تفسير سفر دانيال ١ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الأول

الآيات (1-7): “في السنة الثالثة من ملك يهوياقيم ملك يهوذا ذهب نبوخذناصّر ملك بابل إلى أورشليم وحاصرها.  وسلم الرب بيده يهوياقيم ملك يهوذا مع بعض آنية بيت الله فجاء بها إلى أرض شنعار إلى بيت إلهه وأدخل الآنية إلى خزانة بيت إلهه. وأمر الملك أشفنز رئيس خصيانه بأن يحضر من بني إسرائيل ومن نسل الملك ومن الشرفاء. فتياناً لا عيب فيهم حسان المنظر حاذقين في كل حكمة وعارفين معرفة وذوي فهم بالعلم والذين فيهم قوة على الوقوف في قصر الملك فيعلموهم كتابة الكلدانيين ولسانهم. وعيّن لهم الملك وظيفة كل يوم بيومه من أطايب الملك ومن خمر مشروبه لتربيتهم ثلاث سنين وعند نهايتها يقفون أمام الملك. وكان بينهم من بني يهوذا دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا. فجعل لهم رئيس الخصيان أسماء فسمى دانيال بلطشاصر وحننيا شدرخ وميشائيل ميشخ وعزريا عبد نغو.”

في السنة الثالثة ويقول أرمياء (1:25،9) في السنة الرابعة ولا يوجد تعارض بينهما فأرمياء يحسب سنة تولى الملك ملكه هي السنة الأولى لحكمه أما دانيال فيتبع الطريقة البابلية، فهو يعتبر السنة التالية للملك هي السنة الأولى لحكمه، وهو بهذا لا يحسب كسور السنة، ونلاحظ أن السبي حدث على أربع مراحل (راجع تفسير سفر أرمياء) والمذكور هنا هو السبي الأول الذي فيه أخذ دانيال والثلاث فتية إلى بابل = أرض شنعار = هو الاسم القديم لأرض بابل، ثم صار اسمها بابل بعد بلبلة الألسنة.

أدخل الآنية إلى خزانة بيت إلهه = الآنية تشير لأولاد الله (2كو7:4 + 2تي20:2،21) لذلك اهتم عزرا بحصر عدد الآنية (عز7:1-11) وكان هذا رمزاً لتحرير أولاد الله من سلطان إبليس وعودتهم للكنيسة (أورشليم) وكان المخطط البابلي إعادة تشكيل الشباب العبراني (غسل مخهم) حتى ينسوا وطنهم ولغتهم ودينهم وإلههم وكان ذلك كالآتي:

أ‌.        تغيير الأسماء: حنانيا: الله حنان. ميشائيل = من مثل الله. عزريا = الرب عوني هؤلاء تغيرت أسماءهم إلى شدرخ = أخو إله القمر أخ أو أكو ميشخ = من مثل الإله أخ أو أكو وعبدناغو = عبد الإله نبو كبير الآلهة فلأن أسماءهم الأولى تذكرهم بارتباطهم بالله غيَّروها ليرتبطوا بآلهة بابل. إذاً لنهتم أن نطلق على أولادنا أسماء قديسين ليرتبطوا بهم.

ب‌.    نوعية الطعام : كان اليهود مدققين جداً في طعامهم ولهم أكل محلل وأكل محرم مثل لحم الخنزير، أو ما ذبح للأوثان. وكانت لهم طريقة خاصة في الذبح. وحتى ينسوا هذا قَدَّمَ لهم الملك أفخر مأكولاته. وكان للبابليين طريقة خاصة هي أن يلقوا جزءاً من الطعام لآلهتهم أثناء طبخ طعامهم على النار. لذلك رفض دانيال والفتية هذا النوع من الطعام حتى لا يشتركوا في هذه العبادة الوثنية.

ت‌.    تغيير اللغة: لينسوا لغة أبائهم وتوراتهم، واللغة مقدسة عند العبرانيين فهي لغة موسى ولغة التوراة. وبرع دانيال في علومهم كما تهذب موسى بكل حكمة المصريين. ولكن لا نقرأ أن هذا الملك أمر بتعليمهم ديانات البابليين، أو فنون السحر وإلا كانوا قد رفضوها. فإذا كانوا قد رفضوا طعام البابليين فبالأولى يرفضوا قبول ديانتهم. ويبدو أن المطلوب كان تعليمهم الحكمة والقانون والفنون والعلوم ليؤهلوا للخدمة.وسبي أولاد الملوك مثل دانيال ورفاقه هو تحقيق لنبوة أشعياء ضد الملك حزقيا (7:39) ولكن هؤلاء الفتية الثلاثة مع دانيال وان تغيرت أسماءهم لم تتغير قلوبهم فكانوا مثل يوسف أمناء لله بالرغم من تغيير أسماءهم (فيوسف غيروا اسمه إلى صفنات فعنيح).

 

الآيات (8-16): “أما دانيال فجعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجس. وأعطى الله دانيال نعمة ورحمة عند رئيس الخصيان. فقال رئيس الخصيان لدانيال أني أخاف سيدي الملك الذي عيّن طعامكم وشرابكم. فلماذا يرى وجوهكم أهزل من الفتيان الذين من جيلكم فتديّنون رأسي للملك. فقال دانيال لرئيس السقاة الذي ولاه رئيس الخصيان على دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا. جرب عبيدك عشرة أيام فليعطونا القطاني لنأكل وماء لنشرب.  ولينظروا إلى مناظرنا أمامك وإلى مناظر الفتيان الذين يأكلون من أطايب الملك ثم أصنع بعبيدك كما ترى. فسمع لهم هذا الكلام وجربهم عشرة أيام. وعند نهاية العشرة الأيام ظهرت مناظرهم أحسن وأسمن لحماً من كل الفتيان الآكلين من أطايب الملك. فكان رئيس السقاة يرفع أطايبهم وخمر مشروبهم ويعطيهم قطاني.”

أعطى الله نعمة لدانيال في عين رئيس الخصيان كما سبق وحدث مع يوسف في بيت فوطيفار وفي السجن وعلينا أن نعترف حين نلاحظ محبة واحترام الآخرين أن هذا من عمل يد الله ونعمته. وما سبب هذه النعمة؟ أن دانيال جعل في قلبه = أي كان ينوي نية جادة، والحياة الروحية تبدأ من القلب هو احتياج يسعى إليه القلب. ودانيال طلب من رئيس الخصيان = وهو طلب مستحيل فعقاب رفض الأوامر الموت. لكن لا ننسى عمل السماء، فهو كان أميناً مع الله فجعل الله أعداؤه يسالمونه،  وأعطاه الله نعمة في أعين رئيس الخصيان. ولاحظ قول دانيال جرب عبيدك = فهو طلب كله إيمان لكن بوداعة. لا يتنجس بأطايب الملك = فنحن حين نموت عن شهوات الجسد وننظر إليهما في عدم مبالاة يكون هذا سبب نعمة من الله وحكمة وتقوى. وبالإضافة لما سبق فهناك سبباً آخر في أنهم رفضوا طعام الملك، فإنه من غير المناسب أن يفرحوا وهم في السبي وبلدهم في ضيقة. ولاحظ أنهم حين اشتركوا في الحزن مع شعب الله حَوَّلَ الله حزنهم إلى فرح (يو20:16) وهذا حال كل من يبكي على خطيته فالله يعطيه عزاء ويحول دموعه إلى فرح (مز5:126،6) وهم طلبوا أن يأكلوا القطاني = أي الحبوب التي تطبخ كالعدس والفول والحمص واللوبيا وهذا هو الأكل الصيامي عند الأقباط وهذا أعطاهم منظراً وصحة أحسن وهذا فيه رد كافٍ لمن يرفض الصيام خوفاً على صحته. بل زادت لهم بركة خاصة فصحتهم تحسنت عن أترابهم. وفي آية (17) نجد أن الله أعطاهم عطية زائدة معرفة وعقلاً وحكمة وفهم أحلام. ولنلاحظ أنهم تربوا في يهوذا على الترف ولكن من أجل الله قبلوا بل طلبوا هذه الحياة الخشنة (أم17:15) أكلة بقول مع المحبة خير من ثور معلوف مع البغضة) ولنذكر أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. بل أن الاستغراق في شهوات وملذات العالم سبب كثير من الأمراض. ونلاحظ أنهم صاموا ليرضوا الله فأعطاهم الله كل هذا أما لو صمنا لأغراض مادية فقد لا يعطينا الله ما نطلبه من الماديات لأن هدف صومنا يجب أن يكون فقط شركة حب مع ألام رب المجد.

 

الآيات (17-21): “أما هؤلاء الفتيان الأربعة فأعطاهم الله معرفة وعقلاً في كل كتابة وحكمة وكان دانيال فهيماً بكل الرؤى والأحلام. وعند نهاية الأيام التي قال الملك أن يدخلوهم بعدها أتى بهم رئيس الخصيان إلى أمام نبوخذناصّر. وكلمهم الملك فلم يوجد بينهم كلهم مثل دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا. فوقفوا أمام الملك. وفي كل أمر حكمة فهم الذي سألهم عنه الملك وجدهم عشرة أضعاف فوق كل المجوس والسحرة الذين في كل مملكته. وكان دانيال إلى السنة الأولى لكورش الملك.”

في مقابل أمانتهم نجد مواهب وعطايا الله غير المحدودة بل حصل دانيال على روح النبوة وتفوقوا على الكلدانيين. فماذا تكون آلهة الكلدانيين وحكمتهم أمام الله وعطاياه.  وهذه شهادة ممن كانوا أمناء لله. وقد قيل عنهم وقفوا أمام الملك = وهذه تعني أن الملك عينهم مشيرين له (أس14:1) ودانيال استمر حتى السنة الأولى لكورش وهذه لا تعني أن دانيال عاش حتى السنة الأولى لكورش لأنه يقول كان ولم يقل عاش ومعني هذا أنه رأي تحرر شعبه ونهاية السبي وعودتهم إلى أورشليم كمكافأة له فهو طالما اشتاق قلبياً لهذا. ويعني القول أيضاً أن دانيال استمر في مركزه الهام حتى السنة الأولي لكورش.  إلا أنه عاش بعد ذلك بسنوات. وقارن جرب عبيدك 10 أيام مع وجدهم 10 أضعاف. ورقم 10 يشير للكمال في طاعة الوصية فكمال طاعتنا للوصية يعطينا كمال السلطان على قوى الشر. المجوس= كلمة فارسية تعني كهنة وفي ترتيبهم يأتون بعد الحاكم مباشرة في بلاد مادي وفارس.

فاصل

سفر دانيال: 1234567891011121314

تفسير سفر دانيال: مقدمة123456789101112 

زر الذهاب إلى الأعلى