تفسير رسالة رومية أصحاح 7 للأنبا أثناسيوس

 7 : 1 – 6 بقية الإجابة على السؤال الثاني الوارد في رو6: 15 یورد هنا المثال من حياة الزوجة . فأنها لا يجوز لها أن تتزوج رجلين في آن واحد وأنما لو مات زوجها ، لها الحق أن تتزوج بمن تريد. وقبل المسيح كان الناموس يسـود على الانسان ويحكم عليه بالموت . ولما جاء المسيح أبطل حكم الناموس وصـاروا مرتبطين به هو . ولو أرتكـبـوا الخطيئة وهم أتباع المسيح كان ذلك شبيها بزنى المرأة المتزوجة . وقد سمى العهد القديم عبادة الأوثان زنى لأنهـا افـتـراق عن الله وإرتباط بآخـر « وترك بنو إسرائيل الرب وعبدوا البعليم …. وأقام الرب قضاة فخلصوهم من يد ناهبيهم ، ولقضاتهم أيضاً لم يسمعوا بل زنوا وراء آلهة أخرى وسجدوا لها » (قض2: 11، 17). “وأما الآن فقد تحررنا من الناموس إذ مات الذي كنا متمسكين به ( في قبضته ) حتى نعبد بجدة الروح ( بالحرية التي في حياة الروح الجديد ) لا بعتق الحرف (الحرفية القديمة) فنحن الآن أولاد للمسيح ولسنا أولادا للشر.

السؤال الثالث 7: 7– 13

« هل الناموس خطية . حاشا . وإذا رجعنا لمثل البيت التي ذكر أنه تجدد فان تعقيب الأم أن البيت القديم لم يكن سبب إتساخ الأولاد بل لعبهم . فالناموس لم يكن خطيئة لكنه كان نظاماً يكشف الخطيئة ولما لم تكن له قـوة للنصـرة كـان وسيلة لايضاح الخطيئة والحكم على فاعلها . ولكن في المسيح يموت سلطان الخطيئة ويحيا المؤمن وبذلك العيب كله في الخطيئة وتكون النعمة كلها في المسيح يسوع

معنی  “جسـد” 7: 14 – 15

في اللغة اليونانية كلمتان بمعنى جسد : سارکس Sarx وسوما Soma . الأولى كانت تعنى الجسد الانساني أي المادة والروح ، والثـانيـة للمادة فقط أي اللحم والدم إن جاز التعبير ولكن أحدى الكلمتين تحل محـل الأخرى أحيـاناً . وقد دخلت الكلمتان في اللغة القبطية فنقول في القداس الالهى « تجـسـد = أخـذ جـسـداً آف تشی سارکس Aftchi Sarx » ، ونقـول « نسـجـد لجـسـدك المقـدس : تين أو أوشـت أمبيك سوما إثؤواب Ten ouosht impeksoma ethouab » . ولذلك قال أحد العلماء أنه يلزمنا في دراسة هذا الجزء رو7: 14- 8 : 17 أن ندخل إلى المعنى الذي يقصده الرسول وراء الألفاظ ولما كان الجسد يحمل الميل للخطيئة فأن المقصود هنا هذه الطبيعة البشرية الخاطئة ، التي تسمى الإنسان العتيق أو الطبيعة القديمة ، في مقابلة لفظ الروح والمقصود به الطبيعة الجديدة أي الإنسان الذي سكن فيه الروح القدس . وحينئذ يسمى الأول السلوك الجسدي والثاني السلوك بالروح . « لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسـوع السالكين ليـس حسـب الجسـد ( الطبيعة الخاطئة ) بل حسب الروح ( الطبيعة الجديدة التي أخذت الروح القدس بالمسيح ) (رو 8: 1).

وليس المقصود طبعاً الجسد أي المادة والروح أي الروح الانسانية لأن الإنسان غير منقسم ، يعمل الصلاح بروحه وجسده أو الشر بهما أيضاً ولقد ظن بعض القدماء ، من غير المسيحيين ، أن المادة هي حاملة الشر بينما الروح طاهرة . وتفرعت من ذلك نظريات عديدة . (1) قول .C. H Dodd الوارد عنه في William Barclay تفسير رومية طبعة 1987 ص92 وما بعـدها. منها أن الروح يجب أن تسيطر على الجسد لأن أعـمـاله شريرة وحيوانية هؤلاء قال عنهم الرسول لتلميذه تيموثاوس « يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحاً مضلة وتعاليم شياطين في رياء أقوال كاذبة موسومة ضمائرهم ( مكتوبة أي مسحورة ) مانعين عن الزواج وآمرين أن يمتنع عن أطعمة قد خلقها الله لتتناول بالشكر من المؤمنين وعارفي الحق ، 1تى4: 1-3 . ويقـول لأهل كولوسي « إن كنتم قـد مـتم مع المسيح عن أركـان العالم  ، فلماذا تفرض عليكم فرائض لا تمس ولا تذق ولا تجس التي هي  جميعها للفناء في الاستعمال حسب وصايا وتعاليم الناس التي لها حكاية حكمة بعبادة نافلة وتواضع وقهر الجسد ليس بقيمة ما من جهـة أشـباع ( تنقـيـة وسـد الجـوع الروحي ) البـشـرية (كو2: 20-23). هولاء الغنوسيون سواء غير المسيحيين والمسيحيين سموا أنفسهم العارفين بالله ونادوا أن الخلاص هو بالمعرفة والتسامى والارتفاع فوق المادة فمنعوا أكل اللحم ومواد أخرى وحرموا الزواج . ويصرخ أيضاً منهم الروح في سفر الرؤيا و هكذا عندك أنت أيضاً قوم متمسكون بتعاليم النيقولاويين الذي أبغضه (رؤ2: 15)، ومع الأسف كـان نـيـقـولاوس هذا أحد الشمامسة السبعة الواردين في أع6: 5 انحرف بعد ذلك إلى الغنوسيين الذين تفرقوا أقساماً رلكنهم كانوا شوكة في الايمان المسيحي في القرنين الأول والثاني فالقول بأن الصراع بين الروح الانسانية والمادة كان مدخلاً لهذا الانحراف الفكري.

ولو قلنا أيضاً بالصراع بين عنصري الانسان لكان هذا مرضاً نفسياً وعصبياً هو انقسام الشخصية . والخطورة الثالثة الدخول في نظريات نسكية غير مسيحية ، تقصد الجسد بمعنى المادة . وهي نظرة نسكية آسيوية شرقية بعيدة عن المسيحية . وأما النسك المسيحي فهـو الصـوم جسدا وروحاً عن الشـهـوات التي سميت جسدية فالمقصـود الناشئة من الطبيعة البشرية المائلة للشر . حسبما يستعمل الرسول لفظ و جسد ، شاملاً للانسان بروحه وجسده أي الطبيعة القديمة التي لم تتقدس بالرب والروح . وهذا استعمال الكتاب دائماً مثل قول الرب يسوع « الروح هو الذي يحيى ( الروح القدس ، والمعنى الروحي لأنه كان يتكلم عن جسده ودمه الأقدسين . ولا يمكن أن يقصد أن تناول جسده لا يفيد شيئا ، بل يقصد أن الفهم المادي للأمور الروحية لا يفيد شيئا ) و الروح هو الذي يحيى . أما الجسد فلا يفيد شيئا . الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحـيـاة ، يو6: 63 . وإذ يسـتـعـمل الكتاب لفظ جسد بمعنى الطبيعة الشريرة ولفظ الروح بمعنى الطبيعة الجديدة يقول لأهل غلاطية و اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد 

 وأعمال الجسد ظاهـرة التي هی زنی ( سقوط ) عهارة ( جرأة وتبجح ) نجاسة ( فكر مدنس ) دعارة ( ترويج للفساد ) عبادة الأوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزب شقاق بدعة حسد قتل سكر بطر وأمثال هذه …. وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح أيمان وداعة تعفف …. إن كنا نعيش بالروح فلنسلك أيضاً بحسب الروح ، غل5: 16 – 25 . فالرسول بولس حين يقول « الروح » يقصد أما الروح القدس أو الحياة الروحية الجديدة وأن قال « الجسد ، فيقصد الحياة الخاطئة . وفي بعض النسخ القبطية نجد لفظ « القدس » بجوار لفظ الروح في هذا الجزء يقول الرسول ” الناموس روحي وأما أنا فجسدى مبيع تحت الخطية ) رو7: 14 . وهو يعنى الصراع بين العقل والمعرفة الدينية والضمير من ناحية وبين الخطية الساكنة في الانسان من ناحية أخرى أي الميل إلى الخير والميل إلى الشر . والميل الأول من الله والشريعة والروح القدس والعقل والارادة ، والميل الثاني من الخطيئة المصارعة فينا وضعف الآرادة وحيل الشيطان والعالم الذي ا وضع في الشرير » 1يو5: 19

هو الصراع الذي بسـبـبـه قـال الـيـهـود قـديماً أن في الانسان طبيعتين واحدة صالحة والثاني شريرة أو دافعين واحداً صالحاً والثاني شريراً . بل أن الفيلسوف سينيكا تكلم عن عجزنا أمام الأمور الضرورية والشاعر الروماني أوفيد قال « أني أرى الأمور الفاضلة واستحسنها ولكننى أعمل الباطلة ، ولذلك كان سهلاً على أهل روما أن يفهموا كلام الرسـول هنا ” لست أفعل ما أريده بل ما أبغضه فأياه أفعل ” ، 7: 15 و « الارادة حاضرة وأما أن افعل الحسنى فلست أجد … ويحي أنا الإنسان الشقي. من ينقذني من جسد الموت هذا …. 7: 18و 24

تفسير رومية 6 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد تفسير رومية 8

الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف

تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى