تفسير رسالة رومية أصحاح 7 للقمص أنطونيوس فكري

تفسير رومية – الإصحاح السابع

 

يحدثنا هذا الإصحاح عن ثلاثة مواضيع 

1. بفداء المسيح، وبالنعمة التي حصل عليها المؤمن إنقطعت صلته بالناموس الآيات (1-6).

3.    لماذا كان الناموس أصلاً؟ كان أداة لكشف الخطية الآيات(7-13).

3. ولماذا أخفق الناموس لأنه لم يستطيع علاج الخطية الساكنة فيّ الآيات(14-25).

 

رو7: 1- 6

آية (1): “أم تجهلون أيها الاخوة لأني أكلم العارفين بالناموس أن الناموس يسود على الإنسان ما دام حياً

كانت المشكلة الكبيرة في الكنيسة الأولي، أن المسيحيين من أصل يهودي أرادوا أن الأمم يتهودوا قبل إنضمامهم للكنيسة وأن يلتزموا بالناموس مثل الختان. وبولس لا يريد أن يهاجم الناموس ولكنه يريدهم أن يفهموا أن الفرح الحقيقي هو بفداء المسيح وبره، ويتمسكوا لا بشكليات الناموس بل بالنعمة التي حصلوا عليها. وأن يفهموا أن الناموس كان درجة بدائية في التعامل مع الله، أما النعمة فهي إرتقاء في التعامل مع الله. وهو بهذا يحطم كبرياء اليهود في أنهم أصحاب الناموس، دون أن يهاجم الناموس لأن الناموس مقدس إذ هو ناموس الله، لكنه كمرحلة أولي سلَّمنا إلي المسيح الذي هو الدرجة الأعلى في التعامل مع الله. وعمل الناموس بهذا قد انتهى إذ سلَّمنا للمسيح. فالناموس كان يفضح الخطية ولكنه لا يعالجها، لذا فهو لا يبرر الخطاة. ووضع أمامنا الرسول مثال عريسين وعروسة واحدة العريسين هما الناموس والمسيح والعروسة هي أنا. وكانت العروسة مرتبطة بالعريس الأول. فإذا مات أحدهما العريس أو العروسة يتحرر الطرفان إذ انتهى هذا الزواج، ولما كان الرسول لا يريد أن يقول أن الناموس يموت، إذ هو ناموس الله، قال أن العروسة ماتت مع المسيح في المعمودية. ولاحظ أن في إرتباط العروسة مع الناموس كان الناموس يحكم عليها بالموت لأنها خاطئة، والناموس يدين. ولكن بموت العروسة خرجت من دائرة الناموس، إذ لا سلطان عليها منه، فأقسى النواميس لا يستطيع إلا أن يقتل الجسد ولا سلطان له بعد ذلك. وبهذا تحررت وصارت من حقها أن ترتبط بآخر الذي هو المسيح. بعد أن تحررت من الناموس. 

 

آية (2): “فإن المرأة التي تحت رجل هي مرتبطة بالناموس بالرجل الحي ولكن إن مات الرجل فقد تحررت من ناموس الرجل

المرأة مرتبطة برجلها طالما هو حي وفقاً لتعاليم الناموس. فالمرأة هي الأمة اليهودية، أو هي أنا، والأهم أن الأمم لا داعي لتهودهم إذ هم أصلاً متحررين من الناموس وغير مرتبطين به. وموت أحد الطرفين يلغي العقد بين المرأة وحرف الناموس وطقوسه. لكن طبعاً ليس من أخلاقيات الناموس. ولا النبوات التي تشهد للمسيح.

 

آية (3): “فإذاً ما دام الرجل حياً تدعى زانية إن صارت لرجل آخر ولكن إن مات الرجل فهي حرة من الناموس حتى أنها ليست زانية إن صارت لرجل آخر

الرجل الآخر هو أعمال النعمة الإلهية التي لا تتفق مع حرفيات الناموس، من ذبائح وختان وتطهيرات. ومن يموت زوجها أو إذا سقط العقد (بموتها هي) لا تصير زانية إن صارت لرجل آخر (المسيح).

 

آية (4): “إذاً يا إخوتي أنتم أيضاً قد متم للناموس بجسد المسيح لكي تصيروا لآخر للذي قد أقيم من الأموات لنثمر لله.”

