تفسير رسالة كورنثوس الأولى ٢ للقمص أنطونيوس فكري
شرح كورنثوس الأولى – الإصحاح الثاني
بولس هنا يُظهر أنه منقاد بالروح القدس، ويدعونا أن نعطى فرصة للروح القدس أن يقودنا ويعلمنا ويعمل فينا.
الآيات 1 – 4
آية 1 :- وأنا لما أتيت إليكم أيها الاخوة أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة مناديا لكم بشهادة الله.
سبق في (1 : 28) أن قال أن الله إختار المزدرى وغير الموجود ليعمل بهم. وهو هنا يحسب نفسه من بين المزدرى وغير الموجود الذي أرسله الله ليكرز. وبولس لم يأتى بفلسفات عالية عالمية أو بشرية، فأية حكمة أو فلسفة عالمية هذه القادرة أن تجعل أحداُ يؤمن بإله هو نجار صُلِبَ ومات ويقول بولس أنه قام. هذا يحتاج لقوة عمل الله الذي عمل في بولس فتكلم، وعمل في أهل كورنثوس فتحركت قلوبهم وآمنوا. ولاحظ أنه يكلم اليونانيين وهؤلاء قد إشتهروا بالفلسفة والحكمة. وهناك أنواع من الحكمة 1) حكمة عالمية يحصل عليها الإنسان من خبراته في هذه الحياة وهى تفيد في هذه الحياة لكنها لا تصلح للكرازة 2) حكمة شيطانية، وهذه نجد الإنسان فيها يكذب ويحتال ويغش ليصل إلى ما يريده، وهذه مرفوضة تماماً. 3) حكمة يعطيها الروح القدس، وهذه هي التي تكلم بها بولس في كرازته وهذه الحكمة طالما هي من الروح القدس تكون مصحوبة بقوة تؤثر في السامع.
آية 2 :- اني لم اعزم أن اعرف شيئا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبا.
الصليب هو علامة حب الله غير المحدود لنا ” ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه ” (يو 15 : 13). والتأمل فيه يلهب النفس بحب الله إذ نكتشف محبته. لذلك كان موضوع كرازة بولس هو الصليب ولم يترك هذا الموضوع، فجوهر الحياة المسيحية هو الصليب، والمسيح المصلوب الذي دفع ثمن خطايانا… ” بموتك يارب نبشر ” ولذلك نجد الصليب في كل مكان في الكنيسة. ومن ينشغل بحب المسيح الظاهر على الصليب فهو لن يلتفت لشيء آخر مثل الخصومات، بل أن الصليب له قوة تأثير على النفس فينسى الإنسان كل ما عداه. إذ لا يؤثر في الخاطئ فلسفات الكلام ولا السفسطة بل أن الله أحبه ومات لأجل أن يغفر له.
آيه 3 :- وأنا كنت عندكم في ضعف وخوف ورعدة كثيرة.
الرسول كان في ضعف وخوف.. 1) واجه مقاومة شديدة من اليهود واليونانيين دون أي حماية مادية 2) كان خائفاً على من آمنوا أن يضعفوا فيتركوا الإيمان ” من يضعف وأنا لا أضعف ” (2كو 11 : 29) 3) كان خائفاً أن لا تنجح رسالته. ولكنه لم يأتى بشجاعته الشخصية ولا معتمداً على فلسفته أو قوته، بل كان معتمداً على قوة الله، فالقوة والشجاعة تناسب إنساناً يعتمد على نفسه. ولذلك نجد في (أع 18 : 9) أن الله يشجعه قائلاً ” لا تخف بل تكلم ولا تسكت لأني أنا معك ولا يقع بك أحد ليؤذيك ” (أع 18 : 9، 10). والخوف طبيعي ناشئ من ضعف الطبيعة البشرية.
آية 4 :- وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة.
لم أعتمد في كلامي وكرازتى على إثباتات عقلية بل على عمل الروح القدس الذي أقنع السامعين فتركوا شهواتهم الماضية وتابوا بل صارت لهم مواهب وعمل عجائب. وعلى كل منهم أن ينظر داخله ليرى ثمار الروح = برهان الروح والقوة = قوة تغييرهم من حال إلى حال. فإذا كان الله هو الذي عمل فيه وفيهم فلماذا يتحزبوا له أو لغيره ويكون هناك شقاق.
الآيات 5 – 8
آية 5 :- لكي لا يكون إيمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله.
لم يستعمل بولس الحكمة البشرية لئلا يُنْسَبْ إيمانهم لفضل بشرى فيتعطل صليب المسيح. فكل حكمة بشرية هي متزعزعة غير ثابتة. بينما قوة الله فثابتة والروح القدس يُعطى الإقناع للسامع، ويُعطى الكارز قوة عمل المعجزات.
آية 6 :- لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين ولكن بحكمة ليست من هذا الدهر ولا من عظماء هذا الدهر الذين يبطلون.
الكاملين = الناضجين روحياً أي المتقدمين في حياتهم الروحية، الذين إختبروا المسيحية كقوة تغيير في حياتهم تجعلهم مولودين من جديد بحياة جديدة وليس كعلم ونظريات فقط. لكننا نتكلم بحكمة = سبق في آية 4 وقال أنه لا يتكلم بحكمة وكان يقصد بذلك الحكمة الإنسانية. وهنا يقول أنه يتكلم بحكمة أعطاها له الروح القدس. وهذه الحكمة يفهمها الكاملين.
حكمة ليست من هذا الدهر = حكمة هذا الدهر لا تستطيع أن تقنع أحد بالمسيحية، بل لها ميول وإتجاهات خاطئة من غش وتحايل وكذب ولا من عظماء هذا الدهر= مثل مجمع السنهدريم ورؤساء الكهنة عند اليهود ومثل هيرودس وبيلاطس وملوك الرومان، فهؤلاء قادتهم حكمتهم لأن يصلبوا الرب يسوع، وهؤلاء العظماء يبطلون =مصيرهم الزوال وسلطانهم مؤقت، لذلك ففي كرازتى أنا بولس لا أعتمد على هؤلاء بل على قوة الله.
آية 7 :- بل نتكلم بحكمة الله في سر الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا.
بحكمة الله في سر = حكمة الله هي تدبير الله للخلاص أي تجسد وفداء المسيح، وبالصليب تم خلاص اليهود والأمم، وصار لهم ميراث السماء = لمجدنا. وهذا هو الإنجيل الذي يبشر به بولس. وكان هذا سراً مكتوماً منذ الأزل، لم يُكشف لا لليهود ولا للأمم بل ولا للملائكة. وإحتفظ به الله سراً حتى لا يفسد الشيطان خطة الصليب (آية 8). وما زال هذا الأمر سراً على غير المؤمنين وعلى الأشرار والأطفال في الإيمان. هو سر لا يدركه العقل البشرى وحده دون أن يستنير بنعمة الروح القدس. وبالروح نكتشف ما أعده الله لنا من مجد. وتدبير الخلاص أزلي أي أنه غير مستحدث. والله كضابط الكل يجعل الأمور تسير بحرية الناس ولكن يتم من خلال هذا قصد الله.
آية 8 :- التي لم يعلمها أحد من عظماء هذا الدهر لان لو عرفوا لما صلبوا رب المجد.
هنا مقارنة بين الكاملين الذين إنكشفت لهم أسرار المجد الأبدي، وبين عظماء هذا الدهر الذين في عماهم الروحي لم يكتشفوا شخص المسيح فصلبوه. وهذه لنا دعوة للتواضع وعدم الشعور بالعظمة، فهذا يطمس العيون، ونعيش في حسد وخصام. لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد
= هذه تنطبق أيضاً على الشياطين، إذ أنهم لو عرفوا حقيقة الفداء، ومن هو المسيح لما حركوا يهوذا ولا رؤساء الكهنة ولا اليهود، بل لعمل الشيطان أن يوقف الصليب. ولاحظ أن المسيح قال عن الشيطان ” رئيس هذا العالم ” (يو 14 : 30) فهم عظماء هذا الدهر.
الآيات 9 – 12
آية 9 :- بل كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه.
كانت حكمة الله المكتومة في سر ليست فقط في الفداء بل في أنه أعد أمجاد أبدية للإنسان. هنا يظهر الرسول أن حكمة الله التي وهبها لنا، بها نعرف الأمجاد التي أعدها الله لنا في المسيح يسوع. وما أعده الله لنا كان سراً مخفياً قبل المسيح، والآن فالروح يعلنه لنا. ولا توجد آية صريحة إقتبسها بولس الرسول بهذا المعنى. ولكن بولس فهم هذا من (أش 64 : 4 + 65 : 17 + أر 3 : 16). فبولس إستعان بهذه الآيات وأعاد صياغتها بإرشاد الروح القدس.
آية 10 :- فاعلنه الله لنا نحن بروحه لان الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله.
الله أظهر لنا هذه الأشياء المكتومة بواسطة روحه الذي يفحص كل شئ حتى أعماق الله = قوله يفحص إشارة للمعرفة الدقيقة الكاملة، فهو يعرف الأشياء العميقة والسرية التي تختص بالله، وبالتالي يعرف مقدار حب الله لنا وما أعده لنا من أمجاد، هو يعرف فكر الله وقصده وتدبيراته. هنا نرى تمايز الروح القدس عن الآب كأقنوم. والله يعلن لنا هذه الحقائق السماوية حتى نشتهيها. ونحن في المسيح إقتنينا حواس روحية يفتحها الروح القدس ويدربها (عب 5 : 14) وهذه غير الحواس الجسدية، وبهذه الحواس تكون لنا القدرة أن نلتقط ونعرف إعلان الروح لنا. والخطية تطمس هذه الحواس الروحية، لذلك فالإنسان الطبيعي(المولود بحسب الجسد يو 1 : 12، 13) لا توجد له هذه الحواس الروحية، وبالتالي لا يستطيع أن يحكم على الروحيات، أمّا المولود من الله فله هذه الحواس. ومن طمست الخطية حواسه الروحية يقول عنه الكتاب ” لك إسم أنك حي (بحواسك الجسدية) ولكنك ميت (بدون حواس روحية) (رؤ 3 : 1)” أمثلة للحواس الروحية :- النظر :- طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله (مت 5 : 8) السمع :- من له أذنان للسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس (رؤ 3 : 6) التذوق :- ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب (مز 34 : 8) اللمس :- جاءت من ورائه ومست هُدْب ثوبه (مت 9 : 20) + قال يسوع من الذي لمسني (لو 8 : 45) ” هذه لمسة كلها إيمان ” لذلك قال ” قوة خرجت منى ” (لو 8 : 46).
آية 11 :- لأن من من الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه هكذا أيضا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله.
نستطيع أن نفهم أن الروح يفحص كل شئ حتى أعماق الله بالنظر لأنفسنا فلا يوجد من يعرف ما في داخلي سوى نفسي، خفايا قلبي لا يعلمها سواي، هكذا لا يعلم أمور الله سوى روح الله. لذلك نفهم أننا بالعقل يستحيل أن ندرك أمور الله أو نعرف الله، ما لم يعلن الروح لنا ” ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلاّ بالروح القدس “(1كو 12 : 3).
آية 12 :- ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله.
روح العالم = قد تعنى الروح التي إتخذت معرفتها وحكمتها من هذا العالم الغريب عن الله. وقد تعنى الروح التي لم تتجدد بعد ويسود عليها الشيطان الذي يطمس بصيرتها فلا يمكن أن تفهم أو تقبل البركات الروحية المذخرة لنا في الصليب (2كو 4 : 4 + أف 6 : 11، 12). وقد تعنى روح العالم روح إبليس الذي قيل عنه ” الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية ” (أف 2 : 2). بل الروح الذي من الله = نحن أخذنا نعمة الروح الذي أعطى لنا من الله لكي نعرف ما وهبه لنا الله، بل أصبحنا نفهم أسرار الله بسهولة كسر الفداء والتجسد
الآيات 13 – 16
آية 13 :- التي نتكلم بها أيضا لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس قارنين الروحيات بالروحيات.
التي نتكلم بها = بحكمة من الروح القدس نتكلم في الروحيات وليس بحكمة بشرية كالتى يستخدمها البشر في تعاليمهم. الأشياء التي وهبت لنا من الله هي التي نفتخر بها ونعلم بها، ولكن طالما هي روحيات فالأمر متروك لا لحكمتنا البشرية، بل لما يرشدنا إليه الروح القدس ويضعه في أفواهنا. قارنين الروحيات بالروحيات = بالروح القدس ننعم بمقاييس روحيه صادقة فلا نحكم على الروحيات بمقاييس بشرية زمنية، بل نقارن الأفكار الروحية بأفكار روحية والحقائق الروحية نفسرها بحقائق روحية بإرشاد الروح القدس. فبالمقاييس الروحية فمن يترك العالم ويبيع كل ما يملك ويوزعه على الفقراء ويذهب للدير، هذا يعتبر نوع من الجنون، ولكن بالمقاييس التي يعطيها الروح القدس أن مثل هذا الإنسان، إذ عرف الرب يسوع ومحبته حسب كل الأشياء نفاية (في 3 : 8). وبالمقاييس البشرية فلا أحد يقبل الآلام والصليب، أما بالمقاييس الروحية فالمؤمن يفرح بها فهي الطريق الوحيد ليحيا فىّ المسيح (غل 2 : 20). ومن هذه الآية نفهم خطورة إستخدام الآية الواحدة. فإن أردت أن تفهم موضوع إجمع كل الآيات حول هذا الموضوع
آية 14 :- ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لانه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لانه إنما يحكم فيه روحيا.
الإنسان الطبيعي = هو الإنسان المولود بحسب الطبيعة من أب وأم، وُلِدَ من دم ومن مشيئة جسد، مشيئة رجل (يو 1 : 13). مثل هذا الإنسان يقول عنه (المزمور 51 : 5) ” هانذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي ” ويسميه الرسول هنا ” الجسدي ” (1كو 3 : 1 – 4) ويسميهم في (رو 8 : 5 – 8) الذين هم حسب الجسد. والإنسان الجسدي هو من لم تتجدد طبيعته ولم يولد من جديد، ولم يحل عليه الروح القدس، ولم تعمل فيه نعمة الروح القدس فلم يتجدد قلبياً وذهنياً، يعيش فقط لحياته الجسدية وشهواته، مثل هذا الإنسان تكون كل مقاييسه مادية ولا يفهم الروحيات. لا يقبل التعاليم الروحية التي يعلم بها روح الله، بل تبدو أمامه كما لو كانت غير منطقية أو كأنها جهالات (1كو 1 : 23). فالمرأة ساكبة الطيب تصور البعض أن ما عملته هو إتلاف. والولادة الثانية من الماء والروح لم يستطع نيقوديموس أن يفهم معناها. هذا الإنسان الجسدي لا قدرة له على فهم الأمور الروحية فهذه لا يمكن فهمها إلاّ بواسطة الإستنارة التي يعطيها الروح القدس وهذه ليست موجودة عند الإنسان الطبيعي. مثل هذا الإنسان الطبيعي من طبيعته أنه بسبب الأنا الموجودة فيه يدخل في خصومات وشقاقات ويكون كثير المشاكل (1 كو 3 : 1 – 4). هذا الإنسان يكون غير خاضع لعمل الروح القدس الذي يملأ القلب محبة. هذا الإنسان الطبيعي يريد إثبات ذاته فيتشاجر ويحسد، والحسد فكر داخلي يترجم لعمل خارجي هو الخصومات. لأنه عنده جهالة = الإنسان الطبيعي يعتبر التجسد والفداء والقيامة جهل. يحكم فيه روحياً = كل مالروح الله لا يميزه إلاّ من يسكن عنده روح الله فيعطيه إستنارة ويحرك ذهنه ليقتنع، وحينئذ يطيع الإنسان الوصية بالفكر والإرادة والعاطفة.
آية 15 :- واما الروحي فيحكم في كل شيء وهو لا يحكم فيه من أحد.
وأمّا الروحي = الإنسان الروحي هو من آمن وإعتمد وحل عليه الروح القدس، ويحيا في توبة ونقاوة، فتكون حواسه الروحية مفتوحة. هذا الإنسان الروحي لم يعد إنسانا طبيعياً بل صار مولوداً من الله (يو 1 : 12). هذا عملت فيه النعمة فجددت ذهنه وفتحت حواسه، صار خليقة جديدة في المسيح (2 كو 5 : 17). لقد أعاد الروح القدس تشكيله من جديد. وهناك مشكلة فإن بعض المؤمنين إذ يسقطون في خطايا كثيرة يعطون لأنفسهم العذر، أنهم مثل باقي البشر، وهذا فيه إنكار لعمل الفداء وتجديد الروح القدس. ولنعلم أن من لا يصير خليقة جديدة تختلف عن العالم فلا نصيب له في السماء (غل 6 : 15). الإنسان الروحي لو أهين سيسمع صوت الروح القدس ” لا تنتقم لنفسك ” فيقول لمن أهانه ” الله يسامحك “. مثل هذا الإنسان يسمع عظة أو يقرأ في الكتاب المقدس فيتزلزل داخله، صارت له حساسية لصوت الله، ولو دعاه أحد لخطية ينفر نفوراً شديداً.
وكيف نكون روحيين ؟ بأن نمتلئ من الروح. وكيف نمتلئ من الروح ؟ بالصلاة والطلب بلجاجة أن نمتلئ (لو 11: 13، 9) + (لو 18 : 1 – 8) ولاحظ أن الإنسان الطبيعي أقصي ما يصل إليه أن يعيش بحسب حكمة هذا العالم، لكنه لا يستطيع أن يمتد ببصره إلي السماء، يفرح بها أو يشتهيها أو يراها. أما الروحي فيستطيع أن يرى السماويات ولكن قطعاً كما في لغز كما في مرآة (1 كو 13 : 12). فالروحي حصل علي الروح القدس الذي يفحص كل شيء حتى أعماق الله. ولكن عمل الروح القدس يبدأ بالتبكيت علي الخطية وعلي البر.. ومن يستجيب يبدأ الروح يعلمه، فهو يعلم ويذكر بما قاله المسيح وبعد هذا يخبرنا عن المسيح فنحبه ومن يمتلئ قلبه حبا تنكشف له السماويات (يو 16 : 8 – 10) + (يو 14 : 26) + (يو 16 : 14) + (1 كو 2 : 10)
ولاحظ أن الرسول هنا يعاتب أهل كورنثوس علي التحزبات والشقاقات بينهم (من يتبع بولس ومن يتبع أبلوس، ولكن وراء كل هذا الأنا). ومعني كلام الرسول أن من لا يزال في شقاق فهو جسداني. أمّا الروحاني الذي إنكشفت له أمجاد السماء، فهو في فرح بما إنكشف له، وما عاد منشغلاً بأي تفاهات في هذا العالم، بل ما عاد منشغلاً بذاته ولا بهذه الأنا.
ولاحظ السلم الروحي الذي في هذه الآيات. فقاع السلم، من فقدوا الحواس الروحية، ولم يعرفوا المسيح فصلبوه.ومثل هؤلاء اليوم من لا يوافق علي أحكام الله ويصطدم به. وقمة السلم الإنسان الروحاني وعينه مفتوحة علي السماء، أحب المسيح وشبع به، ورأي أمجاد السماء.
هذا الإنسان الروحي الذي تجدد بالروح القدس ويقوده روح الله. فهذا تكون له الإمكانية أن يحكم في كل شيء، فهو يستطيع أن يحكم علي الأشياء المادية بحكم أنه إنسان. ويستطيع أيضاً أن يحكم في الروحيات بفاعلية الروح القدس الذي يسكن فيه. لقد صار له روح التمييز. أما الإنسان الطبيعي فلا يُدرك حقيقة الإنسان الروحي ولا الأمور الروحية.
آية 16 : – لأنه من عرف فكر الرب فيعلمه وأما نحن فلنا فكر المسيح
لأن من عرف فكر الرب فيعلمه = الاقتباس من (أش 40 : 13) أي الإنسان الطبيعي لا يُدرك ولا يستطيع أن يدرك الإنسان الروحي، فهو غير مستنير بروح الله، وهذا لا يستطيع أن يعرف فكر الله ومشيئته. مثل هذا الإنسان ليس من حقه أن يحكم علينا أو يعلمنا لأنه لا يعرف فكر المسيح. ما يُريد الرسول أن يقوله أن حُكم الفلاسفة على تعليمي باطل فهم لا يعرفون فكر الله. أمّا من عَرِف فكر الرب فهذا يستطيع وله الحق أن يُعَلِّمَهُ للناس، وهذا ما يعمله الرسول. وأمّا نحن فلنا فكر المسيح = الله في محبته حين رآنا غير قادرين أن نقترب إليه بسبب آثامنا، إقترب هو إلينا ليخلصنا، ووضع فينا أن نثبت في المسيح وتكون لنا الحياة هي المسيح (في 1 : 21) (راجع في المقدمة – نقطه (Ι) في “كيف فهم بولس الرسول أهمية الألم والصليب“) وبهذا وضع الله فينا كل ما للمسيح حتى فكر المسيح، وفكر المسيح هو فكر باذل وليس فكر شقاق وخصومات. وإن كان الله يعطينا فكره فكيف ننحاز لأشخاص. وهذا هو موضوع الإصحاح القادم الذي يتكلم عن الشقاقات.
ملحوظة :- من له فكر المسيح كيف يحكم فيه من أحد.
ولا يعنى هنا أننا صرنا نعرف كل ما يعرفه المسيح، بل أن ما نعرفه هو من عنده.
أقرأ أيضاً
تفسير كورنثوس الأولى 1 | تفسير رسالة كورنثوس الأولى | تفسير العهد الجديد |
تفسير كورنثوس الأولى 3 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير رسالة كورنثوس الأولى | تفاسير العهد الجديد |