تفسير رسالة كورنثوس الأولى ٧ للقمص أنطونيوس فكري

شرح كورنثوس الأولى – الإصحاح السابع

مقدمة

 إعتباراً من هذا الإصحاح يجيب الرسول على الأسئلة التي وجهت إليه ولمعالجة كثير من المشاكل. ومنها أن المسيحيين توقعوا في بداية المسيحية سرعة مجيء السيد المسيح، فظن كثيرون أنه من الواجب أن يتركوا ممتلكاتهم وزوجاتهم وبيوتهم مِمَّا كان سيقوض البيوت المسيحية لولا انتباه الرسل. وهنا الرسول يرد على تساؤلات بخصوص الزواج والطلاق والبتولية. ولقد ثارت هرطقات كثيرة تدعو لنجاسة الزواج وربما تأثر بها الكورنثيون. وكان لهم تساؤلات عن العلاقات الزوجية. ونفهم من ردود الرسول أن العلاقات الجسدية من خلال سر الزواج علاقات طاهرة، فالله خلقنا هكذا. ولكن نجد الرسول يفضل البتولية على الزواج، فالموضوع درجات، فهناك درجة أعلى من درجة. وكل له طريقه الذي رسمه له الله، ولنتصور أن الشعب المسيحي كله إختار طريق الرهبنة أو البتولية، بهذا ستنقرض الكنيسة كلها خلال عدة سنوات والله هو الذي أسس سر الزواج حين قال الله لآدميلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً” (تك 2 : 24). والبتولية ليست هدفاً في حد ذاتها، بل المطلوب تكريس الطاقات كلها لعبادة الله. وبولس يوصى المتزوجون أن يمتنعوا عن العلاقات الجسدية لفترات يتفرغون فيها للصوم والصلاة فقط فلوإنشغل المتزوج بشهواته ينخفض مستواه الروحي. وحين يتفرغ المتزوج للصوم والصلاة فقط دون الانشغال بالشهوات الجسدية يتدرب على الحياة السمائية ففي السماء لا توجد علاقات جسدية. على أن الرسول يشترط موافقة الطرفين (الزوج والزوجة) على هذا الامتناع حتى لا تفقد الأسرة سلامها. أي من حق طرف أن يمارس العلاقات الجسدية حتى في وقت الصومفالزواج أصلح من التحرقولكن يبقى من يفعل ذلك في درجة روحية أقل. وقطعاً فمن يرفض الامتناع عن العلاقات الجسدية فهذا راجع لأنه في مستوى روحي ضعيف، ولكنه حين يرتفع مستواه الروحي نجده قادراً على الامتناع. فالمسألة مستويات. ولا يصح أن يجبر ذو المستوى العالي روحياً، الطرف الآخر ذو المستوى الأقل على الامتناع. عموماً كلما ننمو في الروحيات نزهد في الجسديات حتى المحلل منها. وكلما ننمو في الروحيات تاركين شهواتنا متفرغين لعبادة الرب نتذوق طعم السمائيات والحياة السمائية، والتعزيات السمائية، و هذا ما يطلبه الرسول. لذلك نجده في آية 29 يطلب من المتزوجين أن يعيشوا كأنهم بلا زوجات، فبهذا فقط ينتصروا علي ضيق هذا العالم (آية 26). فمن يحيا حياة اللذات الحسية و تأتي عليه ضيقات هذا العالم نجده ينهار، أما من يحيا متذوقاً طعم اللذة الروحية ينتصر علي التجربة و لا ينهار. ولقد فهم البعض قول الرسول أنه علي المؤمنين ألاً يتزوجوا و ينجبوا بسبب الإضطهاد الروماني، حتى لا يتألموا لألام زوجاتهم و أولادهم وهذا تفسير عجيب وغير صحيح بالمرة. لأنه وإن لم يتزوج الشخص، فهل لا يتألم لألام أبوه وأمه وأخوه وأخته وقريبه وجيرانه.. 

 الآيات 1 – 9

آية 1 : – و اما من جهة الامور التي كتبتم لي عنها فحسن للرجل ان لا يمس امراة.

لا يمس امرأة = المقصود الاتصال الجنسي أي الزواج. و من هنا نفهم أن الرسول يفضل البتولية علي الزواج. 

 

آية 2 : – و لكن لسبب الزنى ليكن لكل واحد امراته و ليكن لكل واحدة رجلها.

قد لا يستطيع كل إنسان أن يحيا حياة بتولية، إذاً فليتزوج، لأن الزواج حصن للحياة الطاهرة ضد الزنا = ولكن لسبب الزنا = إذاً نري أنه من ضمن دوافع الزواج المحافظة علي الحياة الطاهرة الغير دنسة. و هناك تعليم خاطئ أن الزواج فقط للإنجاب. و هذا مخالف لهذه الآية. و نلاحظ أن الزواج مقدس في نظر الرسول (عب 13 : 4) بل أنه شبه الزواج بعلاقة المسيح بكنيسته (أف 5 : 25 – 27). و لكن الموضوع درجات. 

 

آية 3 :  ليوف الرجل المراة حقها الواجب و كذلك المراة ايضا الرجل.

هم تصوروا أنه مع اقتراب مجيء المسيح، علي الرجل أن يترك امرأته. و لكن هنا يشرح بولس الرسول عكس هذا، فلا يجب أن يمتنع طرف عن أن يعطي الآخر حقه، فالمضجع غير دنس (عب 13 : 4). و الله هو الذي أسس الزواج (تك 2) 

 

آية 4 : – ليس للمراة تسلط على جسدها بل للرجل و كذلك الرجل ايضا ليس له تسلط على جسده بل للمراة.

بالنسبة للعلاقات الخاصة بين الرجل و المرأة فعلي المرأة أن تعرف أنها ليست صاحبة السلطان علي جسدها بل السلطان للرجل و العكس صحيح. 

 

آية 5 : – لا يسلب احدكم الاخر الا ان يكون على موافقة الى حين لكي تتفرغوا للصوم و الصلاة ثم تجتمعوا ايضا معا لكي لا يجريكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم.

لا يسلب أحدكم الآخر = لا يمتنع أحد الزوجين عن الآخر. إلاّ أن يكون بموافقة الطرف الآخر. كأن يمتنع الطرفين عن علاقتهما لقضاء فرصة روحية أطول في الصوم و الصلاة يكون فيها سمو عن العلاقات الجسدية. علي أن تعود العلاقات الجسدية مرة أخري حتى لا يتعرض أحد الطرفين إلي تجربة الشيطان بسبب الامتناع عن هذه العلاقة = لسبب عدم نزاهتكم = الأصل يعني عدم ضبط النفس و الانقياد للشهوة الجنسية فيسقط طرف في الزنا. و لاحظ أن الرسول لم يقل هنا امتنعوا من أجل الصلاة و الصوم، وإلاّ صارت العلاقات الجسدية خطية لأنها تمنعنا عن الصلاة و الصوم. لكنه قال لكي تتفرغوا للصلاة و الصوم، أي تزداد أوقاتكم التي تقضونها مع الله. و يزداد تكريس القلب والعواطف لله، فتزداد التعزيات الإلهية. 

 

آية 6 : – و لكن اقول هذا على سبيل الاذن لا على سبيل الامر.

علي سبيل الإذن = موضوع التفرغ للصلاة و إبتعاد طرف عن آخر ليس أمراً أو وصية إلهية، بل الرسول يعطي إذن بذلك، و الرسول يقول هذا حتى لا يظن من لا ينفذ ذلك أنه قد كسر وصية إلهية. الأمر متروك لمستوي النضج الروحي، فهذا طريق الكمال للقادرين. 

 

 آية 7 : – لأني اريد ان يكون جميع الناس كما انا لكن كل واحد له موهبته الخاصة من الله الواحد هكذا و الاخر هكذا.

بولس يفضل أن يكون الجميع بتوليين مثله، لكنه يرجع فيقول أن البتولية موهبة معطاة من الله لا يقدر عليها كل واحد. و ليس سمو مرتبة البتولية معناه رفض الزواج، فكما قلنا أن الذي أسس سر الزواج هو الله نفسه (تك 2 : 24) + ” ما جمعه الله لا يفرقه إنسان ” (مت 19 : 6). و المسيح علي جبل التجلي كان معه موسى المتزوج و إيليا البتول. فالله إختار للبعض أن يحيا في بتولية وإختار للبعض أن يتزوج لينجب أطفال، و إلاّ لتوقف العالم. 

 

آية 8 : – و لكن اقول لغير المتزوجين و للارامل انه حسن لهم اذا لبثوا كما انا.

مرة أخري نراه يفضل البتولية. وللأرمل أن لا يتزوج ثانية. 

 

آية 9 : – و لكن ان لم يضبطوا انفسهم فليتزوجوا لان التزوج اصلح من التحرق.

مرة أخري نراه يقول هذا هو الأفضل أن لا يتزوج الأرمل أوغير المتزوج ولكن إن لم يستطع فليتزوج، فالاستحسان في آية 8 لا يرقي لمرتبة الأمر. التحرق = الاشتعال بنار الشهوة، و خيرٌ من ذلك الزواج. 

 الآيات 10 – 16

آية 10 : – و اما المتزوجون فاوصيهم لا انا بل الرب ان لا تفارق المراة رجلها.

أوصيهم لا أنا بل الرب = يقصد الرسول أن المسيح سبق و علم بهذا، أن لا تنفصل المرأة عن رجلها. فالمسيح علم بأنه لا طلاق إلاّ لعلة الزنا (مت 5 : 32) + (مر 10 : 1 – 12) + (لو 16 : 18). وبولس لم يشير لموضوع الزنا كعلة للطلاق، فهو لا يقدم بحثاً كاملاً عن الموضوع. 

 

آية 11 : – و ان فارقته فلتلبث غير متزوجة او لتصالح رجلها و لا يترك الرجل امراته.

كثيراً ما تحدث منازعات بين الرجل و امرأته ليس لعلة الزنا، بل لأي سبب آخر، فتترك الزوجة منزل رجلها = فارقته وهنا لا يسمح بالطلاق لكن يظلوا منفصلين. فإن لم تستطع الزوجة أن تضبط نفسها فلتعود إلي زوجها فهذا أفضل، و علي الرجل أن لا يترك امرأته تفارق بيتها بل عليه أن يحاول أن يصلحها. 

 

 آية 12 : – و اما الباقون فاقول لهم انا لا الرب ان كان اخ له امراة غير مؤمنة و هي ترتضي ان تسكن معه فلا يتركها.

الباقون = هنا سؤال مهم وجهه أهل كورنثوس لبولس الرسول. إن كان هناك زوجين وثنيين وقَبِلَ أحدهم الإيمان، فهل ينفصل المؤمن عن الطرف غير المؤمن بسبب عدم إيمانه. الرسول يوصي بأن لا يفارق، حتى لا تنهار البيوت و يتشرد الأطفال. أنا لا الرب = أي أن الرب يسوع لم يناقش هذا الموضوع، ولم يذكر وصايا في هذا الموضوع.الدعوة المسيحية إذن لا تحل الزواج القائم بل تزيده حباً وإرتباطاً. أمّا إذا شاء غير المؤمن أن يفارق ليرتبط بطرف آخر فينطبق عليه وضع الزاني، ويسمح للطرف المؤمن بالزواج ثانية، علي أن يتزوج من مؤمن في هذه الحال كما قال في آية 39 ” لكي تتزوج بمن تريد في الرب فقط“. 

 

آية 13 : – و المراة التي لها رجل غير مؤمن و هو يرتضي ان يسكن معها فلا تتركه.

الوضع للرجل كما للمرأة. 

 

آية 14 : – لان الرجل غير المؤمن مقدس في المراة و المراة غير المؤمنة مقدسة في الرجل والا فاولادكم نجسون و اما الان فهم مقدسون.

مقدس في المرأة = أي له فرصة الإيمان بمعاشرة الطرف المؤمن وبصلواته. و طهارة الطرف المؤمن تغلب الدنس الذي في الطرف غير المؤمن. لقد توهم الطرف الذي آمن أنه يتنجس بمعاشرة الطرف الذي لم يؤمن، والرسول رفض هذا المبدأ، فإن الذي يراه الرسول أن الطرف المؤمن لن يتنجس بل سيقدس غير المؤمن وسيؤثر فيه. وإذا كانت الأسرة مستقرة في ظل الناموس الوثني فهل دخول المسيحية إليها يزعزعها ؟ قطعاً لا. فإستقرار الأسرة و الأطفال مطلب مسيحي. أمّا الآن فأولادكم مقدسون 

 1) هم لهم فرصة الإيمان من الطرف المؤمن، بل ربما قام الطرف المؤمن بتعميد الطفل 

 2) هم ليسوا أولاد زنا بل ثمرة علاقة شرعية هي الزواج.

 3) الروح القدس سمح بهذا. أليس هو الذي أوحي لبولس بما قال. 

وهذا ما حدث في الإتحاد السوفيتي حين إنتشرت دعوة الإلحاد الماركسي بين الأباء و الأمهات إلاّ أن الذي كان يربي الأطفال الصغار هم جداتهم الكبارا لذين علموا الأطفال كيف يحبون المسيح. و لقد رأيت هؤلاء الجدات الكبار يأخذون الأطفال الصغار للكنائس و يطلبون منهم تقبيل الأيقونات ويشرحون لهم. وهذا الزواج المختلط كان وضع استثنائي في بداية المسيحية، و قد يتكرر في بلد تدخل فيه المسيحية الآن. و لكن للأسف فقد طبق الإخوة الكاثوليك هذه الآية بطريقة خطأ و سمحوا بالزواج مع غير المؤمنين وهذا مردود عليه : –

1) كان هذا وضعاً إستثنائياً.

2) هو قالإن كان أخ له امرأة غير مؤمنة آية 12 “. و لم يقل إن أراد أحد أن يأخذ زوجة غير مؤمنة. فالمقصود أن هناك زواج قائم بالفعل بين طرفين وثنيين، ثم آمن أحدهما. و ليس الأمر إقامة زواج جديد بين طرف مؤمن و طرف غير مؤمن. 

3) منع الرسول الارتباط بين مؤمن وغير مؤمن (2 كو 6 : 14 – 18)

4) في نهاية الإصحاح (7) و في آية 39 ينص صراحة علي أن من يريد أن يتزوج فليكن هذا في الرب فقط (للأرملة التي مات رجلها). 

 

آية 15 : – و لكن ان فارق غير المؤمن فليفارق ليس الاخ او الاخت مستعبدا في مثل هذه الاحوال و لكن الله قد دعانا في السلام.

إن آمن طرف فأراد الطرف الآخر أن يفارق فليفارق، فإن عاشوا في سلام يكون أفضل، وأما إن رفض غير المؤمن فليفارق لأنه لن يكون سلام بين الطرفين، و سيكون هناك صراع مستمر بين المسيحي والوثني والمهم أن يكون هناك سلام في البيوت. و لكننا نري أن بولس غير مهتم ببقاء هذا الزواج فهو عقد بدون صلوات لله، فالله لم يجمع هذين الزوجين، و بالتالي يصير هذا الزواج غير ملزم.

 

آية 16 : – لانه كيف تعلمين ايتها المراة هل تخلصين الرجل او كيف تعلم ايها الرجل هل تخلص المراة.

إن أمكن أن يحيا الطرفين في سلام فهذا أفضل. و لكن إن أراد طرف الانفصال فلينفصل في هدوء، فربما يتصور الطرف المؤمن أنه عليه أن يجبر غير المؤمن علي الإيمان فيتمسك ببقائه و لا يتركه، و الرسول يقول كيف تعلمين أيتها المرأة هل تخلصين الرجل = أي هل تضمنين أيتها المرأة المؤمنة أن تخلصي زوجك إن أبقيتنه معك عنوة، الإيمان ليس بالإجبار، بل أن العنف لن يأتي بشيء إلا بزيادة عناد الطرف الآخر.

 الآيات 17 – 24

آية 17 :  غير انه كما قسم الله لكل واحد كما دعا الرب كل واحد هكذا ليسلك وهكذا انا امر في جميع الكنائس.

الله حينما يدعو ويقسم لا يظلم أحد، بل هو يعلم استجابة الإنسان لدعوته وبناء علي سابق علمه بميول الإنسان ورغباته واستجابته، و في عدل مطلق يعطي الله الفرصة للجميع لكي يتوبوا و يؤمنوا و إن فعلوا يخلصوا. 

كما قسم الله لكل واحد كما دعا الرب كل واحد هكذا ليسلك = إن دعا الله أحد وهو متزوج فلا يترك زواجه حتى و إن كان من غير مؤمن، وإن دعا الله عبد فلا يهرب من سيده بدعوى أن المسيح حرره، و إنما كل مؤمن يسلك بحسب الحالة التي كان فيها عند قبوله الإيمان. و علي كل واحد فينا أن يقتنع ويكون راضياً بما قسم الله له. المؤمن الحقيقي دائم الشكر علي ما هو عليه، لا يتذمر طالباً تغيير وضعه فالله يستغل الظروف الخارجية أي الأمور الحاضرة و الأمور المستقبلة ليوصلنا للسماء (1 كو 3 : 22). فالله قادر أن يوصلك للكمال من خلال وضعك أياً كان وضعك و مهما كانت ظروفك. و في مثل الوزنات نجد أن الله أعطي لواحد 10 وزنات ولآخر 5 وزنات و لثالث وزنة واحدة، والله سيحاسب كل واحد بحسبما أعطاه. فليبق كل واحد في عمله و ليكن أميناً فيه، عبداً كان أم حراً، متزوجاً أو بتولاً.. و الرسول يقول هذا حتى لا يترك المؤمنين أعمالهم فينقلب النظام الاجتماعي للكنيسة و للمجتمع. فلنشكر الله علي ما أعطانا فلن نعرف ما ينفعنا أكثر منه، ولن نعرف طريق خلاصنا أكثر منه. 

 

آية 18، 19: – دعي احد و هو مختون فلا يصر اغلف دعي احد في الغرلة فلا يختتن. ليس الختان شيئا و ليست الغرلة شيئا بل حفظ وصايا الله.

المسيحية لا تتطلب تغييرات شكلية كالختان، بل تغيير قلبي، فيه نحفظ وصايا الرب. فلا يصر أغلف = لا يسلك في سلوكيات الأغلف أي الوثنيين أي لا يصير أغلف القلب. و قد حدث أن بعض اليهود المختونين المرتدين حاولوا تغيير أشكال أجسامهم. فلا يختتن = الختان غير هام للخلاص (أع 15 : 28) فهذا قرار مجمع أورشليم. لكن علينا أن نعلم أننا صرنا سماويين فلنلتزم بالوصايا السماوية. 

 

آية 20، 21: – الدعوة التي دعي فيها كل واحد فليلبث فيها. دعيت و انت عبد فلا يهمك بل وان استطعت ان تصير حرا فاستعملها بالحري.

علي من قبل الإيمان أن لا يغير حالته التي يكون عليها من حيث وضعه الاجتماعي. فلا يهمك = لا تدع هذا يسبب لك قلقاً لأن المسيحية حرية في كافة نواحي الظروف الاجتماعية حتى لو كان الشخص عبداً لإنسان آخر، وذلك حتى لا تكون المسيحية فرصة لثورة اجتماعية (كو 3 : 22 – 25) + (أف 6 : 5 – 9). و لكن إذا أمكن للعبد أن يصبح حراً بموافقة سيده، فليستغل الفرصة و يتحرر. و لكن لا يضيرك في شيء أن تظل عبداً. المهم أن تعلن مسيحيتك في الأمانة والإخلاص والمحبة والفرح بالحياة الجديدة، فربما تقود سيدك للإيمان. 

 

آية 22 : – لان من دعي في الرب و هو عبد فهو عتيق الرب كذلك ايضا الحر المدعو هو عبد للمسيح.

فهو عتيق الرب = أي العتق الباطني الروحي، لقد أعطاه المسيح حرية الروح و حرره من إبليس ومن شهوات الجسد، وليس مهماً بعد ذلك وضع الجسد حراً كان أم عبداً فهذه عبودية ظاهرية ستنتهي بالموت. و الحرية الحقيقية هي في العبودية للمسيح = الحر هو عبد للمسيح = أي ليس حراً ليفعل ما يشاء. ونفهم من هذا أن الإنسان إمّا يكون عبداً للمسيح الذي حرره أو عبداً للشيطان، ومن يترك عبودية المسيح يستعبده الشيطان من جديد. 

 

آية 23 : – قد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدا للناس.

اشتريتم = المعني هو شراء عبد. إذاً نحن مرتبطين بمن اشترانا أي المسيح. قارن مع (1 كو 6 : 20) بثمن =دم المسيح. فلا تصيروا عبيداً للناس = ليس المفهوم أن العبد يرفض خدمة سيده فهذا يتعارض مع ما سبق و قاله في آية 21 لكن المقصود أن لا تقبل خطايا تُسْتَعْبَد بسببها للناس. 

 

آية 24 : – ما دعي كل واحد فيه ايها الاخوة فليلبث في ذلك مع الله.

ليثبت كل واحد علي الحال الذي كان عليه وقت دعوته للإيمان لكن عليه أن يهتم أن يرضي الله = فليثبت في ذلك مع الله فالمسيحية ليست ثورة اجتماعية بل هي إصلاح للداخل، تغير الباطن فينصلح الخارج وحده.

 الآيات 25 – 35

آية 25 : – و اما العذارى فليس عندي امر من الرب فيهن و لكنني اعطي رايا كمن رحمه الرب ان يكون امينا.

وأما العذارى = من هم العذارى (و قارن مع آية 36) هناك رأيان : – 

أأن العذراء هي بنت رأى أبوها أن لا تتزوج و أن يتكفل بها و يجعلها بتول للمسيح. 

بزوجان تزوجا وإتفقا أن يظلا بلا علاقات زوجية في حياة بتولية، أي أن العذارى هن الأبكار اللواتي لم يسبق لهن معاشرة أزواجهن مع أنهن في حوزة أزواجهن لكنهن إستمروا أبكار. 

فليس عندي أمر من الرب فيهن = ليس معني كلامه أن رأيه هذا ليس من الروح القدس، فالكتاب كله موحى به من الله، لكن المسيح لم يعطي وصيته بخصوص هذه النقطة حينما كان علي الأرض بالجسد. و لكن الرسول يعطي رأياً كإنسان مُعين من قِبَلْ الرب ليقوم بمهمة تعليمهم. هو يقول هذا حتى من يعاشر زوجته العذراء لا يعتبر أنه يرتكب خطية ضد وصايا الله. الرسول يوصي بالبتولية لكن دون إلزام. 

 

آية 26 : – فاظن ان هذا حسن لسبب الضيق الحاضر انه حسن للانسان ان يكون هكذا.

لسبب الضيق الحاضر = وجودنا في هذا العالم هو ضيق، فالعالم مملوء ضيقات لن تنتهي سوى بالمجيء الثاني. و هنا الرسول يفضل ثانية الإستمرار في حياة البتولية، فكلما زهد الإنسان العالم وشهواته يرتفع فوق مستوى ألام هذا العالم و يعيش في سلام المسيح. هذا المبدأ سيتضح في بقية كلام الرسول في الآيات التالية، المقصود هو عدم الإنشغال بالعالم. و لاحظ أن ليس معني كلام الرسول أن الزواج خطأ، فهذا نص عليه صراحة في آية 28 ” لكنك وإن تزوجت لم تخطيءإذاً الأحسن الذي يتكلم عنه الرسول لا يختص بالزواج و التبتل إلاّ من حيث إتصالهما بالإنشغال بالأمور العالمية أو في التفرغ لعبادة الرب والإهتمام بالحياة الأبدية. فلا تشغلنا أمور هذه الحياة عن حياتنا الأبدية.

 

آية 27 : – انت مرتبط بامراة فلا تطلب الانفصال انت منفصل عن امراة فلا تطلب امراة.

أنت مرتبط بامرأة فلا تطلب الانفصال = ليس معني كلامي أن يهجر الأزواج زوجاتهن. بل علي غير المتزوج أو المنفصل أن يظل هكذا. 

 

آية 28 : – لكنك و ان تزوجت لم تخطئ و ان تزوجت العذراء لم تخطئ و لكن مثل هؤلاء يكون لهم ضيق في الجسد و اما انا فاني اشفق عليكم.

مثل هؤلاء يكون لهم ضيق في الجسد = بسبب ما يتطلبه الزواج من مسئوليات تشغلنا عن الإهتمام بالأمور السماوية والتكريس الكامل لله. وبالتالي حرماننا من التمتع بالسمائيات والتعزيات الإلهية التي تخفف الضيق، و الضيق هو طبيعة الحياة التي نحياها في هذا العالم. 

 

آية 29 : – فاقول هذا ايها الاخوة الوقت منذ الان مقصر لكي يكون الذين لهم نساء كان ليس لهم.

الوقت منذ الآن مقصر = في إحدى الترجمات الإنجليزية جاءت هكذا 

THE APPOINTED TIME HAS GROWN VERY SHORT

أي وقت مجيء ربنا يسوع (أو وقت موتنا) يقترب، فطالما الوقت محدد فإن كل يوم يمضي يجعلنا نقترب من اليوم المحدد لمقابلة المسيح. إذاً علي المؤمنين أن ينشغلوا بروحياتهم، فأيام الإنسان قصيرة علي الأرض، هي تعبر سريعاً. و الله أعطانا فرصة حياة واحدة، علينا أن نهتم بأن نمجده فيها و لا ننشغل بملذات الدنيا. 

الذين لهم نساء كأن ليس لهم = علي المتزوجين ألا يعطوا كل قلوبهم و كل حياتهم لأسرهم و ينشغلوا عن حياة العبادة، بل علي المتزوج أن يمارس حياته الروحية كما لو كان غير متزوجاً، يحيا حياة مقدسة و ليست حياة شهوة، فإن لم يفعل كيف يواجه اليوم الأخير الذي إقترب. 

 

آية 30 : – و الذين يبكون كانهم لا يبكون و الذين يفرحون كانهم لا يفرحون و الذين يشترون كانهم لا يملكون.

الذين يبكون (لخسارتهم بموت شخص عزيز أو لخسارة مادية) كأنهم لا يبكون لأن لهم عزاء سماوي، وسريعاً ما سيقابلون من فارقوهم بالموت في السماء. و كيف نحزن علي خسارة مادية والعالم كله سيفني. والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون= فنحن لا نفرح بما يفرح به العالم بل بالسماء. فيجب أن لا يطغي علينا هذا الفرح المادي بل لندرك أن أي فرح مادي دنيوي هو زائل. الذين هم في بداية الطريق الروحي يفرحون جداً بالماديات و يحزنون جداً علي خسارتها. وهذه ليست طبيعة الروحيين الذين يشترون = أملاك وعقارات كأنهم لا يملكون=ما امتلكوه لن يستمر طويلاً فالعالم زائل. عموماً أفراح العالم و بلاياه كلها زائلة و لا ثبات لها. فلذلك لا يليق بالمسيحي العاقل أن يتعلق قلبه بخيرات الأرض و لا يضيق صدره لبلاياها. 

 

آية 31 : – و الذين يستعملون هذا العالم كانهم لا يستعملونه لان هيئة هذا العالم تزول.

ينبغي أن نحتقر كل شيء فهذا العالم فانٍ. الماء لازم لتطفو السفينة عليه، لكنه خطر إذا دخل للسفينة. فعلينا أن لا ندخل محبة العالم لقلوبنا ولا نتعلق به، ولا نغرق في استخدامه بكل شغف ولهفة وإندفاع مغتنمين كل ربحه ومسراته الزائدة كأنما هي غاية الحياة. فحياتنا في هذا العالم هدفها أن نقضي فترة غربتنا لا نشتهي شيئاً فلا نخاف شيئاً. علينا أن نكتفي بما هو لازم وضروري لحياتنا.

آية 32 و 33: – فاريد ان تكونوا بلا هم غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضي الرب. واما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي امراته.

بلا هَمْ = بلا مسئوليات أسرية تعطل عن الإنشغال بالرب، فلو أراد طرف التفرغ للصلاة و الصوم ورفض الطرف الآخر، يكون الطرف الآخر عائقاً. إذاً بولس لا يجعل من الزواج خطية لكنه يريد أن يحرر كل واحد من كل اهتماماته ليتفرغ للرب. فالمتزوج له إرادة أخري تتحكم فيه غير إرادة الله وإرادته وهي إرادة زوجته وذلك بحسب الحقوق التي لها. 

 

آية 34 : – ان بين الزوجة و العذراء فرقا غير المتزوجة تهتم في ما للرب لتكون مقدسة جسدا و روحا واما المتزوجة فتهتم في ما للعالم كيف ترضي رجلها.

لتكون مقدسة = أي مخصصة ومكرسة للرب، ولاحظ أنه لم يقل أن المتزوجة غير مقدسة بل إن اهتمامها بالرب أقل = كيف ترضي رجلها. بينما غير المتزوجة تستطيع أن تهب جسدها و نفسها ووقتها وجهدها للرب.

 

آية 35 : – هذا اقولـه لخيركم ليس لكي القي عليكم وهقا بل لاجل اللياقة و المثابرة للرب من دون ارتباك.

وهقاً = اصل الكلمة شركاً أي لا أقول هذا لأنصب لكم شركاً او أقتنصكم لإرادتي، لا أريد أن اضع عليكم شيئاً فوق طاقتكم أن تحتملوه. إذا كنت حدثتكم عن أفضلية البتولية فلست بهذا أريد أن أثقل عليكم، بل أريد لكم حياة هادئة بعيدة عن الإرتباكات العالمية. 

 الآيات 36 – 40

آية 36 : – و لكن ان كان احد يظن انه يعمل بدون لياقة نحو عذرائه اذا تجاوزت الوقت و هكذا لزم ان يصير فليفعل ما يريد انه لا يخطئ فليتزوجا.

راجع آية 25 و تفسيرها. إن كان احد = إن كان أب قد منع أبنته العذراء من الزواج ليكرسها للمسيح، ثم رأي أن هذا التصرف فيه عدم لياقة فليزوجها = فليتزوجا هي و خطيبها. أو أن المقصود زوجان تعهدا بالبتولية ثم عادا واكتشفا أنهما غير قادرين فليتزوجا. إذا تجاوزت الوقت = في الإنجليزية إنقضت زهرة شبابها أي صارت كبيرة سناً. فإن رأي الوالد (أو الزوجان البتوليان) أن في الزواج حلاً لمتاعبهما فإن الزواج خيرٌ من التحرق. في حالة التحرق فالزواج هو الأفضل. فالزواج هو القاعدة والبتولية هي الإستثناء. وليس من حق الأب أن يرغم إبنته علي شيء لا تستطيع عمله، و لكن بولس حتى لا يغير العادات الاجتماعية لا يطلب من البنت الثورة علي أبيها بل يطلب من الأب السماح لإبنته بالزواج ممن تريده = فليتزوجا.

 

آية 37 : – و اما من اقام راسخا في قلبه و ليس له اضطرار بل له سلطان على ارادته و قد عزم على هذا في قلبه ان يحفظ عذراءه فحسنا يفعل.

إن أمكن فالأفضل البتولية إن رغبت الفتاة و إستحسنت هذا. 

 

آية 38 : – اذا من زوج فحسنا يفعل و من لا يزوج يفعل احسن.

هنا خلاصة ما يريد الرسول قوله. من زوج فحسنا يفعل فالله بارك آدم و حواء ليكثرا و يملآ الأرض، فالله يريد تعمير الأرض. 

 

آية 39 : – المراة مرتبطة بالناموس ما دام رجلها حيا و لكن ان مات رجلها فهي حرة لكي تتزوج بمن تريد في الرب فقط.

راجع تفسير آية 14. فالمرأة مرتبطة برجلها (مؤمناً كان أم غير مؤمن) طالما هو حي و لكن إن مات فلا تتزوج إلا من رجل مؤمن = في الرب فقط.

 

أية 40 : – و لكنها اكثر غبطة ان لبثت هكذا بحسب رايي و اظن اني انا ايضا عندي روح الله

بنفس منطق الرسول فالأفضل للأرملة أن تظل بلا زواج لكي تجد وقتاً لله و لكن الزواج الثاني غير نجس. أظن إني أنا عندي روح الله = كلام الرسول في تواضع، فكلامه موحى به من الله.

فاصل

أقرأ أيضاً

فاصل

تفسير كورنثوس الأولى 6 تفسير رسالة كورنثوس الأولى تفسير العهد الجديد
تفسير كورنثوس الأولى 8
 القمص أنطونيوس فكري
تفاسير رسالة كورنثوس الأولى تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى