تفسير سفر المكابيين الثاني 4 للقمص أنطونيوس فكري
الآيات (1-6): “وَكَانَ سِمْعَانُ الْمَذْكُورُ الَّذِي وَشَى فِي أَمْرِ الأَمْوَالِ وَالْوَطَنِ يَقْذِفُ أُونِيَّا، كَأَنَّهُ هُوَ أَغْرَى هَلْيُودُورُسَ بِذَلِكَ، وَجَلَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّرَّ، وَبَلَغَ مِنْ وَقَاحَتِهِ أَنَّهُ وَصَفَ الْمُحْسِنَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْقَائِمَ بِمَصْلَحَةِ أَهْلِ وَطَنِهِ وَالْغَيُورَ عَلَى الشَّرِيعَةِ، بِأَنَّهُ صَاحِبُ دَسِيسَةٍ. فَاشْتَدَّتِ الْعَدَاوَةُ حَتَّى إِنَّ أَحَدَ خَوَاصِّ سِمْعَانَ شَرَعَ فِي الْقَتْلِ. فَلَمَّا تَبَيَّنَ أُونِيَّا مَا فِي ذلِكَ الْخِصَامِ مِنَ الْخَطَرِ، مَعَ حَمَاقَةِ أَبُلُّونِيُوسَ قَائِدِ بِقَاعِ سُورِيَّةَ وَفِينِيقِيَةَ الَّذِي كَانَ يَمُدُّ سِمْعَانَ فِي خُبْثِهِ قَصَدَ الْمَلِكَ. لاَ وَاشِيًا بِأَهْلِ وَطَنِهِ، وَلكِنِ ابْتِغَاءً لِمَصَالِحَ تَعُمُّ الشَّعْبَ بِرُمَّتِهِ، لأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ بِغَيْرِ عِنَايَةِ الْمَلِكِ، لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الأَحْوَالُ فِي سَلاَمٍ، وَلاَ أَنْ يُقْلِعَ سِمْعَانُ عَنْ رُعُونَتِهِ.”
في آية (1) “سمعان يفتري على أونيا كأنه هو من هاجم هليودوروس وصنع له ذلك الشر” (ترجمة أخرى). وأشاع أن أونيا أوقع الرعب في قلب هليودوروس بحيلة دبرها له.
وفي آية (3) بدأ صدام دموي بين أتباع أونيا وأتباع سمعان. وبدأ أتباع سمعان في إرتكاب جرائم قتل = أحد خواص سمعان شرع في القتل. وشعر أونيا بأن هذا فيه خطورة ففكر أن يلجأ للملك فذهب إلى الملك سلوكس = قَصَدَ الملك.
مع حماقة أبلونيوس= واضح أن أبلونيوس كان مشتركًا في المؤامرة مع سمعان لينهبوا الهيكل. ولا نسمع شيئًا عن سمعان بعد ذلك. ولكننا نجد أونيا في إنطاكية آية (33) ويبدو أنه استمر هناك للنهاية.
الآيات (7-9): “وَكَانَ أَنَّهُ بَعْدَ وَفَاةِ سَلَوْقُسَ، وَاسْتِيلاَءِ أَنْطِيُوخُسَ الْمُلَقَّبِ بِالشَّهِيرِ عَلَى الْمُلْكِ، طَمِعَ يَاسُونُ أَخُو أُونِيَّا فِي الْكَهَنُوتِ الأَعْظَمِ، فَوَفَدَ عَلَى الْمَلِكِ، وَوَعَدَهُ بِثَلاَثِ مِئَةٍ وَسِتِّينَ قِنْطَارَ فِضَّةٍ وَبِثَمَانِينَ قِنْطَارًا مِنْ دَخْلٍ آخَرَ. وَمَا عَدَا ذلِكَ ضَمِنَ لَهُ مِئَةً وَخَمْسِينَ قِنْطَارًا غَيْرَهَا، إِنْ رُخِّصَ لَهُ بِسُلْطَةِ الْمَلِكِ فِي إِقَامَةِ مَدْرَسَةٍ لِلتَّرَوُّضِ وَمَوْضِعٍ لِلْغِلْمَانِ، وَأَنْ يُكْتَتَبَ أَهْلُ أُورُشَلِيمَ فِي رَعَوِيَّةِ إِنْطَاكِيَةَ.”
فكر أونيا أن يلجأ للملك سلوكس ولكنه مات وجاء مكانه أنطيوخس أبيفانيوس، ووصل ياسون وسبق أونيا لأنطيوخس وبالرشوة حصل على وعد بتولي رئاسة الكهنوت. بل وعد ياسون أنطيوخس بأن يجعل أورشليم مركزًا يونانيًا بثقافة يونانية، وكان هذا هو حلم أنطيوخس توحيد المملكة بثقافة يونانية وعقيدة يونانية ولغة يونانية. ياسون اسمه الأصلي يشوع وغيره لاسم يوناني مجاملة للسلوكيين.
مدرسة للتروض= أي للرياضة. هي أشبه بنادي رياضي لتدريب المراهقين وصبغهم بصبغة يونانية.
يكتتب أهل أورشليم في رعوية إنطاكية= أي يصبح اليهود لهم جنسية سلوكية فيفقدوا هويتهم اليهودية. قيمة الرشوة التي عرضها ياسون كانت حوالي 20 مليون جنيه مصري (بتقدير نهاية القرن العشرين) يتحملها الشعب المسكين.
الآيات (10-17): “فَأَجَابَهُ الْمَلِكُ إِلَى ذلِكَ؛ فَتَقَلَّدَ الرِّئَاسَةَ وَمَا لَبِثَ أَنْ صَرَفَ شَعْبَهُ إِلَى عَادَاتِ الأُمَمِ، وَأَلْغَى الاِخْتِصَاصَاتِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا الْمُلُوكُ عَلَى الْيَهُودِ، عَلَى يَدِ يُوحَنَّا أَبِي أَوْبُولِمُسَ الَّذِي قُلِّدَ السِّفَارَةَ إِلَى الرُّومَانِيِّينَ فِي عَقْدِ الْمُوَالاَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ، وَأَبْطَلَ رُسُومَ الشَّرِيعَةِ وَأَدْخَلَ سُنَنًا تُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ، وَبَادَرَ فَأَقَامَ مَدْرَسَةً لِلتَّرَوُّضِ تَحْتَ الْقَلْعَةِ، وَسَاقَ نُخْبَةَ الْغِلْمَانِ فَجَعَلَهُمْ تَحْتَ الْقُبَّعَةِ. فَتَمَكَّنَ الْمَيْلُ إِلَى عَادَاتِ الْيُونَانِ، وَالتَّخَلُّقُ بِأَخْلاَقِ الأَجَانِبِ بِشِدَّةِ فُجُورِ يَاسُونَ، الَّذِي هُوَ كَافِرٌ لاَ كَاهِنٌ أَعْظَمُ، حَتَّى إِنَّ الْكَهَنَةَ لَمْ يَعُودُوا يَحْرِصُونَ عَلَى خِدْمَةِ الْمَذْبَحِ، وَاسْتَهَانُوا بِالْهَيْكَلِ، وَأَهْمَلُوا الذَّبَائِحَ لِيَنَالُوا حظًّا فِي جَوَائِزِ الْمَلْعَبِ الْمُحَرَّمَةِ بَعْدَ الْمُبَارَاةِ فِي رَمْيِ الْمَطَاثِّ، وَكَانُوا يَسْتَخِفُّونَ بِمَآثِرِ آبَائِهِمْ، وَيَتَنَافَسُونَ بِمَفَاخِرِ الْيُونَانِ. فَلِذلِكَ أَحَاقَتْ بِهِمْ رَزِيئَةٌ شَدِيدَةٌ؛ فَإِنَّ الَّذِينَ أُولِعُوا بِرُسُومِهِمْ، وَحَرَصُوا عَلَى التَّشَبُّهِ بِهِمْ، هُمْ صَارُوا أَعْدَاءً لَهُمْ وَمُنْتَقِمِينَ، لأَنَّ النِّفَاقَ فِي الشَّرِيعَةِ الإِلهِيَّةِ لاَ يَذْهَبُ سُدًى، كَمَا يَشْهَدُ بِذلِكَ مَا سَيَجِيءُ.”
ألغى الإختصاصات = هي الإمتيازات التي أنعم بها الملوك على اليهود. وكان هذا الإلغاء بيد يوحنا أبي أوبولمس.
كان مركز رئيس الكهنة يعطي له سلطات مدنية استخدمها ياسون في صبغ اليهودية بصبغة يونانية = عادات الأمم.
يوحنا أبي أوبولمس السفير لدى الرومان. وفي (1مك17:8-30) نجد السفير أوبولمس بن يوحنا هو السفير. والحل بسيط أن هناك سفيرين أب وإبنه. والأب كان سفيرًا في بداية حكم أنطيوخس أبيفانيوس والثاني أي الابن كان في أيام يهوذا المكابي.
تحت القلعة= هي قلعة عكرا التي أقامها السلوكيين ليتجسسوا على الهيكل. وهي قلعة خارج أسوار أورشليم، لكنها ملاصقة للهيكل فيصبح من في القلعة قادرًا أن ينظر كل ما يحدث في الهيكل.
تحت القبعة= كان المشتركون في مدرسة التروض يرتدون قبعات عريضة. وكان الشبان يتدربون وهم عراة وكانت القبعات تحميهم من الشمس. وقطعًا أهمل الناس الهيكل والشريعة، بل تبني بعض الكهنة تلك الحملة وأهملوا واجباتهم الدينية.
رمي المطاث= هي لعبة رمي القرص (وكان من الحديد أو الحجر وقطره 30سم). وفي آية (18) أحاقت بهم رزيئة شديدة= مصيبة كبيرة من قبل اليونانيين السلوكيين الذين أرادوا أن يتشبهوا بهم فجلبوا عليهم مصيبة كبيرة.
فالنفاق في الشريعة الإلهية = الإستهتار بالشرائع الإلهية لا يمر بسهولة وله عقوبته= لا يذهب سدى.
الآيات (18-20): “وَلَمَّا جَرَتْ فِي صُورَ الْمُصَارَعَةُ الَّتِي تَجْرِي كُلَّ سَنَةٍ خَامِسَةٍ وَالْمَلِكُ حَاضِرٌ، أَنْفَذَ يَاسُونُ الْخَبِيثُ رُسُلًا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِنْطَاكِيِّي الرَّعَوِيَّةِ، وَمَعَهُمْ ثَلاَثُ مِئَةِ دِرْهَمِ فِضَّةٍ لِذَبِيحَةِ هَرَكْلِيسَ، لكِنَّ هؤُلاَءِ طَلَبُوا أَنْ لاَ تُنْفَقَ عَلَى الذَّبِيحَةِ، لأَنَّ ذلِكَ كَانَ غَيْرَ لاَئِقٍ بَلْ تُنْفَقَ فِي شَيْءٍ آخَرَ. فَكَانَ هذَا الْمَالُ فِي قَصْدِ مُرْسِلِهِ لِذَبِيحَةِ هَرَكْلِيسَ، لكِنَّهُ بِسَعْيِ الَّذِينَ حَمَلُوهُ أُنْفِقَ فِي بِنَاءِ سُفُنٍ ثُلاَثِيَّةٍ.”
كل سنة خامسة= أي كل أربع سنوات تقام دورة أوليمبية كما يحدث الآن للألعاب التي يتدربون عليها كالملاكمة والمصارعة والجري..إلخ. ومع الرومان كان هناك مسابقات وحوش مع وحوش، ووحوش مع بشر، وبشر مع بشر حتى الموت، والمتصارعين كانوا من الأسرى أو المجرمين في هذه الحالة. ثم صاروا من المسيحيين الشهداء.
لما جرت في صور= في هذه السنة أقيمت الدورة الأوليمبية The Olympics في صور وهذه لها امتيازات إنطاكية. وكان أنطيوخس حاضرًا.
وأرسل ياسون الخبيث رُسُلًا من أورشليم لهم الجنسية الإنطاكية يحملون ثمن ذبيحة للإله هرقليس على سبيل المجاملة للملك والسلوقيين ولكن الرسل رفضوا هذا. إلى هذا المدى وصل فساد رئيس الكهنة ياسون الذي إشترى رئاسة الكهنوت من الملك أنطيوخس.
هرقليس= هو إله الألعاب الأوليمبية وله تمثال هائل في صور.
السفن الثلاثية= أسطول بحري مكون من ثلاث قطع. وهم أنفقوا أموال ياسون في المساهمة في بناء هذه السفن.
ثلاث مئة درهم= (درهم باليونانية دراخمة Ντιρχάμ) هذه= 1621 جنيه مصري وكان أجر الحرفي في ذلك الوقت حوالي درهم في اليوم.
الآيات (21-22): “وَأُرْسِلَ أَبُلُّونِيُوسُ بْنُ مِنِسْتَاوُسَ إِلَى مِصْرَ لِمُبَايَعَةِ بَطُلْمَاوُسَ فِيلُومَاتُورَ الْمَلِكِ؛ فَعَلِمَ أَنْطِيُوخُسُ أَنَّهُ قَدْ نُحِّيَ عَنْ تَدْبِيرِ الأُمُورِ، فَوَجَّهَ اهْتِمَامَهُ إِلَى تَحْصِينِ نَفْسِهِ، وَرَجَعَ إِلَى يَافَا ثُمَّ سَارَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، فَاسْتَقْبَلَهُ يَاسُونُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ اسْتِقْبَالًا جَلِيلًا، وَدَخَلَ بَيْنَ الْمَشَاعِلِ وَالْهُتَافِ، ثُمَّ انْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ بِالْجَيْشِ إِلَى فِينِيقِيَةَ.”
لمبايعة = الكلمة المقصود بها في ترجمة أخرى الإشتراك في حفل تتويج أو عُرس، وغالبًا تترجم تتويج كما في ترجمات أخرى. إذًا أرسل إبيفانيوس أبلونيوس ليحضر تتويج ملك مصر. ولما عاد، عاد بأخبار أزعجت إبيفانيوس وهي: أن ملك مصر لم يكن راضيًا عن سياسته في تدبير شئون المملكة (ترجمة أخرى).
كان الخلاف ما زال على أشده بين بطالمة مصر وملوك سوريا السلوكيين وأبولونيوس بن منستاوس هذا كان تابعًا لأنطيوخس، لكن ربما فكر إبيفانيوس أن أبولونيوس يريد التحالف مع مصر بإيعاز من الرومان. فبدأ يحصن نفسه تحسبًا لأي هجوم من البطالمة. مع أن بطليموس فيلوماتور هذا ملك مصر كان ابن أخت الملك أنطيوخس إبيفانيوس.
الآيات (23-29): “وَبَعْدَ مُدَّةِ ثَلاَثِ سِنِينَ وَجَّهَ يَاسُونُ مَنَلاَوُسَ أَخَا سِمْعَانَ الْمَذْكُورِ، لِيَحْمِلَ أَمْوَالًا لِلْمَلِكِ وَيُفَاوِضَهُ فِي أُمُورٍ مُهِمَّةٍ، فَتَزَلَّفَ إِلَى الْمَلِكِ وَأَطْرَأَ عَظَمَةَ سُلْطَانِهِ، وَأَحَالَ الْكَهَنُوتَ الأَعْظَمَ إِلَى نَفْسِهِ، بِأَنْ زَادَ ثَلاَثَ مِئَةِ قِنْطَارِ فِضَّةٍ عَلَى مَا أَعْطَى يَاسُونُ. ثُمَّ رَجَعَ وَمَعَهُ أَوَامِرُ الْمَلِكِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَلِيقُ بِالْكَهَنُوتِ الأَعْظَمِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُ أَخْلاَقُ غَاشِمٍ عَنِيفٍ وَأَحْقَادُ وَحْشٍ ضَارٍ. وَهكَذَا فَإِنَّ يَاسُونَ الَّذِي خَتَلَ أَخَاهُ خَتَلَهُ آخَرُ؛ فَطُرِدَ وَفَرَّ إِلَى أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ، وَاسْتَوْلَى مَنَلاَوُسُ عَلَى الرِّئَاسَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُوفِ شَيْئًا مِنَ الأَمْوَالِ الَّتِي كَانَ وَعَدَ بِهَا الْمَلِكَ. فَكَانَ سُسْتَرَاتُسُ رَئِيسُ الْقَلْعَةِ يُطَالِبُهُ، لأَنَّهُ كَانَ مُوَلًّى أَمْرَ الْجِبَايَةِ، وَلِهذَا السَّبَبِ اسْتُدْعِيَا كِلاَهُمَا إِلَى الْمَلِكِ. فَاسْتَخْلَفَ مَنَلاَوُسُ لِيسِيمَاكُسَ أَخَاهُ عَلَى الْكَهَنُوتِ الأَعْظَمِ، وَاسْتَخْلَفَ سُسْتَرَاتُسُ كَرَاتِيسَ وَالِي الْقُبْرُسِيِّينَ.”
منلاوس هذا كان شقيق سمعان الوكيل الخائن، أرسله ياسون ليحمل أموالًا إلى الملك، فاشترى الكهنوت من الملك بدلًا من ياسون. وأطرا عظمة سلطانه = صار يطرى أي يمدح الملك وعظمته وينافقه وإشترى رئاسة الكهنوت بالرشوة. ولما علم ياسون بأن الملك عينه هرب من أورشليم. وأثناء انشغال الملك بإخضاع سكان طرسوس وملو، نهب الهيكل بمساعدة أندرونيكوس الذي قتل أونيا بإيعاز منه. وكان سستراتس مكلفًا بجمع الجزية، فطلب من منلاوس دفع ما وعد الملك به، ولما لم يدفع استدعاهما الملك كليهما، لأنه ظن أن هناك تواطئًا بينهما.
ليسيماكس= أخ غير شقيق لمنلاوس وشرير مثله، سلب الهيكل وقتل كثيرين.
الآيات (30-38): “وَحَدَثَ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّ أَهْلَ طَرْسُوسَ وَمَلُّوَ تَمَرَّدُوا، لأَنَّهُمْ جُعِلُوا هِبَةً لأَنْطِيُوكِيسَ سُرِّيَّةِ الْمَلِكِ، فَبَادَرَ الْمَلِكُ لإِطْفَاءِ الْفِتْنَةِ، وَاسْتَخْلَفَ مَكَانَهُ أَنْدَرُونِكُسَ أَحَدَ ذَوِي الْمَنَاصِبِ. فَرَأَى مَنَلاَوُسُ أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ فُرْصَةً؛ فَسَرَقَ مِنَ الْهَيْكَلِ آنِيَةً مِنَ الذَّهَبِ، أَهْدَى بَعْضَهَا إِلَى أَنْدَرُونِكُسَ، وَبَاعَ بَعْضَهَا فِي صُورَ وَالْمُدُنِ الَّتِي بِجِوَارِهَا. وَلَمَّا تَيَقَّنَ أُونِيَّا ذلِكَ حَجَّهُ بِهِ، وَكَانَ قَدِ انْصَرَفَ إِلَى حِمًى بِدَفْنَةَ بِالْقُرْبِ مِنْ إِنْطَاكِيَةَ. فَخَلاَ مَنَلاَوُسُ بِأَنْدَرُونِكُسَ وَأَغْرَاهُ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى أُونِيَّا، فَصَارَ إِلَى أُونِيَّا وَخَدَعَهُ بِمَكْرِهِ، وَعَاقَدَهُ بِقَسَمٍ حَتَّى حَمَلَهُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْحِمَى، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاثِقٍ بِهِ، ثُمَّ اغْتَالَهُ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَمْ يَرْعَ لِلْعَدْلِ حُرْمَةً. فَوَقَعَ ذلِكَ مَوْقِعَ الْمَقْتِ عِنْدَ الْيَهُودِ، بَلْ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، وَشَقَّ عَلَيْهِمْ قَتْلُ الرَّجُلِ بَغْيًا. فَلَمَّا رَجَعَ الْمَلِكُ مِنْ نَوَاحِي قِيلِقِيَةَ، رَفَعَ إِلَيْهِ يَهُودُ الْمَدِينَةِ مَعَ مَنْ سَاءَتْهُ هذِهِ الْجِنَايَةُ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ مَقْتَلَ أُونِيَّا عُدْوَانًا، فَتَأَسَّفَ أَنْطِيُوخُسُ، وَرَقَّ رَحْمَةً وَبَكَى عَلَى حِكْمَةِ ذلِكَ الْمَفْقُودِ وَكَثْرَةِ أَدَبِهِ، وَاضْطَرَمَ غَضَبًا وَلِسَاعَتِهِ نَزَعَ الأُرْجُوانَ عَنْ أَنْدَرُونِكُسَ، وَمَزَّقَ حُلَلَهُ وَأَطَافَهُ فِي الْمَدِينَةِ كُلِّهَا، ثُمَّ أَبَادَ ذلِكَ الْقَاتِلَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فَتَكَ فِيهِ بِأُونِيَّا؛ فَأَنْزَلَ بِهِ الرَّبُّ الْعُقُوبَةَ الَّتِي اسْتَحَقَّهَا.”
طرسوس وملو (ملوس) مدينتين يونانيتين في كيليكية أهداهما الملك أنطيوخس هدية لسريته أنطيوكيس (الاسم المؤنث لأنطيوخس). تحصل هي على الجزية منهم، بل تتحكم في شعبهما. وهذا أساء لشعب المدينتين ربما لأنها أساءت استخدام حقها، فثار شعبا المدينتين، وذهب أنطيوخس لإخماد الثورة وترك مكانه شخص اسمه أندرونيكوس. والعجيب أن منلاوس كان خائفًا من الملك ولم يكن يخاف الله. فعندما عرف أن الملك مشغول في طرسوس نهب الهيكل بمساعدة أندرونيكوس، وعندما وبخ أونيا منلاوس على فعلته، حرض منلاوس أندرونيكوس عليه فقتله.
حَجَّهُ به= لامه على تصرفه.
انصرف إلى حمىً= مكان يحتمي به. ولقد وافق أندرونيكوس على قتل أونيا حتى لا يخبر أونيا الملك بسرقتهم للهيكل. ولاحظ حزن اليهود والأمم على مقتل أونيا. بل أن أنطيوخس نفسه حزن على أونيا وقتل اندرونيكوس.
الآيات (39-50): “وَكَانَ لِيسِيمَاكُسُ فِي الْمَدِينَةِ قَدْ سَلَبَ بِإِغْرَاءِ مَنَلاَوُسَ كَثِيرًا مِنْ مَالِ الأَقْدَاسِ، فَذَاعَ الْخَبَرُ فِي الْخَارِجِ بِأَنْ قَدْ أُخِذَ كَثِيرٌ مِنَ الذَّهَبِ؛ فَاجْتَمَعَ الْجُمْهُورُ عَلَى لِيسِيمَاكُسَ. فَلَمَّا رَأَى لِيسِيمَاكُسُ هَيَجَانَ الْجُمُوعِ وَشِدَّةَ غَضَبِهِمْ، سَلَّحَ ثَلاَثَةَ آلاَفِ رَجُلٍ، وَأَعْمَلَ أَيْدِيَ الظُّلْمِ تَحْتَ قِيَادَةِ رَجُلٍ عَاتٍ قَدْ تَنَاهَى فِي السِّنِّ وَالْحَمَاقَةِ جَمِيعًا. فَلَمَّا رَأَوْا مَا عَزَمَ عَلَيْهِ لِيسِيمَاكُسُ، تَنَاوَلَ بَعْضُهُمْ حِجَارَةً وَبَعْضُهُمْ هَرَاوَى وَبَعْضُهُمْ رَمَادًا، حَثَوْهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَلَى أَصْحَابِ لِيسِيمَاكُسَ، فَجَرَحُوا كَثِيرِينَ مِنْهُمْ، وَصَرَعُوا بَعْضًا وَهَزَمُوهُمْ بِأَجْمَعِهِم، وَقَتَلُوا سَالِبَ الأَقْدَاسِ عِنْدَ الْخِزَانَةِ. وَأُقِيمَ الْحُكْمُ فِي هذِهِ الأُمُورِ عَلَى مَنَلاَوُسَ. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَلِكُ إِلَى صُورَ، أَرْسَلَتِ الْمَشْيَخَةُ ثَلاَثَةَ رِجَالٍ فَرَفَعُوا عَلَيْهِ الدَّعْوَى. وَإِذْ رَأَى مَنَلاَوُسُ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ، وَعَدَ بَطُلْمَاوُسَ بْنَ دُورِيمَانُسَ بِمَالٍ جَزِيلٍ لِيَسْتَمِيلَ الْمَلِكَ، فَدَخَلَ بَطُلْمَاوُسُ عَلَى الْمَلِكِ، وَهُوَ فِي بَعْضِ الأَرْوِقَةِ يَتَنَسَّمُ الْهَوَاءَ وَصَرَفَهُ عَنْ رَأْيِهِ. فَحَكَمَ لِمَنَلاَوُسَ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الشَّرِّ كُلِّهِ بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا شُكِيَ بِهِ، وَقَضَى بِالْمَوْتِ عَلَى أُولئِكَ الْمَسَاكِينِ، الَّذِينَ لَوْ رَفَعُوا دَعْوَاهُمْ إِلَى الإِسْكُوتِيِّينَ لَحُكِمَ لَهُمْ بِالْبَرَاءَةِ، وَلَمْ يَلْبَثْ أُولئِكَ الْمُحَاجُّونَ عَنِ الْمَدِينَةِ وَالشَّعْبِ وَالأَقْدَاسِ أَنْ حَلَّ بِهِمِ الْعِقَابُ الْجَائِرُ. فَشَقَّ هذَا التَّعَدِّي حَتَّى عَلَى الصُّورِيِّينَ وَبَذَلُوا نَفَقَاتِ دَفْنِهِمْ بِسَخَاءٍ، وَاسْتَقَرَّ مَنَلاَوُسُ فِي الرِّئَاسَةِ بِشَرَهِ ذَوِي الأَحْكَامِ، وَكَانَ لاَ يَزْدَادُ إِلاَّ خُبْثًا وَلَمْ يَزَلْ لأَهْلِ وَطَنِهِ كَمِينًا مُهْلِكًا.”
وأقيم الحكم في هذه الأموال على منلاوس = إتهم الجمهور منلاوس أنه السبب في هذا كله.
ليسيماكس يعيد الكرة ويسرق هو الآخر وبإغراء من منلاوس. وهاج اليهود إذ عُرِفَ الخبر ودحروا أتباع ليسيماخوس وقتلوه هو نفسه. وأقام اليهود دعوى على منلاوس إذ كان موافقًا على ما حدث. ولكن منلاوس وعد أحد المقربين من الملك برشوة كبيرة واسمه بطلماوس بن دوريمانوس فتشفع له عند الملك فحكم ببراءته، وحكم بقتل الأبرياء المدافعين عن الحق (الثلاثة رجال).
الإسكوتيين= أو السكيثيين وأسماهم العرب التتار/ همجيون/ دائمو الإغارة والنهب/ يشربون دم من يقتلوهم/ عبدوا السيف كإله يقدمون له ذبائح بشرية من أسراهم/ يشربون في جماجم الموتَى/ لا يستحمون بالماء. يضرب بهم المثل في الهمجية. والمعنى هنا أنهم أكثر رحمة وعدلًا من أنطيوخس. ذكرهم بولس الرسول في (كو11:3).