تفسير رسالة رومية اصحاح 3 د/ موريس تاوضروس

الاصحاح الثالث

بين صدق الله وكذب الإنسان: رو3: 1-4

1اذن مـاهـو فضل اليهودي أو مـاهـو نفع الختان 2 كثير علي كل وجه، أما أولا، فلأنهم استؤمنوا علي أقـوال الله 3 فماذا أن كان قوم لم يكونوا أمناء؟ أفلعل عدم أمانتهم يبطل أمانة الله ، 4 حاشـا، بل ليكون الله صادقا وكل إنسان كاذبا. كما هو مكتـوب، لكي تتبرر في كلامك وتغلب متي حوكمت، (رو3: 1-4).

إذن ماهو فضل اليهودي أو ماهو نفع الختان.

احتج اليهود علي تعاليم الرسول بولس فقد بدا لهم أنه أنكر أية قيمة للشريعة الموسوية وأي فضل للعهود التي قطعها الله مع شعبه في القديم، فإذا كان الله بحسب ما علم الرسول بولس، يطلب التكريس الباطني له، وإذا كانت هذه الحياة الباطنية يمكن أن يحققها الإنسان الأممي إذا سـار حـسـب الناموس الطبيعي، فما هو فضل اليهودي ومـا هـو نفع الخـتـان ؟ أي ماهـو ذلك الشيء الذي يميز الـيـهـودي عن الأممي ويجعله في وضع اسمي منه ؟

لقد أشار العهد القديم إلي ما تميز به شعب الله عن الشعوب الأخري. جاء في سفر التثنية “لأنه أي شعب هو عظيم له الهة قريبة منه كالرب إلهنا في كل أدعيتنا إليه، وأي شعب هو عظيم له فرائض وأحكام عادلة مثل كل هذه الشريعة التي أنا واضع أمامكم اليوم” وقد أشـار الرسول نفسه في نفس الرسالة إلي رومية إلي ماتميـز به شعب الله في القديم فقال الذين هـم اسرائيليون ولهم التبني والمجد والعهـود والاشتراع والعبادة والمواعيد، ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن علي الكل الها مباركا الي الأبد أمين.

كثير علي كل وجه. أما أولا فلأنهم استؤمنوا علي أقوال الله.

استنكر الرسول بولس علي اليهود احتجاجهم، فإن الله لايفعل شيئا عبثا. وهناك افضال كثيرة، ومزايا عديدة قد حصل عليها الشعب في القديم. ولم يحاول الرسـول أن يشـيـر هـنا إلي جميع هذه المزايا ولكنه اكتفي بأن يذكر أولي هذه المزايا وأهمها، وهي أن الشعب في القديم قد حظي بثقة الله فيه حتي أنه استأمنه علي عهوده، وفي هذا يقول داود النبي :

“يخبر يعقوب بكلمته واسرائيل بفرائضه وأحكامه. لم يصنع هكذا بإحدي الأمم، وأحكامه لم يعرفوها” كما يقول أيضا “عرف موسي طرقه وبني اسرائيل افعاله”

” فماذا إن كان قوم لم يكونوا أمناء، أفلعل عدم أمانتهـم يبطل أمانة الله”.

علي أن قوما من اليهود لم يكونوا أمناء فيما استؤمنوا عليه، فكان لابد أن يثار هذا التساؤل : العل عدم أمانتهم يبطل أمانة الله ؟ هل من الممكن أن عدم أمانة اليهود في المحافظة علي عهـود الله ومواعيده، يسى الي أمانة الله ويبطل حب الله الحق ؟ إن أمانة الله تعني صدق الله في تحـقـيـقـه للـعـهـود وللمواعيد، فالله لن يتخلي عن تحقيق عهوده بسبب مخالفة بعض الـيـهـود وبسبب عصيانهم. يقول الرسول بولس في رسالته الثانية الي تيموثيؤس :إن كنا غير أمناء فهـو يبقي أمينا لن يقدر ان ينكر نفسه.

“حاشا، بل ليكن الله صادقا وكل إنسان كاذبا، كما هو مكتوب لكي تتبرر في أقوالك وتغلب إذا حـوكـمـت”.

