تفسير سفر المكابيين الثاني 5 للقمص أنطونيوس فكري

 

الآيات (1-14): “فِي ذلِكَ الزَّمَانِ تَجَهَّزَ أَنْطِيُوخُسُ لِغَزْوِ مِصْرَ ثَانِيَةً. فَحَدَثَ أَنَّهُ ظَهَرَ فِي الْمَدِينَةِ كُلِّهَا مُدَّةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فُرْسَانٌ تَعْدُو فِي الْجَوِّ، وَعَلَيْهِمْ مَلاَبِسُ ذَهَبِيَّةٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ رِمَاحٌ وَهُمْ مُكَتَّبُونَ كَتَائِبَ، وَقَنَابِلُ مِنَ الْخَيْلِ مُصْطَفَّةٌ، وَهُجُومٌ وَكَرٌّ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَتَقْلِيبُ تُرُوسٍ وَحِرَابٌ كَثِيرَةٌ وَاسْتِلاَلُ سُيُوفٍ وَرَشْقُ نِبَالٍ وَلَمَعَانُ حِلًى ذَهَبِيَّةٍ وَدُرُوعٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ. فَكَانَ الْجَمِيعُ يَسْأَلُونَ أَنْ يَكُونَ مَآلُ هذِهِ الآيَةِ خَيْرًا. وَأَرْجَفَ قَوْمٌ أَنَّ أَنْطِيُوخُسَ قَدْ مَاتَ؛ فَاتَّخَذَ يَاسُونُ جَيْشًا لَيْسَ بِأَقَلِّ مِنْ أَلْفِ نَفْسٍ، وَهَجَمَ عَلَى الْمَدِينَةِ بَغْتَةً حَتَّى إِذَا دَفَعَ الَّذِينَ عَلَى الأَسْوَارِ، وَأَوْشَكَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَدِينَةِ، هَرَبَ مَنَلاَوُسُ إِلَى الْقَلْعَةِ. فَطَفِقَ يَاسُونُ يَذْبَحُ أَهْلَ وَطَنِهِ بِغَيْرِ رَحْمَةٍ، وَلَمْ يَفْطَنْ أَنَّ الظَّفَرَ بِالإِخْوَانِ هُوَ عَيْنُ الْخِذْلاَنِ، حَتَّى كَأَنَّ نُصْرَتَهُ هذِهِ إِنَّمَا كَانَتْ عَلَى أَعْدَاءٍ لاَ عَلَى بَنِي أُمَّتِهِ. لكِنَّهُ لَمْ يَحُزِ الرِّئَاسَةَ، وَإِنَّمَا أَحَاقَ بِهِ أَخِيرًا خِزْيُ كَيْدِهِ؛ فَهَرَبَ ثَانِيَةً إِلَى أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ. وَكَانَتْ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ مُنْقَلَبًا سَيِّئًا، لأَنَّ أَرَتَاسَ زَعِيمَ الْعَرَبِ طَرَدَهُ؛ فَجَعَلَ يَفِرُّ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ، وَالْجَمِيعُ يَنْبِذُونَهُ وَيُبْغِضُونَهُ بِغْضَةَ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الشَّرِيعَةِ، وَيَمْقُتُونَهُ مَقْتَ مَنْ هُوَ قَتَّالٌ لأَهْلِ وَطَنِهِ حَتَّى دُحِرَ إِلَى مِصْرَ. فَكَانَ أَنَّ الَّذِي غَرَّبَ كَثِيرِينَ، هَلَكَ فِي الْغُرْبَةِ فِي أَرْضِ لَكْدَيْمُونَ، إِذْ لَجَأَ إِلَى هُنَاكَ بِوَسِيلَةِ الْقَرَابَةِ، وَالَّذِي طَرَحَ كَثِيرِينَ بِغَيْرِ قَبْرٍ، أَصْبَحَ لَمْ يُبْكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُدْفَنْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْرٌ فِي وَطَنِهِ. فَلَمَّا بَلَغَتِ الْمَلِكَ هذِهِ الْحَوَادِثُ، اِتَّهَمَ الْيَهُودَ بِالاِنْتِقَاضِ عَلَيْهِ؛ فَزَحَفَ مِنْ مِصْرَ وَقَدْ تَنَمَّرَ فِي قَلْبِهِ وَأَخَذَ الْمَدِينَةَ عَنْوَةً، وَأَمَرَ الْجُنُودَ أَنْ يَقْتُلُوا كُلَّ مَنْ صَادَفُوهُ دُونَ رَحْمَةٍ، وَيَذْبَحُوا الْمُخْتَبِئِينَ فِي الْبُيُوتِ. فَطَفَقُوا يُهْلِكُونَ الشُّبَّانَ وَالشُّيُوخَ، وَيُبِيدُونَ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ، وَيَذْبَحُونَ الْعَذَارَى وَالأَطْفَالَ، فَهَلَكَ ثَمَانُونَ أَلْفَ نَفْسٍ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْمَعْرَكَةِ، وَبِيعَ مِنْهُمْ عَدَدٌ لَيْسَ بِأَقَلَّ مِنَ الْقَتْلَى.”

مكتبون كتائب = مصطفون على شكل كتائب. قنابل من الخيل = صفوف خيل تعدو.

بينما كان أنطيوخس مشغولًا في حرب مع مصر، وصلت إشاعة كاذبة بأنه مات. فإنتهز ياسون الفرصة وهجم على أورشليم يريد قتل منلاوس ليستعيد رئاسة الكهنوت. لكن منلاوس هرب إلى قلعة عكرة. وحدثت رؤيا سماوية لمعارك بين فريقين فريق منهم له أسلحة ذهبية (الذهب رمز للسماويات)، وجيوش مسلحة. والمعنى أن الله يخبرهم بمعارك ستقوم ضدهم، لكن السماء ستتدخل. ولماذا يسمح الله بهذه الضربات؟ للتأديب (آية17). كما قال السيد المسيح لبيلاطس “لم يكن لك عليَّ سلطان البتة إن لم تكن قد أعطيت من فوق” (يو11:19) وحدثت مثل هذه الرؤى قبل خراب أورشليم سنة 70 م. على يد تيطس الروماني. وسريعًا ما بدأ تحقيق الرؤيا فلقد عاد أنطيوخس ليشن اضطهادًا دمويًا عنيفًا ضد أورشليم، وبدأ أيضًا التدخل السمائي بانعزال يهوذا المكابي استعدادًا لتكوين الجيش المكابي الذي سينتصر. أما ياسون فهرب بعد ذلك إلى مصر ثم إسبرطة= لكديمون (هو اسم آخر لإسبرطة) فكان يقال أن هناك قرابة بين اليهود والإسبرطيين. ومات في غربة ولم يجد من يدفنه، وغالبًا فإن اليهود في أورشليم هم الذين طردوا ياسون إذ وصلتهم أخبار الإشاعة بأن أنطيوخس مات، بل لولا إحتماء منلاوس بالقلعة لكانوا قد قتلوه هو أيضًا، ويقال أن أنطيوخس كان راجعًا من مصر بمهانة شديدة فشمت فيه اليهود فانتقم منهم.

 

الآيات (15-27): “وَلَمْ يَكْتَفِ بِذلِكَ، بَلِ اجْتَرَأَ وَدَخَلَ الْهَيْكَلَ الَّذِي هُوَ أَقَدَسُ مَوْضِعٍ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا، وَكَانَ دَلِيلُهُ مَنَلاَوُسَ الْخَائِنَ لِلشَّرِيعَةِ وَالْوَطَنِ، وَأَخَذَ الآنِيَةَ الْمُقَدَّسَةَ بِيَدَيْهِ الدَّنِسَتَيْنِ، مَعَ مَا أَهْدَتْهُ مُلُوكُ الأَجَانِبِ لِزِينَةِ الْمَوْضِعِ وَبَهَائِهِ وَكَرَامَتِهِ، وَقَبَضَ عَلَيْهَا بِيَدَيْهِ النَّجِسَتَيْنِ وَمَضَى. فَتَشَامَخَ أَنْطِيُوخُسُ فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يَفْطَنْ إِلَى أَنَّ اللهَ غَضِبَ حِينًا لأَجْلِ خَطَايَا سُكَّانِ الْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُ لِذلِكَ أَهْمَلَ الْمَوْضِعَ، وَلَوْلاَ أَنَّهُمُ انْهَمَكُوا بِخَطَايَا كَثِيرَةٍ، لَجُلِدَ حَالَ دُخُولِهِ وَرُدِعَ عَنْ جَسَارَتِهِ، كَمَا وَقَعَ لِهَلْيُودُورُسَ الَّذِي بَعَثَهُ سَلَوْقُسُ الْمَلِكُ لاِفْتِقَادِ الْخِزَانَةِ. وَلكِنَّ الرَّبَّ لَمْ يَتَّخِذِ الأُمَّةَ لأَجْلِ الْمَوْضِعِ، بَلِ الْمَوْضِعَ لأَجْلِ الأُمَّةِ، وَلِذلِكَ بَعْدَمَا اشْتَرَكَ الْمَوْضِعُ فِي مَصَائِبِ الأُمَّةِ، عَادَ فَاشْتَرَكَ فِي نِعَمِ الرَّبِّ، وَبَعْدَمَا خَذَلَهُ الْقَدِيرُ فِي غَضَبِهِ، أَدْرَكَ كُلَّ مَجْدٍ عِنْدَ تَوْبَتِهِ تَعَالَى. وَحَمَلَ أَنْطِيُوخُسُ مِنَ الْهَيْكَلِ أَلْفًا وَثَمَانِيَ مِئَةِ قِنْطَارٍ، وَبَادَرَ الرُّجُوعَ إِلَى إِنْطَاكِيَةَ، وَقَدْ خَيَّلَتْ إِلَيْهِ كِبْرِيَاؤُهُ وَتَشَامُخُ نَفْسِهِ، أَنَّهُ يَقْطَعُ الْبَرَّ بِالسُّفُنِ وَالْبَحْرَ بِالْقَدَمِ! وَتَرَكَ عُمَّالًا يُرَاغِمُونَ الأُمَّةَ، مِنْهُمْ فِيلُبُّسُ فِي أُورُشَلِيمَ وَهُوَ فَرِيجِيُّ الأَصْلِ، وَكَانَ أَشْرَسَ أَخْلاَقًا مِنَ الَّذِي نَصَبَهُ، وَأَنْدَرُونِكُسُ فِي جَرِزِيمَ، وَأَيْضًا مَنَلاَوُسُ الَّذِي كَانَ أَشَدَّ جَوْرًا عَلَى الرَّعِيَّةِ مِنْ كِلَيْهِمَا. ثُمَّ حَمَلَهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَقْتِ لِرَعَايَا الْيَهُودِ، عَلَى أَنْ أَرْسَلَ أَبُلُّونِيُوسَ الرَّئِيسَ الْبَغِيضَ فِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَلْفَ جُنْدِيٍّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْبَحَ كُلَّ بَالِغٍ مِنْهُمْ وَيَبِيعَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ. فَلَمَّا وَفَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ أَظْهَرَ السَّلاَمَ، وَتَرَبَّصَ إِلَى يَوْمِ السَّبْتِ الْمُقَدَّسِ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ الْيَهُودُ فِي عُطْلَتِهِمْ، أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِأَنْ يَتَسَلَّحُوا، وَذَبَحَ جَمِيعَ الْخَارِجِينَ لِلتَّفَرُّجِ، ثُمَّ اقْتَحَمَ الْمَدِينَةَ بِالسِّلاَحِ، وَأَهْلَكَ خَلْقًا كَثِيرًا. وَإِنَّ يَهُوذَا الْمَكَّابِيَّ كَانَ قَدِ انْصَرَفَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، وَهُوَ عَاشِرُ عَشَرَةٍ، فَلَبِثَ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي الْجِبَالِ يَعِيشُونَ عِيشَةَ الْوُحُوشِ، وَيَأْكُلُونَ الْعُشْبَ لِئَلاَّ يَشْتَرِكُوا فِي النَّجَاسَةِ.”

كان ممنوع على الأمم دخول الهيكل، فنجد منلاوس رئيس الكهنة يساعد أنطيوخس على دخوله. الرب لم يتخذ الأمة لأجل الموضع بل الموضع لأجل الأمة= الموضع هو هيكل الله المقدس. وهذه الآية تماثل قول السيد المسيح “السبت إنما جُعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت” (مر27:2،28). فالله جعل كل شيء لأجل الإنسان. الطبيعة والخليقة بل حتى الهيكل. فالهيكل جعله الله وسيلة ليقترب بها الإنسان لله فيجد سلامه وفرحه. فلما أهان الإنسان الهيكل بل أحزنوا الله يسمح الله بنهب الهيكل، بل بتحطيمه كما حدث أيام نبوخذ نصر، إذ فارق الله الهيكل (حز18:10، 19 + حز22:11، 23) فالله كان لا يريد أن يجتمع مع هذا الشعب الخاطئ، فما الداعي للهيكل. ثم حين عادوا بالتوبة عاد لهم الله، وتطهر الهيكل. عند توبته تعالي= في ترجمة أخرى “عند تصالحه مع السيد العظيم” أي عندما يتوب الشعب ويرجع لله يرجع لهم الله ويقبل توبتهم “ارجعوا إليَّ أرجع إليكم” (زك3:1). ويبلغ مقدار ما حمله أنطيوكس من الهيكل 59 مليون جنيه (بتقدير نهاية القرن العشرين). وبادر بالرجوع إلى إنطاكية= خوفًا من تمرد يقوم به مناصرو سلوكس الرابع. يقطع البر بالسفن والبحر بالقدم= أي يقوم بالمستحيل. عمالًا يراغمون= يضايقون. أندرونيكوس= شخص آخر غير المذكور في (2 مك 31:4). وفي (26) ذبح جميع الخارجين للتفرج وفي (25) أمر أصحابه بأن يتسلحوا وبهذا نفهم أنه أمر بعمل عرض عسكري فخرج اليهود يتفرجون فقتلهم ودخل المدينة ليقتل آخرين. ثم نسمع عن بداية المكابيين. عاشر عشرة= هم عشرة رجال خرجوا معًا. النواة الأولى للجيش المكابي. عيشة الوحوش= بلا أكل ولا شرب ولا مسكن ووسط أخطار البرية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى