لأن الشـهـادة بالزور تقـصـد الـي الـحـاق الضرر بالآخرين ، وهكذا كل وصـيـة من وصايا الناموس تدخل في دائرة المحبة وترتبط بها أما بالايجاب أو السلب . هذه هي المسيحية التي لاتقدم وصاياها في شكل فـروض مـحـدودة أو واجبات معينة أو دسـتـور ولكنها تضع المبادئ التي منها تنبثق الواجبات. المسيحية وضعت المحبة لتنظيم علاقات الافراد بعضهم ببعض وأساساً لكل الفضائل ، كل فضيلة هي مـحـبة- وكل رذيلة هي ليست مـحـبـة أو هي أنانية والمحبة أساس لكل فضيلة والانانية أساس لكل رذيلة . التضاد بين الخير والشر وبين الفضيلة والرذيلة وبين الـبر والاثم وبين الحق والباطل وبين النور والظلمة هو في الأصل تضاد بين المحبة وبين الانانية ، بين المحبة في بذلها وتضحيتها واخلاصها وسخائها وبين الانانية في ارتكازها حول الاهتمامات الذاتية والفوائد الشخصية .
” لان لا تزن لا تقتل لا تسـرق لا تشهد بالزور لاتشتـة ، وان كانت وصيـة أخري ، هي مـجـمون عة في هذه الكلمة أن تحب قريبك كنفسك ، المحبـة لا تضع شراً للقريب فالمحبة هي تكميل الناموس”
المحبة تكمل الناموس ، لان وصايا الله التي يمنع فيـهـا الزنا والقتل والسرقة والـشـهـادة بالزور والشهوة الرديئة ، وجميع الوصايا الاخري ، كلهـا – كما قلنا سابقا – تنحصر وتتركز في هذه الوصية التي يقـول فـيـهـا الـله تحب قريبك كنفسك، ان الذي يحب لا يمكن أن يعمل الشـر بالآخرين ، وعلي ذلك فانه يسلك نحو الآخرين بموجب وصايا الناموس ، فالمحبة أذن تكمل وصايا الناموس .
ومن الملاحظ هنا – كما وضح لنا من الآية السابقة – أن الاساس الذي يبني عليه الرسول بولس المجتمع هو المحبة والواقع أن المحبة هي أصلح الأسس لبناء المجتمعات لان أي أساس أخر يمكن أن يتعرض للانهيار ماعدا هذا الأساس ، فضلا عن أن جميع الفضائل الاخري يمكن أن تنبثق من فضيلة المحبة. أما الوصايا التي اهتم بمناقشتها في هذه الآيات ،فهي وصايا الناموس التي تنظم العلاقات الاجتماعية بين الأفراد
السلوك بلياقة وذلك بان نلبس الرب يسوع رو13: 11-14
11هذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ، أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ، فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. 12قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. 13لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ: لاَ بِالْبَطَرِ[1] وَالسُّكْرِ، لاَ بِالْمَضَاجعِ وَالْعَهَرِ، لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ. 14بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ. ( رو13: 11-14) .
هذا وإنكم عارفـون الوقت أنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم ،فان خلاصنا الآن أقرب مما كنا حين أمنا
عليكم أن تقيموا علاقتكم مع الآخرين على أساس من المحبة لأنكم تعلمون – فيما يخاطب الرسـول بولس أهل رومية – ان الوقت الذي نعيش فـيـه مناسب لكي نستيقظ مـن رقـادنا ومن أنصـرافنا الإهتمامات العالمية ، فهو وقت انتظار مجيء الرب يسوع الثاني الذي يعني الخلاص التام بالنسبة للمؤمنين .ويـوم مـجئ الرب يسوع الثاني أصبح الآن أقرب الينا من ذلك الوقت الذي بدأنا نؤمن فيه ، فأذا كنا عند إيماننا قد أظهرنا غيرة ونشاطا في عمل الخير ، فانه بالاولي لنا الآن ونحن نقترب من يوم مجئ الرب .
يقول الرسول بولس في رسالته الاولي الي كورنثوس « فـأقـول هذا أيها الأخوة ، الوقت منذ الآن مـقـصـرلكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم والذين يبكون كأنهم لا يبكون والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون والذين يشترون كأنهم لا يملكون والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه لان هيئة هذا العالم تزول ، فأريد أن تكونوا بلا هم (1کو7: 29-31) لذلك يقول استيقظ أيها النائم وقم من الاموات فيضئ لك المسيح ( أف 5: 14) فلا ننم اذن كالباقين بل لنسهر ونصع (1تس5: 6 ) .لاحظ معني العبارات التالية :
– عـارفـون الوقت : يشـبـر هـنا الـي وقـت مـاقـبـل مـجئ الرب يسوع الثاني ، أنه الوقت المناسب للعمل واليقظة ، ليس هـو وقـت ظلام وجهـل بـل هـووقت نور ومعرفة لأنكم كنتم قـبـلا ظلمة وأما الآن فتور في الرب ، أسلكوا كأولاد نور ( أف 5: 8) : وأما إنتم أيها الأخـوة فلسـتم في ظلمة حتي يدر ككم ذلك اليوم كلص . جميعكم أبناء نور وأبناء نهار ، لسنا من ليل ولا ظلمة، فلا ننم أذن كالباقين بل لنسهر ونصح لأن الذين ينامون فبالليل ينامون والذين يسكرون فبالليل يسكرون وأما نحن الذين من نهار فلنصح لابسين درع الايمان والمحبة وخوذة هي رجاء الخلاص ( 1تس5: 4 – 8 ) .
– ان خـلاصـنا الـيـوم أقـرب مما كان : الاشارة هـنـا الـي كـمـال الخلاص في يوم مجئ الرب يسوع ، وبالطبع فان مجئ يوم الرب يقترب يوما بعد يوم .
قد تناهي الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور
إن الـحـيـاة الـحـاضـرة الـتـي تشـبـه الليل المظلم ، هي في طريق الزوال ، بينمـا يـوم الـحـيـاة المستقبلة في طريق الاقتراب .واذا كـان الرب لم يجئ بعـد المجئ الثاني الا أنه في الواقع يجئ بالنسبة لكل واحد منا عند ساعة الموت .فعلي ذلك إن يوم الحياة المستقبلة يقترب من كل واحد منا ، ومن أجل ذلك فيلزم علينا أن نخلع أعمال الظلة ونلبس ، كأسلحة ،أعمال الفضيلة المنيرة.
يقول الرسول بولس في الرسالة الي أفسس “ولا تشـتـركـوا في أعـمـال الظلمـة غـيـر المثمرة بل بالـحـري وبخوها لان الأمـور الحـادثة منهم سرا ذكـرهـا أيضا قبيح ولكن الكل اذا توبخ يظهر بالنور لأن كل ما أظهر فهو نور . فأنظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء مفـتـدين الوقت لأن الأيام شريرة ( اف5: 11 – 15 ) … ان الظلمة قد مضت والنور الـحـقـيـقي الآن يضيء ، من قال انه في النور وهـو يبغض أخاه فهو الي الآن في الظلمة . من يحب أخاه يثبت في النور وليس فيه عثرة وأما من يبغض أخاه فهو في الظلمة وفي الظلمة يسلك ولا يعلم اين يمضي لأن الظلمـة أعمت عينيه : ( 1یو2: 8 –11) ” في كلام الحق في قوة الله بسلاح البر لليمين واليسار” ( 2کو6: 7 ) ” اذ أسلحة محاربتنا ليـسـت جسـدية بل قادرة بالله علي هدم حصون هادمين ظنـونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر الي أطاعة المسيح” (2کو10: 4 ) « تقروا في الرب وفي شدة قوته ، البسوا سلاح الله الكامل لكي تقـدروا أن تثبتوا ضد مكايد ابليس ، فـان مـصـارعـتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤسـاءمـع السلاطين مع ولاة الـعـالـم علي ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشـر الروحية في السماويات ، من أجل ذلك أحملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقـاومـوا في اليوم الشرير، وبعد أن تتمموا كل شئ أن تثبتوا ، فاثبتوا ممنطقين احقاءكم ولابسين درع البر وحاذين أرجلكم باستعداد انجيل السلام، حاملين فوق الكل ترس الايمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة وخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح الذي هو كلمة الله ( أف6: 10- 17) .
لنسلك بـلـياقة كـمـا في النهـار لا بالبطر والسكر لا بالمضاجع والعهر ، لا بالخصام والحسد
لنسلك كما لو كانت أعين الجميع تراقب تصرفاتنا ( كما في النهار ) أي لنسلك كما ينبغي وكما يليق بكل أدب ولياقة ولنحذر من المرح بوقاحة( البطر ) ومن خلاعة السكر ، ومن ارتكاب الفحشاء ( المضاجع ) ومن كل نوع من أنواع الخطايا الجسدية المتطرفة ومن الخصام الذي ينتج عن الحسد .
بل البسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيرا للجسد لأجل الشهوات
علينا أن نتخذ من الرب يسوع كلباس لنفوسنا ، أي نلبس الرب يسوع لا بحسب الانسان الظاهر بل بحسب الانسان الباطن . ليكن لنا عقل المسيح فنتشبه به في مشاعرنا وأعمالنا ونجعل من حياة السيد المسيح مثالا يتكرر في حياتنا ، أي أننا نعيش علي الدوام في المسيح وأوجد فيه (في3: 9) كـمـا يـوجـد الانسان على الدوام داخل ملابسه ، نصير متحدين معه ( رو6: 5 ) وقد تم ذلك بالمـعـمـودية ؛ لأن كلكـم الـذيـن اعـتـمـدتم بالمسيح قـد لـيـسـتـم المسيح (غلا3: 27) اوتلبسوا الانسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق ( أف4: 24).
عبارة لا تصنعـوا تـدبيـرا للـجـسـد لأجل الشـهـوات تعني يجب أن لا نهتم كيف نرضي أهـواءنا ونحقق نزوات أجسادنا بل – أقمع جسدي واستبعده حتي بعد ماكرزت للآخرين لا أسير انا نفسي مرفوضا ، (1کو9: 27) .
تفسير رومية 12 | تفسير رسالة رومية | تفسير العهد الجديد | تفسير رومية 14 |
د/ موريس تاوضروس |
|||
تفاسير رسالة رومية | تفاسير العهد الجديد |