لا يقدر أن يقول إن الناموس مات، فهو ناموس الله المقدس (رو31:3 + 14:7). ولكن قال إن الذي مات هو الإنسان ليحيا للمسيح ولكنه بموته تحرر من حكم الرجل الأول أي الناموس بحرفيته. والمسيح لم يكسر الناموس بل أكمله عنّا ومات عنا ودخل هو كعريس للجماعة التي حكم عليها العريس الأول بالموت. إذاً موتنا للناموس لحساب إتحادنا مع المسيح لا يعني إنهيار الناموس بل تحقيق غايته بتقديمنا للرجل الآخر الذي أقيم من الأموات لنقوم معه. قد ُمتُّمْ للناموس فالناموس قد حكم عليّ بالموت بسبب خطيتي، ولكني بالمعمودية مُتْ مع المسيح وإتحدت بجسد المسيح الممات علي الصليب. لكي تصيروا لآخر= لكي ترتبطوا بآخر أي المسيح الذي قام من الأموات (2كو15:5). ولكي نحصل بإتحادنا به (كثمرة لهذا الزواج) ثمار حياة فاضلة يتمجد بها الله = لنثمر لله والإنسان الحي يثمر كما يثمر النبات الحي، ونحن صرنا أحياء بحياة المسيح فينا. بينما في علاقتنا بالناموس لم نثمر لا لسبب خاص بالناموس بل بسبب طبيعة العصيان التي كانت لنا. والنتيجة أن الناموس حكم عليهم بالموت. فثمار الخطية موت وثمر الحياة مع الله بر وحياة أبدية. والآن إذا كنا عروس للمسيح فهي خيانة له أن نتركه ونكون لغيره، لذلك قيل إن محبة العالم عداوة لله (يع4:4).

قَدَّم الرسول 3 أسباب تجعل الناموس بلا صلاحية ولا سلطان إزاء المؤمن المسيحي:-

1. المسيح ونحن فيه أكمل الناموس. هو كان الإنسان الكامل، وطالما أنا ثابت فيه أحسب كاملاً بالرغم من خطاياي، وبهذا أدخل السماء. ونحن نثبت في المسيح بالإيمان والمعمودية وحياة التوبة والجهاد. وهذا معنى أن المسيح كان مولوداً تحت الناموس (غل4:4) أي أنه أكمل الناموس. بل هو الوحيد الذي أكمل الناموس لأصير فيه كاملاً.

2. المسيح بموته أكمل الفداء وأكمل حكم اللعنة والموت وجعلنا بلا خطية والناموس لا سلطان له إلاّ علي الخطاة.

3. قمنا مع المسيح، وبحياة المسيح، والناموس لا يتعامل إلا مع المحكوم عليهم بالموت، كأموات للناموس صرنا أحياء في المسيح.

 

 

آية (5): “لأنه لما كنا في الجسد كانت أهواء الخطايا التي بالناموس تعمل في أعضائنا لكي نثمر للموت.”

لما كنا في الجسد= المقصود بالجسد أنه حينما كان الإنسان العتيق هو الذي يقود ويستعبد أعضائي. ولم يقل لما كنا في الناموس حتى لا يستهين أحد بالناموس. وأيضاً يعني بقوله في الجسد، لما كنا بدون نعمة تساندنا. 

الخطايا التي بالناموس= أي الخطايا التي كشفها الناموس، فالأمراض كانت موجودة وتميت الناس دون أن يعرفها أحد، ثم جاء الطب وكشفها. لكن الناموس يكشف ويأمر ولكنه لا يعين تعمل في أعضائنا= لأن السبب في الخطية ليست الأعضاء أصلاً، إنما الأفكار، والخطية الساكنة فيَّ أي الإنسان العتيق الذي يقود الأعضاء. والرسول يريد أن يقول أنه الآن نتيجة لهذا الاتحاد الروحي الجديد مع المسيح سوف نثمر للحياة الفاضلة ذلك لأنه عندما كنا نحيا حياة جسدية كانت أهواء الخطايا تعمل في أعضاء جسدنا. وكانت تتخذ دافعاً لها لما يحرم الناموس فعله. وكانت لها قوة وتأثير سيئ علي أعضاء جسدنا. نثمر للموت= نعمل خطايا تقودنا للموت (يع15:1).

 

آية (6): “وأما الآن فقد تحررنا من الناموس إذ مات الذي كنا ممسكين فيه حتى نعبد بجدة الروح لا بعتق الحرف

تحررنا= الكلمة اليونانية تشير أنه لم يعد هناك أثر أو فاعلية لأننا متنا= إذ مات الذي كنا ممسكين فيه الذي مات هو الإنسان العتيق الذي كان ممسكاً بالخطية (وليس الناموس وليس الجسد). ممسكين فيه = في قبضته. كان الإنسان العتيق مُمْسِكاً ومُسْتَعِبْداً أعضاء جسدي ويقودها. والآن فالقيد الذي كنا ممَسكين به إنكَسَر وتبدد (مات) حتى إن الخطية التي كنا ممسكين بها لا تعود تمسك بنا.

حتى نعبد بجدة الروح= لم نعد بعد نستعبد للحالة القديمة حين كان الناموس الحرفي يسود. إنما صارت لنا عبادة الروح. وفي عبادة الروح صار الروح القدس يعطي للإنسان إمكانيات جديدة فوق مستوي الناموس [لا تزن صارت لا تنظر لتشتهِ، ولا تقتل صارت لا تغضب، وبينما ندر وجود بتوليون في العهد القديم إزداد عددهم بكثرة في العهد الجديد، وزاد عدد الشهداء، وعلَّمنا المسيح أن نحب الأعداء] فلم يَعُدْ ما يحكمنا الآن هو الناموس الذي يدين، بل ما يقودنا الآن الروح الذي يعين (رو26:8). صرنا لا نعتمد علي الشكليات كاليهود (2كو3:3،6).

