تفسير يشوع بن سيراخ 44 للقمص أنطونيوس فكري
الآيات (1-27):- “لِنَمْدَحِ الرِّجَالَ النُّجَبَاءَ، آبَاءَنَا الَّذِينَ وُلِدْنَا مِنْهُمْ. فِيهِمْ أَنْشَأَ الرَّبُّ مَجْدًا كَثِيرًا، وَأَبْدَى عَظَمَتَهُ مُنْذُ الدَّهْرِ. وَقَدْ كَانُوا ذَوِي سُلْطَانٍ فِي مَمَالِكِهِمْ، رِجَالَ اسْمٍ وَبَأْسٍ، مُؤْتَمِرِينَ بِفِطْنَتِهِمْ، نَاطِقِينَ بِالنُّبُوءَاتِ، أَئِمَّةَ الشَّعْبِ بِمَشُورَاتِهِمْ، وَبِفَهْمِ كُتُبِ أُمَّتِهِمْ. قَدْ ضَمَّنُوا تَأْدِيبَهُمْ أَقْوَالَ الْحِكْمَةِ، وَبَحَثُوا فِي أَلْحَانِ الْغِنَاءِ، وَأَنْشَدُوا قَصَائِدَ الْكِتَابِ. رِجَالَ غِنًى وَاقْتِدَارٍ، فَاعِلِي سَلاَمَةٍ فِي بُيُوتِهِمْ. أُولئِكَ كُلُّهُمْ نَالُوا مَجْدًا فِي أَجْيَالِهِمْ، وَكَانَتِ أَيَّامُهُمْ أَيَّامَ فَخْرٍ. فَمِنْهُمْ مَنْ خَلَّفُوا اسْمًا يُخْبِرُ بِمَدَائِحِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ لاَ ذِكْرَ لَهُمْ، وَقَدْ هَلَكُوا كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَطُّ، وَوُلِدُوا كَأَنَّهُمْ لَمْ يُولَدُوا هُمْ وَبَنُوهُمْ بَعْدَهُمْ. أَمَّا أُولئِكَ فَهُمْ رِجَالُ رَحْمَةٍ وَبِرُّهُمْ لاَ يُنْسَى. الْمِيرَاثُ الصَّالِحُ يَدُومُ مَعَ ذُرِّيَّتِهِمْ، وَأَعْقَابُهُمْ يَبْقَوْنَ عَلَى الْمَوَاعِيدِ. تَثْبُتُ ذُرِّيَّتُهُمْ وَبَنُوهُمْ لأَجْلِهِمْ. إِلَى الأَبَدِ تَدُومُ ذُرِّيَّتُهُمْ، وَلاَ يُمْحَى مَجْدُهُمْ. أَجْسَامُهُمْ دُفِنَتْ بِالسَّلاَمِ، وَأَسْمَاؤُهُمْ تَحْيَا مَدَى الأَجْيَالِ. الشُّعُوبُ يُحَدِّثُونَ بِحِكْمَتِهِمْ، وَالْجَمَاعَةُ تُخْبِرُ بِمِدْحَتِهِمْ. أَخْنُوخُ أَرْضَى الرَّبَّ فَنُقِلَ، وَسَيُنَادِي الأَجْيَالَ إِلَى التَّوْبَةِ. نُوحٌ وُجِدَ بَرًّا كَامِلًا، وَبِهِ كَانَتِ الْمُصَالَحَةُ فِي زَمَانِ الْغَضَبِ. فَلِذلِكَ أُبْقِيَتْ بَقِيَّةٌ عَلَى الأَرْضِ، حِينَ كَانَ الطُّوفَانُ، وَأُقِيمَتْ مَعَهُ عُهُودٌ، لِكَيْ لاَ يُهْلَكَ بِالطُّوفَانِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ. إِبْرَاهِيمُ كَانَ أَبًا عَظِيمًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ، وَلَمْ يُوجَدْ نَظِيرُهُ فِي الْمَجْدِ. وَقَدْ حَفِظَ شَرِيعَةَ الْعَلِيِّ فَعَاهَدَهُ عَهْدًا، وَجَعَلَ الْعَهْدَ فِي جَسَدِهِ وَعِنْدَ الاِمْتِحَانِ وُجِدَ أَمِينًا. فَلِذلِكَ حَلَفَ لَهُ أَنَّ الأُمَمَ سَيُبَارَكُونَ فِي نَسْلِهِ، وَأَنَّهُ يُكَثِّرُ نَسْلَهُ كَتُرَابِ الأَرْضِ، وَيُعْلِي ذُرِّيَّتَهُ كَنُجُومٍ، وَيُوَرِّثُهُمْ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ. وَكَذلِكَ جَعَلَ فِي إِسْحَاقَ لأَجْلِ إِبْرَاهِيمَ أَبِيهِ، بَرَكَةَ جَمِيعِ النَّاسِ وَالْعَهْدَ، ثُمَّ أَقَرَّهُمَا عَلَى رَأْسِ يَعْقُوبَ. آثَرَهُ بِبَرَكَاتِهِ وَوَرَّثَهُ الْمِيرَاثَ. مَيَّزَ حُظُوظَهُ، وَقَسَمَهَا عَلَى الأَسْبَاطِ الاِثْنَيْ عَشَرَ. وَأَقَامَ مِنْهُ رَجُلَ رَحْمَةٍ، قَدْ نَالَ حُظْوَةً أَمَامَ كُلِّ بَشَرٍ.”
في الإصحاح السابق طلب أن نسبح الله لعظمته التي ظهرت في خليقته في الطبيعة. وإذا كانت الطبيعة عظيمة هكذا، فكم وكم يكون خالقها. وهنا يقول لقد رأينا عبر التاريخ أناسٌ عظماء، فمن عمل هؤلاء؟ الله الجدير بأن نسبحه. وقطعًا فالإنسان أروع بعقله وحكمته من الطبيعة والله صنع هذا وذاك. ويبدأ يذكر الآباء القديسون من أول أخنوخ وحتى سمعان رئيس الكهنة المعاصر لابن سيراخ. وهو كان يمجدهم بمنطق، إن استحق هؤلاء الآباء أن نمجدهم على عظمتهم فنحن نمجد الله الذي صنعهم. الله أعطى لهؤلاء العظماء مواهب متعددة، فكان منهم من له سلطان (3) ومن هم من كان ذو اسم وكان منهم رجال بأس (أقوياء في الحروب). وكان منهم أنبياء يعرفون المستقبل. ومنهم حكماء ومنهم موسيقيين أنشدوا قصائد ولحنوها ورتل الناس بها. وتركوا اسمًا لهم يشهد بعظمتهم، وتحيا أسماءهم مدى الأجيال. والعكس فهناك من مات اسمهم معهم لأعمالهم الرديئة. وهذا شاهد أن الآباء القديسين تجاوبوا مع نعمة الله أما الآخرين فهم تكبروا واغتروا وساروا وراء شهوات أجسادهم. وفي (16) أخنوخ سينادي الأجيال إلى التوبة= حياته ورضى الله عليه واختطافه للسماء هم عظة لكل الأجيال، تنادي الجميع للتوبة. وفي (17) نوح وُجِدَ برًا كاملًا= أي بارًا. وبه كانت المصالحة في زمان الغضب= أي بواسطته ولبره سمح الله أن توجد حياة مرة أخرى ويستمر الإنسان ولا يهلك هلاكًا نهائيًا، بينما هلك الأشرار، وجاءت كلمة به كانت المصالحة في ترجمة أخرى “صار فسيلة” أي شتلة أو بقية. وفي (21) كان العهد في جسد إبراهيم بالختان. وفي (22) الأمم سيباركون في نسله= سيأتي المسيح من نسله ليبارك كل الأمم. وفي (24) كذلك جعل في إسحق= كذلك جعل الله إسحق بركة للأمم أي يأتي من نسله المسيح لأجل محبة الله لإبراهيم أبيه. واستمرت هذه البركة في يعقوب. ميز حظوظه وقسمها على الأسباط= قسم أرض الميعاد على أولاد يعقوب. وأقام منه رجل رحمة= أتى من نسل يعقوب موسى العظيم الذي كان مخلصًا لشعب إسرائيل من عبودية فرعون= رجل رحمة= وموسى هو موضوع الإصحاح القادم.