تفسير رسالة رومية أصحاح 4 للقمص أنطونيوس فكري
تفسير رومية – الإصحاح الرابع
مقدمة
في الإصحاحات (4-11) يرد الرسول علي آراء اليهود ومعتقداتهم ويفند حججهم فهم يفتخروا ببنوتهم الجسدية لإبراهيم، وبأن لهم الناموس والشريعة، وأنهم هم الشعب المختار، شعب الله المختار. ومما سبق فهمنا من الرسول أنه علي كل واحد ألا يفتخر إلا بالإيمان بالمسيح، فهذا الإيمان هو الذي يبرره وبالتالي يكون له حياة. وكلام الرسول بهذا، في هذه الإصحاحات (4-11) يعني أن على اليهود ألا يفتخروا بأنهم أبناء إبراهيم بالجسد ولا بناموسهم ولا بكونهم الشعب المختار ولا بالختان.. الخ بل بالإيمان بالمسيح، وبهذا فهم يتشبهون بأبيهم إبراهيم الذي تبرر بالإيمان.
ولماذا إختار إبراهيم بالذات؟ ولم يختار نوح أو هابيل… مع أن هؤلاء وغيرهم كثيرين كانوا أبراراً.
1. لأن اليهود كانوا يتفاخرون بإبراهيم (يو33:8). ولكن تفاخرهم هذا أدي لعجرفتهم وكبريائهم دون أن يحاولوا أن يتشبهوا به.
2. الله وعد إبراهيم أن يجعله أباً لجمهور كثير من الأمم، ولم يكن هذا الوعد إلا لإبراهيم.
3. إبراهيم هو حلقة الوصل بين أهل الغرلة وأهل الختان. عاش متبرراً بالإيمان وهو بعد في الغرلة (تك6:15 + تك10:17) وحصل علي الختان كعلامة للعهد. لكنه تبرر قبل الختان، أي بدون ختان. وبدون أعمال الناموس، فلم يكن هناك ناموس أيام إبراهيم.
4. بولس يري أن الفداء والتبرير بالإيمان لم يبدءا بالمسيح ولكنهما بدءا من أيام إبراهيم، حينما كشف له الله أنه يخرج حياة من الموت (من جسده المائت). وكان فداء المسيح هو النهاية التي رأينا فيها أن المسيح يبرر الخطاة الذين هم أموات بالخطية (لو32:15) وهذا التبرير كان بالإيمان الذي بدأ بإبراهيم.
إيمان إبراهيم
إبراهيم قيل عنه أنه تبرر بالإيمان (تك6:15). وكان هذا قبل الختان بحوالي 25 سنة (تك10:17). وقبل أن يقدم إبنه ذبيحة (تك22).و أيضاً قبل ناموس موسى بحوالي430 سنة. وكان هذا لمصلحة الأمم، فبهذا صار من حق الأمم أن يتشبهوا بإبراهيم الذي تبرر بالإيمان قبل الناموس وقبل عهد الختان، وقبل الأعمال أي تقديم إبنه ذبيحة. ولذلك أسماه الله أب لجمهور من الأمم = إبراهيم. فكل من يشابه إبراهيم في إيمانه يتبرر. وإيمان إبراهيم كان يتلخص في أن الله قادر أن يخرج من الموت حياة.
1. هو خرج من أور أعظم المراكز التجارية أيامها، وكانت علي الخليج، إلي المجهول، خرج بإيمان أن الله سيعطيه حياة.
2. إيمان إبراهيم ظهر في صراع رجاله مع لوط ورجاله، فترك للوط كل ما أراد مؤمنا أن الله يعطيه حياة إذ أن لوط ورجاله إستولوا علي الأراضي الجيدة تاركين الأراضي الصحراوية لإبراهيم.
3. ظهر إيمان إبراهيم في أن الله لابد وسيعطيه إسحق طالما وعد بذلك، حتي مع شيخوخته ومماتية مستودع سارة
4. ظهر إيمانه في تقديم إبنه إسحق ذبيحة، مؤمناً بأن الله سيقيمه إذ أن الله وعده أنه بإسحق يكون له نسل.
ومن يتشابه إيمانه الآن بإيمان إبراهيم، أي أن الله قادر أن يخرج من الموت حياة يصير إبناً لإبراهيم بالإيمان. وهذه قصة الفداء. فأي إنسان هو ميت بالخطية، ومن يؤمن بالمسيح ويعتمد يموت إنسانه العتيق مع المسيح في المعمودية ويخرج ثابتاً في المسيح وله حياة المسيح. فهذا هو إيمان إبراهيم، أن الله يخرج حياة من الموت. فإيمان إبراهيم يتطابق مع قصة الخلاص وخطة الله للخلاص. وحتى الآن فمن هو غارق في خطاياه ويريد أن يحيا بدلاً من موته كخاطئ، عليه أن يبدأ بإيمان في أن يحسب نفسه ميتاً عن الخطية فتدب فيه حياة المسيح (رو11:6). فالخاطئ ميت ولكن الله قادر أن يخرج حياة من هذا الموت، كما أخرج حياة من مستودع سارة المائت. بل المسيح أتي من مستودع بلا أمل في خروج حياة منه، إذ هو مستودع عذراء. لكن الروح القدس أعطي جسداً حياً هو جسد المسيح في بطن العذراء. وبنفس الطريقة فالروح القدس يرف علي وجه مياه المعمودية، فيعطي للمعمد حياة، هي حياة المسيح كما كان الروح القدس في القديم يرف فوق المياه فخرجت حياة في العالم (تك2:1). وهذا هو الفارق بين إسحق وإسمعيل في ولادتهم فإسحق هو إبن الموعد أي ليس بحسب الطبيعة كإسمعيل، لكن بحسب ما آمن به إبراهيم، أن الله يخرج حياة من الموت. ومعني كلام بولس هنا أن هذا هو الخلاص أي الإيمان بأن الله يخرج حياة من الموت. وهذا لكل من يؤمن “من آمن بي ولو مات فسيحيا” (يو25:11) فمن يؤمن بالمسيح تكون له حياة. والله فرح بإبراهيم لأن إيمانه كان متطابقاً مع خطة الله للخلاص، لذلك جعل الله إبن إبراهيم رمزاً لإبنه الذي سيعطي حياة من الموت، لذلك يقول بولس الرسول نحن أولاد الموعد كإسحق (غل28:4). وكان الختان علامة ظاهرية أو ختم لإيمان إبراهيم. والختم هو تصديق علي معاهدة بين طرفين. لقد ظل إبراهيم سنوات طويلة يؤمن بالله. وجاء الله ليقول لإبراهيم “سأضع علامة في جسدك شاهدة لإيمانك” وهذه العلامة هي الختان. هي قطع جزء من جسدك وتركه ليموت وبهذه العلامة تدخل في معاهدة معي وتصير من شعبي، ومن يدخل في معاهدة مع الله ويصير من خاصته تكون له حياة. وبالتالي فإن هذه العلامة هي نفس إيمان إبراهيم، هي موت (جزء اللحم المقطوع) وحياة (حياة إبراهيم إذ دخل في عهد مع الله)
وصار الختان رمزاً للمعمودية التي هي موت وحياة. وهذا ما يعمله الروح القدس، فهو يميت حب الخطية في القلب، وهذا ما أسماه الرسول ختان القلب بالروح (رو29:2 + رو13:8).
رو4: 1-8
آية (1): “فماذا نقول أن أبانا إبراهيم قد وجد حسب الجسد.”
قد وجد = ماذا إستفاد. حسب الجسد= يقصد حسب أعماله، أي الختان وتقديم إبنه ذبيحة. ولكن لماذا لم يقل حسب الأعمال؟ بدلاً من قوله حسب الجسد. [1] هو يريد أولاً ان يهاجم الإفتخار بالأعمال. [2] هو يريد أن يهاجم اليهود الذين يفتخرون ببنوتهم لإبراهيم بحسب الجسد وكل ما يفكرون فيه هو ميراثهم الأرضي لأراضي كنعان، ولكنهم لا يفكرون في الميراث السماوي، هذا الذي ينالونه بالإيمان، مثل إبراهيم. هو يريد أن يقول لهم، ماذا أخذتم ببنوتكم الجسدية لإبراهيم، حتى تفتخروا بها، أو بأعمالكم. لو كان إبراهيم قد إفتخر بأعماله أمام الله مثلاُ في أنه ترك أور، لكان الله قد حسب هذا ديناً عليه ولأعطاه مكاناً أفخم من أور، ولإنتهي الموضوع بهذا. أما بسبب إيمانه فلقد جعل الله إبراهيم عظيماً في الأرض وفي السماء. ولقد قيل أن الله برره بإيمانه وليس بأعماله (تك6:15). وكلام بولس هذا يفسح المجال للأمم ليؤمنوا فيتبرروا هم أيضاً. أما إصرار اليهود علي أن إنتمائهم لإبراهيم هو بالجسد فهذا يضعف صلتهم به، فالصلة الروحية أقوي وهي باقية في السماء. فماذا نقول = بعد أن قلت ما قلته عن الإيمان والتبرير بالأعمال، تعالوا نأخذ مثالاً، أنتم كلكم تحبونه وتعرفونه، ألا وهو إبراهيم أبونا.
آية (2): “لأنه أن كان إبراهيم قد تبرر بالأعمال فله فخر ولكن ليس لدى الله.”
إبراهيم قطعاً كان أحسن الموجودين أيامه، ومع هذا فعليه أن لا يفتخر أمام الله لا بختانه ولا بأعماله الصالحة لماذا؟ [1] من ناحية الختان فالله هو الذي أمره بأن يختتن [2] الله هو الذي أعطاه ويعطي كل أحد أن يعمل الأعمال الصالحة (يع16:1،17). وإن افتخر أحد فهو يفتخر بما ليس له، فالله صاحب الفضل (1كو7:4). ومن يفتخر فهو يعرف شماله بما تعمله يمينه. [3] بل عليه أن يفتخر بإيمانه بالله الذي أعطاه كل هذه البركات. ولو قورن إبراهيم بمعاصريه من البشر فهو الأحسن، ولكن إن إفتخر فليفتخر أمام الناس، مثلاً بالختان فهذا معناه أنه في عهد مع الله. أو بأعماله، فالناس يهتمون بالمظاهر، (ولكن الله يهتم بالقلب). ولكن لا يفتخر أمام الله بكل هذا، لأن الله هو مصدر كل عمل صالح. بل يفتخر بإيمانه الذي به إرتمي في حضن الله ليغتصب المواعيد من الله ويحسب باراً في عينيه.
آية (3): “لأنه ماذا يقول الكتاب فآمن إبراهيم بالله فحسب له براً“
في (تك6:15) قيل فآمن إبراهيم بالله فحسب له براً= إيمانه حُسِبَ له كما لو كان قد تمم كل أوامر الناموس. ولكن بالرجوع لرسالة يعقوب (يع21:2-23). نجده يستخدم نفس الآية لإثبات أن إبراهيم قد تبرر بالأعمال ولكن معلمنا يعقوب يقول “أن الإيمان عَمِلَ مع أعماله وبالأعمال أكمل الإيمان..” فهل هناك تعارض بين ما قاله يعقوب وما قاله بولس؟! أبداً. فبولس يناقش موضوع مختلف عن الموضوع الذي يناقشه يعقوب. بولس يرد علي اليهود المنتفخين بأعمالهم في بر ذاتي (مثال الفريسي والعشار) وبولس يقول لا تفتخروا علي الله بأعمالكم، فهل يعقل أن يقف اليهودي ليفتخر علي الله بأنه مختون والله هو الذي قال له إعمل كذا وكذا.. إذا أراد أن يفتخر فليفتخر علي جيرانه الغلف (1كو7:4). بالإضافة أنه يجب أن نعلم أن كل عطية صالحة هي نازلة من فوق (يع16:1،17).
روحياً، يجب أن نقف أمام الله ونقول كل عمل صالح أنا عملته أنت الذي أعطيتني إياه. وبولس مع أنه مؤمن لم يمتنع عن العمل بل قال “جاهدت الجهاد الحسن..”
أما يعقوب فهو يعالج نقطة أخري، فهو يرد علي من قال أنا آمنت وإتكل علي هذا وإمتنع عن أن يعمل أعمالاً صالحة. مثل من يقول “أنا آمنت إذاً أنا دخلت السماء“. ومعني كلام يعقوب “لو كان إيمانك صحيحاً لظهر هذا في أعمالك“. أمثلة: من يؤمن أن هناك قيامة، لماذا يحزن بيأس علي إنتقال أحد أحبائه. ومن يؤمن بأن هناك ميراث سماوي في المجد لماذا يحزن علي ضياع أشياء أرضية. ومن يؤمن بأن الله موجود لماذا يخطئ كأن الله لا يراه. هذه أمثلة علي الإيمان الحي.
فيعقوب يناقش أهمية أن يكون لك أعمال بعد الإيمان، وبولس يقول أن أعمالك مهما كانت فهي لا تخلِّص دون إيمان، بدون إيمان أعمالك بلا فائدة. كلام يعقوب علي أهمية الأعمال نفهمه من المثال الآتي:- طالب دخل كلية الطب (مثل إنسان آمن بالمسيح) مثل هذا لابد أن يذاكر لينجح ويصبح طبيباً (مثل المؤمن يجب أن يعمل بجانب إيمانه، وهذا معني كلام يعقوب. أما الطالب الذي لا يذاكر فسيفشل ويرفت (والمؤمن المستهتر يهلك). إذاً معني كلام بولس ويعقوب أن عليَّ أن أومن أولاً، لكن بعد الإيمان عليَّ ألا أكف عن العمل. فبولس كان مؤمناً وجاهد الجهاد الحسن (2تي7:4،8). وأعمال بولس كانت نابعة عن إيمان، فبدون إيمان لا يمكن إرضاؤه (عب6:11). ولكن بعد الإيمان لابد من أن نعمل ونجاهد.
والطبيعة تعلم هذا، فالأرض لا تطرح أرغفة خبز، بل قمحاً يجب أن تجري عليه أعمالاً كثيرة ليتحول إلي خبز. وحينما تكاسل أهل تسالونيكي وإمتنعوا عن العمل، أرسل لهم الرسول يقول لهم “من لا يعمل لا يأكل” (2تس10:3) فالطبيعة تعلمني ان أعمل حتى آكل فلماذا يعلِّم البعض في الناحية الروحية أن النعمة كافية للخلاص ولا داعي للعمل. ويقول بولس الرسول “ليس الزارع شيئاً ولا الساقي لكن الله الذي ينمي” (1كو7:3) لكن الأرض لا تعطي الزرعة بدون أن يزرع أحد ويروي أرضه. وسفر التكوين يعلمنا أن الأرض كانت خربة إذ لم يكن إنسان يعمل الأرض (تك5:2). والله خلق آدم ليعمل الجنة ويحفظها (تك15:2). ونحن كخليقة جديدة في المسيح مخلوقين لأجل أعمال صالحة… (أف10:2).
ومن يغصب نفسه (كمن يصلي بالغصب) تنسكب فيه النعمة فيفرح ويتعزي. ولكن علي الإنسان ألاّ يفتخر بعمله فالله هو الذي ينمي. فالفلاح لا يفتخر أمام الله بأن الأرض أخرجت زرعاً فالله هو الذي أخرج الزرع. ربما يفتخر الفلاح علي زميله بأنه أكفأ منه، ولكن ليس علي الله. ولكن هذا يحدث مع البعض منا في وقت التجربة، إذ يقول البعض لله “لقد صليت لك وصمت لك… ومع هذا سمحت بهذه التجربة لي.. أو لم تعطني خيراً كنت أرجوه” مع أن الصلاة ليست تفضلاً منا بل هي تفضل من الله علينا، إذ يسمح بأن نقف أمامه كالملائكة، فنحن الذين نأخذ في الصلاة كرامة ونحن لا نستحق. جميل أن يقول بطرس للسيد “أخرج يا رب من سفينتي فأنا رجل خاطئ” (لو8:5) إذاًً علينا أن نعمل ولكن علينا أن نقول دائماً أننا لا نستحق، ولا نعرِّف شمالنا (الإفتخار بالعمل) ما تعمله يميننا (العمل الخير) ونقول مع داود “يا رب من يدك أعطيناك“.
وفي (رؤ2:2) الله يقول أنا عارف أعمالك… إذاً لا داعي لأن تذكرني بها حينما أبدأ في العتاب معك.
من يفتخر بأعماله يحسبها الله له كدين علي الله ويعوضه كثيراً، فمثلاً إن كان إبراهيم قد إفتخر علي الله بأعماله، لكان الله قد بارك له في ماشيته وأمواله وأولاده ولأنتهت قصته بذلك، لكن إيمان إبراهيم ماذا أعطي له؟ لقد أعطى الله نفسه له “أنا ترسٌ لك” (تك1:15) وبهذا صار إبراهيم يتغني مع عروس النشيد “أنا لحبيبي وحبيبي لي“.
والإيمان الذي يبرر هو:-
1. حب الله وتقديرنا لسموه والإلتجاء إليه.
2. إيماننا أنه يبرر الخاطئ.
3. أنه الشفيع لدي الآب الذي يصالحنا معه وبأنه المخلص.
4. به نقدر علي كل شئ، وبه نتحول من كوننا أشرار إلي أبرار، فهو يخرج من الموت حياة.
(آية 4): “أمّا الذي يعمل فلا تُحسب له الأجرة على سبيل نعمة بل على سبيل دين.”
أما الذي يعمل= هل معني هذا أن لا نعمل؟ قطعاً لا. فمن الخطأ أن نمسك آية واحدة ونبني عليها عقيدة. فنسمع في (لو7:10) أن الفاعل مستحق أجرته. وفي (مت42:10) من سقي أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد… لا يضيع أجره. وفي (رؤ13:14) الأعمال تتبع المؤمنين + (رؤ12:20،13) وراجع المقدمة. ولكن المطلوب أن لا نعِّرف شمالنا ما تعمله يميننا. فالرسول يقصد بمن يعمل “الذي يفتخر بأعماله أمام الله، أو الذي يظن أن أعماله تخلصه” (أنظر إلي جمال طقس قداس الكنيسة الأرثوذكسية، فنحن دائماً نردد “يا رب إرحم” بمعني أننا لا نستحق شئ، ولا نطلب سوي رحمتك يا رب). لا تُحسب له الأجرة علي سبيل نعمة= ولنأخذ إبراهيم كمثال:-
إبراهيم كتب عنه في (تك6:15) “فآمن إبراهيم…” ولم نسمع أنه قال لله، أنا عملت كذا وكذا فأين أجري، هو أطاع الله في إيمان ولم يطلب أجراً… لذلك كانت أجرته أكبر من تصور مخلوق، كانت أجرته الله نفسه، فالله يقول له في (تك1:15) أنا ترسُُ لك، أجرك كثير جداً.. وفي ترجمة أخري “أنا أجرك العظيم جداً” + أن الله برره.
بل علي سبيل دين= مثال:- موظف مرتبه 20ج يومياً. حدثت له مشكلة ما ضايقته، فيقول لله، لقد خدمتك سنين هذه مقدارها (نفس خطأ الأخ الأكبر للإبن الضال لو29:15). فلماذا تسمح لي بهذا التجربة. هنا فالله يحسب له خدمته علي سبيل أن الله مديون له، ويقول كم يوم خدمتني وكم كان أجرك فيهم، وسأعطيك أكثر مما خدمتني به، وسيكون المبلغ عدة جنيهات، وقارن بالأجر الذي حصل عليه إبراهيم، ولاحظ أن العشار الذي صلي بشعور عدم الإستحقاق خرج مبرراً لأنه قال يا رب إرحمني أنا الخاطئ، أمّا الفريسي فلم يتبرر. والفريسي الذي إستضاف رب المجد (وتكلف في المأدبة الكثير) لم يتبرر، والمرأة الخاطئة تبررت.
آية (5): “وأمّا الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر فإيمانه يحسب له براً.”
أما الذي لا يعمل = هذه تعني من يعمل ولكنه لا يفتخر بعمله أمام الله، بل يقول لله “أنت يا رب الذي تعمل فيَّ“. لكنها لا تعني أنه ليس علينا أن نعمل، وإلا لماذا قال بولس نفسه “جاهدت الجهاد الحسن…” بولس هنا يرد علي اليهود الذين يتشامخون بأعمالهم وناموسهم. ونحن لا نفتخر بل نثق أن الله هو العامل فينا (يو5:15 + في3:2 + 1كو9:3 + يع26:2). يؤمن بالذي يبرر الفاجر= الفاجر في نظر الله ميت، فالخطية تعني موت (لو32:15 + رؤ1:3). ويؤمن بالذي يبرر الفاجر يعني أن الله قادر أن يخرج من الموت حياة، وهذا هو نفس إيمان إبراهيم. فالله قادر أن يحول الفاجر إلي قديس [ قيل عن الفنان العظيم مايكل أنجلو أنه كان ينظر بإعجاب لقطعة من الرخام قائلاً ما أجملها، فتساءل الواقفون عن سر إعجابه بها، وهي مازالت رخام خام، فقال أنا لا أنظر إليها بحالتها الآن، بل ماذا أستطيع ان أعمله بها] فإذا كان مايكل أنجلو قادراً أن يخرج تمثالاً رائعاً من الرخام، فما الذي يستطيعه الله فيَّ. والله أخرج من الأمم الوثنيين شعوباً مقدسة. هذا النوع من الإيمان، أن الله يبرر الفاجر، أو أن الله يخرج من الموت حياة، هو مدخل التبرير (أنظر المقدمة). الإيمان هو الباب الذي ندخل منه لحياة البر.
الآيات (6-8): “كما يقول داود أيضاً في تطويب الإنسان الذي يحسب له الله براً بدون أعمال. طوبى للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم. طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية.”
غفرت آثامهم وسترت خطاياهم= نري في هذه الآية غفراناً للخطية وستر عليها أي تبرير، فما عادت الخطية ظاهرة. ونري أيضاً أن الغفران والستر لم يحدثا نتيجة أي عمل. الله ستر بكفارته (دم تيس الكفارة عند اليهود). والكفارة هي بدم المسيح الذي يستر علينا بكفارته فأي عمل كان يساوي دم المسيح، لذلك فما أعطاه المسيح لنا كان نعمة أي عطية مجانية أحصل عليها بالإيمان كمدخل. ودم المسيح غطي وستر علي كل خطايانا. ليس معني هذا أنه لا توجد خطية، لا بل هناك خطية، ولكن أيضاً هناك ستر. إذاً التبرير لا يعني محو الخطية من الوجود، بل أن الله لا يحسبها علينا. وداود لا يذكر أي أعمال في مقابل هذا الستر، بل غفرت هذه الخطايا بالنعمة، ونال صاحبها التطويب. فمن آمن وتبرر يتأهل بالأكثر للبركة التي خلالها ينزع الخزي ليحل المجد. وداود في هذا يشير لنفسه، فالله ستر علي خطيته بنعمته، دون أن يكون هذا التبرير في مقابل أعمال صالحة. بل أن تبرير الله مبني علي رحمته وفضله ومحبته، لذلك كم تغنَّي داود بمراحم الله الذي برره ولم يهلكه.
رو4: 9-16
الآيات (9 ،10): “أفهذا التطويب هو على الختان فقط أم على الغرلة أيضاً لأننا نقول انه حُسب لإبراهيم الإيمان براً. فكيف حُسب أو هو في الختان أم في الغرلة ليس في الختان بل في الغرلة.”
إذاً إبراهيم تبرر بالإيمان، قبل الختان بمدة تتراوح بين 14-25 سنة وقبل الناموس بمدة 430 سنة، أي أن التطويب الذي ناله إبراهيم والتبرير الذي أخذه كان وهو في الغرلة، وقبل أن يختتن. إذاً هذا التطويب يخص الأمم كما يخص اليهود. إذاً هو لكل من آمن (راجع مقدمة هذا الإصحاح نقطة رقم 3).
الآيات (11،12): “وأخذ علامة الختان ختماً لبر الإيمان الذي كان في الغرلة ليكون أباً لجميع الذين يؤمنون وهم في الغرلة كي يُحسَب لهم أيضاً البر. وأباً للختان للذين ليسوا من الختان فقط بل أيضاً يسلكون في خطوات إيمان أبينا ابر أهيم الذي كان وهو في الغرلة.”
أخذ إبراهيم علامة الختان، كعلامة خارجية، كختم يؤكد ويظهر إيمانه، وأنه تبرر نتيجة إيمانه. وإبراهيم آمن وتبرر وهو في الغرلة. وهكذا صار إبراهيم أباً روحياً لكل هؤلاء الذين لم يختتنوا ولكنهم آمنوا. وحُسِب لهم هذا الإيمان براً. وصار أيضاً أباً لليهود الذين لم يقتصروا علي الختان، ولكنهم سلكوا في الإيمان الذي سلك فيه إبراهيم وهو في الغرلة، فلا يدعي اليهود أولاداً لإبراهيم إن لم يسلكوا في خطواته ويعملوا أعماله (يو39:8،44). ونلاحظ بنفس المفهوم أن لا يدعي مسيحياً إلا من يتبع نفس خطوات المسيح. ونلاحظ أن أبوة إبراهيم لمن هم في الغرلة تسبق أبوته لمن هم في الختان. ونري أنه لا تعارض بين أعمال الناموس (الختان) وبين الإيمان. بل جاء الختان كختم مؤكداً الإيمان ولكنه جاء لاحقاً له. الختان صار علامة تميز المؤمن عن باقي الأمم، علامة علي إيمانه، وكل من يحمل هذه العلامة عليه أن يلتزم بالإيمان. ونلاحظ أن الختان يعني أننا ولدنا بطبيعة فاسدة يلزمها الختان الروحي الذي يرمز له الختان الجسدي. وهذا الختان صار بهذا رمزاً للمعمودية.
آية (13): “فأنه ليس بالناموس كان الوعد لإبراهيم أو لنسله أن يكون وارثاً للعالم بل ببر الإيمان.”
رأينا من قبل أن إبراهيم تبرر بالإيمان وهو غير مختون، وفهمنا من هذا أن الختان لم يكن شرطاً للتبرير. فالختان أتي بعد إعلان الله عن إبراهيم أنه تبرر بالإيمان بحوالي14-25 سنة. وهنا يضيف الرسول في الآيات التالية أن إبراهيم تبرر أيضاً بدون ناموس، فالناموس أعطاه الله لموسى بعد إبراهيم بحوالي430 سنة، أي أن إبراهيم لم يري الناموس أصلاً، وهذا يقوله الرسول رداً علي اليهود الذين يقولون أنه لا تبرير بدون ناموس. ويريدون أن يتهود الأمم قبل أن يصيروا مسيحيين. ليس بالناموس كان الوعد= الله أعطي وعداً لإبراهيم وهو في الغرلة ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض (تك18:22). وكان هذا الوعد بالبركة لإبراهيم قبل الناموس بـ430 سنة. (ومعني الوعد هو مجيء المسيح الذي فيه يتبارك كل أمم الأرض). ويعلق بولس الرسول في (غل16:3) أن الكتاب قال نسلك ولم يقل أنسال، فهو يتكلم عن واحد فقط وليس كل نسل إبراهيم. ولاحظ في إصحاح 22 من سفر التكوين أن إبراهيم حين آمن بوعد الله، زاد الله الوعد بأن يكون من نسله المسيح. إذاً وعد الله لإبراهيم لم يكن أبداً بواسطة ناموس موسى.
آية (14): “لأنه إن كان الذين من الناموس هم ورثة فقد تعطّل الإيمان وبطل الوعد.”
الوعد لإبراهيم بأن يرث كان في (تك4:15،5) والوعد بأن يتبارك في نسله كل الأمم كان في (تك18:22). وهذا وذاك قبل الناموس بـ430 سنة تقريباً. ووعود الله كانت بناء علي إيمان إبراهيم فقط، فلو قلنا أن هناك شروطاً أخري لينفذ الوعد مثل الناموس، فمعني هذا أن الوعد ظل معطلاً لمدة 430 سنة حتى يأتي الناموس علي يد موسى، في حين أن الوعد لم يستلزم إلا الإيمان فقط، بل أن حتى الوعد لإبراهيم ما كان إبراهيم قد إستفاد به، إذ لم يكن هناك ناموس أيام إبراهيم بل أنه لم يوجد أي إنسان إستطاع الإلتزام تماماً بالناموس، فهل معني هذا أن وعد الله كان بلا معني وغير قابل للتطبيق، بل حتى موسى نفسه واضع الناموس لم يلتزم بالناموس تماماً.
آية (15): “لأن الناموس ينشئ غضباً إذ حيث ليس ناموس ليس أيضاً تعدٍ.”
الناموس كامل ومقدس، وليس هناك عيب في الناموس، لكن بسبب ضعف الإنسان لم يوجد من يلتزم بالناموس، وأصبح من يخطئ مع وجود الناموس فهو يتعدّى علي وصايا الله، ومن يتعدّى علي وصايا الله يغضبه = الناموس ينشئ غضباً= إن كسر وصية واحدة كافٍ لإغضاب الله فبدون الناموس يخطئ الإنسان، ولكن الغضب ينشأ بالأكثر حيث يوجد ناموس. فربما مع عدم وجود ناموس يبرر الإنسان نفسه ويقول لا أعلم، ولكن ما عذر الإنسان بعد أن أعطي الله الناموس. فمع وجود الناموس فالخطية بالإضافة لكونها خطية صارت تعدي علي الناموس (غل10:3). ونلاحظ أن الوعود كانت في ظل إيمان إبراهيم وليس الناموس فالناموس مثل القانون، لا يكافئ من لا يقتل، لكنه يعدم من يقتل.
آية (16): “لهذا هو من الإيمان كي يكون على سبيل النعمة ليكون الوعد وطيداً لجميع النسل ليس لمن هو من الناموس فقط بل أيضاً لمن هو من إيمان إبراهيم الذي هو أب لجميعنا.”
لهذا هو= يقصد الوعد (آية 14)
من الإيمان = الوعد كان بسبب إيمان إبراهيم ، ولكن لماذا أعطي الله الوعد بالإيمان؟
1. كي يكون علي سبيل النعمة: وليس الدين. فلو أعطي الله لإبراهيم حسب أعماله، لأعطي له غني مادي (ماشية وأموال) تعوضه عن تركه لأور.
2. ليكون الوعد وطيداً: فلم يكن عهد الأعمال وطيداً (ثابتاً وراسخاً) بسبب ضعف الجسد المستمر وسقوطه. لذلك:- فإنه خطأ شديد أن نقول أنني سأدخل السماء بسبب أعمالي الجيدة، فلو كانت البركة في مقابل الأعمال، لما كانت ثابتة ووطيدة، فلم يوجد من هو كامل.. لذلك فلنصرخ دائماً قائلين يا رب أرحم… وهذا هو المنهج الأرثوذكسي كما نراه في القداس.
3. ليكون لجميع النسل= فلو كان بالناموس لكان محصوراً في اليهود (رو4:9) وأما حين يكون بالإيمان فسينتفع به كثيرون من اليهود وكذلك الأمم. ولذلك غيَّر الله إسم إبرام إلي إبراهيم = أب لجمهور من الأمم، (تك3:17-5). أي يكون أباً لكل من يمتثل بإيمانه =أب لجميعنا.
4. لو كان الوعد بالناموس لجلب غضب ولعنة، فالكل سقط في التعدي فالناموس يبعدنا عن ميراث المواعيد، لذا كان من الإيمان ليُرفع الحظر.
رو4: 17-25
آية (17): “كما هو مكتوب إني قد جعلتك أباً لأمم كثيرة أمام الله الذي آمن به الذي يحيي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة.”
في الآية السابقة قال أن إبراهيم صار أب لجميعنا، وهنا يقول لماذا؟ لأن الله قال له قد جعلتك أباً لأمم كثيرة (تك5:17 سبعينية) أمام الله= أي في إعتبار الله صرنا أولاداً لإبراهيم، الله وهو يقول هذا لإبراهيم جعلتك أباً لأمم كثيرة = كان الله يضع في إعتباره، أننا سنكون بإيماننا أولاداً لإبراهيم ونرث بركته… هذا لكل من آمن بحسب شكل إيمان إبراهيم = الذي يحيي الموتى = فهو آمن بأن الله قادر أن يحيي مستودع سارة الميت، وأن يخلق من العدم، ويقيم إسحق بعد أن يقدمه محرقة (عب19:11). والمسيح أقام لعازر من الموت، وأقام الشعوب الوثنية من موت الخطية بالإيمان، وهكذا كل خاطئ فالله قادر أن يقيمه من موت الخطية (قصة الإبن الضال “إبني هذا كان ميتاً فعاش” + (أف5:2، 14:5 + مت9:3) ففي (مت9:3) فالحجارة الميتة يقام منها أحياء. وإن كان الله قد وهبنا الوجود من العدم أفلا يهتم بنا ونحن الآن موجودين. يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة = فكل الأمم الوثنية الميتة التي آمنت قد رآها الله قبل آلاف السنين أنها صارت حية بإيمانها، وصارت أولاداً لإبراهيم، وإبراهيم أباً لها بالإيمان. وكون إبراهيم أباً لأمم كثيرة فهذا يعني الأمم الوثنية وليس اليهود فقط.
آية (18): “فهو على خلاف الرجاء آمن على الرجاء لكي يصير أباً لأمم كثيرة كما قيل هكذا يكون نسلك.”
الله أعطي المواعيد لإبراهيم وإبراهيم آمن وصار له رجاء في أن يكون له نسل من سارة، وهذا الرجاء عكس الرجاء الطبيعي، إذ أن إبراهيم بلغ عمراً يجعله يفقد الرجاء في أن يكون له إبن، وامرأته سارة بلا رجاء طبيعي فمستودعها ميت ولا تصلح للإنجاب. هكذا ليتنا نؤمن بأن الله قادر أن يتمم مواعيده مهما كانت العوائق. والله يفرح حينما يكون لنا رجاء أن نصير قديسين، وليس فقط أن نهزم خطية ما. الله قادر أن يشفي طبيعتنا إن كان لنا إيمان المرأة النازفة الدم التي لمست هدب ثوبه. إن طلبنا بإيمان أكيد فالله يستجيب.
آية (19): “وإذ لم يكن ضعيفاً في الإيمان لم يعتبر جسده وهو قد صار مماتاً إذ كان إبن نحو مئة سنة ولا مماتية مستودع سارة.”
لأنه لم يكن ضعيفاً في إيمانه، فإنه لم يقس الأمور بما يتفق وحالته وإستعداده للإنجاب. هكذا علي المؤمن أن لا يقيس قدرة الله بالمنطق البشري. بل لنلاحظ أن القوة التي أعطاها الله لإبراهيم إستمرت معه فعاد وأنجب من قطورة. إن عدم الإيمان هو الذي يدفع الإنسان للتفكير في المعطلات والمشكلات (المستودع= الرحم).
آية (20): “ولا بعدم إيمان إرتاب في وعد الله بل تقوّى بالإيمان معطياً مجداً لله.”
الريبة تأتي من العقل والشكوك التي تملأهُ. وكلمة إرتاب هي خطية (رو23:14 + يع6:1،7). فهي حالة عدم إيمان. وحينما يطرح الإنسان الشك، يأتيه اليقين إتياناً ليملاً الفراغ الذي إحتله الشك. ولاحظ أن القلب المملوء ثقة يمجِّد الله. فالله يتمجد في الإيمان. وإبراهيم لم يعتريه أي شك في وعد الله. وتقوي بالإيمان= تعلق فكره وقلبه بالله كمنفذ. ومن يفعل يزداد إيمانه ويتقوي. فمن يبدأ بإيمان ضعيف يقوي الله له إيمانه.
آية (21): “وتيقن أن ما وعد به هو قادر أن يفعله أيضاً.”
حينما تقوي إيمانه إزداد يقينه أن الله سيفعل ما وعده به.
آية (22): “لذلك أيضاً حسب له براً.”
لنراجع عناصر إيمان إبراهيم
1. الله يحيي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة.
2. علي خلاف الرجاء آمن علي الرجاء.
3. لم يعتبر مماتية جسده أو مماتية مستودع سارة عائقاً يمنع وعد الله من أن يتحقق.
4. لم يرتاب في وعد الله بل تيقن أن ما وعد به الله يفعله، هذه الثقة وهذا الإيمان هو الذي يبرر، هو المدخل للتبرير (المقدمة).
آية (23): “ولكن لم يكتب من أجله وحده أنه حسب له.”
في ختام الإصحاح يطبق ما قاله عن إبراهيم علينا لنكون أولاداً لإبراهيم ونتبرر بالإيمان.
آية (24): “بل من أجلنا نحن أيضاً الذين سيُحسَب لنا الذين نؤمن بمن أقام يسوع ربنا من الأموات.”
سيُحسَب لنا= مكتوبة بصورة المستقبل. فكل من يؤمن، كل الأيام وإلي إنقضاء الدهر يتبرر. والتبرير مستمر في الكنيسة.
آية (25): “الذي أُسْلِمَ من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا.”
الذي أُسْلِمَ = أسلم بإرادة الآب كما بإرادته هو ليكفر عن خطايانا [وقارن مع “ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها أيضاً” يو18:10] وأقيم ليهبنا حياته، وبره عاملاً فينا. القوة التي أقامت المسيح من الأموات هي التي تعمل فينا لتقيمنا من الأموات، موت الخطية الآن ثم من موت الجسد في القيامة العامة. فالمسيح وفَّى ديوننا بموته، وبقيامته وهبنا بره عاملاً فينا إذ نحمل الحياة الجديدة المقامة في داخلنا. من هذه الآية نري أن الخلاص يتم علي مرحلتين، وقارن مع (رو10:5) فالآيتين بنفس المعني. ثم قارن عمل المعمودية بهما (رو3:6-5)
المرحلة الأولى |
المرحلة الثانية |
1- أسلم من أجل خطايانا 2- لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت إبنه |
1- وأقيم لأجل تبريرنا 2- فبالأولي كثيراً ونحن مصالحون نخلص بحياته
|
1- (رو25:4) 2- (رو10:5) 3- (رو3:6-5 )
الخلاص يتم علي مرحلتين:
1. غفران الخطايا= كان هذا بأن المسيح أُسْلِمَ للموت عنا ليحمل خطايانا فنتصالح مع الآب. وبالمعمودية نموت مع المسيح فتغفر خطايانا (فمن يموت في أثناء نظر قضيته تسقط عنه القضية) ونحن بموتنا مع المسيح في المعمودية سقطت عنا خطايانا وحكم الموت وتصالحنا مع الله. ولكن هذا الوضع يشبه إنساناً سرق خبزاً ليأكل، فحُكِمَ عليه، وجاء من دفع عنه ثمن الخبز فحصل علي البراءة. لكن إذا خرج من السجن سيسرق ثانية ليأكل بسبب جوعه. لذلك كانت القيامة ليعطينا المسيح حياته لنسلك في البر.
2. التبرير= غفران الخطايا كان هو الحكم بالبراءة. ولكن بالقيامة مع المسيح في المعمودية يعطينا المسيح حياته وبره، فنسلك بالبر ولا نعود نسقط. نحن نقوم في حياة جديدة (رو4:6). المسيح يحيا فيّ (غل20:2) فأصير باراً، بالمسيح الذي يحيا فيّ. إذاً فالقيامة صارت لحسابي فالمسيح أعطاني حياته المقامة من الأموات. والروح القدس الذي نحصل عليه في سر الميرون يثبتنا في المسيح فتثبت فينا حياته فنعمل البر.
لذلك فالمعمودية هي موت وقيامة مع المسيح.
في الموت نصطلح مع الآب إذ تغفر خطايانا.
وبالقيامة يكون لنا حياة المسيح فنخلص بحياته.
وهذا ما سوف نراه في الإصحاح الخامس آية (10).
تفسير رومية 3 | تفسير رسالة رومية | تفسير العهد الجديد | تفسير رومية 5 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير رسالة رومية | تفاسير العهد الجديد |