عتق الحرف= عتق = قِدَمْ أي الحرفية التي يريد اليهود أن يعيشوا بها. الحرف= أي الشريعة. ووردت القصة الآتية في جريدة الأهرام وهي تعبر عن حرفية اليهود ومظهريات عبادتهم دون روح. فالناموس يمنع العمل يوم السبت، فكان أن اليهود يستأجرون عمال مسلمين من الفلسطينيين ليعملوا لهم، حتى في إضاءة الأنوار وإطفائها. أما عبادتنا نحن المسيحيين فهي بالروح والحق (يو24:4).

 

رو7: 7- 13

آية (7): “فماذا نقول هل الناموس خطية حاشا بل لم اعرف الخطية إلا بالناموس فأنني لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس لا تشته.”

بعد أن أعلن فرحته إذ تحرر من الناموس يتساءل مع السامع، هل الناموس به عيب= هل الناموس خطية= هل هو شريعة للشر، وكيف يكون كذلك والله هو الذي وضعه. حاشا= أبداً فهو بدونه كان الإنسان قد إنحط للحيوانية. وما يجب أن نفهمه أن الناموس كالمرآة فاحص للإنسان هو يفضح الخطية ولكن لا يعالجها، هو يفتح الجرح ويعده للشفاء الذي كان بالمسيح. هو عاجز عن أن يعطي معونة للإنسان هذه التي تعطيها النعمة. فالمرآة (الناموس) تظهر العيوب، والنعمة هي طبيب التجميل الذي يعالج. كان الناموس مؤدبنا إلي المسيح (غل24:3). ولكن الناموس كشف طبيعة العصيان التي فيَّ. وبهذه الطبيعة صار كل ممنوع مرغوب. وكان هذا ليس عيباً في الناموس ولكن في طبيعة الإنسان، الذي عندما يشتهي شيئاً ويُمْنَعْ عنه تلتهب الشهوة فيه بالأكثر. لا تشته= هذه هي الوصية العاشرة.

 

آية (8): “ولكن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية أنشأت فيّ كل شهوة لأن بدون الناموس الخطية ميتة.”

الخطية كانت ميتة بالنسبة لإنتباه الإنسان، أي أن الإنسان لم يكن منتبهاً إليها كعنصر شرير مفسد وقاتل. ولكنها كانت موجودة بالفعل يمارسها الإنسان دون أن يعيها أو يعي خطورتها، وكانت تقتله دون أن يدري. هذه الآية تشبه ما قاله السيد المسيحلو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية” (يو22:15).

بدون الناموس الخطية ميتة = لا يعني الرسول أن الخطية لم يكن لها وجود بدون الناموس، بل يعني أن عملها ونشاطها كان أشبه بحالة من الموت بدون الناموس:- مثال ثعبان في الشتاء يكون متجمداً ويكون أشبه بميت وحينما تسطع الشمس بحرارتها (الناموس) يتحرك الثعبان ويعود للحياة. هنا يُشْكَرْ الناموس الذي يفضح استعداد الإنسان للخطية، لقد أظهر الطبيعة المتمردة التي فيَّ، وزادت خطية العناد. هذا معني الممنوع مرغوب. هذا ما جعل الوصية تثير فيَّ شهوة الخطية. ويُلام الإنسان الذي حَوَّل إستعداد الخطية إلي فعل تعدٍ بإرادته وحب إستطلاعه للشر. ولكن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية= متخذة فرصة تعني أنها قد أعلنت الحرب ضدي وأثارت فيَّ شهواتي بدافع أن كل ممنوع مرغوب (هذه هي طبيعة العصيان والتمرد التي صارت في الإنسان بعد السقوط) كما أقول لإنسان إفتح كل هذه الدواليب، ما عدا هذا الدولاب، ستجده يفتحه وربما أول دولاب يقوم بفتحه). وهذا ما جعل سليمان يقول أن المياه المسروقة حلوة (أم17:9). ولنعلم أن الإنسان بالناموس الطبيعي أي الضمير كان يعرف أن الخطية خاطئة، وجاء الناموس يحددها ويحدد الشهوة بدقة. وكان الإنسان يعرف الشهوة قبل الناموس (سدوم وعمورة /زوجة فوطيفار..) لكن الناموس كشفها للخارج وقننها (صارت لها قوانين). ولنلاحظ أن بولس الذي كان بلا لوم من جهة البر الذي في الناموس كان شاعراً بأن فيه كل شهوة. كانت الخطية الساكنة فيه هي التي أنشأت فيه كل شهوة بسبب الطبيعة الفاسدة. والخطية إنتهزت فرصة بالوصية، هذه إقتبسها بولس الرسول من تصرف الحية مع حواء أي يمكن تعديل الآية ووضع كلمة إبليس بدلاً من الخطية. ومنذ سقط آدم صار كل ممنوع مرغوب بسبب طبيعة التمرد والعصيان التي صارت في آدم.

ولكن هل يُعاب الناموس= أبداً ولنقارن بين الشعب اليهودي والأمم الذين وصلوا لإنحطاط غير عادي. إذ قال فلاسفتهم أن الشذوذ الجنسي هو ميزة للسادة لا يجب أن يتمتع بها العبيد، وبهذا إنحطوا بدرجة أقل من الحيوانات، أمّا الناموس فحفظ اليهود وقلل خطاياهم بقدر الإمكان وسيطر عليهم نسبياً فصاروا أفضل من الأمم، وهذا معني أعطيتني الناموس عوناً. فاليهود بلا ناموس كانوا سينحطون لدرجة أقل من الحيوانات كالأمم.

 

آية (9): “أما أنا فكنت بدون الناموس عائشاً قبلاً ولكن لما جاءت الوصية عاشت الخطية فمت أنا.”

كنت عائشاً قبلاً= لم يقل حياً. فقوله عائشاً هذه تشبه قول إنسان فقير لا يعرف ملذات الحياة ، أو إنسان مريض لا يستمتع بشيءأهي عيشة وبس“. هو كان يتصور في أوهامه أنه حي وفي حالة جيدة ولكنه كان ميتاً بسبب الخطية حتى مع عدم وجود وصية، فالخطية قاتلة. ولكن لما ظهر نور الشمس (الناموس) داخل الحجرة (قلبي) ظهرت القذارة التي في الداخل، وإنتعش الثعبان المتجمد بسبب حرارة الشمس، هذا معني عاشت الخطية= أي إنتعشت بعد أن كانت غير ظاهرة لي. ومت أنا علمت أن بسبب الخطية وإنحرافي الداخلي الذي إكتشفته أنني سأموت. قبل الناموس كانت الخطية موجودة والشهوة موجودة، وبسببهما أهلك الله العالم بالطوفان وأحرق سدوم وعمورة، ثم جاء الناموس ليضيف للإنسان إتهاماً أشد. فمن لا يطيع الوصية يسقط في التعدي. وصار الإنسان يعلم أنه سيموت بسبب التعدي، ولكنه كان غير قادر علي إصلاح حاله، ولا إصلاح إنحرافه الفاسد وميله للإرتداد.

 

آية (10): “فوجدت الوصية التي للحياة هي نفسها لي للموت

هنا الرسول يبرئ الوصية من أي عيب والدليل أن كثيرين صارت لهم حياة بسببها من أبرار العهد القديم. ولكن العيب كان في من يخالفها.

 

آية (11): “لأن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية خدعتني بها وقتلتني.”

بإستبدال كلمة الخطية بكلمة إبليس، نجد أن هذا ما فعله إبليس حين خدع حواء بواسطة الوصية، وكان ذلك بمزج جزء من الحق بجزء من الكذب. وهكذا يفعل إبليس دائماً (فمن يريد أن يحلل لنفسه شرب الخمر يدَّعي أن بولس قال أن قليل من الخمر يصلح المعدة، وهذا لم يقله بولس أبداً راجع 1تي23:5). والشيطان أيضاً إتخذ منع الوصية لبعض الخطايا بأنه أثار الإنسان ليعملها. الخدع مستمرة منذ قالت الحية لحواء لن تموتا فخدعتهم وقتلتهم. لقد قادتني الوصية إلي الموت لأن الخطية التي كانت ساكنة فيَّ إتخذت دافعاً من الوصية وخدعتني فأماتتني. كما أثارت الحية في حواء شهوة أن تصير مثل الله متخذة فرصة بوصية الله لآدم وحواء.

 

آية (12): “إذاً الناموس مقدس والوصية مقدسة وعادلة وصالحة

هو يبرر الناموس ويلقي التهمة علي الإنسان. ويقول أن الناموس مقدس وكل وصية من وصاياه هي مقدسة وعادلة وصالحة. والله أعطي هذا الناموس الصالح لأجل إصلاح الإنسانية. وكل أهدافه خيرة.

 

آية (13): “فهل صار لي الصالح موتاً حاشا بل الخطية لكي تظهر خطية منشئة لي بالصالح موتاً لكي تصير الخطية خاطئة جداً بالوصية

فهل صار لي الصالح موتاً؟ هل صارت الوصية الصالحة سبباً لموتي. وهل القاضي الذي يحكم بالموت علي مجرم عدلاً يصبح قاتلاً. بل الخطية لتظهر خطية = الخطية إختفت وراء الوصية، تخدع الإنسان وتصور له الخطية بلذتها أنها خيراً، وتخفي عنه أن عقوبتها الموت. منشئة لي بالصالح (الوصية) موتاً= إذ تخدعني فأنجذب من شهوتي فأموت. 

لكي تصير الخطية خاطئة جداً بالوصية = لقد ظهرت بشاعة الخطية من نتائجها (الموت واللعنة والحزن والخراب والألم) ظهر كم هي رديئة هذه الخطية إذ أنها بواسطة الناموس الذي هو مقدس وصالح، قد حملت لي الموت (وذلك بسبب: [1] طبيعة التمرد التي صارت فيَّ [2] مخالفة الوصية صارت تعدي). لكن العيب ليس في الوصية بل في من تسلم الوصية ولم يصدق أنها لصالحه. فالشمس تخرج من بستان الزهر رائحة جميلة وتخرج من كومة القاذورات رائحة عفنة. الشمس نفسها التي تذيب الشمع تقسي اللَبِنْ. كلمة واحدة تكون فرصة حياة لشخص وسبب موت لآخر. بل قيل عن المسيح نفسه أنه قد وضع لسقوط وقيام كثيرين (لو34:2).

رو7: 14- 25

الآيات (14-25): “فإننا نعلم أن الناموس روحي وأما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية. لأني لست اعرف ما أنا أفعله إذ لست أفعل ما أريده بل ما أبغضه فإياه أفعل. فإن كنت أفعل ما لست أريده فأني أصادق الناموس أنه حسن.فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا بل الخطية الساكنة فيّ. فإني أعلم أنه ليس ساكن فيّ أي في جسدي شيء صالح لأن الإرادة حاضرة عندي وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد. لأني لست افعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده فإياه افعل. فان كنت ما لست أريده إياه أفعل فلست بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة فيّ. إذاً أجد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الحسنى أن الشر حاضر عنديفإني أسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن. ولكني أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي. ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت. أشكر الله بيسوع المسيح ربنا إذا أنا نفسي بذهني أخدم ناموس الله ولكن بالجسد ناموس الخطية.”

قال البعض أن بولس الرسول في هذه الآيات يعبر عن حالته ما قبل النعمة. وفي إصحاح 8 يعبر عن حالته ما بعد النعمة. وهذا كلام غير صحيح. فما الداعي لأن يكتب بولس الرسول عن حالته ما قبل النعمة. ويقولون هل يعقل أن بولس الرسول بعد النعمة يقول الخطية الساكنة فيّ!! ونقول أن بولس كتب لتيموثاوس عن نفسه قائلاًالخطاة الذين أولهم أنا” (1تي15:1)، ويكتب لأهل غلاطية أن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون (غل17:5). وهذا الصراع سيستمر طالما نحن في الجسد. ولكن لأن بولس الرسول كان ممتلئاً من الروح وعينه مفتوحة رأي خطايا إشمئز منها، لا نراها نحن فقال الخطاة الذين أولهم أنا. الموضوع ببساطة أن هناك درجات للمؤمنين. فكلما قدم الإنسان توبة يسلك في النور فتقل خطاياه وتزداد النعمة داخله، ولكن لابد من وجود خطايا مهما كانت صغيرة، وهذه تحدد كمية الفرح والسلام اللذان يتمتع بهما المؤمن، ويئن المؤمن مشتاقاً للخلاص من هذا الجسد ليتخلص من أهواء الخطايا الموجودة وبذلك يحصل علي الفرح الكامل ولذلك يقول الرسولويحي أنا الإنسان الشقي. من ينقذني من جسد هذا الموت” (رو24:7) وبنفس المفهوم في رسالة فيلبي يقوللي إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح فهذا أفضل جداً” (في23:1) وهذا أفضل جداً لأن الفرح سيكون كاملاً، ويكون الإنسان قد تخلص تماماً من أهواء الخطية، فهل كان بولس في رسالة فيلبي أيضاً يعبر عن حالته ما قبل النعمة

 

فالمتأخر روحياً كثير السقوط، نادراً ما ينتصر، إنسان شهواني، قلَّما يتذوق الفرح. أما المتقدم روحياً يقل سقوطه ويكثر إنتصاره، ويكون إنساناً روحياً، أي خاضع للروح القدس، مملوء نعمة، خطاياه من النوع البسيط لكنه بسببها محروم من الفرح الكامل. فالروحاني تزعجه أي خطية وأي شر، بل وشبه شر، ويئن بإستمرار من وجود هذا داخله. وراجع قول يوحناإن قلنا أن ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا” (1يو8:1). فهل كان يوحنا حينما قال هذا يعبر عن حالة ما قبل النعمة. لابد وأن توجد خطايا، ولكن الناس درجات. فالإنسان كلما ينمو روحياً يضمحل إنسانه العتيق وينمو الإنسان الجديد والعكس صحيح. وكلما نما الجديد صار هذا الإنسان إنساناً روحياً. أي خاضعاً بدرجة عالية للروح القدس.

ناموس الخطية هذا مغروس في طبيعتنا البشرية، يقف دائماً عائقاً عن التأمل في ذلك الصلاح الذي يسحر أنظار القديسين، وهو يعوقنا عن رؤية الله. ولنذكر أن الله علمنا أن نصلي قائلين أبانا الذي في السموات وإغفر لنا ذنوبنا..” وهذه يصليها حتى القديسون، فمن هو الذي يدعي أنه غير خاطئ وبلا ناموس للخطية. وفي القداس نقوليعطي لمغفرة الخطايا، فهل وصل إنسان إلى أنه غير محتاج للتناول لأنه بلا خطية. ولنرى بكاء الأنبا أنطونيوس وحزنه الشديد إنه إستيقظ بعد طلوع الشمس فتأخر عن الصلاة، وإعتبر هذا خطية. إذاً الناس درجات.

 

آية 14: فإننا نعلم = إذا ما هو آت مرتبط بالآية السابقة، وكانت تقول إن الخطية سببت الموت وليس الناموس. فالناموس روحيٌ= أي أوحي به الروح القدس. ولو أطاعه إنسان لصار روحي يسلك في حياة روحية فاضلة. 

أما أنا فجسديٌ= أي من التراب، وتسكن فيَّ الخطية، الإنسان العتيق يستعبد أعضائي. مبيع تحت الخطية= الإنسان العتيق يستعبد أعضائي فأنا مولود بالخطية، هذه الحالة ليست ما قبل المسيح، بل ما قبل التوبة. وفيها يكون الإنسان مستعبد لسيد هو الخطية، وشهوات جسده. الخطية تمتلكه كما يمتلك السيد عبده. إذاً الخطية مني أنا وليست من الناموس. لقد سعيت وراء الشهوات البشرية الجسدية وإستعبدت للخطية فصرت ساقطاً تحت ناموسها فحُسِبْتُ جسدياً. هذا الإنسان لا تحركه سوي شهوات جسده (حقد /حسد /مال/ إمتلاك /جنس)

الناموس روحيٌ= أي بوحي من الروح القدس ويقود الإنسان في الاتجاه الروحي، ولكنه فقط يدين ويظهر الفساد الداخلي، أوامر دون معونة أمّا النعمة فالروح القدس يسكن فينا ليعين ضعفاتنا، لذلك فالناموس يدين، أما النعمة فتعين.

ماذا فعل فيَّ ناموس الخطية؟

1. شوه معرفتي:- آية15 هي شوهت التمييز بين الخير والشر من كثرة السقوط والإعتياد عليه، فصار الزنا يسمي حباً والرشوة تسمي هدية هذه حالة عمي روحي. صار الإنسان مسلوب التفكير، صار كمن لا يعرف، غير قادر علي الإحجام عن الخطية وعمل البر عوضاً عن الشر.

2. أفقدتني الإرادة الصالحة العاملة:- أية15 “ما أبغضه فإياه أفعلهي شوهت البصيرة أولاً وسيطرت علي الإرادة فصارت شهوة جسدي هي التي تقودني. ولاحظ أن قولهما أبغضه فإياه أفعل“. أي لست مجبراً ولذلك سأحاسب علي عملي إذ لست مجبراً.

3. أفسد جسدي:- 

في 1. رأينا ناموس الخطية يشوه المعرفة الروحية. 

وفي 2. رأيناه يحطم الإرادة القوية. 

وهنا نراه في أية17 يعطي سكني الخطية في الإنسان، في داخله، ويصير ناموسها عاملاً في أعضائه، فصارت الأعضاء آلات إثم تعمل لحسابه.

وماذا عن عهد النعمة؟

  1.  المعمودية هي إستنارة (نقرأ إنجيل الأعمى يوم أحد التناصير. عموماً الروح القدس يفتح الحواس ويدربها (عب14:5). عموماً الحواس الروحية تنفتح علي السماء، فأنقياء القلب يرون الله ويميزوا صوته (مت8:5 + يو4:10).

  2.  الله يعين الإرادة الضعيفة، فالروح القدس يعين (رو26:8). والله هو العامل فينا أن نريد وأن نعمل (في13:2). ولكن هي تدعيم وليس إجبار.

      3.      صرنا هياكل للروح القدس ليسكن فينا.. هذه هي الخليقة الجديدة.

آية15: كما قلنا فهذه حالة عمي روحي، كما يقول أحدمش عارف أنا بأعمل كده ليههو مستعبد بالكامل للذته. هو يعرف أن هذا خطأ لكنه كأنه لا يعرف، فهناك دافع داخلي يدفعه ليخطئ، مثل من أتوا به للمسيح، وكان عليه شيطان يرميه في النار وفي الماء. الخطية صيرته كمجنون.

لأني لست أعرف= ليست المعرفة النظرية، فإنه بناموس الطبيعة يعرف الإنسان الخطية، ولكنه يقصدصرت كمن بلا معرفةغير قادر أن أمتنع عن الخطية، مثل السكير الذي يشرب الخمر وهو يعرف ضررها، كما قال الشاعرداوني بالتي كانت هي الداء“. أفعل ما أفعله بعماء وأنا سَكِر بأهواء الخطية. فأنا لا أفعل هذا الذي أريده من أعماق قلبي، بل أفعل هذا الذي أبغضه لأنني واقع تحت ظلام الخطية (هذا هو حال المدمن، أو من يعرف أن السيجارة ستقتله ومازال يدخن). إذاً من ذا الذي يفعل فيَّ ما لا أريده. فالنفس تكره ما أنا فاعله ولا تريده، وهذا يشهد للناموس أنه حسن. إذاً هي الخطية الساكنة فيَّ، التي تكوِّن في الإنسان ذاتاً أخري غير ذاته، إنسان أخر يثير حرباً، ويستعبد أعضائي، وأنصار هذا الإنسان الشهوات الزائفة، هو روح الشهوة التي إن زاغت عن ما هي معدة له أثارت حرباً علي الإنسان وإستمالت حواسه. وبالنسبة للمتقدمين روحياً فهذه الآية تفسَّر علي الأفكار وليس الأفعال، فالأفكار لا إرادية (2كو5:10). وهذا نفس ما إشتكي منه داود (مز12:19،13). ونلاحظ أننا لا نقدر أن نمنع الفكر عن أن يأتينا من الخارج إلي ذهننا، لكننا قادرون أن نمتنع عن طاعته أو ممارسته. والإنسان الجسداني حينما يبدأ تحوله ليصبح إنساناً روحياً يسقط أولاً في ممارسة بعض الأعمال الخاطئة، ثم يمتنع عن الأعمال ويتبقي بعض الشهوات، ثم يقتصر الأمر علي بعض الأفكار.

آية16: ما لست أريده= أي ما يشهد لي الناموس الطبيعي (عقلي وضميري) بفساده. فإذا كنت أشعر بعدم الرضي وعدم الإرتياح لما أفعله من إثم، فأنا إذاً أتفق مع وصايا الناموس. وهناك سؤال.. إذا كان عقلي يصادق الناموس فلماذا أفعل عكس ما يقوله ويشهد به عقلي؟ السبب أن الإنسان العتيق لم يمت بالكامل، أو أكون أنا أثرته وجعلته يستيقظ وأكون أهملت تغذية الإنسان الجديد بكلمة الله.

آية17: الخطية الساكنة فيَّ هي كدكتاتور مستبد، هي التي تفعل ما أفعله وتلزمني به. فما أفعله ليس راجعاً لإرادتي وعقلي، وإنما من أصل الشهوة الراسبة فيَّ والتي أنحرفت وورثتها أنا من آدم. ولكن الله قادر أن يدعم إرادتي (في13:2).

آية18:- أي إني أعلم أنه لا يوجد في داخلي شئ صالح. وعندما أقول فيَّ فإني أقصد في ذاتي بعد أن صرت تحت سيطرة وسلطان إنساني العتيق الذي ينجذب بسهولة إلي الخطية. وليس فيَّ شئ صالح لأنه من ناحية إرادتي للخير ولعمل الفضيلة، هذه الإرادة تحت سلطاني وفي مقدوري، إلاّ أن فعل الصلاح وفعل الخير والفضيلة أمر ليس في متناولي. هنا نري أن الرسول يميز بين الإرادة والفعل، فالإرادة تقابل الرغبة والإختيار. ومن عمل النعمة في المسيحية تقوية الإرادة.

آية19: المشكلة في العجز عن تنفيذ الرغبة الصالحة وفعل الإرادة الصالحة، هي في الخطية الساكنة فيَّ وليست في جسدي، فجسدي الذي صنعه الله هو جسد صالح، ولكن سكنت فيه الشهوة الخاطئة، وصارت تستميله لصنع الشر، وتضعف إرادته لصنع الخير. ولما جاء المسيح حملني معه ليصلب الخطية ويسكن هو فيَّ، في داخلي فأقولأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في (غل20:2). فإن كنا قد سبق وسلمنا أعماقنا للخطية، فلنحسب أنفسنا أمواتاً، فلنمت مع غالب الخطية فيملك هو فينا ونستتر نحن فيه (كو3:3،4).

آية20: لنعلم أن الإنسان طالما هو في الجسد، في زمن الجهاد، لن يُعصَم من الخطأ، بل عليه أن يستمر في جهاده ليعينه الله في ضعفه حتى يكمل أيام غربته بسلام.

آية21: أجد الناموس= الناموس هنا هو قانون حياتي، أو نظام حياتي. ونتيجة لسكني الخطية فيَّ، أجد في نفسي التي تريد أن تفعل الخير. أجد أن هناك قانوناً في داخلي يجعل الشر أقرب إلي الخير. علي الأقل  سيحدث في الداخل أفكار خاطئة علي الرغم من عدم التنفيذ. مثال:- بولس حينما ضُرِب قال لرئيس الكهنة ليضربك الله أيها الحائط المبيض. ففي داخله إرادة أن لا يشتم لكنه وجد الشتيمة قد خرجت، أما المسيح الكامل فلم يفعل هذا.

آية22: علي أنه من الواضح أنه علي الرغم من سلطان الشر، فإن عقلي وقلبي اللذان يمثلان الإنسان الباطن يشعران بسرور بما يوصي به ناموس الله. علي الرغم من أن ناموس الخطية يطلب العكس. والإنسان الباطن لبولس ولأي مؤمن تائب هو الإنسان الجديد المولود بالمعمودية (2كو16:4 + أف16:3) هو الإنسان الذي يقوده الروح القدس والمتصل بالله.

أية23: علي إني أشعر بأن هناك ناموساً آخر وقوة أخري تسيطر عليَّ وتتحكم في أعضائي، هذه القوة، وهذا الناموس هما ناموس الخطية وقوتها. هذا الناموس يقف موقف المعارض والمقاوم لكل ما يقتنع به عقلي وقلبي وضميري، كناموس صالح.

ناموسي ذهني= هو ضميري (مازال في ضمير كل إنسان بصيص من نور) ولاحظ رقة البحارة مع يونان، ونري فيهم صورة للضمير الذي وضعه الله في العالم كله. وهو ناموس (قانون) لأننا لو طلبنا من أي إنسان في العالم كله وصايا لتحكم مجتمعه، فناموس الخطية العامل فيه (شهوته) قد تجعله يضع قانوناً يبيح الزنا، ولكن ذهنه سيقول لا لئلا يحدث هذا مع زوجته أو إبنته لذلك سنجده يضع قانوناً يقوللا تزنوبهذا سيتفق مع الوصايا العشرة. إذاً العقل بلا شك يسيطر علي جموح الشهوة.

آية24: هذه الآية تعني أن الرسول يريد أن يتحرر من هذا الجسد الحالي الذي هو خاضع لناموس الخطية، ليحصل علي الجسد الممجد وليعيش في كمال الحرية وكمال البر والفرح والمجد. وهو يجد أن جسده هذا يعوقه عن كل هذا وعن رؤية السماء بأفراحها. فيئن ويشتاق للحصول علي هذا الجسد الممجد والطريق الوحيد، هوموت هذا الجسد الحالي (1كو42:15،43) وهذه الآية متطابقة مع الآيةلي إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً“. لذلك فهذه الآيةويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموتقيلت من بولس وهو في عهد النعمة، فلا يمكن لإنسان مهما كان أن يشتهي الموت فيما قبل عهد النعمة. ونفس المعني نجده في (رو23:8) أنه يئن متوقعاً التبني، أي يشتاق أن يغادر جسده الحالي ليلبس الممجد، ويعيش في عشرة القديسين ويري الله.

أية25: إني أقدم الشكر لله الذي خلصني بواسطة يسوع المسيح ربنا. هو يشكر وسط شكواه، فالشكر والتسبيح يعطيان لذة وعلاج ضد المخاوف والأحزان. وهنا نري ناموسين يعملان في بولس:-

ناموس ذهنه وناموس الخطية (الخطية الداخلية تستعبد أعضاءه) فبالنعمة الإلهية تقدست حياته. ولكن مازالت الخطية تحاربه، لأنه مازال في الجسد. وهذا هو مفهوم النصرة الإلهية، فالنصرة مرتبطة بالجهاد الذي لا ينقطع ضد الخطية الساكنة فينا (عب4:12). وخلال هذا الجهاد يسندنا الرب الساكن فينا ومن يغلب سينال مكافأته (رؤ2،3) وحسب جهاده. فبولس نفسه كان يقمع جسده ويستعبده. ولاحظ أن الله لم يخلق إنساناً قديساً وإنساناً شريراً، فحتى رسوله بولس يقول أن هناك أهواء خطية تجذبه وتبعده عن الأمور السماوية لينشغل بذهنه في أشياء أرضية. وهو بناموس ذهنه يفرح بالله ويسعي علي الدوام أن يكون متحداً به وحده، ويقول أن ناموس الخطية هذا لم يستطع أن يمنع فرحه بناموس الله. ولكن الفرح ليس كاملاً فناموس الخطية الكائن في أعضائنا يمنعنا عن الفرح الكامل، وهذا سر شهوة القديسين للإنطلاق.

ولاحظ أن الرسول هنا يشكر علي أشياء روحية، أنه بذهنه يخدم ناموس الله، هذا لأن عينه مفتوحة، فهو يشكر علي أشياء روحية (المجد المعد لنا والتبني) أما ذوي العيون المغلقة فهم يشكرون علي أشياء مادية، وما الذي فتح عين الرسول؟ أنه ثابت ومتحد بالمسيح= أشكر الله بيسوع المسيح ربنا. وهذه تعني أنه ثابت في المسيح. ومن يثبت في المسيح يمتلئ بالروح، ومن يمتلئ بالروح تنفتح عيناه فيدرك عطايا الله الروحية.

تفسير رومية 6 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد تفسير رومية 8
 القمص أنطونيوس فكري
تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى