تفسير رسالة رومية اصحاح 4 د/ موريس تاوضروس

الاصحاح الرابع

الإيمان كشرط أساسي للتبرير. مثال من حياة ابراهيم (رو 4: 1-25).

تبرير إبراهيم بالإيمان: رو4: 1-3

1فـمـاذا نقول أن أبانا إبراهيم قـد وجـد حـسـب الـجـسـد 2 لأنه أن كـان ابـراهـيـم قـد تـبـرر بالأعمال فله فخر ولكن ليس لدي الله 3 لأنه ماذا يقول الكتاب ، فأمن ابراهيم بالله فحسب له براً (رو4: 1-3).

فماذا نقول أن أبانا ابراهيم قد وجد حسب الجسده .

يهدف الرسول في الاصحاح الرابع لأن يؤكد ماسبق وتحدث عنه في الاصحاح السابق من أن الإنسان يتبـرر بالإيمان بدون أعمـال الناموس، وهو يضرب لذلك مثلا بتبرير ابراهيم، ويتساءل الرسول : فماذا نقول أن أبانا ابراهيم قد وجد حسب الجسـد ؟ أي هل حقق ابراهيم حياته الروحية وهل حصل علي التبرير بقـواه الطبيعية وبأعماله الجسدية دون أن تساعده نعمة الله ؟ إن عبارة «حسب الجسـده تعني احسب الأعمال، لأن الأعمال تتم بواسطة الجـسد. فهل يتبرر ابراهـيم نتيجة لأعماله أم نتيجة لإيمانه ؟ ويمكننا أن نعـمـم السـؤال فنقول : هل يتبرر الإنسان بالإيمان أم بأعمال الناموس. إن الرسول يتحدث إذن عن شروط التبرير وهو هنا يخاطب اليهود الذين كانوا يعتقدون أن أعمال الناموس هي الشرط الوحيد للتبرير.

لأنه أن كان ابراهيم قـد تبرر بالأعمال فله فـخـر ولكن ليس لدي الله

علي ان الرسول بولس يرد بنفسه علي تساؤله، فيبين أن ابراهيم لم يحقق بره عن طريق أعماله، لأنه ان كان ابراهيم قد حكم ببره من معاصريه بسبب أعماله الصالحة، فإن له مايجعله يفتخر أمام هؤلاء البشـر غير الكاملين، الا أن أعماله لاتعطيه ان يفتخر أمام الله، وبمعني أخـر : ان الناس قد يحكمون بصلاح إنسـان وبـبـره بسبب مسلكه الـخـيـر أمـامـهـم، علي أن مـا يـثـيـر إعـجـاب الناس وثناءهـم لايساوي شيئا إذا قيس بكمال الله وقداسته، وعلي ذلك فإن مايمكن أن يعطينا أن نفتخر أمام الناس، قد لايعطينا أن نفتخر أمام الله.

لأنه ماذا يقول الكتاب، فأمن ابراهيم بالله فحسب له براً .

لقد استدل الرسول علي مـايـؤكـد حـجـة دعـواه ، وذلك بمـا ورد في سـفـر التكوين عن تبرير ابراهيم، إذ قيل «فأمن ابراهيم بالـلـه فـحـسـب له براً. لقد حصل ابراهيم إذن علـي الـتـبـريـر بواسطة الإيمان، فـقـد حسب له هذا الإيمان كما لـو كـان قـد حـافـظ علي كل الناموس وأطاع كل وصايا الله وهكذا برره الله. ويؤكد الرسول بولس هذا التعليم (أي تبرير ابراهيم بالإيمان وليس بالأعمـال) في رسالته إلي غلاطية، فيخاطب الغلاطيين قائلا :

أيهـا الغلاطيـون الأغبياء من رقاكم حتي لاتذعنوا للحق … أريد أن أتعلم منكم هذا فقط، أباعمال الناموس أخـذتم الروح أم بخبر الإيمان. أهكذا أنتم اغبياء . أبعـدمـا ابـتـدأتم بالروح تكملون الآن بالـجـسـد (أي بعدما ابتدأتم بنعمة الروح القدس تكملون الآن بالمحافظة علي وصايا الناموس التي تمارسونها بالجسد وليس بالقلب المتجدد). فالذي يمنحكم الروح ويعمل قوات فيكم أباء.ال الناموس أم بخبر الإيمان (أي أن الله قد منحكم بغني نعمة الروح القدس وهو يعمل في وسطكم اعمالا وقوات معجزية فوق الطبيعة، هل منحكم هذه النعمة وهذه الأعمال الخارقة للطبيعة بسبب انكم خافظتم علي الناموس. أم لأنكم أمـنتـم، بلاشك لأنكم أمنتم). كمـا أمن ابراهيم بالله فحسب له برا. أعلـمـوا إذن أن الذين هم من الإيمان أولئك هم بنو ابراهيم. والـكـتـاب إذ سبق فـرأي أن الله بالإيمان يبرر الأمم سبق فـبـشـر ابراهيم أن منك تتـبـارك جـمـيـع الأمم. اذن الـذيـن هـم مـن الإيمان يتباركون مع ابراهيم المؤمن، لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة لأنه مكتوب ملعون كل من لايثبت في جميع مـاهـو مـكتـوب في كتاب الناموس ليعمل به. ولكن ان ليس أحد يتبرر بالناموس عند الله فظاهر لأن البار بالإيمان يحيا … لتصير بركة ابراهيم للأمم في المسيح يسوع لننال بالإيمان موعد الروح.

حياة التبرير بين العمل والإيمان: رو4: 4-8

4أما الذي يعمل فلا تحسب له الأجرة علي سبيل نعمة بل علي سبيل دين 5 وأما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر فإيمانه يحسب له برا 6 كما يقول داود أيضا في تطويب الإنسان الذي يحسب له برا بدون اعمال 7 طوبي للذين غـفـرت أثامهم وسترت خطاياهم 8طوبي للرجل الذي لايحسب له الرب خطية» (رو4: 4-8).

أما الذي يعمل فلا تحسب له الأجرة علي سبيل نعمة بل علي سبيل دين.

ماهي قيمة العمل بالنسبة للتبرير ؟ هل يمكن بالعمل أن نحصل علي نعمة التبرير ؟ . لقد تحدث الرسول في الأعداد السابقة عن أهمية الإيمان، وأظهر قيمة الإيمان من حيث أنه يهبنا الحياة البارة. فهل تستطيع أعمال الناموس أن تفعل مايفعله الإيمان، وهل يمكن ان يكون لها نفس القيمة التي للإيمان ؟ ما الفرق بين الأجر أو المكافأة التي يأخذها الفاعل عن عمله، والمكافأة التي يأخذها المؤمن بإيمانه ؟ يقـول الـرسـول «أما الذي يعمل فلا تحسب له الأجرة علي سبيل نعـمـة بل علي سبيل دين، أي من يعمل لا يأخذ أجرته من قبل النعمة أو الرحمة الإلهية بل كدين أو أجر يستحقه مكافاة علي عمله ولذلك فلاتحسب هذه الأجـرة له كنعمة أو لاتكون من عمل النعمة بل من قبيل الدين الذي يستحقه. فطريق العمل إذن لايؤدي بنا إلي نعمة التبرير لأن نعمة التبرير لاتعطي كمكافأة علي العمل بل كثمرة للإيمان، وفي هذا يقول الرسول أيضا :

وأما الذي لايعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر، فإيمانه يحسب له برا

اي ان من لايعـمـل أعـمـال الـنـامـوس، ولكنه يؤمن بالله، فإن الله يبـرره بسبب هذا الإيمان. ويقـول الرسـول بولس في موضع آخـر من نفس الرسالة فإن كان بالنعمة فليس بعـد بالأعمال، والا فليست النعمة بعد نعمة، وإن كان بالأعمال فليس بعد نعمة وإلا فالعمل لا يكون بعد عملاً.

ولعل تعليم الرسول يتضح لنا من المثل الذي ضربه السيد المسيح عن الملكوت، والذي شبه فيه ملكوت السموات برب البيت الذي استأجر فعلة لكرمة واتفق مع الفعلة علي دينار في اليوم. غير أن رب البيت سـاوي في المعاملة أو في الأجـر بين الفعلة الذين جاءوا في ساعة متأخرة وبين الفعلة الذين جاءوا منذ بدء العمل مع الصبح. وقد ظهر في هذا العمل نوعان من المكافاة : المكافأة علي العمل كدين يستحقه العامل، والمكافاة علي سبيل نعمة، وذلك بالنسبة للذين جاءوا آخرين، ومع ذلك فقد أخذوا مثل الأولين. 

لقد أراد الرسول من تعليمه أن يوضح – كما سبق وأوضح – أن العمل لا يمكن أن يؤدي إلي استحقاقات الحصول علي النعمة، فإن أعمالنا مهما سمت ومهما عظمت، يحسب أجرها علي سبيل دين لا علي سبيل نعمة. فالأعمال إذن لاتؤدي إلي التبـرير. وعلي ذلك فليس هناك من لبشر من عمل أعمالا ينتظر من ورائها أن يحصل علي التـبـريـر، أمـا هـؤلاء الذين لم يعملوا، بمعني أنهم لا ينتظرون الـتـبـريـر من أعمالهم، ولكنهم من ناحية أخري يؤمنون أن الله سيغفر للخطاة ويهب لهم الخلاص في المسيح يسوع، فإنهم بواسطة هذا الإيمان يـتـبـرون بـبـركـات دم المسيح يسوع.

“كـمـا يـقـول داود أيضا في تطويب الإنسان الذي يحسب له الله برا بدون أعمال، طوبي للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم. طوبي للرجل الذي لايحسب له الرب خطية”

والواقع أن داود النبي في مزاميره ، قد سبق وعلم بنفس التعليم الذي يقول به الرسول بولس، حتي ان الرسول بولس استشهد به لتوضيح تعليمه. فـداود النبي يشير الي التبرير الذي يناله الإنسـان بواسطة سـنـك دم المسيح علي الصليب. وفي هذا الدم، دفع ثمن الخطيئة وغفرت أثامنا. فالتبرير إذن يبني علي رحمة الله ونعمته وعلي فضله ومحبته وليس علي استحقاقات بشرية من قبل الإنسان. فالتطويب والغبطة التي يحصل عليها الإنسان – فيما يشير داود النبي – لاتبني علي أساس الأعمال، لأن هذا الإنسان الذي نال التطويب، ناله «بدون أعمـال رناله «بعد أن غفرت أثامـه وسـترت خطاياه، ولأن الرب الايحسب له خطية . فالإنسان إذن نال التبرير كرحمة من الله وليس كمكافاة علي أعماله.

 

الوعد لإبراهيم اعطى ببر الإيمان وليس باعمال الناموس: رو4: 9-16

9 أفهذا التطويب هو علي الختان فقط أم علي الغرلة أيضا، لأننا نقول إنه حسب لإبراهيم الإيمان برا 10فكيف حسب أو هو في الـخـتـان أم في الغرلة. ليس في الـخـتـان بل في الـغـرلة 11 وأخذ علامة الختان ختما لبر الإيمان الذي كان في الغرلة ليكون أبا لجميع الذين يؤمنون وهم في الغرلة كي يحسب لهم أيضـا البر 12وأبا للختان للذين ليسوا من الختان فقط بل أيضاً يسلكون في خطوات إيمان أبينا ابـراهـيـم الـذي كـان وهـو فـي الغـرلـة 13 فإنه ليس بالنامـوس كـان الـوعـد لإبراهيم أو لنسله أن يكون وارثا لـلـعـالـم بـل بـبـر الإيمان 14لأنه إن كـان الذين من الناموس هم ورثة فقد تعطل الإيمان وبطل الوعد 15 لأن الناموس ينشيء غضبـا إذ حيث ليس ناموس ليس أيضا تعد 16 لهذا هـو من الإيمان كي يكون علي سبيل النعمة ليكون الوعد وطيدا لجميع النسل ليس لمن هو من الناموس فقط بل أيضا لمن هو من إيمان إبراهيم الذي هو أب لجميعنا» (رو4: 9-16).

أفهذا التطويب هو علي الخـتان فقط أم علي الـغـرلة أيضا، لأننا نقول إنه حسب لإبراهيم الإيمان برا، فكيف حسب أو هو في الخـتـان أم في الغرلة، ليس في الختان بل في الغرلة

وتأكيدا لما ذهب إليه الرسول بولس من أن التبرير يتم بالإيمان، أشار إلي أن إبراهيم عندما تبرر، فقد حصل علي البـر وهـو في حالة الغرلة وقبل أن يختتن، أي أن بر ابراهيم كان بالإيمان وليس بأعـمـال الناموس. وعلي ذلك فإن التطويب الذي ترنم به داود النبي. والذي أشرنا إليه سابقا، لايختص بأهل الختان وحدهم ولكنه أيضا يعود علي الأمميين الذين ليس لهم ناموس مكتوب ولايختتنون.

وأخذ علامة الختان ختمـا لبر الإيمان الذي كان في الغرلة ليكون أبا لجميع الذين يؤمنون وهم في الغـرلـة كي يحـسـب لـهـم أيضـا البـر، وأبا للـخـتـان للذين ليسوا من الختان فقط بل أيضا يسلكون في خطوات إيمان ابراهيم الذي كان وهو في الغرلة.

لم يحصل إبراهيم علي البر بواسطة الختان (أي بواسطة أعمال الناموس) بل أخذ الختان كعلامة خارجية أو كختم يؤكد حصوله علي التبرير بواسطة الإيمان، هذا الإيمان الذي كان لإبراهـيـم وهـو بـعـد في حالة الغرلة. وعلي هذا النحو صـار ابراهيم أبا روحـيـا لكل هؤلاء الذين لم يختنوا ولكنهم أمنوا، فحسب لهم هذا الإيمان برا، وصار إبراهيم أيضاً أبا لهـؤلاء اليهود الذين لم يقـتـصـروا فقط علي الختان الجسدي ولكنهم سـلـكـوا في الإيمان الذي سلك فيه ابراهيم وهو في الغرلة. فالأمميون إذن لم يكونوا ملتزمين بالختان أو بأعمال الناموس لكي يحصلوا علي البر وكذلك اليهود لا يكفيهم الاستناد إلي الختان أو إلي أعمال الناموس لكي يحصلوا علي البر، فكلا الأمميين والـيـهـود يـحـتـاجون إلى الإيمان من أجل الحصول علي حياة الـتـبـرير، وبالإيمان يصير الجميع أبناء لإبراهيم.

فإنه ليس بالناموس كان الوعد لإبراهيم أو لنسله أن يكون وارثا للعالم بل ببر الإيمان.

يبين الرسول بولس ان الوعـد لإبراهيم ولنسله بأن يكون وارثا للعالم، أي الوعد بأن تكون السيادة الروحية، لإبراهيم ولنسله علي الـعـالـم ، هذا الوعد لم يعط لإبراهيم بواسطة أي ناموس بل بواسطة بر الإيمان. وهذا ما أشار إليه الرسول في رسالته الي العبرانيين حيث يقول بالإيمان إبراهيم لما دعي أطاع أن يخرج إلي المكان الذي كان عنـيـدا ان يأخـذه ميراثا فـخـرج وهو لايعلم إلي أين يأتي.

لأنه ان كان الذين من الناموس هم ورثة فقد تعطل الإيمان وبطل الوعد.

لو أن الذين أخذوا الناموس قد أصـبـحـوا ابرارا بواسطة المحافظة عليه وأصبحوا بذلك ورثة للعالم، فإنه لن يكون هناك قيمة للإيمان، ولن تتحقق بل ستبطل مواعيد الله التي وعد بها وأكد فيها أن الميراث سوف يعطي مجانا بواسطة الإيمان بالمسيح يسوع.

لأن الناموس ينشيء غضبا إذ حيث ليس ناموس ليس أيضا تعد.

الواقع إن الميراث لم يعط بواسطة الـنـامـوس حيث إن الـبـشـر قـد خـالـفـوا الـوصـيـة ونتج عن هذه المخالفة ان غضب الله وأبعد البـشـر عن بركـات مـواعـيـده. وعلي عكس ذلك فإنه حيث لا يوجد ناموس فليس هناك مايسمي بالمخالفة للناموس أو التعدي، «فإنه حتي الناموس كانت الخطية في العالم، علي أن الخطية لم تحسب أن لم يكن نامـوس» ، «لأن بدون الناموس الخطية ميتة»،. وفي الرسالة الي غلاطية يكرر الرسول الإشارة إلى الرابطة بين الناموس والموعد ليؤكد نفس تعاليمه في رسارة رومية فيقول «إن الناموس الذي صار بعد أربعمائة وثلاثين سنة لاينسخ عهدا قد سبق فتمكن من الله نحـو المسيح حتي يبطل المـوعـد، لأنه أن كانت الوراثة من الناموس فلم تكن أيضـا مـن مـوعـد، ولكن الله وهبها لإبراهيم بموعد، فلماذا الناموس، قد زيد بسبب التعديات الي أن يأتي النسل الذي قد وعد له مرتبا بملائكة في يد وسيط» ، ومعني هذا أن العهد الذي أعطي من قبل الله بقسم والذي يشير إلي المسيح، لايستطيع الناموس الذي صـار بـعـد أربعمائة وثلاثين سنة ان ينسخه ويبطله، وقد كان من الممكن للناموس أن ينسخ العهد ويبطله ، لو أنه كان من الممكن أن يتحقق لنا الميراث بواسطة الناموس . لو أننا بالناموس أمكننا أن نحقق الميراث والخلاص، لما كان قد أعطي لنا التبرير كنعمة مجانية بل كمكافأة علي أعمالنا واستحقاق لنا بسبب محافظتنا علي النـامـوس ونتـمـيم وصاياه، لكن الله أعطي التبرير لإبراهيـم كـهـبـة بالمـوعـد. فإذا لم يكن الميراث ثمـرة للمحافظة علي الناموس والإلتزام بوصاياه، فلماذا إذن أعطي الناموس ؟ ويجيب الرسول علي هذا التساؤل فـيـبين أن الـنـامـوس قـد أضيف للمـوعـد، حتي يولد فينا الاحساس بالخطأ بالنسبة للمخالفات والتعديات التي تصدر عناء ويستمر الناموس في عمله التهذيبي هذا، حتي يأتي النسل الذي من أجله قد أعطي هذا الموعد.

لهذا هو من الإيمان كي يكون علي سبيل النعمة ليكون الوعد وطيدا لجميع النسل، ليس لمن هو من النامـوس بل أيضـا لمن هو من إيمان إبراهيم الذي هو أب لجميعناه. إن الناموس – كما أوضح الرسـول – يبعدنا عن الميراث والمواعيد ومن أجل هذا فإن الميراث يمنح بواسطة الإيمان. ولقـد أعطي لنا الآن هذا الميراث لـيـس كـمـكـافـأة لمحافظتنا علي الناموس بـل كـمنحة وبحسب نـعـمـة الله، وعلي ذلك فلم يعد هناك خطر بعـد علي عـهـود الله ومواعيده لأن هذه لابد أن تتحقق لجميع أبناء ابراهيم وليس لهؤلاء الذين لهم الناموس ويعتمدون عليـه، سـوف يـشـتـرك في الميراث هؤلاء الأمميون، الذين علي الرغم من أن ليس لهم نـامـوس فقـدقلدوا ابراهيم في إيمانه وصاروا أبناء روحيين له. وفي الإيمان، يمكن أن يصير جميع البشر أبناء إبراهيم، ويمكن أن يكون إبراهيم أبا للجميع.

عظمة إيمان إبراهيم : رو4: 17-25

 17كما هو مكتوب أني قد جعلتك أبا لأمم كثيرة، أمام الله الذي أمن به الذي يحيي الموتي ويدعـو الأشياء غير الموجودة كـأنـهـا مـوجـودة 18فهو علي خـلاف الرجـاء أمن علي الرجاء لكي يصير أبا لأمم كثيرة كـمـا قيل هكذا يكون نسلك 19 وإذ لم يكن ضعيفا في الإيمان لم يعتبر جسده وهو قد صار ممانا إذ كان ابـن نحو مائة سنة ولاممانية مستودع سارة 20ولابعدم إيمان إرتاب في وعد الله بل تقوي في الإيمان معطيا مـجـدا لله 21وتيقن أن ما وعد به هـو قـادر أن يفعله ايضا 22لذلك أيضا حسب له برا 23ولكن لم يكتب من أجله وحده أنه حسب له 24بل من أجلنا نحن أيضاً الذين سـيـحسـب لـنا الذين نؤمن بمن أقـام يـسـوع ربنا من الأموات 25الذي أسلم من اجل خطايانا واقيم لأجل تبريرنا» (رو4: 19-25).

كما هو مكتـوب أني قد جعلتك أبا لأمم كـثـيـرة، أمام الله الذي آمن به الذي يحيي الموتي ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة .

في هذا الجزء الباقي من الاصحاح الرابع، يتحدث الرسول بولس بالتفصيل عن إيمان ابراهيم وعن وعد الله له بانه سيكون ابا لأمم كثيرة ولم تكن هذه الأمم قد وجدت بعد وإنما سـوف توجد في المستقبل. وقد أمن ابراهيم بأن الله الذي يعطي حياة للمـوتي، وبقوته يهب الوجـود لما ليس له وجود أو لما هو ليس بموجود، أمن إبراهيم أن هذه الأمم التي سيكون لهـا أبا والتي لم تـوجـد بعـد في الزمن الحـاضـر، سـوف يعطي لها الله أن توجد فيما بعد. بل إن هذه الأشياء غير الموجودة ، ينظر إليها في ضوء إيمانه، كأنها موجودة وكانها متحققة بالفعل.

وبالنسبة لوعد الله لإبراهيم أن يكون أبا لأمم كثيرة، فقد جاء في سفر التكوين اولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهـر الرب لابرام وقال له : أنا اللـه الـقـدير. سـر أمـامي وكن كـامـلا. فاجعل عهدي بيني وبينك وأكثرك كثيرا جدا . فسقط ابرام علي وجهه وتكلم الله معه قائلا : أما أنا فـهـوذا عـهـدي مـعك وتكون أبا لجـمـهـور مـن الأمم. فـلا يدعي ا أسـمـك بعـد ابرام بـل يكون اسـمـك ابراهيم، لأني أجعلك أبا لجـمهـور من الأمم وأثمرك كثيرا جدا واجعلك أمما وملوك منك يخرجون. وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهدا أبديا لأكـون إلها لك ولنسلك من بعدك. وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكا أبديا وأكون الههم.

وبالنسبة لقدرة الله أن يحيي الموتي، قال الرسول عن إيمان إبراهـيم «إذ حسب أن الله قادر علي الإقامة من الأموات.

وبالنسبة لقدرة الله أن يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة يقول الرب علي لسان اشعياء النبي (ريدي أسست الأرض ويميني نشرت السماوات، أنا أدعوهن فيقفن معا.

فهو علي خـلاف الرجاء أمن علي الرجاء لكي يصيـر أبا لأمم كثيرة، كما قيل هكذا يكون نسلك.

أعطي الله مـواعـيده لإبراهيم في الوقت لغ فيه من الـعـمـر مايجعله يفقد الرجاء في أن يكون له ابنا، ولكن برجائه في قوة الله أمن أنه سيصير أبا لأمم كثيرة وسيكون له نسل كعدد نـجـوم الـسـمـاء ورمال البحر في الكثرة. ويحكي سفر التكوين قصـة إيمان ابراهيم علي النحو التالي : قال ابرام أيها السيد الرب ماذا تعطيني وانا ماض عقيمـا … فإذا كلام الرب اليه قائلا … أنظر إلى السماء وعد النجـوم إن استطعت أن تعـدهـا، وقـال له هكذا يكون نسلك، فأمن ابراهيم فحسب له برا.

وإذ لم يكن ضعيفا في الإيمان لم يعتبر جسده وهو قد صار مماتا إذ كان ابن مائة سنة ولا مماتية مستودع سارة . لم يكن إبراهيم ضعيفاً في إيمانه، ولذلك لم بقس الأمور بما يتفق وحالته الطبيعية واستعداده الجسماني للإنجاب، لأنه كان قد بلغ نحو مائة سنة فـأصـبـح جـسـده عـاجـزا عن أن يكون له قـوة علي إنجاب النسل، وكذلك أيضـا لـم يدخل في إعتباره عدم قدرة سارة علي إنجاب نسل.

ولا بعـدم إيمان ارتاب في وعد الله بل تقـوي بالإيمان معطيـا مـجـدا لله.

لم يعتر ابراهيم أي شك في صدق الـوعـد الذي أعطي له من قبل الله، بل علي العكس قوي نفسه في الإيمان وأعطي المجد لله كما لو كان الوعد قد تحقق. الإيمان هنا ضد الارتياب، وضد الضعف. يقول الرسول بولس عن عمل الإيمان في تقوية الضعيف اتقووا من ضعفه  ويقول السيد المسيح عن الإيمان الذي لايمازجه أي شك أو ارتياب والحق أقول لكم أن كان لكم إيمان ولا تشكون فلا تفعلون أمر التينة فقط بل إن قلتم أيضـا لـهـذا الـجـبل انتقل وانطرح في البحـر فـيكون، وكل ماتتطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه.

وتيقن أن ماوعد به هو قادر أن يفعله أيضا. أقتنع ابراهيم تماما وأمن بكل ثقة أن هذا الذي وعد به الله من أنه سوف ينجب نسـلا علي الرغم مـن شـيـخـوخته، هو قادر علي أن ينفذه ويحققه.

لذلك أيضا حسب له برا، أي لأنه قد وثق بمثل هذه الثقة وهذا اليقين فقد حسب الله له هذا الإيمان برا.

ولكن لم يكتب من أجله وحده أنه حسب له، بل من أجلنا نحن أيضا الذين سيحسب لنا الذين نؤمن بمن أقام يسوع ربنا من الأموات .

مـاكـتب عن ابراهيم، لم يكتب فقط من أجل ابـراهـيـم بل أيضـا من أجلنا نحن، فكمـا حـسـب إيمان ابـراهـيـم برا هكذا أيضا سوف يحسب إيماننا برا، أي علي نحـو مـاتبـرر إبراهيم بالإيمان هكذا نـتـبـرر نحن بالإيمان. إن كتابات العهد القديم، يجب أن لا يكون لها بالنسبة لنا مـجـرد قيمة تاريخية. كتاب العهد القديم ليس مجرد كتاب تاريخي يتضمن قصة شعب الله في الزمن القديم، لكنه أيضاً كتاب تعليمي يتضمن أمثلة ونماذج لسير القديسين نحاول أن نتمثل ونسير في هديها. وقصة إبراهيم واحدة من هذه النماذج الـتـعـلـيـمـيـة. فنحـن نتعلم من قـصـة ابـراهـيـم أن الله برره بالإيمان، وقـد ظـهـر إيمانه في تصـديـقـه، بمواعيد الله. وعلي هذا النحو، فإن بـرنا يتحقق بالإيمان. ولكن مـاهـو هـذا الإيمان الذي يبررنا ؟

من الملاحظ في كلمات بولس الرسـول، أن مـوضـوع الإيمان الذي يشير إليه هنا ليس هو القيامة، بل عمل الله في إقامة المسيح من بين الأموات. ان الرسول بولس يضع مقارنة بين عمل الله في إنجاب اسحق وبين عمل الله في إقامة المسيح. ووجه المقارنة بين العملين واضح. ففي عمل الله الأول (إنجاب اسحق) كانت بداية التاريخ الخلاصي للبشرية، وفي عمل الله الثاني (إقـامـة المسيح) كان تحقق هذا الخلاص. كان إيمان إبراهيم يدور حول أمر سوف يحدث في المستقبل وأما إيماننا الآن فـهـو يدور حـول أمـر قـد تـحـقـق بالفعل. أمن ابراهيم بالمـوعـد أي كان إيمانه نوعا من الرجاء أما إيماننا، فكما قلنا، فهو إيمان بأمـر مـتحقق، أمن ابراهيم بالمسيح الذي سوف يأتي ونحن نؤمن بالمسيح الذي أتي. أمن ابراهيم بقـوة الله التي تنجب اسحق من ممانيـة مـسـتـودع سارة، ونحن مدعوون لأن نؤمن بهذه القوة عينها ولكن تمارس عملها لتحقيق عملا أسمي وأخطر وهو أقامة المسيح من الأمـوات، كان الإيمان بإقامة اسحق ( عب ۱۱ : ۱۹) مثالا وكانت إقامة المسيح حقيقة وواقعا. إن مـوضـوع إيماننا ليس فقط هو أن الله قادر علي أن يقيم مـن الأموات بل إن الله أقام فعلا المسيح من بين الأموات.

الذي أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا». يلخص الرسـول بـولس في هذه الآية سـر الخـلاص المرتبط بالمسيح يـسـوع، ويوضح السبب الذي من أجله جعل أسـاس التبرير، هو الإيمان بالمسيح المقام. أسلم المسيح (من اجل خطايانا)، وفي هذا يـقـول أشعياء النبي

“لكن أحزاننا حـمـلـهـا وأوجاعنا تحملهـا ونحن حسبناه مـصـابـا مـضـروبا من الله ومذلولا. وهو مجروح لأجل معاصينا مسحـوق لأجل أثامنا، تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا … والرب وضع عليه اثم جميعنا… من أجل أنه سكب للصوت نفسـه وأحصي مع أثمـة وهـو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين” ويقول الرسول بولس في رسالته إلي أفسس ،وأسلم نفسه لأجلنا قربانا وذبيـحـة لله». إن السيد المسيح إذن قدم نفسه ذبيحة من أجل تبريرنا وخلاصنا. لم يمت المسيح من أجل ذنب اقترفه هو، فهو لم يخطيء ولكن مات من أجل خطايا الشعب ليكون كفارة عن خطايانا ولكي يوفي مطالب العدل الإلهي. وفي قيامة المسيح تحققت أيضـا قـيـامـتنا الروحية لأننا تبررنا من خطايانا. المسيح قام لكي نؤمن ولكي يكون لنا بالإيمان بقيامته، التبرير.

علي أن قـيـامـة السيد المسيح تعني أن وساطته الكفـارية، قد قبلت وأن الآب قـد رضي عن ذبيحة الصليب، وأن دين الخطيئة قد دفع ومن ثم فقد حصلنا علي التبرير.

تفسير رومية 3 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد تفسير رومية 5

د/ موريس تاوضروس

تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى