تفسير سفر دانيال ١٢ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثاني عشر

يسمى هذا الإصحاح إصحاح القيامة العامة. فبعد أن انتهى الإصحاح السابق بأخبار ضد المسيح الذي يأتي في نهاية الأيام. ينبؤنا هذا الإصحاح بأحداث نهاية الأيام والقيامة. ولأن هذا السفر يحدثنا عن ملكوت الله، فنجد ختام السفر يكلمنا عن القيامة التي فهيا سيظهر ملكوت الله بصورته الكاملة.

 

الآية (1): “وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت وفي ذلك الوقت ينجى شعبك كل من يوجد مكتوباً في السفر.”

هذه الأيام الأخيرة مع ظهور الدجال ستكون أيام ضيق لم يكن منذ كانت أمة = هذا هو  نفس ما قاله السيد المسيح في (مت21:24) وبنفس الكلمات. وسيكون ذلك نتيجة تسلط الشيطان. حتى أن السيد المسيح قال ” لو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد ” (مت22:24) ولكن نشكر الله فهم لهم سلطان على الجسد فقط. والضيق سيكون ناشئاً من أن شعب المسيح لن يقبل سمة الوحش وبذلك لن يستطيع أن يبيع أو يشتري. وأيضاً الضيق سيكون في صورة اضطهاد جسدي يصل للاستشهاد ولكن الله لن يتخلى عن شعبه.  وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك (رؤ7:12-11) وسيرسل الله شاهدين (إيليا وأخنوخ) ضد هذا الوحش ليحاربوه ويفسدوا أعماله ضد شعب الله (رؤ3:11) وهذه هي الأيام التي ينجي فيها شعبك كل من يوجد مكتوباً في السفر قارن مع (رؤ5:3) فهناك سفر للحياة مكتوب فيه أسماء الذين يرثون الحياة. ولكن من هم هؤلاء الذين ينجوا؟ هم المؤمنين بالمسيح الذين يغلبون، وهذا واضح من نفس الآية ” من يغلب لن أمحو اسمه من سفر الحياة” وأيضاً قد تشير هذه الآية لليهود الذين سيؤمنون بالمسيح في نهاية الأيام فينجوا. وما أجمل أن نشعر بأن الله يرسل لنا قوى غير مرئية مثل الملاك ميخائيل مع قوى مرئية مثل إيليا وأخنوخ ليدافعوا عن الكنيسة وعن شعب الله، حقاً “أن نسيت الأم رضيعها أنا لا أنساكم” وقد سبق الملاك أن أخبر دانيال عن ميخائيل في (دا 21:10) أنه صديق وشفيع ومحارب عن الكنيسة وينجي شعبك = لا يجب أن نفهمها أن الله سينجي شعبه من الاستشهاد فهذا ليس في فكر الله. ولو كان هذا في فكر الله فلماذا سمح بعصور استشهاد طويلة في الماضي ولكن ما تقصده الآية هو النجاة من الهلاك الأبدي (رؤ15:20).

 

آية (2): “وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي.”

هذه هي القيامة العامة. وهي نفس المعنى الذي قاله السيد المسيح في (يو28:5،29) وقوله كثيرين تعنى أن هؤلاء الكثيرين الراقدين سيقومون أو أن هؤلاء الراقدين سيقوم منهم كثيرين للحياة وسيقوم كثيرين للعار (أع15:24) ولاحظ أنه يسمى الأموات راقدين، وهذه تسمية العهد الجديد كما قال المسيح ”  حبيبنا لعازر قد نام” ونلاحظ أن هناك مكانين فقط بعد الموت إذاً أين الملك الألفي وأين المطهر؟!! وهذه الآية مناسبة هنا جداً، فمع هذه الضيقات الشديدة سنجد كثيرين يخورون مدعين أنه لا أحد يستطيع أحتمال هذا العذاب. ولكن ترد عليهم هذه الآية بأن كثيرين يخلصون ويثبتون محتملين هذه الآلام. وهذه الآية تشجع كل من يصبر على ضيقات هذا العالم.

 

آية (3): “والفاهمون يضيئون كضياء الجلد والذين ردوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى أبد الدهور”

من عرف المسيح وامتلأ من الروح القدس يعطي له الروح فهماً. فحين تأتي هذه الخدع سيكتشفها هؤلاء الفاهمين ويشرحوا لمن ليس له فهم وخَدَعَتْهُ حيل هذا المضل. ولكن من يشهد للمسيح في هذه الأيام سيعرض نفسه للاستشهاد والضيق ولكن إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضاً معه (رؤ17:8). وهؤلاء مجد الرب الإله ينير عليهم (رؤ5:22) والقديسين سيكونون في السماء كالكواكب لأن المسيح سيكون هو شمس البر التي تضئ لهم.

 

آية (4): “أما أنت يا دانيال فأخف الكلام وأختم السفر إلى وقت النهاية.كثيرون يتصفحونه والمعرفة تزداد.”

معنى الكلام أن كلمات هذا السفر ستكون غامضة إلى وقت إلى وقت النهاية. وقرب النهاية ستتضح معاني الكلمات حتى تكون شاهداً، ومؤيدة بعلامات تكشف هذا الوحش. وفي وقت النهاية كثيرون يتصفحونه والمعرفة تزداد بخصوص علامات هذه الأيام. ويتأكدون من صدق مواعيد الله، فهو قد سبق وأخبرهم بكل شئ.

 

آية (5): “فنظرت أنا دانيال وإذ باثنين آخرين قد وقفا واحد من هنا على شاطئ النهر وآخر من هناك على شاطئ النهر.”

هنا دانيال يري ملاكين كل منهما على ضفة من ضفاف النهر.

 

آية (6): “وقال للرجل اللابس الكتان الذي من فوق مياه النهر إلى متى انتهاء العجائب.”

أما الرجل الملابس الكتان فهو المسيح. وواضح اهتمام الملاك بالبشر وهو الذي يسأل إلى متى انتهاء العجائب = أي متى ستكون هذه النهاية. أو متى تأتي وتنتهي هذه الأحداث. وقد سمع دانيال سؤال الملاك للمسيح ورد المسيح عليه. ولاحظ أن المسيح مكانه هنا فوق مياه النهر= والنهر هو نهر دجلة الذي قيل عنه في (دا 4:10) وعرفنا سابقاً أن جريانه السريع وإندفاعه وعمقه تشير للأحداث الرهيبة الأخيرة أو المعارك الحربية الأخيرة التي كانت رمزاً لها حروب الماضي بين اليونان والفرس. وفي الأيام الأخيرة تشير لأحداث صاخبة مثل إندفاع مياه دجلة. ولكن أليس من المعزي جداً والمبهج لنا جداً أن المسيح فوق هذه الأحداث أي يسيطر عليها ويتحكم فيها لصالح شعبه. وهذه العبارة تتكرر ثانية في آية (7) كتأكيد لهذا، أن الله هو ضابط الكل. وكيف يستغل الله هذه الأحداث لصالح شعبه. راجع الآية (10) من هذا الإصحاح كثيرون يتطهرون ويبيضون ويمحصون = هذه هي فوائد الضيقات. وكان سير المسيح على مياه البحر بنفس المعني “حتى البحر يطيعه” ويبدو أن الملاك سأل هذا السؤال نيابة عن دانيال الذي خشى أن يسأله وذلك لأن المسيح أراد هذا. فهو كان يرد على أسئلة التلاميذ التي يريدون أن يسألوها (يو19:16) ولاحظ قوله يتطهرون ويبيضون.. وقارن مع قصة الثلاثة فتية في أتون النار فالله يسمح بالضيقات حتى نتطهر ونتحرر من قيودنا ويكون هو معنا في وسط الضيقة يعزينا.

 

آية (7): “فسمعت الرجل اللابس الكتان الذي من فوق مياه النهر إذ رفع يمناه ويسراه نحو السموات وحلف بالحي إلى الأبد أنه إلى زمان وزمانين ونصف.فإذا تم تفريق أيدي الشعب المقدس تتم كل هذه.”

الإجابة كانت زماناً وزمانين ونصف زمان = هذه الإجابة الرمزية تتكرر كثيراً. وهي تعني [1]ملء الزمان أي حينما تنضج الأحداث وتكتمل ويرى الله هذا مناسباً [2] هي فترة ضيقات تنتهي بمجد لله [3]قد تعنى نصف الأسبوع الأخير من نبوة السبعين أسبوعاً (دا 9) أي     3 سنة [4] ولها تفسير آخر:

فزمان = تعني أنه ملء الزمان أي أفضل توقيت لحدوث هذا في علم الله الكامل.

وزمانين= بالنسبة للبشر فهم متسرعين، لكن عليهم أن يتعلموا الصبر فهم يريدون تنفيذ الأحداث الآن أو نهاية الضيقات الآن لكن الله يقول لا.. فعليكم أن تعتبروا مدة تنفيذ هذه الأحداث ضعف ما تتصورون، أي لا داعي للعجلة.

ونصف زمان= هذه بالنسبة للمتهاونين، هؤلاء عليهم أن يعلموا أن المسيح سيأتي بأسرع مما يتصورون فالوقت منذ الآن مقصر “ويوم الرب يأتي كلص”. وحين تتم الأحداث سيجد الإنسان أن الوقت كان أسرع مما يتصور.

وهذا الوقت تم التعبير عنه في سفر الرؤيا بنفس الأسلوب. وهذا الوقت تم بقسم فقد رفع لابس الكتان كلتا يديه، وهكذا صنع في سفرالرؤيا (5:10،6). أي تأكيد أكثر من هذا؟! فحين يأتي أحد وينكر المجئ الثاني فأي دينونة تنتظره (2بط4:3).

فإذا تم تفريق أيدي الشعب المقدس. ويعود في (11) ويحدد بدءها إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرب. فقد يعني هذا سيطرة كاملة للوحش أو ضد المسيح مما يتسبب في تعطيل العبادة في الكنائس. وإقامة رجس المخرب. من المحتمل أن يكون هذا بجلوس ضد المسيح في الهيكل مظهراً نفسه أنه إله. ويمكن بعدها حساب مدة الآلام بالأيام كما في آية (11).

 

الآية (8): “وأنا سمعت وما فهمت.فقلت يا سيدي ما هي آخر هذه.”

هذا سؤال كل محب للكنيسة هنا دانيال هو الذي يسأل، وما آخر كل هذا الشر الذي في العالم. ودانيال يعبر هنا عن عدم فهمه فلنتضع ونقول ونحن أيضاً لا نفهم.

 

الآية (9): “فقال اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية.”

ولكن هذه الكلمات ستظل مختومة وغير مفهمومة حتى وقت النهاية “حين تزداد المعرفة” ويكون لهذه الأيات فائدة وربما لو عُرف معناها الآن تماماً لتعطلت خطة الله، وهذه هي طبيعة النبوات فهي تفُهم بعد تنفيذها أو بالقرب من موعد تنفيذها ليكون لها فائدة.

 

آية (10): “كثيرون يتطهرون ويبيّضون ويمحّصون.أما الأشرار فيفعلون شراً ولا يفهم أحد الأشرار لكن الفاهمون يفهمون.”

هذه الآلام يكون لها عمل النار المطهرة للمؤمنين وأما الأشرار فيزدادون تجديفاً على الله، ولن يقدموا توبة. (راجع رؤ20:9) فلم يتوبوا بعد.. بالرغم من الضربات التي بيضت وطهرت غيرهم + (رؤ9:16) فهم لم يتوبوا بل أيضاً هم جدفوا + (رؤ10:16) وأما الذين أعطاهم الروح القدس فهماً فسيفهمون ويقدمون توبة والآن نجد كلا القمح والزوان في الحقل وكلاهما ينميان معاً حتى يوم النهاية. وهذه الآية هي نفسها (رؤ11:22) من هو نجس فليتنجس بعد وهؤلاء الأشرار ستعمى عيونهم ولن يفهموا أن النهاية قد اقتربت (2بط4:3) فالخطية تعمى العيون (يو19:3 + مت14:13،15).

 

آية (11): “ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرب ألف ومئتان وتسعون يوماً.”

1290 هي المدة التي تبطل فيها الشعائر الدينية، حين يبطل الوحش العبادة. مع ملاحظة أنه في خلال هذه المدة ولمدة 1260يوماً سيشهد للمسيح شاهديه إيليا وأخنوخ (رؤ3:11) بينما سيدوس الأمم المدينة المقدسة 42شهراً أي 1278 أو 1279 يوماً وهنا مجرد تصور لتقسيم هذه المدة وهي محاولة للفهم مجرد محاولة لكن الأمر سيظل غامضاً إلى أن يتضح في حينه.

                       

وطوبى لمن ينهي فترة الـ1335 يوماً ومازال على الإيمان = طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى (12) أي يحتمل الآلام التي سيثيرها هذا الوحش ضد المؤمنين وهذه تساوي قوله من يغلب في سفر الرؤيا.

 

آية (13): “أما أنت فأذهب إلى النهاية فتستريح وتقوم لقرعتك في نهاية الأيام.”

لاحظ أن الموت راحة. ولاحظ أن الآية تتكلم أيضاً عن القيامة = وتقوم لقرعتك في نهاية الأيام = وكان دانيال في هذا الوقت قد وصل لشيخوخة كبيرة، لم يستطع بسببها غالباً أن يعود إلى وطنه، رغم أن كورش كان قد سمح بعودة اليهود سنة 536 ق.م. وغالباً فقد مات دانيال سنة 534 ق.م أي بعد هذه الرؤيا مباشرة. وقد دفن في برج كبير في عاصمة مادي كان مثوى لملوك مادي وفارس وتعيد كنيستنا القبطية لنياحته في يوم 23برمهات بركة صلاته تكون معنا أمين.

فاصل

سفر دانيال: 1234567891011121314

تفسير سفر دانيال: مقدمة123456789101112 

زر الذهاب إلى الأعلى