تفسير رسالة رومية اصحاح 5 د/ موريس تاوضروس
تفسير رومية – الاصحاح الخامس
كفاية الإيمان للتبرير (رو5: 1-21)
سلام الابرار بالإيمان
«فاذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح» .
بواسطة الإيمان كما أشار الـرسـول سـابـقا – قد تبـررنا، وبواسطة هذا التبرير بالإيمان قد حصلنا علي السلام فالسلام هو ثمرة حياة التبرير بالإيمان به، ومعني ذلك أن هذا السلام لم يكن متحققا قبل تبريرنا بالإيمان، أما الآن فقد تحقق بواسطة الرب يسوع.
لقد أقامت الخطيئة إذن حاجز عداوة بين الإنسان وبين الله، فالخطيئة لم تبعدنا فقط عن الله ولكنها بالإضافة إلى ذلك انتزعت السلام الذي كان قائماً بيننا وبين الله وأحلت بدله العداوة. إن الله في قداسته وكماله لايمكن أن يدخل في علاقة سلام مع الإنسان المدان المذنب، أمـا وقد رفع الذنب وأبطلت الإدانه بواسطة التبرير، فقد أفسح المجال ليقوم السلام بين الخالق والمخلم ق. علي أن معني السلام لايقتصر فقط علي مجرد إزالة حاجز العداوة، ولكن بالإضافة إلى هذا فإن الله يرتبط بالإنسان بالمحبه القوية ويدخل الإنسان في علاقة إيجابية مع الله تعكس محبة الله له، ولذلك فإن ابراهيم إذ تبـرر بالإيمان فإنه دعي “خليل الله”، وخاطب السيد المسيح تلاميذه قائلا لهم “لا أعود أسميكم عبيدا لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده لكن قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي”. علي أن مـصـدر السلام هذا، كما أشار الرسول بولس هو الرب يسوع. يقول الرسول بولس في مواضع أخري من رسائله، مشيراً إلى السيد المسيح كمصدر للسلام “ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قـبـلا بـعـيـديـن صـرتم قريبين بدم المسيح لأنه سلامنا الذي جعل الاثنين واحدا ونقض حائط السياج المتوسط أي العداوة”، “وأنتم كنتم قبلاً اجنبيين وأعداء في الفكر في الأعـمـال الشريرة، قـد صـالحكم الآن في جسم بشـريتـه بالموت ليحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوي أمامه”.
“الذي به أيضا قـد صار لنا الدخـول بالإيمان إلي هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر علي رجاء مجد الله”.
لم يكن من الممكن أن يتحقق لنا السلام – كما أشرنا سابقا – الا بتدخل الرب يسوع كشفيع بين الله والإنسان. ولقد كان عمل المسيح الكفاري يقصد الي أن يقترب بنا الي الله بعد أن كنا بعيدين، فبالمسيح اصار لنا الدخول بالإيمان الي هذه النعمة، . لقد أخذنا بالمسيح إذن إمكانية الاقتراب الي الله.
إن عبارة “صار لـنا الدخول … ” تعني أننا لم نكن قد ولدنا في حالة النعمة ذلك لأننا كنا “بالطبيعة أبناء الغضب”. فالمسيح قادنا إلي حياة النعمة كما يقاد الأعمي الذي يعجز عن تبين معالم الطريق، أو كما يقاد الأعرج الذي يعجز عن السير في هذا الطريق. فالإيمان بالمسيح قادنا إلى حياة النعمة، وليس السلام الا قيامنا في حالة النعمة التي أبعدت عنا حالة العداوة .
علي أن السيد المسيح لايعطينا السلام فقط، ولكنه أيضا يحافظ عليه لكي يبقي ويستمر، ولكي لانعود مرة أخري نستمريء الشر فتعود حالة العداوة من جديد بين الله والإنسان. وبمعني آخر فإن السيد المسيح يعطينا القدرة علي أن انقيم، في حالة النعمة التي أدخلنا اليها، كما يقول الرسول “إلي هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون”. فالمسيح يحفظنا من السقوط ومن الغفلة ومن النكوص، ويهبنا القوة لكي نحتفظ بمواقعنا الروحية التي كسبناها وبإنتصارتنا التي حققناها، ومعني ذلك أن عمل المسيح لايقف ونعمته ليست لها نهاية، فنحن بالمسيح نحتفظ بحالة النعمة ونتقدم فيها بلا توقف ولاتردد. يقول الرسول في الرسالة الي أفسس “الذي به لنا جـراءة وقدوم بإيمانه عن ثقة” .
هذا الإنتقال – الذي حققه لنا السيد المسيح – من حالة العداوة الي حالة السلام، ومن حالة الغضب الي حالة النعمة، ينعكس علي مشاعرنا وينقلها من حالة الخوف والارتجاف الي حـالة الطمانينة والافتخار، فلن يدهـمـنا الـفـزع فيما بعد بل أصبحنا نفتخر بحالة السلام والنعمة التي نقيم فيها الآن. هذا فضلا عن أننا نفتخر أيضا بما ننتظره من المجد الذي سوف يمنحه الله للذين يحبونه في السماء، في حالة النعمة لانعود نخشي غضب الله بل علي العكس نفتخر منتظرين ومؤملين أن نحصل علي مجد الله، هذا المجد الذي يهبه الله للقديسين والذي يتمثل في رؤية الله والتمتع بحضرته.
“وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضـا في الـضـيـقـات عـالمين أن الضيق ينشيء صبرا”.