ان أحـداً لا يستطيع أن يدعي بأن الله سـوف يـخـلـف مـواعـيـده وعهـوده التي منحها للبشرية، وإن الأمور لتدل وتؤكد علي أن الله صادق في كلمته، بينما تظهر من ناحية أخري كذب الإنسان في افتراءاته ضد الله بأنه لايفي بما وعد به، فلو أن الناس حاولوا ان يضعوا الله في موضع المحاكمة، فإن الأمور ستبين أن الله بار في كلامه وصادق في مـواعـيـده وهذا هـو مـاعبـر عنه النبي داود في مزاميره “لكي تتبـرر في كلامك وتغلب مـتي حوكمت” وقال أيضاً “وأنا قلت في حيرتي كل إنسان كاذب”.

هل من الضروري أن ترتبط الخيرات بالسيات رو3: 5-8

5 ولكن ان كان اثمنا يبين بر الله، فماذا نقول والعل الله الذي يجلب الغضب ظالم، أتكلم بحسب الإنسان 6 حاشا، فكيف يدين الله العالم إذ ذاك 7 فإنه إن كـان صـدق الله قد ازداد بكذبي لمجده ، فلماذا أدان أنا بعد كخاطيء 8 أما كما يفتري علينا وكما يزعم قوم أننا نقول لنفعل السيأت لكي تأتي الخيرات، الذين دينونتهم عادلة» (رو3 : 5-8).

ولكن أن كان أثمنا يببن بـر الله، فماذا نقول : العل الله الذي يجلب الغضب ظالم، أتكلم بـحـسب الإنسان. حـاشـا، كيف بدين الله الـعـالـم إذ ذاك.

لقد وضح مما سبق أن صدق الله وبره يظهر على الأكثر، إذا قـورن يكذب الإنسان وإثمـه، وهـذا مـا أكـده النبي داود في مزاميره. فإذا كان الأمر كذلك،وإذا كان أثمنا له هذه النتائج الفاضلة الحسنة لأنه يظهر مجد الله وحبه للبر وصدقه في مواعيده، فلم يعد هناك – حسب منطق الإنسان وتفكيره – مايبرر غضب الله علي أثمنا، ولن يكون من العدالة في شئ أن يتعرض الأئمة والأشرار الي عقاب الله.

فإنه إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده ، فلماذا أدان أنا بعد كخاطيء

 إن كل خاطيء يمكن أن يحتج علـي عقـاب الله بالآتي : إذا كان حب الله للحقيقة وإذا كان صـدقه قـد صار لمجد اعظم بسبب خطيئتي الخاصة، فلماذا أحاسب بعد كخاطيء. ومعني هذا : إن الخطيئة يجب أن لاتحسب كخطيئة، والأثيم يجب أن لا يعامل كأثيم، طالما أنتج الإثم برا وأظهرت الخطيئة مجد الله.

 أمـا كـمـا يـفـتـري علينا وكما يزعم قوم أننا نقول لنفعل السيـأت لكي تأتي الخيرات، الذين دينونتهم عادلة.

لقد اتهم بولس الرسول في تعاليمه كما لو أنه كان يبيح ارتكاب الإثم وفعل السبات كأمور مشروعة بل وضرورية من أجل تحقيق الخير. هذا منطق غريب لم يوافق عليه الرسول بولس، فإذا كانت الخيرات تولدت عن السيات، فليس معني ذلك أن السيات تصبح ضرورية من أجل الحصول علي الخيرات. وإذا حدث أن الشـر أنتج خيرا، فليس معني ذلك ان الشر يصبح ضروريا من أجل الحصول علي الخير. فالخيـر يمكن أن يتحقق دون حاجة إلي وجود الشر، وصدق الله يمكن أن يظهر دون حاجة لأن يكذب الإنسان، فضلا عن ذلك فإن الشرير عندما يقترف إثما فإنه لا يفعله رغبة في تحقيق البر أو رغبة في إظهار محبة الله. وخلاصة هذا أن السيات لا ترتبط بالخيـرات ارتباطا جوهريا، ولذلك فإن الخاطيء يستحق أن يعاقب علي خطئه حتي وإن تبع هذا الخطأ أو هذه الخطيئة، ظهور مجد الله.

الجميع تحت الخطية رو3: 9-17

9 فماذا إذن، أنحن أفـضـل، كلا البتة، لأننا قـد شكونا أن اليهود واليونانيين أجمعين تحت الخطيـة 10 كـمـا هـو مـكـتـوب أنه ليـس بار ولا واحـد 11ليس من يفـهـم ليس من يطلب الله 12الجميع زاغـوا وفـسـدوا مـعـا. ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحـد 13حنجـرتـهـم قبـر مـفـتـوح بألسنتهم قد مكروا. سم الأصلال تحت شفاهـم 14وفمهم مملوء لعنة ومرارة 15 أرجلهم سريعة إلي سفك الدم 16 في طرقـهـم أغـتـصـاب وسحق 17 وطريق السلام لم يعرفوه 18ليس خوف الله قدام عيونهم (رو3: 9-17).

فماذا إذن، أنحن أفضل، كلا البتة، لأننا قد شكونا أن اليهود واليونانيين أجمعين تحت الخطية.

في الاصحاحين السابقين، أشار الرسول بولس إلي أن الخطيئة عمت البشرية جمعاء وشملت اليهود والأمعيين على السواء. أما بالنسبة للأمميين فقد قال الرسول ولأن غضب الله معلن من السماء علي جـميـع فـجـور الناس وأثمـهم الذين يحجزون الحق بالإثم(1)، وأما بالنسبة لليهود فقد قال الرسول االيهودي في الخفاء هو اليهودي وختان القلب بالروح لا بالكتـاب هـو الـخـتـان، (2) ومعني هذا أن اليـهـود لـم يكـونـوا أفـضـل من الأمميين في الإلتزام بالوصايا الأدبية والروحية وان الجميع تحت الخطية.

كما هو مكتوب أنه ليـس بار ولا واحد، ليس من يفهم ليس من يطلب الله، الجـميع زاغـوا وفـسـدوا معا، ليس من يعمل صـلاحا ولا واحـده.

لقد ساءت حال البشرية حتي أنه لم يوجد بار ولا واحد، ولو وجد هذا البار الواحد فإن الله سوف يفتقده تماما كما حدث في أيام نوح، فإن الله افتقد نوح، وكما حدث بالنسبة لسدوم وعمورة فإن الله افتقد لوط. لكن الرسول يقرر هنا أن الجميع زاغوا وفسدوا . ويشير إلي مـا أصاب الذهن البشـري مـن فساد اليس من يفهم، أي لم يعد البـشـر يميزون بين الحق والباطل وبين الخير والشر، ومن أجل ذلك فقد انحدروا الي فساد الخطيئة، ولم يوجد ذلك الإنسان الذي يبحث بشوق ورغبة لكي يعرف الله. ان الجميع ضلوا طريق الفضيلة ولم يعد هناك من يسلك بالصلاح والخير. وهذا يوافق مـا سبق وتكلم به النبي داود في مـزامـيـره حيث قـال وقـال الـجـاهـل في قلبه ليس الـه. فـسـدوا ورجـسـوا بأفعالهم، ليس من يعـمـل صـلاحا. الرب من السماء أشرف علي بني البشر لينظر هل مـن فـاهـم طالب الله. الكل قد زاغـوا معا فسدوا ليس من يعمل صلاحا ولا واحدا. ويقول أيضا سليمان الحكيم الأنه لا إنسان صديق في الأرض يعمل صلاحا ولايخطيء،. وهكذا خلت البشرية من الذهن النقي، والتصق الفكر بظلام الخطيئة ولم يعد قادرا علي أن يدرك ويتفهم الحقائق الأخلاقية والدينية وليس هناك من يجد ويبحث في طلب معرفة الله.

حنجـرتهم قبـر مـفـتـوح، بألسنتهم قـد مـكروا، سم الأصـلال تحت شفاههم

يواصل الرسول بولس الحديث عن حالة الفساد الشديدة التي تردي فيها البشر ويقتبس في ذلك تشبيهات مما ورد في سفر المزامير، ويشير الي كلمات النبي داود في المزمور الخامس حيث يقول الأن ليس في أفـواهـهـم صـدق، جـوفـهـم هـوة، حلقهم قـبـر مـفـتـوح. السنتهم صـقـلـوهـا. دنهم يا الله ليسقطوا من مؤامراتهم بكثرة ذنوبهـم طـوح بهـم لأنهم تمردوا عليك، كـمـا أن هذا الوصف للأشرار نجده في المزمـور الرابع بـعـد المائة حيث يقول داود النبي والذين يـفـتـكرون بشـرور في قلوبهم. اليـوم كله يـجـتـمـعـون لقتال، سنوا ألسنتهـم كـحـيـة، حمـة الأفـعـوان تحت شـفـاهـهم الذين تفكروا في تعثير خطواتي. أخفي لي المستكبرون فخا وحبالا ، مدوا شبكة بجانب الطريق، وضعوا لي اشراكا.

تشبه حنجرة الأشـرار بـالـقـبـر المفـتـوح لأنهم يدبرون الموت ويحـفـرون الـقـبـور للآخرين وبواسطة السنتهم يمكرون ويتكلمون كلمات معسـولة تخفي وراءها أغراض خبيثة. والموت تحت شـفـاهـم كسـم الأصـلال. وقد أشير إلي هؤلاء الأشـرار بسـم الأصـلال لأنهم يتكلمون كلاما رديئا يقطر من شفاههم الخاطئة كالسم أي أنهم كالأصلال، وكالسم تخرج الكلمات من فمهم.

وفمهم مملوء لعنة ومرارة .

هؤلاء الناس فـمـهـم مملوء من كلمات اللعنه ضـد الله، ومملوء أيضا من المرارة أي الكلمات الرديئة المرة ضـد الآخرين من البـشـر، ويمكننا أن نجـد في المزمـور العـاشـر مـثـالاً لكلمات اللعنة التي يوجـهـهـا الـشـريـر ضـد الله وكذلك لكلمات المرارة التي يوجهها ضد غيره من البشر. يقول داود النبي المه (أي فم الشـرير) مملوء لعنة وغشا وظلماً. تحت لسـانه مـشـقة وإثم. قـال في قلبه أن الله قد نسي، حجب وجهه، لايري إلى الأبد. لماذا أهان الشرير الله، لماذا قال في قلبه لا تطالب. إليك يسلم المسكين أمـره. أنت قد صرت معين التيم، تاوه الودعاء قد سمعت يارب تثبت قلوبهم تميل أذنك لحق اليتيم والمنسحق لكي لايعـود أيضا يرعبهم إنسان من الأرض.

أرجلهم سريعة الي سفك الدم، في طرقهم اغتصاب وسحق، وطريق السلام لم يعرفوه

يوصف هؤلاء الأشرار برغبتهم الجامحة في ارتكاب الشرور. فهم يجرون إلي الشر ويسـرعـون الي سفك الدم ثم هـم فضلا عن ذلك يغتصـبـون حـقـوق الآخرين وكرامتهم وقد فقدوا حياة السلام سواء بالنسبة لأنفسهم أو بالنسبة للآخرين. وفي هذا المعني قال عنهم النبي أشعياء «أرجلـهـم إلـي الـشـر تجري وتسرع إلي سفك الدم الزكي. أفكارهم أفكار إثم. في طـرقـهـم اغـتـصـاب وسحق. طريق السلام لم يعرفـوه وليس في مسالكهم عدل، جعلوا لأنفسهم سبلا معوجة، كل من يسير فيها لا يعرف سلاما، ويقول أيضـا سليمان الحكيم عنهـم الأن أرجلهم تجري إلي الشر وتسرع إلي سفك الدم.

“ليس خوف الله قدام عيونهم”

هؤلاء الأشرار قد انتزعوا خوف الله من قلوبهم. ونجد في المزمور الخامس والثلاثين صـورة لحياة الأشرار الذين لايخافون الله علي النحو التالي : «شهود زور يقـومـون وعـمـا لـم أعـلـم يسـألونني. يجـازوني عن الـخـيـر شـرا ثكلاً لنفسي. اجـتـمـعـوا علي شاتمين ولم أعلم. لأنهم لايتكلمـون بالسلام وعلي الهـادئين في الأرض يـتـفـكـرون بكلام مكر. نغروا علي أفواههم….

ظهور بر الله بدون الناموس: رو3: 19-31

19ونحن نعلم أن كل مايقوله الناموس فهو يكلم به الذين في الناموس لكي يستد كل فم ويصير كل العالم تحت قصاص من الله 20لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لايتبرر أمامه لأن بالناموس معرفة الخطية 21وأما الآن فقد ظهـر بـر الله بدون الناموس مشهودا له من الناموس والأنبياء 22بر الله بالإيمان بيسوع المسيح الي كل وعلي كل الذين يؤمنون لأنه لا فرق 23 إذ الجميع أخطأوا وأعوزنهم مجد الله 24متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح 25الذي قـدمـه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمـهـال الله 26لإظهار بره في الزمان الحـاضـر ليكون بارا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع 27فاين الافتخار قد انتفي. باي ناموس .. أبناسـوس الأعمال كلا. بل بناموس الإيمان 28إذن نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الـنـامـوس 29ام الله لليهود فقط أليس للأمم ايضا 30 لأن الله واحد هو الذي سيبرر الختان بالإيمان والغرلة بالإيمان 31 أفنبطل الناموس بالإيمان. حاشـا. بل نثبت الناموس (رو3: 19-31)

