أف 6،5:1 اذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته
5إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ، 6لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ،
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ،
حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ،
لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ“ [5-6].
إن كان القول “في المحبوب” هو تعبير ليتورچي خاص بالمعمودية في غاية القوة (مر ١: ١١) كما يرى كثير من الدارسين الغربيين، بهذا نرى أن الله قد عيّن كنيسته لتنال البنوة خلال المعمودية، فتتحقق مسرة مشيئة الآب بقبول أعضاء جدد كأبناء له، لا لفضل فيهم وإنما خلال نعمة المعمودية المجانية، فيعلن بالأكثر “ِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ“، بتجلي محبة الله الفائقة والمستمرة.
في المحبوب نلنا التبني فصرنا أبناء، لنا حق شركة الميراث، لكن شتان ما بين الابن المحبوب وحيد الجنس، وبين الأبناء بالتبني، إذ يقول القديس أغسطينوس: [أقام الآب شركاء في الميراث مع ابنه الوحيد، لكنهم ليسوا مولودين مثله من جوهره، إنما تبناهم ليصيروا أهل بيته]، [نحن أبناء ذاك الذي أقامنا هكذا بإرادته، لكننا لسنا مولودين من ذات طبيعته. في الحقيقة نحن ولدنا لكن كما قيل بالتبني، نحن مولودون خلال نعمة تبنيه لنا وليس بالطبيعة.]
خامسًا: تحققت محبة الآب بقبولنا أبناء لكن “بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ“ [5]. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [أما تلاحظ أنه لا يتحقق شيئًا خارج المسيح؟ وأيضًا خارج الآب؟ واحد سبق فعيّن، والثاني يقربنا إليه… عظيمة حقًا هي البركات الممنوحة، ومما يزيدها عظمة أنها خلال المسيح، إذ لم يرسل عبدًا مع أنه مُرسل للعبيد، وإنما أرسل الابن الوحيد نفسه.]
سادسًا: إن ما تحقق بالنسبة لنا خلال محبة الآب الأزلية ونعمة ابنه وحيد الجنس لننال البنوة إنما هو موضع سرور لله، إذ يقول “حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ“ [5]. هنا يميز القديس يوحنا الذهبي الفم بين مشيئة الله السابقة حيث يريد بغيرة أن الكل يخلصون، وبسرور أن يهب البنوة للجميع، وبين المشيئة (السماح) الذي صار خلال إصرارنا على الشر، فنسقط تحت الهلاك. بمعنى آخر حسب مسرة الله وغيرته يود لنا البنوة والقداسة المتجلية في المحبة، لكنه لا يلزمنا قسرًا، فإن رفضنا يسقطنا تحت الهلاك بسماحٍ إلهيٍ كثمرة طبيعية لما قبلناه بإرادتنا.
سابعًا: إن كان الله في مسرة مشيئته قدم لنا هذه النعمة السماوية المجانية، فهي أيضًا: “لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ“ [6]. إذ تتجلى نعمته المجانية التي تمجده أمام الكل، خاصة الخليقة السماوية التي تدهش لغنى حبه نحو الإنسانية.
يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذه العبارة، قائلاً:
[الآن إن كان بيّن لنا نعمته لمدح مجد نعمته، لكي يعلن نعمته، فعيلنا إذن أن نقطن فيها.
“لمدح مجده” ما هذا؟ ومن هم الذين يمدحونه؟ ومن الذين يمجدونه؟ هل نحن أم الملائكة أم رؤساء الملائكة أم كل الخليقة؟ وماذا يكون هذا؟ إنه لا شيء، إذ لا يعوز الطبيعة الإلهية شيء. إذن هل يريدنا أن نمدحه ونمجده؟ إنما لكي تشتعل محبتنا له بالأكثر في داخلنا. هو لا يطلب منا شيئًا، لا خدمتنا ولا مدحنا ولا ما هو من قبيل ذلك. لا يريد سوى خلاصنا. هذه هي غاية كل ما يعمله. فإن من يمدح النعمة التي بيّنها ويُعجب بها إنما يزداد تقوى وغيرة].
الآن يحدثنا عن فاعلية نعمة الله المجانية التي ننالها في المحبوب، والتي أبرزها في النقاط التالية:
أولاً: التمتع بالفداء إذ يقول:
“الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ،
بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا،
حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ،
الَّتِي أَجْزَلَهَا لَنَا بِكُلِّ حِكْمَةٍ وَفِطْنَةٍ“ [7-8].
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آيه5: ” اذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته “
هنا نفهم أن الله إختارنا وقدسنا لنستعيد بنوتنا له التى فقدها آدم بخطيته ونحن نحصل على البنوة بالمعمودية التى فيها:
فعيننا: عَيَّنَ من علم بسابق علمه أنه سيتجاوب معه، وهذا تم أزلياً حتى قبل خلقة آدم وسقوطه. ففكرة الفداء فكرة أزلية فى تدبير الله (رو29:8).
حسب مسرة مشيئته: المسرة هنا راجعة لله الذى يُسَّرْ بعودتنا له كأبناء، وهى أيضاً عائدة علينا، فنحن نفرح بعودتنا للأحضان الإلهية كأبناء. عموماً كل مشيئات الله فيها مسرة له ولأولاده، فهو لا يشاء سوى ما فيه الخير (رو28:8). والله يفرح بأولاده (أش18:65، 19).
آية 6: لمدح مجد نعمته التي انعم بها علينا في المحبوب.
لمدح مجد نعمته: عمل الفداء ظهرت فيه نعمة الله وعظمة قوته التى بها انتشلنا من ظلام اليأس. وأمام عمل الله ماذا يقدم الإنسان لله إلا الشكر والتسبيح. ولاحظ أن الله لا يحتاج لتمجيدنا وتسبيحنا له، بل حينما نمجد نزداد تقوى وتنفتح أعيننا على ما عمله الله لنا، والمجد الذى أعده لنا كأبناء. حينما نكتشف محبة الله وفرحته برجوعنا له كأبناء ألن نعلن فرحتنا بهذا الإله المحب. ولكن لن يستطيع أحد أن يسبحَّ ما لم تنفتح عيناه على محبة الله (استنارة) وهذه الاستنارة تأتى بالروح القدس بعد المعمودية. وما يغلقها هو الخطية، فالمستعبد للخطية لا يمكنه أن يسبح “على أنهار بابل (فى العبودية).. سألنا الذين سبونا أقوال التسبيح.. كيف نسبح تسبحة الرب فى أرض غريبة.. هناك فى أرض العبودية علقوا قيثاراتهم (كفوا عن التسبيح)” (مز1:137-4) ولا حل سوى التوبة والرجوع من أرض العبودية أى ترك الخطية.
ونأتى للنقطة الثالثة بعد المعمودية والتوبة ألاّ وهى التغصب على التسبيح وهذا ما نسميه جهاد. وأمام الجهاد تنسكب النعمة فأتلذذ بالتسبيح. وكلما زاد تمجيدنا وتسبيحنا لله كلما عرفنا مجد الله ومجد نعمته أكثر فأكثر، إذ ستنفتح أعيننا أكثر وأكثر، كلما سبحنا امتلأنا من الروح القدس، وكلما امتلأنا تنفتح أعيننا ونعرف الله أكثر فيزداد تسبيحنا إذ نعرف عظمته ومجده وهكذا… إن تمجيد الله وتسبيحه هو أمر حتمى على المؤمن حتى يفرح بالله. بل إن نعمة الله صارت هدفاً للمديح والتسبيح والتمجيد من السمائيين، فالسمائيون أيضاً يسبحون الله على عظيم عمله مع الإنسان (رؤ8:5-14).
التى أنعم: غفران الخطايا والتبنى والمصالحة وميراث ملكوت الله.
فى المحبوب: ويسميه الرسول فى (كو13:1) “ابن محبته“.
الله الآب طبيعته المحبة = الله محبة فهو يشع محبة ويفيض محبة. وهذة المحبة تنسكب فى الأبن
المحبوب بالروح القدس= روح المحبة. فالمحبة بين الآب والابن هى طبيعة الله. وهى تعبير عن الاتحاد.والابن المحبوب قال عنه الآب “هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت” (مت17:3+5:17).
ولما تجسد الابن دخل المؤمنون (البشر) فى مجال محبة الآب بالبنوة التى حصلوا عليها فى المعمودية، فصرنا فيه محبوبين من الله الآب (اتس4:1+2تس13:2). وقول الكتاب عن الابن المحبوب فيه إثبات للثالوث. فقبل أن يخلق الله السماء (الملائكة) والأرض (البشر) من كان يحب لو قلنا إنه بدأ الحب بعد أن خلق المخلوقات لكان متغيراً، والله غير متغير.