إن السلام الذي يحصل عليه المؤمن لايتعارض معه ولا يقلل من قيمته مانتعرض له من الضيقات “بل نفتخر أيضا في الضيقات”. الآلام والضيقات سمات أساسية من سمات المسيحي ا وهب لكم لا أن تؤمنوا فقط بل أن تتألموا، ولذلك فالمؤمن يتقبل الضيقات برضي دون أن يكون لهذه الضيقات أي اثر سيء علي المؤمـن وعلي ثباته وعلي تمسكه بإيمانه. يقول الرسول بولس “من سيفصلنا عن محبة المسيح، أشـدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف، كما هـو مـكتـوب، أننا من أجلك نمات. كل النهار، قـد حسـبنا مثل غنم للذبح، ولكننا في هذه جميعها يعظم إنتـصـارنا بالذي أحبناه” ويقول أيضـا الـرسـول بولس “إلي هذه الساعة نجـوع ونعطش ونعري ونلكم وليس لنا إقامة، ونتعب عاملين بأيدينا، نشـتـم فـنـبـارك، نضطهد فنحتمل، يفتري علينا فنعظ ، صرنا كـأقـذار الـعـالـم ووسخ كلي شيء إلي الآن”، ويتـحـدث الرسـول بولس باسهاب عن ضيقات المؤمن في رسالته الي كورنثوس مشيرا في نفس الوقت الي التعزيات الإلهية التي يمنحها الرب اله كل تعزية، والذي يعزينا في : كل ضيقاتنا حتي نستطيع أن نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزي بها نحن من الله، لأنه كما تكثر الام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعـزيتنا أيضا. فإن كنا نتضايق فلأجل تعزيتكم وخلاصكم العامل في احتمال نفس الألام التي نتألم بها نحن أيضا … عالمين أنكم كما انتم شركاء في الآلام كذلك في التعزية أيضا، فإننا لانريد أن تجهـلـوا أيها الأخوة من جهة ضيقتنا التي أصابتنا في آسيا أننا تثقلنا جدا فـوق الطاقة حتي ايسنا من الحياة أيضا…» ويشير الرسول في نفس الرسالة الي الضيقات التي واجهها بشخصه وعاناها بنفسه فيقول “في الأتعاب أكثر، في الضربات أوفر، في السجون أكثر، في الميتات مراراً كثيرة ..”.
والضـيـقـات مـجـال لتدريب المؤمن علي الصبر، فهي شيئا فشيئا، تنشيء في المؤمن – كملكة ثابتة فيه – فضيلة الصبر والاحـتـمـال. والصـبـر ليس فضيلة سلبية أي ليس هو مجرد احـتـمـال الشدائد التي تصادف المؤمن، بل هو فضيلة إيجابية أي هـو جـهـاد فـريـد لمقاومة الشـر والصـراع ضد الخطية. قال الرسول بولس في رسالته الي العبرانيين ،ولنحـاضـر بالـصـبـر في الجهاد الموضوع أمامنا، ناظرين الي رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب … فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم . لم تقاوموا بعد حتي الدم مجاهدين ضد الخطية».
“والصبر تزكية والتزكية رجاء“. من منافع الصـبر الروحـيـة أنه ينشيء تزكية.
ولكن ما المقصود بكلمة تزكية ؟ إن الكلمة اليونانية المقابلة dokimy وهي تعني الاختيار، أو “البرهان المبني علي الاختبار” كما في الرسالة الثانية الي كورنثوس حيث يقول “إنه في إختبار ضيقة شديدة فـاض وفور فرحـهـم وفـقـرهـم الـعـمـيـق لـغـنـي سـخـائـهـم” ، ومعني ذلك أن كلمة تزكية تشير إلى الحالة أو الاستعداد و الميل المتـولـد عـمـا قـد اخـتـبـر واسـتـحـسـن، فهي الخلق المستحسن أو الذي هو ثمرة الاستحسان والإستصواب والإرتضـاء والموافقة كما يقول الرسول بولس في رسالته الثانيه الي كورنثوس الأني لهذا كتبت لكي أعرف تزكيتكم هل أنتم طائعون في كل شيء» واستعملت الكلمة أيضا بمعني البرهان أو السند أو الدليل أو البيئة أو الإثبات أو الشاهد، كما في نفس الرسالة السابقة حيث يقول الرسول إذ أنتم تطلبون برهان المسيح المتكلم في “أي برهانا علي أن المسيح ينطق بلساني”.
وفي نفس هذه المعاني السابقة استعمل الفعل (dokimazw) علي النحو التالي :
بمعني يبرهن بالاختبار، يختبر، يمتحن، يفحص
لكي تكـون ليـة إيمانكم (أي لـيـمـتـحـن إيمانكم) وهي أثمـن من الذهب الفاني مع أنه يمتحن بالنار، توجـد للمدح والكرامة والمجـد (أي يكون هذا الإيمان المزكي أهلا للمجد والكرامة) عند استعلان يسوع المسيح.
“وأما هذا الزمان فكيف لاتميزون”.
“إني اشتريت خمسة أزواج بقر وأنا ماض لأمتحنها”.
“تغيروا عن شكلكم … لتختبروا ماهي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة”.
“اختبروا وأبصروا أعمالي أربعين سنة”.
وتأتي بمعني يسـتـحـسـن بعد الاختبار والفحص أي يحكم بالاستـحـسـان والاسـتـحـقـاق أو يختار :
“طوبي لمن لايدين نفسه في مايستحسنه”.
“ومتي حضرت فالذين تستحسنوهـم أرسلهم برسائل … “.
“وارسلنا معهما أخانا الذي اختبرنا مرارا في أمور كثيرة أنه مجتهد”
وكذلك تأتي بمعني، يقرر بعد الفحص، أو يميز أو يدرك
وخلاصة هذا أن الصبر يزكي المؤمن بما يولد فيه من خلق فاضل مبني علي الاستحسان والاستصواب ومستند إلى الدليل والبرهان.
ثم يشير الرسول الي تسلسل الفضائل المترتبة علي الضيقات، فيقول “والتزكية رجاء” بمعني ان التزكية تؤكد لنا الرجاء أو أن رجاءنا في الله يتأكد أكثر ويثبت. والرجـاء لايخـزي لأن مـحـبـة اللـه قـد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لناه . هذا الرجـاء المتـولـد عن التـزكـيـة، لايخزي اي لايفشـل ولايخيب، ذلك لأننا لانضع رجاءن في إنسان يمكن أن يخدعنا بل نضعه في الله، ولقـد تحقق لنا فعلا صـدق رجائنا وذلك بما حصلنا عليه من علامات علي محبة الله لنا، ومن هذه العلامات أنه سكب مواهب الروح القدس في قلوبنا كعربون لرجائنا الأبدي، كما تشير أيضا الآيات التالية :
“بهذا نعرف أننا نثبت فيه وهو فينا أنه قد أعطأنا من روحه”.
“بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سـكـبـه بغني علينا بيسوع المسيح مخلصنا”.
محبة الله الذي هـو مـوضـوع رجائنا قد أعطيت لنا أو انسكبت في قلوبنا بالروح القدس.
وكلمة «يسكب (ekchew) في معانيها المختلفة، تعني يصب (أنظر رو 16: 1 ، 2 ، 3) و يسفك (مـت 26: 28) و يندلق، (أع 1: 18) و یراق (مت 9: 17) كـمـا وردت بمعني . يستسام لشيء ما (يه ١١ ) وبالنسبة للروح القدس استعملت بمعني يفيض علي النحو التالي
“قال الله سيكون في الأيام الأخيرة فيض من روحي أفيضه علي الناس اجمعين … وعلي عبيدي وإمائي أفيض من روحي، (أع 2: 17، 18)
“فيسوع هذا قد أقامه الله … فلما رفعه الله بيمينه الي السماء، نال من الآب الروح القدس الموعود به فـافـاضـه، وهذا هو الذي تـرون وتسـمـعـون» (أع 2: 33، 34). الروح القدس (كالماء) ينسكب علي المؤمنين (تي 3: 6).
وفي الإنجيل للقديس يوحنا، يشبه الروح القدس بـ “الماء الحي”
” من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهـار مـاء حي، قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه لأن الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد” (يو 7: 38) ونفس هذا التشبيه نجده في الرسالة الأولي إلي كورنثوس، حيث يقول الرسول بولس “وجـمـيعـنا سـقـينـا روحـا واحدا” (1کو 12: 13). فـالـروح الـقـدس يدعي ، بالماء الحي، كعلة للحياة الروحية التي تنبع منه في صورة الماء الحي. والروح القدس يغسل النفـوس من نجاساتها ويعطيها أن تثمر بالأعمال الصالحة.
“وبالروح القدس المعطي لنا” : إن منحة الروح القدس من قبل الله للمؤمنين تعتبرمن أعظم المواعيد الخاصة بالعهد الجديد، وقد سبق أن تنبأ عن ذلك ملاخي النبي، وإلي هذا أشار سفر الأعمال وهو يتحدث عن حلول الروح القدس علي التلاميذ في يوم الخمسين (أع 2: 16-19).
“لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المعين لأجل الفجار” . الواقع أن محبة الله لنا هـي مـحـبة فريدة لاتقاس لأنه علي الرغم من أننا كنا ضعفاء روحيـا ولـم نستطع أن نعـمـل مـاهـو صـالح ولم نستطع أيضا أن نخلص ذواتنا من غضب الله، فإن السيد المسيح في الوقت المناسب الذي تعين من قبل الله، مـات لكي يخلصنا نحن غير الصالحين ويرفع عنا نيـر الخطيئة وعقابها.
” فإنه بالجهـد يموت أحد لأجل بار ، ربما لأجل الصالح يجسر أحد أيضا أن يموت ولكن الله بين محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطأة مات المسيح لأجلنا” . ليس من السهل أن يموت أحـد من أجل إنسـان غـيـر صـالح لأنه بالـجـهـد يمكن أن يموت أحـد من أجل إنسان صالح، أي أن مايظهـر محبة الله العميقة لنا هو أن المسيح مات من أجلنا ونحن بعد خطاة. بل إن البـشـرية – في الوقت الذي مـات فـيه المسيح من أجلها – لم تمثل فقط حالة الخطيئة بل حملت روح العداوة ضد الله.
“فبالأولي كثيراً ونحن مـتـبـررون الآن بدمه نخلص به من الغضب“. نحن الآن في وضع أفضل مما كنا عليه سابقاً، فقد صرنا متبررين بدم المسيح المسفوك علي الصليب، ولذلك فبالأولي وبالأكثر تنتظر أن نخلص من الغضب المقبل، يقول الرسول بولس. في رسالته الأولي الي تسالونيكي … وكيف رجعتم إلي الله من الأوثان لتعبدوا الله الحي الحقيقي وتنتظروا ابنه من السـمـاء الذي أقـامـه مـن الأمـوات يسوع الذي ينقذنا من الغضب الآتي، ولأن الله لم يجعلنا للغضب بل لإقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح.
“لأنه وإن كنا ونحن أعـداء قد صـولحنا مع الله بموت ابنه فبالأولي ونحن مصالحون نخلص بحياته“، إذا كنا ونحن بعد أعـداء، قد تم الصلح بيننا وبين الله واقتربنا إليه وزالت العداوة بموت ابنه، فإنه بالأولي – – ونحن علي هذا الحال من السلام والصلح مع الله، بالأولي أن نخلص بالمسيح. وإذا كنا قد خلصنا – ونحن في حالة العداوة – بموته، فإننا نخلص الآن – في حالة السلام والصلح بحياته، أي لم يعد هناك من حاجة لأن يموت المسيح مرة أخري ، بل هو يحيي في المجـد وفـي الـسـمـاء يشفع فينا. يقول الرسول بولس في رسـالـتـه الـثـانيـه الـي كورنثوس والله الذي صالحنا لنفسه بيسوع واعطانا خدمة المصالحة، أي أن الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهـم واضـعـا فـينا كلمة المصالحة. ويقول في رسالته الي كولوسي “لأن فيه سر أن يحل كل الملء وأن يصالح به الكل لنفسه عاملا الصلح بدم صليبه بواسطته، سواء كان مـا علي الأرض أم ما في السماوات، وأنتم الذين كنتم قبلا أجنبيين وأعـداء في الفكر في الأعـمـال الـشـريـرة قـد صـالحـكـم الآن في جـسـم بـشـريتـه بالموت لـيـحـضـركـم قديسين وبلا لوم ولا شكوي أمامه”.
ومعني ذلك أن مالم تستطع أن تحققه ذبائح العهد القديم، حققته ذبيحة المسيح التي قبلت برضي من الله كفارة عن خطايا البشـر افـمـن ثم يقدر أن يخلص أيضاً إلي التمام الذين يتقـدمـون إلي الله إذ هو حي في كل حين ليشـفع فيهم، لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولادنس قد انفصل عن الخطاة وصـار أعلي من السموات، الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدم ذبائح أولاً عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب لأنه فعل هذا مرة واحدة إذ قدم نفسه».
“وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضا بالله بربنا يسوع المسيح الذي نلنا به الآن المصالحة“. إننا لم نحصل فقط علي الخلاص، بل نفتخر أيضا بما سوف نحصل عليه من مجد، أي أننا لا نأتي فقط الي السماء بل أيضا سوف نكلل بأكاليل المجد والغلبة. نحن لانفتخر بأنفسنا أمام الله بل نفتخر برحمة الله ومحبته. علي أن السيد المسيح هو علة افتخارنا لأن به قد تحقق لنا الصلح مع الله وبدونه لم يكن من الممكن أن يتم لنا الخلاص.
الموت في آدم والخلاص في المسيح رو5: 12-21
“من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلي العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت الي جـمـيـع الناس إذ أخطأ الجميع” . يشـيـر الـرسـول بولس الي آدم “بإنسان واحد” الذي أخطأ، وبواسطته “دخلت” الخطيئة الي الجنس البشري كله، وحملت الخطية معها الموت، وهكذا “اجتاز” الموت الي جميع الناس، وذلك لأنه في شخص آدم، أخطأ جميع احفاده. ويرد الرسول بولس الخطيئة الي آدم وليس الي حواء وذلك لأن آدم هو الذي أخذ الوصية فهو رأس ليس لجنسه فقط ولكنه أيضا رأس لـحـواء ، والرسول بولس يشخص الخطيئة أي يتحدث عنها كشخص وهي كمن فتحت باب العالم ودخلت إليه. إن الله لم يخلق الخطيئة، فعندما إنتهي الله من خلقه العالم قيل “ورأي الله كل ماعمله فإذا هو حسن جدا”. لم تكن الخطيئة موجودة في العالم. إن الخطيئة دخلت إلى العالم عندما خالف آدم أمر الرب وأكل من ثمر الشجرة الممنوع. وإذ صار آدم بالخطيئة، إنسان خـاطيء ومائت، فقد ورث الجنس البشري هاتين الصفتين وخضع البشر لحكم الخطيئة والموت.
هناك قـانـون عـام تأخـذ بـه جميع الدول : إن الأعمال التي تصـدر عن شخص له صـفـة العمومية، تحسب أيضا علي هؤلاء الذين يمثلهم أو ينوب عنهم. فالجميع يعملون في شخص من يمثلهـم، وهكذا الأمر بالنسبة لأدم. إن آدم اخطا كـمـمـثـل ونائب عن البـشـرية كلهـا، لأنه كان بالضرورة أن تتناسل البشرية من آدم، وعلي ذلك فإن الحكم علي آدم بالخطأ والموت يشترك فيه جميع البشر، لأن جميع البشر يعملون في شخص من يمثلهم. في خطيئة آدم إذن تلوثت الطبيعة البشرية باكملها، ويحمل كل بشـر بالطبيعة خطيئة آدم رأس البشرية وهـذا ما تؤكده الآيات التالية :
“ورأي الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض وان كل تصور أفكار قلبه إنماهـو شرير كل يوم” (تك 6: 5).
“وقال الرب في قلبه لا أعـود العن الأرض أيضا من أجل الإنسان لأن تصور قلب الإنسـان شرير منذ حداثته» (تك 8: 21).
“لأنه ليس إنسان لايخطيء” (1مل8: 46).
“ليس من يعمل صـلاحاً. الرب من السماء أشـرف علي بني البـشـر لينظر هل من فـاهـم طالب الله. الكل قد زاغوا معا فسدوا. ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد” (مز 14: 1 – 3).
“ولا تدخل في المحاكمة مع عبدك فإنه لن يتبرر قدامك حي” (مز 143: 2).
“بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين الهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتي لايسمع لأن أيديكم قد تنجست بالدم وأصابعكم بالإثم، شفاهكم تكلمت بالكذب ولسانكم يلهج بالشر” (إش 59: 3، 4).
” من يقول إني زكيت قلبي تطهرت من خطيتي” (أم 20: 9).
“لأنه لا إنسان صديق في الأرض يعمل صلاحا ولايخطيء” (جا 7: 20).
“لكن الكتاب أغلـق علي الكل تحت الخطية ليعطي الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون» (غلا 3: 22)
“كما هـو مـكتـوب أنه ليس بار ولا واحد، ليس من يفهم، ليس من يطلب الله، الجميع زاغوا وفسدوا معا، ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد …” (رو 3: 10)
“إن قلنا إنه ليس لنا خطيئة نضل أنفسنا وليس الحق فينا” (1يو 1: 8).
“من يخرج الطاهر من النجس لا أحد..” (أي 14: 4).
“هانذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي” (مز 51: 5).
” الحق الحق أقـول لـك إن كـان أحـد لا يولد من الماء والروح لايـقـدر أن يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هـو والمولود من الروح هو روح” (يو 3: 5 – 6).
“الذين نحن أيضا جميعا تصرفنا قبلا بينهم في شهـوات جسدنا عاملين مشيئات الجسد والأفكار وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضا” (أف 2: 3).
ويحمل النص اليوناني تفرقه بين الفعل دخل (eisylthe) وبين الفعل إجـتاز (diylthen) فالفعل “دخل”، يشير إلي مـوت الخطية عندما لحق بالإنسان للمرة الأولي والفعل “اجتاز”، يشير إلي هذا الموت عندما لم يصبح موتا للمرة الأولي فقط بل انتقل الي جميع أحفاد أدم كمرض يدخل لأول مرة المدينة ثم ينتشر ليمتد الي جميع سكان المدينة.
وفي نص الآيه يقـول الـرسـول :إذ أخطأ الجميع، (eph,w) اي ان الموت لحق بالجميع لأن جميع الـبـشـر قـد أخطأوا. في شخص آدم الخاطيء، أخطأ الجميع ، كما أن الجميع ماتوا في موت المسيح لخلاصهم.
يقول القمص ميخائيل مينا في كتابه “علم اللاهوت”، المجلد الأول :
إن آدم لم يطع الـوصـيـة بل انـخـدع من الشيطان وأكل من الشـجـرة المنهي عنهـا سـاخـراً بالأوامر الإلهيه، وبذلك جلب الموت علي نفسه وعلي سائر ذريته المتناسلين منه لأنهم كانوا في صلبه وكان هو نائبا عنهم فـألت الخطيئة إليهم بحق الوراثة عنه. واتلادنا فيه خطاة وشركاء في إثمه، فذلك لا لأن كل واحد منا فعل هذه الخطيئة بإرداته الذاتيه بل لكون ذلك الجـد فعلها بإرادته وحده. والله أقـام آدم شخصا عاما حاويا إرادة البشر كلهم في إرادته، نعم، إننا لم نكن حينئذ في الـوجـود ولكن كنا فيه من حيث إنه مقام بأمر الله رئيسا علينا ووكيلاً لنا. ولا عجب إن كنا نري الخالق يعلق جميع إرادة البشر إرادة أبيهم الذي أقامة وليا عليهم لكي يكون كلما اراده هو أرادوه هم انفسهم. ولا محل لاعتراض البعض ببطلان نيابة ادم عن ذريته الذين لم يختاروه نائباً عنهم لأنه كما أن الوصي يقام بدون إختيار الموصي عليه والوالد له أن يختار وصياً لولده، كذلك يحق لله أن يختار نائبا عن أولاد لبشر. ومن الحقق انه لم يكن سبيل للاستغفار عن هذه الخطية من قبل الخليقة مطلقا حيت إن هذه الخطية حصلت علي شر غير متتاه يإضافتها إلي الله. المصنوعة في حق جلاله الغير المتناهي. ومن ثم اصبح غير ممكن
للخليقة كلها، الناس والملائكة معا أن يكفروا عن هذه الجريمة لأن افعالهم متناهية بنسبة طبيعتهم، وأما الخطية ففعل غير متناه بنسبة طبيعة الله ولذلك دبرت الحكمة الإلهيه واسطة عجيبة بها يخلص الإنسان ويستوفي العدل الالهي حقه، وهي ترقية طبيعة الإنسان الي حال فائقة ورتبة إلهية باشتراكها مع طبيعة الله نفسه حتي يتسني لها أن تكفر عن تلك المعصية وتفي العدل الإلهي حقه لأن فعلها حينئذ يكون صادرا من مساو لمساو. ولا سبيل للحصول علي تلك الغاية إلا بواسطة تجسد ابن لله وتأله طبيعته البشرية، وبغير هذه الواسطة لأ يمكن أن تتم المصلحة مع الله والناس، لأنه من ذا الذي يستطيع ان يتوسط يين الله والناس إلا من كان ذا شرف مساو لله نفسه.
وسنعود بمشيئة الله في دراستنا اللأهوتيه للعهد الجديد لنتحدث بتفصيل اكثر عن
االخطية الأصلية.
«فإنه حتي الناموس كانت الخطية في العالم علي أن الخطية لم تحسب إن لم يكن نأموس». ويقيم الرسول الدليل علي أن الخطيئة اجتازت إلي جميع الجنس البشري منذ عهد أدم، ذلك أن البشر جميعهم يخضعون لحكم الموت الذي هو عقاب الخطيئة. فالخطيئة لم توجد فقط منذ عهد الناموس الموسوي ولكنها قبل ذلك منذ عهد أدم “كانت الخطية في العالم”. قبل أن يعطي الرب الناموس الموسوي وجدت الخطية لأنه قد وجد الموت. علي ان الخطية لاتحسب ولا يحكم عليها طالما لايوجد الناموس الذي قي مخالقته وتعدياته وعصيان أوامره تتمثل الخطيئة. أي ان الخطيئة لآتحسب تعد أو مخالقة او نقض إو نكث أو تخط او خرق إذا لم يوجد الناموس الذي هو مقياس لهذا التعدي وحكم عليه.
“لكن قد ملك الموت من ادم إلي موسي وذلك علي الذين لم يخطئوا علي شبه
تعدي أدم الذي هو مثال الآتي». هناك ادلة كثيرة تثبت ان الخطيئة وجدت في العالم منذ عهد آدم، ومن هذه الأدلة ما ارتكبه قايين من جرم ضد اخيه هابيل وماكانت عليه سدوم وعمورة. وما كانت عليه البشرية جمعاء في ايام نوح. علي أن اهم الأدلة التي يذكرها الرسول مولس هو “الموت” الذي اجتاز البشرية وخضع له الجميع بلا استثناء، وان كان أحفاد أدم لم يخطئوا علي نفس الصورة التي اخطا بها آدم والتي تمثلت في عصيانه لأمر الله بأن لاياكل من شجرة معرفة الخير
والشر. وآدم هذا هو مثال لآدم الثاني الذي هو المسيح الذي يجى، بعد آدم الأول .
“ولكن ليس كالخطـية هكذا أيضا الهبة، لأنه إن كان بخطيـة واحد مات الكثيرون فبـالأولـي كـثـيـرا نـعـمـة الله والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين“.
إن الأضرار التي أنتجتها خطيئة آدم لم تبلغ إلي هذه الدرجة التي انتفعنا فيها بنعمة المسيح. إن الخطيئة لا تقاس بالنسبة إلي النعمة التي أعطيت لنا من قبل الله أو بالهبة التي وهبت لنا بواسطة الإنسان الواحد يسوع المسيح. ذلك لأن تيار النعمة وتيار التبرير هـو أعمق وأوسع من تيار الدينونة، لأن تيار النعمة لايخلصنا فقط من خطيئة واحدة أو مما نتج عن خـطـيـئـة إنسـان واحـد (اي خطيئة آدم) بل من جـمـيع الخطايا ومن جـمـيـع أوجه العصيان الأخري. فالغفران يشمل جميع الخطايا التي يمكن أن تتعرض لها البشرية. فلم يحدث إذن بالنسبة للنعمة أو الهبة ما حدث بالنسبة لخطية الإنسان الـواحـد آدم، لأن القرار بالإدانة الذي به تم الحكم علي معصية آدم، قد صار بواسطة خطية واحدة ومعصية واحدة، حكما علي الناس جمبعهم، أما عمل المسيح وعمل الله الذي يتمثل في قضية الفداء، فقد امتد نفعه لغفران خطايا البشر الكثيرة والعديدة، أي أن ميزة العطية أو النعمة أنها قد أعطيت لغفران خطايا جميع أفراد الجنس البشري فضلا عن غفران جميع أنواع الخطايا، ولهذا يقول الرسول بولس في رسالته الي كولوسي ؛ وإذ كنتم أموانا في الخطايا وغلف جسدكم، أحياكـم مـعه مسامحا لكم بجميع الخطايا . إن عمل الخلاص إذن أقوي بكثير من عمل الهلاك الذي نتج عن الخطيئة. كان علي المسيح أن يكسر شوكة الموت ويحطم سلطان الخطية «اين شوكتك ياموت اين غلبتك ياهاوية»، إن خطيئة أدم الـواحـدة أنتجت عدة خطايا لعدد لا يحصي من الأفراد، ولذلك فإن قـوة الـخـلاص في المسيح يسوع احتاجت لا أن تكون معادلة لقوة الخطية في آدم بل أن تكون أقوي وأكثر شدة وأبعد مدي.
هناك بعض كلمات وردت في هذه الآية تحتاج إلي شرح موسع، وهي :
الخطية paraptwma الهبة (charisma)
النعمة charis العطية (dwrea)
الخطية : يقصد بها على الأخص تصرف خاطيء، ويمكن في هذا الاعتبار أن تكون مرادفة للكلمة parabasis ( مخالفة، نقض . نكث . تخبط . تعد . خرق) وتؤدي معني الخطية hamartia كمخالفة أو ابطال لوصية معينة يتبعه إدانة، علي أنه يمكن التمييز بينها وبين كلمة hamartia من حيث أن كلمة hamartia تشير الي النية أو الطوية الخاطئة بينما تشير كلمة paraptwma الي عمل معين خاطيء.
الهبة charisma وتعني :
1- الهبة المجانية (رو 5: 15 ، 16 ، 6 : 23 ، 2کو 1: 11)
2- النفع أو الفائدة (رو 1: 11).
3- المواهب أو المنح والانعامات الالهية (1كو 12: 4، 9، 18)
النعمة charis تعنى :
1- فضل أو أمر مستحق للشکر (1بط 2: 19)
2 – أمر مستحسن (1بط 2: 20)
3 – سماوي. رباني ( لو 4: 22)
4- نفع. فائدة (2کو 1: 15 ، أف 4: 29)
5 – الهبة الكريمة. الاحسان. عمل المحبة (1كو 16: 3 ، 2کو 8: 4 ،6).
6 – منة (أع 25: 3)
7- قبول . رضا (لو 1: 30).
8- هبة مجانية (يو 1: 14، 16، 17، رو 4: 4 ، أف 2: 5 ، 1 بط 3: 7)
9- هبة مجانية وعلي الأخص مقدمة من قبل الله إلي الإنسان (أع 15: 11)
العطية (dwrea) تعنى : هبة مجانية (غلا 2: 21) بلاسبب (يو 15: 25).
“وليس كما بواحد قد أخطأ هكذا العطية، لأن الحكم من واحد للدينونة، وأما الهبة فمن جري خطايا كثيرة للتبريره”.
قيل عن أدم : بخطية واحد، وقيل عن المسيح : ببر واحد
قيل عن آدم : بمعصية الإنسان الواحد، وقيل عن المسيح، بإطاعة الواحد.
قيل عن آدم : لأن الحكم من واحـد للدينونة، وقيل عن المسيح : فمـن جـري خطايا كثيرة للتبرير (أي أن المسيح يبررنا لا من خطية آدم بل من جميع الخطايا الأخري) فالرسول بولس يضع مقارنة بين النتائج المترتبة علي خـطـيـئـة آدم، وبين النتائج المترتبة علي عمل المسـيح الخلاصي.
ويواصل الرسول بولس الحديث عن امتيازات النعمة والتي تفـوق الأضرار التي نتجت عن الخطيئة فيقول :
“لأنه إن كان بخطية الـواحـد قـد ملك الموت بالـواحـد، فبالأولي كـثـيـرا الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح”.
بالإضافة إلي ملك الموت، يشير الرسول هنا إلي ملك الأبرار بالمسيح يسوع، وفي العدد 21 من نفس الاصحاح، يشير الرسول الي ملك الخطية، وإلي ملك النعمة.
أما ملك الخطيئة فإنه يؤدي إلى الموت، ويسود ملك الموت بواسطة الخطيئة . ومن خلال ملك الخطيئة وملك الموت، يملك الشيطان.
لكن ملك المسيح يهزم ملك الشيطان ويقضي عليه فيملك الأبرار بالمسيح يسوع.
إن الرسول بولس يؤكد في هذا المجال النتائج العظيمة والمتسعة المترتبة علي التبرير، فإذا كان بسقوط الواحد أي بسقوط آدم ساد الموت بواسطة هذا الإنسان الواحد، فبالأولي كثيرا، هؤلاء الذين يأخذون بركات النعمة والتبرير الذي أعطي لنا كعطية ومنحة هؤلاء سيملكون حياة سمائية جديدة بواسطة ربنا يسوع المسيح. في خطية آدم أخطا كل البشر، وفي النعمة و وهـب الخلاص لكل البشر من جميع الخطايا وليس من خطيئة آدم فقط. إن الآثار التي ترتبت علي النعمة فاقت بكثير الآثار التي ترتبت علي خطيئة آدم. في بر المسيح ، وفي التبرير بواسطة المسيح، لم نحصل فقط علي الـغـفـران من الخطايا، بل صرنا إلي وضع أفضل مما كنا عـلـيـه سـابقـا، يشـبـه مـاحـدث مع يوسف، فإنه لم يتحرر فقط من قيود السجن، ولكنه صار إلي مركز أسمي وأفضل بكثير مما كان عليه سابقاً، قال فرعون ليوسف «أنظر، قد جعلتك علي كل أرض مصر. وخلع فرعون خاتمه من يده وجعله في يد يوسف وألبسه ثياب بوص ووضع طوق ذهب في عنقه وأركبه في مركبته الثانية رنادرا أمـامـه إركـعـوا، وجعله علي كل أرض مـصـر …. (تك 41: 41- 44)، وهكذا أيـضـا نـحـن بالمسيح صرنا ملوكا وكهنة. فما فقدناه بخطيئة آدم لايعادل ماكسبناه ببر المسيح وعطية النعمة.
“فإذن كما بخطية واحـد صـار الحكم الي جميع الناس للدينونة، هكذا ببـر واحد صارت الهبـة الي جميع الناس لتبرير الحياة”. أي كـمـا بخطيئة آدم الوراثيـة قـد تعرض الجنس البشري للدينونة، فإنه كذلك، بواسطة حياة بارة وحيدة تمثلت في شخص المسيح الذي يهب التبرير، قد صار للناس أن يتمتعوا بحالة البر التي تثمر الحياة أي تخلصنا من الموت. يقول الرسول بولس في رسالته الأولي إلي كورنثوس «فإنه إذ الموت بإنسان، بإنسان أيضـا قـيامة الأموات، لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيـحيـا الجميع، (1کو 15: 21، 22) ويقول السيد المسيح في الإنجيل للقديس يوحنا الآن دينونة هذا العالم، الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا، وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلي الجميع، (يو 12: 32) ويقول الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيين ، ولكن الذي وضع قليلا عن الملائكة يسوع نراه مكللا بالمجد والكرامة من أجل ألم الموت لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحده (عب 2: 9).
إن عبارة التبرير الحياة، تعني البر الذي يهب الحياة الروحية بواسطة نعمة الروح القدس، علي أن هذه الحياة تتضمن أيضا قيامة الأجسـاد من الموت في المستقبل، التي هي تتويج وتكميل للحياة الروحية في هذا العالم.
“لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضا بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبرارا“، أي ، تماما، كما أنه بمعصية آدم صار جميع أحفاده خطاة مذنبين، علي هذا النحو أيضا، بواسطة الطاعة التي أظهـرهـا الـواحـد يسوع المسيح والتي تمثلت في إقدامه علي الصليب والموت (وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتي الموت موت الصليب في 2: 8)، بهذه الطاعة يتبرر الذين يؤمنون. يقول أشعياء النبي “وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا” (إش 53: 11).
ويلاحظ أن الفعل “جعل” هو باليونانية katesty وهو في زمن الماضي المبني للمجهول من الفعل المضارع (kathistymi) ولذلك يترجم في اللغة اليونانية الحديثة eginanz anartwloi أي صاروا خطاة، وفي اللغة الإنجليزية (were made (Sinners وفي اللغة الفرنسية ont été rendus pecheurs معني هذا أن الجـمـيـع صـاروا بـخـطيـئـة آدم، خطاة بالطبيعة، أو ورثوا طبيعة خاطئة، بينما عندما تحدث الرسول بولس عن التبرير، لم يستعمل الفعل في زمن الماضي المبني للمجهول كما استعمله في حالة خطيئة آدم، ولكن استعمل الفعل في زمن المستقبل المبني للمجهول وسيجعل، أي سوف يصيرون أبراراً أو سـوف ياخذون البر . وفي اللغة الأنجليزية shall be made righteous ، وفي اللغة الفرنسية Seront rendus Justes ومعني ذلك أن الذين يؤمنون بالمسيح هم الذين ينالون البر.
“وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية، ولكن حيث كثرت الخطيئة ازدادت النعمة جـدا” . كان لابد هنا أن يثار هذا التساؤل : إذا كان قد وضع للناس أن يتبرروا بواسطة يسوع، فماذا كان إذن وجه الحاجة إلي الناموس ؟ ويبين الرسول بولس أن الناموس قـد جـاء الي وقت محدود، وبمجيئه قـد كثرت الخطيئة التي نتجت عن سقوط آدم. ولقد أكثر الناس الخطيئة لأن الناس عصوا الناموس وخالفوا وصاياه. علي أنه حيث كثرت الخطيئة، أعطيت النعمة بصورة متزايدة وتفاضلت نعمة ربنا جدا، (1تي 1: 14).
إن الناموس لم يعط الا لوقت محـدود ولكي يمهد لعهد النعمة، ذلك لأن الناموس لم يكن غاية في نفسه بل كان المسيح هو “غاية الـنـامـوس” . والخطأ الذي ارتكبه اليهود، هو أنهم اعتقدوا أن الناموس قـادر أن يهب الخـلاص والتبرير ولذلك رفـضـوا الـشـريـعـة المسـيحية. علي أن النامـوس الموسوي لم يعط الا لكي بعد القلوب لقبول الإيمان بالمسيح. وإذا كان الناموس الموسوي قد ارتبط بظاهرة «تكاثر الخطيئة، فليس معني ذلك أن الناسوس هو علة الخطيئة أو هو السبب في تكاثر الخطيئة، بل بمعني أن النامـوس كـان أشبه بالمرأة التي كـشـفت خطايا البـشـر وأظهرتها، لأن «الخطيئة لاتحسب ان لم يكن ناموس، فالناموس أكثر الخطيئة بمعني أنه أظهر كثرة الخطايا التي يقترفها البشر. يقـول السيد المسيح : «لو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهـم خطية، وأما الآن فليس لهـم عـذر في خطيئـتـهم، (يو 15: 22) ويقول الرسول بولس ولأنه بالنأمـوس مـعـرفة الخطية» (رو 3: 20) «لأن الناموس ينشئ غضبا إذ حيث ليس ناموس ليس أيضا تعد ، (رو 4: 15) «ولكن الخطية وهي منخذة فرصة بالوصية أنشأت في كل شهوة لأن بدون الناموس الخطية ميتة» (رو 7: 8) . علي أن كثرة الخطايا قد أظهرت من ناحية أخري ازدياد النعمة أو ازدياد عمل النعمة في غفران الخطايا الكثيرة.
“حتي كما ملكت الخطية في الموت، هكذا تملك النعمـة بالبر للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربنا“, هكذا كما ملكت الخطية وسيطرت علي الجنس البشري وظهر ملكها وسلطانها فيما انتجته من الموت، فدولة والموت، هي دولة الخطية، هكذا أيضا تملك النعمة بواسطة عمل التبرير فـتـسـود الـحـيـاة لأن دولة البر أو التبرير (أو دولة النعمة) هي : دولة الحياة الأبدية يقول الرسول بولس في الرسالة الأن لجـرة الخطية هـي مـوت، وأمـا هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا، (رو 6: 23).
تفسير رومية 4 | تفسير رسالة رومية | تفسير العهد الجديد | تفسير رومية 6 |
د/ موريس تاوضروس |
|||
تفاسير رسالة رومية | تفاسير العهد الجديد |