ونحن نعلم أن كل مايـقـولـه النـامـوس فـهـو يكلم الذين في الـنـامـوس لكي يستد كل فم ويصير كل العالم تحت قصاص من الله

أعطي ناموس العهد القديم لهؤلاء الذين يخضعون للناموس ولتـوجيهاته أي لليهود. والناموس نفسه يدين هؤلاء اليهود فلا يكون لهم مـايـعـتـرضـون به، بل على العكس تظهر عـدالة الله وبره في الحكم علي اليهود بالقصاص، وهكذا فإن وضع اليهـود لا يكون أفضل من وضع الأمميين في اسـتـحـقـاق عقـاب الله وقصاصه . يقول الرسول بولس في رسالته الي غلاطية الكن الكتاب أغلق علي الكل تحت الخطية ليعطي الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون».

“لأنه بأعمال الناموس كل ذي جـسـد لايـتـبـرر أمـامه لأن بالناموس معرفة الخطية”.

كان اليهود – كما سبق وذكرنا – يفتخرون بالناموس، وكـان مـجـرد حصـولـهـم علي الناموس يكفل لهم حياة التبرير والخلاص. علي أن الناموس نفسه يدين هـؤلاء اليهود ويحكم عليهم بالقصاص لأنهم يعـجـزون عن أن يتعـمـوا وصاياه بصـورة كاملة، فضلا عن ان الناموس نفسه لم يعط لكي يهب البر بل لكي يؤدبنا الي المسيح لكي نتبـرر بالإيمان، كما يقول الرسـول نفسه في رسالته الي غلاطية الأنه لو أعطي ناموس قادر أن يحيي لكان بالحقيقة البر بالناموس .. ولكن قبلما جاء الإيمان كنا محروسين تحت الناموس مغلقا علينا الي الإيمان العتيد أن يعلن. إذن قد كان الناموس مـؤدبنا الي المسيح لكي نتبرر بالإيمان. ولكن بعدما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب لأنتم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع».

لقد كان خطأ اليهود واضحا في أنهم لم يفهموا الغاية التي أعطي الناموس من أجلها. ولقد تحـدث الـرسـول بإسـهـاب عن هذه الغاية في الرسالة إلي غلاطية، وقـد أشـار الـرسـول، هناك ، بالتفصيل إلي الأسباب التي من أجلها يعجـز الناموس عن أن يهب حياة التبرير للإنسان، ويمكن ان نلخص هذه الأسباب في سببين :

۱- عجـز اليهود عن أن يتمموا كل وصايا الناموس الأن جميع الذين من أعمـال الـنـامـوس هم تحت لعنة لأنـه مـكتـوب ملعون كل من لايثبت في جميع مـاهـو مـكتـوب فـي كـتـاب النـامـوس ليعمل به.

٢- إن الموعد بالتبرير لم يعط بواسطة النامـوس بل بالإيمان كما يقول الرسول ،ولكن أن ليس أحـد يتبرر بالناموس عند الله فظاهر لأن البار بالإيمان يحيا. لأنه إن كانت الوراثة من الناموس فلم تكن أيضـا مـن مـوعـد، ولكن الله وهبها لإبراهيم بمـوعـد، فلماذا الناموس، قد زيد بسبب التعديات الي أن يأتي النسل الذي قد وعـد لـه مـرتبـا بملائكة». إذن قـد كـان النامـوس مؤدبنا إلي المسـيح لكي نتبرر بالإيمان. علي أن عـبـارة الـرسـول بولس : بالنامـوس مـعـرفـة الخطيئة، لاتعني أن الناموس هو علة الخطيئة بل تعني أنه بواسطة الناموس تكشف وضعنا في الحياة الروحية. الناموس هنا كالمرأة، أظهر ما عليه البشر من خطأ أو خطيئة.

وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس مشهودا له من الناموس والأنبياء، بر الله بالإيمان بـيـسـوع المسيح إلي كل وعلي كل الذين يؤمنون لأنه لافـرق، إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله.

بدون النـامـوس ، ظهـر الآن بر الله. وطالما أن هذا التـبـرير – كـمـا قلنا – لا يرتبط بالناموس، فإنه لن يكون قاصراً علي الذين أعطي لهـم ناموس مكتوب. الإيمان – وليس الناموس – هو الشرط الأساسي في الحصول علي التبرير، ولما كان الإيمان أمراً يمكن أن يتمتع به البشر جميعاً دون تمييز، فإن التبرير مـن الخطيئة أمر يمكن أن يحصل عليه الجميع، لافرق في ذلك بين إنسان وإنـسـان، ولذلك فـقـد قـدم الـبـر مـن الله الي كل من يؤمن، واشـتـرك الأمـمـيـون أيـضـا في الحصول علي بركات هذا التبرير.

وعبارة “مشهودا له مـن الناموس والأنبيـاء” تشير إلي أن تعليم العـهـد الـجـديد لاينقض تعليم العـهـد الـقـديم بل سبق وشـهـد له من الناموس والأنبياء. ويقرر الرسول ان الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله؛ أي أنه ليس هناك تمييز بين البشر لأن الجميع أخطأوا وافتقروا للمجد الذي يمنحه الله.

ولكن كيف تحقق لنا التبرير، يقول الرسول مجيباً علي هذا التساؤل :

متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح

وهذا يعني أن الجميع أصبحوا متبررين ومخلصين بواسطة النعمة التي يهبها الله لنا نحن الخطاة، إن الله حررنا من الخطيئة بواسطة الفداء الذي أتمه المسيح بسفك دمه علي الصليب، إن نعمة الله تعني رحمة الله للبشرية، وهذه الرحمة قد وهبتنا مجانا ودون فضل منا، بركات الخلاص في المسيح يسوع. فلم يعط إذن البر أو الخلاص كاستحقاق لنا أو كمكافأة لأعمالنا، إذ كما أشار الرسول سابقا أن الجميع قد أخطأوا. فلـم يـقـدم أحد من البشر من الأعمال مايستحق به أن يغطي الخلاص للبشرية. ولكن علي الرغم من خطايا البشـرية، فقد أدركت محبة الله البـشـر ووهبت لهم الخلاص مـجانا. يقول الرسول في مواضع أخـري من رسائله احـتي إذا تبررنا بنعمته نصيـر ورثة حسـب رجاء الحياة الأبدية» وأنتم إذ كنتم أمـواتـا بـالذنوب والخطايا .. الله الذي هو غني في الرحـمـة من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها، ونحن أمـوات بالخطايا أحيانا مع المسيح. بالنعمة أنتم مـخلـصـون. وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع ليظهر في الدهور الآتيه غني نعمته الفائق باللطف علينا في المسيح يسوع لأنكم بالنعـمـة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم، هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد» ، «ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة، أي أن الله كان مصالحا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهـم وواضعا فينا كلمة المصالحة.

الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله

لقد قدم الله المسيح، بحسب مـقاصده السابقة، ليكون وساطة للصلح بينه وبين الإنسان، وذلك لمن يقبل المسيح بالإيمان. وقد تم الصلح بدم المسيح المسـفـوك علي الصليب، وظهرت بذلك أيضـا عدالة الله وبره بسبب أنه تمهل في عقاب الخطاة وفي القصاص من الخطيئة الي زمن مجيء المسيح. أما في الزمن الحاضر (أي في زمن العهد الجديد) فقد قدم السيد المسيح دمه كفارة فظهر عدل الله وظهر بره ولم يعد هناك مبرر لأن يخطيء البشر فهمهم لعدالة الله بسبب تمهله في العقاب. وبالنسبة لعمل المسيح الكناري يقول يوحنا “وهو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل الـعـالـم أيضا”، “ليس أننا نحن أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وارسل ابنه كفارة لخطايانا”.

وفي الرسالة إلى العبرانيين، الاصحاح التاسع، يتحدث الرسول بولس عن عمل المسيح الكناري مقارنا بينه وبين كفارة العهد القديم، التي كانت ترمز وتشير الي كفارة العهد الجديد، فيقول الرسول :  وأما إلي الثاني (قدس الأقداس) فرئيس الكهنة فقط مرة في السنة ليس بلا دم يقدمه عن نفسه وعن جهالات الشعب معلنا الروح القدس بهذا أن طريق الأقداس لم يظهـر مادام المسكن الأول (القدس) له إقامة، الذي هـو رمـز للوقت الحـاضـر الذي فيه تقـدم قـرابين وذبائح لايمكن من جهة الضمير أن تكمـل الذي يخدم. وهي قائمة بأطعمة وأشربة وغسلات مختلفة وفرائض جسدية فقط موضوعة إلي وقت الإصلاح. أما المسيح وقد جاء رئيس كهنة للخيـرات العنيدة، فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد أي الذي ليس من هذه الخليقة وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فـوجـد فداء أبديا، لأنه أن كان دم ثيران وتيـوس ورمـاد عـجلة مرشوش علي المنجسين يقـدس الي طهارة الجسـد، فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح ازلـي قـدم نفسه بلا عيب يطهـر ضـمـائـركـم مـن أعـمـال مـيـتـة لـتـخـدمـوا الله الحي.

ومن المقارنة بين كفارة العهد القديم وكفارة العهد الجديد، نلاحظ الآتي :

1- أن رئيس الكهنة كان يدخل مرة واحدة في السنة الي قدس الأقداس لأن طريق الأقداس لم يظهر بعد أي أن الطريق الي الله لـم يزل محجوبا ولازالت الخطيئة تؤلف حاجز عداوة بين الله والإنسان.

2- إن رئيس الكهنة كان يحتاج لأن يقدم عن نفسه ذبيحة خطيته وكذلك عن الشعب وذلك للتكفير عن خطاياه وخطايا الشـعب ولكن السيد المسيح قـدم دمـه مـرة واحدة ، وفي هذه المرة الواحدة حقق الخلاص الأبدي للعالم أجمع وشمل خلاصه جميع الأجيال في الماضي والحاضر والمستقبل.

3- إن كفارة العهد القديم الايمكن من جهة الضمير أن تكمل الذي يخدم، بينما كفارة المسيح قادرة علي أن «تطهـر الـضـمـائر من الأعمال الميتة لـخـدمـة الله الحي، وبذلك صـارت للإنسان القدرة علي أن يتبرر بدم المسيح.

لإظهـار بـره في الزمـان الـحـاضـر ليكون بـارا ويـبـرر من هـو من الإيمان بيسوع.

إن السيد المسيح أعطي دمـه كفارة لكي يظهر الله عـدله في الوقت الحاضر، لأن عدالة الله تقتضي الحكم بالموت عقابا علي الخطيئة، فلما قدم السيد المسيح ذاته على الصليب ودفع اجرة الخطيئة أي الموت ا ظهر بر الله في الزمن الحاضر، . والله في ابره؛ (ليكون بارا) قد قبل في رضي ذبيحة السيد المسيح المقدمة عن خطايا البشرية، وفي نفس الوقت، غفـر وبرر البشر من خطاياهـم نـوهـب الـبـر لمن يؤمن بالمسيح. علي أن تبرير الله للإنسان لايعني مـجـرد الحكم عليه بالبراءة بل هو أيضا تخويل للإنسان من حالة الخطيئة التي كان عليها إلى حالة التقوي والصلاح.

فأين الافتخار، قد انتفي، بأي نامـوس. أبناموس الأعمال، كلا، بل بناموس الإيمان.

إذا كان التبرير يتم بالإيمان وليس بأعمال الناسوس كما يتـوهـم اليهود، فاين الافتخار الذي سيكون للناس طالما أن أمر تبـريـرهـم لايرد إلي أعمالهم أو فضائلهم. ان الافتخار لايجيء عن طريق الأعـمـال بل عن طريق إيماننا بالمسيح الكي لايفـخـر كل ذي جـسـد امـامـه .. حتي كما هو مكتوب من يفتخر فليفتخر بالرب، “ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد …”  ،”لان ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت”.

إذن نحسب إن الإنسان يتبـرر بالإيمان بدون أعمال الناموس، أي أن الإنسان تبرر مجانا بواسطة الإيمان ودون الأعمال التي فرضها الناموس.

أم الله لليـهـود فـقط، أليس للأمم أيضـا بـل للأمم أيضـا.

إن دائرة التبرير قد إتسعت في المسيحية لتـضـم اليها كل من يؤمن من البشر، ذلك لأن الله ليس لليهود فقط حتي يقصر بركاته عليهم وحدهم، بل هو أيضا للمم الأن ربا واحـدا للجميع الذين يدعون به، لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص.

“لآن الله واحـد هو الذي يبـرر الـخـتـان بالإيمان والـغـرلة بالإيمان”.

إن الله واحـد وهو اله للجميع، وهو علي استعداد لأن يبرر الجميع سواء من كان منهم من الأمم أو من اليهود. والشرط الأساسي لهذا التبرير هو شرط واحد صادر عن الاله الواحد، وهذا الشرط هو الإيمان.

“أفنبطل الناموس بالإيمان، حاشا، بل نثبت الناموس”.

إذا كان الرسول بولس قد جعل اسـاس التبريـر هـو الإيمان، وليس أعـمـال الـنـامـوس، فإن هذا لا يعني أن الرسول بولس أبطل قيمة الناموس. بل علي العكس، أنه بهذا يثبت الناموس، لأن الناموس نفسه قد سبق وتحدث عن المواعيد التي سوف تتحقق بالإيمان بالمسيح، بل إنه من أجل أن يصفح الله عن خطايا تعدياتنا ضد الناموس، قد صلب المسيح. ان الناموس ليس مجرد الوصايا، ولكن أيضا المواعيد والعهود والإيمان وكذلك البنوة الروحية لإبراهيم، وكل هذه الأمور قد تحققت بالإيمان بالمسيح. هذا فضلا عن أن النامـوس مـهـم لـنـا حـتي في الوقت الحـاضـر، لأنه يكشف لنا عن ماضي حياتنا الروحية ويدعم إيماننا، ثم أن المسيحية لم تقم علي نقض الناموس بل علي تكميله.

وفي الاصـحـاح الرابع، يؤكد الرسول بولس حـقـيـقـة تثبيت الناموس بالإيمان من خلال حديثه عن ابراهيم علي النحو التالي :

من عدد (1) إلي عدد (12) يبين أن ابراهيم قد تبرر بالإيمان
من عدد (13) إلي عدد (16) يبين أن ميراث العالم أعطي لإبراهيم بالإيمان.
من عدد (17) إلي . عدد (22) يبين أن أسحق كان ثمرة للإيمان.

وهكذا فـإن الـتـبـرير والمـيـراث والنسل تحـقق لإبراهيم بالإيمان. فالإيمان إذن لم يبطل الناموس بل يثبته.

ويهمنا أن نؤكد في هذا المجال، أن التبرير (dikaiwsis) هو تغيير حقيقي للإنسان. فهو من ناحية مـحـو للخطية والإدانة، ومن ناحية أخري غرس حياة جديدة في القداسة والبر. أي من الناحية السلبية مـغـفـرة، ومن الناحية الإيجابية تقديس. وحيث إن هـذا التغيير هـو الحـالة الضرورية وأيضا الأساس للخلاص، فإنه من الممكن أن تستبدل كلمتا التبرير والخلاص والأفعال المشتقة منهما، ويتساوي القول بأن الإنسان خلص أو تبرر بالإيمان والأعمال. علي أن مغفرة الخطايا والتقديس هما جانبان لشيء واحد، ولايجوز فصلهما عن بعضهما فصلا زمنيا، كأن يقال ان التقديس مرحلة نجئ عقب مرحلة المغفرة. وكمـا يحدث بالنسبة للنور، فإنه في نفس الوقت الذي تتم فيه الإضاءة، يحدث انقـشـاع للظلام، أو تحـدث الإضاءة بانقـشـاع الظلام، هكذا الأمر بالنسبة للإنسان، فهـو عـندمـا يـتـبـرر، فإن النعمة الإلهيه تطهره من الخطية وتقدسه في نفس الوقت، أو تقـدسـه بـقـدر مــاتكـون قـد طـهـرته من الخطية. ثم أن غـفـران الخطية، حسب العقيدة الارثوذكسية، ليس هو مجرد تغطية للخطية أو عدم حسبان لها، كما يفهم البعض من التبرير، ولكنه عملية محو للخطية حتي أن المبرر يصير أبنا لله، لا يوجـد فيـه مايجلب عدم رضي الله أو سخطه، لأن حياته تكون قد تطهرت،، وبينما أن القاضي عندمـا يبرئ المتهم، فإنه لايصيـره في الحـال بريئاً، ولكنه فقط يعلن بـراءته من الظاهر، فإن الله عندما يبرر الخاطيء ، فهو لا يـعـتـبـره مبررا في الوقت الذي يكون فيه خاطئا، ولكنه يصيره حقيقة بارا. بلاشك إن الخطايا التي ارتكبت لم تبطل عن أن تكون قد وجدت يوما ما أي لايمكن أن تتغير الي عدم وجـود، علي أن حالة الخطية التي تنتج عن ارتكاب الخطية والتي تجعل الإنسان ابنا للغضب، ترفع بصورة تامة بالقوة الإلهية في التبرير.

تفسير رومية 2 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد تفسير رومية 4

د/ موريس تاوضروس

تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى