تفسير سفر المكابيين الثاني 2 للقمص أنطونيوس فكري

 

الآيات (1-3): “قَدْ جَاءَ فِي السِّجِلاَّتِ، أَنَّ إِرْمِيَا النَّبِيَّ أَمَرَ أَهْلَ الْجَلاَءِ أَنْ يَأْخُذُوا النَّارَ كَمَا ذُكِرَ، وَكَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ أَهْلَ الْجَلاَءِ، إِذْ أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَنْسَوْا وَصَايَا الرَّبِّ، وَلاَ تَغْوِيَ قُلُوبُهُمْ إِذَا رَأَوْا تَمَاثِيلَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَا عَلَيْهَا مِنَ الزِّينَةِ، وَحَرَّضَهُمْ بِمِثْلِ هذَا الْكَلاَمِ عَلَى أَنْ لاَ يُزِيلُوا الشَّرِيعَةَ مِنْ قُلُوبِهِمْ.”

السجلات= كثير من السجلات ضاعت في السبي وبأوامر انطيوخس أبيفانيوس أحرقوا الكثير، ولكن ما كان بالوحي لا يمكن لأحد أن يزيله. وكان يمكن لليهود في أرض السبي أن يتأثروا بعبادة الأصنام [1] لما فيها من دعارة وزنا [2] لما فيها من مغريات موسيقية وغموض [3] من خداع الشياطين وأعمال السحر (كما حدث من سَحَرَة فرعون في مصر) [4] ضغط ملوك الأمم لمحو هويتهم [5] فخامة هذه التماثيل وروعتها.

 

الآيات (4-7): “وَجَاءَ فِي هذِهِ الْكِتَابَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ بِمُقْتَضَى وَحْيٍ صَارَ إِلَيْهِ، أَمَرَ أَنْ يُذْهَبَ مَعَهُ بِالْمَسْكِنِ وَالتَّابُوتِ، حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْجَبَلِ الَّذِي صَعِدَ إِلَيْهِ مُوسَى وَرَأَى مِيرَاثَ اللهِ. وَلَمَّا وَصَلَ إِرْمِيَا وَجَدَ كَهْفًا، فَأَدْخَلَ إِلَيْهِ الْمَسْكِنَ وَالتَّابُوتَ وَمَذْبَحَ الْبَخُورِ ثُمَّ سَدَّ الْبَابَ. فَأَقْبَلَ بَعْضُ مَنْ كَانُوا مَعَهُ لِيَسِمُوا الطَّرِيقَ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَجِدُوهُ. فَلَمَّا أُعْلِمَ بِذلِكَ إِرْمِيَا لاَمَهُمْ وَقَالَ: إِنَّ هذَا الْمَوْضِعَ سَيَبْقَى مَجْهُولًا إِلَى أَنْ يَجْمَعَ اللهُ شَمْلَ الشَّعْبِ وَيَرْحَمَهُمْ.”

الله يأمر إرمياء النبي بحفظ المقدسات والله يخفيها، فلا يعلم أحد مكانها إلى ميعاد قيل عنه = إلى أن يجمع الله شمل الشعب. وربما تكون هذه الأيام هي آخر الأيام. وراجع قول سفر الرؤيا وَٱنْفَتَحَ هَيْكَلُ ٱللهِ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَظَهَرَ تَابُوتُ عَهْدِهِ فِي هَيْكَلِهِ (رؤ19:11) وهذه تفسيرها الروحي ظهور مجد الله للمخلصين عند المجيء الثاني. لكن ربما تعني أن تابوت العهد الذي خبأه إرمياء يظهر أيضًا في نهاية الأيام.

ليسموا الطريق = يضعوا علامات ليعرفوا الطريق.

المسكن = المقصود هو خيمة الإجتماع التي مارسوا فيها العبادة منذ أيام كانوا في سيناء حتى بناء الهيكل. وبعد بناء الهيكل إحتفظوا بها في الهيكل، فهي قد تقدست بتقديم العبادة فيها لله لسنين طويلة.

 

الآيات (8-12): “وَحِينَئِذٍ يُبْرِزُ الرَّبُّ هذِهِ الأَشْيَاءَ، وَيَبْدُو مَجْدُ الرَّبِّ وَالْغَمَامُ كَمَا ظَهَرَ فِي أَيَّامِ مُوسَى، وَحِينَ سَأَلَ سُلَيْمَانُ أَنْ يُقَدَّسَ الْمَوْضِعُ تَقْدِيسًا بَهِيًّا، إِذِ اشْتَهَرَ وَأَبْدَى حِكْمَتَهُ بِتَقْدِيمِ الذَّبِيحَةِ لِتَدْشِينِ الْهَيْكَلِ وَتَتْمِيمِهِ. فَكَمَا دَعَا مُوسَى الرَّبَّ، فَنَزَلَتِ النَّارُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَفْنَتِ الذَّبِيحَةَ، كَذلِكَ دَعَا سُلَيْمَانُ فَنَزَلَتِ النَّارُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَفْنَتِ الْمُحْرَقَاتِ. وَقَالَ مُوسَى: إِنَّمَا أُفْنِيَتْ ذَبِيحَةُ الْخَطِيئَةِ لأَنَّهَا لَمْ تُؤْكَلْ. وَكَذلِكَ عَيَّدَ سُلَيْمَانُ لِلتَّدْشِينِ ثَمَانِيَةَ الأَيَّامِ.”

هذه المقدسات ستظهر بفعل إلهي، ويظهر مجد الله، حين يريد الله أن يمجد شعبه ويظهر رضاه على شعبه. وهذا حدث مرارًا من قبل عند تقديم ذبائح مرضية لله، أن مجد الرب ظهر في أيام موسى بعد إقامة خيمة الإجتماع، وفي أيام سليمان حين أسس الهيكل. ويبدو مجد الرب والغمام كما حدث في جبل سيناء وعند تدشين الهيكل (لا23:9 + 2أي13:5-14 + أع9:1 + خر34:40). ومجد الرب لا يظهر سوى من خلال الغمام ليستطيع الإنسان أن يراه ولا يموت، ولنذكر قول الله لموسى “لا يراني الإنسان ويعيش” (خر20:33). والمقصود أن يكون ظهور المقدسات “تابوت العهد ومذبح البخور” علامة رِضَى الله على شعبه المؤمن (تابوت العهد يشير لدخول شعب الله مع رأس الشعب أي المسيح إلى المجد، ومذبح البخور يشير لشفاعة المسيح وبها نكون مقبولين).

وليس المعنى إطلاقًا أن يعود عهد الذبائح ثانية فقد بطل الرمز حين أتى المرموز إليه أي المسيح الذبيحة الحقيقية، وإنتهى دور الهيكل اليهودي، وصار المسيحيين هم شعب الله، ومجدهم في وجود المسيح وسطهم دائمًا (زك5:2 +مت20:28 + مت20:18). وهذا هو ما سيظهر للعالم مجد المسيح وسط شعبه وليس نار تقبل الذبائح.

وفي (9) إذ إشتهر وأبدَى حكمته أيضًا أنه بفضل حكمته قدم ذبيحة تدشين= إذ إشتهرت وذاعت حكمة سليمان رأى أن لا يبدأ إلا بتقديم ذبيحة لله، وكان هذا حكمة عظيمة من سليمان. وقبل الله ذبيحته وظهر مجده، وكان ذلك علامة عن رضاه.

هذه نبوة عن أقنوم الحكمة الذي قدم نفسه ذبيحة ليؤسس كنيسة العهد الجديد.

ويقول الكاتب أن علامة قبول الذبيحة أن نارًا تنزل من السماء وتحرق الذبيحة وهذا حدث مع موسى أولًا ثم مع سليمان. وها قد حدث مع نحميا. فالله إذًا قد عاد لقبول الأمة اليهودية والعلامة هذه النار التي تولدت من سكب الماء الخاثر (النفطار). وربما يريد الكاتب أن يشير أن الوضع مع نحميا كان أفضل من الوضع أيام موسى، إذ قد احترقت ذبيحة الخطية إذ لم تؤكل= وكان من الواجب أن يأكل منها الكهنة علامة على قبول الله غفران خطية الشعب، وهرون لم ينتبه لذلك بسبب حزنه على احتراق ولديه (لا1:10-20). ولكن هذا السهو لم يحدث مع نحميا.

وكذلك عَيَّدَ سليمان للتدشين ثمانية أيام= إذ تصادف مجيء التدشين في مناسبة عيد المظال (1مل65:8-66). والإشارة هنا ليهود مصر، أنتم في غربة فلتحتفلوا بعيد المظال (2مك18:1) لتذكروا عمل الله الإعجازي والنار التي طهرت الذبيحة وتذكروا أنكم في مصر في غُربة.

 

الآيات (13-15): “وَقَدْ شُرِحَ ذلِكَ فِي السِّجِلاَّتِ وَالتَّذَاكِرِ الَّتِي لِنَحَمْيَا، وَكَيْفَ أَنْشَأَ مَكْتَبَةً جَمَعَ فِيهَا أَخْبَارَ الْمُلُوكِ وَالأَنْبِيَاءِ وَكِتَابَاتِ دَاوُدَ وَرَسَائِلَ الْمُلُوكِ فِي التَّقَادِمِ. وَكَذلِكَ جَمَعَ يَهُوذَا كُلَّ مَا فُقِدَ مِنَّا فِي الْحَرْبِ الَّتِي حَدَثَتْ لَنَا وَهُوَ عِنْدَنَا، فَإِنْ كَانَتْ لَكُمْ حَاجَةٌ بِذلِكَ، فَأَرْسِلُوا مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَيْكُمْ.”

عزرا جمع كل الأسفار ولكن جاء يهوذا المكابي وعمل مكتبة أخرى ليجمع فيها ما جمعه عزرا من قبل وتشتت بفعل أنطيوخس أبيفانيوس وما ظهر من كتب بعد عزرا مثل يشوع بن سيراخ والمكابيين.

التقادم= التقدمات التي كان الملوك يقدمونها ومرتبطة بمصائب أو النجاة منها.

والتذاكر = المذكرات. رسائل الملوك في التقادم = رسائل الملوك الخاصة بأخبارهم وبالتقدمات والقرابين التي كانوا يقدمونها.

 

الآيات (16-19): “وَإِذْ قَدْ أَزْمَعْنَا أَنْ نُعَيِّدَ عِيدَ التَّطْهِيرِ، كَتَبْنَا إِلَيْكُمْ وَإِنَّكُمْ لَتُحْسِنُونَ الصُّنْعَ إِذَا عَيَّدْتُمْ هذِهِ الأَيَّامَ. وَاللهُ الَّذِي خَلَّصَ جَمِيعَ شَعْبِهِ، وَرَدَّ عَلَى الْجَمِيعِ الْمِيرَاثَ وَالْمُلْكَ وَالْكَهَنُوتَ وَالْمَقْدِسَ، كَمَا وَعَدَ فِي الشَّرِيعَةِ، نَرْجُو مِنْهُ أَنْ يَرْحَمَنَا قَرِيبًا، وَيَجْمَعَنَا مِمَّا تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى الْمَوْضِعِ الْمُقَدَّسِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَنْقَذَنَا مِنْ شُرُورٍ عَظِيمَةٍ، وَطَهَّرَ الْمَوْضِعَ.”

هذا هو هدف الرسالة أن يصلي الجميع ليعودوا فيجتمعوا في أرض اليهودية بدل تشتتهم، وحتى يحدث هذا فليظلوا على اتصالهم بشريعتهم وأمتهم وأعيادهم ومواسمهم حتى لا ينفصلوا عن أمتهم. وليكن الهيكل بأورشليم هو مركز حياتنا كلنا.

 

الآيات (20-33): “إِنَّ الْحَوَادِثَ الَّتِي وَقَعَتْ لِيَهُوذَا الْمَكَّابِيِّ وَإِخْوَتِهِ، وَتَطْهِيرَ الْهَيْكَلِ الْعَظِيمِ وَتَدْشِينَ الْمَذْبَحِ، وَالْحُرُوبَ الَّتِي وَقَعَتْ مَعَ أَنْطِيُوخُسَ الشَّهِيرِ وَابْنِهِ أَوْبَاطُورَ، وَالآيَاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنَ السَّمَاءِ فِي حَقِّ الَّذِينَ تَحَمَّسُوا لِدِينِ الْيَهُودِ، حَتَّى إِنَّهُمْ مَعَ قِلَّتِهِمْ تَسَلَّطُوا عَلَى الْبِلاَدِ بِجُمْلَتِهَا وَطَرَدُوا جَمَاهِيرَ الأَعَاجِمِ، وَاسْتَرَدُّوا الْهَيْكَلَ الَّذِي اشْتَهَرَ ذِكْرُهُ فِي الْمَسْكُونَةِ بِأَسْرِهَا، وَحَرَّرُوا الْمَدِينَةَ، وَأَحْيَوُا الشَّرَائِعَ الَّتِي كَادَتْ تَضْمَحِلُّ، لأَنَّ الرَّبَّ عَطَفَ عَلَيْهِمْ بِكَثْرَةِ مَرَاحِمِهِ. تِلْكَ الأُمُورَ الَّتِي شَرَحَهَا يَاسُونُ الْقَيْرَوَانِيُّ فِي خَمْسَةِ كُتُبٍ، قَدْ أَقْبَلْنَا نَحْنُ عَلَى اخْتِصَارِهَا فِي دَرْجٍ وَاحِدٍ. وَلَمَّا رَأَيْنَا تَكَاثُرَ الْحَوَادِثِ، وَالصُّعُوبَةَ الَّتِي تَعْتَرِضُ مَنْ أَرَادَ الْخَوْضَ فِي أَخْبَارِ التَّأْرِيخِ لِكَثْرَةِ الْمَوَادِّ، كَانَ مِنْ هَمِّنَا أَنْ نَجْعَلَ فِيمَا كَتَبْنَاهُ فُكَاهَةً لِلْمُطَالِعِ، وَسُهُولَةً لِلْحَافِظِ وَفَائِدَةً لِلْجَمِيعِ. فَلَمْ يَكُنْ تَكَلُّفُنَا لِهذَا الاِخْتِصَارِ أَمْرًا سَهْلًا، وَإِنَّمَا تَمَّ بِالْعَرَقِ وَالسَّهَرِ، كَمَا أَنَّ الَّذِي يُعِدُّ مَأْدُبَةً، وَيَبْتَغِي بِهَا مَنْفَعَةَ النَّاسِ، لاَ يَكُونُ الأَمْرُ عَلَيْهِ سَهْلًا، غَيْرَ أَنَّا لأَجْلِ مَرْضَاةِ الْكَثِيرِينَ سَنَتَحَمَّلُ هذَا النَّصَبَ عَنْ طِيبَةِ نَفْسٍ، تَارِكِينَ التَّدْقِيقَ فِي تَفَاصِيلِ الْحَوَادِثِ لأَصْحَابِ التَّأْرِيخِ، وَمُلْتَزِمِينَ فِي الاِخْتِصَارِ اسْتِقْرَاءَ أَهَمِّ الْوَقَائِعِ. فَإِنَّهُ كَمَا يَنْبَغِي لِمَنْ يُهَنْدِسُ بَيْتًا جَدِيدًا أَنْ يَهْتَمَّ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْبُنْيَانِ، وَلِمَنْ يُبَاشِرُ الْوَسْمَ وَالتَّصْوِيرَ أَنْ يَتَطَلَّبَ أَسْبَابَ الزِّينَةِ؛ هكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا أَرَى. فَإِنَّ التَّبَحُّرَ وَالْكَلاَمَ عَلَى كُلِّ أَمَرٍ، وَالْبَحْثَ عَنْ جُزْءٍ فَجُزْءٍ مِنْ شَأْنِ مُصَنِّفِ التَّأْرِيخِ، وَأَمَّا الْمُلَخِّصُ؛ فَمُرَخَّصٌ لَهُ أَنْ يَسُوقَ الْحَدِيثَ بِاخْتِصَارٍ، مَعَ إِهْمَالِ التَّدْقِيقِ فِي الْمَبَاحِثِ. وَههُنَا نَشْرَعُ فِي إِيرَادِ الْحَوَادِثِ، مُقْتَصِرِينَ مِنَ التَّمْهِيدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، إِذْ لَيْسَ مِنَ الإِصَابَةِ الإِطْنَابُ فِيمَا قَبْلَ التَّأْرِيخِ، وَالإِيجَازُ فِي التَّأْرِيخِ.”

الكاتب هنا يلخص عمله في أنه لخص خمس كتب لكاتب آخر اسمه ياسون القيرواني ويشير أنه يركز على أعمال يهوذا المكابي وجهاده لأجل الحق وكيف أعانه الله على ذلك. وياسون القيرواني هو شخص يهودي سكندري من شتات القيروان. والتلخيص عادة أشق من التأليف.

فكاهة للمطالع= متعة للمُطَالِع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى