القديس آمون

 

و كان القديس آمون معاصراً للقديس أنطونيوس الكبير، ويعتبر المؤسس الثالث للرهبنة القبطية مع القديسين أنطونيوس وباخوميوس.

 أسس ديراً في منطقة نيتريا، حيث عاش آلاف من تلاميذه تحت نظام الجماعات الذي يقترب من نظام الشركة. وقد عبر مئات منهم إلى منطقة القلالي ليعيشوا كمتوحدين بعد تدربهم في هذا الدير فترة من الوقت.

 بمعنى آخر، تبني هذا القديس نظامين من الرهبنة: نظام الجماعات المقترب من الشركة، ونظام الوحدة. ويعتبر هذا علامة مميزة له تقابل الفكر الذي لدي القديسين باخوميوس وباسيليوس حيث يعتبران “الشركة” تكريساً مدى الحياة (إلى حد ما).

لما بلغ حوالي الثانية والعشرين من عمره (حوالي ۲۹۷م) ألزمه عمه أن يتزوج، وإذ لم يستطع المقاومة رأي من الأفضل له أن يُكلل ويدخل الحجرة الزوجية متقبلاً الطقوس الخاصة بالزوجية. ولما انصرف الضيوف أخذ كتاب “الرسائل”، وصار يقرأ لزوجته من رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس، موضحاً لها نصائح الرسول للمتزوجين (اكو ۷: ۱۰… الخ). حدثها عن منافع الطهارة، ووصف لها الحرية والنقاوة اللتين تتبعان حياة العفة، مؤكداً لها أن البتولية تُقرب الإنسان من الله. فاقتنعت بنعمة الله، وقالت له: “إنني مقتنعة ياسيدي، فما هي طلبتك ؟”. أجابها: “إنني أرى أن يعيش كل منا على انفراد في المستقبل”. وإذ لم تحتمل هذا الطلب، قالت له: لنسكن في بيت واحد، وليكن لكل منا فراشه المستقل”.

بلغا هذا الحل فانطلقا إلى قرية نيتريا، وعاشا هناك كناسكين، بالرغم من اختلاف الجنس. وبعد ۱۸ سنة (حوالي 315م) عرفت زوجته سمو الحياة الرهبانية، فطلبت من رجلها أن ينفردا لنمو حياتهما الروحية، قائلة له: “لا يليق بك وأنت تمارس الطهارة أن تتطلع إلى إمرأة تشاركك نفس المسكن”. هذا الاتفاق أرضى الاثنين، فتركها في الكوخ بحقله الخاص بالبلسم وخرج ليستقر في الداخل في جبل نيتريا حيث بنى لنفسه قلايتين بقباب، وكان يفتقد زوجته مرتين سنوياً. وكذا التف حوله تلاميذ كثيرون تحت قيادته.

 استقر أمون في الصحراء الغربية بعيداً قليلاً عن شمال الدلتا، بالقرب من قرية البرنوج أو نيتريا التي تبعد حوالي تسعة أميال جنوب غرب مدينة دمنهور (هرموبوليس بارفا).

وكان موقع نيتريا الجغرافي غامضاً تماما حتى أوضحه إفيلين هوايت في کتاب: تاريخ أديرة نيتريا والإسقيط الذي نشر عام ۱۹۳۲م.

 ظن بعض الدارسين أن نيتريا هي بعينها “وادي النطرون”، وذلك بسبب تشابه الإسمين. في الحقيقة توجد بحيرات نطرون ملاصقة للبرنوج أو نيتريا، أُستغلت تجارياً في أوقات معينة، وعلى بعد 40 ميلاً من الجنوب نحو البرية توجد أيضا مستودعات نطرون بكميات هائلة في المنخفض الطويل الذي يعرف اليوم بوادي النطرون.

كانت نيتريا هي مدخل البرية، وكانت قرية بها معبد وثني كما يظهر من سيرة القديس مكاريوس الكبير. أما وادي النطرون فهو برية الإسقيط، لم تعد هناك أديرة في البرنوج أو بالقرب منها، وإنما توجد الأربعة أديرة الشهيرة في وادي النطرون.

 تستخدم كلمة “إسقيط” أحيانا في بعض النصوص لتضم نيتريا أيضا، لكن لا تستخدم كلمة “تيتريا” بمعنی شامل لتضم الإسقيط و عندما زار القديس أنطونيوس القديس آمون، أخبره الأخير بأن عدد الرهبان قد تزايد جداً، طالباً منه المشورة بالنسية لراغبي الوحدة الأكثر كمالاً. وكان إذ تناولا وجبة الساعة التاسعة المعتادة سارا معاً في الصحراء ببطء، وعند الغروب توقف القديس أنطونيوس وقال: لنُصل ونرفع صليباً هنا، وعلى راغبي بناء قلالي لهم أن يتمموا ذلك في هذا الموضع. بهذا يمكن للراغبين في زيارتهم من منطقة نيتريا أن يتناولوا قليل طعام في التاسعة في نيتريا ثم ينطلقون إلى هنا (منطقة القلالي) ويكون نفس الأمر بالنسبة للقاطنين هنا متى أرادوا زيارة نيتريا. بهذا لا يحدث اضطراب إذا يصلون مع الغروب قبل الظلام خلال الزيارات المتبادلة”.

و هكذا نشأ المركز الثاني للمقيمين في نيتريا، خلال تأسيس منطقة “القلالی” (كيليا” أو “سيليا”)، حيث قطن بها ستمائة متوحد لهم كاهنهم وكنيستهم، وإن كانوا قد اعتمدوا في طعامهم على نيتريا.

 لا تقدم لنا الكتب والمخطوطات الكنسية شيئا عن حياة القديس آمون التفصيلية وصراعاته، كما حدث بالنسبة لغيره من مؤسسي النظم الرهبانية، بسبب ما اتسم به من حياء.

 كان فكر القديس آمون مستغرقاً بالكامل في ملكوت السموات، لذا كان حريصاً ألا يخسر لحظة واحدة في مناقشات أرضية. قيل أنه عندما كان لديه شيء للبيع، يقول الثمن مرة واحدة ويصمت، ليتقبل أي مبلغ في سلام كامل. وأيضا متى أراد شراء شيء ما، يعطي البائع الثمن الذي يطلبه وهو صامت لا ينطق بكلمة.

و كان غيوراً على خلاص الناس بالتوبة الصادقة. يروي سوزومين أن والدين شريرين جاءا إلى القديس أمون ومعهما ابنهما الذي كان قد عقره كلب مسعور، وقد قارب الموت، وكانا يسألانه بحزن شديد لأجل شفائه. قال لهما:“لا يحتاج ابنكما إلى شفائي، لكنه يشفي في الحال إن رددتما الثور المسروق إلى أصحابه”. وكما تنبأ لهما، شُفي الولد عندما ردا الثور.

في حوار ودي لطيف بين القديسين آمون وأنطونيوس، قال الأول: “لقد مارست أتعاباً أكثر منك فلماذا ارتفع اسمك بين الناس أكثر مني؟” أجابه القديس أنطونيوس : “لأنني أحب الله أكثر منك”.

 فعلى الرغم من أن آلافاً من الرهبان سكنوا نيتريا تحت قيادة القديس آمون، فإنه لم يحظ عالمياً بنفس الشهرة التي نالها القديس أنطونيوس. ولعل مرجع ذلك أن نظام رهبنة القديس آمون لم يأت بجديد للعالم – وإن كان جذاباً بحق فأنطونيوس بسكناه وحيداً سنوات طويلة في البرية الداخلية يصارع الشياطين أذهل العالم كله عندما أكتشف أمره ، وباخوميوس أيضا كان له أثره في العالم بنظام الشركة الذي وضعه. أما آمون فلم يقدم جديداً إنما جمع نظامه بين التوحد والشركة.

يقدم لنا بالاديوس هذا الحديث المختصر: أخبرنا الطوباوي أثناسيوس الأسقف في كتابه أحياة أنطونيوس”(60 Vita Antonii) قصة عجيبة عن هذا الرجل، كيف جاء إلى شاطيء القناة ليكوس” Lycos مع تلميذه تادرس، وإذ خجل من رفع ثيابه لئلا يراه تلميذه عارياً، وجد علی الضفة الأخرى من القناة، إذ حملته ملائكة دون استخدام “معدية” هكذا كانت حياة الطوباوي أمون، وهكذا كان كماله، إذ رأي الطوباوي أنطونيوس نفسه تحملها الملائكة إلى السماء. وانني قد عبرت بنفسي هذه القناة مرة بواسطة معدية”، ولكنني كنت في خوف، إذ هي قناة تتبع من النيل العظيم. (Palladius, His. Laus.8, 6).

سیف بالاديوس

قدم لنا بالاديوس وصفاً مختصراً لنظام القديس آمون في نيتريا وفي القلالي كشاهد عيان، إذ قال: • يعيش على الجبل خمسة آلاف رجل بطرق حياة متنوعة كل يعيش حسب قدراته و اشتياقاته، فيسمح للشخص أن يعيش منفرداً أو في شركة مع آخر أو مع آخرين. ويوجد سبعة خبازين في الجبل يخدمون احتياجات هؤلاء الرجال واحتياجات المتوحدين في البرية العظيمة، البالغين ستمائة متوحد، وقد تغلغلت أنا إلى أعماق البرية الداخلية.

• وبجوار الكنيسة يوجد بيت ضيافة، يستقبل الضيوف القادمين حتى يرحلوا بكامل حريتهم. ويسمح لهم أن يقضوا أسبوعاً بلا عمل، أما بعد ذلك فيلتزمون بالعمل إما في الحديقة (الحقل) أو المخبز أو المطبخ. إن كان الضيف شخصاً هاماً يعطونه كتاباً ولا يسمح له بالحديث مع أحد قبل الساعة السادسة.

• يعيش في هذا الجبل أطباء وصانعو حلوى يصنعون خمراً (أباركة) للبيع. والكل يعملون بأيديهم في مصنع الكتان، ليعيشوا في اكتفاء ذاتي

• في وقت الساعة التاسعة يمكن أن تقف لتسمع ألحان التسبيح تصدر من کل مسكن، حتى ليعتقد الإنسان أنه قد ارتفع إلی العالم العلوي، إلى الفردوس. يجتمعون في الكنيسة أيام السبوت والأحاد فقط، ويوجد ثمانية كهنة يخدمون الكنيسة وإذا وجد الكاهن المتقدم، لا أحد غيره يقدس أو يعظ أو يتقبل الاعترافات، وإنما يجلس الكل معه صامتين”. (Palladius, His. Laus., 7:2-5)

فاصل

 من كتاب نظرة شاملة لعلم الباترولوجى للقمص تادرس يعقوب ملطي

فاصل

الانبا أنطونيوس

القرن الثالث العصر الذهبي

القديس بفنوتيوس

مشاهير وقديسين الكنيسة
تاريخ الكنيسة القبطية

 

زر الذهاب إلى الأعلى